كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

آلان ديلون.. أسطورة السينما الفرنسية والنجم الحداثي

أمير العمري

كان السينمائي الدولي

الدورة الثانية والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

مهرجان كان يمنح النجم الفرنسي "السعفة الذهبية" تقديرا لمساهمته الكبيرة خلال 60 عاماً من السينما.

يحتفي مهرجان كان السينمائي في دورته الـ72 المقامة حاليا بالممثل والنجم الفرنسي المرموق آلان ديلون الذي يمكن القول إنه شارك مع جان بول بلموندو وجان لوي ترانتنيان، في منح السينما الفرنسية طابعها الحديث، وارتبط أكثر من غيره بالعمل مع عمالقة الإخراج السينمائي أمثال فيسكونتي وغودار ولوزي وميلفيل وكليمو وغيرهم.

مهرجان كان سيمنح ديلون “السعفة الذهبية” في احتفالية خاصة تقام الأحد، يحضرها النجم الكبير (83 عاما) تقديرا لمساهمته الكبيرة في سينما العالم حسبما جاء في نص البيان الذي أصدره المهرجان. وكان المهرجان قد منح من قبل نفس هذه الجائزة التقديرية لكل من جين مورو ووودي ألين وجان بول بلموندو وكلينت ايستوود وبرناردو برتولوتشي وجين فوندا وأنييس فاردا وجان بيير ليو ومانويل دي أوليفيرا.

قام ديلون ببطولة أكثر من 80 فيلما بالاشتراك مع عدد من مشاهير الممثلين مثل جان غابان وإيف مونتان ورومي شنايدر ولينو فينتورا وجيان ماريا فولونتي وجان بول بلموندو وانغريد برغمان وكاترين دينيف وعمر الشريف وأنطوني كوين وجورج سيغال.

منذ بداية الستينات بدأ نجم آلان ديلون يلمع بعد النجاح الكبير الذي حققه في الدور الرئيسي في فيلم “ظهيرة قرمزية” Purple Noon (1960) الذي أخرجه رينيه كليمو، وكان مقتبسا عن رواية “مستر ريبلي الموهوب” للكاتبة الأميركية باتريشيا هايسميث، وقام فيه ديلون بدور “توم” وهو مجرم ضليع في الإجرام، بارع في تنفيذ جرائمه بحيث لا يمكن الإمساك به، يتم تكليفه من قبل أحد الأثرياء في سان فرانسيسكو بالذهاب إلى روما لكي يقنع “فيليب” الابن الشاب للرجل الثري بالعودة إلى أميركا. لكن الابن لا يستجيب، وبمرور الوقت يجد “توم” نفسه متقمصا شخصية فيليب، بل وينافسه أيضا على حب حبيبته “مارج”، ويستخدم كلاهما مارج كوسيلة لمضايقة بعضهما البعض.

المحارب الياباني

دور المجرم الوسيم الغامض، الذي يتميز بالبرود والثقة، الذي يفتقد للدوافع الأخلاقية ويخفي غير ما يظهر، ويستخدم مظهره البريء في الإيقاع بضحاياه دون رحمة أو شفقة، هو الدور الذي سيبرع في أدائه آلان ديلون في ما بعد في أفلام أصبحت الآن من كلاسيكيات السينما الفرنسية. أول هذه الأفلام هو فيلم “الساموراي” (1967) للمخرج جان بيير ميلفيل الذي يعتبر الأب الروحي لحركة “الموجة الجديدة” الفرنسية. ورغم أن ميلفيل يبدو شديد التأثر بالفيلم الأميركي الهوليوودي البوليسي المشوق الذي أطلق عليه نقاد فرنسا “الفيلم-نوار”، إلا أنه تمكن من خلق أسلوبه الخاص، الذي يتميز بالطابع الفرنسي، ويضفي رونقا خاصا وغموضا على الأماكن الباريسية بوجه خاص.

الوسامة مع التمرد الوجودي ورفض المؤسسة

في “الساموراي” يقوم ديلون بدور “جيف”؛ القاتل المحترف البارد الذي يقتل دون تردد مقابل المال، وهو يعيش وحيدا، يرتبط بفتاة تقيم في شقة استأجرها لها عشيقها الثري، لكن “جيف” يستخدمها عند اللزوم للتستر عليه، فهي تشهد لصالحه بعد أن يقتل رجلا في ناد ليلي. وهو يتمكن من الإفلات من الشرطة، لكنه يرتكب الخطأ أو الخطيئة الكبرى التي ستؤدي إلى نهايته التراجيدية، عندما تربكه فتاة سمراء شاهدت الجريمة في النادي الليلي، وبدلا من أن يقتلها، ينجذب إليها ويحاول التواصل معها.

سيناريو الفيلم مصاغ في سياق دائري كحلقة جهنمية، من الشر والعنف والتشكك وانعدام الثقة. والبطل أو نقيض البطل “جيف” الذي لا يثق في أحد، يبدو مدفوعا الى مصيره بعد أن يتورط في “الثقة” خلافا لما اعتاد عليه. وأداء آلان ديلون للدور جعله يصبح نجما شعبيا في العالم وبوجه خاص في اليابان حيث أطلقوا عليه “ساموراي الربيع” ووضعوا صورته على ملصق الفيلم بحيث يبدو كما لو كان محاربا يابانيا من الزمن السحيق.

في الدائرة الحمراء

نجاح ديلون في “الساموراي” امتد إلى فيلم بيير ميلفيل التالي “الدائرة الحمراء” (1970) مع إيف مونتان وجيان ماريا فولونتي. وفيه يقوم ديلون بدور مماثل لدوره في “الساموراي”. هو “كوري” الذي يغادر السجن لحسن سلوكه، لكي يبدأ من اللحظة الأولى الانتقام ممن كان السبب في سجنه لخمس سنوات، أي زعيم العصابة التي كان يعمل لحسابها، وسرعان ما يصبح هدفا للعصابة، ثم يرتبط مصادفة بمجرم هارب من الشرطة، يعرفه على ضابط شرطة سابق مدمن خمر، يقودهما للسطو على أكبر محل للمجوهرات في باريس وسرقة كل محتوياته.

