كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (3): هيفاء المنصور تعود لفينيسيا بـ {المرشحة المثالية»

فينيسيا: محمد رُضـا

فينيسيا السينمائي الدولي السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

هيفاء المنصور مخرجة سعودية بأجندة. في فيلمها الأول «وجدة» (2012) سجّـلت رغبة الفتاة الصغيرة وجدة (عشر سنوات) في ركوب الدراجة وسعيها الحثيث لتحقيق هذا الحلم على الرغم من المحاذير التي تمنع الفتيات، في ذلك الحين على الأقل، من القيام بمثل هذا الفعل. آنذاك، لم تعِ وجدة أنها كانت تواجه تقاليد صارمة، وأنها بذلك تتحدى مفاهيم قديمة العهد ومتشددة.

في فيلمها الجديد «المرشحة المثالية» تنتقل المنصور لتحكي قصة امرأة مثقفة اسمها مريم (ميلا الزهراني) تعمل طبيبة في مستشفى طوارئ يقع في ضاحية ما زالت الطريق صوبها غير معبّدة. سيارات الإسعاف التي تعمل على نقل المرضى والمصابين عليها أن تغوص في الوحول والدروب غير المزفّتة لكي تصل إلى مدخل المستشفى.

لا تستطيع مريم أن تقنع المسؤولين الحكوميين في منطقتها بأهمية تعبيد الطريق، وهذا جزء من مشاكل عملها، ولو أنه الطموح الأكبر في الوقت ذاته. المشكلة الأخرى هي أن رئيسها في المستشفى مستعد لمعاملتها كأنثى وليس كطبيبة إذا ما اقتضت الحاجة.

والحاجة تقتضي عندما يصل رجل عجوز بصحبة حفيده ليدخل حالة الطوارئ بعدما صدمته سيارة. حين يرى العجوز مريم يصرخ في وجهها، مطالباً إياها بتركه وشأنه واستبدالها بطبيب ذكر.

ويخرج المدير من مكتبه بسبب صراخ المريض ويلومها على أنها لم تمتثل لطلب المصاب.

لمريم شقيقتان وأب عازف في فرقة تراث موسيقية. تحتاج مريم إلى موافقة والدها لحضور مؤتمر في دبي خلال إجازتها.

في تلك الأثناء كان الأب ينتهز فرصة دعوته لأول عرض أمام الجمهور بعدما أمضى سنوات يعزف في الأفراح. هو بدوره يسعى لتحقيق ذاته ورسالته الفنية، لكن المصاعب تختلف وستتبدد لتنتهي بنجاح. أما مريم فستجد أن سفرها ممنوع فتحاول الاستنجاد بأحد مديري الأقسام الرسمية، ولكي تقابله تدعي أنها تريد الترشح كرئيس مجلس البلدية.

هنا سرعان ما يتبدّل وضعها وتجد نفسها تدخل التنافس مع عدد من المرشحين الرجال. عليها أن تثبت للآخرين بأنها تصلح لأن تكون رئيس البلدية ولو أن غايتها استخدام الوصول إلى المنصب لغاية واحدة تشير إليها في كل تصريحاتها وهي تعبيد تلك الطريق المهملة.

إيجابيات

كتبت هيفاء المنصور سيناريو فيلم هادف يتمحور حول حق المرأة في اكتساب الفرص الموازية لفرص الرجل في السفر وفي المناصب الرسمية.

لكن المنصور لا تؤمن بأن عليها أن تعمد إلى المطالبة بأكثر مما هو متاح. فيلماها ينتهيان بفوز محدود وبأمل كبير في التغيير المنشود. ومنوالها في هذا الصدد لا يشكل عبئاً عليها؛ لأنها تترك لشخصياتها النسائية بلورة ما في بالها من رسائل اجتماعية. لذلك؛ نجد أن قيمة ما تعرضه من مضامين منحصرة في تلك الشخصيات الساعية للتغيير أكثر مما هو في وجهة نظرها، أو في أسلوب فني تعتمده لتحريك أقوى للدوافع النبيلة التي تحتضنها هي وبطلتها.

