قسم "كلاسيكيات فينيسيا" يعدّ أهم أقسام المهرجان ويصلح
كمهرجان قائم بذاته، ويعرض مختارات من الكلاسيكيات السينمائية الحديثة.
اكتملت ملامح الدورة الـ76 من مهرجان
فينيسيا (البندقية)
الشهير الذي يعد الأقدم في العالم، بعد أن أعلن مدير المهرجان ألبرتو
باربيرا، تفاصيل البرامج والأقسام الرئيسية للدورة الجديدة التي ستفتتح في
28 أغسطس الجاري وتختتم في السابع من سبتمبر القادم.
أثبت مهرجان
فينيسيا خلال
السنوات الأخيرة أنه المهرجان الذي تخرج منه أهم الأفلام التي تنال بعد ذلك
ترشيحات الأوسكار بل ويحصل معظمها على الجوائز وهناك قائمة طويلة بأسماء
هذه الأفلام. وتفوق مهرجان فينيسيا أيضا على منافسه الأول، مهرجان كان، في
ترحيبه بعرض الأفلام التي تنتجها وتوزعها شبكة نتفلكيس أو أمازون للبث عبر
الإنترنت، ومن هذه الأفلام فيلم “روما” للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون،
الذي نال العام الماضي جائزة “الأسد الذهبي” في فينيسيا ومضى بعدها ليحصد
جائزة أحسن فيلم في مسابقة “الأوسكار” وجوائز أخرى عديدة ثم أصبح “فيلم
العام”.
واستمر مهرجان كان في مقاطعة أفلام شبكات البث الرقمي
استجابة لضغوط اتحاد مالكي دور العرض في فرنسا الذين يطالبون بضرورة عرض
هذه الأفلام في دور السينما أولا على أن تعرض لمشاهدي الشبكة بعد 36 شهرا.
أما مهرجان فينيسيا فقد رفض الخضوع لضغوط مماثلة من داخل إيطاليا، لذلك
يعرض في مسابقته فيلمين من إنتاج نتفليكس، وفيلما ثالثا خارج المسابقة.
الممثلة التونسية هند صبري تشارك في لجنة تحكيم جائزة "أسد
المستقبل" التي تمنح لأفضل موهبة ناشئة
وكان مهرجان فينيسيا يتطلع إلى عرض فيلم “الأيرلندي” لمارتن
سكورسيزي ومن بطولة روبرت دي نيرو وآل باتشينو وجو بيشي، إلاّ أن سكورسيزي
فضل على ما يبدو، عرض فيلمه في افتتاح مهرجان نيويورك في 27 سبتمبر.
ومنذ سنوات كان مهرجان فينيسيا يفتتح عادة بفيلم أميركي
جديد، أما هذا العام فقد وقع الاختيار على فيلم “الحقيقة” للمخرج الياباني
هيروكازو كوريدا صاحب فيلم “لصوص المتاجر”
Shoplifters
الحاصل على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان العام الماضي. وسيشارك
الفيلم ضمن 21 فيلما اختيرت للتنافس في المسابقة الرسمية على جائزة “الأسد
الذهبي” أهم جوائز المهرجان وأكثرها شهرة، إلى جانب جوائز أخرى في التمثيل
والإخراج والسيناريو.
وفيلم “الحقيقة”، من الإنتاج المشترك بين اليابان وفرنسا،
من نوع الدراما العائلية الاجتماعية عن العلاقة بين الأم وابنتها، وهو ناطق
بالإنكليزية والفرنسية، تقوم ببطولته جوليت بينوش وكاترين دينيف، والممثل
الأميركي إيثان هوك.
ويختتم المهرجان بفيلم “هرطقة البرتقال المحروق” (خارج
المسابقة) للمخرج الإيطالي جيوسيبي كابوتوندي، وهو إنتاج مشترك بين أميركا
وإيطاليا لكنه في الحقيقة أميركي في موضوعه كما أنه ناطق بالإنكليزية.
والفيلم مقتبس عن رواية أميركية للكاتب تشارلز ويلفورد، كتب
له السيناريو سكوت سميث، في أدوار البطولة ميك جاغر ودونالد سوذرلاند
وإليزابيث ديبيكي وكلايس بانغ (موسيقي وممثل هولندي).
تتكون المسابقة من 21 فيلما: 4 أفلام أميركية، و3 أفلام
إيطالية، و3 أفلام فرنسية، وفيلمين من الصين، وفيلم واحد من كل من: كندا
(كيبيك) وجمهورية التشيك وكولومبيا والسعودية والسويد وأستراليا والبرتغال
واليابان وشيلي.