 ديلون يظهر في نفس المظهر البارد، الواثق، الذي يعتزم المضي قدما في مغامرته حتى النهاية الدموية.. إنه يعيش أيضا بمفرده، يرتدي نفس معطف المطر الذي كان يرتديه في “الساموراي”، وقبعة مماثلة يضعها على رأسه بطريقة معينة ثم ينزعها ويعلقها فوق المشجب كلما دلف إلى شقته الصغيرة.. يشد حزام المعطف حول وسطه، ويضع يديه في جيوبه، ويرتدي النظارات السوداء، ويسير واثقا من نفسه، متشككا في كل من حوله. وكما يصبح هدفا للعصابة التي تريد التخلص منه، يصبح أيضا هدفا للشرطة.

ورغم النجاح الكبير الذي حققه ديلون في أفلام الجريمة التي جاءت بنكهة جديدة شديدة الجمال في السينما الفرنسية واكتست بطابع أوروبي خاصة في الأفلام التي أنتجت بالاشتراك مع السينما الإيطالية (مع لينو فينتورا) إلا أن آلان ديلون صنع شهرته الحقيقية في عالم سينما الفن من خلال الأفلام التي قام ببطولتها مع كبار السينمائيين.

طبع ديلون السينما الفرنسية بطابعها الحداثي

 وكان أول هذه الأفلام فيلم “روكو وإخوته” (1960) للمخرج الإيطالي الكبير لوتشينو فيسكونتي. وفيه يقوم بدور “روكو” الذي يتعرض لأشد الظروف قسوة من أجل مساعدة أسرته المكونة أساسا من أشقائه الأربعة، الذين هاجروا من الجنوب الفقير إلى ميلانو الصناعية الغنية حيث أصبحوا يواجهون الكثير من المتاعب. روكو يضطر لرهن جسده للملاكمة التي لا يحبها من أجل تدبير المال اللازم لإنقاذ أسرته. وقد لفت دور روكو الأنظار إلى قدرة ديلون على أداء الأدوار الواقعية المركبة.

تعاون ديلون مع فيسكونتي امتد إلى التحفة الكبرى “الفهد” (1963) ولكن ليس في الدور الرئيسي، فهذا الدور ذهب إلى بيرت لانكستر الذي يؤدي شخصية الأمير الصقلي دون فابريزو، الأرستقراطي الإقطاعي الذي يدرك أن نهاية عصره قد أوشكت مع نجاح ثورة غاريبالدي بعد أن اقترب الثوار من صقلية بعد أن توحدت إيطاليا تحت راية غاريبالدي. ولكي يضمن انتقالا سلسا للأسرة في العهد الجديد يرتب الأمير تزويج ابن شقيقته “تانكريدي” (آلان ديلون) من ابنة عمدة البلدة المجاورة، وهو من طبقة الأثرياء الجدد، لكي يزاوج بين أقرب الناس إليه (تانكريدو) والجمال والمال اللذين يتمثلان في “أنجيليكا” (كلوديا كاردينالي). وكان هذا الفيلم تعبيرا عن أفول عصر وبزوغ عصر جديد ستختفي فيه التقاليد العريقة القديمة الأرستقراطية وعشق الفن الكلاسيكي الرفيع، وتظهر تقاليد أخرى مع بزوغ الطبقة الجديدة (البورجوازية).

من أهم الأفلام الفنية التي قام ببطولتها آلان ديلون فيلم “الخسوف” لأنطونيوني عام 1963، في دور بييرو الواقع في حب فيتوريا (مونيكا فيتي) التي تركت حبيبها الأول لكنه لا يزال يطاردها، أما بييرو فهو مشغول بالمضاربة في البورصة لحساب امرأة جشعة. ولم يكن دور ديلون هو الدور المحوري في الفيلم فأنطونيوني استعان به أساسا لقدرته على التعبير عن البرود واللامبالاة وجفاف المشاعر التي أصبحت تميز جيل الشباب في منتصف القرن الماضي، مع الطفرة الصناعية والخطر النووي في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية..

وكان ديلون رمزا للتمرد على المشاعر القديمة، وطرق التعبير الكلاسيكية. وفي واحد من أكثر مشاهد الفيلم تعبيرا عن انعدام التواصل يتفق الحبيبان، فيتوريا وبييرو على اللقاء في شارع معين، لكن أحدا منهما لا يظهر في الموعد المحدد. وعندما تصطدم سيارة بسيارة بييرو في وسط روما، يقابل بييرو الأمر ببرود تام ويسأل فقط من دون أي اكتراث عما حدث للسيارة.

أصبح آلان ديلون في فرنسا معادلا للشباب المتمرد في العصر الوجودي على غرار جيمس دين في أميركا. وكانت طريقة إمساكه السيجارة وطريقة وضعها في فمه، وتحديقه البارد في الكاميرا، وحركته البطيئة المتمهلة التي تعكس نوعا من السخرية مما يدور حوله، قد أصبحت علامات مميزة لشخصيته السينمائية.

الحياة الخاصة

لكن هل كان آلان ديلون سعيدا في حياته الخاصة؟

في 2013 أدلى ابنه الأصغر آلان فابيان ديلون (24 سنة) بتصريحات صحافية فتح خلالها النار على أبيه معربا عن غضبه الشديد تجاهه ووصف والده بأنه كان دائما عدوه، وأنه لم يعش حياة عادية، وأنه يحاول بعد أن كبر أن يبتعد عنه ويبني حياته وحده، وشكا من كونه “ابن نجم كبير ولكن رصيدي في البنك صفر كبير، بينما هو رجل ثري، وقد تركني وتخلى عني”.

واتهم فابينان والده بأنه كان يعتدي على أمه بالضرب، وأنه حطم ثمانية من أضلاعها وكسر أنفها مرتين، وأضاف “لكنها كانت تستحق ذلك بسبب أفعالها الشريرة تجاهي”. ومعروف أن فابينان هو ابن الموديل الهولندية روزالي فان بريمان التي تزوجها ديلون عام 1987 ووقع الطلاق بينهما في 2002. ولديه أيضا ابن آخر هو أنطوني من زوجته الممثلة ناتالي ديلون التي ظهرت معه في فيلم “الساموراي”. أما رد فعل الأب فكان أن نفى اتهامات ابنه، وقال إن سبب تصريحاته الرغبة في الحصول على المال.

وفيما يبدو انعكس تأثير طفولة ونشأة ديلون على علاقته بأسرته، فقد انفصل والدا ديلون وهو مازال طفلا صغيرا، ونشأ وتربى في أسرة أخرى كفلته، وواجه الكثير من المصاعب في الدراسة، وقال إنه أصبح “وحشا صغيرا” بالغ الشراسة.