«وجدة» كان له النصيب الكبير من الاهتمام؛ كونه الفيلم الأول لمخرجة سعودية. وحينها كانت المملكة في أولى خطوات التغيير ما جعل «وجدة» عملاً مواكباً وفي وقته المناسب. هذا الفيلم هو أيضاً مواكب للمرحلة وفي وقته المناسب، لكنه لا يتجاوز «وجدة» في معالجته الفنية. السيناريو يرتكز على الأساسيات التقليدية في السرد. يعرف مثلاً متى يحرّك عائقاً أمام بطلته ثم يتجاوزه (على الطريقة الهوليوودية في الأفلام الدرامية والكوميدية التقليدية)، كما تعلم متى تمنح بطلتها الشعور بالاكتفاء بعدما استطاعت - على الأقل - تأمين تعبيد الطريق إلى المستشفى التي تعمل فيه.

إنه فيلم إيجابي الرسالة يؤمن بأن الأمور عليها أن تتم بالتدرّج ولا يؤمن بالنقد في سبيل تحقيق الغاية. لذلك؛ فإن الفيلم يمر عبر مناطق ساخنة بيسر ومن دون حدّة. الشخصيات بأسرها إيجابية أو هي تصل إلى قناعات إيجابية تؤيد منحى مريم بمن فيها شخصية المصاب العجوز الذي يخبرها، بعدما عارض بشدة أن تشرف عليه امرأة، بتقديره لها وأنه شخصياً صوّت لها على أمل فوزها.

هذا تبسيط سعياً لنهاية سارّة، لكن المثير في العمل هو المقارنات التي تقوم بها بين سعي بطلتها وسعي والدها للوصول بفنه وبفن فرقته إلى مرحلة نجاح جديدة (وهو ما يتحقق له عندما توافق الجهات المسؤولة على ضمّه بصفته فريقاً فنياً وطنياً في عداد الفرق الموسيقية التراثية في المملكة).

تقوم المخرجة بفعل المقارنة بين وضع المرأة ووضع الرجل بذكاء. وفي الوقت ذاته تنتهز الفرصة لتقديم وصلات فنية من العزف لدرجة أن الناقد كان يتمنى لو أخرجت الفيلم بأسره كميوزيكال، خصوصاً أن المخرجة تستعين أيضاً بمغنيات تشتركن في بعض المناسبات. بل نرى كذلك مريم ذاتها وهي تصدح بالغناء في بعض المشاهد الأخيرة.

رسالة الفيلم في الختام هي أقوى من أسلوب المخرجة الفني. تعمد لتصوير مشاهدها بالمتوقع من زوايا وأحجام واختيارات؛ لذلك تجتاز طريقها بيسر وسهولة، وتترك للمشاهد كل البراهين على أن المرأة تستطيع أن تنجز ما تطمح لإنجازه ولو بالتدرج المريح.

لا أرى أنها ستخرج بجائزة لأن بعض التحدي الذي تضعه في شخصية بطلتها كان مطلوباً في صياغة الفيلم فنياً وأسلوبياً.

رومان بولانسكي تحت المجهر بسبب تاريخه

> احتج منتجو فيلم «ضابط وجاسوس» بسحب الفيلم من المسابقة إذا لم تعتذر رئيس لجنة التحكيم لوكرزيا مارتل عما كانت صرحت به قبل يومين عندما قالت إنها لن تحضر حفلة عرض فيلم رومان بولانسكي لأنها «لا تريد تهنئته أو إهانة ضحايا (اعتداءاته) الجنسية».

وردت عباراتها التي اعتبرها المنتجون مهينة في لقاء صحافي قبل بدء لجنتها أعمالها يوم أول من أمس. في ذلك اللقاء أشارت إلى أنها راجعت ملفات وأمضت وقتاً طويلاً في البحث عن خلفية القضية التي وجدته المحكمة الأميركية مُداناً سنة 1977.

وأضافت «أنا مخرجة أرجنتينية وأرى نفسي أمثل الكثير من النساء اللواتي لن يرغبن مني مصافحة أو تهنئة مخرج بصرف النظر عن مستوى فيلمه. لن أستطع أن أصفق له حين يصعد على المسرح في ليلة افتتاح الفيلم».

على ذلك، قالت المخرجة الأرجنتينية إنها لا ترى أن المهرجان أخطأ في قبول فيلم رومان بولانسكي الجديد في دورته هذه.

