كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان كان في أسبوعه الأول:

تألق المخرجات العربيات وغياب نجوم هوليوود

حسام عاصي

كان السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

كان – «القدس العربي» : تغيّر ملحوظ في مهرجان كانّ السينمائي العريق بدأ يحدث العام الماضي واستمر هذا العام وتحديدا على بساطه الأحمر الشهير، حيث غاب عنه الحضور القوي لنجوم هوليوود بعد إغلاق المهرجان أمام أفلام شبكة «نيتفلكس»، وغياب المنتج الموصوم، هارفي واينستاين، وتركيز استوديوهات هوليوود على مهرجانات أقل تكلفة وأكثر تأثيرا على جوائز الأوسكار، مثل «فينسيا» الإيطالي و«تورنتو» الكندي. فجلب النجوم مكلف جداً: سفر الدرجة الأولى، النزول في أفخم الفنادق واستئجار مساعدين خاصين ورجال أمن لتلبية حاجاتهم وتوفير الأمن لهم.

المهرجان العريق كان دائما يحاول أن يوازن بين اختياراته الحضارية والتجارية وبين الفنية والشعبية، لكي يجذب أكبر عدد من محبي السينما والممولين. لهذا يدأب على افتتاح فعالياته بفيلم نجوم، كما فعل هذا العام، إذ تألق على بساطه الأحمر يوم الثلاثاء الماضي نجوم فيلم الافتتاح «الموتى لا يموتون»، من ضمنهم كان بيل ماري، تيلدا سوينتون، سيلينا غومز وأدم درايفر. لكن منذُ ذلكَ الحين اختفى النجومُ واُستبدلت بعمالقة فن السينما ككين لوتش البريطاني وبيدرو المادوفار الإسباني، الذي تشارك أفلامهم في المنافسة الرئيسية.

المنافسة الرئيسية

الغياب الهوليوودي عزز من تنوع أفلام المنافسة الرئيسية، التي تعرض في قاعة القصر الكبرى، وفتح أبوابها لأفلام عالمية، فمشاهدة الأفلام في المهرجان صارت تبدو مثل رحلة حول العالم، يقف فيها كل فيلم في محطة لسبر حضارة أو مجتمع ما من بلد ما من منظور خاص وأصلي.

فيلم الافتتاح، «الموتى لا يموتون»، استخدم نوع أفلام الزمبي ليحذر من الاستهلاكية المادية وتدمير الطبيعة الناتجة عنها وعواقبها على البشر، الذين صاروا عبيدا لها. لكن رغم أهمية الموضوع، إلا أن الفيلم لم يلق اعجاب النقاد، وذلك لأن أفكاره مشتتة وغير واضحة.

أما الفيلم الفرنسي «البؤساء»، فيعرض عنف الشرطة تجاه سكان حارات الأفارقة والمسلمين في باريس وعواقبه الوخيمة على المجمتع والسلطة، وذلك من خلال متابعة ثلاثة شرطيين لمدة يومين، حيث يتحرشون بالكبار والصغار وينهالون عليهم بالضرب والاهانات وكأنهم بشر من درجة أدنى.

الفيلم، الذي قدّم أفضل طرح سينمائي لموضوعه كان «آسف لم نجدك» من البريطاني كين لوتش، الذي يتناول استغلال الشركات الكبرى للمقاولين الذين يعملون لحسابها من خلال قصة مقاول توزيع رسائل يدفع نفسه للهلاك ويمزق عائلته تحت ضغط شركة التوزيع التي يعمل لحسابها. بعض النقاد وصفوه أفضل من فيلم لوتش الأخير «أنا دانييل دريك»، الذي حصد سعفة ذهبية ثانية له عام 2016. فهل سيفوز المخرج ابن الـ 82 عاما بسعفة ذهبية ثالثة؟

منافسة «نظرة ما»

أفلام منافسة «نظرة ما» تعرض في قاعة ديبوسي المجاورة للقاعة الكبرى، لكن بدون تألق نجومها على البساط الأحمر أمام أضواء وعدسات الكاميرات، وذلك لأن معظم صانعيها وممثليها ليسوا من المشاهير. لكن هذا لا يعني أن مواضيعها غير مهمة أو أنها أقل فنياً من أفلام المنافسة الرئيسية. وفي هذه الفئة تبرز هذا العام أفلام المخرجات العربيات.

فعاليات المنافسة افتتحتها رئيسة لجنة تحكيمها، المخرجة اللبنانية نادين لبكي في يوم المهرجان الثاني، بعرض فيلم الممثلة والمخرجة التونسية – الكندية الأصل مونيا شكري «حب أخ»، الذي يتمحور حول صوفيا، إبنة عائلة مهاجرة في الخامسة والثلاثين من العمر، تحمل شهادة الدكتوره في الفلسفة، لكنها عاطلة عن العمل ومتكلة تماما على أخيها، كريم، في تدبير كل شؤون حياتها. وتقع في أزمة وجودية عندما يرتبط أخوها بعلاقة رومانسية مع طبيبتها.

المثير أن الرابط الوحيد بين شخصيات الفيلم وخلفية شكري هو أسماؤهم العربية، إذ أن تصرفاتهم لا تختلف عن أي شخص كندي أبيض. وفي حديث مع شكري، وضّحت أن صوفيا نسيت خلفيتها ولا يربطها رابط بأصولها.

لكن نظرة صوفيا للحياة تتغير عندما تحصل على وظيفة مدرّسة في مركز لاجئين وتواجه أشخاصا يذكرونها بأصلها وأصل أهلها المهاجرين «هذه التجربة تجعلها تقدّر والديها وتتفهم ارتباطهم بأصولهم، التي تجاهلتها».

شكري نفسها دأبت على السفر الى تونس منذ طفولتها لتتقرب من والدها وتراثه. «الحضارة التي ارتبط بها ليست التونسية بل البربرية، وهم بدو ويتمتعون بالحرية وهذه الحرية، التي تشربتها هناك، تلهم عملي الفني.»

«حب أخ» هو عمل شكري الإخراجي الأول. فهي معروفة كممثلة وتحديدا بأدوارها في أفلام كازييه دولان، الذي هو أيضا ينحدر من أصول مصرية، ويشارك في المهرجان بفيلم «ماثياس وماكسيم».

فيلم آخر، «بابيشا»، من الجزائرية مونيا مدوّر، التي تعود الى بداية تسعينيات بلدها، لتسرد قصة طالبة كلية، نجمة، ترفض الهجرة لتواجه الإسلاميين، الذين يخنقون حرياتها وحريات زميلاتها ويفرضون عليهن لبس الحجاب ويمنعوها من ممارسة تصميم الأزياء ومن تتجرأ مخالفتهم تُقتل. وفي حديث مع مدوّر أكدت أنها استلهمت قصة الفيلم من حياتها الشخصية. لكن المثير أنه رغم المخاطر، التي تواجهها نجمة، إلا أنها ترفض أن تترك الجزائر مثل زملائها الآخرين.

«لم ترد أن تستسلم وتترك بلدها للمتطرفين»، تقول مدوّر، التي تركت الجزائر نفسها وتعيش الآن في باريس.

مخرجة عربية أخرى وهي السورية وعد الخطيب تنافس على جائزة «الكاميرا الذهبية» بفيلمها «الى سما»، الذي تتابع فيه أحداث الصراع السوري في حلب منذ اندلاع المظاهرات هناك عام 2011 حتى انسحاب معارضي النظام من البلدة القديمة عام 2016 من خلال رسالة لطفلتها سما، التي وُلدت خلال الأحداث. وعد أيضا ترفض النزوح من بلدها، مخاطرة بحياتها وحياة عائلتها الصغيرة، كي تقاوم النظام السوري.

لكن ما يطرحه الفيلم هو أن كل التضحيات والعذاب وسفك الدماء ذهب سيدى ولم تحقق سما أو زملاؤها من المعارضة الحرية التي قاوموا من أجلها. «ذهبت سدا، لأن العالم لم يهتم بما كان يحدث لنا، وتركوا النظام ليحطم بلدنا. لكن أنا شخصيا لا أشعر أنه ذهب سدا، لأنني ما زلت أعمل من أجل تحقيق الحرية في سوريا».

وعد هاجرت الى لندن، حيث استمرت في العمل على فيلمها لكي تُبقي القضية السورية في أذهان الناس «الحرب ما زالت مستمرة، والشعب السوري ما زال يعاني وهذا ما أردت أن أوصله للعالم من خلال المشاركة في أكبر مهرجان سينمائي عالمي.»

خارج المنافسة

ليست كل الأفلام المشاركة تتنافس على جوائز. ففي فئة خارج المنافسة تعرض أفلام هوليوودية أو أفلام ذات طابع شعبي. أحدها هذا العام كان «روكيتمان»، وهو فيلم موسيقي يتناول سيرة حياة أسطورة الموسيقي البريطاني التون جون، الذي يؤدي دوره النجم البريطاني، تاروت ايدغرتون. الفيلم من إخراج البريطاني ديكستير فليتشر، الذي أخرج مؤخرا فيلم «بوهيميان رابسودي» عن سيرة حياة الموسيقيّ فريدي ميركوري، الذي جسد دوره رامي مالك.

الفيلم لم ينجُ من المقارنة بفيلم «بوهيميان رابسودي»، الذي رغم أنه لم يلق إعجاب النقاد العام الماضي، إلا أنه حطم رقماً قياسيا في شباك التذاكر العالمية وفاز بجوائز الـ«غولدن غلوب» لأفضل فيلم درامي وأفضل ممثل لبطله رامي مالك، الذي نال أيضا أوسكار أفضل ممثل عن أداء الدور.

من المفارقات أن الكثير من النقاد صرحوا أن «بوهيميان رابسودي» كان أفضل من روكيتمان. لكن في الوقت نفسه، لم يستبعدوا بروز روكيتمان في موسم جوائز هذا العام.

بلا شك أن مهرجان كان يقف أمام خيارين. أما أن يبقى حصنا لمبادى السينما الأصلية أو أن يتأقلم مع التغييرات، التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة. لكن الأنظار الآن متجهة الى الأسبوع الثاني، الذي سيشهد أكبر نجوم العالم وهما ليوناردو ديكابريو وبراد بيت على البساط الأحمر.

 

####

«حياة خفية» للأمريكي ترنس ماليك… السينما حين تتحول إلى قصيدة بصرية

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: ثمة سعادة غامرة، أو فلنقل انتشاء ونشوة، يجدها عاشق السينما عندما يجد ذاته أمام تحفة سينمائية، لاسيما إن كان يسبق هذه النشوة السينمائية تشكك وإحساس بأن مخرج هذا العمل، الذي يوشك على مشاهدته قد أصبح خالي الوفاض، بعد أن استنفد كل طاقته السينمائية من سنوات ثم ضل طريقه في غياهب التكرار واجترار الذات.

