كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مفاجآت مدهشة عند إعلان جوائز مهرجان كان السينمائي

أمير العمري

كان السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

مهمة لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في مهرجان كان لم تكن سهلة في التوصل إلى قائمة الأفلام الفائزة فقد حفلت المسابقة بعدد كبير نسبيا من الأفلام البديعة المثيرة للخيال والتأمل.

تتركز الأضواء عادة على جوائز المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان كان السينمائي رغم وجود مسابقات أخرى فرعية مثل مسابقة قسم “نظرة ما” ومسابقة الكاميرا الذهبية لأحسن فيلم أول ومسابقة أسبوع النقاد. فجائزة “السعفة الذهبية” تحظى بسمعة دولية كبيرة تجعلها علامة مميزة تفتح للفيلم الفائز بها أبواب السينما في العالم.

ترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في مهرجان كان الـ72 المخرج المكسيكي الشهير أليخاندرو غونزاليس إيناريتو حائز جائزة أحسن إخراج في مهرجان كان 2006 عن فيلم “بابل”، وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم “بيردمان” (2015). وضمت اللجنة ثمانية أعضاء من بينهم المخرج اليوناني لارغوس لانتيموس والمخرجة الإيطالية أليس رورواشر والمخرج البولندي بافل باوليكوفسكي والممثلة الأميركية إيل فاننغ.

ولا أظن أن مهمة اللجنة كانت سهلة في التوصل إلى قائمة الأفلام الفائزة بالجوائز خاصة الفيلم الذي تمنحه “السعفة الذهبية”، فقد حفلت المسابقة التي ضمت 21 فيلما، بعدد كبير نسبيا من الأفلام البديعة المثيرة للخيال والتأمل والتي تتناول الكثير من المواضيع والقضايا التي تهم عالمنا.

إلا أن اللجنة استقرت في نهاية المطاف على منح “السعفة الذهبية” لفيلم “طفيل” Parasite للمخرج المرموق من كوريا الجنوبية “بونغ يون هو” دون شك أفضل الأفلام التي عرضت في المسابقة. وكنت قد توقعت حصوله على الجائزة، وأكدت استحقاقه لها دون سائر أفلام المسابقة بما في ذلك فيلم “ذات مرة في هوليوود” لكونتين تارانتينو الذي كان المنافس الأول له على الجائزة.

صدق توقع كاتب المقال أيضا في فوز الممثل الإسباني أنطونيو بانديراس بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "ألم ومجد" لبيدرو ألمودوفار

المفاجأة الأكبر

تمثلت المفاجأة الأكبر من بين مفاجآت إعلان الجوائز في خروج الفيلم الأميركي البديع “ذات مرة في هوليوود” من سباق الجوائز في كان دون أي جائزة أو مجرد إشارة أو ذكر، وكان المتوقع أن يحصل إما على “السعفة الذهبية” فإن لم يحدث، ينال الجائزة الكبرى الخاصة للجنة التحكيم التي تأتي في المرتبة التالية مباشرة بعد السعفة الذهبية، وكان يستحقها عن جدارة، لكن المفاجأة الأكبر تمثلت في منح هذه الجائزة المرموقة لأحد أضعف أفلام المسابقة وهو الفيلم الفرنسي “الأطلانطيون” أول أعمال المخرجة السنغالية-الفرنسية ماتي ديوب، ولكنها مفاجأة توقعتها في مقالي المشار إليه (عدد السبت) وقلت حرفيا إنها تقدم موضوع فيلمها في “سياق أسلوب مضطرب مشوش وصورة غير واضحة ومساحة خانقة تعيق اكتشاف المكان، ومستوى تمثيلي ضعيف ومونتاج مفكك”. ومع ذلك لن أُدهش شخصيا إذا ما حصل هذا الفيلم على إحدى الجوائز، بعد أن أصبحت حملة “مي تو” (أو “أنا أيضا”) النسائية الغاضبة، تطالب بالمساواة سواء في عدد الأفلام التي تقبلها المهرجانات في برامجها، أو في تقاسم الجوائز وإلا أعتُبرت المهرجانات “ذكورية متعصبة” ومنحازة ضد المرأة”!

جائزتا التمثيل

صدق توقع كاتب المقال أيضا في فوز الممثل الإسباني أنطونيو بانديراس بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “ألم ومجد” لبيدرو ألمودوفار، في حين خرج الفيلم نفسه دون جوائز سواء في السيناريو أو الإخراج. وكان كثير من النقاد الفرنسيين قد توقعوا فوزه بالسعفة الذهبية.

أما جائزة أفضل ممثلة فقد حصلت عليها البريطانية إيملي بيتشام عن دورها في فيلم “جو الصغير” وهو فيلم بريطاني من إخراج المخرجة النمساوية جيسيكا هاوزنر، لم ينل أي اهتمام نقدي حقيقي بسبب رتابة موضوعه وآلية إخراجه. وكان الأجدر منها بالفوز بالجائزة زميلتها البريطانية ديبي هونيوود التي تألقت كثيرا في دورها الكبير في فيلم المخرج كن لوتش “عفوا.. لم نجدك”.

ومنحت لجنة التحكيم جائزة خاصة إلى فيلمين هما الفيلم الفرنسي “البؤساء” وهو أول فيلم لمخرجه لادج لي وهو عمل جيد ومتميز كثيرا في معالجة موضوع عنصرية الشرطة في تعاملها مع أبناء المهاجرين في الأحياء الهامشية الباريسية، والفيلم البرازيلي “باكوراو” الذي اشترك في إخراجه مخرجان هما كليبر مندونسا وجوليانو دورنيلس، وهو عمل خيالي يفترض وقوع هجوم منظم على إحدى القرى البرازيلية (المتخيلة) من مجموعة رجال أعمال وممثلي شركات احتكارية أجنبية بغرض إبادة السكان. وفي مقالنا المنشور في “العرب” السبت، توقعنا فوز هذين الفيلمين بجوائز ما في المهرجان.

مفاجأة أحمد الصغير

من المفاجآت التي لم يتوقعها أحد فوز فيلم الثنائي البلجيكي الأخوين جان بيير ولوك داردان “أحمد الصغير” وهو من أضعف أفلام المسابقة، ولكن الجائزة جاءت دون شك تقديرا لموضوعه الذي يشغل الرأي العام الأوروبي والعالمي حاليا، وهو كيف يتم غسل أدمغة الشباب المراهق المسلم في أوروبا ومن ثم تجنيده للالتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل تنظيم “داعش”.