نتيجة ذلك أن انبرى أحد منتجي الفيلم، الإيطالي لوكا بارباريشي، بالتهديد بسحب الفيلم من المسابقة إلا إذا اعتذرت مارتل عن تصريحاتها. ومساء الخميس أعلنت أن بعض الصحف حرّفت أقوالها، بل اقترحت أنها سترفض مشاهدة الفيلم. قالت «هذا ليس حقيقياً، ولو أنني لا أستطيع فصل الفيلم عن صاحبه، لكني أؤمن أن فيلم بولانسكي له الحق في أن يكون في المسابقة».

كلامها كان له وقع إيجابي على منتجي الفيلم الذين تراجعوا عن تهديداتهم على الرغم من أنها لم تتأسف أو تعتذر لما قالته.

لكن أحدهم ذكر، بالنيابة عنهم، بأنهم اعتبروا كلماتها تلك اعتذارا و«لهذا السبب سوف يبقى الفيلم داخل المسابقة».

فعلياً، لا أحد من المخرجين حول العالم عانى في حياته من وضع مماثل على الإطلاق.

كانت هناك تهم عدة في الماضي (بينها تهمة اغتصاب وجهت إلى الكوميدي فاتي أرباكل)، وأكثر منها في السنوات الأخيرة، لكن الإدانة التي وجهت إلى بولانسكي قبل فراره من الولايات المتحدة طالته بعنف. لجانب إنه وجد نفسه غير قادر على السفر إلى نحو نصف دول العالم بسبب اتفاقية تبادل مطلوبين بين الولايات المتحدة والكثير من الدول، شعر، حسب ما ذكره مؤخراً بأن وسائل الإعلام اتخذت موقفها ضده إذعاناً لقرار المحكمة حتى من قبل قدرته على نقضه. إلى ذلك، خسر فرص العمل في الولايات المتحدة تلك التي كان بدأها بنجاح قبيل نهاية الستينات. بعد ذلك، كان هناك ذلك الصيت الذي وصمه طوال حياته (هو في السادسة والثمانين من العمر الآن) والتجاذب حول موقفه والحكم عليه.

اثنتان وأربعون سنة من هذا القفص الذي يحيط به والذكريات المؤلمة على إثر تراكمات من التجارب التي تعرض إليها من معاناته صغيراً أيام احتلال ألمانيا النازية لبولندا إلى معاناته كمخرج هرب من السوط الستاليني لاجئاً إلى الغرب وصولاً إلى مقتل زوجته شارون تايت (بعض الصحف الأميركية اتهمته بأنه هو من تسبب في موتها إلى أن ألقى البوليس الأميركي القبض على القاتل تشارلز مانسون).

لكن نزوات بولانسكي الجنسية ليست محط خلاف كبير. الرجل أخطأ بحق تلك الفتاة التي كانت في الثالثة عشر عندما تعرضت لاعتدائه وهو هرب من الحكم لأنه أدرك أنه سيمضي نحو عشر سنوات من حياته في السجن، وسيخرج منه محطماً.

فيلمه الجديد «ضابط وجاسوس» سيحمل الكثير مما ذكرناه هنا من انعكاسات متاعبه الشخصية؛ إذ يتحدث عن الضابط ألفرد دريفوس الذي أدانته المحكمة بالتجسس لصالح الألمان.

الفارق هو أن المحكمة آنذاك أدانت دريفوس ونفذت فيه الحكم. أما بولانسكي فقد قدر له أن يواصل كل من المعاناة والعمل بنتائج مختلفة القيمة.

يقول: «كل ذلك يطاردني حتى اليوم. أي شيء وكل شيء. إنه أشبه بكرة ثلج كبر في كل موسم».

سكارلت جوهانسن لـ «الشرق الأوسط» :

ما زلت في طور التعلم

> استأجرت شركة «نتفلكس» الغرفة رقم 662 في فندق إكسلسيور لكي يمضي فريق فيلم «قصة زواج» (Marriage Story) وهم سكارلت جوهانسن، وأدام درايفز، والمخرج نواه بومباك، معظم وقت يوم أول من أمس (الخميس) لإجراء مقابلات الصحافة. وكالمتوقع انصب الزخم الأكبر من طلبات اللقاءات الصحافية على جوهانسن لأسباب معروفة ليس شهرتها سوى أحد تلك الأسباب.

