كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

تحفة سينمائية من كوريا الجنوبية في مسابقة مهرجان كان

أمير العمري

كان السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

كوميديا سوداء ساخرة عن التناقضات الطبقية تنتهي بمأساة، والفيلم أنه لا يتبنى الطرح الساذج في تصوير العلاقة بين الأغنياء والفقراء بل يعري النظام الاجتماعي القائم ويدينه.

أفلام كثيرة جيدة شاهدناها في مسابقة الدورة الحالية من مهرجان كان السينمائي، منها ما ارتفع إلى عنان السماء ليحلق فوق السحب التي ظلت تهدد بإفساد العيد السينمائي الكبير مع سقوط الأمطار دون توقف لعدة أيام، ومنها ما لم يكن على مستوى التوقعات وخيب آمالنا. أما الفيلم القادم من كوريا الجنوبية لأهم مخرجيها، “بونغ يون هو” Bong Joon-ho فكان مفاجأة سارة لعشاق السينما حقا.

يتناول المخرج الكوري في أفلامه عادة مشكلة التفاوت الاجتماعي والطبقي في دولة يفترض أنها في مقدمة “النمور الآسيوية”، وهو في فيلمه الجديد “طفيل” Parasite، وهو عنوان يرمز لفكرة التسلق والتطفل والعيش على ما حققه غيرك، لكنه يتعلق  أيضا بالطبقة الطفيلية التي تجني الكثير من المال وتتمتع بحياة الرفاهية الكاملة، من دون جهد حقيقي.

للوهلة الأولى يذكرنا هذا الفيلم البديع بالفيلم الياباني الفائز  بـ”السعفة الذهبية” في مهرجان كان العام الماضي وهو “لصوص المتاجر”، الذي كان يقترب أيضا من منطقة مسكوت عنها في السينما اليابانية هي مشكلة الطبقات الفقيرة المعدمة، وكيف تتحايل من أجل الاستمرار في الحياة. إلا أن “طفيل” يفوق الفيلم الياباني بأسلوبه الذي يستغني عن الطابع الواقعي الجاف، ويستخدم السرد القصصي المؤثر المحمل بالكثير من الرموز والإشارات الساخرة المباشرة والمستترة. كذلك يستخدم بونغ يون هو في فيلمه بعض عناصر سينما ما بعد الحداثة، حينما يمزج بين أساليب عدة: الكوميديا والدراما العائلية وفيلم “الأكشن” وفيلم الرعب والعنف المغال فيه حد الكارتونية، تعلو فيه جرعة “السخرية السوداء” خاصة في نصفه الأول، ثم تتجه الكوميديا نحو الدراما الاجتماعية المؤلمة، لتكشف عن عالم خفي مليء بما يشبه الأساطير القادمة من جوف الماضي، ويتحول الأسلوب بالتالي من الكوميديا السوداء إلى أسلوب أفلام العنف وينتهي بمذبحة شكسبيرية دموية مدمرة تجعل الدماء تتجمد في العروق.

فيلم يختلف عن باقي الأفلام التي شاهدناها في صدقه وطرافته وجماله الشكلي وقوة موضوعه وأسلوب مخرجه في معالجة الموضوع بحيث يقربه من الجمهور العادي

البعض يفهم ما بعد الحداثة على أنها الأفلام التي لا يمكن فهمها، المعقدة المركبة في السرد، بينما ليس هذا حال الفيلم الكوري، ومن بين عناصر ما بعد الحداثة التي يمكننا رصدها فيه: أولا الطابع الشعبي الذي يبتعد به عن النخبوية ويجعله سهلا متاحا لأن يفهمه ويستوعبه ويستمتع به الجمهور العادي غير المثقف. وثانيا المزج الواضح بين الأساليب، واللعب على أفكار سادت أفلاما كثيرة ألفناها ونعرفها جيدا من تراث السينما في بلادنا وفي العالم، وثالثا: التلصص الجنسي الذي يتجسد في واحد من أهم المشاهد الكوميدية في الفيلم ولكن دون أن تطغى الكوميديا على الإيروتيكية الموجودة في صميم المشهد. ورابعا: يكاد “المؤلف” يغيب عن الفيلم، فهو لا يهتف بين المشاهد “أنا هنا.. موجود” فالأسلوبية مستترة، والانتقالات منطقية ومبررة، والممثلون يبدون كما لو كانوا هم من يدفعون الأحداث.

هذا فيلم يختلف عن باقي الأفلام التي شاهدناها في صدقه وطرافته وجماله الشكلي وقوة موضوعه وأسلوب مخرجه في معالجة الموضوع بحيث يقربه من الجمهور العادي فيصبح فيلما من الأفلام الشعبية التي يمكن للجمهور أن يتفاعل معها ببساطة، لكن من خلال هذه البساطة الظاهرية يوجد سيناريو محكم دقيق، مكتوب في توازن مذهل بين الشخصيات والأحداث، ينتقل بين الكوميدي والدرامي، يعرف كيف ومتى ينتقل من هنا إلى هناك.

بين عالمين

هناك أسرتان: الفقيرة والثرية، وعالمان يتحددان من خلال تفاصيل الصورة دون حاجة لكلام كثير، والانتقال بين العالمين صادم للغاية، فالفيلم يدخلنا إلى ما لا يمكننا تخيل وجوده من مظاهر فقر في مدينة سول عاصمة كوريا الجنوبية، خلافا للبطاقات البريدية السياحية الملونة الشائعة. نحن أولا أمام أسرة السيد “كي تايك” المكونة منه وزوجته وابنته وابنه الشابين. وهذه أسرة فقيرة معدمة تعيش في شقة حقيرة ضيقة قذرة في الطابق الأسفل تحت الأرضي.. يوما بعد يوم يقف أحد السكارى يتبول عند النافذة الوحيدة التي تطل منها الأسرة على حارة ضيقة كئيبة.