وفي أوائل العام الماضي صرح آلان ديلون لمجلة “باري ماتش” بأنه قد سئم الحياة وأنه يشعر بأن الحياة لن تضيف له شيئا مهما، وأنه خبر كل شيء وعاش كل شيء لكنه يكره هذا العصر.  وأضاف أنه لم يعد هناك احترام أو التزام، وأصبح المال فقط هو سيد الموقف، وقال إنه سيغادر هذا العالم غير آسف.

وفي أوائل العام الجاري نشر ابنه آلان فابيان ديلون رواية قال إنها مستمدة من تجربته الشخصية مع أسرته، خاصة علاقته المضطربة مع والده، ومنحها عنوان “عن جنس الرجال المهذبين”. ويروي فيها قصة شاب يحاول أن يشق طريقه وحده في العالم إلا أنه محاصر بآثار علاقته السابقة مع والده المليئة بالعنف والتهميش وسوء المعاملة.

وهو يصور أيضا شخصية تشبه شخصية أمه التي انفصلت عن والده لكي تتزوج من طبيب عيون هولندي ثري، ولكنه يجعلها في الرواية تتزوج من ملياردير روسي. وقال أحد التقارير الصحافية إن آلان فابيان أرسل بنسخة من روايته إلى والده.

قبل آلان ديلون الحضور لاستلام “السعفة الذهبية” التذكارية في مهرجان كان، مبديا سعادته الغامرة بهذا التكريم الذي كان يرفضه مرارا بدعوى أنه من الأفضل أن يحضر إلى المهرجان العريق للاحتفال بالمخرجين المرموقين الذين عمل معهم. لعل في الجائزة والتكريم ما يدعوه أخيرا للتصالح مع نفسه ومع العالم.

كاتب وناقد سينمائي مصري

 

####

مخرجة سورية ترسل إلى ابنتها رسالة من مهرجان كان

كان (فرنسا)

الفيلم الوثائقي "إلى سما" للمخرجة السورية وعد الخطيب يصور مشاهد الدمار والقصف وتوافد الجرحى على المستشفيات خلال اندلاع المعارك في حلب.

اختارت مخرجة سورية أن توجه لابنتها رسالة تبرر من خلالها سبب بقاء العائلة بحلب رغم النزاع، متخذة من مهرجان كان السينمائي منصة لها عبر الفيلم الوثائقي “إلى سما”.

بالرغم من احتدام المعارك، قرّر زوجان البقاء مع طفلتهما الصغيرة في حلب المحاصرة التي أصابها الدمار، هي لتصوّر وهو ليطبّب. وتبرّر المخرجة السورية وعد الخطيب قرارها هذا في وثائقي هزّ مشاعر الجمهور في مهرجان كان السينمائي.

وقد أصاب القيّمون على هذا الحدث السينمائي البارز في اختيارهم وثائقي “إلى سما” الذين توقّعوا له أن يحرّك عواطف المشاهدين.

وعرض هذا الفيلم الذي شارك البريطاني إدوارد واتس في إخراجه، خلال جلسة خاصة. وحظوظه وافرة للفوز بجائزة “العين الذهبية” التي تكرّم منذ العام 2015 عملا وثائقيا يعرض في كان، بغضّ النظر عن الفئة المشارك فيها.

وقالت الخطيب التي لم تبلغ بعد عامها الثلاثين “صنعت الفيلم لأبرّر لابنتي سما الخيار القاسي جدا الذي اضطررنا إلى اتخاذه” والقاضي ببقاء العائلة في سوريا خلال المرحلة الأكثر دموية من النزاع، وذلك في مستشفى حلب حيث يعمل زوجها الطبيب حمزة والذي كان عرضة للقصف.

ويستعرض “إلى سما” الذي يتّخذ شكل رسالة توجّهها الأمّ إلى ابنتها ويتضمّن مشاهد مؤثّرة جدا صوّرتها الخطيب في شوارع حلب أو محيط المستشفى، مسار وعد الطالبة فالزوجة والوالدة، ففي العام 2011 كانت هذه الشابة تدرس أصول التسويق في جامعة حلب بعد تخلّيها عن فكرة خوض مجال الصحافة لأن هذه المهنة محفوفة بالأخطار في نظر أهلها، غير أن “المعادلة انقلبت رأسا على عقب عند انطلاق التظاهرات الأولى” ضدّ النظام.

وقالت المخرجة “كانوا يتكلمون في الأخبار عن إرهابيين وليس عن متظاهرين. ولم تكن في الجامعة أي وسيلة إعلامية لنقل التطوّرات. وكانت الفكرة تقضي بحمل الهاتف الخلوي لتوثيق الأحداث”.

وبدأت الخطيب التصوير في العام 2012 تزامنا مع اندلاع المعارك في مدينة حلب بين الفصائل المعارضة التي سيطرت على الأحياء الشرقية منها والقوات الحكومية في الأحياء الغربية.

ولم تفارقها الكاميرا منذ ذلك الحين. وهي صوّرت بواسطتها كل المشاهد التي جرت على مرأى ومسمع منها، من القصف إلى الكلمات الأولى لابنتها مرورا بتوافد الجرحى إلى المستشفى، فخلّدت لحظات وضع مولود ميت ونحيب صبيين تحسّرا على وفاة شقيقهما الأصغر.

ونالت بفضل تسجيلاتها هذه مكافآت عدة، أبرزها جائزة في مهرجان بايو لمراسلي الحرب سنة 2017. وقالت الخطيب “عندما عرضت الأشرطة على أشخاص من حولي في حلب، قالوا لي جميعهم ‘هذه قصتي’ فأدركت أن الأمر يستحق العناء”.

وصوّرت وعد رحلة العودة إلى حلب المحفوفة بالأخطار التي قامت بها مع طفلتها في يوليو 2016 لتزور حماها المريض في تركيا، وأكدت “قاسينا الأمرّين طوال خمس سنوات مع الأشخاص (الذين يظهرون في الوثائقي). وبما أنني أتقن استخدام الكاميرا ولديّ معارف في قنوات أجنبية، سعيت إلى الإضاءة على الوضع في حلب”، مشددة على أن “أي شخص كان ليقوم بالمثل”.

وخلال خمس سنوات، جمعت تسجيلات تمتدّ على مئات الساعات نشرت جزءا منها على الإنترنت مع الحرص على التستّر على هويتها خشية توقيفها.

لكن في ظلّ سيطرة الجيش على الأحياء الشرقية لحلب بعد هجوم عسكري واسع وإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة منها، اضطر حمزة ووعد وابنتهما سما إلى مغادرة البلد. وباتت العائلة تقيم في لندن حيث تتعاون وعد مع القناة التلفزيونية الرابعة.