بطبيعة الحال، فإن الوقت المتاح لكل لقاء محدد بالثواني يحرسه الفريق الإعلامي للفيلم ويمارسه بكل صرامة. ينهض الصحافي من أمام الممثلة ليأخذ المكان آخر. وبين كل مجموعة من اللقاءات تغادر الممثلة الغرفة لكي تستعيد نشاطها. الأمور ليست براقة على الدوام بالنسبة لنجوم الفن السابع. رغم ذلك، لا تغيب الابتسامة عن وجه الممثلة إلا عندما تبدأ الإجابة عن الأسئلة. وهذا كان أولها:

·        يبدو لي أن «قصة زواج» هو مناسبة للخروج من ملابس شخصية «بلاك ويدو» التي تقومين بها في الأفلام ذات الأجزاء مثل «كابتن مارڤل» و«أفنجرز». هل هذا هو السبب الذي من أجله قمت بتمثيل الفيلم؟

- هو السبب فعلاً، لكن هذا المشروع ليس الوحيد المتاح للتنفس بعيداً عن تلك الأفلام، ولا أعتقد أني أهملت سابقاً الخروج من هذه الدائرة كلما كانت هناك فرصة مواتية.

·        تتنفسين بعيداً عن متطلبات الأفلام الكبيرة وغالبها تقني. أليس كذلك؟

- نعم. الفيلم الصغير، أو ما نسميه صغيراً ولو أن الكلمة ليست مثالية ولا حتى صحيحة، هو فرصة كل الممثلين المشتركين في تلك الأفلام ذات الأجزاء للعودة إلى المواضيع الواقعية مثل موضوع هذا الفيلم.

·        موضوع الطلاق الذي يثيره «حكاية زواج» شائك ومعقد، خصوصاً عندما يتدخل فيه المحامون من كلا الطرفين. أعتقد إنك مررت مؤخراً بهذه التجربة.

- نعم. فعلت. في الأساس كنت في طور الترتيبات النهائية للطلاق عندما اتصل بي (المخرج) نواه وسأل إذا ما كان يستطيع مقابلتي لهذا المشروع. وافقت على المقابلة من دون أن أعرف ما هو المشروع الذي يود التحدث فيه. وحتى بينما كنا نجلس في أحد المطاعم كنت ما زلت أجهل المشروع ولماذا عليّ أن أوافق عليه. لكن عندما ذكر لي المخرج بأن الفيلم سيدور حول مصاعب الطلاق أدركت أنني أحتاج للتعبير عن أزمتي الشخصية في هذا المجال. وافقت ضمنياً على الدور وطلبت أن أقرأ السيناريو. حين قرأته ازدادت رغبتي في تمثيل هذا الفيلم.

·        هل اختارك المخرج لأنك كنت تمرين بمراحل الطلاق؟

- لا. مطلقاً. لم يكن يعرف ذلك عني. فوجئ بالأمر كما فوجئت بدوري بأن الفيلم يدور عن الطلاق.

·        حين تنظرين إلى أدوارك في أفلام «أفنجرز» و«كابتن مارڤل» ثم إلى أدوارك في أفلام مختلفة مثل هذا الفيلم أو مثل «مرحي، سيزار» أو «دون جوان» هل تفصلين بين هذين النوعين شبه المتناقضين من الأفلام؟

- لا، لأن النوعين منفصلان أساساً. أعتقد أن الممثل عليه أن يعمد إلى الأدوار التي تثير اهتمامه. وأنا دائماً ما أقول إنني ما زلت في طور التعلم. كنت في حاجة إلى أفلام الكوميكس لأكثر من سبب ولا أمانعها مطلقاً. لكني في الوقت ذاته ألبي الرغبة في تمثيل أفلام مستقلة حتى وإن كان من المعروف إنها أقل نجاحا من الأفلام الكبيرة.

·        هي حاجة الممثل إلى التناوب بين الأفلام الناجحة تجارياً والأفلام الهادفة فنياً. صحيح؟

- نعم، وإلى حد كبير.

·        لكنك ستقومين ببطولة فيلم مخصص لشخصية «بلاك ويدو» (Black Widow)…

- نعم... في الواقع هو الآن في طور التصوير وحال عودتي إلى وطني سأكمل تصوير دوري في الفيلم.