هذه الأسرة تعيش على الكفاف بعد أن عجز أفرادها عن العثور على عمل حقيقي، وقد تراكمت عليها الديون، وقد حصلت مؤخرا على عمل بسيط لا يفي بالاحتياجات الضرورية للحياة، هو تعليب شطائر “البيتزا” التي تُنقل للبيوت. تتمكن ابنة كي تايك الشابة البارعة من تزوير شهادة لها ولشقيقها من جامعة أُكسفورد. وبموجب هذه الشهادة يتمكن الابن من خداع أسرة رجل المال والأعمال السيد بارك، ليحصل على عمل لتدريس الإنكليزية لابنة الأسرة الشابة الوحيدة التي سرعان ما تقع في غرام الشاب الذي تطلق عليه أمها الطيبة القلب البريئة الساذجة “كيفن”.

رسالة في هجاء مجتمع الظلم الاجتماعي 

 ويستغل “كيفن” سذاجة “مدام بارك” ليقنعها بأن ابنها الطفل الصغير يعاني من بعض الاضطرابات التي تستوجب الاستعانة بمعلمة خاصة تفهم جيدا في التعامل مع الحالات النفسية المعقدة من هذا النوع، وينجح بالتالي في تقديم شقيقته باعتبارها هذه المعلمة المتخصصة الحاصلة على أعلى الشهادات من أكسفورد، غير أنه لا يذكر بالطبع أنها شقيقته.

لكن هناك أكثر من مشكلة تواجه كيفن وشقيقته: أولها سائق الأسرة الذي يتشكك في حقيقة المعلمة الشابة عندما يذهب بناء على طلب من مدام بارك لتوصيلها إلى منزلها المفترض ذات ليلة ممطرة، لكنها تفعل كل شيء حتى لا يكتشف حقيقتها وحقيقة حياتها المتدنية. تبتكر الفتاة حيلة لتدخل الشك في ذهن السيد بارك في سائقه المخلص فيتصور أن السائق يمارس الجنس في سيارة بارك الفاخرة، مع العاهرات، ليتم الاستغناء عن خدماته. ويقترح شقيقها الاتصال بإحدى الوكالات التي يعطي السيد بارك البطاقة المزورة الوهمية للوكالة، لكي يرسي الدور في نهاية الأمر على والده “كي تايك” الذي يبدأ العمل بالفعل في قيادة سيارة رب الأسرة الثرية.

على العكس من الشقة الضيقة القذرة المليئة بالحشرات، تقطن أسرة السيد بارك في قصر فخم مليء بكل وسائل الراحة والترف، له حديقة واسعة، ويحتوي على قاعة كبيرة للجلوس تطل على الحديقة، إلى جانب التمتع بكل ما لذ وطاب من المأكولات والأطعمة. والأهم بالطبع: شبكة “الواي فاي” السريعة التي ستفتن أسرة كي تايك في ما بعد، وهي الأسرة التي تكافح في “الملجأ” الذي تعيش فيه من أجل “التقاط الإشارة”!

التورط

لكن الطمع لا يتوقف. فالأسرة الفقيرة تخطط لانتقال العضو الرابع والأخير أي الأم للعمل في منزل أسرة بارك خاصة وأن مدبرة المنزل المخلصة العجوز التي قضت سنوات طويلة في خدمة الأسرة بإخلاص شديد، تبدأ أيضا في التشكك في حقيقة كيفن وشقيقته ووالدهما. تجتمع أسرة كي تايك في المساء تبحث أمر هذه الخادمة الذكية التي تختلف عن مدام بارك الساذجة. ويكون الحل هو أن تدخل الابنة الشابة في روع ربة المنزل أن الخادمة مصابة بمرض السل الرئوي (رغم الإقرار بأنه لم يعد له وجود من كوريا!)، وأنه من الخطورة بمكان تركها بالقرب من الطفل. وبالفعل تنجح الخطة ويتم الاستغناء عن الخادمة.

لقد اكتمل النصاب، وأصبح الأفراد الأربعة في أسرة كي تايك يحصلون على دخل شهري كبير، لكن الأمور لن تستمر على هذا النحو، فسوف تكشف الأيام مفاجآت لم تكن في الحسبان، وتلتوي الحبكة وتأخذنا من خيط إلى خيط آخر، ويصبح الفيلم أكثر قتامة وجدية ويكتسي بالطابع الدرامي، وتضيع الأخلاقيات، ويصبح كل شيء مباحا، لكن الدراما التي تنتج عن الصراع الرهيب من أجل القبض على المصائر ولو بانتهاك كل القيم، لا بد أن تنتهي إلى المأساة.

إدانة نظام

من بين فضائل هذا الفيلم أنه لا يتبنى الطرح الساذج في تصوير العلاقة بين الأغنياء والفقراء، فهو لا يتمسك بالفكرة التقليدية الشائعة التي تجعل الفقراء دائما أناسا طيبين يتمسكون بالأخلاق وقيم الشرف والنزاهة، عكس الأثرياء الذين لا بد أن يكونوا أشرارا ينهبون دون حساب ويدوسون على كل القيم. فالفيلم لا يهدف إلى إدانة طرف وتبرئة الطرف الآخر، بل تعرية النظام الاجتماعي القائم وإدانته.

الفقراء إذن ليسوا أنقياء دائما، والأغنياء ليسوا أشرارا دائما. فالمال يمكن أن يجعل المرء يبدو أيضا رقيقا ناعما وهو المعنى الذي تنقله زوجة الفقير عندما يمتدح رقة مدام بارك. إننا نرى كيف يتحايل الفقراء بالكذب والغش والتزوير والخديعة للحصول على ما ليس لهم ولكنه ربما يكون من حقهم، فغياب العدالة والتوازن هو الذي يدفعهم لسلوك هذا السبيل. ونرى كيف يتصف الأثرياء بطيبة القلب والرغبة في مساعدة من يخدمونهم والوقوف إلى جانبهم وكيف يعاملونهم بكل رقة ولطف.