«حياة خفية» لترنس ماليك هو خير عودة مرجوة من الأمريكي بعد أن ظننا أنه لن يعود. بعد ثمانية أعوام طوال من فيلمه «شجرة الحياة»، المتوج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 2011، أنجز ماليك ثلاثة أفلام هي «صوب العجب» (2012) و»فارس الكؤوس» (2015) و»أغنية لأغنية» (2017) ، ثلاثة أفلام ظننا بعدها أنه قد ضل الطريق، أو أن قواه قد خارت. ولكن يأتينا «حياة خفية» هذا العام، المنافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان في دورته الثانية والسبعين، ليؤكد لنا أن ما كنا نظن أنه أعوام من الركود لم يكن إلا استعدادا وتمهيدا لعمل يحفل بالإنسانية والشاعرية والجزالة البصرية لفيلم «حياة خفية»، الذي يمر أمام أعيننا كقصيدة بصرية، قصيدة نستشف منها رؤية ماليك للإنسانية وللحياة والإيمان، ليس بالتحديد الإيمان بالإله ولكن الإيمان بالمبدأ، وعدم الحياد عنه.

«حياة خفية» يقدم صورة للإيمان بالمبدأ، لا يمثل ذلك المبدأ أيديولوجيا ما، أو دينا من الأديان، بقدر ما ينتصر للإنسان والوقوف في وجه ما يراه الإنسان طغيانا وشرا. هو فيلم عن الشجاعة التي يتطلبها مثل هذا الإيمان الراسخ بالمبدأ، وعن التضحيات المترتبة عليه. وهو فيلم أيضا عن مساءلة الذات وفهم دوافعها: أترانا حين ندافع عن مبدأ ما نفعل ذلك للإيمان بذلك المبدأ حقا، أو لإثبات تفوقنا الأخلاقي؟ أترانا في إيماننا بمبدأ ما نصدر أحكاما على غيرنا وندينهم لعدم التزامهم بما نؤمن به؟

يبدأ الفيلم كما لو كنا في فردوس على الأرض، وسط التلال والوديان الخضراء والغدران المتدفقة، وقمم الجبال التي تطال السحاب. إنها قرية وادعة في الريف النمساوي، تغفو في هدوء بعيدا عن صخب العالم وصراعاته. يمكن لهذه القرية أن تعيش هكذا بمعزل عن العالم في هدوئها الطيب، إلا أن العالم يأبى ذلك، فالعام هو 1939، وقوات النازي تواصل اكتساحها، وتوشك أن تزج هذه الجنة الصغيرة في صراعات كانت بمنأى عنها.

فرانتز (أوغوست ديل) وفاني (فاليري باشنر) زوجان شابان يعيشان في هذه القرية الوادعة، يزرعان الأرض، ويتبادلان القبلات، ويعنيان بأطفالهما الثلاثة. أسرة سعيدة صغيرة تتنسم رحيق الأزهار وتمرح في الحقول الغناء وتبذل الجهد في زراعة الحقل، ولكن هذه الأسرة توشك على التعرض للاختبار، اختبار لإيمانها ومبادئها وإنسانيتها، ولحب أفرادها لبعضهم بعضا، ولمدى قدرتهم للتضحية في سبيل الثبات على ما يؤمنون به. سينما ماليك تختبرك وتضعك على المحك، فإن صبرت ستكتشف جوهرها العذب وشاعريتها الجزلة. أما إن كنت تبحث عن تطور سريع للأحداث وعن سردية خطية، فلن تجد ذلك في سينما ماليك. مع ماليك يمكننا القول إننا في صحبة ناسك أو متعبد، نتأمل بمعيته العالم والطبيعة والبشر، لنخلص في نهاية هذه الرحلة إلى ما هو أسمى وأكثر روحانية. وفي «حياة خفية» يصحبنا ماليك في رحلة، إن كنا نتتبع خيطها الرئيسي، إلا أن ما يعتمل داخل شخصياته وتطورهم الروحي وما يدور بخلدهم هو ما يعني ماليك ويعنينا.

رغم أن أحداث الفيلم تدور في الحرب العالمية الثانية، في ذروة بطش قوات النازي وتنكيلها وتعذيبها، إلا أننا لا نرى دماء مراقة ولا أوصالا ممزقة.

فرانتز، ذلك الوسيم الباسم الذي يمضي أيامه في سعادة مع أسرته، يوشك أن يوضع في آتون التجربة. قوات النازي تتقدم، ومع تقدمها يعلم فرانتز أن على كل رجل نمساوي بالغ أن يقسم الولاء لهتلر ويوقع على ذلك. ولكن بعد فترة وجيزة من التدريب العسكري، يدرك فرانتز إن قوات النازي تبيد الأبرياء، فيرفض التوقيع على قسم الولاء لهتلر، ويرفض القتال. فرانتز يبدو لنا كغيره من أبناء قريته، يفلح الأرض ويعتني بأسرته الصغيرة، ويتأمل مواكب الأعياد في الكنيسة. ولكن أبناء قريته هؤلاء لا يترددون في التوقيع على وثائق الولاء لهتلر والنازي، فالكل يريد أن ينجو بذاته وأسرته، أما فرانتز فيرفض ذلك، يرفض مع معرفته بتبعات ذلك، يرفض وهو يعلم أن حياته هي ثمن رفضه، ولكنه يفضل الثبات على ما يؤمن به على النجاة بجسده. فرانتز ليس أكثر تدينا من غيره، ولكن ضميره الإنساني لم يسمح له بتأييد ظالم باغ. التضحية ليست تضحية فرانتز بحياته في سبيل إيمانه بمبدأه فقط، بل تضحية زوجته، التي تتحمل نبذ القرية لها وتتحمل الأذى وتتحمل قسوة الآخرين وقسوة الحياة.

فرانتز لا يحركه وزاع ديني، بل أنه حين يذهب للكنيسة ليجد بعض الثبات في محنته واختباره، يجد أن الكنيسة ذاتها أذعنت لطغيان هتلر، إنقاذا لرجالها من بطش النازي. يقول له رسام أيقونات ولوحات الفريسكو الجدارية في الكنيسة، إنه يخلق جمالا في صورة لوحات من آلام المسيح والقديسين، ولكنه لا يقوى على أن يكون له مصيرهم من عذاب وقتل. فرانتز لا تحركه رغبة في الخلود أو رغبة في أن يكون رمزا، أو مثلا أو قائدا. كل ما يريده فقط هو الالتزام بمبدأه الإنساني. ما يحرك فرانتز هو وازع أخلاقي وليس وازعا دينيا. كل ما يرغب فيه هو أن يلتزم بضميره الإنساني وليس بتعاليم الدين. لا نسمع فرانتز قط يردد الصلوات، وحين نستمع إلى زوجته فاني في مناجاتها وتساؤلاتها، فإنها تبدو لنا كمن يبث شكواه لإله لا يسمع أو يلتزم الصمت إزاء ما يواجهه فرانتز وغيره من بطش وظلم.

رغم أن أحداث الفيلم تدور في الحرب العالمية الثانية، في ذروة بطش قوات النازي وتنكيلها وتعذيبها، إلا أننا لا نرى دماء مراقة ولا أوصالا ممزقة. حتى بعد إصدار المحكمة العسكرية للنازي حكمها على فرانتز وسجنه تمهيدا لإعدامه، لا يبدو لنا سجن النازي بالقسوة المتخيلة. ولا يرجع هذا إلى رغبة ماليك في تجميل الحرب أو إغفال قسوتها، بل رغبة منه للتأكيد على أن ما يعنيه حقا العالم الروحي والنفسي لفرانتز وزوجته فاني. يسأل أحد قضاة النازي ( الراحل الكبير برونو غانز في دور قصير ثري) فرانز: «أتصدر حكمك عليّ وتحاكمني»، فيجيب فرانتز: «لا أصدر حكمي على أحد». فرانتز لا تعنيه إدانة أي كان لتأييد النازي، فلكل ضميره وعقله وقلبه وأسبابه لأفعاله، حتى الشنعاء منها. أما فرانتز فيعنيه الالتزام بما يمليه ضميره برفض الظلم والبغي، وبمساعدة من حوله من السجناء، إن كان في وسعه المساعدة أو تخفيف وطأة الألم.

يستهل ماليك الفيلم بعبارة أنه مستوحى من أحداث حقيقية، ففرانتز ياغرشتاتر، الشخصية المحورية في الفيلم، شخص حقيقي دفع حياته ثمنا لرفضه إعلان الولاء لهتلر ورفضه القتال. وكما هو الحال في «أيام الجنة» (1987) و»بادلانز» (1973)، فإن ماليك، حينما يمسك ناصية السرد، وحين يدخلنا عالم لحظة تاريخية ما، فإنه ينجز عملا يندر أن نجد له مثيلا، إنه عمل تتلاقى جميع عناصره لتنتج فيلما جزلا عميقا ذا جمالية بصرية عالية. وهذا ما نجده في «حياة خفية»، وهو عمل تتكامل جميع عناصره لتنتج تحفة سينمائية، تنداح أمامنا على الشاشة في زمن يقارب نحو ثلاث ساعات، ولا نشعر فيه، على طوله، بأي رتابة أو ملل، بل نشعر برهبة ونشوة وتبتل من يشهد معجزة تتحقق.

