كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«بوهيميان رابسودى»..

فى مدح الموهبة والعائلة!

محمود عبد الشكور

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

يتجاوز فيلم «بوهيميان رابسودى» تقديم التحية لمغنى الروك الراحل فريد ميركورى، ولفريقه البريطانى «كوين»، ويتجاوز كذلك فكرة تذكير أجيال قديمة وجديدة بإحدى أشهر وأنجح أغنيات الفريق، وهى «بوهيميان رابسودى» التى يحمل الفيلم اسمها، حيث تنطلق المعالجة، من خلال 15 عاما فى حياة فريدى وفريقه، إلى تقديم التحية للوعى بالموهبة، وللعائلة، سواء الموروثة أو المصنوعة، ولفضيلة الثقة بالنفس وبالقدرات.

وعى فريدى بموهبته هو الذى جعله يدافع عنها، ووعيه باختلافه هو الذى جعله يرفض ما أراده له والده، فقد ولد فاروق (وهو اسمه الأصلى) فى زنجبار (تنزانيا)، لأب وأم من أصول هندية فارسية، وعائلته تدين بالزرادشتية، هاجرت الأسرة إلى إنجلترا، فاختار فريدى أن يكون مؤلفا ومغنيا، ورغم عمله كحامل للشنط فى مطار هيثرو، إلا أنه كان مستعدا عندما جاءته الفرصة، ليكون مع زملائه فريق «كوين»، كان واعيا تماما بأنه صوت مختلف وقادر، وكان يبحث مع زملائه عن الجديد والمختلف، لا يريدون تكرار ما ينجحون فيه، ويبذل هو وأعضاء الفريق جهدا كبيرا فى العمل على ألبوماتهم.

لكن الموهبة والعمل لايكفيان، هناك ثقة فريدى العجيبة بقدراته، أسنانه البارزة فى فمه كان يمكن أن تجعله مُعقدا ومضطربا، ولكنه اعتبرها قدرة تمكنه من توسيع مساحة صوته، وفى أول تعارف مع زملائه، يقترح عليهم بجرأة أن يكون مغنى الفرقة الجديد، بل ويغنى لهم، فيكسب إعجابهم، وفى أول اختبار معهم يتألق، ويأسر الجمهور بالصوت والحركة.

ستظل ثقته بنفسه سببا فى سيطرته على الجمهور تماما، وهو ما نراه فى حفلة النهاية العظيمة عام 1985، التى حضرها 100 ألف متفرج فى استاد ويمبلى الشهير، بالإضافة إلى ملايين المشاهدين فى العالم، الذين تابعوها عبر أجهزة التليفزيون، كان فريدى واثقا مما يفعل ويقدم، وكان زملاؤه أيضا كذلك، لذلك يصرون على تقديم أغنية «بوهيميان رابسودى»، رغم تخوف واعتراض المنتج، بل ويتركون المنتج بسبب ذلك، وعندما يقول أحد أعضاء الفريق لفريدى: «أنت أسطورة»، يوافقه فريدى، ويرد قائلا: «وأنتم أيضا أساطير».

يمتدح الفيلم الثقة، ولكنه يعرض أيضا مشاهد لأوقات زادت فيه الثقة عن الحد، فتحولت إلى أنانية وغرور، عندما ترك فريدى فريقه لصنع ألبومين مقابل 4 ملايين دولار، ولكنه سرعان ما يعود معتذرا، ومعترفا بأنه كان أنانيا، وعندما يعود إلى الفريق، يستعيد ثقته من جديد، ويستكمل النجاح والغناء، رغم إصابته بمرض الإيدز، مما سيقضى عليه فى النهاية عام 1991.

تبدو العائلة حاضرة فى الفيلم، دورها هام فى دعم الموهبة، فريدى ترك عائلته، وقام بتغيير اسمه، واختلف مع أبيه، ولكنه لم يكره أسرته، كان يدافع فقط عما اختار وأراد، وعندما ارتبط بحب عمره مارى، أخذها هى ووالدها للتعرف على عائلته، رغم ما تعوده من تأنيب وغضب الأب، وعندما وجد صديقا جديدا، زار معه الأسرة من جديد، واستعاد ثقة والده الذى أسعده أن يشارك ابنه وفريقه فى حفل ضخم يجمع تبرعات لضحايا المجاعة فى إثيوبيا، فريدى بدوره سيقدم فى الحفلة أغنية تحية لأمه التى يحبها.