·        هل تطمحين لاستكماله في أجزاء لاحقة؟ وكيف ترين الأفلام التي تقوم الممثلات فيها بأدوار المرأة المقاتلة؟

- يعتمد ذلك على الفيلم نفسه. في السنوات القريبة كثرت هذه الأفلام التي تقودها المرأة لتحارب بالقدرات ذاتها التي يحارب بها الرجال. وهي شهدت نجاحاً كبيراً هيأ الجو للمزيد منها. نعم، أطمح لأن يحقق «بلاك ويدو» غاياته ويتم تحقيق أجزاء لاحقة، لكنني منشغلة دائماً. في الغالب عند خروج هذا الفيلم سأكون منشغلة في تمثيل فيلم آخر بعيد تماماً عن كل ما يمثله «بلاك ويدو».

 

الشرق الأوسط في

31.08.2019

 
 
 
 
 

فيلم سعودي يتنافس على الأسد الذهبي في فينيسيا

أمير العمري

فيلم يتوجه أساسا إلى الجمهور السعودي، يريد أن يداعبه، وأن يدفعه إلى الابتسام، وربما إلى الضحك أيضا على نفسه.

تشارك المخرجة السعودية المقيمة في أميركا، هيفاء المنصور، في مسابقة الدورة الـ76 لـ مهرجان فينيسيا السينمائي، بفيلمها الروائي الطويل الثالث “المرشحة المثالية” The Perfect Candidate (بعد “وجدة” 2013 السعودي، و”ماري شيللي” 2017 البريطاني). إلاّ أنها تتجاوز فيه ما سبق أن قدّمته بنجاح لافت للنظر في “وجدة”.

  تبدو المخرجة السعودية هيفاء المنصور في فيلمها المشارك في مسابقة الدورة الـ76 لـ مهرجان فينيسيا السينمائي، والمعنون بـ“المرشحة المثالية” مهتمة مجددا بقضية المرأة السعودية في المجتمع الذكوري الذي لا يزال ينظر إلى المرأة نظرة متدنية.

لكن المنصور تعالج موضوعها مبرزة أيضا ما يشهده المجتمع السعودي من إصلاحات حقيقية سواء على صعيد مشاركة المرأة في العمل العام، أو على مستوى الفنون والسماح بإقامة الحفلات العامة وإنشاء دور العرض السينمائي والسماح للمرأة مؤخرا بقيادة السيارات وبالسفر من دون محرم، والكثير من الإصلاحات التي ستتلوها دون أي شك، إصلاحات أخرى باتت ضرورية ومطلوبة.

هيفاء المنصور تستند إلى سيناريو بسيط، محكم، دقيق، متوازن، ينتقل في سلاسة عبر الفصول المختلفة للقصة التي يرويها، من دون تعقيدات أو استعراضات بالكاميرا أو خروج عن أجواء الفيلم الواقعية، مع بعض اللمحات والمشاهد التي يغلب عليها الطابع الكوميدي ولإبراز دور الموسيقى والغناء.

إنها تريد بوضوح الوصول إلى أكبر جمهور ممكن، ربما في الداخل قبل الخارج، فالفيلم في الأساس وكما يتضح من سياقه ومن اختياره لأبطاله وأشكالهم المتنوعة في إطار التركيبة السعودية، واهتمامه أيضا بالإشارة إلى الكثير من المتناقضات في المجتمع “الذكوري” السعودي، يتوجه تحديدا إلى الجمهور السعودي، يريد أن يداعبه، وأن يدفعه إلى الابتسام، وربما إلى الضحك أيضا على نفسه، وعلى بعض عاداته العتيقة، كما يريده الفيلم أن يغضب وأن ينتفض ويبدأ في الثورة على نفسه وأن يرفض التشبث بقيم عفا عليها الدهر، خاصة في نظرته لدور المرأة، وهو محور اهتمام المنصور هنا كما كان في “وجدة”.

وتتبع المنصور أسلوبا مرتبا بطريقة قصدية يكشف مشهدا وراء الآخر، عن الأشكال العتيقة في العلاقة بين الرجل والمرأة، كما تتوقّف أمام بعض المعوقات التي يتعرّض لها الفنانون الرجال في السعودية أيضا. وهي وإن كانت تحتفي بإبراز ما وقع من إصلاحات في الفترة الأخيرة، إلاّ أنها تطالب بالمزيد، وتشير بوضوح إلى أن ما تحقّق من إصلاحات ليس كافيا، وأنه قد آن الأوان أن تنتقل السعودية من الانغلاق إلى الحداثة.

