كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أسامة فوزي..

السينما كوجهة نظر في الحياة

لبنى الراوي

عن رحيل «أسامة فوزي»

   
 
 
 
 
 
 

مع رحيل المخرج المصري أسامة فوزي(58 عاماً)، عاد الجدل حوله في أكثر من اتجاه، هذا ما نرصده من عناوين الصحف ومواقع الانترنت والفايسبوك، فهو "السينمائي العاشق" الذي أعلن إسلامه (وهو قبطي الأصل) انتصاراً للحب، اذ تزوج بالمسلمة سلوى الخطاب، لكن الزواج لم يدم طويلاً، فسرعان ما انفصل عنها بعد 3 سنوات، ولم تجد "العاشقة - الزوجة" ما تقوله في وصفه سوى أنه "فنان جيد وزوج سيء". يكتب السينمائي نصري حجاج: "لا أدري إذا كان عشقه لفنانة مسلمة، هي سلوى خطاب، ما دفعه إلى إعتناق الإسلام الذي هو دينٌ، مؤسسة وفقهاء أكثر تحجراً ومناهضةً لحرية التفكير من المؤسسة الكنسية، أم إن الأمر كان هروباً عابراً من فوضى اللعنات والتحجر". 

وفوزي هو المتحرر والمتمرد في زمن الخنوع والوصاية، والهادئ الذي لا يتوقف صخبه، والسينمائي الذي أغضب الكنيسة بعد فيلم "بحب السيما" الذي اعتبره مخرجه "مرادفاً للحرية، وأن الجدل حوله في مصر لم يكن له داع"، إذ أثار ضجة كبيرة وقت عرضه، حيث وصل الأمر إلى رفع دعاوى قضائية للمطالبة بوقف عرضه بعد حملة شنها محامون ومثقفون مسيحيون ومسلمون مصريون بتهمة تشويه صورة الأرثوذكس في مصر. فبطل الفيلم الأرثوذكسي يظهر في صورة رجل متشدد، يعامل زوجته البروتستانتية بقسوة، وكذلك ابنه الذي يهوى مشاهدة الأفلام، لكن الأب يحذره بدافع أن "السينما حرام والغناء حرام" حتى أن الطفل يصرخ قائلاً "أنا بكره بابا وبكره الكنيسة وبتوع الكنيسة".

أقسى هذه التُهم هي تهمة "المس بالذات الإلهية، وازدراء الأديان، والتطاول على قدسية الكنيسة، والحضَّ على كراهيتها"، وقد ذهب البعض منهم إلى القول بأن السماح بـ"عرض هذا الفيلم يعرِّض الوحدة الوطنية للخطر!". غير أن السلطات المختصة طوّقت البلبلة، وسمحت بعرض الفيلم، رغم الاحتجاجات ومظاهرات جرت في بعض الكنائس والتجمعات القبطية، ولم تنفع الرسائل الإلكترونية التي وُجهت إلى أقباط مصر للحد من مشاهدتهم لهذا الفيلم علّه يُمنى بالفشل الذريع.  

ثمة طفرة نقدية تناولت فيلم "بحب السيما". فعدا عن جدارة الفيلم، هناك منطق الممنوع مرغوب، وقد حاولت المقالات التركيز على مختلف جوانب الفيلم وليس أسباب البلبلة حوله. كتب الناقد جابر عصفور أكثر من مقال في جريدة "الحياة" اللندنية، وأكد على أوجه التشابه بين فيلمي "بحب السيما"(لفوزي) و"سينما باراديسو" للمخرج الإيطالي جيوسيبي تورناتوري. ومرّد هذا التشابه، بحسب ظنه، أن الفيلمين يندرجان تحت توصيف "الكوميديا الدرامية"، وأن البطلين طفلان صغيران ينجذبان إلى عوالم السينما الساحرة، كما هو الحال مع نعيم يوسف عثمان الذي استحوذ على دور بارز من البطولة الثلاثية الموزعة بينه وبين أمّه نعمات (ليلى علوي) وأبيه عدلي (محمود حميدة)، والطفل الإيطالي "توتو" الذي أفضى به حب السينما إلى أن يصبح واحداً من مخرجيها الخلّص. كما أن المسافة الزمنية التي تفصل بين عودة المخرج الإيطالي إلى قريته بسبب وفاة صديقه الذي أغراه بالولوج إلى عالم السينما، وبين الراوي، كاتب السيناريو هاني فوزي، الذي يستعيد ذكرياته المقترنة بحبه للسينما في منطقة شبرا في القاهرة، هي ثلاثين سنة. وأن الإثنين يدوِّنان سيرتهما الذاتية من خلال حب السينما والانقطاع لعوالمها الفنية والجمالية.