العائلة البديلة حاضرة أيضا، إنها فريق «كوين» وأعضائه، هو يصفهم صراحة بالعائلة، يعود إليهم طالبا الغفران، ويصارحهم بمرضه بالإيدز، حتى فى خلافاتهم، يبدون مثل الأطفال الذين يتشاجرون مع بعضهم البعض، يسترد فريدى فى النهاية العائلة الموروثة، والعائلة التى صنعها، وتبدو مشكلته من زاوية أخرى أنه فشل فى صنع عائلة مع مارى، ولكنه احتفظ دوما بصداقتها، أما القطط الكثيرة التى يقتنيها فقد صارت عائلة ثالثة مصنوعة تؤنس وحدته.

لا يجمل الفيلم فريدى، فنراه فى ثورته، وغضبه، ولحظات تناوله الكحوليات، ويشير الفيلم إلى علاقاته المثلية، ويقدم رامى مالك شخصيته بأداء رائع، منحه جائزة الأوسكار، وتبقى أغنيات وموسيقى الفيلم راسخة فى الذاكرة، وتبقى أيضا موهبة لا تموت، رغم رحيل صاحبها، وهو فى الخامسة والأربعين فقط من العمر.

الشروق المصرية في

07.03.2019

 
 
 
 
 

غلن كلوز لـ«الشرق الأوسط»: فيلمي عن تحيّـز يسود الحياة الفنية

خسرتْ الأوسكار وربحت جوائز المهرجانات

لوس أنجليس: محمد رُضـا

أشاد الذين تابعوا نتائج حفل الأوسكار في الشهر الماضي بالروح الإيجابية الطيبة التي تمتعت بها غلن كلوز وهي تحيي زميلتها أوليفيا كولمن لفوزها بالجائزة التي نافستها عليها كأفضل ممثلة.

واللافت هنا هو أنها المرّة الأولى التي تم فيها ترشيح كولمن للأوسكار (ونالته عن فيلم «المفضلة») لكن غلن كلوز، التي لعبت بطولة فيلم «الزوجة»، سبق لها وأن رُشحت سبع مرّات، بداية من عام 1983. ولم تفز ولو مرّة واحدة.

لكن ما خسرته في الأوسكار هذا العام حققته في الـ«غولدن غلوبز»، ومن نحو عشر جمعيات نقدية أميركية أولى تمتد ما بين الساحلين الشرقي والغربي وتشمل نقاد مدينة لوس أنجليس ذاتها. إلى ذلك كانت فازت بجوائز مهرجان «بالم سبرينغز» ومهرجان «سان سيباستيان» ومهرجان طوكيو عن دورها في هذه الدراما الداكنة.

في «الزوجة» تؤدي شخصية زوجة كاتب روائي كبير (جوناثان برايس) الذي نال لتوّه جائزة نوبل. تفرح له وتحتفي مع أهل الإعلام والثقافة به ولكنها سوف تفتح، تدريجياً، صفحات من الأسرار التي كانت خافية على الجميع تحت تصميم صحافي شاب (كرستيان سلاتر) وأوج تلك الأسرار والكشف عما تحتويه من ملفات الحياة والعلاقات الزوجية الغامضة.

تمثيل غلن كلوز، بعد 99 دقيقة من العرض، يبقى الأكثر تميّـزا بالنسبة لباقي العناصر المشتركة قدرة المخرج السويدي بيورن رونغ في سابع أعماله الروائية الطويلة ولو أن ما يطمح إليه هنا أعلى مما طمح إليه في الأعمال السابقة.

بالنسبة لمقابلة تمّـت قبل أيام من موعد إعلان نتائج الأوسكار، كان من البديهي عدم سؤال الممثلة (71 سنة) عن فوزها من عدمه خاصة أن نصف ساعة بالكاد كافية لتناول تاريخ حياة في السينما انطلقت قبل أكثر من 30 سنة واشتملت على 55 فيلماً. حتى الآن.

> في مطلع «الزوجة» تستيقظين على رنين الهاتف ليلاً. مكالمة هاتفية من استوكهولم لزوجك في الفيلم لإخباره بأنه فاز بجائزة نوبل الأدبية. هل يشبه هذا المشهد بعض مشاهد الحياة عندما كنت تستيقظين على نبأ ترشيحك بجائزة ما؟

- لا. ليس هذا ما يحدث بالنسبة لي. أتلقى الاتصالات بعدما أكون عرفت من أخبار الصباح أني أصبحت مرشحة لجائزة ما. وأنت تعرف أن الجوائز تمنح في حفلات ليلية أو معظمها على الأقل. ولا يدري أحد ما إذا كان سيفوز أو لا إلا بمتابعة تلك الحفلات.