 

العرب اللندنية في

19.05.2019

 
 
 
 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» (5):

يوم صعب في مدينة فيكتور هوغو حين يلتقي بهاء الماضي بوقائع الحاضر

كان: محمد رُضـا

شوهد ذلك المخرج العربي يمشي في أحد الشوارع الجانبية وحيداً. كان يرتدي بذلة بيضاء كعادته، ويحمل على كتفه شنطته الصغيرة. تماماً كما كان يفعل قبل ثلاثين سنة عندما كان حديث المهرجانات، وأحد الوجوه السينمائية العربية المتكررة في تلك الأجواء الفنية والإعلامية.

الآن هو يمشي وحيداً منحني الظهر بعد ظهر يوم كان جمهور كان يرتاح على مقاعده في صالات السينما أو على كراسي المقاهي. بعد قليل، التقى بمن تعرف عليه، وهذا كان بصحبة مجموعة من الذكور والإناث الأصغر سناً. دار حديث تخللته الضحكات العادية قبل أن ينفصل الجمع، ويعاود المخرج العربي مشيه المنفرد.

في «كان» يمر التاريخ كله أمامك. عندما كان هذا المخرج عضواً في لجنة التحكيم، والمخرج الذي تتوجه إليه إدارة المهرجان لكي يخصها بعروض أفلامه مهما تباعدت؛ كان هناك جمهور مختلف. جيل آخر من الحضور يعرفونه كما يعرف بعضهم بعضاً.

اليوم، من لا يزال مثابراً على الحضور من جيل هذا المخرج، يدرك أن تلك الحلقة المهتمة به وبسواه مرّت من هنا وابتعدت. ككل سينمائي شاب آخر من جنسيات مختلفة يتلقف عناية ورعاية جيل أكبر منه سناً. يبدو بالنسبة إليهم «فرخ» يحتاج إلى التشجيع والعناية، ولا يتأخرون عن ذلك إذا ما كان الفيلم الذي يحققه فيه ما يلزم من حسنات وإثارة اهتمام.

بعد ذلك، يمضي الجيل الأكبر معتزلاً أو راحلاً عن الحياة، ويبقى الجيل المواكب لذلك المخرج الذي لا شك يتذكر أيامه السابقة، والدلال الإعلامي الذي استحقه، والذي صاحبه، والذي تبرق عيناه فرحاً إذا ما التقى بمن يتعرّف عليه.

مستر كلاين ورامبو

هذا سيحدث مستقبلاً مع الغالبية. وأحد أفضل ما لدى «كان» توفيره هو عدم التوقف عند الحاضر، بل العودة إلى الماضي عبر كلاسيكيات تفوح منها عطور الزمن الذي مضى. سبعة أفلام تعود إلى الحضور لجمهور يريد التذكر، أو لآخر جديد يفضل مشاهدتها على الشاشة الكبيرة محتفى بها ربما أفضل من الاحتفاء بمعظم ما يرد في العروض الرسمية للأفلام الجديدة.

ليس هناك سباق جديد بين أفلام الأمس. كلاسيكيات السينما تعرض بهدف إحياء الماضي، لكن المناسبة ذاتها تضعنا أمام كيف كنا وكيف أصبحنا. بكلمات أخرى، كيف كانت السينما قبل ثلاثين وأربعين سنة وما هي اليوم.

ليس أن التقنيات وحدها التي تغيرت، بل تلك السمات الفنية والثقافية التي أدت إلى ظهور سينمات منتصف القرن الماضي، وحتى ثمانيناته. وفي حين بات من الضروري إعادة طرح مفهوم وهوية الفيلم (ما دام أن معظم ما يصوّر اليوم هو ديجيتال، وليس أفلام سيليلويد كالسابق)، يحافظ مهرجان «كان» على مكانة ذلك التاريخ بإحيائه.

سبعة أفلام وسبعة مخرجين وسبعة مواضيع مع سبعة أساليب.

الممثل المخضرم ألان ديلون وصل إلى المهرجان محتفى به، وعقد مؤتمره الصحافي الذي ووجه فيه بأسئلة حول مواقفه من المرأة (صفع زوجته مراراً)، ومن اليمين المتطرف (تبنى لحين وجهة نظره)، لكن المدير التنفيذي للمهرجان تييري فريمو دافع عن ضيفه، ورد على ذلك الصيد السهل مذكراً بأن المهرجان يحتفي بديلون كسينمائي، وليس كسياسي.

الفيلم المختار لعرضه لهذا الممثل الذي ينتمي إلى جيل جان - بول بلموندو (مثل معه مرات) وجان - لوي ترتنيان وروبير أوسين وميشيل لونسدال، وسواهم من وجوه الستينات والسبعينات، هو «مستر كلاين» لجوزف لوزاي (1976). من أفضل ما مثله ديلون، لكن ليس من بين أفضل ما أخرجه لوزاي (الأميركي الهارب من هوليوود في الخمسينات بسبب الحملة المكارثية حينها). فيلم رصين حول تاجر لوحات فنية باريسي اسمه روبرت كلاين. رغم اسمه، هو ليس يهودياً، بل كاثوليكياً، يعيش في رغد وليست لديه مشكلة، والأحداث تقع في الفترة التي احتلت فيها ألمانيا فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، فيما لو اقتيد اليهود إلى حتفهم، لأن الأمر لا يعنيه. وسيبقى هو غير مكترث إلى أن يكتشف أن يهودياً بالاسم ذاته ورّطه، فإذا بالسلطات تعتقد أنه يهودي، وتقبض عليه.

سلفستر ستالون هو الآخر محتفى به هنا (كان مهرجان الجونة المصري قد استضافه احتفاء به في شهر نوفمبر | تشرين الثاني في العام الماضي)، والفيلم المختار له هو «دم أول»؛ تلك الرواية التي نقلتها السينما، وما إن نجحت كفيلم حتى كوّنت سلسلتها الخاصة تحت اسم «رامبو».

فيلم تد كوتشيف تحدث عن مجند أميركي اسمه رامبو (ستالون) عائد من الحرب ليزور صديق له في بعض الولايات الشمالية. لكن البلدة التي وطأها لا ترحب به. لقد خسرت أميركا الحرب في فيتنام، والثمن كان باهظاً، والجميع ينظر إليه كما لو كان قاتلاً، وليس جندياً. شريف البلدة (برايان دنهي) يريده أن يغادر البلدة، لكن نتيجة تلك المعاملة الجافة ينتفض رامبو، ويوجه حربه لمن يعاديه اليوم، خاطباً في نهاية الفيلم بأن «السياسيين هم الذين أرسلوه، وهم الذين خسروا الحرب». تد كوتشيف كان المخرج، ولا أذكر أنه صنع فيلماً أفضل من هذا.