وتأتي أهمية "بحب السيما" من خلال محاولته الجادة في ولوج أعماق أسرة قبطية، يتعرض الأب للمرض ويعيد اكتشاف نفسه ويفاجأ بأنه كان يخاف الله لا يحبه، وكان يقسو على نفسه وأسرته بلا داع، ويعلن في لحظة مواجهة مع النفس، وهو يخاطب الله أنه لا يحبه "أنا دايماً خايف منك، نفسي أحبك زي ما تكون أبويا". وتتغير علاقته بالله فتقوم على الحب لا الخوف، كما يغير معاملته لأسرته ويدخل السينما مع زوجته وابنه ويسود الأسرة جو من التسامح.

الأسرة هي نموذج مصغّر للحياة القبطية بعامة في المجتمع المصري لسبر أغوارها، والتعرّف على ماهيتها، والكشف عن حقيقتها الناصعة بما تنطوي عليه من تزمّت، وتشدّد، ونزعات أصولية هنا أو هناك. والكثير من النقاد والمتلقين الذين شاهدوا الفيلم، وجدوه لم يقتصر على الديانة المسيحية فقط، وإنما تمتد رموزه الدينية والإشارية إلى الديانات السماوية كلها.

لم يكن أسامة فوزي، الطالب في الفرقة الثالثة قسم الإخراج في معهد السينما، قد بلغ عامه الـ22 في العام 1983، عندما عمل مساعد مخرج في فيلم بعنوان "المتشردان"، وبعدها مجموعة كبيرة من الأعمال. إذ حاول خلال تلك الفترة، أن يعمل قدر الإمكان مع أكبر عدد ممكن من المخرجين، ليضيف عنصر الخبرة إلى موهبته الفطرية ويعمق رؤيته السينمائية ويضيف إلى اتجاهه ما يناسبه، منهم حسين كمال، نيازي مصطفى، حسن الإمام، أشرف فهمي، سعيد حامد، يسرى نصرالله ورضوان الكاشف

4 تجارب

قال المخرج داوود عبدالسيد، إن أسامة له 4 تجارب إخراجية جريئة، في السينما المصرية، وأعماله دائماً تكون مرتبطة بوجهة نظره في الحياة، وليست مجرد أفلام تجارية، وذلك يكون أقرب إلى سينما المؤلف: "لم يتدخّل فى الكتابة أو الأفكار، لكنه كان يختار الأعمال التي تُعبّر عن وجهات نظره، ولم يُشارك في أفلام لمجرد التسلية". فبروح منفتحة، قرر فوزي أن يخوض أولى تجاربه الإخراجية بعد سنوات من العمل كمساعد مخرج، بـ"عفاريت الأسفلت" في 1996. في هذا الفيلم، يخبرنا فوزي قصة حي شعبي حيث تقطن مجموعة من سائقي سيارات الأجرة "الميكروباصات"، وهي فئة لم تحظ بحكايتها السينمائية المستقلة قبل أن يسردها فوزي في هذا الفيلم

سائقو الميكروباص أو "عفاريت الأسفلت" كما يصفون أنفسهم، هم فئة من نوع خاص، ينتمون بشكل ما لطبقة فقيرة، لكنهم معتزون بأنفسهم بشكل كبير، متأنقون دائماً، وشغوفون باقتناص الحب أو انتزاعه. عمل عبدالله (جميل راتب) سائقًا لميكروباص والده عم علي، بالتناوب مع ابنه سيد (محمود حميدة)، وتظل شقيقته انشراح (سلوى خطاب) بلا زواج رغم تقدمها في السن، ومن هذا المنطلق، تلوح في الأفق شبكة معقدة من العلاقات المحرمة. فعبدالله يخون زوجته تفيدة مع أم رنجو صديق ابنه، وتخون تفيدة زوجها مع الأسطى محمد الحلاق المتزوج من بطة التي تخونه بدورها مع سيد، كما تتكون في الوقت ذاته علاقة حب بين انشراح ورنجو صديق شقيقها المقرب.

وبعد 4 سنوات خرجت التجربة الثانية أكثر جرأة وتحرراً من السينما قيود التقليدية المعتادة، لترسي تقاليد جديدة، حيث أصبح "جنة الشياطين" من أبرز العلامات السينمائية. تدور الأحداث حول "طبل"، وهو شخص قرر ترك أسرته الغنية وحياته المرفهة، ليعيش حياة بوهيمية تماماً وسط عدد من المهمشين، حتى يموت. وبينما تسعى ابنته حينها لمنحه جنازة لائقة بالعائلة، فإن أصدقاءه يسرقون الجثة تمهيداً لوداعه بطريقتهم الخاصة. عالم خاص يشاركه فيه أيضاً مصطفى ذكرى ومحمود حميدة عن رواية الكاتب البرازيلي خورخي أمادو، التي عالجها صناع الفيلم بالحذف والتعديل والتشويه، تماماً كما وصفوا ذلك بأنفسهم، لتصبح مناسبة تماماً للسياق المصري