> إنها مسألة حرجة انتظار النتائج على هذا النحو. هل تشعرين بتوتر ما؟

- ربما شعرت بتوتر ما قبل ثلاثين سنة أو أقل قليلاً لكني توقفت عن ذلك. أنظر إلى الأمر كما أنظر إلى كل الأمور الأخرى التي لا أستطيع التحكم فيها. الفوز هو نتيجة عملية ديمقراطية قد تصب في خانتي أو في خانة سواي. وأنا مرتاحة. لا أعني أنني لا أكترث، لكني أعني أنني لا أشعر مسبقاً بأي إحساس يمنعني من الاستمرار بممارسة حياتي طبيعياً.

> يطرح «الزوجة» فيما يطرح مسألة العلاقة الزوجية وكيف يمكن للمرأة أن تضحي بالكثير وبصمت في سبيل من تحب. هل لهذا المضمون علاقة بالتيارات النسائية الحالية التي تطالب بالمساواة؟

- من ناحية معينة نعم. هناك علاقة لكنها ليست أساسية ولا أعتقد أن الفيلم سعى لكي يرتبط بأي تيار محدد. لا تنسَ أن الرواية كُتبت قبل عدة سنوات وأن السيناريو وُضع قبل 14 سنة. لكني عندما أقول ذلك لا يفوتني أن الرواية بحد ذاتها تؤدي إلى طرح ما تقوله. إنها شاهد على نوع من التحيز الذي يسود الحياة الفنية والثقافية ويحد من منح المرأة حقها من الظهور.

> لماذا استغرق الفيلم كل هذه السنوات قبل أن يرى النور؟

- لا أعرف كل التفاصيل لكن ما يعنيه مرور كل تلك السنوات منذ أن تم وضع النسخة الأولى من السيناريو هو أنه من الصعب إيجاد تمويل لفيلم مستقل خصوصاً مع موضوع لا يعتبره الممولون أساسياً أو قابلاً للترويج والربح. إذا ما كان هناك تحامل على السينما المستقلة فهذا الفيلم نموذجاً له.

> في الفيلم يحين الوقت الذي يبدأ فيه البيت الزوجي بالتفسخ. من ناحية بدأت تتبرمين من وضع تجدين نفسك فيه ثانوية، ومن ناحية ثانية هناك ذلك الصحافي الذي يرغب في معرفة الحقيقة. هل هذه قراءة صحيحة؟

- أعتقد ذلك. لكن العاملين اشتركا معاً في انهيار ذلك الاتفاق الزوجي وليس أحدهما. وجود الصحافي كان بمثابة فرصة سانحة للزوجة لكي تسأل نفسها وبعد 40 سنة من الزواج عما أضحت عليه.

> هي أذكى من زوجها على الأقل حين يأتي الأمر إلى العلاقة بينه وبين ابنه الشاب.

- تماماً. أقرأ العلاقة على أساس أن الزوج يخشى أن يغلبه ابنه مستقبلاً. ينظر إليه كمنافس ولا يريد أن يمنحه التجشيع الذي يطلبه الابن الموهوب من أبيه.

> سابقاً ما ظهرت في أفلام اعتمدت كثيراً على موهبة الممثل. منها، على سبيل المثال، «هاملت» و«الحافة الخشنة» و«علاقات خطرة» و«جاذبية مميتة»... كلها في الثمانينات. هل تعتقدين أن وضع الممثل، أو وضع التمثيل نفسه، تغير عبر هذه العقود لما هو عليه اليوم؟

- نعم إلى حد كبير. حين أنظر إلى الكثير من أفلام اليوم أجد اختلافات كثيرة.

> مثل ماذا؟

- ليس كل أفلام اليوم لكن العديد منها يأتي التمثيل في الخلفية. الأفلام في هذه الحالة تدفع بالمؤثرات إلى الأمام وبالممثل إلى الوراء. يصبح التمثيل أمراً آلياً لا يهم كثيراً من يقوم به طالما أنه معروف جداً. كثيرون من الممثلين الذين نراهم على الشاشة في أفلام من هذه التي نتحدث عنها هم أفضل موهبة مما تمنحهم تلك الأفلام إياه من أدوار.

> تستطيعين - كما نعلم جميعاً - الانتقال من الدراما إلى الكوميديا وما بينهما. هل التحضير واحد؟

- نعم. حالما يتبين لي ما يريد السيناريو قوله، وفي هذا الشأن عليه أن يقنعني بما يريد قوله، فإن المسألة هي دخول الشخصية وتأدية ما هو متوقع منها. إنه الترتيب ذاته والممثل هنا يستجيب للمادة كل بطريقته.