 

القدس العربي اللندنية في

21.05.2019

 
 
 
 
 

«مهرجان كان 2019»: دورة المقاومة بامتياز

سعيد محمد

لولا معالم البذخ الشديد، والاستعراضات المثيرة لجميلات السينما العالميّة على السجادات الحمر، والوجود الأمني المكثّف، التي تذكرنا بأننا في قلب تظاهرة برجوازيّة أكيدة، لقلنا إنّ مدينة كان الفرنسيّة ــــ تلك المدللة الغافلة المستلقية على شاطئ الريفيرا اللازوردي تحت سماء زرقاء صافية ــــ استعارت على الأقلّ خلال أيام مهرجانها السينمائي الدولي العريق في دورته الـ 72 مكانة عاصمة أخيرة للمقاومة في وجه تسونامي هيمنة الثقافة الاستهلاكية الأميركية وموجة صعود الفاشيّات الجديدة، كما الرأسماليات في المراكز وفي الأطراف: هنا نجوم غاضبون يلقون خطابات حماسيّة لإدانة الزمن الترامبي الأغبر ويطلقون لعناتهم على فاشيّات العالم الجديدة، وبيروقراطيون حداثيّون مولعون بمواجهة متصاعدة مع شركات الستريمنغ الأميركيّة، وعروض أفلام -نبوءات عن الغد المظلم الذي صار قاب قوسين أو أدنى، وانتقادات لا ترد بأدوات الفن السابع المبهرة على يد نخبة المخرجين المخضرمين والصاعدين لما فعلته بنا الرأسماليّة المعاصرة والأنبياء الكذبة معاً من شوارع نيوكاسل إلى عشوائيّات دكّار، ومن ضواحي باريس إلى صحراء البيرو

البداية كانت في المؤتمر الصحافي الافتتاحي بكلمة رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية السينمائي المكسيكيّ أليخاندروا غونزاليس إيناريتو. شن الأخير هجوماً صريحاً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسياسته بشأن المهاجرين والجدران محتفلاً بـ «كان» كيوتوبيا نقيضة لكل مشروع انعزالي: مدينة للفن والحبّ والإبداع الإنسانيّ منفتحة على الجميع من دون استثناءات. وتحداه وأمثاله من الزعماء الجدد قائلاً: «هؤلاء الشعبيون يحكمون بأدوات الغضب والتعصّب. أن نكون هنا اليوم ردّ تام عليهم»، قبل أن يحذّر من نهاية معروفة ـ أي حرب عالمية ثانية ـ «عندما ندع منطق هؤلاء ينتصر». تبعه مخرجون آخرون بالتصويب على من أسموه بـ «المهرّج البرتقالي»، منهم الأميركي جيم جارموش مخرج فيلم الافتتاح (الموتى لا يموتون) الذي رفض ربط فيلمه الساخر عن صعود الزومبيات بالمرحلة الترامبيّة مباشرة، معتبراً أن الرّجل «مجرد واجهة برنامج تلفزيون واقع» و«مهرج يمثّل عرضاً للأزمة لا جذراً لها». 

من زاوية أخرى، منح إيناريتو بركاته لأصحاب دور السينما الفرنسيين المستمرين في المحافظة على تجربة السينما الجماعيّة الطابع في وجه الهيمنة المتزايدة لمنصات البث على الانترنت التي تقودها الشركات الأميركيّة وتحوّل الأعمال البصريّة إلى وجبة سريعة أخرى يلتهمها المستهلك وحيداً كيفما اتفق. اعتبر أنه يجب ألا يسمح لهذا الشكل الجديد من البثّ بإلغاء سحر قاعة السينما الذي تبدو فرنسا كأنها قلعة أخيرة له بعدما امتدت يد نتفليكس وشقيقاتها إلى كلّ سوق أخرى. تصريحات إيناريتو لقيت ارتياحاً ملحوظاً في أوساط إداريي المهرجان الذين كانوا رفضوا للعام الثاني على التوالي عرض منتجات نتفليكس في المسابقة الرسميّة ويتعرضون لضغوط شديدة من السفارة الأميركيّة في هذا الخصوص

القضية الثالثة موضوع النقاشات العامة في أروقة «كان» تمحورت كما منذ عامين على مسألة التمثيل غير المتناسب لأعمال المخرجات النساء. كان الصوت الأعلى هذه المرّة للمخرجة أليس روهرواشر التي اعتبرت أن التقصير ليس ذنب المهرجان تحديداً، بل يعود إلى موارد الصناعة بمجملها: مدارس السينما والجامعات وبيوتات الإنتاج، قبل أن ننتهي بمشاركات محدودة في المهرجانات. ورغم أن إدارة «كان» حاولت التمظهر بلبوس تقدميّ في هذا الشأن من خلال إطلاق مبادرات لتسهيل حضور الأمهات مع أطفالهن إلى الصالات، فإن فضيحة منع المخرجة البريطانيّة غريتا بيلاماسينا من دخول موقع المهرجان بصحبة طفلها ذي الأربعة أشهر، كشفت عن قسوة بطريركيّة متجذّرة في المنظومة الكليّة تجاه النساء الأمهات العاملات. واللطيف بالطبع أن فيلم بيلاماسينا (Hurt By Paradise) الذي يعرض في «سوق الفيلم» في المهرجان، يحكي قصّة امرأة تناضل لتوازن حياتها كأم وحيدة وكاتبة، وتتعرض في ذلك لصعوبات مجتمعيّة جمّة. مع ذلك، فإن ازدياد أعداد الآباء الذين يهيمون في شوارع كان مع عربات أطفالهم ويقضون ساعات طوالاً في مقاهيها معهم في انتظار عودة الأمهات من العروض، دليل على أن ثمة تحولات تتراكم بشأن الأدوار الجندريّة في صناعة السينما عموماً، سيكون لها شأنها في المدى المتوسط على الأقل
زومبيّات مثقلة برسائل سياسيّة

فيلم الافتتاح «الموتى لا يموتون» كان مناسباً تماماً لهذه الأجواء المحتدة. قراءة هزليّة مسليّة من توقيع المخرج-النجم جيم جارموش لنهاية العالم كما شهدته بلدة أميركيّة صغيرة لم يسمع بها أحد، حيث تسبّب التنقيب عن النفط في القطب الشمالي بطريقة التكسير في انحراف الأرض عن محورها وبروز تحولات غير مسبوقة. هكذا، توقف الزّمن وعاد موتى دفنوا حديثاً إلى التجوال في الشوارع، وأحدهم يعود زومبيّاً مدمناً على القهوة لا يختلف كثيراً عن صورته التي كان عليها عندما كان على قيد الحياة

الفيلم المحمّل بإشارات واستعارات من أعمال سينمائيّة وأدبيّة سابقة عن عالم الزومبيّات، وبقدرة نجومه الثلاثة بيل موري وآدم درايفر وكلوي سيفيني على الإضحاك، بقي مع ذلك عاجزاً عن التحليق، وبدت الاستعانة بالزومبيّات أصلاً مسألة لا داعٍ لها درامياً، فيما الأفكار تتراصف استعراضياً من دون ثيمة تجمعها. كأن جارموش لم يعد عنده شيء جديد ليقوله بعد سيرته المهنيّة الطويلة رغم التصوير المبهر في أوقات الغسق والسخرية المرّة في مواجهة الوقائع المستجدة.

لوتش يمدّ يديه لسعفة ثالثة 

مجدداً، بدا المعلّم كين لوتش في عامه الثاني والثمانين كأنه غير قادر على التقاعد عن التألق بعدما توافق معظم النقّاد على أنّ تحفته «نعتذر عن نسيانك» التي قدّم عرضها الأول في «كان» تستحق من دون تردد السعفة الذهبية لتنضم إلى سعفتين سابقتين تّوج بهما المخرج البريطاني اليساري المعروف آخرهما في 2016. ما قد يمنع لجنة التحكيم من اتخاذ ذلك القرار لن يكون سوى الرّغبة في تقديم وجوه جديدة ليس إلا. لوتش يلتقي برفيقه الدائم كاتب السيناريو بول لافيرتي في قصّة توجع القلب عن الحياة اليوميّة في بريطانيا المعاصرة، حيث أكثرية ألقيت فريسة لسياسات التقشّف الظالمة وأنظمة العمالة المؤقتة التي دمّرت الحياة اليوميّة لملايين العائلات، لا سيّما بعد الأزمة الماليّة العالميّة في 2008.

البريطاني كين لوتش يسرد قصّة موجعة عن أكثرية ألقيت فريسة لسياسات التقشّف الظالمة وأنظمة العمالة المؤقتة

تُرسم معالم السرد حول عامل بناء في مدينة نيوكاسل، فقد عمله فاتجه للخدمة في شركة توصيل لتحصيل الرّزق، كما زوجته التي تعمل بدورها ممرضة بعقد مؤقت وتناضل كي يبقى لها شيء من الوقت لتعتني بطفليها. تتلاقى كل أدوات الفن السينمائي هنا: الحبكة والأحداث والشخصيّات والتصوير والموسيقى وأداء الممثلين والفهم العميق لطبيعة النظام الرأسمالي المتوحش لتنتج لحظات سينمائيّة لا يقدر عليها إلا كبير من عظماء السينما المعاصرة. لوتش لا يتعكّز على وحوش وتنانين، أو السخرية والهزل، ولا على خيالات أدبيّة كي يأخذ بلبابنا. هو يأخذ من حقائق العيش الباردة القاسيّة ويبني بشغف نادر معماراً شعوريّاً شامخاً لا نملك معه إلا أن نغرق ونتعاطف ونتألم ونفكّر بعمق. إن لم تك تلك العبقريّة مجسدة، فلا حاجة لنا بسعف ذهبيّة إذاً

وللحقيقة، فإن «نعتذر عن نسيانك» لن يسمح للجنة التحكيم بنسيانه على الأقل لناحية أنه يتفوّق على شريط لوتش السابق «أنا دانيال بليك» (2016) الذي استحق سعفة كان الذهبيّة سنتها

مفاجأة برازيليّة تخلب الألباب 

لا يزال المهرجان في أيّامه الأولى ولا شكّ في أنّ كثيراً من الأعمال التي ستعرض تباعاً، ستفرض نفسها في التنافس على ذهب «كان». لكن Bacurau صدم الجميع مبكراً وحجز له مكاناً مؤكداً في المنافسة على السعفة، إلى جوار رائعة لوتش. الفيلم الذي كتبه وأخرجه كليبر مندونكا فيليو، وخوليانو دورنيلليس، ديستوبيا تامّة تبدأ من قرية برازيليّة نائية في مستقبل قريب حيث كلّ أزمة تأخذنا إلى أخرى لتتحوّل تدريجاً إلى صراع لمجرّد البقاء... كأنها قصة البرازيل المزمنة: السياسيون يتاجرون بالغالبية الفقيرة لمصلحة الرأسماليين القتلة، ثم يتركونهم لأنفسهم في مواجهة العولمة التي لا ترحم أحداً، فكيف بالمعدمين! تضفي ألوان بلاد الأمازون الملوّحة بالشمس كما احترافيّة مشهودة في إدارة حركة الكاميرا، أجواءً خاصةً على الأحداث المتلاحقة المحمومة والمغسول بعض مقاطعها بالدّماء وما وراءها من ألاعيب السّياسة القذرة. إنّه فيلم لا يُنسى