وفازت الفرنسية سيلين سكياما بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمها “بورتريه لامرأة مشتعلة” وهو يصور العلاقة المثلية بين امرأتين ولكن بأسلوب فني متميز. ولم تمنح لجنة التحكيم جائزة لأفضل إخراج لكنها منحت “تنويها خاصا” وهو أضعف أشكال التقدير ويتمثل في شكل شهادة لفيلم “لا بد أن تكوم الجنة” للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان. وهي أقل من الجائزة الخاصة للجنة التحكيم التي حصل عليها في المهرجان نفسه فيلمه “يد إلهية” عام 2002، لكن الفيلم نال الجائزة التي يمنحها الاتحاد الدولي للصحافيين السينمائيين (الفيبريسي). وهو فيلم مختلف في بنائه وموضوعه وأسلوبه، ولعله الفيلم الكوميدي الوحيد في المسابقة الذي يتميز بأجوائه العبثية. وسننشر عنه تفاصيل في عدد قادم.

في التظاهرات الموازية فاز الفيلم البرازيلي “الحياة الخفية لإيورديس غوسماو” بجائزة أفضل فيلم في تظاهرة “نظرة ما” منحتها لجنة تحكيم ترأستها المخرجة اللبنانية نادين لبكي، وفاز بجائزة “الكاميرا الذهبية” لأفضل فيلم أول “أمهاتنا” لسيزار دياز وهو من الإنتاج المشترك بين غواتيمالا وفرنسا وبلجيكا، وفي مسابقة “أسبوع النقاد” التي تنظمها النقابة الفرنسية للصحافيين السينمائيين فاز الفيلم الفرنسي “فقدت جسدي” بجائزة أفضل فيلم، وهو من أفلام التحريك. وبهذه المناسبة يجب أن أشير إلى أن من أفضل الأفلام التي عرضت في “نظرة ما” فيلم التحريك الفرنسي البديع “سنونو كابول” عن رواية الكاتب الجزائري ياسمينة الخضرا.

فرنسا الدولة المنظمة للمهرجان خرجت للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، بنصيب الأسد من الجوائز رغم عدم حصول أحد أفلامها على “السعفة الذهبية”، لكن الإنتاج الفرنسي يدخل طرفا في معظم الأفلام التي نالت الجوائز بما فيها فيلم إيليا سليمان الفلسطيني. بذلك أسدل الستار على دورة حافلة بالأفلام المثيرة التي تراوحت ما بين الموضوع السياسي والموضوع الاجتماعي والخيالي وفيلم الصدمة والرعب.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

العرب اللندنية في

27.05.2019

 
 
 
 
 

المؤتمر الصحافي مع إيليا سليمان إثر عرض «إن شئت كما في السماء» (ترجمة)

رهام درويش

أعتقد أن تحول المسألة الفلسطينية الى قضية عالمية هو ما منحها صفة الضرورة الآن، أعني بذلك التفات العالم إلى فلسطين، وكيف أصبحت شأناً عالمياً وجرس إنذار حالي. هذا سبب انتقال الشخصية من مكان إلى آخر ليجد حالات استثناء، ومساع لإيقاف العنف والدول البوليسية التي يذهب إليها.

أود أن أرحب بإيليا الذي حضر إلى هنا بعد أن عرفناه في عام 2009، فهو المخرج والكاتب والممثل السينمائي في فيلم «إن شئت كما في السماء» (It Must Be Heaven)، وقد حضر إلى هنا برفقة منتجي فيلمه.

سأطرح السؤال الأول ثم نتيح الفرصة للجمهور ليطرح ما لديه من أسئلة. لا أعرف كيف خطر لك هذا العنوان. بالأمس خلال العرض تذكرت سماع جملة "It Must Be Heaven" في أحد مهرجانات الشعر، فقد أخبرني أحدهم بأن الجنة لا بد أن تكون مكاناً يجتمع فيه الناس لمش اركة أبيات الشعر، فتساءلت إذا ما كنتَ قد شعرتَ ولو للحظات قليلة بأنك في الجنة ونحن نشاهد عملك السحري في قاعة العرض.

عليّ الآن وفي هذا الوقت من اليوم أن أدعي أنني شخص ذكي، وهذا سيء. عليّ الآن قياس ضربات قلبي بسبب ما أشعر به من توتر، خصوصاً بعدما تم تأجيل موعد المؤتمر الصحافي لليوم التالي، فعندما تحتفل حتى الخامسة صباحاً، الشيء الوحيد الذي قد تتخيّله هو أنّك ستتحدث كما لو كنتَ نائماً. حسناً، سأستجمع قواي.

هناك شيء من المفارقة فيما حدث، إذ أن قراءة العنوان تكفي لتدرك أن ما من نهاية سعيدة للفيلم، فعلى الرغم من عمق العلاقة بيني وبين العنوان، فقد قضيتُ بالفعل سنوات طويلة باحثاً عن ذاك المكان السحري الذي يمكنني أن أستقر فيه دون أن أضطر إلى الرحيل. لكن حتى الآن وعلى مدار عدة عقود، عشت حالة الرحيل ثلاث مرات، فيما لا زلت أعيش عودة مؤجلة. هذا لا يعني أن تجربتي لم تحمل لي فوائد عدة، فبالحديث عن المفارقات، أعتقد أن تجربة المنفى تجلب الكثير من السعادة بسبب النضج الذي تُحدثه في المرء، فأنت تتخلى عن نظرتك القديمة المباشرة للأمور، بل تكتشف زوايا جديدة، وتبدأ في التعرف على نفسك بصفتك شخصاً آخر وثقافةً أخرى، فتضع نفسك موضع غيرك ممن يعانون مظالم مختلفة، وهو ما يساعدك في فهم الآخرين. يعبّر الفيلم عن هذا التنقل المستمر مزدوج المعنى، فأنا أشعر بالتعب أحياناً، بل هو شعور بالإحباط بعد أن أفقد الأمل في العثور على هذه الجنة، لكنني في الوقت ذاته هنا بسبب هذا التنقل. هذا بحد ذاته ميزة حصلت عليها بسبب تجربتي في المنفى. هل يجيب هذا على سؤالك؟

نعم تقريباً.