> في الفيلم الجديد لديك ابن يحتاج إلى التشجيع. ماذا تقولين للمواهب الجديدة التي تريد أن تبلغ يوماً ما بلغتيه أنت من نجاح؟

- استغلوا كل لحظة من الحياة لاكتساب المعرفة. التمثيل ليس أكثر من نقل هذه المعرفة إلى الشخصية التي تنتمي إلى المجتمع. كلما علمنا أكثر، نجحنا في التعبير الخاص بنا. هذا والمثابرة. ضرورية جداً.

الشرق الأوسط في

08.03.2019

 
 
 
 
 

فيلم "عن الآباء والأبناء".. ذلك العنف المتوارث

أمير العمري

المخرج السوري طلال ديركي يوقع المشاهد في حيرة تتعلق بتحديد "موقف" من الوضع العام القائم في سوريا.

لا أتحمس كثيرا للكتابة عن “أفلام الحرب السورية”. والأسباب عديدة. أولا لأن غالبية هذه الأفلام تتشابه في ما تحتويه من صور ولقطات بل وتتشابه أيضا في مداخلها ومخارجها وأهدافها ومناهجها. وثانيا: أن معظمها لا يقدم جديدا على صعيد “الفن” أو حتى “الصنعة” السينمائية بحيث يمكن أن تثري الفكر والخيال قبل أن تكون مجرد “بيانات” أو “بلاغات” ضد نظام بشار الأسد أو ضد الجماعات الإسلامية المسلحة لحساب النظام أو لخدمة التوجهات الدولية في الغرب، بل وحتى “ضد الحرب” على صعيد مجرد. وهو نوع من الأفلام أراها مهما خلصت نوايا صناعها، “أفلاما دعائية” أي “بروباغندة” وهو أدنى أنواع الأفلام.

من المؤكد أن الجانب الإنساني في الصراع مهم، وبالتالي ينتظر الجميع اتخاذ موقف ما من جانب السينمائي أو حتى الناقد الذي يتناول الفيلم. ولكن كيف يمكن اتخاذ موقف واضح “نقي”، بعد أن أصبح الصراع الدائر في سوريا منذ سنوات، صراعا بين قوى شريرة وأخرى لا تقل عنها شرا؟ وبعد أن أصبح الثوار الحقيقيون الذين بدأوا الثورة السلمية التي كانت تحمل مطالب إنسانية نبيلة، قد أصبحوا مع ملايين السوريين الأبرياء، لاجئين خارج بلادهم؟ عن أي ثورة إذن يمكن أن نتحدث، وأي موقف يجب أن نتخذ؟

لهذه الأسباب يتعين على المرء أن يتوخى الحذر الشديد أمام أي عمل سينمائي جديد عن “الحالة السورية” المعقدة. وينسحب هذا القول على فيلم “عن الآباء والأبناء” للمخرج طلال ديركي، وهو الفيلم الذي حصل على عدد من الجوائز في بعض المهرجانات السينمائية الدولية، كما وصل إلى التصفيات النهائية ضمن مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم تسجيلي طويل.

فهو عمل يوقع المشاهد في حيرة مشابهة ربما للحيرة التي تتعلق بتحديد موقف من الوضع العام القائم في سوريا. هذه الحيرة ليست نتيجة غياب الموقف السياسي في فيلم يتناول بالضرورة وضعا سياسيا بامتياز، بل إن ديركي يتبع أسلوبا في تصوير ومونتاج وبناء فيلمه، يبدو للوهلة الأولى كما لو كان فيلما آخر من أفلام “البروباغندة”. ولكن هذه المرة، لحساب الطرف الآخر، أي الجماعات الإسلامية المسلحة، وتحديدا ما يسمى بـ”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة.

من عوامل الإرباك في الفيلم أن طلال ديركي، السوري المقيم في برلين، يعود إلى سوريا للمرة الثانية (بعد أن كان قد صور فيلمه السابق “العودة إلى حمص” في 2013) ويذهب إلى محافظة إدلب حيث يتمكن من دخول إحدى بلداتها التي يسيطر عليها عناصر من تنظيم جبهة النصرة، بعد أن يزعم أنه مصور صحافي يعتنق فكر الجهاديين السفليين ويريد أن يصنع مع مصوره قحطان حسون، فيلما عن نضالهم لا بد أن يعتبر بالضرورة عملا دعائيا.