لكن هناك فكرة رمزية واضحة تكشف أيضا عن استعلاء هذه الطبقة على غيرها من الطبقات الدنيا. هذه الفكرة تدور حول “الرائحة”. فالسيد “بارك” (لاحظ دلالة الاسم الساخرة)، يشكو لزوجته من أنه يشم رائحة قذرة تصدر عن سائقه “كي تايك” في السيارة.. ثم يشم رائحته مرة أخرى دون أن يعرف بوجوده عندما يختبئ كي تايك مع أفراد أسرته تحت فراش بارك وزوجته بعد أن يكونوا قد تسللوا جميعا للاستمتاع بالحياة الرغدة لعدة أيام في القصر الفسيح في غياب السيد بارك وأسرته الذين ذهبوا في عطلة على شاطئ البحر لكن عاصفة غير متوقعة ترغمهم على العودة فجأة.

في هذا الحوار يقول الرجل لزوجته إن هذه الرائحة تصدر عمن يبقون لمدة طويلة تحت الأرض، ثم يعمم أكثر فيقول إنها تصدر عادة عن الذين يستخدمون قطارات الأنفاق، أي المنتمين للطبقات الأدنى. هذا الشعور بالاستعلاء، والتأفف من “الأدنى” سيدفع ثمنهما السيد بارك طيب القلب في النهاية، ولكن الجميع سيدفعون الثمن أيضا.

ليس مسموحا لنا بكشف ما تكشفه لنا التواءات الحبكة الممتعة في الثلث الأخير من الفيلم حتى لا نفسد متعة المشاهدة. فالأفلام صُنعت أصلا لكي يشاهدها الجمهور لا لكي يكتفي بالقراءة عنها، وهدف الكتابة هو دفع القراء لمشاهدة الأفلام وليس العكس.

ينقل الفيلم رسالته في هجاء مجتمع الظلم الاجتماعي دون شعارات جوفاء وكلمات كبيرة، بل في سياق فني خلاب، يأسر القلوب، يجعل المشاهدين يستمتعون بالمقالب الطريفة، وبالمواقف التي لا يمكن توقعها، وبالحوار الساخر الذي يصل في أحد المشاهد إلى قيام زوجة كي تايك بالمحاكاة الساخرة لمذيعي الأخبار في تلفزيون كوريا الشمالية وكيف يشيدون في أسلوب خطابي بحكمة وتبصر وإرادة الزعيم- كيم إيل يونغ، بطل السلام الذي سيخلص العالم من السلاح النووي.. الخ!

هناك عناية كبيرة تصل حد الكمال في تصميم الديكورات خاصة ديكور قصر أسرة بارك، واختيار جيد ثم إدارة ممتازة لمجموعة الممثلين جميعا. وهناك استخدام مذهل للقدرات التقنية الحديثة للسينما كما تتجسد في المشاهد الهائلة للطوفان الذي يجتاح المدينة ويؤدي إلى طفح مياه الصرف الصحي التي ترتفع في الأحياء الفقيرة وتغرق البيوت والبشر، ومن بينها بيت أسرة كي تايك المسكينة التي تجد نفسها بين المشردين الذين أصبحوا بلا مأوى.

وفي الفيلم الكثير من الإشارات التي ترمز لأشياء مستقرة في الضمير الشعبي في كوريا، يمكن بالطبع أن يلتقطها ويفهمها الجمهور الكوري الذي سيشاهد الفيلم نهاية الشهر القادم بعد أن يصبح في دائرة التوزيع هناك.

هل يحصل “طفيل” على “السعفة الذهبية”؟ لا شيء مستبعدا بالطبع. بل هو في رأيي قد يكون “الأقرب” إلى الفوز بها، لكن منافسه القوي هو “ذات مرة في هوليوود” للساحر الكبير تارانتينو. لكن يجب أن ننتظر. فمن يدري!

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

####

قرطاج والأقصر السينمائيان يعلنان برنامجهما من كان

صابر بن عامر

مديرا مهرجاني قرطاج السينمائي والأقصر للسينما الأفريقية يعلنان من كان عن ملامح برنامج الدورتين الجديدتين اللتين ستتضمنان برمجة ثرية ومتنوعة كي تكون في مستوى الحدثين.

صنع الجناح التونسي الحدث على الساحل اللازوردي بمدينة كان الفرنسية، الأربعاء، وذلك باحتضانه ثلاثة مؤتمرات صحافية دفعة واحدة، وهي تباعا: أيام قرطاج السينمائية الـ30 والدورة الثانية لمهرجان السينما التونسية ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته التاسعة، وذلك على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ72.

كان (فرنسا)وسط حضور إعلامي كبير من الصحافة العربية والأفريقية والعالمية احتضن الجناح التونسي القار (عدد 105) بالساحل اللازوردي لمدينة كان الفرنسية، الأربعاء، مؤتمرا تونسيا- مصريا مشتركا حضره كل من المنتج التونسي نجيب عياد، مدير أيام قرطاج السينمائية، والمخرج التونسي مختار العجيمي، مدير مهرجان السينما التونسية، والسيناريست المصري سيد فؤاد مدير مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية. وذلك لتقديم ملامح عن برنامج الدورة الـ30 لمهرجان قرطاج السينمائي المزمع إقامته في الفترة الممتدة بين 26 أكتوبر وحتى 2 نوفمبر المقبلين، ومهرجان السينما التونسية في دورته الثانية والمرتقب تنظيمه بين 10 و15 يونيو القادم، ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته التاسعة والمزمع إقامته في الفترة الممتدة بين 13 مارس وحتى الـ19 منه من العام 2020 القادم، وذلك على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في نسخته الـ72 التي تنتهي السبت.