3 رجال ومأزق صعب

باقي الأفلام ومخرجوها يزيدون التنوع الماثل: ثلاثة أفلام للإسباني لوي بونييل، هي: «عصر الذهب» (1930)، و«الشباب الملعون» (1950)، و«نازارين» (1958). وفيلم للتونسي فريد بوغدير، هو «كاميرا أفريقية» (1985). ومن بين الآخرين ميلوش فورمان وستانلي كوبريك ولينا فيرتمولر وفيتوريو ديسيكا.

بالانتقال إلى الحاضر، تتوالى العروض ضمن المتوقع منها: بعضها أفضل من بعض، لكن معظمها حتى الآن أفضل من عروض العام الماضي.

في الأيام الأربعة الماضية، منذ أن انطلق المهرجان، عرض أحد عشر فيلماً في المسابقة. الافتتاح، كما سبق الحديث قبل أيام، كان للفيلم الأميركي «الموتى لا يموتون» الذي ينتهي بأغنية لفرقة «Clearance Clearwater Revival» يعتقد البعض أنها أفضل من الفصل الختامي للفيلم ذاته.

إحدى المفاجآت المحسوبة إيجابياً على صفحة هذه العروض المتسابقة فيلم للمخرج لادج لي، وهو مخرج فرنسي سبق له أن حقق فيلماً قصيراً عنوانه «انطق» (Speak Up) استمد منه فكرة وموضوع هذا الفيلم.

الفيلم هو «البائسون» الذي يدور حول ثلاثة رجال بوليس في يوم عمل (هناك خاتمة تقع في ساعات محدودة من اليوم التالي). ستيفن (داميان بونار) شرطي من منطقة نورماندي تم نقله (بناء على طلبه) لضاحية مونفرماي قرب باريس. في ذلك اليوم الأول له في المدينة، يصاحب ضابط شرطة اسمه كريس (أليكسيس مانيتي)، ومعاونه المسلم غوادا (جبريل زونغا). وسريعاً ما تلتقط عيناه ومداركه تصرفات أليكسيس التي في مجملها غير قانونية وعدائية وعنصرية، ليس لأن المنطقة المنكوبة بالإهمال تستطيع توفير تواصل نموذجي بين القانون والخارجين عليه، لكن أليكسيس يتصرف على أساس أن كيفية الوصول للهدف يجب ألا تعرقل الوصول إلى الهدف ذاته. لذلك هو دائماً مستعد للإهانة، ومستعد للتحرش (يكاد يفتش فتاة مسلمة رغم معارضة رفيقاتها وستيفن)، ولاحقاً يشهر مسدسه، ولا يمنعه من إطلاق النار سوى زميليه.

الأزمة الحاصلة التي تقفز مثل كرة قدم بين أقدام اللاعبين قيام صبي صغير السن بسرقة أسد صغير من سيرك محلي وإخفائه. يريد البوليس (ممثلاً في هؤلاء الثلاثة) معرفة من السارق، وإعادة الحيوان إلى السيرك الذي تديره زمرة من المتطرفين البيض. عندما يقبض الشرطيون الثلاثة على الصبي، يفقد غوادا أعصابه تحت وابل الحجارة المنهالة عليه وزميليه، ويطلق مقذوفاً نارياً على الصبي فيصيبه في وجهه. ستيفن يريد نقل الصبي إلى المستشفى، وأليكسيس يعارض. الجو متوتر وينذر بالانفجار بين أفارقة مسلمين ينتمي الصبي إليهم والمتطرفين البيض، كما بين الاثنين والبوليس. وهناك جماعات أخرى يزيد حضورها المسألة تعقيداً.

لكن ما لم يكن وارداً في الحسبان أن صبياً آخر كان يصوّر بطائرة درون حادثة قيام غوادا بإطلاق النار على الصبي الأول. الآن، يركز أليكسيس قواه واهتمامه للقبض على ذلك الصبي، واستعادة «الشريحة» التي تحمل تلك اللقطات. هذا بدوره يفجر الوضع بينه وبين ستيفن مع نهاية يوم عمل.

اليوم التالي، يُحاصر الثلاثة في سلالم إحدى العمارات السكنية من قبل شبان يريدون الانتقام لما حدث للصبي الأول من اعتداء. ميزان القوى يختلف وأليكسيس يصاب بإحدى عينيه، وينتهي الفيلم ببصيص أمل في ألا يفقد رجال البوليس الثلاثة حياتهم.

صلة بهوغو

ما سبق قريب من فيلم «يوم التدريب» لأنطوان فوكوا، أو بعض تلك المسلسلات التلفزيونية التي تدور في أحياء «وست لوس أنجيليس» (مثل «ديدوود» الذي تبثه محطة «HBO»)؛ التماثل واضح من دون ادعاء الفيلم الماثل الآن باختلاق الحالات. فهناك بالفعل جاليات أفريقية ومسلمة، وأخرى يمينية ومتطرفة، وثالثة من الذين يعيشون على الهامش بين الفريقين يزكون النار لأي سبب غير وجيه يتبنونه.

هناك المنطقة المزدحمة بمبانيها الحكومية الممنوحة لذوي الدخل المحدود، بما فيها من إهمال وفقر، وهناك الطرق الملتوية والأسواق القائمة، والصبية الذين لا مستقبل أمامهم سوى العصيان على النحو الذي نشاهده.

كذلك هناك أسلوب العمل، من كاميرا متحركة (تصوير جوليان بوبار)، وإيقاع لا يتوقف (مونتاج فلورا فولبلييه). كذلك هناك الخلفية الكامنة في رواية فيكتور هوغو الشهيرة (بالعنوان نفسه)، رغم أن هذا الفيلم ليس اقتباساً من تلك الرواية. نعم، تدور أحداثه في المنطقة ذاتها، وتحتوي على مفادات واردة بقلم الروائي الشهير، وتحمل العنوان ذاته، لكنه فيلم بحكاية مختلفة، حول واقع اجتماعي غير متوازن، يزيده خطورة تصرف عنصري من قِبل رجل بوليس كاد أن ينجح في تغطية اعتداء قام به زميله بدافع العلاقة المهنية بينهما. فغوادا قد لا يكون عنصرياً وبخشونة وعدوانية أليكسيس، لكنه ينصاع له. أما ستيفن فهو الضحية التي لن تستطيع وحدها درء الخطر وتغيير نمط الحياة، لا داخل البوليس ولا في تلك الأحياء الداكنة.