أفلام المسابقة
لم يتمكن المهرجان من الحصول على فيلم “البابا” الذي تغير
عنوانه إلى “البابوان” أو “البابان”
The Two Popes
للمخرج البرازيلي الشهير فرناندو ميريليس (بطولة أنتوني هوبكنز وجوناثان
برايس) الذي فضل الذهاب به إلى مهرجان تورنتو الذي يتقاطع في موعده عادة مع
موعد إقامة مهرجان فينيسيا.
لكن المهرجان الأخير حصل على الفيلم الجديد للمخرج البولندي
الشهير رومان بولانسكي (86 سنة) وهو بعنوان “ضابط وجاسوس” مقتبس عن رواية
الكاتب الإنكليزي روبرت هارس، وتدور أحداثه حول قضية دريفوس الشهيرة، وهو
الضابط الفرنسي اليهودي الذي اتهم في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا
بالخيانة والتجسس لحساب الألمان وأعدم ظلما في مناخ معاد لليهود، ودافع عنه
الكاتب إميل زولا في مقاله الشهير “إني أتهم”.
وقد سبق تناول هذا الموضوع كثيرا في السينما، ولكن من
المثير أن نشاهد كيف تعامل بولانسكي (وهو نفسه يهودي) مع الموضوع. ويقوم
ببطولة الفيلم إيمانويل سينييه (زوجة بولانسكي) وجون ديجوردون (الفنان)
ولوي غاريل (المهيب).
فيلم بولانسكي في المسابقة مع أفلام أخرى لكبار المخرجين
مثل السويدي روي أندرسون بفيلمه الجديد “عن الأبدية”
The Endlessness (فاز
أندرسون بالأسد الذهبي في فينيسيا قبل 5 سنوات)، والشيلي بابلو لارين
بفيلمه الجديد “إيما”، وجيمس غراي بفيلم “أد أسترا” بطولة براد بيت وتومي
لي جونز ودونالد سوذرلاند، وتود فيليبس الأميركي وفيلمه المنتظر “الجوكر”
Jocker
بطولة جواكين فينكس وروبرت دي نيرو، وستيفن سودربرغ بفيلم “لوندرومات” أو
“المغسلة” (عن أوراق بانما)، بطولة ميريل ستريب وغاري أولدمان وأنطونيو
بانديراس (إنتاج نتفليكس).
ومن الأفلام التي نترقب عرضها في مسابقة فينيسيا فيلم “في
انتظار الهمجيين” للمخرج الكولومبي تشيرو غيرا صاحب رائعتي “عناق الأفعى”
و”الطيور العابرة”. وتشترك السينما الإيطالية بثلاثة أفلام كالمعتاد ربما
يكون أهمها فيلم المخرج ماريو مارتوني “عمدة ليوني سانيتيه”، وإضافة إلى
فيلم بولانسكي هناك فيلمان من فرنسا هما فيلم “غلوريا موندي” لروبير
غيديغويان وفيلم “شبكة البعوض” لأوليفييه أسايس، وهو فيلم ناطق بالإنكليزية
ويروي قصة الكوبيين الخمسة الذين اعتقلوا وسجنوا في الولايات المتحدة في
نهاية التسعينات بتهمة التجسس والقتل. وفي أدوار البطولة بنيلوبي كروز
وإدغار راميرز وغايل غارثيا برنال وفاغنر كورا.
ومن المفاجآت السعيدة عرض الفيلم السعودي من الإنتاج
المشترك مع ألمانيا وكندا “المرشحة المثالية”
The Perfect Candidate
للمخرجة هيفاء المنصور (45 سنة) المقيمة في لوس أنجلس، والتي حققت نجاحا
كبيرا بفيلمها “وجدة” (2012) ثم أخرجت الفيلم البريطاني “ماري شيلي”
(2016). ويدور فيلمها الجديد حول طبيبة سعودية تقرر ترشيح نفسها في
الانتخابات البلدية. وقد صوّرت المنصور فيلمها بالكامل داخل السعودية.
والفيلم الثاني من إخراج امرأة في المسابقة هو الفيلم الأسترالي “أسنان
الرضيع” للمخرجة شانون ميرفي.