ندوة الوثائقيات

الأقصر للسينما الأفريقية يعلن "الدياسبورا الأفريقية" كمسابقة جديدة في دورته التاسعة ويكرم فريد شوقي في مئوية ميلاده

قال نجيب عياد، مدير أيام قرطاج السينمائية، للسنة الثالثة على التوالي، بعد ترحيبه بضيوف المؤتمر الصحافي إن المهرجان العربي الأفريقي الأكثر عراقة في المنطقة سيشهد في أكتوبر القادم نسخته الثلاثين، وهو الذي بات عمره اليوم 53 سنة -انطلق في العام 1966- كمنصة للتعريف بالسينما العربية والأفريقية، بمبادرة من مؤسسه “السينيفيل” التونسي الراحل الطاهر شريعة، والذي تحول مند العام 2015 إلى مهرجان سنوي (كان يعقد كل سنتين بالتناوب مع مهرجان أيام قرطاج المسرحية)، قد أعد هذا العام برمجة ثرية ومتنوعة سيتم الإعلان عنها بشكل نهائي في المؤتمر الصحافي المزمع انعقاده في التاسع من أكتوبر المقبل، وما هذا اللقاء إلا مذاقا أوليا قبل الإعلان الرسمي عن الخطوط العريضة للدورة الـ30.

وأشار عياد إلى أن المهرجان الذي ما انفك يتدعم رصيده الجماهيري عاما بعد عام، معلنا أن عدد الذين مروا السنة الماضية بشارع الحبيب بورقيبة (الشارع الرئيسي للعاصمة تونس والحاضن لفعاليات المهرجان) قد بلغ ما يقرب من المليونين مواكب، بحسب أرقام وزارة الداخلية التونسية، وهو ما يحمله وفريقه مسؤولية مضاعفة هذا العام كي تكون البرمجة في مستوى الحدث.

وعن جديد الدورة قال عياد “سنناقش هذا العام ضمن الندوة الكبرى للمهرجان ثيمة الوثائقيات: الحدود والآفاق، نتيجة ما بات يعرفه هذا النوع السينمائي في السنوات القليلة الماضية من طفرة نوعية وكمية، خاصة في محيطنا الإقليمي، إثر ثورات الربيع العربي، وما تقتضيه المرحلة من توثيق”.

كما أعلن أن المهرجان الذي تعود في كل عام على استضافة تجارب سينمائية عربية وأفريقية وآسيوية وأخرى من أميركا اللاتينية، سيحتفي في دورته الـ30 ضمن قسم “تحت المجهر” أو “عين على” بالسينما اللبنانية كنموذج للسينما العربية الواعدة والسينما النيجرية في الجانب الأفريقي والسينما اليابانية في نظرة ما لواحدة من التجارب الآسيوية الرائدة وأخيرا السينما الشيلية عن أميركا اللاتينية.

سينما المهجر

من جانبه قال المخرج السينمائي التونسي مختار العجيمي، مدير مهرجان السينما التونسية، إن النسخة الثانية من المهرجان التي تعنى بالسينما التونسية على وجه التحديد، وهي الشقيقة الصغرى لأيام قرطاج السينمائية، ستشهد هذا العام إضافة جوائز جديدة وهي التي تمنح جوائزها للمهن المنسية ذات العلاقة بالسينما كجائزة المونتاج وجائزة التصوير والصوت والموسيقى التصويرية وغيرها لتصل إلى حدود 22 جائزة بعد أن كانت السنة الماضية 17 جائزة، كما ستنفتح النسخة الثانية على أفلام المهجر، أي المخرجين التونسيين المقيمين خارج الديار وغيرهم، من خلال إسناد جائزتين لأفضل فيلم تونسي صور خارج البلاد وأفضل فيلم أجنبي صور بتونس.

وخص العجيمي “العرب” بقوله “موضوع الاحتفاء بالسينما التونسية ليس جديدا، بل كان في إطار ملتقى المخرجين الذي انطلق منذ قرابة الست سنوات مع تأسيس جمعية المخرجين، والتي تهتم بالأفلام التونسية التي تعرض في القاعات”.

نجيب عيادأيام قرطاج السينمائية ستحتفي في دورتها الـ30 بالسينما اللبنانية

وأضاف “أن هذه الملتقيات لم تعرف متابعة هامة، ولكنها جمعت بين المبدعين التونسيين في نقاشات وندوات فكرية”، وعملت الجمعية على تطوير الملتقى السنوي إلى دورة لإضفاء شحنة جديدة حتى يقبل عليها الجمهور، كما تهدف إلى تشجيع الفيلم التونسي بمخرجيه وتقنييه الذين لم يحالفهم الحظ في أيام قرطاج السينمائية، مؤكدا “وكأننا مكملون للأيام من خلال إنتاجنا الوطني مع الانفتاح على الدولي”.

ويرى مدير الدورة للسنة الثانية على التوالي أن دعم التقنيين والمخرجين يساهم بشكل أو بآخر في دفعهم نحو الإبداع أكثر وله أثر نفسي إيجابي، وهو ما لامسوه في الدورة التأسيسية، باعتبار أن أيام قرطاج السينمائية تدخل في إطار السينما العربية والأفريقية وليس التونسية فقط. وأضاف لـ”العرب”، “نود مع تعاقب السنوات أن يتحول إلى عنوان فارق في الخارطة الثقافية التونسية، وهو الذي نعتبره بمثابة الأوسكار أو السيزار التونسي”.

ومختار العجيمي مخرج ومنتج تونسي من مواليد سنة 1957 بمدينة المنستير متخرج من معهد الدراسات العليا للسينما بباريس الدفعة 33، أخرج وأنتج العديد من الأفلام القصيرة كـ”الدقازة”، “ليلة الحنة”، “ألف رقصة” و”رقصة شرقية” والفيلم الروائي الطويل “باب العرش” و”قصر الدهشة”.

يوم يوسف شاهين

عن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية قال السيناريست المصري سيد فؤاد رئيس المهرجان أن الدورة التاسعة من المهرجان ستقام في الفترة من 13 وإلى 19 مارس 2020، وستكون السينما الكينية ضيف شرف النسخة الجديدة، مضيفا “وذلك من خلال برنامج نظرة عن قرب للسينما الكينية الواعدة، حيث يكافح جيل من السينمائيين الشباب لتقديم أعمال سينمائية متميزة تعبر عن واقع بلادهم بصدق ووعي ودأب”.

