كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

في مهرجان «كان» (6): أفلام اجتماعية بشخصيات تتألم جراء محنها المختلفة

حصيلة الأسبوع الأول... أعمال تُصنع لكي تُسمع لا لتُرى

كان: محمد رُضـا

كان السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

مر الأسبوع الأول من الدورة الحالية لمهرجان «كان» سريعاً بأفلام ذات أصوات أعلى من يقوله بعضها. في حالات أخرى، كانت الصور العاكسة للذات هي ما تسيطر على الوضع الماثل بحيث لم يكن صعباً التفرقة بين الفيلم ومخرجه أو بين الأنا المنعكسة على الشاشة وتلك التي تقف وراء الكاميرا.

وفي حين شهد عدد محدود من الأفلام العربية عروضها تمهيداً لعدد محدود آخر سيعرض في النصف الثاني، فإن القليل مما سجل من تعليقات حولها يمكن اعتباره إيجابياً علماً بأن هذا الإيجاب ينتمي إلى شغل الإعلام وليس إلى عمق العملية النقدية التي بات هناك عدد أقل من الذين يمارسونه.

فعلى سبيل المثال الفيلم المتقدم باسم الجزائر وعنوانه «بابيشا» لمخرجته منية مدّور. فيلم أول لسينمائية ساقها العمل وحسناته (على قلتها) إلى دخول مسابقة «نظرة ما» التي هي بمثابة المسابقة الثانية في الأهمية.

إنه فيلم بقلب شجاع وقضية حارة تقع أحداثه في مطلع التسعينات عندما كانت البلاد هناك تعيش ما عرف بـ«السنوات السوداء»، حيث استطاع المتشددون السيطرة على بقاع مختلفة من الجزائر وواجهوا القوات الحكومية بمعارك كبيرة، محاولين تغيير نظام الحكم من ديكتاتورية مدنية إلى ديكتاتورية دينية.

خلال هذه السنوات تتقدم حكاية «بابيشا» بصديقتين هما نديمة (لينا خضري) ووسيلة (شيرين بوتلة) وقد تسللتا من حرم الكلية الخاصة التي تدرسان فيها إلى سيارة تاكسي بسائقها العجوز، حيث ستنطلقان إلى حفلة راقصة في أحد الملاهي. تضع نديمة شريطا راقصاً في جهاز التسجيل وتطلق صوته عالياً وتبدأ وصديقتها الرقص. ليس هما فقط بل تلك الكاميرا التي تقفز في كل اتجاه، كما لو أن أحدهم وضع تحت قميص مدير التصوير، ليو ليفيفر، عقرباً.

بداية صارخة وصاخبة على أثرها مشهد لوصول السيارة إلى حاجز إسلامي. يتم قفل الشريط وتسارع الفتاتان إلى وضع ملاءات عليهما قبل أن تخلع الفتاتان إياها حال سماح الحاجز للسيارة بالعبور.

فصل أول من نحو ربع ساعة يؤسس لهاتين الشخصيتين ثم يليه المزيد من المقارنات بين الحرية التي تنشدانها وبين الجو العابق بالتشدد الذي تمر به تلك الفترة. قلب المخرجة، بطبيعة الحال، مع هاتين الفتاتين وباقي الفتيات المتطلعات إلى حرية مهددة. بذلك يصطاد الفيلم التعاطف الجاهز بالطبع بين المشاهدين الغربيين لكنه لا يمنح الاهتمام الكافي لتعميق ما يقع ولمنح الحكاية ما تستحقه من سرد بعيد عن الحياكة المتسارعة والتصوير الخاطف - خصوصاً - تلك الثرثرة الكلامية التي تفيض عن الحاجة، سنرى مثيلها في فيلم عبد اللطيف كشيش المقبل «حبي، مكتوب»، ما يمنع المشاهد من التمتع بمشاهد تتعمق فيها المفادات. هناك مشهدان فقط من هذا النوع وكلاهما يلي فاجعة تقع في الحكاية.

- من العام إلى الذات

لن يكون مثيراً للعجب إذا ما حصد هذا الفيلم جائزة رئيسية بفضل وجود المخرجة اللبنانية نادين لبكي على رأس لجنة تحكيم هذه المسابقة. لكن ذلك لن يكون من دون تنافس أفلام أخرى كثير منها تطرح مثل هذه المواضيع وتصنعها مواهب جديدة بمستويات مختلفة يحتل فيها «بابيشا» مكان الوسط.

هناك بالطبع حيوية ناتجة عن كيفية تصوير الفيلم. تلك الكاميرا سريعة الحركة التي تنتقل من الوجه إلى حقيبة يد ثم ترتفع إلى نافذة سيارة ثم تعبر أفقياً صوب وجه آخر تبقى العين منشغلة لكن المهارة المستخدمة ليست الجواب على فقدان الفيلم السبب في هذا المنهج. في «البائسون» الذي استعرضناه يوم أمس، الحركة ذاتها لكنها مرتبطة بمحاولة المخرج لادج لي تحقيق فيلم روائي بنفس تسجيلي ما يجعل استخدام الكاميرا على هذا النحو مبرراً.

هذا كله عكس ما نراه في «ألم ومجد» للإسباني بدرو ألمودوفار. هذا المخرج قدم للمهرجان رهطاً كبيراً من إنجازاته عاماً بعد عام ولم تمنحه أي من لجان التحكيم المتعاقبة جائزة ذهبية. إذا ما كان سيفوز بها هذا العام، عن فيلمه الجديد هذا، فإن ذلك سيكون على حساب أعمال أخرى مهمة ومنتظرة ليس أقلها فيلم الأميركي ترنس مالك «حياة مخبوءة».

فيلم ألمودوفار هو فيلم ذاتي كما «روما» لألفونسو كوارون (الذي حاز على أكثر من 100 جائزة بدءاً بذهبية مهرجان فينيسيا وانتهاء بأوسكار أفضل فيلم أجنبي). على أن العلاقة تتوقف هنا، فالفيلم السابق يستعيد حكاية تقع بأسرها حين كان المخرج المكسيكي صغيراً، بينما يقدم ألمودوفار على تقديم حكاية خيالية حول مخرج سينمائي وصل إلى مرحلة من العمر بات فيها مرتعا لشكوك ومشاعر الذنب والهجوم من ذكريات الأمس تأتي لتجعله غير واثق مما قام به في حياته ومن اختياراته.

- الفرد والمجتمع

وإذا ما كانت المسابقة الرسمية بدأت هذا العام بفيلم الأميركي جيم جارموش «الموتى لا يموتون» فإن مسابقة «نظرة ما» بدأت بفيلم تولته المصرية الأصل منية شكري ما يجعل التظاهرة تحمل «مُنيتين» كل منها وراء موضوع نسائي في محوره.

