3 روائع سينمائية
كان - صلاح هاشم
عرض " كان " – في الاسبوع الثاني من فترة المهرجان ( من 14
الى 25 مايو ) أي خلال الستة أيام الأخيرة - مجموعة جديدة من الأفلام
المشاركة في المسابقة الرسمية (من أصل 21 فيلما ) يمكن أن نطلق عليها "
أفلام الكبارمن المخرجين الشوامخ "، والتسمية من عندنا..
كونهم، شاركوا بأفلامهم من قبل ، في المسابقة الرسمية
للمهرجان، في دورات عديدة، وحصل بعضهم مرة مثل الامريكي كوينتين ترانتيو،
أومرتين مثل الشقيقيان داردين من بلجيكا على سعفة " كان " الذهبية،
وتعتبرأهم جائزة من جوائز المسابقة التي توزعها لجنة التحكيم الرسمية في كل
دورة، مع الأخذ في الاعتبار، أن هناك جائزة أيضا بإسم " الجائزة الكبرى"،
تمنح لأهم فيلم في مسابقة المهرجان، بعد الفيلم الحاصل على السعفة الذهبية
مباشرة..
عرض المهرجان في الفترة المذكورة : فيلم " حدث ذات مرة في
أمريكا " للأمريكي كوينتين ترانتينو " وفيلم " بحيرة البطة البرية " للمخرج
الصيني دياو ينان، و فيلم " المصفرون " للمخرج كورنيليو بورومبوا من
رومانيا، وفيلم " حياة مخبأة " للامريكي ترانس مالك، وفيلم " صورة سيدة
تحترق " للمخرجة الفرنسية سيلين سياما، وفيلم " الصغير أحمد " للشقيقين
داردين من بلجيكا، وفيلم " " فرانكي " لايرا ساخس من البرتغال، ، ونتوقف
هنا عند أهم أفلام هؤلاء "المخرجين الكبار" في المسابقة الرسمية :
( 1 )
حدث ذات مرة في هوليوود : "إعصار" سينمائي جبّاريجتاح
المدينة
فيلم " حدث ذات مرة في أمريكا " للمخرج الأمريكي كوينتين
ترانتينو، المشارك في المسابقة الرسمية للدورة 72 نرشحه للحصول وعن إستحقاق
وجدارة على جائزة " السعفة الذهبية "، وقد كان عرضه يوم الثلاثاء الموافق
21 مايو " الحدث الأكبر" في المهرجان، الذي إجتاح – سينمائيا وجماهيريا
وإعلاميا - مدينة كان كإعصار،وكان يضا ،بالنظر الى " استراتيجية " ادارة
المهرجان في ترتيب عروض الافلام زمنيا،وترتيب عرضه في الأسبوع الثاني من
المهرجان، كان بمثابة تكريم رائع للسينما الأمريكية..
هذا التكريم الذي بدأ في رأينا، من عند عرض فيلم الافتتاح "
الموتى لايموتون"للامريكي جيم جامروش، فقد كان المقصود من عرضه في حفل
افتتاح المهرجان، ليس الكشف عن جودته ، حيث جاءالفيلم مخيبا للآمال ،
واعتبرناه رغم محاولة مخرجه "التجديد" في نوع " أفلام الرعب والموتى
الأحياء "، مجرد " نزهة " سينمائية للترويح، وأقرب مايكون الى " مزحة"..
بل كان المقصود أن يكون عرضه، تكريما للسينما الأمريكية،
في شخص مخرجه الامريكي الكبير جيم جامروش، الذي يعد " أيقونة " من أيقونات
السينما الأمريكية المستقلة ، وممثلا لـ " تيار " سينمائي فاعل ومهم - على
هامش أفلام السينماالامريكيةالتجارية وأفلام " البلوكبستر" ذات الانتاج
الضخم، التي تكرس لها هوليوود استوديوهاتها الكبرى..
وعلى أساس أن ينتهي ذلك التكريم ،و ينطلق في سماء مدينة
كان، والمهرجان كله،مثل صاروخ أو إعصار جبّار،في الاسبوع الثاني من
المهرجان، مع عرض فيلم " حدث ذات مرة في هوليوود"، وليكون أشبه بـ "زلزلة"،
وهذا هو ماحدث في الواقع، مع عرض الفيلم ..