هيفاء المنصور تستند في "المرشحة المثالية" إلى سيناريو بسيط، محكم، دقيق، متوازن، ينتقل في سلاسة عبر الفصول المختلفة للقصة التي يرويها

جو عدائي

الشخصية الرئيسية في الفيلم هي “مريم” وهي طبيبة شابة تعمل في قسم الحالات الطارئة في مستشفى بإحدى المدن السعودية الصغيرة. ورغم حماسها الشديد للعمل وكفاءتها التي لا شك فيها، إلاّ أنها محاطة بجو عدائي يرفض أو يتحفّظ على دورها كطبيبة، سواء من جانب المرضى الرجال أو من جانب مدير المستشفى نفسه وبعض زملائها الأطباء.

يدفعها طموحها للبحث عن وسيلة للترقي والحصول على عمل آخر، فتشرع في إجراءات السفر إلى دبي لحضور مؤتمر طبي هناك، لكنها تفاجأ وهي في المطار وبعد أن اقترضت ثمن التذكرة من شقيقتها، بمنعها من السفر بدعوى أن تصريح سفرها من جانب المحرم (وهو في هذه الحالة والدها نفسه)، انقضى أجله ويحتاج إلى تجديد. لكن الوالد غير متوفر. والوقت يمر وشركة الطيران لا تريد تمديد التذكرة سوى لساعات محدودة.

والد مريم “عبدالعزيز”، هو مغني شعبي يعيش هائما مع ذكرياته وآلامه الشخصية منذ وفاة زوجته التي كانت مغنية في الأفراح وحفلات الزواج، وقد ارتبط بها ارتباطا شديدا وأحبها وما زال يحتفظ بشريط أغانيها الأول. وبسبب انغماسه في همومه ورغبته في التحقّق كمغنٍ ضمن فرقته الموسيقية التي تحاول الوصول إلى أكبر جمهور ممكن، قد انصرف عن رعاية بناته الثلاث مريم وشقيقتها: “سارة” المراهقة، و“سلمى” مصوّرة الأفراح.

وبينما تسدل مريم النقاب على وجهها، تكتفي شقيقتاها بارتداء غطاء الرأس. وبينما تبدو مريم الأكثر جموحا وتمردا تبدو شقيقتها الأصغر سارة، التي يفترض أن تمثل الجيل الجديد.. جيل الإنترنت، هي الأكثر تشدّدا وهي التي ستعارض بشدة رغبة مريم الترشح لعضوية المجلس البلدي (خشية من رد فعل الجيران وما يقال من “كلام الناس”)، فما يحدث أن مريم بعد أن تفشل في إقناع قريب لها هو “راشد” الذي يشغل منصبا كبيرا في البلدية، بالتدخل ومساعدتها على السفر، تتقدّم بطلب ترشيح رسمي للانتخابات البلدية وهو ترشيح يأتي بالصدفة في مشهد كاريكاتوري بعد أن يرفض مدير مكتب راشد السماح لمريم بمقابلته بدعوى أن اليوم مخصّص فقط لمقابلة المرشحين!

يصبح الفيلم منذ تلك اللحظة مكرسا لتوجيه الاهتمام إلى “المعركة” الغير مسبوقة التي تخوضها مريم أمام مرشح من الرجال كان دائما يفوز بالمقعد، كيف يمكن أن تنظم الدعاية بمساعدة شقيقتيها؟ وكيف تنظم حفلا وتدعو عددا من النساء لإقناعهنّ بانتخابها، خاصة وأن هدفها تعبيد الطريق إلى مستشفى الطوارئ، وهو طريق طيني ممتلئ بالمياه ممّا يعيق حركة سيارات الإسعاف؟ ثم كيف تواجه الرجال مباشرة في الخيمة التي اجتمعوا فيها ضاربة عرض الحائط بالتقاليد؟ وبعد أن تكون قد نزعت النقاب، ولكنها رغم ذلك تُواجه بالإعراض والرفض من جانب كلٍ من النساء والرجال.