لذلك يكتسب طلال ومصوره ثقة أحد زعماء التنظيم وهو رجل في الأربعينات من عمره يدعى “أبوأسامة”. وهو أب لثمانية أولاد. أكبرهم هو “أسامة” سماه على اسم زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. أما البنات والزوجات فيغبن عن الفيلم. لكن سيأتي وقت نسمع صراخهن بعد أن يصاب أبوأسامة إصابة تفقده ساقه اليسرى ويعود إلى المنزل بعد أن يغادر المستشفى (الميداني).

وكما أننا لا نرى النساء في الفيلم احتراما لـ”خصوصيات” أبوأسامة الإسلامي الأصولي المتشدد الذي يستند في كل ما يقوم به في حياته اليومية إلى أحاديث ينسبها إلى النبي محمد، ليس معروفا بالطبع مدى صحتها أو دقتها أو على الأقل الأمانة في تفسيرها، لا نرى الجانب الآخر في الصراع سوى في لقطات محدودة كما في المشهد الهائل الذي يقتاد فيه أبوأسامة ورفاقه مجموعة من الشباب الغض من جنود الجيش السوري الأسرى تمهيدا على ما يبدو لذبحهم خاصة وأننا نسمع في بداية الفيلم عبر مكبر صوت رجلا ينادي ويحذر من أن وقت قطع الرقاب قد حان وأن على الجميع أن يستعدوا للموت.. أو شيء من هذا القبيل.

أبوأسامة رجل بسيط في تكوينه وأفكاره، وهو عندما يتحدث في السياسة يبدو كما لو كان يستقي من عالم الأحلام.. بل إنه يتطرق بالفعل إلى “الكوابيس″ أحيانا.. فهو مثلا يرى أن الحرب لن تستمر إلى الأبد، بل لا بد أن يأتي وقت تتعادل فيه الأطراف المختلفة، ولكن ستظهر بشارة تؤكد انتصار المسلمين على “الروم” طبقا لما ينسبه إلى النبي محمد، فهو بالقطع من أصحاب “اليقين المطلق” لا يراوده أدنى شك في انتصار الإسلام وإقامة دولة الخلافة الإسلامية ولكنه رغم ذلك يتحدث بنوع من الازدراء عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) رغم أنه لا يختلف في مبادئه وأهدافه عن تنظيم جبهة النصرة. ومرة أخرى وعلى نحو شديد السذاجة، ينسب إلى النبي محمد حديثا عن الرجل الذي لديه ولدان، ولد مطيع والآخر عاق.. ويرى أن تنظيم “داعش” هو الولد العاق!

حصل فيلم "عن الآباء والأبناء" للمخرج طلال ديركي على عدد من الجوائز في بعض المهرجانات السينمائية الدولية، كما وصل الى التصفيات النهائية ضمن مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم تسجيلي طويل

ينتقل الفيلم طوال الوقت بين أبوأسامة وأبنائه الثمانية بتركيز خاص على ولدين هما الأكبر أسامة (13 سنة) الذي يشرح والده للمخرج أنه ولد في 11 سبتمبر 2007 أي في الذكرى السادسة بالضبط لهجمات 11 سبتمبر 2001، وهو ما يعتبره بمثابة “معجزة”، أما ابنه الثاني “أيمن” (12 سنة) فقد سماه على اسم أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم. ويقول إن ابنه الثالث محمد عمر سماه على اسم زعيم طالبان (الملا عمر).

الأب وأبناؤه

الفيلم إذن ليس عن “الآباء والأبناء” بل تحديدا عن أب واحد هو أبوأسامة وأبنائه الثمانية الذين تتم تربيتهم وتنشئتهم لكي يصبحوا مستقبلا مقاتلين في صفوف التنظيم المسلح. وترصد كاميرا طلال ديركي بدقة وبشكل مثير، كيف يمارس هؤلاء الأطفال الذين تشع عيونُهم بالبراءة، حياتهم اليومية، بعد أن انقطعوا عن الذهاب إلى المدرسة استجابة لرغبة والدهم الذي يلقنهم مع رفاقه من القائمين على شؤون الشبيبة في التنظيم، مبادئ الشريعة ويغرسون في عقولهم غرسا، فكر الجهاد.

في لهوهم ولعبهم اليومي هم يترجمون العنف الذي نشأوا في ظله، فيعتدي أسامة على شقيقه بالضرب، ثم ينال بدوره عقابا جسديا صارما من والده الذي يلكمه ويركله ثم يأمر بحلق شعر رأسه، وعندما يلقي الأطفال بأنفسهم في بركة للسباحة عبارة عن حفرة في الأرض يملأونها بالماء عبر أنبوب موصل بشاحنة للمياه، يطلقون هتافات كما لو كانوا ذاهبين إلى معركة حربية.