هذا عظيم. آمل أن لا يكون السؤال القادم بنفس الذكاء.

صباح الخير، أنا ماري أنغوت من محطة تلفزة إلكترونية، سؤالي هو: هل تعتقد أن بوسع أحد العثور على مكانه الخاص في هذا العالم كإنسان؟

هل هذا سؤال ديني؟ لا أعتقد أنني فهمت السؤال جيداً، هل تقصدين إذا ما كان بوسعي أن أعثر على مكاني في العالم يوماً ما؟ أعتقد أنني أجبت لتوّي على هذا السؤال وإن كان بكلمات معقدة. فأنا أعتقد أن بوسعك بطريقة ما العيش في مفهوم تبتكره لنفسك، ففي حالتي، أمتلك في أفلامي منزلاً صغيراً بحديقة جميلة، لكنه مصنوع من مواد قابلة للطيّ تُمكّنني من نقله من مكان إلى آخر كما لو كنتُ رحّالة متنقل. عليّ أن أوضح أنني لا أتحدث عن التجربة الجغرافية الماديّة فقط، فكثيرون حول العالم يعيشون في مكان واحد ويمتلكون ذاك المنزل وتلك الحديقة، لكنهم يعيشون تجربة المنفى الخاصة بهم في أوطانهم. يمكنني أن أذكر أسماء عدد من الأشخاص الذين يمرون بهذه التجربة، إذ أن الكثير من الأشخاص يتساءلون باستمرار عمّا إذا كانوا فعلاً أبناء المكان الذي يستقرون فيه، فالعيش في مكان واحد يحمل أيضاً بعض معاني التشّرد الروحاني.

مبروك على فيلمك الجميل. أرغب بسؤالك عن اختيارك لمدينة نيويورك، كيف قمتَ باختيار المدينة وأماكن التصوير، وكيف قمت بتطوير النص ليتماشى معها؟ شكراً.

هل دفعوا لكِ المال لقاء هذا السؤال؟ ألا يمكن للأسئلة أن تكون أبسط قليلاً ولو لمرة في حياتي؟ سأجيب على الجزء الأخير من السؤال وأتمنى أن أنسى جزءه الأول. أنا لا أسافر إلى مكان ما وأشرع بدراسته تحضيراً لعملي. بل إن بعض الملاحظات التي تم شطبها من دفاتري وتحويلها إلى صورة جمالية في هذا الفيلم تبلغ من العمر عشرين عاماً. لديّ الكثير من دفاتر الملاحظات. فأنا أقضي وقتي متجولاً وأحاول أن أبقى متيقظاً دون أن تكون لي أي نيّة في صناعة فيلم، فأسلوب حياتي يعتمد على تجوّلي وتأملي ومراقبتي لما حولي، ولا أقوم بهذا كوسيلة لصناعة فيلم. لا تكشف لي ملاحظتي لما حولي عن مكنونها وإن ظاهراً وحسب، إنما هي فرصة لاستكشاف دواخلي ولإعادة تقييم نفسي وطرح الأسئلة عليها، أتساءل مثلاً كيف يمكنني أن أحسّن حياتي وحياة الآخرين من حولي وفي كل مكان. فهذا أسلوب حياتي. هي طريقة لأشكك في كل ما اكتسبته من معرفة خلال سنوات نضجي وفرصة لإعادة تقييم النفس. طبعاً أنا أتذكر بين حين وآخر أنني صانع أفلام، وأن السينما متاحة لي لأعبر عن نفسي، فأشعر بثقل مجازي لبعض الأفكار التي تلحّ عليّ بأن أتخيلها وأن أعبّر عنها، وهنا تبدأ محاولات كتابة ما يشبه النص السينمائي، وهو ما يستغرق سنوات عدة لأنني أُفضّل تحضير النص على مراحل وإن طالت. كما أن هناك أحداث عالمية تؤثر فيك إذ تحاول استيعاب ارتداداتها، فيبقى بعضها في محيطك ويدفعك للكتابة ولتحويلها إلى صور. بتعبير آخر، أنا أصنع الفيلم فقط عندما أشعر بالضرورة لذلك، ما يعني أن على الفيلم الاستجابة للظروف المحيطة في العالم الذي نعيش فيه اليوم. ثم أصبح أقلّ كسلاً وأبدأ في الكتابة بشكل أسرع بسبب ضرورة إنجاز العمل وذلك تحت ضغط وإلحاح الأحداث الراهنة في العالم، ليس لدفعي على إنقاذ العالم بالطبع، لكن لأشارك المشاعر التي تساور البعض سراً دون أن يعبروا عنها بالضرورة. يتطلب مني هذا عملياً البدء بطرح الأسئلة ومشاركة الأفكار.

سيد سليمان، شكراً لك على هذه الرسالة التي وجهتها لفلسطين، بكل ما حملته من لحظات مضحكة وأخرى مؤلمة. أرغب في معرفة إذا ما كنت تؤمن شخصياً بالعِرافة وأوراق التاروت على وجه الخصوص؟ ففي الفيلم، كان هناك مشهد رائع لشاب قال إنه لن يشهد قيام فلسطين خلال حياته. فهل أنت متشائم إلى هذا الحد بخصوص فلسطين؟ شكراً.