وأكد فؤاد أن الدورة التاسعة سوف تحمل اسم الفنان المصري الراحل فريد شوقي بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده، “نظرا لعطائه المتميز والكبير كممثل ومنتج ومؤلف”.

وعلمت “العرب” من المخرجة عزة الحسيني مدير المهرجان أنه “طبقا لتقاليد المهرجان سيتم إهداء الدورة لأسماء الراحلين الممثل ستيجيه كواياتي من مالي، والسندريلا الأولى للسينما المصرية الممثلة والمغنية عقيلة راتب والمنتج أحمد بهاء الدين عطية من تونس”.

كما سيقيم المهرجان تحت شعار “الأقصر للسينما الأفريقية مهرجان على مدار العام” يوم يوسف شاهين في أفريقيا، وذلك بعرض أفلامه في معظم دول القارة الأفريقية في يوم ميلاده (25 يناير) في نفس التوقيت بجميع الدول المشاركة في الاحتفال، وكذلك تقديم ندوات ونشرات حول سينما شاهين وذلك بالتعاون مع شركة أفلام مصر العالمية.

كما سيقيم المهرجان هذا العام مسابقة إضافية هي “مسابقة أفلام الدياسبورا”، وذلك لعرض إبداعات الأفارقة خارج القارة الأفريقية بناء على توجيه الرئيس الشرفي للمهرجان الممثل محمود حميدة.

أيام قرطاج السينمائية تحتفي بالأعمال الوثائقي

وأكد السيناريست أحمد حلبة منسق عام المهرجان لـ”العرب” أن المخرج محمد قبلاوي رئيس مهرجان مالمو للفيلم العربي بالسويد قد أقر ليلة “الأقصر” في دورة مالمو التاسعة التي ستقام في أكتوبر 2019 للاحتفاء بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في السويد والتعريف به من خلال عروض الأفلام الفائزة في الدورة الثامنة، ومنها “دفن كوجو” من غانا “وليل خارجي” من مصر، وذلك من خلال ندوة “الأقصر الأفريقي ودعمه لصناعة السينما الأفريقية في شمال وجنوب القارة”، وكذلك عرض لفرقة طبول أفريقية ومعرض لملصقات ومطبوعات الأقصر.

كما شاركت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية إدارة مهرجان روما للسينما الأفريقية في مؤتمر صحافي مشترك بجناح السينما الإيطالية، حيث صرح المدير الفني أنطونيو فيلاميني عن استمرار التعاون بناء على البروتوكول الموقع بينهما في كان عام 2016، وعرض الفيلم المصري “هيبتا” في افتتاح الدورة الخامسة من روما الأفريقي خلال شهر يوليو المقبل.

ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية تقيمه مؤسسة شباب الفنانين المستقلين للدعم والتنمية بدعم وتعاون مع وزارات الثقافة والسياحة والشباب والخارجية المصرية ومحافظة الأقصر ونقابة المهن السينمائية.

كاتب تونسي

 

العرب اللندنية في

24.05.2019

 
 
 
 
 

تقديرات وتوقعات قبل الإعلان عن جوائز مهرجان كان

أمير العمري

من أفضل أفلام مسابقة مهرجان كان الفيلم الفرنسي "البؤساء" أول أفلام المخرج لادج لي (من أصل أفريقي) وهو عمل قوي متماسك.

تعلن مساء السبت جوائز الدورة الـ72 من مهرجان كان السينمائي، وهي دورة حفلت بالكثير من المفاجآت والأعمال الجديدة المثيرة، منها ما استطاع أن يشق لنفسه طريقا نحو المجد، ومنها ما هبط وقد يكون قد غادر سباق الجوائز مبكرا. لكن في جعبة لجان التحكيم التي تمنح الجوائز دائما الكثير من المفاجآت.

لم تكن ترشيحات النقاد وتوقعاتهم دائما مقياسا يعتدّ به لدى لجان التحكيم وهي بصدد منح الجوائز، فكثيرا ما جاءت نتائج مسابقة مهرجان كان وغيره، مغايرة تماما لتوقعات نقاد السينما، بل وأحيانا ما تكون أيضا صادمة.

تصدر كل يوم، طوال فترة انعقاد المهرجان، مجلة “الفيلم الفرنسي” (لو فيلم فرانسيه) تستطلع يوميا آراء النقاد الفرنسيين، وتنشر ترشيحاتهم من واقع عدد النجوم التي يمنحونها لكل فيلم من الأفلام المتنافسة. وحسب المجلة فإن الفيلم الحاصل على أكبر عدد من الترشيحات هو “ألم ومجد” للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، رغم أنه بالتأكيد ليس أفضل أفلام مخرجه، ومنها ما يفوقه كثيرا في مستواه وسبق أن شارك في مسابقة مهرجان كان مثل “فولفر” (العودة) – 2006، الذي فاز بجائزتيْ أفضل سيناريو وأفضل ممثلة، لكنه لم ينل “السعفة الذهبية”. وقد يكون الحماس الفرنسي لفيلم المودوفار الجديد رغبة في منحه الجائزة المرموقة التي لم ينلها قط، تتويجا لمسيرته السينمائية الطويلة.

الفيلم التالي مباشرة في ترشيحات نقاد “الفيلم الفرنسي” هو “طفيلي” Parasite للمخرج بونغ يون هو من كوريا الجنوبية. وهو في رأيي الشخصي أفضل الأفلام التي عرضت بالمسابقة الرسمية وأجدرها بالفوز بالجائزة الكبرى، لا ينافسه عليها بشكل حقيقي سوى “ذات مرة في هوليوود” لكونتين تارانتينو، وهو عمل شديد السحر والرونق والجمال الفني، فيه الكثير من المتعة في السرد وفي الأداء التمثيلي والخيال السينمائي المدهش. وفيه يمزج تارانتينو الحقيقة بالخيال، ويبتكر شخصيات وأحداث كثيرة يتلاعب بها، وبالجمهور، بل وأساسا، بالسياق السردي ولغة الفيلم، لكي يخلق عملا خلاقا غير مسبوق في طرافته أعتبره احتفالا بسحر السينما القديم. ويستحق الفيلم أن نخصص له مقالا مستقلا.