هذا الفيلم، وعنوانه «حب أخوي»، ليس عربياً إلا من خلال شخصياته فحكايته (كما إنتاجه) كندي وبيئته وقضاياه اليومية. يدور حول امرأة اسمها صوفيا (آن إليزابيث بوسي) تضطر للحلول في بيت شقيقها الأكبر سنا كريم (باتريك إيفون) بعدما فشلت في إيجاد عمل مناسب لسنوات درستها الفلسفية. هو سعيد بلقائهما المتجدد لكنها مشغولة بالتفكير في الديون التي تراكمت عليها وبسنواتها المهدورة. وهذا اللقاء ينجب عن شيئين وقوع كريم في حب صديقة شقيقته، ورهط من الحوار الذي لا يتأخر ثانية. مثل «بابيشا» يبدو كما لو أن أفلام اليوم تُصنع لكي تُسمع وليس لكي تُرى.

«روما» الذي ورد ذكره قبل قليل يعود للذاكرة في فيلم آخر من تلك الأعمال الأولى لمخرجيها، أو، بالأحرى، لمخرجاتها كون «أغنية بلا اسم» هو من تحقيق ميليا ليون التي تعاين وضعاً اجتماعياً صعباً بطلته امرأة شابة حامل علها أن تبحث عن حياة أفضل لها ولوليدها.

الفيلم من إنتاج بيرو وبطلته جورجينا هي من مواطني البلاد الأصليين (أي غير المهاجرين الإسبان الذين حلوا على البلاد بعد اكتشاف القارة). جورجينا غارقة في مشكلتها كما في تقاليدها والمتوارث من العادات والمفاهيم، وتتجه بكل ذلك صوب العاصمة ليما لعلها تستطيع أن تنجز ما لا تحتمل البيئة إنجازه لها من عمل أو تأمين حياة مقبولة. تضع الفتاة حملها في عيادة وهمية لتكتشف أنها وقعت في براثن عصابة تجار أطفال فتنطلق للبحث عنه خلال فترة سياسية داكنة من حياة البلاد (ثمانينات القرن الماضي).

الحكاية حقيقية كذلك ما ورد في «روما» والفتاة الشابة هندية الجذور ولديها مشكلة حمل نتيجة علاقة غير مشروعة ومستقبل غامض وهذا ما يرد في فيلم كوارون. كذلك الفيلم بالأبيض والأسود كما حال الفيلم السابق. لكن ما يتميز به «أغنية بلا اسم» هو عدم الاكتفاء بالملامح الواردة للوضع السياسي الذي صاحب أحداث الفترة التي يعرضها الفيلم بل المضي في التأكيد على تأثيرها على الفرد والمجتمع.

معاناة الشخصيات التي ذكرناها آنفاً تختلف من فيلم لآخر.

تلك الواردة في فيلم «بابيشا» تبدو مفبركة بالمقارنة مع تلك الواردة في فيلم «أغنية بلا اسم». وما يدور في بال بطل «ألم ومجد» أو ما يعايشه كريم وصوفيا في «حب أخوي» لا يصل إلى ما يعرضه البريطاني كن لوتش في فيلمه الجديد «آسف، افتقدناك» (Sorry We Missed You).

«على السطح» هو فيلم آخر من أفلام كن لوتش التي تمعن في طرح موضوع محاك حول شخصيات من قاع الحياة البريطانية. من تلك القاعدة الأكثر عدداً من كل ما نراه ماثلاً أو نفكر به حين ننظر إلى حياة المدينة من قممها والأقل تعرضاً لكشف ما تعانيه من مصاعب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها.

لكن ما إن يتخطى الفيلم نصف ساعته الأولى من رسم الشخصيات وتأسيس أماكنها في الوضع الذي تعايشه حتى يتبلور الفيلم كعمل لا يمكن تجاهل قيمته لا الفنية ولا الاجتماعية.

يدور «آسف افتقدناك» حول رجل يلتحق بعمل في شركة خاص لتوزيع البريد والطرود. هناك شروط صعبة لقاء أجر ضئيل. على من يعمل في هذه المؤسسة أن يبدأ باكرا ويعود باكراً وقد سلم كل ما لديه من مهام. وفي كل مرّة يقوم جهاز قيمته 1000 جنيه بتسجيل كل تفاصيل عمله. الأوقات والخدمات والأماكن التي توقف عندها وتوقيع الذين تسلموا بريدهم. لكن الجانب الآخر من حياة هذا الرجل الذي ينطلق بشغف لتأمين عمله ضمن تلك الشروط وسواها هو ذلك الذي يقع في كنف عائلته. لقد أجبر زوجته على بيع سيارتها لكي يشتري السيارة التي سيعمل عليها كونهما لا يملكان المبلغ المطلوب ولا يستطيعان الاستدانة من المصرف. ابنهما المراهق صعب المراس وابنته الصغيرة خائفة وهي تلحظ الفاقة التي تعيشها العائلة والخلافات التي تنشب بين أبيها وشقيقها.

لوتش يمنح الأم قدراً كبيراً من الاهتمام. عملها هو الإشراف على تمريض ومداواة وتنظيف العجزة والمقعدين في منازلهم المتناثرة في بقع مختلفة من المنطقة. تركب الحافلة وتدخل البيوت وتقوم بما تستطيع وبأمانة لكن العمل شاق والناتج قليل والحياة العائلية تتمزق تحت ناظريها كما تحت ناظري زوجها.

سيعرض المخرج العائلة لمحن كبيرة - صغيرة كهذه طوال الوقت لكنه، وكعادته، لن يسقط في الميلودراما ولا في لعبة التعاطف الساذجة صوب أبطاله. ما يفعله أصعب من ذلك بكثير. إنه يلغي الدراما التي يعرضها ويستبدلها من خلال إيقاع الحياة. حين يلغي الدراما يلغي كذلك أي تمثيل درامي وبل أي تصوير يخرج عن نطاق تسجيل ما يقع في الضوء الطبيعي له. الناتج فيلم يحكي حكاية بسرد شبه تسجيلي يصب فيه، كالعادة، جم غضبه على الوضع القائم الذي لا يمكن فيه لشخصياته أن تجد عطف المؤسسات ولا سبيلاً للخروج من أزماتها المعيشية التي تنسف استقرار حياتها.

النهاية الرائعة التي يختارها هنا تصوّر رب الأسرة وهو ينطلق بجروحه (كان هوجم من قبل ثلاثة أشخاص وتم سرقة طروده ما أدى إلى توقفه عن العمل وخسارة 100 جنيه يومياً بالإضافة إلى كسر جهازه الذي أؤتمن عليه. سوف يقوم الآن بالتوجه للعمل وعلى وجهه ويديه ضمادات لأنه، وبكل بساطة لن يستطع البقاء في المنزل بانتظار الشفاء.