ومن مفاجآت المسابقة أيضا عرض فيلم “رقم 7 تشيري لين”
للمخرج يونفان من هونغ كونغ (الصين)، وهو من أفلام التحريك. كما يعرض
الفيلم التسجيلي الإيطالي “المافيا لم تعد كما كانت” للمخرج فرنشيسكو
ماريسكو. ولست في الحقيقة من أنصار الخلط بين أنواع الأفلام في مسابقة
واحدة، فيصعب كثيرا على أي لجنة تحكيم تقييم عمل ينتمي إلى نوع أفلام
التحريك مثلا، قياسا إلى أفلام درامية، لذلك تخصص المهرجانات مسابقات
منفصلة للأنواع الفيلمية المختلفة أو تقام مهرجانات متخصصة في هذه الأنواع
أيضا، وإلاّ اختلطت كل المسابقات وألغي التخصيص وقضي الأمر!
في المسابقة فيلم تشيكي هو “الطائر المدهون” لفاكلاف
مارهول، والفيلم الصيني الثاني “خيال السبت”
Saturday Fiction
من إخراج لو ي، وبطولة النجمة الصينية الشهيرة غونغ لي التي اشتهرت في
بطولة أفلام جانغ ييمو الأولى.
أطول فيلم
يعود المخرج الكندي الأرمني الأصل أتوم إيغويان إلى مسابقة
المهرجان بفيلم “ضيف شرف”، كما يشارك المخرج الأميركي نوح بومباش بالفيلم
الأميركي الرابع في المسابقة وهو “قصة زواج” (إنتاج نتفليكس)، بطولة
سكارليت جوهانسون وآدم درايفر ولاورا ديرن.
ومن البرتغال يأتي أطول فيلم من أفلام المسابقة وهو
Herdade
أي “الضيعة” ويبلغ زمنه 166 دقيقة، ويروي قصة عائلة تمتلك أكبر ضيعة في
أوروبا تقع على نهر التاغوس، ويصوّر تفجر التناقضات داخلها.
ترأس لجنة التحكيم الدولية المخرجة الإيطالية لوكريسيا
مارتل، وسيمنح المهرجان “الأسد الذهبي” الشرفي لكل من المخرج الإسباني
بيدرو ألمودوفار تكريما له ولمسيرته الطويلة في السينما، والممثلة
الإنكليزية جولي أندروز. ويشارك المخرج الجزائري رشيد بوشارب في لجنة تحكيم
قسم “آفاق”، بينما تشارك الممثلة التونسية هند صبري في لجنة تحكيم جائزة
“أسد المستقبل” التي تمنح لأفضل موهبة ناشئة.
من أهم الأفلام التي تعرض خارج المسابقة الفيلم الجديد
للمخرج الفرنسي كوستا غافراس “بالغون في الغرفة”، وفيه يعود المخرج
اليوناني الأصل إلى بلده اليونان حيث يصوّر فيلمه الذي تدور أحداثه في خضم
الأزمة الاقتصادية العنيفة التي ضربت اليونان وجاءت بحكومة يسارية أثارت
الكثير من الجدل وانقسمت الآراء بشأنها. والفيلم بطولة الإيطالية فاليريا
غولينو أمام اليوناني جورج كورافاس. فهل يستعيد غافراس اهتمامه السياسي
الأصيل بما يجري في اليونان من صراع مستمر بين اليسار واليمين ويستعيد
أجواء فيلمه الشهير “زد” (1969)، يجب أن ننتظر؟
وخارج المسابقة أيضا يعرض الفيلم الروائي “الموصل” أول
أفلام الكاتب والمنتج الأميركي ماتيو مايكل كارنهام كمخرج، وهو من بطولة
حياة كاميل وعدد كبير من الممثلين العراقيين. ويستند الفيلم على التقارير
الصحافية التي كتبها المراسل الحربي لوك موجلسون لصحيفة “نيويوركر”، حيث
كان يتابع عن كثب جهود فرقة العمليات الخاصة العراقية التي تشكلت من أبناء
الموصل، ثم شنت الهجوم على مدينة الموصل لتطهير المدينة من مقاتلي تنظيم
داعش الإرهابي. وقد صوّرت مناظر الفيلم الخارجية في مراكش.
وهناك أيضا فيلم “الملك” الأميركي عن مجموعة مسرحيات
لشكسبير (إنتاج نتفليكس)، وفيلم “سبيرغ”
Seberg
للمخرج البريطاني بنيدكت أندروز، بطولة كريستين ستيوارت ومرغريت كويلي وجاك
أوكونيل. ويروي الفيلم القصة الحقيقية لمراقبة ضابط في مكتب التحقيقات
الفيدرالي للممثلة الأميركية جين سيبرغ التي نشطت في الستينات في صفوف حركة
الحقوق المدنية، مباشرة بعد أن قامت ببطولة فيلم جان لوك غودار الأول “على
آخر نفس” (1959) أمام جون بول بلموندو، وأصبحت بعد ذلك أيقونة من أيقونات
حركة الشباب الثورية في أوروبا.