أما فيلم "بالألوان الطبيعة"، فتدور أحداثه حول يوسف طالب بكلية الفنون الجميلة، الذي استجاب لنداء الموهبة وحب الرسم ضد رغبة الأسرة، التي كانت تحلم بالتحاقه بكلية الطب. وعلى مدار سنوات الدراسة داخل كلية الفنون الجميلة، تتغير شخصيته تماماً وتحدث حالة صدام بين الأفكار الدينية لدى الناس حول الفنون، خصوصاً النحت والرسم والنظرية الدينية المتشددة وموهبته كفنان. ومن خلال يوسف، يرصد الفيلم أشباحاً كثيرة تحوم حوله، مثل أساتذته في الكلية، الذين يشكلون نماذج بشرية مختلفة، وكذلك الطلبة وزملاؤه وشيوخن يفتون بأقوال ضد الفنون. ويظل يوسف يحارب كل الأشباح، التي تحيط به، محتفظاً بموهبته، التى تلفت انتباه كل من حوله.

وأثار هذا الفيلم جدلاً، حتى قبل عرضه في السينما، واعتبره طلبة كلية الفنون الجميلة مسيئاً لهم، خصوصاً أنه تناول الكثير من المشاكل الشائكة التي تتعلق بقضية الحلال والحرام، والتي باتت تحكم كل سلوكيات المجتمع.

انقسم النقاد والجمهور بين مؤيد ومعارض للفيلم، فالبعض رآه صرخة سينمائية كاريكاتيرية ترصد فساد المجتمع وفساد المؤسسة التعليمية، وآخرون اعتبروه فيلماً فيه الكثير من المبالغات والمزايدات والتي قد تصل إلى حد الفجاجة، مما قد ينفر البعض من الظواهر التي يعالجها الفيلم. وسبق أن تحدث مؤلف الفيلم هاني فوزي (شقيق المخرج) عن الحلال والحرام فى السلطة المطلقة من خلال فيلم "بحب السيما" الذي كان يحمل جزءاً من سيرته الذاتية وهو طفل. وهو ناقش في "بالألوان الطبيعية" الفكرة نفسها، لكن من خلال خبرته وتجربته كطالب فى كلية الفنون الجميلة.

 

المدن الإلكترونية في

10.01.2019

 
 
 
 
 

أسامة فوزي يغادر جنّة الشياطين

محمد جابر

قبل أقل من شهرين، كان المخرج المصري أسامة فوزي يحضر جلسات "أيام القاهرة لصناعة السينما"، ضمن نشاطات مهرجان القاهرة السينمائي، باحثاً عن تمويل لفيلمه الجديد المتعثر منذ سنوات "أسود وردي"، وهو واحد من مشاريع أخرى كان يعمل عليها ويتمنى تنفيذها. لذلك جاء خبر رحيله، أول أمس، صادماً، ليس فقط لأنه أحد رموز السينما المصرية في العقود الثلاثة الأخيرة، ولكونه لم يتجاوز بعد الثامنة والخمسين من عمره، ولكن لأنه كان، وحتى لحظة قريبة جداً، موجوداً وممتلئاً بالأفكار وراغباً في العمل وصنع الأفلام، قبل أن يغيبه الموت ويترك وراءه إرثاً قليلاً من حيث العدد وثميناً جداً من ناحية القيمة. 

واقعية سحرية 

تخرج أسامة فوزي من معهد السينما عام 1984، وعمل مساعد مخرج لقرابة الـ12 عاماً، مع عدد من المخرجين الموهوبين في أعمالهم الأولى، مثل يسري نصر الله وشريف عرفة ورضوان الكاشف، وخلال تلك الفترة كان يفكر ويبحث بشكل دائم عن مشروعه الخاص، وشكل الأفلام التي يرغب في تنفيذها، قبل أن يجد ضالته بعد تعرفه على السيناريست مصطفى ذكري في مطلع التسعينيات، وأقرب ما يمكن أن يصف سينماهما المشتركة هو أنها تدور في مساحة أقرب للواقعية السحرية؛ حين يكون ما يحدث شديد الصلة بالواقع ولديه قدرة استثنائية أحياناً على التقاط تفاصيله، ولكن طريقة التعبير عنه وسرده واللغة السينمائية المستخدمة فيه تشعر المتفرج بشيء سحري وغير واقعي. 