 إنهم يبدون كما لو كانوا لا يفرقون بين اللهو البريء والقتال.. فهم يجعلون من عبوة ناسفة في زجاجة بلاستيك، غالبا أحد الألغام الأرضية المموهة، كرة يركلونها بأقدامهم إلى أن تنفجر.

لكن التغير سيصبح تدريجيا ملحوظا فقد تابع ديركي ومصوره تلك الأسرة خلال عامين، أي أن الأطفال يكبرون ويفقدون طفولتهم ثم سيأتي يوم يرسلهم فيه أبوهم جميعا إلى معسكر التدريب العسكري حيث يتعين عليهم ممارسة التسلق والقفز وسط النار والانتظام دون حراك بينما يطلق مدربهم الرصاص قرب أقدامهم. سيبدو أن أسامة قد بدأ يفقد براءته ويندمج في دوره الذي وُعد به كمقاتل، أما شقيقه أيمن فيفشل في استكمال التدريبات لكونه دائما منصرفا بتفكيره بعيدا عن فكرة القتال والعنف.

الصرامة والقسوة والمشاعر الدموية تجعل أبوأسامة في لحظات المزاح يقول لرفيق له إنه يمكن أن يعذب ابنه الصغير بالصعق بالكهرباء، وعندما يداعب الطفل الذي يتطلع إليه في براءة ودهشة طفولية محببة، يقول له إنه يمكنه أن يخرق عينيه أو يدس السم له. يكرر مثل هذه الأقوال البشعة وهو يضحك في سعادة بينما يحدق الطفل في وجهه لا يمكنه أن يفهم ماذا يعني

ورغم ذلك وفي مواقف أخرى، يمكن أن يكون أبوأسامة جذابا مرحا محبا للحياة، يتحدث عن رغبته في الزواج من ثلاث نساء أخريات، يقبل على الطعام، يمرح ويمزح مع المخرج الذي لا نراه أبدا في الفيلم بل يظل كامنا وراء الكاميرا، لا يتوقف ليسرد لنا مشاعره (ولو في مرحلة تركيب الفيلم) حتى بعد أن نشاهد أكثر المشاهد في الفيلم إثارة للقشعريرة وأكثرها إرباكا أيضا. فقد اختار طلال ديركي دور “الشاهد الصامت”.

داخل بعض أطلال المنازل المهدمة ومن خلال فتحة في الجدار يجلس أبوأسامة يصوب بندقية آلية، يطلق النار ويقول إنه أصاب شخصا سقط من فوق دراجته.. ثم يلتفت ويطلب في لهفة، بندقية أخرى بعد أن تعطلت بندقيته، فيناوله شخص من خارج الكادر بندقية أخرى مزودة بمنظار مكبر وعندما يصوب لكي يقضي على الشخص المصاب لا يجده في عين المكان، ويقول إنهم قد أبعدوه.. ولا يهتم طلال ديركي بمعرفة من الذي أصابه، وماذا كان يفعل، وهل كان يشكل خطرا أو كان مسلحا؟ فاهتمامه الأساسي ليس بالضحية بل بالصيد. بعقلية وتناقضات القاتل المدفوع بقناعاته “الأيديولوجية” التي لُقن إياها بدوره تماما مثلما يلقنها لأولاده.

سؤال أخلاقي

من المفهوم أن المخرج كان يخشى على حياته لو انكشف أمره كما يخبرنا في بداية فيلمه، لكن المشكلة أنه لا يضيف أي تعليق في ما بعد. وهنا يمكن أن يبرز تساؤل حول الموقف الأخلاقي للفيلم. طلال ديركي ليس مشغولا بتسجيل موقف سياسي، فهو غير معني بالضحايا، ولا حتى بالصراع الدموي الدائر في سوريا، بقدر ما يهتم برصد وتسجيل وتوثيق الحياة اليومية لأسرة بطريركية (الأب وأبناؤه) تنتمي وتعيش وينشأ أطفالها حسب تقاليد وأفكار القرون الوسطى.. كيف يتعامل أب مقاتل جهادي قناص، خبير قنابل وإزالة ألغام، مع أبنائه، وما مصير هؤلاء الأبناء، وكيف يتم تغذيتهم بالفكر الجهادي وتدريبهم على أعمال القتال بينما يعلم أبوهم علم اليقين أنهم سيلقون حتفهم في خضم النزاع المسلح.