لايحكي ترانتينو في فيلمه، الذي طلب من الصحفيين في بيان
قرأ علينا قبل عرض الفيلم أن لانعرض لقصته عندما نحكي عنه ، وأن يظل "
موضوع " الفيلم سرا" حتى لانقطع على الجمهور استمتاعه بالفيلم،عند خروجه
للعرض التجاري، لايحكي.. قصة..
بل يعرض لمسارممثل تليفزيوني أمريكي شهير يدعى " ريك دالتون
" في هوليوود في فترة الستينيات، ويلعب دوره في الفيلم الممثل الأمريكي
النجم ليوناردو دي كابريو ، ليحكي عن أسطورة عشق جامح للسينما، وذاكرة
وتاريخ، ويراجع أحداث، ومواقف عاشها، وأشخاص صاحبوه في رحلته، وكان لهم
مثل صديقه الممثل البديل الملازم له، وكان حل محله أثناء تصوير المشاهد
الخطرة في الأفلام، ويلعب دوره في الفيلم النجم الأمريكي والممثل الكبير
براد بيت، كان لهم أبلغ الأثر في حياته..
يحكي ترانتينو في فيلمه عن سينما وعصر، وعن صناعة السينما
التي كانت آنذاك تتغير بسرعة، وتشهد تحولات كبرى، وتعاظم أعمال القتل كما
في "أفلام الكاوبوي" والعنف الدموي في أفلامها ، ولم تعد تلك "السينما
الجميلة" التي عرفاها من قبل..
فيلم ترانتينو " تحفة" لكل روح تحب الحياة والسينما
فيلم ترانتينو كما أحببناه وتمثلناه، ويظهر في الفيلم بعض
شخصيات هوليوود في تلك الفترة، مثل بروس لي بطل أفلام الكاراتيه والكونج
فو، والممثلة الامريكية الشقراء شارون ستون، وزوجها المخرج الفرنسي من أصل
بولندي رومان بولانسكي وغيرهم، لايحكي قصة..
بل يحكي سينما وفي كل مشهد ولقطة، وينطلق في جميع
الاتجاهات، وبكل تجليات السينما الملهمة، وبحرفية عالية منقطعة النظير،وفهم
واستيعاب باهر، للتراث السينمائي العالمي ، وانجازات السينما الهوليوودية
،من عند جون فورد ومرورا بكازافيتس وحتى سكورسيزي وكوبولا، وبـ " حس فكاهي
" تهكمي ساخر ولاذع، ويسخر تارانتينو في بعض مشاهد الفيلم يسخر حتى من
نفسه، ويحقق لنا خارج رواية الحكاية، أو قصة الفيلم أو الالتزام برواية
أحداث ما، أكبر متعة واستمتاع، وأعظم توتر وإثارة، وحتى المشهد الختامي
الجبار في الفيلم..
فيلم ترانتينو " تحفة " لكل روح تحب الحياة والسينما
،وأرشحه للفوز بسعفة كان ٧٢ لما فيه فقط من سينما ودعنا الان، بالله
عليكم، من قصة وموضوع الفيلم..
( 2 )
فيلم " حياة مخبأة " للأمريكي ترانس مالك : سيمفونية بصرية
ضد الفاشي
فيلم " حياة مخبأة " -
A
HIDDEN LIFE-
للمخرج الأمريكي الكبير ترانس مالك( من مواليد 30 نوفمبر عام 1943 في ولاية
أوتاوا.أمريكا) الذي سبق له الفوز بسعفة " كان " الذهبية – أهم جائزة في
المهرجان - عام بفيلمه " شجرة الحياة "، يعتمد على رواية أحداث قصة حقيقية،
وقعت بالفعل أثناء صعود النازية ، ووصول هتلر الى سدة الحكم في ألمانيا،
فقد قرر فلاح نمساوي يدعى فرانز ياجرستاتر، على عكس كل الفلاحين النمساويين
الذين تم تجنيدهم في جيوش هتلر النازية في الحرب العالمية الثانية..