 

الشرق الأوسط في

20.05.2019

 
 
 
 
 

المرأة في مواجهة التطرف والبكاء لا يفيد

أمير العمري

"بابيشا" فيلم جزائري للمخرجة مونيا مدور يغالي في الانتصار للنسوية بمهرجان كان السينمائي.

ضمن تظاهرة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي الـ72 عرض فيلم “بابيشا” أول الأعمال الروائية الطويلة للمخرجة مونيا مدور، وهو أحد فيلمين ينتميان للجزائر، والثاني “أبوليلى” الذي يعرض في تظاهرة “أسبوع النقاد” وهو أيضا أول أفلام مخرجه أمين سيدي بومدين.

كان (فرنسا) – “بابيشا” Papicha في الواقع فيلم فرنسي لمخرجة جزائرية (جميع عناصره من الإنتاج إلى التصوير والموسيقى والمونتاج والصوت والأزياء.. الخ عناصر فرنسية)، وفيه تعكس مونيا مدور نظرة “نسائية” (فيمنست) غاضبة تركز على خصوصية وضع المرأة في مجتمع ذكوري تعلو فيه سلطة الرجل الذي يستخدم الدين الإسلامي لتبرير استبعاد المرأة وتطويعها بل واضطهادها.

وأول ما يمكن أن نلمحه بوضوح في هذا الفيلم هيمنة اللغة الفرنسية على الحوار ربما لتأكيد هوية الفيلم “الفرنسية” إرضاء لتوجهات الإنتاج، مع تهميش اللغة العربية وجعلها تنحصر في ما تنطق به شخصيات المتطرفين الإسلاميين ودعاة العنف.

وهنا نلحظ التأكيد المقصود على أن اللغة العربية هي لغة للصلاة والأذان والخطاب الإسلامي عموما وليست لغة عصرية تصلح للتخاطب اليومي، وبطلة الفيلم الشابة “نجمة” (التي يطلقون عليها “بابيشا”) لا تنطق بجملة واحدة من اللغة العربية الجزائرية الدارجة، بل تلتصق بالفرنسية باستثناء بعض الكلمات الصغيرة العابرة التي سرعان ما تمزجها بالفرنسية.

والعنصر الثاني الواضح في الفيلم والذي يؤدي إلى الكثير من الخلل في الصورة، غلبة اللقطات الكبيرة القريبة (كلوز آب) للوجوه على مشاهد الفيلم بأسره، وقد يكون السبب الرغبة في تجسيد الواقع الخانق الذي تعيشه الشخصيات داخل أطر ضيقة، لكن الإفراط الشديد في استخدام اللقطة الكبيرة يتجاوز ذلك كثيرا ليصبح لعبة شكلانية بالكاميرا، تعيق كثيرا تجسيد جانب أساسي كان مطلوبا بشدة في هذا الفيلم تحديدا، أي المكان وعلاقة الشخصيات بالمكان، فصورة الجزائر وأماكن الأحداث الجزائرية شبه غائبة عن الفيلم بشكل فادح. فمن الممكن أن تكون أحداثه في أي مكان، ولا شيء من الناحية البصرية يقدم لنا الجزائر إلاّ من خلال لقطة عابرة لإحدى حارات حي القصبة، ثم قيام الفتيات اللاتي يجتمعن معا على شاطئ البحر برفع العلم الجزائري فجأة، والهتاف “فيفا ألجيري” أي “تحيا الجزائر”!

غياب الإحساس بالمكان

الإحساس بما يحدث في الجزائر في تلك الفترة من التسعينات، أو زمن “العشرية السوداء” ضعيف للغاية ومحدود، ويقتصر على ما يبثه الراديو من أنباء أو ما نشهده في مشهد واحد لإزالة آثار أحد التفجيرات، أو مقتل شقيقة البطلة في مشهد عبثي دون أي تمهيد من أجل تحقيق الصدمة.

ومعظم مشاهد الفيلم داخلية، إذ يمضي وقت طويل من الفيلم قبل أن ندرك حقيقة المكان الذي تقيم فيه الفتيات بسبب الاستغناء تماما عن اللقطات التأسيسية والاعتماد على الكاميرا التي تتحرك في عصبية من خلال لقطات “الكلوز آب”.

جميع شخصيات الرجال في الفيلم إما أوغاد وإما متطرفون يرغبون في فرض الحجاب على الفتيات بالقوة

وبوجه عام يعبر الفيلم عن العشرية السوداء في الجزائر بشكل سطحي تشوبه السذاجة، وتبدو المخرجة مدفوعة بفكرة مسبقة تريد فرضها على الفيلم فرضا وهي أن المرأة أقوى من الرجل، وأكثر رغبة في التحرر بينما الرجل بطبعه إقطاعي، خاضع، تقليدي، متعصب، قمعي.

ولكن هناك إشارات سريعة عابرة لتعصب نسائي من جانب مجموعة معينة تحاول فرض غطاء الرأس بالقوة، ولكن دون أن نعرف سبب مثل هذا التباين، فهل السبب يرجع إلى الطبقة أم إلى التعليم أم إلى علم السيكولوجي!

بطلة الفيلم نجمة، هي طالبة جامعية تدرس اللغة الفرنسية مع مجموعة من زميلاتها وتقيم معهنّ في السكن الجامعي، وترتبط بعلاقة خاصة مع صديقتها “وسيلة”.

امرأة متحررة

نجمة فتاة متحررة عصرية منطلقة، تمتلك من المال ما يتيح لها رشوة حارس السكن بانتظام لكي يسمح لها بالخروج مع صديقتها للسهر في الخارج والعودة في وقت متأخر من الليل، وهي تذهب مع وسيلة ذات ليلة إلى أحد النوادي الليلية بغرض اللهو والمرح والتحرر من الحياة المغلقة التي تفرضها السيدة الفرنسية التي تدير المكان.

وخارج المكان ليلا، تلتقيان بشابين: أولهما يقول إنه يدرس العمارة وهو الذي تعجب به نجمة، والثاني يقول إنه يمارس التجارة الحرة وتعجب به وسيلة بل وتعلن أنها وقعت في غرامه من أول نظرة، والاثنتان تحلمان بالزواج من هذين الشابين وهي فكرة سطحية تجعل الفيلم يفتقد للإقناع.

فتحرر الفتاتين وخاصة بابيشا ذات الشخصية القوية، يتناقض مع الوقوع في الحب هكذا بكل بساطة، كما أن الفيلم لا يهتم بتصوير نمو العلاقة بأي شكل، ثم نفاجأ من خلال الحوار، أن الشاب الذي تحبه بابيشا خاضع لقيادة أمه، وأنه يعتزم الهجرة إلى فرنسا فرارا من واقع الجزائر على العكس من نجمة التي تتمسك بضرورة البقاء والتصدي لما يحدث، خاصة بعد أن تموت شقيقتها ضحية التطرف.