أول فيلم لمخرجة سوداء

المخرجة السينغاليّة الأصل ماتي ديوب دخلت بـ «أتلانتيك» - باكورة أعمالها الإخراجيّة – التاريخ بالفعل، بوصفها أول مخرجة سوداء البشرة يعرض لها فيلم في المسابقة الرئيسيّة في «مهرجان كان» الذي نعيش دورته السنويّة الـ 72! لكن ديوب قد لا تكتفي بمجرد اقتحام قلعة السينما الأوروبيّة إحصائياً، بل هيّ قدمت عملاً مثيراً للذهول قد يؤهلها لتدخل التاريخ مجدداً بفوز محتمل بالسعفة الذهبيّة. يحكي «أتلانتيك» قصة الانقسام الطبقي الحاد في المجتمع السنغالي المعاصر. انقسام يدفع بسكان المناطق المهمشة إلى خوض معاناة في الحبّ وفي طرائق كسب العيش، كأنهم عبيد لا أكثر، فيندفعون للمغامرة بفقدان أرواحهم وركوب قوارب الموت عبر الأطلسي أملاً بالخروج من بؤسهم المقيم بالهجرة نحو إسبانيا. لكن هذا الإطار الكليّ الذي يبدو تقليدياً نوعاً ما في أفلام العالم الثالث، ما يلبث أن يتفجّر في فيلم المخرجة الشابة مفاجآت صاعقة تتداخل فيها الفانتازيا بالواقعيّة والصورة المحترفة لأجواء دكّار وبحر السنغال بالمواقف السورياليّة. إنّه شريط استثنائي وموهبة استثنائيّة لا شك سيكون لها حضور متكرر في أجواء «كان» خلال السنوات القادمة

«البؤساء» الجدد

يستعير المخرج الفرنسي من أصول أفريقيّة لادج لاي كليشيهات من رواية فيكتور هوغو «البؤساء» التي سجّلت أوجاع باريس الاجتماعية العميقة قبل 150 عاماً، ليقدّم قراءة مختلفة وهذه المرّة عن ضواحي باريس المعاصرة حيث بؤساء فرنسا الجدد في معازلهم وفي علاقة ملتبسة مع رجال الشرطة، غارقين في بحر الحروب الطبقيّة والدينية والثقافيّة مع محيطهم، وفيما بينهم، بينما تتكرّس مناطقهم بؤراً للدعارة وتجارة المخدرات والتطرّف الديني وسيطرة المافيات المتنافسة. يستلهم الفيلم أحداث انتفاضات 2005 ويجعل من موجة حرّ متصاعدة سبباً آخر لميل كل الأطراف إلى النزق والعنف والتجهم قبل أن يُسرق شبل صغير من سيرك متنقل للغجر لتشتعل من ورائه موجة عنف كثيف يرصدها لادج لاي خلال نصف ساعة من الفوضى تجاه نهاية الشريط، تقطعها أصوات تحليق الدّرونات ولعلعة الأسلحة الأتوماتيكيّة. «البؤساء» فيلم أوّل لمخرج من سكان باريس الضواحي – المعازل ينجح في إعادة طرح الأسئلة الكبرى على المجتمع الفرنسي، وهي أسئلة لم تجد إجاباتها بعد منذ أيّام فيكتور هوغو، فيما يستمر هاجس الفقراء المنحدرين من تلك المعازل مقتصراً على مجرد النجاة من تلك الأجواء القاسية دون أن يفقد أحدهم حياته أو روحه مبكراً. «البؤساء» شريط واقعيّ يعكس إحساساً استثنائياً بالمكان، ويحقق ربطاً ذكيّاً بسيرة البؤس المستمرة في فرنسا عبر الأزمنة، ويطرح مخرجه وكثيراً من ممثليه الشبان بوصفهم نجوماً جاهزين لصنع بقائهم في دنيا الفن السابع خارج نطاق صراع البقاء اليوميّ. وقد عُلم في أجواء كان أن حقوق الفيلم قد بيعت بالفعل لشركة أمازون فور عرضه

سيرة ألمودوفار حيث لا ألم ولا مجد

آمال كثيرة كانت معلّقة على فيلم النوستالجيا والسيرة الذاتيّة «ألم ومجد» للإسباني بيدرو ألمودوفار، بعدما ذهبت بعض الأقاويل إلى أن الفيلم سيكون بمثابة اعتراف متأخر بعبقري آخر زعموا أنه من طينة النجوم الذين أنجبتهم بلاد الأندلس مثل فيدريكا غارسيّا لوركا وسيلفادور دالي. لكن حضور الثنائي اللامع أنطونيو بانداريس (يلعب دور ألمودوفار) والجميلة دوماً بينيلوبي كروز (دور والدة ألمودوفار) لم يساعد كثيراً في إنقاذ الفيلم من الغرق في تقديم سيرة بلا حبكة يتداخل فيها الخيال بالواقع بلا طموح سردي، ولا ألم فيها (لا تمثيلاً ولا واقعاً) سوى ارتباط العمل الفنيّ بسيرة المخرج الشهير بالإدمان على تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة، ولا مجد فيها إذ إنّه لم يحظ بأي تكريم استثنائيّ على مجمل أعماله، أو يمنح ولو مرّة واحدة ميزانيّة هائلة لإنتاج فيلم كبير، وكان أعلى ما وصل إليه أن فيلماً قديماً له أنجزه قبل 30 عاماً أعيد ترميمه وعرض في دارة سينما محليّة تعنى بالفنون!

فيلم «البؤساء» قراءة معاصرة عن ضواحي باريس حيث بؤساء فرنسا الجدد في معازلهم وفي علاقة ملتبسة مع رجال الشرطة

مع ذلك، فإن الفيلم الذي يبرق بألوانه الثريّة وموسيقاه اللاتينيّة المنعشة لا تبدو حظوظه كبيرة بالمنافسة على السعفة الذهبية، لكنه كان نقلة نوعيّة لبانداريس شخصياً الذي اضطر للخروج من أدواره التقليدية كي يتقمّص شخصية ألمودوفار، بما في ذلك القدرة على تبادل قبلة مثليّة حارّة مع خمسينيّ مثله وتلك مرّة أولى له على الشاشة. بينما اعتبرت كروز أن الفيلم مساحة تعبير فرديّة ذاتية للمخرج ألمودوفار، واعترفت بأنها تغاضت عن كثير من الأسئلة التي خطرت ببالها أثناء التصوير مكتفية بتنفيذ توجيهات المخرج كما هي. لذلك لن يحبّ كثيرون هذا الفيلم إن هم لم يكونوا من هواة ألمودوفار مسبقاً، وقد تُجنى منه فائدة وحيدة فحسب، وهي إرضاء الفضول بشأن ما كان يحدث في إسبانيا طوال أربعين عاماً الماضية بعد أن تقوقعت تلك البلاد على نفسها وانسحبت مع ملاعب الإمبراطوريات إلى الهوامش

ديكستر يتفوّق على نفسه والتون جون يزداد ثراءً 

لا تستطيع وأنت تشاهد «ذا روكيتمان» (خارج المسابقة ــ عرض ضمن تظاهرة «أسبوعي المخرجين») الذي يحكي سيرة مغني البوب الشهير إلتون جون، إلا أن تسترجع «بوهيميان رابسودي» عن سيرة المغني الرّاحل فريدي ميركوري والذي كان رامي مالك قد فاز على أدائه فيه بأوسكار أفضل ممثل. وجه التشابه ليس مقتصراً بالطبع على أن كلا الفيلمين يقدّمان حياة نجم بريطانيّ مثليّ آخر من موجة مغني الموسيقى الشعبيّة الذين تسيدوا ساحة الغِناء في السّبعينيات والثّمانينات الرّماديّة التي عاشتها بلادهم. الفيلمان أيضاً هما من إخراج ديكستر فليتشر. نتيجة المقارنة الإجباريّة هذه تقول بأن فليتشر تفوّق بالفعل على نفسه، إذ إن «ذا روكيتمان» بدا أكثر إبداعاً من فيلمه الأخير، وأقدر على انتزاع الضحكات، مؤثراً وأكثر مباشرة في طرح التوجهات المثليّة لبطله بينما لم يصل الممثل تارون إيغرتون الذي لعب دور جونز ــ ورغم أدائه الجيّد ـــ إلى مستوى أداء مالك في «بوهيميان رابسودي». مع ذلك، فإن «ذا روكيتمان» يصاب سريعاً بفقدان الاتجاه بعد تقديم فترة البدايات الأولى ولحظة تحوّل ريغنالد دوايت إلى إلتون جونز في عمر الـ 23 إثر نصيحة من مغن أميركي بـ «أن تقتل الشخص الذي كنته كي يتسنّى لك أن تكون الشخص الذي تريد». يغرق الفيلم (كما إلتون جونز في الواقع) بعدها في موجة رتيبة ممتدة من تعاطي المخدرات والكحول ورثاء للذات تكاد تفقدنا تعاطفنا مع الشخصيّة التي لا ينقذها إلا استعادة جذلة لأهم حفلات جونز الموسيقيّة في مواقع موفقة من السرديّة. ربما ليس «ذا روكيتمان» فيلماً للجميع، لكنه بالتأكيد يحقق الغرض منه: إذ سيجد فليتشر له مكاناً على قائمة أفضل الأعمال المعروضة ضمن تظاهرة «أسبوعي المخرجين» في «كان»، وسيمنح السير ألتون جونز ملايين أخرى من الدولارات جرّاء تجدد الطلب على أسطواناته الشهيرة. فيلم آخر أثار الانتباه في عروض «أسبوعي المخرجين» من توقيع ميلينا ليون ويسجّل بكاميرا متجذرة في المكان والزّمان أجواء فضيحة شبكة تهريب الأطفال في البيرو خلال عقد الثمانينيات، فتختلط فيه الشخصيات بالغبار والظلال بينما تتكشّف خيوط الفضيحة شيئاً فشيئاً. هجوم قاس قسوة طبيعة البلاد على المنظومة الفاسدة التي تعتاش على المتاجرة بالطفولة

غيبسون مجدداً في مرمى العداء للساميّةً 

فور الإعلان عن الشروع بتصوير الفيلم الجديد للنجم الأميركي ميل غيبسون، تصاعدت الإدانات والتهم الجاهزة بالعداء للساميّة وتسابق الصحافيّون المدجنون إلى استعادة جدالات وجد الممثل الشهير نفسه في خضمّها مرّات عدة خلال سيرته المهنيّة. العمل الجديد يقرأ بالفعل من عنوانه «روثتشايلد» وهو صيغة تكاد تطابق اسم السلالة اليهوديّة الأسطوريّة «روثستشايلد» الشهيرة في دنيا البنوك. يقدّم الشريط كوميديا سوداء لاذعة عن الثروة والنفوذ في أجواء نخبة نيويورك الثريّة. يلعب غيبسون دور كبير السلالة وايتلو روثتشايلد التي يتنافس عشرة من أفرادها على الوراثة. الفيلم معروض في سوق الفيلم الموازي لـ «مهرجان كان»، ولا بدّ من أن تكاثر الإدانات المسبقّة ستجلب له المزيد من إقبال الجمهور، تماماً كما حصل دائماً مع أفلام ميل غيبسون السابقة.