باكورة أعمال أسامة فوزي، ومن سيناريو ذكري، "عفاريت الأسفلت" (1996)، يحمل تلك "الواقعية السحرية" بوضوح، حيث يدور في عوالم سائقي الميكروباص في منطقة حلوان، ويلتقط بشكل فاعل تفاصيل حياتهم وأحاديثهم العادية، وتكون الشخصيات من صلب الحياة اليومية؛ سائق وحلاق ومتسول ومطرب شعبي وسيدات يعانين من الكبت وخريطة متداخلة من العلاقات الإنسانية والجنسية ضمن مكان واحد. ولكن في مقابل كل هذا "الواقعي"، هناك سحر خفي وطبقة أخرى في حكايات الناس عن أنفسهم وكيف تتحرك الأحداث بهم وما هي الأزمات التي يعانون منها؛ كأن يشعر الحلاق بالحزن ليس لأن شخصاً مات تحت يديه وهو يقص شعره ويحكي له، ولكن لأنه لن يعلم أبداً في أي جزء مات من الحكاية وأي جزء لم يسمعه؟! 

بعدها بعامين، أخرج فوزي أشهر أعماله: "جنة الشياطين"، في تعاونه الثاني على التوالي مع ذكري ككاتب سيناريو والممثل محمود حميدة كبطل، مقتبسين رواية "ميتتان لرجل واحد" للبرازيلي جورج أمادو، ويخلقون بها "ديستوبيا" مصرية أصيلة جداً، عن "طبل" الذي يترك حياة عائلته الغنية ويعيش حياة ليلية صاخبة في قاهرة لم تظهر بهذا الشكل في السينما من قبل، وحين يموت يقرر أصدقاؤه سرقة جثته من أجل وداعه بطريقة مناسبة. كان الفيلم أكثر راديكالية في عالمه وأسلوبه من "عفاريت الأسفلت"، ولكن في الجوهر استمر الثنائي فوزي وذكري في مساءلة المواضيع نفسها، عن الموت والعلاقات الجسدية والعالم الخفي للمدينة، وكذلك في التعبير عن حكايتهم بلغة سينمائية لا تشبه أي شيء سابق لها. 

بحب السيما 

رغم النجاح النقدي الكبير لفيلم "جنة الشياطين"، وعرضه في مهرجان "لوكارنو" وحصوله على الجائزة الذهبية لمهرجان دمشق، إلا أنه فشل تجارياً، وتسبب بخسائر فادحة لمنتجه محمود حميدة. ونظراً لأن السينما المصرية نفسها كانت تتغير في ذلك الوقت وتصبح أميل للشباب والأفلام الكوميدية، فقد دخل أسامة فوزي منذ ذلك الحين في مرحلة لم تنتهِ حتى رحيله.. ترتبط بالمعاناة من أجل الاستمرار وصناعة الأفلام، والمخرج الذي صنع فيلمين عظيمين في ثلاث سنوات، لم يخرج بعدهما إلا فيملين آخرين في 20 عاماً. 

الفيلم الأول هو "بحب السيما" (2004)، وهو حكاية ذاتية عن نشأته في القاهرة منتصف الستينيات لعائلة مسيحية، وعلاقته وحبه الفطري للسينما رغم التزمت الشديد لوالده، ونال الفيلم تقديراً كبيراً عند عرضه. أما فيلمه الأخير فهو "بالألوان الطبيعية" (2009)، ويستمر فيه على الخط نفسه عن علاقة الفن بالمجتمع والأفكار المتزمتة، والتشتت الذي يصيب صانع الفن أحياناً من محاربة أشباح السلطة والدين من حوله، ولم ينل الفيلم مستوى نجاح أفلامه السابقة. 

منذ تلك اللحظة وفوزي يحاول إنتاج مشروع "أسود وردي"، الذي يعاود فيه التعاون مع شريكه وكاتبه المفضل مصطفى ذكري لمرة ثالثة، ومع التعطل المتتالي على مدى سنوات كان يحاول إيجاد تمويل لمشاريع أخرى، مثل مسلسل "ترنيمة إبليس" قبل عامين، الذي توقف قبل بداية التصوير بأسابيع قليلة. وكان آخر ظهور له في مهرجان القاهرة، يبحث عن طريقة لتحقيق حلم "أسود وردي" وصنْعِ فيلم خامس بعد عشر سنوات من التوقف، قبل أن تأتي وفاته المفاجئة كخسارة كبرى لصانع أفلام مصري لن يتكرر.