أن لايحارب في صفوفها، ولايذهب للمشاركة في حرب ضد عدو ما
،لم يرتكب جرما ضده، ولم يعتدي عليه أوعلى أسرته، وكان رفضه المشاركة في
الحرب، يعني تعرضه لمحاكمة عسكرية ،وإعدامه والاعتداء على أفراد أسرته،
وعقابهم بسبب الوالد، رب الأسرة، الذي صار وسط أهله وقريته خائنا لوطنه،
ويستحق أن تعلق له ولأمثاله المشانق..
فيلم " حياة مخبأة " يحكي عن بطل، من أبطال مقاومة النازية
من الفلاحين البسطاء ملح الأرض في النمسا ، وهومن اجمل وأقوى الأفلام التي
عرضها المهرجان في دورته ..
وقد بدا لنا أقرب ما يكون الى " سيمفونية بصرية "، تتجاوز
الحدود بين النوعين الروائي والتسجيلي، حيث يعرض ترانس مالك في فيلمه
لوثائق مصورة،من أرشيف النازي، يظهر فيها هتلر، وهو يجهز جيوشه لغزو العالم
وينتقم لهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولي، معلنا تفوق الجنس الآري،
وباسطا نفوذ وهيمنة النازي على العالم،ويؤسس ترانس مالك في فيلمه،من خلال
عرض تلك الشرائط الوثائقية في المشاهد الأولى من الفيلم، لمشاهد حياة فرانز
وزوجته في أعماق الريف الفرنسي النمساوي الساحر، وكما في معظم الأفلام التي
صنعها ترانس مالك، تظهر هنا" بصمته الاخراجية " إن صح التعبير، في تحويل
المألوف والعادي دوما الى ماهو أكبر من المألوف والعادي..
إلى ماهو ملحمي -
EPIC
- ويربط مصائر البشر، بالكون، ودورة الأفلاك والنجوم ، و يطرح من خلال
الفيلم التساؤلات الفلسفية الوجودية الروحانية العميقة الكبري، ففي حين
تحكي الأفلام عادة عن قصة رجل يعبر الشارع من طوار الى طوارآخر،تحكي أفلام
ترانس مالك واستطلاعته، ومهما اختلفت موضوعاتها ،عن مغزى ومعاني حياتنا،
وهل تستحق أن تعاش، وتعرض لفلسفة حياة كاملة ..
لكن يعيب فيلم مالك طوله، اذ يستغرق عرض الفيلم أكثر من
ساعتين ،أو تطويل مالك واستطراده في الوصف والشرح، في وقت لاتسمح فيه ظروف
عروض الأفلام في المسابقة التي لاترحم في دورة المهرجان 72 ، باي نوع من
التسامح مع طولها، أو أية مبالغات عاطفية ميلودرامية في الوصف والشرح، لأن
فن السينما هو فن الاقتصاد عن جدارة، أي كيف تقول،في أقل عدد من المشاهد
والكلمات، وأخطر شييء بالنسبة للأفلام كما يقول المخرج الأسباني الكبير
لوي بونويل أن تصبح مملة .لايهم في الأفلام ماذا، المهم في الأفلام كيف،
تقول، وتفصح، المهم إختراع " النظرة "، في حين يستطيع المرء أن يغفر لفيلم
ما أي شييء، إلا أن يكون مملا..
ان طموح مالك في أن يصنع ملحمة كونية جبارة، من حكاية
الفلاح النمساوي البسيط " فرانز " المقاوم للنازية، هو الذي هبط بالايقاع
في فيلمه، وجعلنا نشعر انه يكرر نفسه ، ولايأتي - مقارنة مع فيلمه " شجرة
الحياة " الرائع والحاصل على سعفة " كان " الذهبية، لايأتي في الواقع..
بجديد..
لكن يحسب لمالك مشروعه السينمائي الجميل والنبيل والضروري،
في تسليط الضوء - وبخاصة في إطار الظروف السياسية الصعبة، التي تعيشها
أمريكا، والمجتمعات الأوروبية الغربية الجديدة،التي تشهد صعود "الشعبوية"
والحركات الارهابية النازية ، وتعاظم مشاعر التعصب و الكراهية ضد
المهاجرين، وتشييد الحواجز والموانع والأسوار، والانحياز الى المصالح
القومية الأنانية- تسليط الضوءعلى النماذج الانسانية النبيلةالمنسية
المقاومة، التي قالت " لا " في وجه النازية ورفضت المشاركة في الحرب..