أما شخصية صديقتها وسيلة، فهي من أضعف شخصيات الفيلم، ففي البداية نراها تستميت من أجل الحصول على تأشيرة للذهاب إلى كندا، ثم ترتبط بهذا الشاب الذي ستفاجأ بأنه اتخذ جانب التطرف الإسلامي.

نجمة أيضا بارعة في تصميم الملابس التي تبيعها للفتيات وكذلك لأحد التجار، كما تشتري بعض مستلزماتها من تاجر في حي القصبة سرعان ما سيتجه شأن -سائر الرجال في الفيلم- إلى التطرف الإسلامي. وتجعل المخرجة -التي كتبت سيناريو فيلمها- فتاة من بين جماعة السكن الجامعي تدعى “سميرة” الوحيدة التي ترتدي ما يعرف بـ”الزي الإسلامي”، ثم تقع ضحية لرجل يغرر بها وتحمل منه، ثم تخلع الحجاب وتقرر الاحتفاظ بالجنين تأكيدا على التحاقها بباقي الفتيات المتمردات تحت قيادة “نجمة-بابيشا”.

أما المشاجرة التي تقع بين نجمة وزميلتها وسيلة، فهي غير مقنعة وتبدو خارج السياق، فلم يبد من وسيلة أصلا ما يشير إلى احتمال خضوعها للتشدد الإسلامي، خاصة أننا لم نشاهد أي ملمح من ملامح العلاقة التي ربطتها بالشاب الذي أصبح يطالبها فجأة بارتداء الملابس المحتشمة.

سطوة ذكورية

صورة الجزائر وأماكن الأحداث الجزائرية شبه غائبة عن الفيلم بشكل فادح، فمن الممكن أن تكون أحداثه في أي مكان

جميع شخصيات الرجال في الفيلم إما أوغاد مثل حارس السكن الذي يحاول ابتزاز نجمة ثم اغتصابها بالقوة، وإما متطرفون يرغبون في فرض الحجاب على الفتيات بالقوة، ويتكرر كثيرا مشهد تعليق لافتات تحث الفتيات على ارتداء الحجاب في الجامعة، ثم يقول الفيلم أيضا إن اغتيال “ليندا” -شقيقة نجمة- كان نتيجة عدم ارتدائها الحجاب، حيث تطلق عليها فتاة متشددة الرصاص ثم تهرب في حين أنها تترك نجمة نفسها دون أن تتعرض لها.

ويتخذ موضوع الحجاب واللغة العربية في الفيلم أبعادا تتفق مع المنظور الفرنسي للتطرف الإسلامي.

وتأكيدا لفكرة أن اللغة العربية هي لغة متخلفة رجعية ترتبط بالدين، نرى في أكثر من مرة هجوم مجموعة من فتيات الجماعة الإسلامية على نجمة وزميلاتها وتهديدهنّ وترديد هتافات متشنجة ضد اللغة الفرنسية والدفاع عن “لغة القرآن”.

وتستخدم نجمة “الحايك” وهو الزي التقليدي للمرأة الجزائرية، يفترض أن يغطي جسدها ورأسها، وتتوصل إلى تصميمات جديدة له بحيث يعطي معنى عكس المقصود منه، أي إظهار الأنوثة بدلا من إخفائها، ثم تخطّط نجمة مع زميلاتها لعمل عرض أزياء في الجامعة، إمعانا في تحدي الجماعة الإسلامية.

وهو استخدام رمزي لجسد المرأة في الفيلم لإبراز الرغبة في التحرر، لكنها تنتهي عمليا إلى تقديم عرض هزيل مع تصميمات تفتقد للجمال للحايك، وهذا بالطبع رأي شخصي لكاتب المقال.

رؤية سطحية

مشكلة الفيلم أنه يعرض بعض المشاهد المتفرقة التي قد تكون مستمدة من بعض الوقائع التي استمعت إليها المخرجة هنا وهناك، ولكن دون أن يتوفر لهذه الأحداث أو الوقائع، إن جاز التعبير أصلا، أساس درامي متين يسمح باستخدامها في الفيلم، وهي تنتقل بين المواقف المختلفة التي تمر بها نجمة وزميلاتها، وعندما لا تجد شيئا يطوّر الموضوع تصوّر الفتيات في وصلات من الرقص والغناء.

ويتم التعبير عن “الصراع″ بين نجمة والواقع الذي تعانده دون أن نراه بشكل واقعي واضح، من خلال الحوار المتصل الذي لا يكاد يتوقف، وتركز الكاميرا في لقطات قريبة على وجه البطلة الشابة لينا الخضري (في دور نجمة-بابيشا) التي لا شك أنها تتمتع بالحيوية والقدرة على التعبير والحركة، لكن المشكلة أن شخصيتها في الفيلم سطحية.

ليس من واجب الناقد أن يفرض على المخرج شكلا أو أسلوبا معينا لفيلمه، فالتجريب حق مشروع لأي مخرج، وهو حر في اختيار أسلوبه الخاص، ومن الممكن تصوير فيلم عن “العشرية السوداء” في الجزائر داخل غرفة واحدة وباستخدام ممثل واحد والاستعانة بشاشة تلفزيون وأحاديث التليفون، ولكن يجب أن يكون الفيلم في النهاية، مقنعا ومشبعا لموضوعه سينمائيا، وهو بكل أسف ما يغيب عن هذه التجربة الأولى لمخرجته.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

العرب اللندنية في

20.05.2019

 
 
 
 
 

... وفي اليوم الخامس قدّم تيرنس مالك تحفة سينمائية/ فلسفية إستثنائية

مهرجان كان: "الحياة الخفية" عن المقاومة الفردية ضد الطغاة والمجتمع

كان (لجنوب الفرنسي) - إبراهيم العريس

اليوم تماما يصل مهرجان كان الى منتصفه، وكالعادة كما في السنوات والدورات الأخيرة، نادرة هي الأفلام الكبيرة، في المسابقة الرسمية أو غيرها من التظاهرات، أي الأعمال الكبيرة التي تنفجر وسط العروض مشكّلة حدثا سينمائيا كبيرا، ونادرة هي الأحداث الفنية أو الترويجية حتى، اللافتة. وحدهما الإسباني بيدرو المودوفار والأميركي تيرنس مالك أحدثا ذلك الإختراق في وجه المرارة المسشرية والشكاوى الكثيرة من ضآلة السوق وعادية معظم العروض. فكل منهما تألق حتى الآن بفيلمه المعروض في المسابقة الرسمية، أما زميلهما الإنكليزي المخضرم الكبير، كين لوتش فإنه ماثلهما في صنع الحدث إنما ليس بفيلمه المعروض في المسابقة "آسفون لقد نسيناكم" الذي أتى فيلما كبيرا على طريقته من دون أن يكون عملا إستثنائيا، ولكن بتجديده في بيان صارم وقوي، موقفه المقاطع لإسرائيل وسياساتها العدوانية والرافض اي تساهل معها.