"المرشحة المثالية".. مشاكل المرأة في مجتمع ذكوري على ضوء الإصلاحات الجديدة

دور الفن

تنتهج هيفاء المنصور أسلوبا يعتمد على المونتاج المتوازي، أي الانتقال المستمر بين ما تقوم به مريم مع شقيقتيها، بعد أن اعتذر والدها عن مساعدتها أو الوقوف بجانبها نظرا لقيامه مع فرقته بجولة غنائية في عموم البلاد، وبين رحلة الأب وجولات فرقته الغنائية وما تتعرّض له من متاعب وما تحلم به، حيث تأمل أن يلتحق أفرادها بالفرقة الوطنية للموسيقى التي أعلنت الحكومة بالفعل البدء في تأسيسها.

إلاّ أن شخصية الأب تبدو في الحقيقة أكبر من الواقع، فهو يتمتّع بروح ليبرالية عظيمة تجعله يسمح لابنته بأن تفعل ما تشاء وتعتمد على نفسها تماما وتخرج إلى العمل بكل حرية، وإن كان في قرارة نفسه يشعر بالقلق عليها. لكن الفيلم يبرّر ذلك في ضوء أن الأب رجل متفتح ومطرب يؤمن بدور الفن، ويدعو إلى ضرورة أن ترعى الدولة الفنانين، كما يصوّر الفيلم كيف تتعرّض الفرقة الموسيقية لتهديدات من الجماعات الإرهابية التي تعادي الغناء في الأماكن العامة.

والحقيقة أن هيفاء المنصور تجمع في فيلمها بشكل يكاد يكون حرفيا، جميع المتناقضات: السماح للمرأة أخيرا بقيادة السيارات (مريم تقود سيارتها بنفسها)، ولكن في الوقت نفسه استمرار الفصل بين النساء والرجال، ومنع الاختلاط في الحفلات بما في ذلك حفلات الزواج.. النظرة التقليدية المتشدّدة لدور المرأة كطبيبة (المريض المسن الذي يرفض أن تفحصه مريم)، ثم كيف يعترف هذا المريض نفسه بعد أن تنقذ هي حياته بخطئه ويصفها بأنها الطبيبة المثالية.

هناك لقطات خارجية من السيارة وكذلك من الحافلة التي تقل الفرقة الموسيقية، للمناظر الطبيعية بين المدن مع امتداد الجبال والصحراء، وهناك اهتمام كبير بالموسيقى والغناء، الذي يمتزج فيه العاطفي بالديني، وتركيز مقصود على فكرة أن الدين ما زال هو المؤثر الثقافي الذي يهيمن على المجتمع حتى في غناء الأفراح. هناك مثلا ذلك المشهد الذي نرى فيه جميع الموظفين وقد توقّفوا عن العمل وانصرفوا يؤدّون الصلاة، وهناك مشهد آخر لصلاة النساء في المسجد، ومناظر للجوامع وأصوات الآذان التي ترتفع في كل مكان..

بوجه عام يبدو الفيلم تبسيطيا: ينقد ويمتدح، يرحب بالتطوّرات، وينتقد التباطؤ في الإصلاح، يشير إلى التأثير السلبي لنظرة الرجل للمرأة، لكنه يدين أيضا نظرة المرأة لدور المرأة، بل تجعل المنصور بطلتها مريم تستنكر في العديد من المرات خلال حواراتها مع شقيقتيها أو والدها عمل والدتها الراحلة مغنية في الأفراح، حينما تردّد مرارا أنها “لن تكون مثلها”.

ومن التناقضات في الفيلم أن تكون مريم الأكثر تحرّرا من شقيقتيها في إصرارها على وضع النقاب (قبل أن تخلعه)، والتناقض الآخر المفاجئ الذي يحدث عندما تمسك الميكروفون وتغني في أحد الأفراح، إشارة إلى أنها قد اقتنعت بما كانت تؤديه أمها الراحلة بعد أن استمعت للشريط الذي أهداه لها والدها.

تفشل مريم كما كان متوقعا في الانتخابات البلدية رغم الدعاية والجهود الكبيرة التي بذلتها، والاستخدام الجيد لوسائل التواصل الاجتماعي والميديا الجديدة في الدعاية والوصول لأكبر عدد من الناس (هناك تركيز كبير في الفيلم على تأثير هذه الوسائط على الشباب في السعودية)، لكن الفيلم يشير في نهايته إلى أن إقدام “المرشحة المثالية” على الترشّح، ما هو سوى خطوة أولى صحيحة على الطريق، لكن طريق التغيير لا يزال طويلا.