هل يبرر هذا الرصد الصورة الإنسانية التي نراها بعد أن يصاب أبوأسامة وهو ينزع أحد الألغام فيفقد بالتالي ساقه اليسرى ويحمد الله لأنه ادّخر له ساقه اليمنى لكي يمكنه قيادة السيارة، ثم يرقد وهو يتألم وقد أصابته بعض الشظايا في وجهه فأفقدته القدرة على الرؤية بإحدى عينيه؟ هل يصبح مطلوبا منا الإعجاب بقوة شكيمة أبوأسامة ويقينه الديني الذي يجعله يواصل “الجهاد” ضد “الروم” والنظام السوري والأتراك والمعارضة والجيش الحر، الذين يعتبرهم جميعا “أعداء” لتنظيمه الذي يرى أنه الوحيد النقي الذي يكافح من أجل هدف عظيم؟ أم ندينه وندين ما يقوم به من أفعال، ونتعاطف مع أبنائه الأبرياء الذي يتم توريثهم عقيدة العنف والقتل والدماء؟

هذا ما يبدو أن المخرج قد تركه للمشاهدين حسب أنواعهم وانتماءاتهم وخلفياتهم.

كاتب وناقد سينمائي مصري

العرب اللندنية في

10.03.2019

 
 
 
 
 

ماهرشالا علي لـ«القدس العربي»:

العنصرية ما زالت متجذرة في المجتمع الأمريكي

حسام عاصي

لوس أنجليس – «القدس العربي»: رغم الفضائح التي أحاطت فيلم «الكتاب الأخضر» منذ انطلاقة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أنه تربع هذا العام على جوائز الأوسكار، حاصدا جائزة أفضل فيلم وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل ممثل مساعد لماهرشالا علي. إذاً كيف تمكن من تحقيق ذلك؟

تدور أحداث «الكتاب الأخضر» عام 1962، حول حارس ناد ليلي أمريكي – إيطالي، يدعى توني ليب، (فيغو مورتينسين) يستأجره عازف البيانو الأسود الشهير، الدكتور دون شيلي (ماهرشالا علي)، للعمل لديه كسائق وحارس خاص خلال جولة موسيقية له في جنوب الولايات المتحدة، الذي كان يخضع لقوانين الفصل العرقي، المعروفة باسم قوانين «جيم كرو».

قوانين «جيم كرو» سُنت أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لتقر الفصل بين الأعراق في الأماكن والخدمات العامة، وكي تحول دون اندماج السود في المجتمع الأمريكي وتحقيق المساواة مع البيض، بعد تحريرهم من العبودية عام 1863.

لهذا كان على ليب اتباع تعليمات ما سُمي «الكتاب الأخضر للسائق الزنجي»، وهو دليل يتضمن القيود المفروضة على السود في الجنوب الأمريكي، وحصرا في الأماكن والخدمات العامة المخصصة لهم، لكي يتجنب أي تحرشات بشيرلي.

المفارقات أن ليب لم يخضع لهذه التعليمات، وكان ينزل في فنادق راقية، بعد أن يترك شيرلي في فنادق رخيصة مخصصة للسود. كما كان على شيرلي أن يلتزم بتلك التعليمات حتى في حفلاته، التي كان نجمها، إذ مُنع من استخدام المراحيض أو تناول الطعام مع جمهوره وعندما يتجاهلها ويذهب الى مكان مخصص للبيض يتعرض للضرب المبرح ويحميه ليب مرات عدة من موت حتمي.

رغم قتامة موضوعه، طرح الفيلم كوميديا على يد بيتر فارلي، المعروف باخراج أفلام كوميدية ترفيهية على غرار «هناك شيء ما عن ماري» و»الغبي والأغبى» و»أنا نفسي وآيرين». وفي حديث معه في فندق لندن غربي هوليوود، أكد لي أنه لم يقصد صنع فيلم كوميدي.

«عندما كنا نصنع الفيلم، أخبرت الجميع أنني كنت أصنع أول فيلم درامي لي وعندما عرضنا الفيلم للمرة الأولى وشاهدت تفاعل الجمهور معه، أدركت حينها أنه يتضمن الكثير من المشاهد المضحكة. كان أداء فيغو وماهرشالا رائعا إذ أنهما ارتقيا بمستوى النص. يمكنني القول إن السيناريو لم يكن مضحكا بل كان ليجعلك تبتسم فقط. لكنهما نجحا في استخلاص الكثير منه عبر التمثيل الدقيق وردود الفعل البسيطة».