والحقيقة أن فيلم تارانتينو يبدو أقرب من غيره إلى “السعفة الذهبية”، بعد كل ما أحاط بعرضه في كان من إثارة وترقب واهتمام إعلامي كبير، وبعد أن واصل تارانتينو الليل بالنهار وانكب على العمل في مونتاج الفيلم (الذي صوره بكاميرا 35 مم وليس بكاميرا رقمية) حتى يمكنه اللحاق بمسابقة المهرجان بعد أن كان الأمل قد تضاءل في مشاركته، لكنه جاء وجاء معه جميع أبطال الفيلم من مشاهير نجوم هوليوود: براد بيت وليوناردو دي كابريو ومارغوت روبي. وعرض الفيلم في الحادي والعشرين من مايو، أي بعد مرور 25 عاما بالضبط على عرض فيلم تارانتينو “خيال رخيص”Pulp Fiction الذي نال “السعفة الذهبية” عام 1994، وكان سببا في شهرة مخرجه الذي لم يدرس السينما، بل تعلمها من خلال مشاهدة الأفلام.

أتوقع شخصيا أن يحصل “ذات مرة في هوليوود” على “السعفة الذهبية”، ويحصل الفيلم الكوري البديع على “الجائزة الكبرى” التي تمنحها لجنة التحكيم وتأتي في المرتبة التالية مباشرة للسعفة الذهبية، وربما يحدث العكس بالضبط، وقد ينال فيلم ألمودوفار جائزة أحسن إخراج أو سيناريو (إن استعصت عليه السعفة الذهبية بالطبع)، كما يمكن أن تمنح اللجنة جائزة أفضل ممثل إلى أنطونيو بانديراس الذي يقوم بشخصية مخرج سينمائي بلغ الستين من عمره، ويعاني من بعض المشاكل النفسية والمرضية ويسترجع مسار حياته وكيف بدأت علاقته بالفن. أما جائزة أفضل ممثلة فتستحقها عن جدارة ديبي هونيوود بطلة فيلم كن لوتش “عفوا. لم نجدك” الذي ربما يحدث مفاجأة ويحصل أيضا على جائزة أفضل إخراج.

حياة خفية

سبق أن حصل المخرج الأميركي تيرنس ماليك على “السعفة الذهبية” عن فيلمه الرائع “شجرة الحياة” (2011). وقد عاد إلى مسابقة كان بفيلم “حياة خفية” Hidden Life وهو فيلم كان يمكن أن يكون واقعيا تماما عن رجل نمساوي يرفض المشاركة في الجيش النازي لاعتقاده أنه بذلك سيصبح مشاركا في عمل يتعارض مع أخلاقياته ومثله العليا، وليس نتيجة موقف سياسي، لكن ماليك يجعل فيلمه أنشودة بصرية شاعرية عذبة تفيض بالحس الديني، عن العذاب الذي يعتبر مرادفا للتضحية من أجل أن تنتصر الفكرة الإنسانية. إنه دون شك، أكثر أفلام مخرجه تعبيرا عن مشاعره الدينية المسيحية. وهو في ذلك ينطلق من مقولة منسوبة للمسيح هي “ماذا يفيد المرء إن ربح العالم كله وخسر نفسه”.

من أفضل أفلام المسابقة بعد ذلك الفيلم الفرنسي “البؤساء” أول أفلام المخرج لادج لي (من أصل أفريقي) وهو عمل قوي متماسك يتناول مشكلة سكان الأحياء الهامشية من المهاجرين الأفارقة وأبنائهم، وعلاقتهم المتوترة مع الشرطة الفرنسية وعنصريتها المعروفة. ويجمع الفيلم بين البعدين الاجتماعي والبوليسي، ويدور في سياق مشوق. ويعتبر هو الأفضل بين الأفلام الفرنسية الأربعة في المسابقة.

أما أقلها شأنا فهو فيلم “أطلانطيون” Atlantiques أول أعمال المخرجة الفرنسية ماتي ديوب (من أصل سنغالي)، وتصور فيه حكاية يختلط فيها الواقع بالخيال، من منظور نسائي، تتركز على علاقة حب بين فتاة سنغالية وشاب يتركها ويسافر في قارب من قوارب اللاجئين إلى إسبانيا، لكننا لا نعرف ما إّذا كان قد وصل أم أن القارب غرق، أم عاد أدراجه إلى داكار. لكن المعالجة تتفرع لتدخلنا في موضوع آخر يتعلق باستغلال الشركات الأجنبية للعمال والتقاعس عن دفع رواتبهم، وكيف تلجأ مجموعة النساء إلى الانتقام من صاحب الشركة المستغلة، وتهديده بالويل والثبور ما لم يدفع كل ما عليه من ديون لأسر العمال. لكن النساء وهن غالبا، زوجات وخطيبات العمال الذي فروا للخارج وربما لقوا حتفهم غرقا، تظهرن على هيئة أشباح كأنما هن أيضا غرقن تحت الماء وعدن للمطالبة بالحق الضائع والانتقام. كل هذا في سياق أسلوب مضطرب مشوش وصورة غير واضحة ومساحة خانقة تعيق اكتشاف المكان، ومستوى تمثيلي ضعيف ومونتاج مفكك.