فيلم " حياة مخبأة" هو أيضا فيلم عن الحب، وبحث صوفي لمخرج
حكيم، في القيمة الروحانية لـ " الإيمان "، وليس " العقيدة " . قيمة
الإيمان والحب ،في شحننا بقدرة أكبر، وصلابة أشمل،في مقاومة الظلم ومقاومة
الفاشية الهتلرية ، ويأسرنا بتوهجه الفني الملحمي، الذي يستحوذ بجماله، على
كل ذرة في كيانك في بعض مشاهد الفيلم " الكونية " التي لا تنسى..
( 3 )
فيلم " أحمد الصغير " : للشقيقين داردين: مقاومة التطرف
الديني والارهاب
فيلم " الصغير أحمد " للأخوين داردين من بلجيكا، جان بيير
داردين من مواليد انجلز في 21 ابريل 1951 و لوك داردين من مواليد 10 مارس
1954 في افرس بلجيكا- يحكي عن الطفل أحمد 13 سنة الذي تتنازعه مشاعره
وغرائزه الفطرية كمراهق، ورغبته في أن يكون مثالا يحتذي في الطهارة
والمثالية، وفقا لتعاليم الامام الاخواني الارهابي الذي يشرف على تعليمه
في المسجد، وينصاع أحمد لأوامره ..
حتى صار هناك "أحمدين" ، إن صح التعبير،أحمد الطفل البريء،
وأحمد المسلم المتطرف الذي صار اخوانيا ارهابيا، فقد تغير أحمد الصغير
كثيرا،ولم يعد يقبل بأن يصافح سيدة مسلمة، حتى لو كانت مدرسته، ، حتى أن
أمه، صارت تلطم، تبكي حظها العاثر، بعد أن تغير ابنها الصغير البريء أحمد
كثيرا،وصار الآن ينظر الى الآخرين مسلمين ومسيحيين على أساس أنهم كفرة
منشقين،ويستحقون نار جهنم، وتتمنى الأم في مشهد جد مؤثر في الفيلم أن يعود
لها أحمد صغيرها كما كان، وتكشف رحلتنا مع أحمد في الفيلم عن تردده في
الاختيار ، أختيار أي أحمد من بين الأحمدين ، يريد أن يكون..
معنى " الإلتزام " في الفن
ويتميز الفيلم كما في معظم أفلام الشقيقين داردين اللذين
سبق لهما الحصول مرتين على " سعفة مهرجان كان الذهبية " بواقعيته، وبساطته،
وعدم اعتماده على ممثلين محترفين أو " نجوم "، كما في هذا الفيلم " الصغير
أحمد "، فلا مكان في أفلام داردين " الروائية " لاستعراض عضلات اخراجية
مبهرة، أو الهروب الى عوالم الخيال الجامح، كما في أفلام الخيال العلمي،
ولامكان أيضا في أفلامهما للتأمل الفلسفي ، كما في أفلام الامريكي ترانس
مالك، بل ارتباط جد وثيق بالواقع الصلد، وتناقضاته ومشاكله، للدرجة التي
تجعلك وأنت تشاهد فيلما لهما، بأنه فيلم تسجيلي، يصور أحداثا حقيقية ،تجري
في الواقع بالفعل..
فيلم "أحمد الصغير " يأسرنا بقوة "التركيز والاقتصاد" في
الفيلم، ويذكرنا في وقت يمضي ويتغيربسرعة ، وقد تكرست فيه أغلب الأفلام
للترفيه والتسلية، ودغدغة المشاعر، والدعاية للأنظمة، والترويج للهراء
العام، بأنه مازال هناك لحسن حظنا اهتمام عند البعض من المخرجين الكبار
بمذهب " الواقعية "، و بقيمة " الالتزام " في السينما، وتوظيف السينما
الفنن كأداة للتأمل والتفكير في مشاكل ومتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية،
ولذلك لم يكن غريبا في العرض الخاص للصحفيين بحضور الشقيقين داردين وطاقم
الممثلين أن يصفق جمهور القاعة للفيلم لأكثر من خمس دقائق.. |