تشاؤمي بخصوص فلسطين مساوٍ تماماً لتشاؤمي بخصوص... من أين أنتَ؟ حسناً، مساو تماماً لتشاؤمي بخصوص فرنسا. بل أنني ربما أكثر تشاؤماً عندما يتعلق الأمر بفرنسا هذه الأيام. على أي حال، في البداية، أنا مؤمن ولكن ليس بالعِرافة، بل بوجود روحاني يطالب بوجود علاقة كونية بين الناس وبين الحيوانات أيضاً كما شاهدتم في الفيلم. كنت أعرف عرّافاً يقرأ البطاقات في نيويورك فعلاً، كان صديقاً لي قبل وفاته. كان يذهلني عندما يقوم بقراءة ما حملته البطاقات. من الأشياء التي لم تكن مشتركة بيننا هو أنه لم يشاهد فيلماً في حياته، إذ أنه كان كفيفاً، لكن ذلك حمل ميزةً كبيرةً في ذات الوقت، فعدم معرفته بالسينما حمله على تخيّلها بكافة الأشكال، كما كان يطرح الأسئلة أحياناً ليتمكن من فهم آليتها. في الواقع، كنتُ أطلب منه أحياناً أن يقرأ البطاقات لي بهدف التسلية، وفي تلك اللحظة خلال العام 1997، لمعت في رأسي فكرة صناعة فيلم من عدة دول وذلك لأن دفاتر ملاحظاتي كانت قد امتلأت بالكثير من الأفكار من دول عدة. فسجلت اتصالي به عبر الفيديو وسألته، بهدف التسلية، إذا ما ستكون هناك فلسطين يوماً ما. لأكون صريحاً، لا أذكر إجابته تماماً، بل لا أعتقد أنني سألته هذا السؤال حرفياً، فقد قمتُ بإضافة هذه الجملة في الفيلم، لكنني سألته عن المكان الذي سأستقر للعيش فيه، فأجابني بدقة ذاكراً إسم المكان وواصفاً إياه، وهو ما سأمتنع عن ذكره للجمهور. تسبب ذلك الموقف حينها في صناعتي لهذا الفيلم بعد سنوات عدة، دون أن أخطط لذلك مسبقاً. لكنني شعرتُ بأهمية الموقف وأضفته إلى المئات من دفاتر الملاحظات، فكان جزءاً من سنوات وتجارب عدة عشتها بعد ذلك اليوم، وهذه الطريقة التي أنجز بها عملي. لقد عدتُ لمشاهدة هذه المقاطع المصوّرة قبل فترة وجيزة، فقد شعرت بحاجة للعودة إليها خلال كتابتي الفيلم، وهناك أدركتُ أنني أخبرتُ هذا العرّاف بفكرة تصوير فيلم في عدد من الدول. بخصوص التشاؤم، أعتقد أنني مثلك ومثل الكثير من الناس، نشعر أحياناً بأن الأمر وهم، فيما نشعر أحياناً أخرى بالإلهام والأمل. في الواقع، صناعة الفيلم ما هي إلا ردّ فعل على التساؤلات التي تطرحها.

سيد سليمان، في البداية أشكرك على هذا الفيلم وأرجوك ألا تنتظر عشر سنوات أخرى لتصنع فيلماً آخر، فنحن لا نطيق الانتظار. لدي سؤال سريع، بخصوص جاك تاتي، حيث تحاكي أعمالكما بعضها الآخر بشكل مثير للاهتمام؟ وكيف كانت تجربة التصوير في فرنسا بصفتك السيد سليمان بدلاً من السيد أولو متجولاً حول باريس، وهل كان هذا مقصوداً؟ وإن كان بإمكانك أن تتحدث بشكل أكثر تفصيلاً عن المشهد الأول في الفيلم، إذ أنه على ما أذكر المشهد الوحيد الذي لم يتضمن شخصيتك، وعلاقة ذلك بالمشهد الديني. ما الأهمية التي حملها هذا المشهد وكيف قررتَ أن يكون مشهد بداية الفيلم؟

سأبدأ بهذا السؤال لما يحمله من سهولة. أظن أنني أجد متعة في تقديم بعض مشاهد أفلام الدرجة الثانية، خصوصاً إذا ما كان المشهد منقطع الصلة ببقية الفيلم، لكنه يحمل شيئاً من المغزى، يحمل شيئاً من الإيقاع، كما يحمل مفاجأة صغيرة للمشاهد. يمكننا أن نشاهد طقساً دينياً، نرى أسقفاً أرثوذكسياً، فنعتقد أن هذا الشاب القادم من الناصرة لا بد وأنه قادم وبحوزته الشيء الكثير من الدين كونه جار المسيح. فأحببتُ أن ألعب بهذه الفكرة. خصوصاً وأن العنوان يحتوي على كلمة جنة، فقد عرفتُ أن المشاهدين سيعتقدون أن العمل ذا أبعاد دينية. فيلمي السابق حمل عنوان "يد إلهية"، ويبدأ بمشهد قيام عدد من المراهقين بطعن سانتا كلوز بهدف التسلية، ولا يمكنك أن ترى أي تطور يخص هذا الحدث. لهذا السبب، أعتقد أن أفلام الدرجة الثانية مذهلة، أبدأ بعد ذلك أحداث الفيلم. يشبه هذا تعدد الألحان في الأوركسترا.

بالنسبة إلى تاتي، فأنا لا أعرف شيئاً بهذا الخصوص. أنا أكنّ له كل الإعجاب، لكن أياً من أعمالي لم يكن بوحي منه. أقول هذا بالكثير من الغرور لأؤكد على ذلك. فأنا لا أرغب في منحه المزيد من التقدير فهو حاصل بالفعل على ما يكفي. أعتقد أنه أحد صانعي الأفلام المفضلين لديّ، فقد شاهدتُ أعماله وإن على مراحل متقطعة، وهذا ما أفعله مع الكتب أيضاً، إذ أعود إلى مشاهدة مشهد أو اثنين في كل مرّة، وهذا لأنني قليل الصبر على متابعة الأفلام بأكملها. أجد تاتي سينمائياً مذهلاً، وهذا عادة للأسباب غير المتوقعة، ولا علاقة لهذا بتشابه الأسلوب على الإطلاق. فعندما أشاهد أحد أفلام روي أندرسون يمكنني أن أقول أنني أشعر بسعادة غامرة، كذلك عندما أشاهد أحد أعمال تساي منغ ليانغ الذي يعد أحد صانعي الأفلام المفضلين لديّ، رغم أننا لسنا مقربين. كذلك أشعر بالإلهام عندما أقرأ كتاباً لبريمو ليفي، يدفعني لكتابة مشهد لا علاقة له به. فلا يمكن للإلهام أن يصدر عن شخص واحد فقط، بل أن السّحر فيه هو أنك لا تدرك مصدره بالتحديد، فلكل شيء مصادر متعددة الأوجه، سواء كان ذلك تجارب حياتية أو أشخاصاً أسعدوكَ من خلال القراءة أو المشاهدة. فقد ترك كل منهم شيئاً ما في وجودك الشعري.