 

العربي الجديد اللندنية في

10.01.2019

 
 
 
 
 

أسامة فوزى.. المحارب يستريح

كتب: خالد فرج ونورهان نصر الله وأحمد حسين صوان وأبانوب رجائى وعمر الديب

أجاد الصمت والهدوء كما لم يُجِده أحد من قبل، فكما كانت الحياة كان الرحيل، بعد رحلة سينمائية لمخرج صاحب مشروع خاص رحل المخرج أسامة فوزى ظهر أمس الأول عن عمر يناهز 58 عاماً، لتقام صلاة الجنازة على جثمانه فى نفس اليوم، ليوارى الثرى ويرقد فى سلام لم يكن قد حظى به فى حياته، وإمعاناً فى الوصول إلى أقصى درجات السلام فى عالمه الأخير أوصى بعدم إقامة مراسم للعزاء، ليظل ساخراً من الموت حتى بعد وفاته، أمام حالة صدمة خيَّمت على الوسط الفنى الذى فقد واحداً من أصدق الفنانين.

صدمة خيمت على الوسط الفنى بخبر رحيل المخرج أسامة فوزى، فى أولى خسائر عام 2019، فالمخرج صاحب المشروع السينمائى المتميز والكاميرا شديدة الخصوصية، رحل دون أن يكمل عامه الـ58، برصيد لم يتجاوز الـ4 أفلام، لكنها من أبرز العلامات فى السينما المصرية.

قال المخرج داوود عبدالسيد، إن «أسامة» له 4 تجارب إخراجية جريئة، فى السينما المصرية، وأعماله دائماً تكون مرتبطة بوجهة نظره فى الحياة، وليست مجرد أفلام تجارية، وذلك يكون أقرب إلى سينما المؤلف: «لم يتدخّل فى الكتابة أو الأفكار، لكنه كان يختار الأعمال التى تُعبّر عن وجهات نظره، ولم يُشارك فى أفلام لمجرد التسلية». وأضاف «داوود» لـ«الوطن»، أن ذلك النوع مضطهد فى السينما بشكل ما، لأن الصناعة تحتاج إلى أفلام تجارية، لافتاً إلى المأساة التى انتهى لها حال «أسامة»: «مُخرج موهوب، يختطفه الموت وهو ما زال قادراً على العطاء»، مشيراً إلى أن المعاناة التى تعرّض لها أسامة، يواجهها نجوم كبار أيضاً، حيث لا يتم استغلالهم بالشكل الأمثل، على حد تعبيره.

صدمة فى الوسط الفنى لرحيله وسينمائيون: أحلامه اصطدمت بقسوة الواقع

من جانبه، قال المخرج محمد ياسين: إن المشروع السينمائى لا يرتبط بمسألة الكم، فالراحل عاطف الطيب كان لديه مشروع سينمائى، لكن إنتاجه كان غزيراً، وأسامة فوزى كان يملك بالفعل مشروعاً سينمائياً، وكان لديه وعى وفهم لمتطلبات الفيلم الذى يقدمه وفقاً لنوعه، وطبقاً للمشروع الكبير الخاص به، وهى النقطة التى تفرق بين مخرج وآخر»، مضيفاً: «بالمقارنة مع الطيب كانت هناك صناعة مزدهرة فى ذلك الوقت، وبالتأكيد أسامة كان يتمنى تقديم عدد أفلام أكبر مما قدمه، لكنه كان أمام صناعة انهارت لسنوات طويلة، وبها متغيرات كبيرة هى بالتأكيد التى أدت إلى تقلص عدد أفلامه بهذا الشكل». وتابع «ياسين» لـ«الوطن»: «أسامة فوزى كان شخصاً مؤمناً بالذى يقدّمه، فكان لا يقدم إلا ما يحبه ويفهمه ويكون قادراً على السيطرة على كل فيلم يقدمه فى ظل مشروعه الكبير، إخلاصه الشديد للمهنة ولما يقدمه، تفانيه فى حياته وقدرته على تحمّل صعوبات كثيرة فى حياته الشخصية، فى سبيل حفاظه على قيمته واحترامه للمتفرّج الذى يقدم له الفيلم، رغم قلة أعماله، إلا أنه مخرج سيظل موجوداً فى تاريخ السينما المصرية، بحبه وإيمانه للمهنة».

ونعى المخرج عماد البهات، المخرج أسامة فوزى، موضحاً أنهما تعاونا معاً فى بداية التسعينات، عندما كان يعمل الأخير مساعد مخرج، لتتحوّل العلاقة إلى صداقة حتى وافته المنية قبل يومين: «وفاته بمثابة خسارة على المستوى الفنى والإنسانى».

«عبدالسيد»: تجاربه جريئة عكست نظرته للحياة.. و«ياسين»: صاحب مشروع متفرد.. و«الشناوى»: لم يكن مريضاً وكان يرغب فى العمل.. و«عبدالرازق»: جيله تعرّض لإجهاض عنيف وحصار خانق

وقال «البهات» لـ«الوطن» إن «أسامة» كانت لديه أحلام عديدة، لكنه كان يصطدم كثيراً بقسوة الواقع، إذ إن غيابه عن السينما ليس بإرادته: «كان يحارب من أجل تنفيذ مشروعه السينمائى، منذ أكثر من 5 أعوام، وبذل جهوداً ضخمة، لكنها باءت بالفشل، حيث إن غالبية الجهات الإنتاجية لا تُرحب بهذه النوعية من التجارب»، مشيراً إلى أنه شارك فى العديد من المسابقات، أبرزها الخاصة بوزارة الثقافة، للحصول على دعم لفيلمه.