 

الأخبار اللبنانية في

21.05.2019

 
 
 
 
 

مارادونا «الحاضر الغائب» فى مهرجان كان السينمائى

كان ـــ د. أحمد عاطف درة

نجم كرة القدم الأرجنتيني الأسطوري مارادونا هو الحاضر الغائب بمهرجان كان السينمائي بالأمس، حيث عرض فيلما تسجيليا يحمل اسمه وعن قصة حياته في نهاية اليوم. وقد اختار المخرج مادة الفيلم من بين 500 ساعة مصورة من حياة مارادونا الخاصة ولحظات مؤثرة مع عائلته. والمعروف أن نجم الكرة الشهير عاني إدمان المخدرات لفترة طويلة، كما غاب مارادونا عن عرض الفيلم بسبب إصابة مفاجئة بكتفه قبل سويعات من ركوبه الطائرة. وقد عرض المهرجان عام 2008 فيلما آخر عن حياته الثرية بالأحداث من إخراج الصربي الشهير أمير كوستاريكا.

ومن الممكن ايضا اعتبار ليلة الأمس من المهرجان ليلة نسائية ،حيث تم عرض أكثر من فيلم عن قصص المرأة ولمخرجات نساء. فعرض في المسابقة فيلم «لوحة الفتاة الصغيرة» لسيلين شياما. وخارج المسابقة الفيلم الأمريكي المهم «share» إخراج بيبا بيانكو عن تعرض مراهقة للاغتصاب ومحاولة المعتدين إنكار الواقعة.ومع عرض الفيلم الأرجنتيني (اجعلوها قانونية) إخراج خوان سولاناس، وقفت أكثر من 50 سيدة أرجنتينية أعضاء حركة «مع الاختيار» علي السجادة الحمراء يرفعن المناديل والأعلام الخضراء للمطالبة بجعل الإجهاض قانونيا في بلدهن.

حيث تموت سيدة كل يوم تقريبا بسبب الإجهاض السري. كما عرض فيلم «جان» إخراج برونو ديمون المستمد من حياة البطلة الفرنسية الأسطورية جان دارك.

 

الأهرام اليومي في

21.05.2019

 
 
 
 
 

هكذا صالح "كان 72" عشاق السينما

بقلم: أسامة عبد الفتاح

** أعاد "موتى" جارموش ذكريات 2016 السيئة لكن الأفلام التالية صححت مسار المسابقة وجعلت مهمة لجنة التحكيم صعبة

رغم تعدد أقسام وبرامج مهرجان "كان" السينمائي الدولي، الذي يختتم دورته الثانية والسبعين السبت المقبل، وتعدد أقسام ما يُعرف بـ"الاختيار الرسمي" تحديدا، إلا أن الاهتمام الأكبر يظل بالمسابقة الدولية الرسمية، المخصصة للأفلام الطويلة، والتي يظل مستواها مؤشرا على قوة ومستوى الدورة ككل، مهما بلغ تميز الأقسام الأخرى.

وقد كانت البداية، مع عرض أول أفلام المسابقة، مخيبة للآمال للغاية، وأعادت للأذهان دورة 2016، حين شارك عدد كبير من المخرجين العالميين المهمين، والأعضاء الدائمين فيما يمكن تسميته "نادي كان"، في المسابقة الرسمية، لكنها خرجت ضعيفة لانخفاض مستوى أفلام هؤلاء الكبار، والتي تم الاعتماد في اختيارها على أسمائهم اللامعة وليس على جودة الأعمال نفسها.

وكان من بينهم بالمناسبة مخرجون يشاركون في مسابقة هذا العام، ومنهم الشقيقان جان بيير ولوك داردن، اللذان قدما وقتها فيلمهما "الفتاة المجهولة" العادي جدا، والممل في بعض أجزائه، والذي لا يحمل أي لمسة إبداعية ولا أي فكرة تقدمية أو جديدة متوقعة من سينمائيين بحجم الشقيقين، ويُعد أقل أعمالهما التي شاهدتها مستوى.. ومنهم أيضا المخرج الإسباني الكبير بدرو ألمودوفار، الذي شارك في 2016 بفيلمه "خولييتا"، أضعف أعماله وأكثرها فجاجة وميلودرامية، والمخرج الكوري الجنوبي الكبير بارك شان ووك بفيلمه "الآنسة" النمطي.

ثارت عندي، وعند غيري، هذه المخاوف عندما شاهدنا أول أفلام مسابقة "كان 72"، وهو أيضا فيلم الافتتاح، "الموتى لا يموتون"، للمخرج الأمريكي المستقل الكبير جيم جارموش، الذي حشد عددا كبيرا من النجوم منهم بيل موراي وسيلينا جوميز وداني جلوفر وتيلدا سوينتون.. ورغم ذلك، ورغم اسم جارموش، خرج العمل ضعيفا وغير مقنع، ولم يتجاوز كونه فيلم "زومبي" – أي الموتى الأحياء – عاديا، وزاده سوءا محاولات جارموش إضفاء أبعاد فلسفية ووجودية عليه دون جدوى، بل أنه ربما كان سيصبح أفضل لو كان قد حذف هذه الأبعاد، الفارغة من أي معنى، والتزم بقواعد نوعية الزومبي دون تقعر.

لكن هذه المخاوف زالت في اليوم التالي مباشرة، عندما صالح مهرجان "كان" عشاق السينما وعرض ثاني أفلام المسابقة، الفرنسي "البؤساء"، الذي يرتقي لمستوى التحفة السينمائية الحقيقية رغم كونه العمل الطويل الأول لمخرجه لادج لي.. والفيلم ليس له علاقة مباشرة بـ"بؤساء" فيكتور هوجو، لكنه ينطلق من إحدى عبارات هوجو (ليس هناك نبات سيء، ولا رجال سيئون، ولكن هناك مزارعون سيئون) ليقدم رصدا آنيا جدا ومتوهجا ومفعما بالحيوية والخشونة لباريس اليوم، من خلال مواجهة بين ثلاثة من رجال الشرطة وعصابات و"صبيان" حي "مون فرماي"، الذي نشأ فيه المخرج، والذي دار على أرضه جزء كبير من أحداث رواية هوجو قبل 150 عاما.

واستمرت انتفاضة أفلام المسابقة مع عرض فيلم "نأسف لعدم لحاقنا بك" للمخرج البريطاني الكبير كين لوتش، وهو من أفضل وأهم أفلامه خلال السنوات الأخيرة، وفيه يثبت مجددا أنه أستاذ الدراما الاجتماعية، التي تظل تتصاعد وتتصاعد حتى تبلغ ذروة كاشفة تنتصر دائما للإنسان وتدين المجتمعات الرأسمالية المادية.. هنا يوميات أسرة إنجليزية تكافح من أجل حياة كريمة في مجتمع مادي قاس لا يشعر بها، بل يقمعها ويدوس عليها، من خلال أب يعمل سائقا في شركة لتوصيل الطرود وأم تعمل جليسة لكبار السن، وتُضاف لأزماتهما المادية ومتاعبهما في العمل مشكلات ابنهما المراهق الذي يرفض الانتظام في الدراسة.

وتواصلت جهود "المصالحة" مع جديد بدرو ألمودوفار، الذي لم يخيب الآمال كما فعل عام 2016، بل قدم فيلما جميلا باسم "الألم والمجد" وضع فيه خلاصة خبرته الطويلة، ورصد برهافة وصدق شديد أزمة مخرج سينمائي (جسده النجم أنطونيو بانديراس) يتراجع على جميع المستويات، سواء لمرضه أو لإحساسه بأنه لم يعد لديه ما يقدمه، مع مزج موضوعي وتقني رائع بين حاضر المخرج وطفولته، وعلاقته في ذلك الوقت مع أمه، التي أدت دورها بنعومة واقتدار النجمة بنيلوبي كروز.

وإذا استمرت أفلام المسابقة على هذا المستوى، ستكون مهمة الاختيار صعبة جدا على لجنة التحكيم الرئيسية التي يطلقون على رئيسها في "كان" لقب "رئيس المهرجان"، لكن لا خوف عليها في رأيي مهما كانت الصعوبة لأنها تضم ثلاثة من أهم مخرجي العالم حاليا، وهم رئيسها المكسيكي أليخاندرو جونزاليس إينياريتو، واليوناني يورجوس لانتيموس، والبولندي بافل بافليكوفسكي. كما تضم في عضويتها الممثلة الأمريكية إيل فانينج، والممثلة ميمونة نداي من بوركينا فاسو، والمخرجة الأمريكية كيلي ريكارت، والمخرجة الإيطالية أليس رورووتشر، ومؤلف الرسوم المتحركة الفرنسي إنكي بلال، والمخرج الفرنسي روبن كامبيلو.

 

جريدة القاهرة في

21.05.2019

 
 
 
 
 

فيلم "ألم ومجد" لألمودوفار.. سيرة ذاتية تمجّد عتبة الألم

علا المصياتي

الذاكرة والتاريخ الشخصي، الطفولة والماضي، ليست مجرد مفردات في عالم المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، بل هي سؤاله الحقيقي الذي كان وما زال يدفعه نحو السينما. على الرغم من حضور كل تلك التفاصيل في كل فيلم من أفلامه، إلّا أن تلك الذاكرة حضرت بكل ثقلها في فيلمه الأخير "ألم ومجد" (Dolor y Gloria) الذي عرض للمرة الأولى في رابع أيام "مهرجان كان السينمائي" لهذا العام.

الذاكرة والتاريخ الشخصي ليست مجرد مفردات في عالم المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، بل هي سؤاله الحقيقي الذي كان وما زال يدفعه نحو السينما

من السهل معرفة موضوع الفيلم الجديد، بعد ما تم تداوله أن ألمودوفار سيقدم فيلمًا من نوع الفيلموغرافيا، السيرة الذاتية، بل أيضًا يمكن ملاحظة ذلك بالوقوف عند بوستر الفيلم ذاته، وهنا أود الاعتراف بأن بوستر أيّ فيلم لألمودوفار هو مدخل لفهم الشخصيات، أذكر منها، تحدث إليها، وأفلامه الأشهر كل شيء عن أمي وفولفير، وفيلمه العشرون خوليتا. هناك دائمًا شخصية واحدة أو اثنتين وغالبًا شخصية أنثوية نتعرف عليها من خلال البوستر، الذي يأخذ شكل بورتريه لتلك الشخصية، لندخل إلى عوالمها وصراعاتها في الفيلم. هنا لم تحضر الأنثى الألمودوفارية، وتكاد تكون غائبة من فيلمه هذا، إلًا أن الممثل الإسباني أنطونيو بانديراس الذي سيقوم بأداء دور ألمودوفار سيحمل كل العبء الميلودرامي لمجمل شخصيات ألمودوفار النسائية، عبر تقديم شخصية ألمودوفار نفسه في مراحل معينة من مسيرته. على الأقل هذه الصورة الذهنية التي يقدمها لنا البوستر ذو اللون الأحمر الغامق، أحد ألوان ألمودوفار المميزة، هو المعروف بحبه للألوان والنارية منها على وجه الخصوص. ظل بانديراس المنعكس بصورة ألمودوفار سيحمل جملة من التشابهات بين الاثنين، وهذا يبرر اختيار المخرج لهذا الممثل بالتحديد بعد أخر تعاون لهما معًا في فيلم العشاق العابرون والذي لم يلقى نجاحًا أو أيّ انتباه.