أنا من كوريا الجنوبية. شكراً لك على هذا الفيلم المذهل. أعتقد أن الفيلم يتحدث أيضاً عن الكراهية، وهذا موضوع عالمي. أخبرني عن ذلك وعن علاقة ذلك ببنائك المتناظر للصورة السينمائية؟

ماذا تقصد بالبناء المتناظر للصورة؟

إن التصوير في الفيلم حاد جداً، يتحرك يميناً ويساراً. فما الذي عنيته من استخدام الصورة على هذا النحو؟

هذا سؤال جيد جداً. أعتقد أن هناك علاقة ميتافيزيقية بين ما تبدأ به من حيث الصورة، وبين المعنى الذي تحتويه، وأنا شخصياً أحاول جاهداً أن أستخدم صورة افتتاحية تحمل عدة معان بطريقة أقل مباشرة، وحتى تتمكن أنت كمشاهد من رؤية الصورة ذاتها مرات عدة، أو حتى لا تراها أبداً. كذلك، لديّ طموح أو شيء من الغرور الذي يصوّر لي أن الناس سيعيدون مشاهدة صورة أعجبتهم دون أن يشاهدوا الفيلم بأكمله، ما يعني أن الصورة حملت انعكاسات من نوع ما، حالة لا نهائية من التحول، والتي قد تأخذ أشكالاً مادية أحياناً. أحب التفكير في أن صورة جميلة ما تنتقل من مكان إلى آخر حاملة معها عدة طرق للتعبير عن ذاتها، طرق ليست بالضرورة صورية، إنما يمكنها أن تكون مزاجاً معيناً قد يساعدك في إحدى لحظات حياتك، ربما يتعلق بالرّقة أو الحب على سبيل المثال. وهذا يتطلب درجة عالية من الإتقان، ما يعني أنه يحتاج إلى صانع أفلام يحركه هوسه بالعمل. في كثير من الأحيان، يشعر طاقم العمل بالملل بسبب مكان الكاميرا، إذ يتعين عليهم الانتقال بشكل دائم سنتميتراً واحداً إلى اليمين وآخر إلى اليسار كما يضطرون إلى تغيير العدسات مرات عدة، ما يصيبهم بالتعب والإحباط. بالنسبة لي، فإن كل ما قلته يحمل العلاقة والارتباط مع ما يجب أن يحدث في الصورة.

أنا فانيسا من هونغ كونغ، أرغب في التعقيب على ما قلته للتوّ، فلديك شيء من المهنية باعتبار أن الأفلام باقية للأبد، فحتى بعد سنوات من عرض الفيلم، قد تلوم نفسك على شيء لم تقم به كما يجب. سؤالي لك هو: قبل فترة قصيرة التقيت فتاة جميلة وأنيقة في حفل في دبي، لكن في اللحظة التي تحدثنا فيها عن فلسطين وقصص الفلسطينيين، تغير شكلها ونبرة صوتها خصوصاً عندما بدأت في الحديث عن نفسها بصفتها لاجئة من الجيل الثاني، وكيف أنهم يحملون للأبد الجراح والمعاناة بسبب ذلك. كذلك أخبرتني بالكثير من القصص عن الفلسطينيين حول العالم. أريد أن أسالك إذا ما كانت هناك رسالة خاصة ترغب في إيصالها للفلسطينيين، خصوصاً الآن إذ أنك تحدثت عن إلحاح وضرورة تطلبت منك إعداد هذا الفيلم.

الضرورة لإعداد الفيلم ليست بالضرورة لعلاقته بفلسطين، بل على العكس. أعتقد أن تحول المسألة الفلسطينية الى قضية عالمية هو ما منحها صفة الضرورة الآن، أعني بذلك التفات العالم إلى فلسطين، وكيف أصبحت شأناً عالمياً وجرس إنذار حالي. هذا سبب انتقال الشخصية من مكان إلى آخر ليجد حالات استثناء، ومساع لإيقاف العنف والدول البوليسية التي يذهب إليها. لا أعرف كيف يمكنني الإشارة بحكمة ما أو رسالة من الفيلم إلى قضية واحدة أو شعب واحد. أعتقد أن هذا الفيلم يعبر عن مرونة الحالة الفلسطينية على مدار أكثر من سبعين عاماً، وكيف أن صداها يتوسع في كل اتجاه. أعتقد أن هذا يجيب قليلاً عن سؤالك. لكن، ليس لهذه الجملة الأخيرة علاقة بالفيلم. هذه جملة شخصية فقط أجيب بها عن سؤالك. فكرتُ في العقود القليلة السابقة أنني وصلت إلى تعريف بالنفس متساو مع بقية العالم، ربما فشلت قليلاً بسبب شعور الألفة الحاد بيني وبين المكان في فلسطين، والذي يخلّ أحياناً بتوازن معرفتي ببقية بالأماكن. أذكر أني خلال تصوير الجزء الأول من الفيلم في الناصرة وما حولها، خيّل إليّ أنني انفصلتُ عن جذوري، لكن ما أن غادرت إلى موقع التصوير التالي حتى شعرتُ بشيء من الحزن والحنين. شعرت بأن مشاعري بالوطنية غير المرغوب بها عادت لتطاردني من جديد، بكل ما فيها من مشاعر سعيدة وتبعات غير مرغوب بها.

أنا هدى إبراهيم من فرانس ميديا موند، سؤال عن الصمت في فيلمك، فلربما حضر الصمت في هذا الفيلم أكثر من أي عمل سابق لك، فما الذي يمثله الصمت بالنسبة لك؟ هل ساعدك في التركيز على الصورة أو في تقديم صور أكثر إثارة للمشاعر؟