من جانبه، قال الناقد محمد عاطف: «أسامة كان مهموماً بالوضع الذى وصل إليه حال السينما، فى السنوات الأخيرة، وخاض رحلة طويلة للبحث عن تمويل لمشروعه السينمائى، وشارك مؤخراً فى ملتقى القاهرة السينمائى من أجل الحصول على دعم لفيلم سينمائى، كان سيشهد عودته للمجال مجدداً، كان يتعاون فيه مع الكاتب مصطفى ذكرى».

«من المخرجين الموهوبين، الذين يحبون عملهم»، قالها الفنان إدوارد، الذى شارك فى أول أعماله السينمائية من خلال فيلم «بحب السيما» للمخرج الراحل أسامة فوزى، الذى اكتشف أنه كوميديان أثناء تصوير الفيلم، حيث كان يؤدى مشهداً تراجيدياً، لكن «فوزى» بدأ فى الضحك، فاندهش «إدوارد» وذهب له، قائلاً: «هو أنا مش باعرف أمثل» ليرد عليه: «لأ.. بتعرف تمثل، بس انت كوميديان».

خاضت الفنانة فريال يوسف أولى تجاربها السينمائية فى مصر من خلال فيلم «بالألوان الطبيعية» عام 2009، آخر أعمال الراحل أسامة فوزى، مؤكدة أنها تشعر بصدمة إزاء خبر وفاته، لأنها كانت تحترمه وتحب فنه ونظرته الفنية، مضيفة أنها تعلمت الكثير منه فى أولى تجاربها السينمائية بمصر، معتبرة إياه وش السعد عليها، لأنه منحها دفعة كبيرة فى «بالألوان الطبيعية». وتابعت لـ«الوطن»: «تشرّفت بالعمل مع مخرج يرفع الرأس بأفلامه فى المهرجانات الدولية، وكنت من المحظوظات ممن تعاونوا معه فى آخر أفلامه، ولا أملك حالياً سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة، لأننا خسرنا مخرجاً أشعر أنه لم يأخذ حقه بشكل كافٍ، فإن كان قد رحل بجسده فأعماله ستظل باقية أبد الدهر».

«إدوارد»: اكتشفنى فى «بحب السيما» كـ«كوميديان».. و«فريال»: رفع راسنا فى المهرجانات الدولية.. وأول من قدّمنى للسينما المصرية فى «بالألوان الطبيعية»

وكشف الناقد طارق الشناوى عن الفترة الأخيرة فى حياة «فوزى» قبل رحيله، مؤكداً أنه لم يكن مريضاً، وكان يقترح على السيناريست عبدالرحيم كمال منذ أيام أن يكتب له عملاً، متابعاً: «لم يكن متفاعلاً مع الحياة الفنية بشكل كافٍ، باستثناء مشاركته فى لجنة تحكيم أحد المهرجانات الفنية، وذلك رغم أنه لم يكن من الأسماء المعتادة فى لجان المهرجانات، خرج من جيل داوود عبدالسيد، وخيرى بشارة ومحمد خان، لكنه استطاع أن يدخل مناطق كثيرة مختلفة وقام بتحليلها وتقديمها للجمهور». وقال الناقد رامى عبدالرازق إن أسامة فوزى وجيله كانوا يعتبرون امتداداً لجيل الواقعية الجديدة فى السينما المصرية، وفى سياق سينمائى طبيعى وناضج كان يجب أن يتولى هؤلاء الأشخاص امتداد المشروع السينمائى المصرى، ويكملوا ما بدأه السابقون بلغتهم وأفكارهم، لكنهم تعرضوا لحالة إجهاض عنيف لم يتعرّض له جيل سابق، كان أولهم أسامة فوزى، لأنه كان يريد العمل بسياقات مختلفة عن السوق فى ظل إنتاجات شحيحة، حتى مع حدوث نشاط سينمائى فى نهاية التسعينات كانت بعيدة عن السياقات التى كان يرغب فى العمل خلالها، وغيره من مخرجين جادين يتعاملون مع السينما باعتبارها مشروعاً ثقافياً، متابعاً: «باستثناء وجود منتج تحمس لتجارب مثل (عفاريت الأسفلت) و(جنة الشياطين)، التى تعتبر فى وقت ظهورها بداية الأفلام المستقلة الحقيقية، لأنها كانت مستقلة عن السياق العام للسوق».