جوليان مور:

«استمد من والدتي وعائلتي الكثير من شخصيتي أمام الكاميرا»

للممثلة جوليان مور حضور يختلف عن المتوقع بالنسبة لنجمة معروفة وممثلة أفلام شهيرة. نراها في فيلم «الفتاة المترنحة» (The Staggering Girl) الذي لا تزيد مدة عرضه على 38 دقيقة (بما فيها شريط الأسماء في النهاية).

تلعب مور شخصية امرأة جاءت من نيويورك إلى بلدة إيطالية لتقنع والدتها التي تقترب من حالة فقدان البصر بالعودة معها إلى المدينة الأميركية لكي تبقى بجانبها، لكن الأم عنيدة في قرارها البقاء في منزلها الريفي. المخرج لوكا غواداغنينو أصاب النجاح في «نادني باسمك»، وأقل منه في «سيبيريا»، وهو هنا يدير مجموعة من الممثلين الجيدين، على خلفية مدهشة من المشاهد، إنما بقليل تأثير، حين يصل الأمر إلى الخروج بمفاد غير ذلك الظاهر حول علاقة ابنة بأمها، وعلاقة الأم ببيئتها. هذا ليس فيلم جوليان مور الجديد الوحيد. في سن الثامنة والخمسين ما زالت نشطة، ولديها ثلاثة أفلام جديدة هذه السنة، وكان لديها ثلاثة أفلام في العام الماضي. كيف تفسر هذا النشاط؟

«أحب العمل. هذا تفسيري الوحيد، وأنا موقنة منه. أحب أن أجد أنني ما زلت على العلاقة العاطفية ذاتها مع فن التمثيل. ربما البعض يصل إلى مرحلة يتحول فيها التمثيل إلى ما ليس أكثر من روتين حياة، لكنه بالنسبة لي ما زال نتيجة حب».

·        هناك من يقول إن هوليوود ليس لديها أدوار لممثلين وممثلات فوق الأربعين، لكنك وبضعة ممثلين آخرين برهان على العكس... ماذا تقولين؟

- بعض ما يقال في هذا الموضوع صحيح. الكثيرون منا ينتظرون أن يرن هاتفهم المحمول لينقل إليهم صوت من يطلبهم للعمل. ربما صوت وكيل الأعمال الذي ينقل إليهم خبراً ساراً بأنهم مطلوبون لفيلم ما، لكن بعضنا محظوظ في هذا الشأن بلا ريب، وأنا من بينهم، أو هكذا أعتقد. لكن هذا لا يعني أنني لا أخشى يوم يتوقف فيه أحد عن الاتصال بي.

·        هل حدث أن بحثت عن العمل في الآونة الأخيرة؟

- لا. ليس تماماً، لكني أسعى كثيراً لأترك الانطباع الإيجابي بأنني ممثلة أستطيع تأدية أدوار مختلفة، رئيسية أو غير رئيسية. لكن بيننا كل عمل هو نهاية عقد، تبدأ بعده بالبحث عن عمل آخر.

خلال مسيرتها التي تزيد على ثلاثين سنة الآن، انتقلت من أدوار غير محسوبة، هي - عادة - قدر المبتدئين، إلى تصدر أفلام جيدة ومهمة. فمن «اليد التي تهز المخدع»، بطولة ربيكا ديمورني (1992)، و«دليل إدانة»، بطولة مادونا (في العام التالي)، إلى أدوار ملحوظة أكثر مثل «نجاة بيكاسو» (1996) و«بيغ ليبوسكي» (1998).

مرحلتها الثالثة منذ مطلع هذا القرن تمخضت عن أدوار بطولة في «هانيبال» (2001)، وهو اللقاء الثاني بينها وبين أنطوني هوبكنز بعد «نجاة بيكاسو»، و«بعيداً عن الجنة» (2002)، و«الساعات» (2002)، و«أطفال الرجال» (2006).

·        هل قادك البحث عن أدوار إلى دقة اختيار أو إلى قبول أدوار لم تكن بحسبانك؟

- إلى الاثنين معاً، في تصوّري.

·        مثلت في أفلام فنية وأفلام تجارية كبيرة. من «أطفال الرجال» إلى دورك في سلسلة «ألعاب الجوع»... هل هناك طريقة مختلفة في التعامل مع نوعين متناقضين إلى حد بعيد؟

- لا أعتقد. ليس من وجهة نظر الممثل على أي حال. الحقيقة هي أنني، وغيري طبعاً، يعرف الفرق بين الفيلم والآخر، ويتعامل على هذا الأساس. أقصد أنه إذا ما طلبني ألفونسو كوارون أو تود هاينز للعمل، فإن المتوقع أن يكون الفيلم الذي سأوديه مختلفاً عن الفيلم الآخر الذي له مبدئياً رواج تجاري كبير. لكني محظوظة بأن الكثير من الأفلام التي نسميها غير تجارية كانت ناجحة أيضاً عندما تم توزيعها، أو عندما بدأت عروضها في مهرجانات كبيرة، ثم توجهت للصالات.

·        الفيلمان اللذان انتهيت من تصويرهما هما لمخرجين من هذا النوع. أنا معجب متيم بأفلام جولي تايمور، وأعرف أنك انتهيت من تصوير فيلم «حياة على الطريق» معها... كيف كانت هذه التجربة؟

- لا أستطيع وصفها إلا من خلال حقيقة أنني كنت أنتظر فرصة العمل مع جولي منذ فترة بعيدة. وسعدت كثيراً عندما اخترت لهذا الفيلم لأني مثلك أحب أعمالها. زادت سعادتي عندما علمت بأنني سأمثل فيلماً يجمعني بأليسيا فيكاندر.

·        هذه المرّة الثانية التي تقومين بها بالتمثيل مع بطلة «الفتاة الدنماركية» بعد «الابن السابع».

- صحيح، تعجبني طلاقتها وحيويتها.

·        الفيلم هو بيوغرافي لحياة غلوريا ستاينم التي سبقت عصرها في المطالبة بالمساواة. البعض يعتبرها أيقونة في هذا المجال... قرأت كتابها؟

- قرأته قبل التصوير، واستلهمت منه كل ما لم أكن أعرفه عن شخصيتها. فيكاندر تؤدي دور غلوريا في شبابها، وأنا في مرحلة لاحقة، وبالنسبة لي هي المرحلة الناضجة، من دون أن أعني أن حياة غلوريا لم تكن مثيرة للاهتمام منذ بدايتها.