في رسالة سابقة أشرنا الى فيلم المودوفار "ألم ومجد" باقتضاب في انتظار عودة مسهبة اليه هو الذي ُأعطيَ من ترجيحات الحصول على السعفة الذهبية قدرا إستثنائيا في مختلف الصحافة المهرجانية؛ أما هنا فنتوقف عند التحفة السينمائية الأخرى التي تفجرت وسط المهرجان كالصاعقة: فيلم تيرنس مالك "حياة خفية". والحقيقة اننا هنا، وعلى عكس ما حدث بالنسبة الى فيلم المودوفار حيث ان الصحافة العالمية كانت أشبعته كتابة وحوارات وتفسيرات بحيث شاهده أهل كان وهم يعرفون كل شيء عنه، كان كل ما يتعلق بفيلم مالك غامضا، كالعادة، فما من أحد شاهده وما من تسريبات من حوله. فقط بضعة سطور وانتظار متلهف، سطور تقول انه مأخوذ من قصة حقيقية عن مجند نمسوي في الجيش النازي حوكم بتهمة الخياة العظمى، وانتظار لجديد فنان مبدع يشكل كل فيلم من افلامه حدثا سينمائيا حتى حين يبدو متراجعا فيه بعض الشيء. فالمخرج التكساسي/ اللبناني الأصل – من شكا شمالي لبنان -، لم يكن منذ تحفته، "شجرة الحياة" قد قدم أي عمل لافت حقا، بل ساد التساؤل عما إذا كانت ذخيرة إبداعه قد نفدت، كما سبق ان حدث له خلال السنوات الطويلة التي انقضت بين أفلامه الأولى في الثمانينات و "شجرة الحياة" نفسه. لكن المعجزة الصغيرة حدثت وأتى "حياة خفية" فيلما مدهشا إستثنائيا يعطي سينما مالك حياة جديدة ودينامية في اللغة السينمائية وقوة تعبيرية في الموضوع كما في إدارة الممثلين لم تعد معهودة لدى كثر من السينمائيين اليوم.

من ناحية قوته السينمائية لا شك أن فيلم مالك الجديد عمل قوي واستثنائي. وفي اللغة المهرجانية لا شك انه يمثل، حتى الآن على الأقل، متسابقا رئيسيا نحو السعفة الذهبية منافسا في هذا فيلم المودوفار. غير انه سيكون من غير الإنصاف الإكتفاء بحكم "سينمائي" مثل هذا. ولئن كان المجال لا يتسع في هذا النوع من الرسائل "الكانيّة" للتوقف مطولا عند عمل سينمائي رائع سنعود اليه، ويعود اليه غيرنا مطولا بالتأكيد، فإن ما لا بد من قوله، بحماس إستثنائي قد يخرج الواحد منا عن وقاره النقدي المعتاد، هو اننا هنا في إزاء علامة كبيرة في تاريخ السينما. لكننا أيضا أمام فيلم يحمل أفكارا كبيرة بدءا بجدوى المقاومة وعظمتها في فرديتها، وصولا الى الإيمان ومعناه، ولكن مرورا خاصة بفكرة لم نعهدها كثيرا من قبل: من يجابه المقاومُ أكثر، السلطات التي تقمعه وتضطهده، أم المجتمَع الذي ينهض بدوره لانتقاده وتهميشه بل لتعنيفه حتى؟ تلكم بضعة أفكار أساسية يحمّلها تيرنس مالك الكبير لفيلم هو في نهاية المطاف فيلم عن الصراع بين الحب والحرب، بين الفرد والجمع، بين المبدأ والواقع، بين الموت والحياة. وبهذا كله في عمل رائع الجمال ديناميكي الصورة يقدم فيه ممثلون غير معروفين دواخل روحهم على الشاشة ولا تهدأ الكاميرا لحظة... يعطينا هذا المخرج المبدع الصموت، أمثولة سينمائية وفلسفية وسياسية نادرة في سينما اليوم، لكنه يعطينا أيضا سوناتا جمالية رائعة موزعة على أماكن تصوير أخاذة في الجبال النمسوية.

فهل يهم بعد ذلك ان يُعطى الفيلم سعفة لا تُنسى في نهاية الأمر أو لا يُعطاها؟ تيرنس مالك قدم شهادته عن الحياة والمجتمع والصمود والإيمان والحب والجمال... وهذا هو المهم. وبالتأكيد هذا ما سوف نعود إليه ولكن حين تنتهي دورة كان وينتهي صخبها.

 

الحياة اللندنية في

20.05.2019

 
 
 
 
 

(كلاكيت رابع مرة).. مصر مهيضة الجناح في (كان)!!

طارق الشناوي

للعام الثالث على التوالى، وزع مركز السينما العربية فى (كان)، والذى يترأسه الباحث السينمائى علاء كركوتى سورى الهوية مصرى الهوى، جوائز النقاد السنوية للأفلام العربية والتى كانت من بينها أفضل فيلم عربى (يوم الدين) وأفضل مخرجة نادين لبكى (كفر ناحوم)، وأفضل فيلم تسجيلى طويل (عن الآباء والأبناء)، كما منحوا جائزة مستحقة للناقد السينمائى اللبنانى إبراهيم العريس عن مشواره وإنجازه.

تجربة المركز العربى الذى انطلق نشاطه من مصر بدأب وإصرار من مجموعة تعشق الفن السابع، ترنو بلا حدود لأبعد سما، بينما تقيدها الميزانية المحدودة، إلا أنهم يتواجدون فى أغلب المهرجانات الكبرى بجناح دائم يتحملون التكلفة التى ترتفع عاما بعد عام، العديد من المهرجانات المصرية وجدت فى هذا الجناح فرصة لكى تعلن عن نفسها للعالم، ولكن السؤال: أين العلم المصرى على شاطئ الريفييرا؟.

أعلم أن هناك توجها عاما رسميا بالتقشف، وضرورة خفض المصروفات خاصة فيما يتعلق بالإنفاق الحكومى، ولكنى لا أجد سببا واحدا يحول دون إقامة هذا الجناح، وهو بالمناسبة لا يعنى مهرجان القاهرة السينمائى فقط، ولكن كل المهرجانات المصرية وكل الأنشطة السياحية أيضا، تواجده يلعب دورا محوريا فى وصول الرسالة للعالم بأن مصر بلد الأمان، ولهذا من الممكن أن تساهم فى إقامته أكثر من جهة، مثل وزارات الثقافة والسياحة والطيران، وأيضا غرفة صناعة السينما وغرفة السياحة ومهرجان القاهرة.. وغيرها. البعض يهمس قائلا: ربما يتحرجون من إقامة جناح فى رمضان، سوف يقدمون مثلا مشروبات روحية للضيوف الأجانب، حتى هذا السبب من الممكن التغلب عليه، أتذكر قبل 15 عاما عندما كانت غرفة صناعة السينما تقيم الجناح بمفردها، كانت تكتفى بناء على تعليمات منيب شافعى رئيس الغرفة بشراب شرعى مثل الخروب والدوم والعرقسوس، أما الحلويات فإنها حمصية وسمسمية وأيضا ثمار الدوم والخروب والحمص والسودانى وحب العزيز، وكان البعض يأتى ليتذوق يوميا هذه المشروبات.