لستُ متأكداً تماماً أيّ أعمالي أكثر صمتاً، لذلك فإن ملاحظتك صحيحة على الأغلب، فعلى الرغم من حضور الصوت أعتقد أننا هنا نشير إلى غياب الحوار. أعتقد أن هذا ما تؤول إليه الأمور عندما تبدأ في صناعة أولى صورك، فلم أخطط لذلك، ولا أعرف لماذا بدأتُ فيلمي الأول بشخصية صامتة مقابل الكاميرا، لا أعرف لماذا لم أبدأ ببعض الثرثرة مثلاً. ما أحاول فعله حالياً في هذه اللحظة هو أنني أعيد تقييم حقيقة إذا ما كان هذا الفيلم صامتاً إلى هذا الحد، وإن كان لذلك علاقة بطبيعة ومحتوى الفيلم. قد يكون هناك إجابة مثيرة للاهتمام عن هذا السؤال، أو إذا ما كان هذا انطباعك أنتِ عن الفيلم وهذا أيضاً قد يتعلق بطبيعة ومحتوى الفيلم. مع ذلك، أعتقد أن الصمت يصبح جزءاً من لغتك بطريقة أو بأخرى، وحقيقة، لا يمكن الاعتراف بالصمت كطريقة تعبير عن النفس، حيث أن الكاتب يخوض المخاطرة الأكبر عندما يضفي شيئاً من الصمت على الصورة. لا أعتقد أبداً أن بوسع الصمت أن يكون مصدراً للراحة في الفيلم، لكن خوضي مخاطرة كهذه هو تصرف يتسم بالكثير من السياسة، حيث أنني دائماً ما أؤمن بأن الصمت عامل قادر على زعزعة استقرار القوى السائدة. فالسلطات لا تحب الصمت، بل تفضل الضجيج لأنها تفضل مرور الوقت أفقياً وليس عمودياً. أتحدث هنا عن كيفية فرض القرارات اليومية، حتى تشعر بأن الوقت قد مرّ دون أن تدركه إلا في وقت لاحق، وذلك بفضل وحوش الربح التجاري متعددي الجنسيات، والحكومات الفاشية اليوم، إذ أصبحت الفاشية الموضة الجديدة. فالصمت بالنسبة لي هو شكل من أشكال المقاومة، لكنني لا أخطط لاستخدامه بقصد، بل إنه يحدث بشكل عفوي ويَطلب مني اقتناص الفرصة وإضفاءها على العمل. أعتقد أن السعادة التي أحصل عليها عند اكتشاف حقيقة أن تفادي الوقوع في الفخ يتطلب الكثير من الانتباه واليقظة... هناك الكثير لتتعلمه من لحظة التأمل الهامة هذه. بوسعي أن أتحدث عن الصمت بكثرة. تخيلوا هذه المفارقة، أن أتحدث عن الصمت كثيراً، هذا ما يدعوني لأتوقف عن الكلام هنا.

شكراً لك على هذا الفيلم. لاحظت أنك قمت بإهداء الجزء الأخير من الفيلم إلى الشاعر جون بيرجر، ما دفعني للتساؤل عما إذا ما كانت أعماله مصدراً للإلهام بالنسبة لك؟ فلقد أثار إهداؤك هذا انتباه المشاهدين.

أعتقد أن علاقتي بجون بيرجر علاقة شخصية إلى حد كبير. فأنا أشعر بأنه قدم لي الكثير من الإرشاد، كما لو كان ملاكي الحارس. لم يطلب مني صناعة الأفلام يوماً، لكنه فتح لي بعض الآفاق الروحانية والشعرية التي أتاحت لي الفرصة للتأمل فيما أرغب بالقيام به وبكيفية تحقيقه. فهي علاقة شخصية جداً، كما لو كان أحد أفراد العائلة. لقد التقينا منذ زمن طويل، وقد بدأ منذ ذلك الحين بتوجيهي وحمايتي دون أن يبذل الكثير من الجهد بالمناسبة. فقد كان وجوده وتقديمه تساؤلاً ما كافياً. أعتبر أن لقاءاتنا القصيرة الأولى شكلت مصدراً عظيماً للإلهام بالنسبة لي، ولا أعرف إذا ما كان لهذا علاقة بأننا تحدثنا فعلاً أو بحقيقة أننا تناولنا الكثير من الكحول. (مازحاً) أعتقد أن هذا السبب الحقيقي. كان هناك ما يبعث على البهجة قبل أن يتحول إلى علاقة تتسم بالنضج، إذ بدأ بقراءة نصوصي وأرسل إليّ نصوصه، ما جعله أحد أفراد عائلتي. كما أنه جعلني أقرأ الكثير من أعماله فقد أعطاني كل الكتب التي قام بتأليفها، فكنت أسرع إلى قراءتها مرات عدة بسبب عدم فهمي لها، قبل أن أشعر بشيء من السحر الذي ينبعث منها، ما كان يلهمني. في الحقيقة، حصلت على الإلهام من الكثير من الأعمال الأدبية التي لم أفهم منها سوى القليل، لكنها كانت تشعرني بشيء من الطاقة والإيمان بقدرتي على القيام بشيء مشابه. هذه البداية لكل شيء تقريباً.

أنا أياكشي زو من اليابان، وأود أن أشكرك على هذا الفيلم الجميل جداً، فقد أحببته جداً. في فيلمك السابق «الزمن الباقي» كان هناك حضور كبير لشخصية والدتك على عكس فيلمك الجديد، إذ أننا لا نراها أبدأً. هل أثر رحيلها على كتابتك؟ سؤالي الأخير عن الزوجين اليابانيين في الفيلم، فهل هما ممثلان؟

(مازحاً) كان العصفور ممثلاً محترفاً بخلاف اليابانيين. في الحقيقة كانوا ممثلين جيدين جداً ولطفاء كذلك، فأنا أعتقد أن هناك شيء من المتعة في السخرية من النفس. لقد قمت بإهداء عملي إلى جون بيرجر وأمبير بلزان ووالديّ لأنني أكنّ الكثير من التقدير لكل منهم، فقد ساهموا في إيصالي إلى هذا المكان، ولا أقصد بهذا أنني مرتاح حيث أنا، لكنهم فتحوا لي الكثير من الطرق، فوالديّ كانا عظيمين محبين وحنونين إلى درجة كبيرة جداً، كما كانا مضحكين جداً. فقد أسهما في تشكيل كل جزء مني. كذلك فإن أشقائي مضحكون جداً وهذا يضفي شيئاً من الفكاهة على أعمالي، حتى أنهم يساعدونني أحياناً في المشاهد، خصوصاً الآن وقد فهموا أسلوبي وما أبحث عنه، فأصبحوا يأتونني بالقصص التي يظهر بعضها على الشاشة. أما بالنسبة إلى أمبير بلزان، فقد كان الشخص الذي أتاح لي فرصة الوجود السينمائي، فلولاه لا أعتقد أنه كان باستطاعتي القيام بهذا، فقد كان أفضل مشجع في عالم السينما على الإطلاق، لذا فإن حبي له وحزني على رحيله كما هو حزني على رحيل والديّ موجود، كذلك حزني على رحيل جون بيرجر قبل فترة وجيزة. هذا كل شيء وراء الإهداء الذي قمت به.