·        أعتقد أن هذا يعني أنكما بالطبع لم تشتركا في الظهور في مشهد واحد. مستحيل.

- طبعاً مستحيل. لكننا التقينا قليلاً؛ التقينا أكثر في «الابن السابع».

·        عندما تؤدين دور امرأة ناضجة، لنقل تجاوزت الأربعين من العمر، هل تستمدين الشخصية فقط من السيناريو المكتوب أم بإمكانك إضافة شيء من عندك؟

- لا بد من إضافة شيء من عندي، على ما أعتقد. الحقيقة لا أراقب نفسي وأقرر مثل هذه الأمور. هناك ما ينص عليه السيناريو، ولا تستطيع كممثل الخروج من فرضيته، لكني أحياناً ما أجد نفسي أستمد بعض الصور الشخصية. أستمدها من والدتي، وأستمدها من عائلتي الحالية. أستمد الكثير من الشخصيات التي أقوم بها من هذه المؤثرات العائلية، لكن إذا ما كان ذلك مناسباً للدور.

·        ماذا عن فيلمك الآخر «المرأة في النافذة» لجو رايت؟

- أمثل مع نخبة أحب العمل معها، والحكاية جديدة مأخوذة عن «بست سلر»؛ ألعب دور المرأة التي تراقب جيرانها (تضحك).

·        تكتشف أن هناك أسراراً في الشقق المجاورة. يذكرني هذا بفيلم «النافذة الخلفية» لهيتشكوك. هل هيتشكوك واحد من المخرجين الذين كنت تتمنين العمل معهم؟

- هو واحد من المخرجين الذين لو كانوا أحياء اليوم لكنت سعيت للتمثيل في فيلم له. نعم، أحب أفلامه، لكني أحب كذلك أفلام الكثير من المخرجين، ومعظمهم ممن عملت معهم خلال سنوات مهنتي.

 

الشرق الأوسط في

19.05.2019

 
 
 
 
 

رسالة كان: «نأسف لم نلحق بكم» للبريطاني كين لوتش…

فيلم موجع عن أسرة على المحك

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: في أول أفلامه منذ فيلمه «أنا، دانيال بليك»، المتوج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان 2016، يقدم البريطاني المخضرم كين لوتش فيلما صادقا مؤثرا عن قضية آنية تمس حياة ملايين الأسر، ليس في بريطانيا فقط، ولكن في العالم بأسره. إنه فيلم عن التأثير الفادح المدمر لعقود العمل المؤقتة، التي تعرف في بريطانيا باسم عقود الصفر ساعة، على حياة الأسر التي تحاول أن تعيش بكرامة في عالم طحن رحاه الفقراء طحنا.

ثمة مخرجون نراهن عليهم، فلا يخيب الرهان، ولا يخيّبون لنا ظنا. كين لوتش من هؤلاء المخرجين الذين لا يخيبون الآمال، فهو صاحب نظرة إنسانية واجتماعية ثاقبة، وتحمل أفلامه تعاطفا كبيرا مع هؤلاء الذين يحاولون الاحتفاظ بإنسانيتهم، ويحاولون مجرد العيش في عالم مادي لا يكترث ولا يبالي. لوتش، الذي يتجاوز عمره الثانية والثمانين، لا يزال في أوج عطائه السينمائي، ولا يزال ينجز أفلاما تنفذ إلى أعماق المجتمع، وإلى عقل وقلب المشاهد.

يستشرف لوتش، اليساري الإنساني الملتزم بقضايا الكادحين والكادحات، في أفلامه، مستقبلا يتوحش فيه النظام الرأسمالي أكثر فأكثر، ليلتهم المزيد ممن يقتات على جهودهم وحيواتهم ليزدهر أصحاب المال. في عام 2016 حصل فيلمه «أنا، دانيال بليك» على السعفة الذهبية، وهي ثاني سعفة ذهبية يحصدها لوتش في تاريخه السينمائي المديد، وصور في فيلمه مدى جور نظام الرعاية الاجتماعية في بريطانيا، على من يستحقون حقا العون. الفيلم إنساني في مداه وتأثيره، فقضية دانيال بليك، هذا العجوز الذي عمل طوال حياته، وحين واجه الإصابة والمرض، لم يجد سوى الخذلان من النظام الاجتماعي، قضية إنسانية في المقام الأول وتتجاوز الحدود الجغرافية.

في «نأسف لم نلحق بكم» يقدم لوتش فيلما مؤثرا موجعا اختار له أن تدور أحداثه في مدينة نيوكاسل، التي دارت فيها أيضا أحداث « أنا، دانيال بليك»، عن أسرة تسعى جاهدة أن تحيا بكرامة وسط خضم من الديون، ووسط سوق عمل لا يرحم، ووسط وعود كاذبة بعقود عمل توفر الاستقلالية والحرية والمال الوفير.

ريكي تيرنر (كريس هيتشين، في أداء متميز) أربعيني وأب ورب أسرة. كان ريكي يعمل في مجال البناء ولم يعش يوما على الإعانة الاجتماعية للدولة، فهو، كما يصف نفسه، «لديّ عزة نفس» تمنعه من الاعتياش على الإعانات. في مسعى لتحسين حياة أسرته الصغيرة، يقرر ريكي العمل سائقا لدى شركة لتوصيل الطرود للمنازل.

للكلمات وقع السحر على الأذن وحين توَظف المفردات جيدا، فإنها تقدم وعودا لا تعتزم قط الوفاء بها. وقد وقع ريكي تحت سطوة الكلمات والوعود، فوفقا لمدير شركة التوصيل تلك، ريكي لم يعد «موظفا» بل «مالكا ومشاركا»، وبدلا من أن يكون «سائقا لشاحنة من شاحنات الشركة»، أصبح «مالكا لشاحنة صغيرة يقودها لصالح الشركة»، وبدلا من الحصول على «أجر أو راتب» أصبح يحصل على «حصة من الإنتاج والأرباح»، وبدلا من «ساعات عمل محددة» أصبح «حرا كلما زادت ساعات عمله زاد دخله». إنه وعد الحرية والاستقلالية والمال الوفير الذي تقدمه الشركات لتتملص من واجبها إزاء الموظف ولتسلب منه حقوقه المادية والإنســـانية، ولتحقق من ورائه أقصى ربحية ممكنة.