عندما التقى عدد من السينمائيين الأجانب فى (كان)، يفرض الوضع فى مصر هذا السؤال عن الحالة الأمنية، وغالبا يصبح هذا هو التمهيد المنطقى للسؤال التالى: لو جاءته دعوة لحضور مهرجان مصرى هل يلبيها؟.

بالطبع تأتى إجابتى مرحبة ومطمئنة وهو ما يشاركنى فيه الزملاء، إلا أن الأمر يظل خاضعا للصدفة، لأننا للعام الرابع على التوالى افتقدنا وجود جناح يحمل اسم (المحروسة) مثل أغلب الدول التى لها صناعة سينمائية، لماذا لم تدرك أى جهة رسمية أو شعبية أهمية تواجد مقر خاص بنا لنرفع العلم المصرى مثل عشرات من الدول الأخرى.

على الجانب الآخر فى السوق السينمائية المصاحبة للمهرجان، تطالعك إسرائيل بجناح دائم، وهو أول الأجنحة التى أقيمت داخل قصر المهرجان، وهو تابع لمركز السينما الإسرائيلى، أراه منذ منذ مطلع التسعينيات ولكنه أقيم قبل هذا التاريخ، ومن خلاله تُقدم إسرائيل تعريفًا للعالم عن تاريخها السينمائى، وأيضا أفلامها الحديثة والقديمة، ناهيك عن أن شركات خاصة إسرائيلية تقيم أجنحة وترفع أيضا العلم.

إنه بالتأكيد قرار سياسى، حتى ولو كنا نتحدث عن تظاهرة ثقافية، وهو ما تنبهت إليه فلسطين وحرصت فى السنوات الأخيرة على إقامة جناح لها، فهم يعلمون أن النضال بالفن والثقافة هو أمضى الأسلحة، لأنهم يخاطبون الوجدان.

المهرجانات الكبرى مثل «كان» من الممكن أن تراها بمثابة منصات لإطلاق دعاية لأكثر الفنون جماهيرية، ومن ثم تأثيرا وهو الفن السابع.. فى المقابل، حدث ولا حرج رغم أنه لا أحد فى الحقيقة سيشعر بالحرج. وزارة السياحة كانت فى توقيت سابق تتكفل بمفردها بالنفقات، وتتصدر معالم مصر السياحية جنبات الجناح، والناس تأتى والرسالة تصل، ولا أتصور أن مشاركة العديد من الوزارات أمر يصعب تنفيذه، خاصة أنه توجد لجنة مهرجانات شكلها رئيس الوزراء برئاسة الوزيرة د. إيناس عبد الدايم ويشارك فيها أكثر من وزارة، أى أن توجُّه الدولة لأهمية إقامة المهرجانات فى مصر دفعها لإصدار هذا القرار الذى يؤكد أن المهرجان يتجاوز صلاحية وزارة واحدة ليصبح قرار دولة.

عندما كان الراحل سعد الدين وهبة يترأس المهرجان من «1985 حتى 1997» كان حريصا على أن تحتل مصر مكانا مميزا فى السوق، وهو ما نجح فيه أيضا حسين فهمى فى السنوات الأربع التى تولى فيها رئاسة المهرجان، وتتابعت الأجنحة المصرية بعد ذلك، وربما بدأ التعثر فى السنوات الثمانى الأخيرة، خاصة أنها شهدت إلغاء دورتى عامى 2011 و2013 من تاريخ المهرجان.

لدينا من الآن عام كامل لنرى العلم المصرى مرة أخرى يرفرف على شاطئ الريفييرا فى 2020، هل يسمعنا أحد؟!!.

 

المصري اليوم في

20.05.2019

 
 
 
 
 

جوائز السينما العربية وعلنية التصويت

د. أمل الجمل

منحازة أنا لإعلان نتائج التصويت، وضد التكتم والسرية. لذلك أضم صوتي للزملاء الذين تحدثوا في الكواليس عن ضرورة إعلان نتيجة اختيارات كل ناقد في كل مرحلة. كل اسم تُوضع أمامه اختياراته وترشيحاته. قطعا الأمر ليس سهلاً لكنه ليس مستحيلاً، بدليل أن مهرجانات أخرى حققته وقد خضت تلك التجربة العام الماضي في مهرجان كارلوفي فاري عندما شاركت في تحكيم جوائز الفيلم الأوروبي الجديد.

أتحدث عن علنية التصويت على جوائز النقاد التي يمنحها مركز السينما العربية والذي قامت شركة ماد سولوشنز بتأسيسه منذ خمس سنوات، بينما تمر الجوائز بدورتها الثالثة. فقد انطلقت جوائز النقاد السنوية في نسختها الأولى على هامش فعاليات الدورة الـ70 من مهرجان كان السينمائي، وتمنح الجوائز لأفضل إنجازات السينما العربية سنويا في فئات أفضل فيلم روائي ووثائقي ومخرج ومؤلف وممثلة وممثل.

أما المعايير التي اعتمدت عليها القائمة النهائية المرشحة للجوائز في دورتها الثالثة، فتضمنت أن تكون الأفلام قد عرضت، لأول مرة، في مهرجانات سينمائية دولية خارج العالم العربي خلال عام ٢٠١٨، وأن تكون إحدى جهات الإنتاج عربية، أيًا كانت نسبة مشاركتها بالفيلم ونسبتها، بالإضافة إلى أن تكون الأفلام طويلة، سواء الروائية أو الوثائقية.

هذا الانحياز للعلنية والشفافية ليس من منطلق التشكيك في نزاهة المركز أو شركة ماد سولوشنز، أو القائمين على الجائزة، فلو انعدمت الثقة ما كنت وافقت من البداية عندما اختاروني، وسألوني إن كنت أوافق على أن أشارك في عضوية التحكيم التي تتضمن ٧٥ ناقدًا وناقدة من ٣٤ دولة من جنسيات وثقافات متنوعة بينهم أجانب.