يعود اليوم ألمودوفار بعد فيلمه الأخير خوليتا، ومن خلال مهرجان كان الذي يقدر هذا المخرج كل التقدير، يعود ليحكي حكاية مختلفة، بالضرورة للمرأة تأثير كبير فيها، كيف لا وهو المخرج الأقدر على رؤية عالم النساء وتقديم صورة خاصة عنه، باعتراف ممثلاته ومحبيّه. ستمر السيرة الذاتية لهذا المخرج عبر الصورة النسائية وستمر الأخيرة عبر السيرة بالضرورة، لا يمكن الوقوف عند هذا المخرج دون التأمل في فكره النسويّ وتأثير تلك النسويّة على شخصيته، كما أن ألمودوفار حاضر وحكايته الشخصية، في كل أفلامه وفي كل شخصياتها، امرأة أو مثليّ الجنس، ترانس أو طفل صغير، سيكون هذين المكونين أحد أهم جوانب ذلك العالم. هذا متوقع، فقد تربى ألمودوفار بين النساء في مجتمع أبوي متدين، وحالهم كحال العائلات الفقيرة التي يغيب فيها الأب بسبب عمله وتتحمل الأم مشقة تربية الأولاد، كل ذلك نراه نتفًا صغيرة في شخصياته ونراه حاضر بشكل كبير في موضوع الفيلم الأخير.

"ألم ومجد" عنوان يأخذنا إلى القلق الخاص بالمخرج سلفادور مالو الذي يلعب دوره الممثل أنطونيو بانديراس، الفيلم أشبه بصورة شخصية ولكنها غير مكتملة وهذا مقصود. نتابع الشخصية خلال محطات من حاضرها الذي تميزه التفاتة إلى الوراء، يعود المخرج إلى أعماله التي لم يتصالح معها، وإلى شخصيات منقطع عنها تمامًا، مع استعادة محطات معينة من ماضيه، يمكن تسميته فيلم ألمودوفاري عن ألمودوفار، أو بورتريه شخصي من وجهة نظر صاحبه، وكأنه فان كوخ حين رسم نفسه، لذلك هو ليس مثل بقية أفلام السيرة الذاتية التي يصورها فنان على أبواب السبعينات من العمر عن تجربته، هو أشبه بحكاية عن تأثير الألم الجسدي على الأفكار والخيارات الشخصية، وأشبه بعبور وانتقال من المادة إلى الفكرة، تأثير ذلك العطب الجسدي على الألم النفسي، والذي أخذ شكل القلق الدائم والحزن وكأنها صفات ملازمة للشخصية.

نُغمر خلال مشهد الافتتاح في حوض سباحة، يظهر لنا رجل بندبة بارزة على نصف جسده العلوي، منقطع الأنفاس، راقد في وضعية قد تبدو مريحة لشخص يعاني من ألام حادة تمنعه من الحركة، كأن الجسد صار أداة هائلة الحجم رُميت في الماء وشكلت اهتزازات ثم سكنت وسكن معها حال الماء، هكذا يظهر الألم في الفيلم والمعبر عنه في هذا المشهد بإتقان وعذوبة، طبقات من الألم المخفية في جسد رجل لا يظهر منها إلى محاولته كتم أنفاسه، وكأن الفيلم يحضرنا لاكتشاف ذلك الألم الذي يحرك فعل الشخصية.

يعاني سلفادور من آلام في ظهره، وألم أخرى في النفس لها علاقة مباشرة بتاريخه الشخصي وعلاقته مع أمه، إذا يستذكر المخرج في لقطات فلاش بلاك طفولته وعلاقته بأمه إثر غياب الأب شبه الدائم، والدته التي تلعب دورها الممثلة الأقرب لقلب ألمودوفار بينلوبي كروز، امرأة متعبة جسديًا ونفسيًا ولكنها تتحرك بسرعة ورشاقة، نشعر بذلك العبء المرمي على كاهلها في المراقبة الدائمة والانشغال بشؤون الطفل، وقد لا تختلف هذه الأم عن سيدة الحي كما يسمي محبيّ ألمودوفار أمه الحقيقية سينيورا باكيتا، والتي لها ثقلها الواضح على شخصية الأم في فيلم ألم ومجد، بل يمكننا الافتراض أن باكيتا هي إحدى عناصر هذا الفيلم الأساسية. يعكس ذلك تأثيرها على الفيلم وفي حياته الخاصة.

يعود بنا ألمودوفار إلى مدينته الصغيرة ولكن لا تفاصيل تشي بأنها لا مونتشا بلدته والدون كيشوت، التي تربى فيها مع أمه وتركها لاحقًا

يعود بنا ألمودوفار إلى مدينته الصغيرة ولكن لا تفاصيل تشي بأنها لا مونتشا (La Mancha) بلدته والدون كيشوت، التي تربى فيها مع أمه وتركها لاحقًا في السبعينيات متوجهًا نحو عالم آخر ينتظر في مدريد.

يسلط الفيلم الضوء على الألم ويخفيه في أنٍ معًا، إحساس بالألم موجود على الدوام، ولكن مسكوت عنه، في حاضر الشخصية وماضيها، في الحكاية الشخصية والتكوين الجسدي. تنتج عنه مشاعر حزن عميقة، هي مكون أساسي لفهم الشخصية.

الجدير بالذكر في الفيلم، هو تلك العلاقة الخفية بين موضوع الألم وفكرة المجد، لا أمجاد شخصية أو مهنية يتحدث عنها الفيلم، ولا يمكن أن نلاحظ أيّ مظهر من مظاهر النجاح وتحقيق الأمجاد المعروفة والمتوقعة. المجد كفكرة كامنة في تلك الاستعادة لأحداث الطفولة وإعادة التعرف على الذات، تحقيق المصالحة عبر الاعتراف الذي يمر عبر التذكر، وليس أيّ نوع من التذكر، التذكر الدقيق وإعادة إحياء اللحظات، ومن ثم التغلب على الحكاية الشخصية برويها وتصويرها. فالمجد بالنسبة لألمودوفار وكما قدمه في الفيلم، مرتبط بمستوى الاعتراف والتقبل وإعادة المحاكاة.

الوصول إلى الذاكرة يتم عبر المحاكاة الفنية

من غير الممكن التحكم بالذاكرة الشخصية بشكلٍ كليّ، لذلك جاء التعبير الفني عنها في الفيلم خير وسيلة لمحاولة الظفر بكل تلك التساؤلات والوقوف عند مسببات هذا الألم المكتوم. يحكي ألمودوفار حكايته عبر أنواع فنية مختلفة، في البداية نعود مع الذكر الطفل إلى كورال المدرسة الكاثوليكية، سرعان ما يسأم منه، تاركًا الغناء وكل عوالم الالتزام والانضباط في ذلك المكان. ننتقل إلى حكاية اكتشافه للرغبة الأولى المتمثلة في المرة الأولى التي رأى فيها جسد إنسان عاري، وكأن مفهوم الرغبة في عقل ألمودوفار الطفل اختزلته تلك اللحظة التي شاهد فيها العامل الأميّ، العابر مصادفةً، والذي عقدت معه الأم اتفاقية بأن يساعدها في ترميم البيت مقابل أن يعلمه سلفادور القراءة والكتابة. هذه الدروس ستؤثر بشكلٍ عميق في فهم الطفل سلفادور لمفهوم الأخر والجسد، وستحفر للفن مكانًا على قدر كبير من الأهمية، حين يتعرف سلفادور المخرج على تلك الذاكرة من خلال لوحة رسمها العامل المتأثر بشخصية الطفل الذي يملك ما لم يقدر عليه هو، ملكة القراءة والكتابة.

وعن طريق مونولوج مسرحي بعنوان إدمان، يتحدث عن الانفصال بين حبيبين، يتزامن ذلك مع اختبار الشخصية في الفيلم للمخدرات، والتي تؤمن لعقله استعادة دقيقة للذكريات. يؤدي ذلك المونولوج ممثل وحيد على الخشبة بخلفية بيضاء حيادية، هو الممثل الذي لم يتصالح معه المخرج إلاّ بعد ثلاثون عامًا مضى على أخر عملٍ لهما معًا. يحضر تلك المسرحية الحبيب السابق لسلفادور الذي يلعب دوره الممثل الأرجنتيني ليوناردو سابراغليا، القادم من بوينس أيريس وصادف وجوده عرض مونولوج كُتب له، هذا ما يدفعه لشد رحاله لمقابلة الماضي في مشاهد اختار لها ألمودوفار ألوانًا دافئة ولقطات ثابتة.

بين ألمودوفار وبانديراس إجابات مباشرة مرة ومخفية مرة أخرى في روح الأول والحضور الجسدي للآخر

يصور لنا فيها سلفادور وعشيقه في لحظة الحاضر المشبعة بروح الماضي. وبذلك قادت تلك المسرحية للتعرف على الحب في حياة سلفادور، كما قادتنا للتعرف على اللحظة الأولى التي خلقت فيها الرغبة في عالم الطفل، من خلال لوحة فنية عادت إليه بعد مرور وقت طويل. ليصبح اسم الرغبة الأولى هو اسم الفيلم الذي يصوره المخرج القلق سلفادور مالو، حين وجد بأن الطريقة الوحيدة لإخماد ذلك الألم، هو التعامل معه عن طريق سيرته الذاتية. وهكذا عبر مكاشفات مترابطة بين الشخصي والفني، يفكك ألمودوفار سيرته مستندًا على عناصر تشبهه.

لم يتنكر ألمودوفار لذاكرته المهنية أيضًا، فالموسيقي الإسباني البرتو اجلسيوس فرننديز، ما زال جزءًا لا يتجزأ من تكوينها، لذلك حضر مجددًا في خلفية موسيقية لأحداث الفيلم، فهو الأقدر على ترجمة الميلودراما وتحويلها إلى نغمات، سبق وتعامل مع ألمودوفار مصممًا له عوالم موسيقية على قياس ألم شخصياته وطباعها.

وهذا ينطبق أيضًا على التعاون الدائم بين ألمودوفار والسينماتوغرافي جوسيه لويس ألكاين، والذي لا يمكن أن تكتمل الصورة بدونه، كساحر يخلق أجواء الفيلم الفنية التي يعرفها كل محبيّ عالم ألمودوفار.