ونظرا لأن ريكي «شريك» وليس «سائقا أجيرا» كما تقول الشركة، كان يتعين عليه إما أن يشتري شاحنته الصغيرة الخاصة، بمقدم يصل إلى ألف جنيه لا يمتلكها ولا تمتلكها زوجته، أو أن يستأجر شاحنة من الشركة مقابل 65 جنيها في اليوم. خياران كلاهما مرّ وتبعاتهما كبيرة، ولكن ريكي وزوجته آبي (ديبي هانيوود) لا يجدان مخرجا سوى أن تبيع هي سيارتها التي تعتمد عليها في الذهاب لعملها حتى يتمكن من دفع مقدم ثمن الشاحنة.

وعلى الرغم من أن الشركة تعفي نفسها من أي التزام إزاء العامل، إلا أنها تكبله بكل الالتزامات والقيود التي تفرضها عليه. تفرض الشركة عليه غرامة مالية فادحة، إن لم يتمكن من توصل الطرد لأصحابه في الوقت الذي حددوه، وإن احتاج إلى يوم عطلة، لا يمكنه ذلك إلا إذا وفر سائقا بديلا، حتى أنه لا يمكنه الحصول على استراحة في يومه حتى يفي بكل حصته المقررة من التوصيلات.

الأسرة هي محور الفيلم وجوهره، فأسرة ريكي وأمله في توفير حياة أفضل لطفليه وزوجته هما دافعه للعمل في توصيل الطرود.

في يومه الأول في العمل يتعلم ريكي أن جهاز تتبع موقع الطرود الذي تعطيه له الشركة أهم لديها منه، فهو يمكن استبداله، أما الجهاز فقد استثمرت الشركة فيه مالا لا تود تبديده. كما يتعلم ريكي أن الزجاجة البلاستيكة التي أعطاها له زميل أمر حيوي للغاية، فهو لا استراحة له وسط السعي اللاهث لتوصيل كل الطرود في حصته، ولا سبيل لقضاء حاجته إلا في تلك الزجاجة.

هكذا يتبدى لريكي ولنا أن حلم الثراء، وأن تكون سيد نفسك والمتحكم في حياتك، ما هو إلا مجرد وهم تبيعه الشركة لتحقق من خلاله أقصى ربحية ممكنة، بدون أن تكترث بما تلحقه من دمار في حياة موظفيها. في عمله «المستقل» الجديد يجد ريكي نفسه محاصرا من جميع الجهات. بين شركة تفرض عليه عقوبات مالية إن تأخر ولو دقائق معدودات عن موعد التوصيل، أو إن استراح لبضع دقائق، وبين عملاء يجب أن يرضي رغبتهم في الثرثرة وإلا شكوه لإدارة الشركة. يجد ريكي نفسه في حالة من الإعياء الجسدي والنفسي الشديد، ولكن المتضرر الحقيقي هو أسرته، التي، للمفارقة، قرر من أجلها العمل في هذه الظروف المجحفة شديدة القسوة.

الأسرة هي محور الفيلم وجوهره، فأسرة ريكي وأمله في توفير حياة أفضل لطفليه وزوجته هما دافعه للعمل في توصيل الطرود. ولكن الضغط المتواصل والتوتر الدائم اللذين تتسبب فيهما ظروف العمل شديدة القسوة، تهددان أسرة ريكي وتعرضان اتزانها للخطر وتنذران بتفككها وانفراط عقدها. لريكي أسرة نحبها كما يحبها هو. زوجته آبي حانية محبة، ولكنها هي أيضا تعاني ظروف عمل قاسية مجهدة في مهنة شاقة تتطلب إنسانية بالغة، وهي العناية بالمسنين. ديبي أيضا تعمل بلا عقد يكفل لها حقوقها وتواجه ضغوطا بالغة في عملها، الذي تؤديه بإنسانية ورفق يحفظان على المسنين كرامتهم. تقدم آبي لمن ترعاهم من المسنين رعاية وإنسانية لا تحصل عليهما من قبل جهة عملها.

أما الابنان اللذان يبذل كريس وآبي جهدهما لرعايتيهما هما لايزا جين (كيتي بروكتور) الذكية اللطيفة، التي لا ترغب في شيء إلا الحضور الدافئ لوالديها في البيت. أما سيب (ريس ستون) فهو صبي في مرحلة المراهقة، بكل ما تحمله هذه الفترة العمرية من تمرد وتغيرات. لديه طاقة إبداعية كبيرة يستخدمها في رسم الغرافيتي مع مجموعة من أصدقائه. ولكنه يتمرد على مدرسته ويرتكب مخالفات قد تضعه تحت طائلة القانون. هي أسرة صغيرة متحابة، ولكن الجهد والإرهاق والعناء الذي يتكبده الأب والساعات الطويلة في البعد عن المنزل، في الوقت الذي يحتاج فيه الابن المراهق لوجود الأب كلها أمور تضع المزيد والمزيد من الضغوط على الأسرة.

وما يزيد من تفهمنا وتعاطفنا مع هذه الأسرة الصغيرة هو صدق الأداء الذي يقدمه الجميع. هانيوود، وهي معلمة عملت في التدريس لأعوام عديدة ودورها في الفيلم أول أدوارها على الشاشة، هي الأم بكل حنوها وألمها وقلقها وخوفها على زوجها من عمله المضني الذي يهدد كيان الأسرة. بروكتور، في أول أدوارها أيضا، هي تجسيد صادق للابنة المرهفة المشاعر التي تود فقط أن تنعم بدفء أسرتها. أما ستون، فهو تجسيد حقيقي لصمت المراهقة وتمردها المكتوم، وتجسيد لاحتياج الصبي لوالده. غضب سيب ليس مؤشرا على كراهية أبيه، بل رغبة في القرب منه واحتياج له.

يقدم لوتش رؤيته للتأثير الفادح لظروف العمل واستغلال العمالة على الفرد والأسرة باقتدار كبير وبتمكن بالغ. ينجز لوتش فيلما ينفذ للقلوب والعقول، ويقدم فيلما إنسانيا وآنيا للغاية. هو صرخة لوتش في وجه النظام الرأسمالي وتحذيره من جوره ومن جبروت الشركات. وعلى الرغم من أن للمخرج الكبير مكانة وقدرا قال إن هذا قد يكون آخر أفلامه، إلا أننا نرجو ألا يكون كذلك.

 

القدس العربي اللندنية في

19.05.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004