وفكرة إشراك أجانب في التحكيم خطوة تُحسب للمركز؛ لأنه وفق تفسير علاء كركوتي الشريك المؤسس- مع ماهر دياب- لماد سولوشنز، أن وجود نقاد أجانب كان ضرورة. لماذا؟ لأن «هناك نقادًا أجانب كثيرين لم يشاهدوا الأفلام العربية، وبعضهم شاهد قلة من الأفلام. بسبب هذه الجوائز أصبحوا يشاهدون سنويًا من 30 إلى 40 فيلمًا عربيًا. فلنتخيل تأثير ذلك على معرفتهم، على كتاباتهم، على ترشيحاتهم لمهرجانات وعروض أخرى.. ولذلك نقوم بتوزيع الجوائز في مهرجان كان السينمائي. هذه الجوائز تضع الأفلام العربية في بؤرة صناعة السينما الدولية».

مزايا للجوائز

شخصياً أؤيد كركوتي في اختياره ووجهة نظره هذه، فهو أسلوب ذكي لتوريط النقاد الأجانب وجذبهم للسينما العربية والاطلاع على جديدها وجيدها والشخصيات المؤثرة فيها وهو ما سوف ينعكس بشكل ما على الترويج لتلك السينما والانفتاح عليها.

مثلما أسعدتني المشاركة في تجربة التحكيم بغض النظر عن كون النتيجة النهايئة مُرضية لي أم لا، لأن هذا العام كانت هناك أفلام عديدة تستحق الجوائز والمنافسة كانت قوية، فمن خلالها شاهدت ما فاتني من الأفلام في المهرجانات الدولية، خلال عام ٢٠١٨، أيضًا أتاحت لي مشاهدة بعض الأفلام التي كنت أرغب في إعادة تأملها مرة ثانية، ومن ثم الكتابة عنها بتروٍ ودقة، وهو أمر ضروري للنقاد للتفاعل مع السينما في المنطقة العربية، حيث وفر مركز السينما العربية عددا كبيرا من روابط هذه الأفلام بالاتفاق مع موقع فيستيفال سكوب.

قراءة استطلاعية

أمر آخر يُضاف لما سبق أن وجود قائمة بالأفلام العربية المنتجة خلال العام وتأملها ومشاهده أغلبها في توقيت متقارب جدا يمنحنا فرصة لتكوين رأي ومعرفة دقيقة تستند لأسلوب علمي عن اتجاه الخط البياني لإنتاجات السينما العربية، ومستواها الفني والفكري، والهموم المسيطرة على صناع هذه الأفلام، وأكثر الدول التي شاركت في الإنتاج وملامح أخرى لمشوار تلك السينما على مدار عام. وربما يلعب ذلك دوراً في المستقبل في مسيرة السينما العربية هذا لو نجح مركز السينما العربية في الحفاظ على المسابقة، وربما تطويرها. لكن هذا الدور سيتوقف حجم تأثيره على الخطط المستقبلية.

أما عن أهمية إعلان النتائج وانحيازي للشفافية فلأنه بذلك الإعلان يُغلق باب الهجوم من قَبِل البعض؛ خصوصا أن مَنْ يمنح الجوائز شركة وظيفتها ترويج وتوزيع عدد كبير من أفلام السينما العربية، لها عدد من الأفلام بين المتنافسين.

والبعض كتب منتقدا ذلك بل محاولا تشويه الأمر والجوائز. لكن في ظل الشفافية سيُغلق الباب أمام تلك الأقاويل التي تتردد في الكواليس، وينفيها. لأن الشفافية خير رد على أي محاولات للتقليل من قيمة الجوائز. وقد طرحت من قبل هذا الأمر علي المحلل السينمائي علاء كركوتي في حوار معه فكان رأيه: «هي اختلاف استراتيجيات. هناك كثير من الجوائز لا تقوم بنشر التصويت. الأوسكار مثلا وجوائز النقاد في أمريكا والجولدن جلوب. لا نحبذ نشر التصويت على الأقل في هذه المرحلة والحفاظ على سرية التصويت».

تكريم النقاد والجوائز

شخصياً، ومع تقديري لشخص كركوتي، ما زلت منحازة لجعل الأمر خارج نطاق السرية، خصوصا أن هذا الإعلان لمراحل التصويت والنتائج يُمكن من خلاله قراءة أشياء أخرى متعلقة بالصناعة ذاتها.

ورغم أي تحفظات أعتبر هذه الجوائز مهمة على مستويات عديدة، من بينها محاولة تسليط الضوء على السينما العربية خارج حدودها العربية، كما أنها تورط عددا من نقاد السينما العالميين أو الأجانب في عالم السينما العربية، وتجعلهم على خط تماس معها. إضافة إلى ذلك فإن مركز السينما العربية- في ظل ثقافة التقليل من قيمة وأهمية النقاد- يحاول أن يكون ضد هذا التيار، فيؤكد على أهمية النقد من خلال تكريم بعض الرواد الذين أثروا على حياة هذه السينما، سواء من العرب أو من الخارج. وهذا العام تم منح الجائزة للناقد السينمائي اللبناني الكبير إبراهيم العريس الذي لا يُمكن إغفال تأثيره في مسيرة النقد السينمائي العربي، فحتى مَنْ يُهاجمونه أو ينتقدونه يستعينون بآراء سطرها بشأن الأفلام حينما يُعيدون النظر في التاريخ السينمائي للمخرجين. كذلك منح المركز جائزة للناقدة الأمريكية ديبوراه يانغ لمسيرتهما الثرية في النقد السينمائي في العالم العربي.

الشخصيات الأكثر تأثيرًا

بقي أمر أخير يتعلق بإصدار المركز ذاته قائمة الـ١٠١ شخصية الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية خلال عام؛ فقد وجدتني غير قادرة على تحديد معيار اختيار الشخصيات. صحيح يُحسب للمركز أن جمع بين الأجيال، فجعلها بجوار بعضها، ويحسب له تجاهل الظروف والمشاكل السياسية وإنصافه لشخصيات مغدور بها لمواقفها وآرائها خارج السينما.

لكن أيضًا- خصوصا في مجال التمثيل ومجال المنتجين- وقفت عاجزة عن إيجاد معيار ثابت يتم على أساسه اختيار الشخصيات الأكثر تأثيرا في تلك الصناعة، فهناك ممثلون يستحقون مكانتهم والتواجد في القائمة والاحتفاء بهم، لكن هناك غيابًا لآخرين، مثل ماجد كدواني، وخالد الصاوي مثلًا!

أما في الإنتاج، فمن الطبيعي جدًا أن تتواجد أسماء لها ثقل، مثل درة بوشُوشة، وحبيب عطية ومحمد حفظي، ويمكنني أن أتفهم وجود أجيال جديدة صاعدة لديها طموحات، لكن صدقًا لم أفهم لماذا تتواجد بعض الشخصيات، خصوصا أن الكلمة التعريفية الخاصة بتلك الشخصيات على موقع مركز السينما العربية لم تقنعني بمدى تأثيرها الذي جعلها تتفوق على آخرين.