في ثيمة فيلم داخل فيلم، نكتشف الثنائيات حقيقي ومتخيل، إنكار ومصالحة، ضعف وقوة، في فيلمٍ عن مخرج يمنعه الألم من العمل، يقدمه مخرج يحاول التصالح مع ماضيه المشبع بالألم. بين ألمودوفار وبانديراس إجابات مباشرة مرة ومخفية مرة أخرى في روح الأول والحضور الجسدي للآخر، تأتينا على شكل لقطات ملونة، وتقنيات لجأ إليها ألمودوفار للوقوف بين الفيلم والحياة، بين ما هو واقع ومتخيل، والطريقة التي يمكن فيها للألم أن يصنع المجد. ختامًا، فيلم بيدرو ألمودوفار الأخير هو فيلم سيرة ذاتية، ولكن في صيغة مختلفة عن المعهود وتعبيرات جديدة متعلقة بهذا النوع، وهذا ما يجعله مختلفًا عن غيره من أفلام السيرة الذاتية، وعن بقية أفلام ألمودوفار.

كاتبة من سوريا

 

ألترا فلسطين في

21.05.2019

 
 
 
 
 

كان 2019| "A Hidden Life".. الحرب العالمية بأعين تيرانس ماليك

هيثم مفيد

يعود المخرج الأمريكي المخضرم تيرانس ماليك، إلى أحضان مهرجان كان السينمائي بفيلم الحروب والتاريخ "A Hidden Life" ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة الـ72، وذلك بعد غياب دام 8 سنوات منذ فيلمه الشهير "The Tree of Life" للنجم براد بيت، والحائز على جائزة السعفة الذهبية عام 2011.

ردود فعل واسعة وإشادات نقدية حققها الفيلم منذ عرضه العالمي الأول بمهرجان كان، أول أمس الأحد، معربة عن تقديرها واحترامها البالغ لرائعة جديدة من روائع "ماليك" المنتظرة الذي عَود جمهوره المتعطش بمشاهد تتخطى عوالم السينما التقليدية إلى أخر خاص جدا يمسّ جوهر الأشياء.

فيلم "A Hidden Life" تدور أحداثه خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، وتستند قصته الحقيقية على حياة المزارع النمساوي فرانز جاجرستاتر (أوجست ديل)، وزوجته فاني (فاليري باشنر)، وبناتهم الثلاث الصغار في مزرعة بالقرب من قرية سانت راديجند الجبلية التي تسودها البهجة والسعادة والمحبة.

هذه الحياة الهادئة التي تحضتنها جبال الألب بمناظرها الخلابة، سرعان ما تتبدد بعد أن نسمع صوت الطائرات الحربية تسود المنطقة وإعلان قيام الحرب، التي يرفض فرانز أن يكون جزءًا منها بأي شكل من الأشكال ويقرر مواصلة زراعة البطاطس والقش؛ لكن زملاؤه القرويون الخائفون من جحيم هتلر وعصابته يشجعوه على الانضمام إلى الجيش، وتتطور تكتيكاتهم من الإقناع الودي إلى الإقناع غير الودي، ويتم تجنيده، ويخبر السلطات العسكرية النازية أنه لن يساعد الجيش بأي شكل من الأشكال، 

ليتم إعدامه من جانب الجيش النازي رميًا بالرصاص في مقاطعة براندنبريج الألمانية في 9 أغسطس 1943 ويصبح فرانز من وقتها إلى الأن رمزًا من رموز المقاومة السلمية.

نيكولاس باربر، الناقد بموقع "BBC"، ذكر، على الرغم من أن فيلم "A Hidden Life" لا يتطرق إلى السياسة، ولا عرض جرائم ومذابح النازيين، ولكنه يرسم رحلة فرانز الداخلية من عدم اليقين المؤلم إلى الاعتقاد الهادئ الذي لا يتزعزع بأنه ببساطة لا يستطيع فعل ما يعتقد أنه شرير.

وهذا هو جوهر سينما تيرانس ماليك الفلسفية، التي تعتمد وتحاكي كل ما هو داخلي، فأنت لا تأتي إلى فيلم الجديد لترى دراما حرب مباشرة والكثير من القتلى والدماء، ولكن ما يقدمه "ماليك"، الحاصل على تقدير الإمتياز مع مرتبة الشرف في الفلسفة من جامعة هارفارد، هو تأمل جاد في قوة الإيمان والمحبة والطبيعة الذين يدعموك في أسوأ الحالات

وتقول اليسا ويلكينسون، النقادة بمجلة "Vox"، يبدو أنه فيلم مصمم خصيصًا لتقديم انتقادات لاذعة خلال حقبة تشهد تصاعد للقومين البيض، وعلى الرغم من أن ما قام به "جاجرستاتر" سيؤدي إلى معاناة أسرته وأقسى العقوبات على نفسه، إلا أن الفيلم يطرح تساؤلًا علينا أن نفكر فيه "هل حياته وموته حتى مهمان؟".

في نهاية المطاف أصبح "جاجرستاتر" معروفًا بشكل أفضل لدوره في الحرب، ففي عام 1964 كتب عالم الاجتماع الأمريكي جوردون زان سيرته الذاتية تحت عنوان "الشاهد الانفرادي"، كما تضمن توماس ميرتون فصلًا عنه في كتابه "الإيمان والعنف" الصادر عام 1968، وسرد مسلسلًا تلفزيونيًا نمساويًا قصته في عام 1971، وفي عام 2007، أعلن البابا بنديكت السادس عشر فرانز جاجرستاتر شهيدًا.

 

البوابة نيوز المصرية في

21.05.2019

 
 
 
 
 

»الزومبي« يبحثون عن الـ»واي فاي« في »كان 72«

17 ألف توقيع لمنع حصول آلان ديلون علي السعفة الذهبية

عصام عطية

رغم انعقاد فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ71، إلا أن افتتاحه وأيامه ولياليه، لم تحدث الضجة المصاحبة دائما له، هناك هدوء غريب يصاحب فعاليات المهرجان، اختفت الضجة الإعلامية، علي المواقع الأجنبية، تلاشي بريق الريد كاربت، الذي مر عليه نجمات هوليوود وهن يرتدين من بيوت الأزياء العالمية أحدث الموديلات، لكن خلال فعاليات المهرجان دارت أحداث غريبة المفترض لا تصدر من أكبر مهرجان عالمي، فماذا حدث؟

·        ليلة بكي فيها التون جون.. والقديس المجهول يضحك الجمهور

> منع مخرجة من الدخول 

واجه مهرجان كان السينمائي انتقادات بسبب معاملته للأمهات والأطفال، خصوصا بعد منع مخرجة من دخول المهرجان هي وطفلها لحضور فيلمها، المخرجة البريطانية جريتا بيلاماسينا، التي يعرض فيلمها Hurt By Paradise، ضمن قسم أفلام السوق في المهرجان، قالت إن المهرجان أبدي موقفا »مشينا»، بعدما حاولت دخول المهرجان برفقة طفلها البالغ من العمر 4 أشهر، وقالت: »أنا غاضبة من سخف هذا الموقف الرجعي»، وأضافت: »كما لو أن صانعات الأفلام من النساء في حاجة للمزيد من العقبات في عملنا».

وبحسب جريتا بيلاماسينا، رفض المهرجان في بادئ الأمر دخول طفلها إلي الموقع حين وصلت بصحبته إلي هناك، وبعد جدال محتدم، سمح لها بالدخول بصحبة طفلها إلي منطقة تسجيل الوصول، علي الرغم من أنه قد قيل لها إنه يجب إرسال عربة الطفل التي تجرها إلي مدخل مختلف، وقالت جريتا إنه قيل لها لاحقاً إنه يتعين الحصول علي تصريح دخول لطفلها بقيمة 300 يورو (ما يعادل 336 دولاراً أميركياً)، وبعدما عرضت دفع الرسوم، قيل لها إن طلبها يحتاج 48 ساعة لإتمامه، وطلب منها مغادرة المكان، المفارقة أن فيلمها عن أم عزباء تصارع من أجل عملها وطفلها

قالت المخرجة: »المفارقة هي أن فيلمي يدور حول أم عزباء تحاول موازنة حياتها ككاتبة، وتعامل باستعلاء في بعض المشاهد بالفيلم، ولكنها لم تعامل قطّ بنفس درجة الوقاحة التي عوملت بها أنا كأم في المهرجان السينمائي اليوم».

وفي بيان قال متحدث المهرجان أن »المهرجان يستنكر الحادث ويعمل منذ ذلك الحين علي تصحيحه، وأن جريتا ستحصل علي شارات المشاركين وحق الدخول مما سيتيح لها الاستفادة من مُختلف المبادرات التي أُجريت هذا العام، وكذلك العمل في أفضل ظروف ممكنة».

> سيلينا جوميز ومواقع التواصل 

انتقدت المغنية والممثلة الأمريكية، سيلينا جوميز، وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها السلبي علي الشباب، قائلة إنها قد تسهم في وجود عالم من التضليل والتنمر، وقالت جوميز (26 عاما) في مؤتمر صحفي في مهرجان كان السينمائي »وسائل التواصل الاجتماعي كانت مريعة حقا لجيلي»، وتشارك جوميز في فيلم »الموتي لا يموتون» مع بيل موراي وتيلدا سوينتون، وهو فيلم افتتاح المهرجان.

وردا علي سؤال عن المخاطر المحدقة بكوكب الأرض من وجهة نظرها هي وطاقم الفيلم، قالت »أدرك كم من الرائع استخدام منصتكم لكن يفزعني حقا أن أري الخطورة التي تحدق بهؤلاء الفتية والفتيات، إنهم يجهلون الأخبار وما يدور حوله، أعتقد أنه أمر خطير بالتأكيدو أظن أن الناس لا يتلقون المعلومات الصحيحة في بعض الأحيان».

ويوجه الفيلم وهو من إخراج المخرج الأمريكي جيم جارموش انتقادات إلي من ينكرون مخاطر تغير المناخ ويسخر من مخاطر العيش في مجتمع تغلب عليه النزعة المادية ويظهر فيهم الموتي (الزومبي) وهم يبحثون عن خدمة الواي فاي من أجل هواتفهم الذكية.

> أزمة آلان ديلون 

لا يزال الجدل متواصلاً حول منح الممثل الفرنسي آلان ديلون، الذي يعتبر »أيقونة السينما الفرنسية»، جائزة السعفة الذهبية الشرفية في مهرجان كان السينمائي حيث جمعت عريضة علي الإنترنت أكثر من 17 ألف توقيع لمنع ذلك، وجاء هذا الجدل إثر انتقادات لاذعة من جمعيات نسائية في الولايات المتحدة وفرنسا، تعتبر ديلون من الشخصيات السينمائية التي لا تحترم المرأة، إضافة لمواقفه المعادية للمهاجرين والمثليين.