وباستخدام المئات من الوثائق المصوّرة من الأرشيف يقدم
المخرج الأوكراني سيرجي لوزنيتسا فيلما تسجيليا طويلا، هو “جنازة رسمية”
State Funeral
يستعرض فيه أيام الرعب التي أعقبت وفاة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين.
وقبل سنوات كان المهرجان قد بدأ في تخصيص قسم لعرض مختارات
من المسلسلات التلفزيونية الجديدة. وكنا قد شاهدنا قبل ثلاث سنوات، حلقتين
من مسلسل “البابا الشاب” للمخرج الإيطالي المرموق باولو سورنتينو، وسيعرض
المهرجان في دورته الجديدة حلقتين من مسلسل سورنتينو “البابا الجديد” الذي
يستكمل أحداث المسلسل السابق.
من المفاجآت السعيدة للمهرجان عرض الفيلم السعودي من
الإنتاج المشترك مع ألمانيا وكندا "المرشحة المثالية" للمخرجة هيفاء
المنصور المقيمة في لوس أنجلس
في قسم “آفاق” يعرض 22 فيلما من بينها فيلم من تونس هو
الأول لمخرجه مهدي برساوي بعنوان “ابن”، وفي قسم الأفلام التجريبية التي
تجمع بين الخيالي والوثائقي وأفلام الفيديو ميوزيك يعرض فيلم “المانيكان”
للمخرج التونسي النوري بوزيد.
وتقام تظاهرة “أيام فينيسيا” على غرار تظاهرة “نصف شهر
المخرجين” بمهرجان كان، وتضم هذا العام 21 فيلما من بينها فيلم تونسي
بعنوان “بلوز عربي” للمخرجة التونسية المقيمة في باريس مانيل لعبيدي، وتدور
أحداثه قبيل الثورة التونسية. وتقوم بدور البطولة فيه الممثلة الإيرانية
غولشفيته فرحاني التي تجسّد شخصية طبيبة نفسية تونسية تفتتح عيادة في تونس
لعلاج كبار القوم. والفيلم يدور في سياق كوميدي ساخر مع بعض النقد السياسي
حسب المعلومات المتوفرة عنه.
وفي “أيام فينيسيا” يعرض أيضا الفيلم السوداني “ستموت في سن
العشرين” للمخرج أمجد أبوالعلاء من الإنتاج المشترك مع مصر والنرويج
وألمانيا وفرنسا وقطر.
كلاسيكيات فينيسيا
يعدّ قسم “كلاسيكيات فينيسيا” أهم أقسام المهرجان ويصلح
كمهرجان قائم بذاته، وينظمه المهرجان منذ عام 2012. ويعرض مختارات من
الكلاسيكيات السينمائية الحديثة، بالإضافة إلى عدد آخر من الأفلام
التسجيلية عن السينما ومخرجي السينما.
ومن الكلاسيكيات سنشاهد 20 فيلما لكبار السينمائيين، اشتركت
مؤسسات سينمائية دولية عديدة متخصصة في ترميمها واستعادتها. ومن هذه
الأفلام فيلم “الشيخ الأبيض” لفيلليني الذي سيعرض في الطريق إلى الاحتفال
بمرور 100 عام على مولده في 2020، وكان هذا الفيلم قد عرض في دورة مهرجان
فينيسيا عام 1952.
ومن الكلاسيكيات الحديثة أيضا يعرض المهرجان نسخة جديدة
مرممة من فيلم “نيويورك.. نيويورك” لمارتن سكورسيزي، وفيلمين لبرناردو
برتولوتشي هما “قابض الأرواح”
The Grim Reaper
الذي عرض في دورة 1962 من المهرجان، و”استراتيجية العنكبوت” (عرض في 1970)،
والفيلم النادر للمخرج لويس بونويل “الحياة الإجرامية للشجعان” (1955) الذي
أخرجه بونويل في المكسيك.
وهناك تسعة أفلام عن صناع السينما منها أفلام عن فيلليني
وتاركوفسكي وإدغار رايتز وبييرو فيفاريللي، وآخر عن أفلام الرعب الإيطالية،
كما يعرض خارج المسابقة فيلم “المواطن روزي” عن أعمال المخرج الإيطالي
الراحل فرنشيسكو روزي. وفي جعبة المهرجان الكثير.
كاتب
وناقد سينمائي مصري |