ضغوط الحملات الموجهة

مع ذلك لن أُدهش شخصيا إذا ما حصل هذا الفيلم على إحدى الجوائز، بعد أن أصبحت حملة “مي تو” (أو “أنا أيضا”) النسائية الغاضبة، تطالب بالمساواة سواء في عدد الأفلام التي تقبلها المهرجانات في برامجها، أو في تقاسم الجوائز وإلا اُعتُبرت المهرجانات “ذكورية متعصبة” ومنحازة ضد المرأة، وهو ما يهدد، ليس فقط بإفساد عالم السينما، بل وإفساد مجالات عديدة في حياتنا على الصعيد الثقافي بوجه خاص، فالرغبة في التظاهر بالليبرالية لا بد أن يؤدي إلى الإعلاء من شأن الركاكة. وهي محنة تواجه مهرجان كان وغيره من التظاهرات السينمائية العالمية حاليا.

لا أتوقع جائزة ما لفيلم البلجيكيين الأخوين جان بيير ولوك داردان “أحمد الصغير” Le Jeune Ahmed على الرغم من أهمية الموضوع الذي يتناوله وهو كيف يحدث التغير في عقول المراهقين من أبناء المهاجرين المسلمين في أوروبا، ويجعلهم يتجهون ناحية التطرف الديني. هنا نحن أمام صبيّ في الخامسة عشرة من عمره، يصبح فريسة لما يغرسه في ذهنه شيخ المسجد المتطرّف الذي يحرضه ضد الآخرين من غير المسلمين، فيرفض الفتى في البداية مصافحة معلمته، بل ويعتبر والدته منحرفة عن الدين القويم لأنها لا تغطي شعرها وتشرب الخمر، كما يتهم معلمته (المسلمة) بالانحراف بسبب ارتباطها بشاب يهودي، ويرفض فكرتها في تعليم اللغة العربية من مصادر غير القرآن الكريم، ويندفع في تطرّفه إلى درجة محاولة قتلها.

أفلام الأخوين داردان عادة من النوع الذي يطلق عليه “المنياتير” miniature (أي الأفلام الصغيرة التي تركز على موضوع محدود أو شخصية واحدة تتابعها). كما تبتعد أفلامهما عن التحليل النفسي وتتعامل ببرود الواقعية الصارمة مع الشخصية وسلوكها. وقد سبق لهما أن فازا مرتين بالسعفة الذهبية لأن هناك من يغرمون بهذا النوع من الأفلام التي لا يحدث فيها الكثير. وينتهي “أحمد الصغير” نهاية تقلل كثيرا من قيمة الفيلم وكأنما بدأ الأخوان داردان موضوعا لكنهما عجزا عن إنهائه فقررا التوقف دون أن نعرف ماذا حدث لهذا الفتى الذي يرفض الامتثال للحقائق، ويغمض عينيه عن الواقع ويعيش في وهم النقاء والاستعلاء الديني، بينما هو يعرف جيدا أن “مرشده الروحي” نصاب وكاذب، لكنه يبرر ذلك بكونه يدافع عن وجود المسجد ووجود الإسلام في بلجيكا!

الفيلم البرازيلي “باكوراو” الذي اشترك في إخراجه خوليانو دورنيلس وكليبر ميندوسا، يدور في عالم المستقبل القريب (بعد 5 سنوات من الآن) ويروي قصة رمزية عن توحش الاحتكارات الغربية ورغبتها في السيطرة الكاملة على مصادر الثروة في دول العالم الثالث ولو عن طريق إبادة السكان الأصليين. لكنه يبدأ بأسلوب الفيلم التسجيلي ليتحول تدريجيا إلى أسلوب فيلم الأكشن والرعب، وينتهي بمذبحة مروعة. والفيلم يقول إنه يتعيّن على الشعوب المستضعفة أن تستعد لمواجهة الشركات الاحتكارية الغربية ولو بالسلاح.

فيلم الصافرون

لم أستطع التفاعل جيدا مع الفيلم الروماني “الصافرون” The Whistlers رغم أنه من إخراج المخرج الموهوب كورنيللو برومبيو فهو عمل بوليسي مثير عن عصابة تهريب مخدرات تلجأ إلى جزيرة في المحيط الهادئ لكي تتعلم لغة جديدة عن طريق الصفير بغرض الهرب من كاميرات المراقبة وغيرها من الوسائل الحديثة، والهدف هو الاستيلاء 30 مليون يورو نكتشف في النهاية أنها مخبأة داخل حاشيتن. يخترق العصابة ضابط شرطة لكنه يصبح عميلا مزدوجا، ويحاول الحصول على المال لنفسه، تروضه فاتنة حسناء لا تقل سحرا عن مونيكا بيللوتشي هي “كاترينيا مارلون” (لعلها الاكتشاف الأكبر في هذا الفيلم). وتلتوي الحبكة وتتفرع ويتصارع الكثير من الشخصيات، ويسود كثير من العنف، لكن الخاسر الأول في اعتقادي هو المخرج ثم جمهور الفيلم نفسه.

يدور فيلم “جو الصغير” أول أفلام النمساوية الناطقة بالإنكليزية (من إنتاج بي.بي.سي) في المستقبل القريب أيضا، لكنه لم يترك أثرا كبيرا، وفشل بسبب برود حبكته وعدم تطورها بعد مرور أكثر من ساعة من عرض الفيلم، إلى جانب اعتماده على فرضيات غير مقنعة، وافتقاده للحظات المرح وجمود مناظره الداخلية وكثرة الحوار والمصطلحات العلمية التي يصعب على الجمهور استيعابها. و“جو الصغير” هو الاسم الذي يطلقونه على نبات مستحدث باستخدام علم الهندسة الوراثية، سرعن ما يسيطر على كل من يقتربون أو يحتكون به، يتلبسهم ويسبب لهم أضرارا لا قبل لهم بها. وكأن الفيلم يحذر من خطورة التقدم العلمي الذي لا يحظى بدراسات كافية.