مثلًا المنتج الشاب علي المرزوقي، فلماذا وعلى أي أساس تم اختياره؟ هذا سؤال استفهامي؟ لماذا مثلاً تم اعتباره أكثر تأثيرًا من رفيقيه هاني الشيباني وعامر سالمين، في شركة الإنتاج التي أسسوها معًا؟

أعرف أن الاثنين مخرجان، لكنهما أيضاً منتجان، وسالمين قادم أصلا للإخراج من عالم الإنتاج، فلماذا مثلاً اعتبروا المرزوقي مؤثرًا أكثر من رفيقيه الآخرين؟!

وبالمناسبة- وحتى لا يُساء الفهم- أنا أُقدر شخصية علي المرزوقي، فهو إنسان خلوق ومهذب، ورأيت بعيني خلال وجودي بمهرجان العين السينمائي كيف كان، من خلال دوره بالعلاقات العامة، يُساهم في تذليل العقبات أمام ضيوف المهرجان. لكن هذا لا يمنع أن التساؤل لا يزال قائمًا خصوصا أنني أعرف أن المحلل السينمائي علاء كركوتي يعتمد على متابعة دقيقة للواقع ودراسة السوق.. فهل يخبرنا بتلك المعايير التي تم على أساسها اختيار الشخصيات؟!

 

موقع "مصراوي" في

20.05.2019

 
 
 
 
 

مهرجان كان السينمائي... كلود لولوش يعيد بطلي "رجل وامرأة" الى واجهة السينما

"أجمل سنوات العمر" جاء تتمة لرائعته التي نالت السعفة الذهبية وجائزتي أوسكار

عثمان تزغارت

قبل نصف قرن، كان المخرج الفرنسي كلود لولوش سينمائياً شاباً يخطو خطواته الأولى المتعثرة على درب الفن السابع.

كان قد قدّم فيلماً أول عام 1960، مُني بفشل ذريع، جماهيرياً ونقدياً، حتى أن مجلة "دفاتر السينما" أعلنت وفاته سينمائياً، إذ كتبت قائلة "فيلم "خصوصية رجالية" من إخراج سينمائي مبتدئ اسمه كلود لولوش، تذكروا جيداً هذا الاسم، لأنكم لن تسمعوا به ثانية، فهو لن يقدّم أي فيلم آخر بعد الآن".

اكتأب المخرج الشاب، وانقطع عن السينما طوال خمس سنوات، وانتقل إلى محال الفيديو كليب الغنائي.

تمسك بالحلم

لكنه ظل متمسكاً بحلمه السينما، انزوى أشهراً عدة في قرية نائية بريف نورماندي، حيث عكف على كتابة سيناريو بعنوان "رجل وامرأة"، أُغرم النجم جان لوي ترانتينيان بفكرة الفيلم، وقرّر أداء بطولته، ما مكّن كلود لولوش من تصويره بميزانية إنتاجية متواضعة جداً، وألقى ترانتينيان بكل ثقله وشهرته لإقناع إدارة مهرجان كان السينمائي بإلحاق الفيلم بالبرنامج الرسمي للمهرجان، على الرغم من أن إنتاجه اكتمل في وقت متأخر جداً، ما أتاح له الفرصة لدخول مسابقة السعفة الذهبية في اللحظة الأخيرة، وإذا به يُحدث مفاجأة كبرى، إذ لم يكتفِ بخطف السعفة الذهبية في كان، بل فاز أيضاً بجائزتَيْ أوسكار (أفضل سيناريو وأفضل فيلم أجنبي)، وتحوّل سريعاً إلى واحد من كلاسيكيات الفن السابع، مساهماً في التأسيس لتيار سينمائي جديد، اشتهر لاحقاً باسم "الموجة الجديدة" الفرنسية.

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ السينما، قرّر كلود لولوش العودة إلى كان هذه السنة بتتمة للفيلم، صوّر من خلالها لقاء جديداً بين الشخصيتين المحوريتين لـ "رجل وامرأة" بعد مرور نصف قرن.

أجمل سنوات العمر

على الرغم من أن الفيلم عُرض بطلب من المخرج، في التشكيلة الرسمية لكن خارج المسابقة، إلا أنه شكّل محطة بارزة في هذه الدورة الـ 72 من مهرجان كان، إذ وقف الجمهور للتصفيق طويلاً لهذا الجزء الثاني من الفيلم الذي يحمل عنوان "أجمل سنوات العمر". واستقبل النقاد الذين طالما انتقدوا لولوش، حتى بعد الشهرة العالمية التي حققها، هذا العمل الجديد بحفاوة كبيرة، فيما تأسف كثيرون لكون المخرج تحفظ على دخول سباق السعفة الذهبية، مراهنين بأنه لو فعل لخطف السعفة ثانية بعد نصف قرن.

انطلق لولوش في فيمله الجديد هذا من مقولة فيكتور هوغو الشهيرة "أجمل سنوات العمر هي تلك التي لم نعشها بعد"، وقرّر أن يعيد إلى الشاشة مجدداً شخصيتي "آن غوتييه" و"جان لوي ديروك"، بطلَيْ فيلم "رجل وامرأة"، اللّذين بقيا ماثلَيْن في ذاكرة عشاق السينما بوصفهما رمزاً للحب المستحيل، وعلى الرغم من الشغف العاصف الذي جمع بينهما، إلا أن الخلافات سرعان ما وقعت بينهما، وأفضت إلى فراقهما.

وبعد مرور نصف قرن، نكتشف جان لوي دوروك، على مشارف الـ 80 في مصحة للمسنين، وقد بدأت تداهمه أعراض الـ"ألزهايمر"، إذ لم يعد يذكر من ماضيه سوى قصة الحب العاصفة التي جمعته بآن غوتييه.

الماضي والمستقبل

نزولاً عند نصائح الأطباء، يتصل ابنه أنطوان بآن لإخبارها بتدهور الصحة العقلية لجان لوي، وإقناعها بزيارته، لأن الأطباء يعتقدون أن ذلك من شأنه أن ينعش ذاكرته، وكان مشهد هذا اللقاء الجديد بين الحبيبَيْن (مشهد طويل من 19 دقيقة في فيلم مدته ساعة ونصف)، وقد أصبحا في أقبح سنين العمر، بعدما كانا في الفيلم الأول يتدفقان شباباً وحيوية، واحداً من اللحظات السحرية التي ستبقى ماثلة في ذاكرة السينما على مدى عقود، خصوصاً أن الحوار الذي دار بينهما لم ينصب فقط في استعادة ذكريات الماضي، بل استغله المخرج لإطلاق العنان لتأملات فلسفية مؤثرة حول الأسئلة الوجودية التي تشغل كل إنسان، كالحياة والموت، الخير والشر، الماضي والمستقبل...

صحافي @Tazaghart 

 

إندبيندينت عربية في

20.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004