وأضاف «عبدالرازق» لـ«الوطن»: «الحصار الخانق الذى تعرّض له «فوزى» لم يقتصر على مستوى الإنتاج فقط، بل على عدة مستويات منها مع الدولة، فعلى مدار سنوات، واجه مشكلة مع فيلم (بحب السيما)، بالإضافة إلى اعتراض الكنيسة على الفيلم، حتى المجتمع نفسه تغير نتيجة التحولات والتردى الحضارى والمجتمعى فأصبح ضد الفن الذى يحبه فوزى ويقدمه، وبالتالى كل تلك السياقات كان لها دور فى أن تقتصر أعمال المخرج الراحل على 4 أفلام».

 

####

 

3 أفلام وصورة.. قصة "الظهور الأخير" لأسامة بصحبة محمود حميدة

كتب: نورهان نصرالله

لم يعلم أحد أنه الظهور الأخير، لم يتشكك أحد في ظهوره الإعلامي أمام الكاميرات والمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي، وهو المقل المختفي دائما، لم يعلم أحد أنها صورته الأخيرة في الأذهان ستكون وهو برفقة صديق عمره يروي كواليس عملهما معا، لتكون بديلا عن صور عديدة لهم لم يرها الجمهور من قبل، كان ذلك الظهور الأخير للمخرج الراحل أسامة فوزي، والذي جمعه بالفنان محمود حميدة في ندوة ضمن فعاليات الدورة السابقة من مهرجان الجونة السينمائي.

علاقة مهمة ومختلفة جمعت الثنائي "فوزي" و"حميدة"، الذي قام ببطولة 3 من أصل 4 أفلام قدمهم فوزي على مدار مشواره الفني القصير، لتعتبر تلك الأعمال من العلامات الفارقة في مسيرتهما الإبداعية، فكان "حميدة" بطل أول تجارب "فوزي" الإخراجية عام 1996 بـ"عفاريت الأسفلت" الذي شارك في مهرجان لوكارنو السينمائي وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وكشف "حميدة" كواليس اللقاء السينمائي الأول بينهما في الفيلم، قائلا: "كنت في ذلك الوقت نجم صاعد، وكل الممثلين المعروفين في ذلك الوقت رفضوا الفيلم ولكن أنا قررت تقديمه".

بينما كان "جنة الشياطين" المأخوذ عن رواية "الرجل الذي مات مرتين" للكاتب البرازيلي جورج أمادو، هي التجربة الأكثر جموحا ليس في مشوارهما السينمائي بل في السينما المصرية أيضا، في عام 1999، حيث قدم "حميدة" خلال الفيلم شخصية "طبل" الذي ترك عائلته الاستقراطية حتى يعيش حياة عشوائية وسط مجموعة من المهمشين، الذين يقرروا سرقة جثته حتى يودعوه بطريقتهم الخاصة، وخلال 78 دقيقة هي مدة الفيلم يقدم "حميدة" شخصية ميت، فلم يتحمس للتجربة كممثل فقط بل قام بإنتاجها من خلال شركته، وشارك الفيلم في مجموعة كبيرة من المهرجانات وحصد عدد من الجوائز، منها الجائزة الذهبية في دمشق، ومهرجان خربكا في المغرب، كذلك نال تكريم في معهد العالم العربي في باريس.

وهو ما قال عنه الناقد طارق الشناوي، "فوز محمود حميدة بجائزة أفضل ممثل من مهرجان دمشق، عن دوره فى فيلم (جنة الشياطين)، يدل على تميز المخرج الراحل، حيث كان يؤدى حميدة دور شخص ميت، فكيف استطاع المخرج أن يقدم على الشاشة شخصاً ميتاً، ليصل إلى فوزه بجائزة أحسن ممثل".

وعن تلك التجربة، قال "فوزي" في ظهوره الأخير، "كنت بجس نبضه وحماسه في الأول عن الدور ولم يعترض إطلاقا.. قلت له إن الفيلم ممكن يضيع مستقبله لأن كان يتم تقديمه في السينما المصرية كـ جان، وبالفعل كان محقق نجاح وحائز على إعجاب الفتيات والسيدات، كيف ستظهر كميت بهذا الشكل في الفيلم دون أسنان، ولكنه صمم على ذلك وتحمس للفيلم وللشخصية وهو ما يؤكد حجم وعيه، ولذلك كنت سعيد بالعثور على (طبل)، وكان هناك ورشة عمل استمرت 3 شهور للممثلين في الفيلم".