هذا التكريم أثار جملة من الانتقادات من قبل الجمعيات الحقوقية، التي تعتبره غير أهل لنيل هذه الجائزة، بسبب مجموعة من المواقف له عبر عنها علنيا عبر وسائل الإعلام سواء حول المرأة أو بخصوص المهاجرين، كما أنه أعلن دعمه في حملة انتخابية سابقة لحزب »التجمع الوطني» (الجبهة الوطنية سابقا)، المحسوب علي اليمين المتطرف وقال ديلون في تصريح سابق له حول العنف بخصوص المرأة إن »صفعة واحدة لا تعني شيئا، أنا أيضا تلقيت الصفعات من زوجتي»، ما أثار غضب الحقوقيين والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، التي رأت في ذلك إهانة واضحة منه للنساء عامة، جمعية »تجرأوا علي النضال النسائي» الفرنسية اعتبرت أن المهرجان يبعث برسالة سيئة للنساء وضحايا العنف بتكريمه لآلان ديلون»، بل أن الأمر ذهب أبعد من ذلك بإعلان جمعية »النساء وهوليوود» الأمريكية، المدافعة عن حقوق المرأة في حقل السينما، إطلاق عريضة ضد هذا التكريم، حيث تجاوز عدد الموقعين 17 ألفا، إدارة مهرجان كان دافعت عن تكريمها لديلون واصفة إياه »بالممثل الأسطوري وجزء من تاريخ كان»، ومعتبرة أنه »بعد جون بول بيلموندو وجون بيير ليو يبدو أنه من المحرج عدم تكريم آلان ديلون»، ومؤكدة بأنه سيحظي بهذا التتويج ليس لمواقفه، وإنما لتاريخه السينمائي وأدواره أمام الكاميرا، فيما لم يعلق حتي الآن الممثل الفرنسي علي هذا الجدل.

> القديس المجهول

عرض فيلم »معجزة القديس المجهول» للمخرج المغربي الشاب علاء الدين الجم ضمن فئة »أسبوع النقاد» في مهرجان كان السينمائي، وفضل الجم أن يعتمد الخيال الكوميدي للإبحار في الحياة القاسية للعالم القروي، انطلاقا من قصة سارق محترف، أضحكت كثيرا الجمهور الذي تابع العمل في افتتاح أفلام »أسبوع النقاد».

ويتحدث فيلمه »معجزة القديس المجهول» عن حكاية لص، حاول أن يفر من ملاحقة الشرطة، بعد ما سرق قدرا مهما من المال، قام بدفنه في مكان آمن في منطقة صحراوية، وبناه علي شكل قبر، قبل أن يقع بين يدي الشرطة، وظل يعتقد وهو خلف أسوار السجن أن ماله المسروق لا يزال في مأمن بـ»قبر» لا يجرؤ أي أحد علي المس به.

لكن كانت تنتظره مفاجأة غير سارة وهو يخرج من السجن، حيث اكتشف أن »القبر» الذي خبأ به المال المسروق قد تحول إلي ضريح يزوره العديد من المرضي طلبا للشفاء. ليبدأ في محاولات نسج الخطط التي تساعده علي استعادة ماله، وهذا لا يتأتي له، طبعا، إلا بنبش »القبر».

> ألتون جون

عمت مهرجان كان موجة تأثر بعد عرض فيلم »روكيت مان» بحضور ألتون جون وتارون إيجرتون الذي يؤدي دور النجم البريطاني ببراعة في هذا الفيلم حول سيرته

وقد قوبلت نهاية الفيلم بالتصفيق الحار لدقائق طويلة قبل إضاءة الأنوار ليظهر ألتون جون باكياً من شدة التأثر وراء نظارتين علي شكل قلب، ولم يقتصر التأثر علي النجم العالمي، بل طال أيضاً كل فريق الفيلم من الممثل تارون إيجرتون إلي المخرج ديكستر فليتشر فضلاً عن صديق ألتون جون الكبير كاتب كلمات أغانيه برني توبان.

> من أجل سما

تشارك الصحفية والمخرجة السورية وعد الخطيب، إلي جانب المخرج البريطاني إدوار واتس، بالفيلم الوثائقي »من أجل سما» في مهرجان كان السينمائي، ضمن فئة العروض خارج المسابقة الرسمية، و»سما»، عنوان الفيلم، ما هي إلا ابنتها الأولي التي ولدت في غضون الحرب والدمار، والتي كانت ثمرة حب مع الطبيب حمزة، الشاب الذي تطوع لمعالجة المصابين، وكان وراء إنشاء مستشفي إثر تعرض بقية المستشفيات للخراب. وجعلت المخرجة من هذا المستشفي نقطة ارتكاز في عملها، أظهرت من خلاله مأساة شعب ليس في حلب فقط وإنما في سورية ككل، بصور صادمة أظهرت وعد الخطيب للعالم الواقع المرير لسكان حلب.

> الصلح خير 

ستشهد الدورة الـ72 من مهرجان كان أنه تم الصلح بين كوبرا بشري وأسد محمد رمضان برعاية رجل الأعمال نجيب ساويرس، رمضان موجود في مهرجان كان السينمائي لحضور فعالياته، وفي الحفل الذي يقيمه سنويا رجل الأعمال نجيب ساويرس للفنانين تم الصلح، وهناك عدد من الشخصيات المصرية والعالمية شهدوا هذا الصلح، وعبرت بشري عن سعادتها بوجود رمضان، مشيرة إلي أنه لا يوجد خلاف من الأساس، وهو مجرد مباراة فنية أدت إلي سوء فهم.

 

آخر ساعة المصرية في

21.05.2019

 
 
 
 
 

خالد محمود يكتب من مهرجان كان :

صرخة الجزائر.. تحذير من «عشرية سوداء» جديدة

«بابيشا» رحلة بحث عن حرية الفتيات

ما زالت السينما الجزائرية تغوص فى بطولات انسانية لنماذج من الشعب ضد الارهاب إبان سنوات «العشرية السوداء» لتغزل منها ملاحم اجتماعية تذكر الاجيال بما جرى برؤى ابداعية جديدة أكثر إلهاما وهو ما كشف عنه الفيلم الجزائرى «بابيشا» مونية مدور المشارك فى مسابقة «نظرة ما» بالدورة الـ 72 لمهرجان كان السينمائى الدولى.

الفيلم الذى تشارك فى انتاجه فرنسا وبلجيكا تدوراحداثه على مدار ساعتين فى حقبة التسعينيات، حول الوضع السياسى المتدهور فى الجزائر وتردى الوضع الاجتماعى من «نجم» ١٨ عاما فتاة جامعية، حيث تعيش فى بيت الطالبات، تعشق الحرية فى مجتمع يتسيد جزء كبير منه الانغلاق والتشدد الدينى وجزء آخر مستسلم، بينما نجمة وصديقاتها الشابات فضلن الحياة على طريقتهن حتى وإن كانت فى الخفاء، فنجمة تحلم بأن تصبح مصممة ازياء خارج مألوف الحجاب، تبيعها لفتيات الجزائر الجميلات فى تحد كبير لغزل وطن لا يعرف القيود، وهى قضية مهمة، حيث تسرد المخرجة حياة النساء الشابات وهن حائرات يخطفن من حين إلى آخر لحظات سعادة تحاولن أن تخطفن عالمهن قبل أن يقطف ثمرته الجميع، حيث يتسللن عبر سور المدينة، بينما يستمر الوضع السياسى والاجتماعى فى البلاد فى التدهور.

اسم «بابيشا» يعنى بالجزائرية «مزة» وذكاء من المخرجة ان تلتف حول الحرب الاهلية لتخفى فيها رسائلها، وبطبيعة الحال القصة مستوحاة من احداث حقيقية، حيث تروى بالتفاصيل الصغيرة الجميلة قصة امرأة شابة مهووسة بالأزياء لتفك أسر فرضيات لقيود متزايدة٬ ولم يكن هناك أى شىء آخر يمكن القيام به سوى التمرد حتى لو كانت نتيجته خسائر كبيرة ومدمرة حتى ان بعضهن فكرن بالهجرة، وكانت الصورة جيدة معبرة بواقعية عن صداقات الإناث وردود الفعل المختلفة الممكنة للتغيير الاجتماعى القسرى وكذلك الاحداث المأساوية المتتابعة فى خضم مسار استعارة صريحة للمكان الذى وجدت فيه البلاد نفسها أو كانت متجهة إليها، ولكنها لا تقنع على مستوى السرد أو من حيث تأثيرها النفسى على الشخصيات.

الفيلم الذى ينتمى لسينما المؤلف، حيث قامت مونية مدور بكتابة السيناريو ايضا فى اول تجاربها للسينما الروائية الطويلة، صرخة تحذيرية من اوضاع النساء فى الجزائر، وهو ما يجعله معايشا للحظة راهنة، وكان من اجمل المشاهد عندما قررت نجمة ان تقاتل لحريتها من خلال تنظيم عرض للازياء متحدية كل الممنوعات، ويهجم المتطرفون بطلقات النار، ومشهد آخر صامت تقشعر له الأبدان استلهمته المخرجة من حياتها الخاصة فى مدينة جامعية بالجزائر خلال التسعينيات، لذا فهى جزء من قصتها التى ترويها، من قصة الشابات اللاتى لا يستسلمن ابدا رغم خيبة املهن وعقباتهن. وفقت فى اختيار ابطالها، حيث كان الاداء طازجا ومتدفقا لكل من ليانا خضرى التى جسدت دور نجمة الفتاة القوية رمز الحرية، بوتلة فى دور وسيلة، واميرة هيلدا داودة فى شخصية سميرة الحامل، وكذلك زهرة دومانجى.

الفيلم واحد من خمسة أفلام من المغرب العربى التى تم عرضها فى مهرجان كان هذا العام، وربما ليس من قبيل الصدفة، ان الفيلم الجزائرى الآخر «أمين ليلى» الذى عرض فى أسبوع النقاد «أمين سيدى بومدين»، تم إعداده أيضًا خلال «العقد الأسود». يشير هذا إلى حاجة البلاد لمحاولة البدء فى استيعاب ما حدث قبل 25 عامًا، بالإضافة إلى الحقيقة المحزنة المتمثلة فى أن ما حدث قد يتردد صداها مرة أخرى اليوم حيث يعيد التطرف والأصولية لتطل برأسها القبيح والتى تعد كصفعة جديدة.

قبل كل شىء الفيلم نظرة متمردة، حرة، مقاومة، شجاعة، وصورة ثرية وعادلة تفسر نفسها بقوة «البابويين» وهو اللقب الذى يعطى للفتيات الصغيرات فى الجزائر، وقد استمر الجمهور فى التصفيق خمس دقائق لفريق الفيلم، قبل ان يحيى عشاق المهرجان نجومه على الكروازيت.

 

الشروق المصرية في

22.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004