صوّرت هيفاء المنصور فيلمها بأسره في السعودية. واستعانت بطاقم تمثيل كامل من السعودية، وأدارت الممثلين الذين يقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى بمهارة وكفاءة لا شك فيها، في مقدمة هؤلاء جميعهم، ميلا الزهراني (في دور مريم) وهي تتمتع بوجه جميل وحضور خاص مميز وصوت جميل، وقد أدت الدور بمهارة وتميّزت بوجه خاص في عدد من المشاهد منها مشهد الحوار التلفزيوني، ومشهد مواجهتها مع الرجال في الخيمة، كما تميّزت معها أيضا كل من نورا العوض (سارة) وداية (سلمى) وخالد عبدالرحيم (في دور الأب عبدالعزيز) بصوته الشجي وتلقائيته وهدوء شخصيته. ولا شك أن الموسيقى التي برز فيها دور العود بوجه خاص، أضفت جمالا إضافيا على الفيلم.

يجب أن نضيف أن المشاركة الألمانية في الإنتاج والجوانب التقنية كلها، ضمنت مستوى جيدا من حيث الصورة والصوت، فقد اشترك مع المنصور في كتابة السيناريو الألماني براد نيمان، وأدار التصوير باتريك أورث، وصمّم المناظر أوليفر ميدنجر، وقام بعمل المونتاج أندرياس رودراشوك، ووضع الموسيقى فولكر بيرتلمان، وصممت الملابس هاكيه فادميرشت.

الفيلم من بين أحد الأفلام الـ21 التي تتسابق على جائزة الأسد الذهبي (وجوائز أساسية أخرى) في مهرجان فينيسيا السينمائي. وقد استقبله النقاد والصحافيون في عرضه الخاص استقبالا حماسيا بسبب جرأته وبساطته ووضوح رؤيته.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

####

 

فيلمان عربيان في "أسبوع النقاد" بمهرجان فينيسيا

أمير العمري

تظاهرة "أسبوع النقاد" تهدف إلى تشجيع المخرجين الشباب.

فينيسيا (إيطاليا)تنظم جمعية نقاد السينما الإيطالية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية تظاهرة “أسبوع النقاد” (في دورته الـ34) على هامش مهرجان فينيسيا السينمائي.

ويعرض خلال هذه التظاهرة 7 أفلام هي الأفلام الأولى لمخرجيها (فالهدف هو تشجيع المخرجين الشباب) من بينها فيلمان ينتميان للسينما العربية أو من إخراج مخرجين ينتميان للثقافة العربية هما فيلم “جدار الصوت” للمخرج اللبناني أحمد الغصين (من الإنتاج المشترك بين لبنان وقطر وفرنسا)، وفيلم “سيدة البحر” للمخرجة السعودية شهد أمين (إنتاج مشترك بين السعودية والإمارات والعراق).

وتفتتح التظاهرة بفيلم “وردة بومباي” للمخرجة الهندية غيتانجالي راو (إنتاج مشترك بين الهند وفرنسا وبريطانيا وقطر)، وتختتم بفيلم “رحلة لا تنسى” للمخرج المكسيكي جوشوا جيل (إنتاج مشترك بين المكسيك وقطر والدومينيكان).

وفيلما الافتتاح والختام يعرضان خارج المسابقة، ويمنح الأسبوع جائزة باسم “جائزة الجمهور” قيمتها 5 آلاف يورو لأفضل فيلم من خلال تصويت مباشر على الأفلام يجري عقب عرض الفيلم.

كما تدخل أفلام المسابقة السبعة المنافسة على جائزة “أسد المستقبل” التي تمنح للأفلام الجديدة الأولى وقيمتها 100 ألف دولار.

ويلاحظ أن مؤسسة الدوحة للأفلام (الجهة الرسمية الداعمة) تشترك في تمويل 4 أفلام منها فيلم مكسيكي وفيلم هندي وهو شأن عدد آخر من الأفلام الأجنبية الموجودة في أقسام المهرجان المختلفة، ولكن ليس معروفا على أي أساس تمنح هذه المؤسسة دعما لأفلام لا تمت بأي صلة للثقافة العربية بل وأحيانا ما تطرح أيضا مواضيع مشكوك في توجهاتها الفكرية.

ولا تعلن المؤسسة عن أسباب منح تمويلها المستمر لمثل هذه الأفلام.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

العرب اللندنية المصرية في

31.08.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004