"بحب السيما" كان العمل الثالث على التوالي الذي جمع الثنائي معا، في 2004، وقدم خلاله "حميدة" شخصية المسيحي المتزمت عقائديا، حيث كانت تدور الأحداث حول عائلة مصرية مسيحية إلا أن لفيلم واجه هجوما مجتمعيا كبير وآخر من قبل رجال الدين المسيحي، ووصل الأمر إلى مطالبات بمنع عرض الفيلم، إلا أن الفيلم يعتبر من أهم العلامات في السينما المصرية، حيث كشف حميدة عن رغبته في إنتاج الفيلم في ذلك الوقت، قائلا: "حبيت الفيلم للغاية بمجرد قراءته وكنت أرغب في إنتاجه ولكن لم يكن لدي المال الكافي لذلك".

 

####

 

أبرزهم أسامة فوزي وسلوى خطاب.. مبدعون اعتنقوا الإسلام انتصارا للحب

كتب: خالد فرج

خطفت الفنانة سلوى خطاب قلب المخرج الراحل أسامة فوزي، الذي وافته المنية، أمس الأول، بعد صراع  مع المرض، ليدفعه حبها ورغبته في الزواج منها إلى اعتناق الدين الإسلامي بعد أن كان يعتنق المسيحية.

وترصد «الوطن» في هذا التقرير عددا من الحالات التي اعتنق فيها أحد طرفيها الإسلام انتصارا للحب وإكمال حياته مع نصفه الآخر.

عمر الشريف وفاتن حمامة:

ترك ديانته اليهودية واعتنق الإسلام، وغير اسمه من ميشيل شلهوب إلى عمر الشريف، للزواج من فاتن حمامة عام 1954 قبل أن ينفصلا عام 1974.

صفوت غطاس وسميرة أحمد:

تخلى المنتج صفوت غطاس عن ديانته المسيحية للزواج من الفنانة سميرة أحمد، التي كانت زيجتهما هي الرابعة في حياة الأخيرة.

رمسيس نجيب ولبني عبدالعزيز

التقي المنتج رمسيس نجيب بالفنانة لبني عبدالعزيز لأول مرة عام 1957، ووقع في غرامها وأبدى رغبته في الزواج منها، حيث تخلى عن ديانته المسيحية، لإتمام رغبته في الزواج منها.

####

كاملة أبوذكري للمخرج أسامة فوزي: "يارب تكون طاير وبتضحك"

كتب: الوطن

وصفت المخرجة كاملة أبوذكري، أغلب مخرجي السينما حالياً بأنهم أقل من "ضوفر" المخرج الراحل أسامة فوزي، الذي وافته المنية، الثلاثاء الماضي، بعد صراع مع المرض.

ونشرت أبوذكري، صورة للمخرج الراحل، وعلقت عليها قائلة: "أغلب أغلب إللي بيسموا نفسهم مخرجين دلوقتي، وقاعدين بيقولوا أكشن وستوب وأساميهم بتشوفوها ليل و نهار دول أقل من ضوفر المخرج أسامة فوزي أو عيب حتى أحطهم في مسمي واحد"

وأضافت: "إحنا كلنا يا أسامة مفيش حد كان شبهك، يمكن زي ما محمد صلاح نادي الزمالك رفضه، ولما عاش في مناخ تاني اتقدر واتشاف، يمكن كنت على الأقل عرفت تحقق أحلامك ومتعتنا بـ20 فيلم كدة".

واختتمت: "أنت قعدت مش علشان مكتئب، قعدت علشان إنت أنقى من كل الوساخة دي، الله يرحمك ويارب تكون طاير وبتضحك".

####

إدارة مهرجان القاهرة تنعى أسامة فوزي: "لن ننساك"

كتب: ضحى محمد

أصدرت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي، بيانًا نعت فيه المخرج أسامة فوزي، والذي وافته المنية أمس عن عمر ناهز الـ58 عامًا.

وقال البيان: "ببالغ الحزن استقبل فريق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عمومًا، وفريق ملتقى القاهرة السينمائي خصوصًا، نبأ الرحيل الصادم للمخرج الكبير أسامة فوزي، والذي كان للملتقى شرف اختيار مشروعه الذي لم يخرج للنور (أسود وردي) ضمن المشروعات المشاركة في نسخة عام 2018".

وأضاف البيان: "إن المبدعين خلقوا ليعبروا عن أنفسهم بطريقتهم، ودور أي جهة ومؤسسة ثقافية تؤمن بالفن أن تدعم ذلك بكل ما تمتلك من إمكانيات.. لن ننسى أسامة فوزي، المبدع العظيم والإنسان الرقيق، الذي كان وجوده بيننا دليلا راسخًا على أن السينما يجب أن تستمر، وأن الفنان الحقيقي هو من يواصل السعي للإبداع بكل السبل حتى آخر لحظة في عمره".

 

الوطن المصرية في

10.01.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2019)