شكراً لك.

كاتبة من الأردن

 

####

«أمبيانس»... من مخيم الدهيشة إلى مهرجان كان

أوس يعقوب

إضافة إلى ذلك، فإن فوز الفيلم بالمرتبة الثالثة في المهرجان أثبت لي أن الأفلام الفلسطينية لها جمهور عالمي كبير، وهو ما أشعرني بالتفاؤل بمستقبل السينما الفلسطينية عالمياً. بعد فيلم "أمبيانس"، أتمنى أن أزور موطني الأصلي وأن أنقل تقنيات إنتاج الصوت والموسيقى في الأفلام للشباب الفلسطيني من طلبة السينما.

ما هي رسالة فيلم "أمبيانس" للجمهور الفلسطيني والعالمي؟ وماذا عنى لك على الصعيد الشخصي أن يترشّح الفيلم الذي ساهمت في تحقيقه للمشاركة في مهرجان "كان" السينمائي الدولي في دورته ال 72، في برنامج "سينما الطلبة"، وفوزه بالمرتبة الثالثة من جائزة "سينافونداسيون" لفئة المخرجين الناشئين. وأخيراً، ماذا بعد الفيلم وأين ستكون خطوتكم القادمة؟ أسئلة وجهتها "رمان" لعدد من المساهمين في هذا الإنجاز...

قال مخرج الفيلم وسام الجعفري إنّ الفكرة كانت بالأساس التعبيرَ عن الحياة الاجتماعية اليومية لمخيم من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، والفيلم محاولة لأخذ المشاهد في رحلة على مدار يوم واحد يشهد فيها تفاصيل يوم كامل من الضوضاء والازدحام حتى تنتهي باقتحام قوات الاحتلال للمكان، في الوقت الذي يكون فيه الهدوء قد عم المكان. الفيلم يطرح حياة وواقع العيش في المخيم من خلال يوم واحد لكنه فعلياً يطرح أيام عديدة بل سنوات طويلة تبدأ من عام النكبة قبل ٧١ عاماً هي عمر المخيم بعد رحلة التهجير القاسية والمؤلمة عام ١٩٤٨.

بالأساس، وصول "أمبيانس" لهذا المكان هو إنجاز ضخم لي وإنجاز ضخم لكل طاقم الفيلم بحيث أن الفيلم فلسطيني بامتياز، فقد درست في جامعة للسينما داخل فلسطين، وكذلك جميع أفراد الطاقم الذي شاركوني في تحقيقه. الفيلم يتحدث عن الصوت داخل المكان ونظراً لأن التقنيات المستخدمة لمونتاج الصوت تحتاج إمكانيات ضخمة فما كان لي إلا أن أعمل مع فلسطيني من صفد بالأصل هجر أهله إلى سوريا، وعاش فترة من حياته داخل مخيمات الشتات إلى أن انتقل للعيش في الولايات المتحدة.

أعتبر الفيلم إنجازاً للمخيم الذي أسكن فيه، ومنه خرجت فكرة الفيلم، لكن كل هذه الإنجازات هي دائماً لا تكتمل وذلك بسبب وجود محمود الخمور الممثل الرئيسي الثاني في الفيلم داخل سجون الاحتلال. ليس هناك خطوة قادمة إنما هنالك خطوات، فالمخيم مليء بالقصص والأحداث.

أما عن فوز الفيلم بالمركز الثالث لفئة الأفلام القصيرة من "سينافونداسيون"، أقول إن الأهم من الجائزة هو اختيار فيلم بإمكانيات بسيطة جداً من بين ٤٠٠٠ فيلم ضمن ١٦ فيلم تنافس عالمياً، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم. الفوز بالجائزة هو دليل على أن الفيلم كان قادراً على منافسة العديد من الأفلام. أخيراً، قررت إهداء هذه الجائزة للممثل محمد الخمور الذي يقبع في السجون الإسرائيلية منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

احتفاء بالمخيم وثقافته..

قال منتج الفيلم، سائد أنضوني، إن "أمبيانس" يحمل المشاهد في رحلة عبر أزقة المخيم يتعرف من خلالها على تفاصيل الحياة في المخيم، كما يدخلنا إلى عالم الشباب الباحث عن فرص الإبداع والتطور في ظل ظروف قاسية، ولكن تعامل المخرج العاشق لحياة المخيم قلب الإزعاج والأصوات المتداخلة إلى مادة إبداعية.

بالنسبة للجمهور الفلسطيني هو فيلم تحفيزي للمبدعين الشباب، لتحدي العقبات وإيجاد الحلول الإبداعية لخلق حالة فنية في ظل ظروف صعبة. كما هو احتفاء بالمخيم وثقافة المخيم وانتصار لثقافة الفقراء. بالنسبة للجمهور الأجنبي، الفيلم يقدم نموذجاً مختلفاً للفلسطيني الشاب لما تعوّده المشاهد الأجنبي على رؤيته من خلال وسائل الإعلام المختلفة، شباب تسعى إلى الإنتاج والإبداع، غير مستسلمة لظروفها وقادرة على احتضان الصعوبات وتحويلها لخدمة مشروعها في الحياة.

يقدم الفيلم المخيم كمكان حميم قادر على خلق المعجزات بالرغم من ظروفه الصعبة شعور بالفخر الشديد لهذه المشاركة، لأننا أول مدرسة سينما فلسطينية يشارك فيلم لأحد طلبتها بهذا المهرجان المهم. شعور بالسعادة لوسام وجميع طاقم العمل الذين استحقوا بكل تأكيد هذه المكافأة على الجهد المبذول في الفيلم. أهمية هذه المشاركة تأتي لتعطي دفعة معنوية كبيرة لبقية طلبة البرنامج وحافزاً لعمل أفلام أخرى ذات نوعية احترافية عالية.