جاء فيلم “ماتياس وماكسيم” للكندي زافيير دولان، مخيبا للآمال بسبب اعتماده على الثرثرة التي لا تتوقف دون أن يتمكن من تطوير موضوعه أو الاقتراب كما كان ينبغي من شخوصه المعذبة. أما فيلم إيليا سليمان “لا بد أن تكون هي الجنة” ففيه يسير المخرج الفلسطيني على دربه القديم في أفلامه السابقة منذ “سجل اختفاء”، ولكنه لا يصل قط إلى الذروة التي بلغها في “الزمن الباقي” قبل عشر سنوات. ولنا وقفة مع هذا الفيلم تفصيلا بعد إعلان الجوائز مساء السبت، فبعدها يصبح لكل حادث حديث.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

####

المخرج إيليا سليمان يطارد الأجوبة مسكونا بهويته الفلسطينية

كان (فرنسا)

سليمان يخوض المنافسة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية مع أحدث أفلامه "لا بد أن تكون الجنة".

يضع المخرج الفلسطيني إيليا سليمان في فيلمه “لا بد أن تكون الجنة”، الذي عرض الجمعة ضمن فعاليات الدورة الـ72 من مهرجان كان، الهوية الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي تحت المجهر، وسط أجواء يغلب عليها الصمت والاستعارات الشعرية.

ويخوض سليمان مجددا المنافسة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية مع أحدث أفلامه “لا بد أن تكون الجنة”، وهو قصة ملحمية مطعّمة بالفكاهة يسعى من خلالها إلى استكشاف قضايا الهوية والجنسية والمنفى.

ولد سليمان (58 عاما) في الناصرة، أكبر مدينة عربية في إسرائيل، وحصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان عام 2002 عن فيلم “يد إلهية”.

وينحدر سليمان من فلسطينيين بقوا في أرضهم بينما فرّ مئات الآلاف أو طردوا من منازلهم بسبب القتال الذي رافق قيام دولة إسرائيل عام 1948.

في فيلمه يصوّر المخرج الفلسطيني العصامي التكوين، حيث علّم نفسه بنفسه، مجتمعا فلسطينيا ينهار تحت الاحتلال، وينجر نحو العبث. ويخيّم عليه شعور دائم بوجود عنف كامن قابل للانفجار، لكن دون إظهار ذلك بشكل واضح.

ويشكل العرب الإسرائيليون نحو 17.5 بالمئة من سكان إسرائيل، لكنهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، ومعظم أقاربهم يسكنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل منذ عام 1967. وفي مقابلة له مع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عام 2002، قال سليمان إن “هناك أنواعا مختلفة من الاحتلال”، مضيفا “أنا محتل بطريقة مختلفة عن الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

ومكنّه فيلمه الروائي الثاني “يد إلهية” من أن يكون أول فلسطيني ينافس في مهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية.

وتتمحور قصة هذا الفيلم الرومانسية حول رجل فلسطيني من القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل عام 1967 وامرأة من مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، المدينتين اللتين حال بينهما حاجز عسكري إسرائيلي، ما يجبرهما على الالتقاء في موقف للسيارات قريب.

أفلام إيليا سليمان قائمة على الرواية التأملية ومبنية على مشاهد صامتة مع حوار متفرق صمم بمهارة وخيال جامح

وقال سليمان “أن تكون فلسطينيا فهذا تحدّ في حد ذاته”. وتابع “يجب أن تخرج عن هذا الخطاب القائم عن فلسطين، وأن تصنع فيلما له بعد عالمي”.

وأفلام إيليا سليمان قائمة على الرواية التأملية، ومبنية على مشاهد صامتة مع حوار متفرق صمم بمهارة يرافقها خيال جامح.

وقال المخرج أيضا “لقد وصلت في وقت لم تكن قبله أفلام كثيرة تعاملت مع مسألة فلسطين، وقد وضعت مسألة فلسطين مع فكاهة بخط عريض”.

ووجهت انتقادات كثيرة لسليمان في بداية حياته المهنية، وكان هدفا لفتوى مصرية تبيح دمه بعد أول فيلم روائي طويل له.

ويصف المخرج نفسه بأنه “مسالم وغير عنيف”. ويقول إنه مع مرور الوقت تحوّل من “متعاون” إلى “بطل” في عيون جزء من جمهوره، لكن كلا التصنيفين لا يعجبانه.

وبدأ سليمان المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، ينتج الأفلام في نيويورك حيث عاش بين العامين 1981 و1993.

وكان أول فيلمين قصيرين له “مقدمة لنهاية جدال” الذي ينتقد طريقة تقديم العرب في أفلام هوليوود وفي وسائل الإعلام، وفيلم “تكريم بالقتل” الذي يستحضر إحدى ليالي نيويورك خلال حرب الخليج.

وعاش المخرج إيليا سليمان لفترة من الوقت في القدس التي ظهرت مع الناصرة في أول فيلم روائي طويل له حمل عنوان “سجل اختفاء” وأنتج عام 1996.

وعلى غرار كل أفلام سليمان، كان معظم الممثلين في العمل غير محترفين بمن فيهم والداه. وحاز الفيلم جائزة “لويجي دي لورينتيس” عن أفضل فيلم في مهرجان البندقية السينمائي.

وبعد نجاح “يد إلهية” في كان، أنجز سليمان فيلمه الروائي الثالث “الزمن الباقي” عام 2009. واستوحى إيليا قصة الأسرة الفلسطينية في الفيلم من كتابات والده الناشط الفلسطيني، ورسائل والدته إلى الأقارب الذين استقروا في المنفى بعد قيام دولة إسرائيل.

ونافس الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورة عام 2009، وفاز بعدة جوائز في العام نفسه في مهرجاني أبوظبي السينمائي ومار ديل بلاتا في الأرجنتين.

وفي جعبة سليمان مجموعة أخرى من الأفلام القصيرة التي أخرجها، ومن بينها فيلم “الحلم العربي” الذي يشكك في الحياة في المنفى.

في فيلم “لا بدّ أن تكون الجنة”، يتفحص سليمان مرة أخرى وجوده، وكأنه يطارد الأجوبة مسكونا بهويته الفلسطينية.

 

العرب اللندنية في

25.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004