المستقبل بحاجة للمزيد من العمل، إنها فقط البداية لنا ولطلبتنا، سنعمل على مساعدة الطلبة على صناعة أفلام تضعهم على خارطة السينما الفلسطينية والعالمية. بالنسبة للجائزة، هي إنجاز ضخم لهذا الجيل، لأنها قد تمنحهم الإيمان بقدرتهم على تغيير مصيرهم في ظل نظام سياسي واجتماعي يدفعهم باتجاه الهزيمة والاستسلام.

أما مدير التصوير، إبراهيم حنضل، فقال إن رسالة الفيلم هي رسالة من شاب لكل فئات الشعب الفلسطيني إن كان يعيش بالوطن أو إن كان للأسف خارج الوطن في مخيمات اللجوء والشتات. الفيلم الذي يخدم شعبه ويحاكي شعبه يستطيع محاكاة العالم كله لأننا بشر، ربما هناك شيء ما نشترك به، أيضاً الطريقة التي سردت بها حياة شاب والذي يمثل فئة كبيرة من معاناة الشباب.

وجود "أمبيانس" في مهرجان كان السينمائي في قسم "سينما الطلبة" هو خطوة كبيرة ومهمة لطلاب كلية "دار كلمة" الذين عملوا بالفيلم ولكل الطلاب الذين يدرسون في الكلية. بالنسبة لي أي خطوة تظهر أفلام شابة، خاصة أفلام أصدقائي، هي خطوة ممتازة، فما بالك بمشاركة الفيلم بمهرجان "كان" السينمائي الدولي، ونجاحه هو نجاح لجميع من شارك في تحقيقه.

فوز الفيلم بأحد جوائز "كان" هو فخر كبير وإنجاز مهم، وهو خطوة أولى لخطوات عديدة لأفلام فلسطينية سوف يتم العمل عليها مستقبلاً بصورة جديدة وبلغة فلسطينية شابة. وفوزه كذلك يُعد دافعاً قوياً جداً للمضي قدماً في طريق السينما والعمل بها بغض النظر عن شح المال للإنتاج،

هذا الفيلم هو أول خطوة بالنسبة لي، خطوة رائعة وعظيمة، ومن المؤكد أن القادم سيكون أفضل.

جيل جديد يصنع سينما حرة..

أضاف المونتير بلال أبو عليا إنّ رسالة الفيلم للجمهور الفلسطيني هي تسليط الضوء على وجود عدد كبير من المثقفين والمتعلمين والحالمين في مخيمات اللجوء الفلسطينية. يعتبر المخيم مكان مؤقت للعيش فيه إلى حين العودة، أنا جزء من هذا المخيم ورسالتي للعالم هي لفت الانتباه إلى حياة الفلسطيني في مخيمات اللجوء وصموده والإصرار على وجوده.

من هنا على الصعيد الشخصي، وبما أني جزء من هذه القصة وشاركت في إنجاز الفيلم، أذهلني رد فعل الجمهور، الذي سيكون إضافة كبيرة إلى سيرتي الذاتية وسيكون دافعاً ومحفزاً لي للمضي في هذا المسار.

أما مصمم الصوت أبي الأبيض، فقال: بما أني لا أعيش في فلسطين المحتلة، لاحظت أن الفيلم ساعد في شد اهتمام الجمهور العالمي للقضية الفلسطينية والحياة اليومية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. أعتقد أن فيلم "أمبيانس"، من وجهة نظر الجمهور الفلسطيني، مطمئن لتمثيل القضية في وسائل الإعلام. وترشحيه في مهرجان "كان"، هو من أول وأهم الإنجازات في بداية حياتي الاحترافية.

إضافة إلى ذلك، فإن فوز الفيلم بالمرتبة الثالثة في المهرجان أثبت لي أن الأفلام الفلسطينية لها جمهور عالمي كبير، وهو ما أشعرني بالتفاؤل بمستقبل السينما الفلسطينية عالمياً. بعد فيلم "أمبيانس"، أتمنى أن أزور موطني الأصلي وأن أنقل تقنيات إنتاج الصوت والموسيقى في الأفلام للشباب الفلسطيني من طلبة السينما.

وقال أخيراً الممثل صلاح أبو نعمة: إن الفيلم إنجاز مهم للسينما الفلسطينية التي تتقدم باستمرار، بوجود طاقات شابة قادرة على إنتاج أفلام تشارك في أهم المهرجانات السينمائية في العالم، أفلام مختلفة تعبر عن حالات مختلفة في المجتمع الفلسطيني.

أرى أنه سيكون هناك إنتاجات قادمة تعكس حالات مختلفة عن مجتمعنا فالقضايا الموجودة في المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال قضايا متعددة سياسية واجتماعية. الفترة القادمة ستكون فترة جيل يصنع سينما حرة تعبر عنه اجتماعياً وسياسياً وتعبر عن تجربة أشخاص على وعي بما يحدث في محيطهم وكيفية توظيف تجاربهم في مجتمعهم.

يذكر أن فيلم "أمبيانس" من النوع من كتابة وإخراج وسام الجعفري، إنتاج سائد أنضوني، إشراف مجدي العمري، مخرج فني وفاء إبراهيم، مساعد مخرج أول شدى وليد، إدارة التصوير إبراهيم حنضل، مونتاج بلال أبو عليا، وموسيقى سائد مسنّات، تصميم الصوت أبي الأبيض، تسجيل الصوت صليبا رشماوي، متابعة سيناريو عبد الرحمن الزبون، تمثيل صلاح أبو نعمة، ومحمد الخمور، ونيللي سلمان، ومعتز شعفوط، وجميل حلمي، ترجمة رينا حنضل وندى العمري، وتصميم البوستر سامي زعرور.

"أمبيانس" فيلم قصير بالأبيض والأسود، تم تصويره في مخيم الدهيشة بمدينة بيت لحم المحتلة، وهو بحسب صناعه، يتناول حكاية شابين يحاولان تسجيل الموسيقى داخل المخيم للاشتراك في مسابقة، إن نجحا فيها، سيحصلان على فرصة صنع ألبوم موسيقي. إلا أن الأمور في البداية لا تسير حسب المتوقع بسبب الضوضاء والازدحام داخل المخيم، فينتهي الأمر بهما إلى الانطلاق بفكرة تسجيل أصوات المخّيم بدلاً عن موسيقاهما وتحويل تلك الأصوات إلى موسيقى.

كاتب من فلسطين

 

مجلة رمان الفلسطينية في

27.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004