مورتينسن، الذي يجلس الى جانب فارلي، يقاطعه الحديث معلقاً: «كان النص مضحكا على الورق إلا أن الفيلم كان أكثر أضحاكاً. التباين الذي يعرضه يجعلك تضحك عندما ترى ذلك أو تسمعه أو عندما تشاهد تعابير وجهينا والتركيبة المتناقضة للعلاقة مضحكة بشكل عفوي».

في الحقيقة، لا يمكن تخيّل فارلي كمخرج أفلام درامية، فهو شخصية مرحة جدا ويمزج السخرية في حديثه حتى عندما يناقش مواضيع جدية وقاتمة، ولكن بدون الاستهتار بها. ويعترف أنه لو كان مخرج آخر صنع «الكتاب الأخضر» لكان فيلما دراميا.

«كان من السهل أن يكون دراميا»، يقول المخرج «لكننا لم نصطنع الضحكة إذ أتت عفوية وطبيعية، فالنص لم يحتو على النكات. وفي الوقت نفسه، كنت أدرك أن الناس سوف يعتقدون أن الفيلم قاس وسوف يصدمون ويعانون لدى مشاهدته، ولم أكن أرغب في ذلك. أردت أن يشاهد الناس الفيلم، كما هو ويخرجون متفائلين. فالأمر الذي أثار اهتمامي هو حقيقة أن هذين الضدّين: عازف البيانو الأسود الحائز على ثلاث شهادات دكتوراه والحارس الأيطالي الأمريكي العنصري قادران على تكوين صداقة مقرّبة بعد قيادتهما السيارة سويا لمدة شهرين».

في بدايته، يطرح الفيلم ليب كعنصري يشمئز من السود. كما يصاب بالصدمة عندما يقابل شيرلي ويرفض الوظيفة «لقد كان يعيش زمانه في الحي، الذي يقيم فيه ولا أعتقد أنه كان مختلفاً عن جاره»، يعلق مورتينسن، الذي دائما يغوص في نفسية شخصياته من أجل تحقيق تقمص تام لها.

فرغم تفوق شيرلي على ليب في كل مجالات الحياة، ثقافة، أدبا، فنا، ثراء وأخلاقا، إلا أن ليب ينظر اليه من تصوره المسبق عن السود، ويؤنبه عن عدم تصرفه حسب تلك التصور، وذلك لأن شيرلي لم يأكل الأكل الافريقي مثل الفراخ المقلية، وكان يعزف الموسيقى الكلاسيكية بدلا من الجاز، وكان يتحدث بلغة إنكليزية راقية.

«سواء كان لشخص ما مستوى معيناً من النفوذ أو التعليم أو يتحدث بطريقة معينة أو كان بليغا إلى حدّ ما لا يمكنه النأي بنفسه عن السود أو تجاربهم»، يعلق علي. «الأسود هو أكثر من ذلك، فهو لون بشرة وتاريخ والنسب الذي تناقله، فلمجرد توفر بعض العناصر لا يمكن لأحد أن يحل نفسه من هذا الرباط أو أن يخبرك آخر أنك تبدو بطريقة ما لأنك حققت هذا النوع من النجاح ولا تعيش في هذا النوع من الأحياء فأنت لا تعد «أسود»، بل ويقول بأنه «أسود» أكثر منك لأنك تعيش في أحياء كهذه، هذه مسألة إشكالية وتستلزم نقاشا أعمق وهو نقاش خاضته تلك الشخصيات».

كسر النمطية عن الرجل الأسود

فعلا فبعد أن يشاهد ليب براعة شيرلي الموسيقية ويتعرف على قيمه الراقية، تتحول نظرته السلبية الى تقدير واحترام وتتطور بينهما صداقة حميمة. ومن خلال تلك الصداقة يكسر الفيلم النمطية عن الرجل الأسود من خلال طرحه كمسالم ذي سلوك راق مقارنة بالشخصيات البيضاء، التي تبدو عنيفة أو منافقة أو بذيئة الأخلاق. ومع ذلك يتحاشى شيرلي أبناء جلدته أو عزف الموسيقى لهم كما يفعل للبيض العنصريين. وعندما يواجهه ليب ويتهمه بالنفاق لأنه كان يطرب الأثرياء البيض بموسيقاه، بدلا من أبناء جلدته السود، ينفجر شيرلي بكاء، ويكشف أنه لا يعرف إذا كان أبيض أو أسود، لأنه يشعر أنه مرفوض من كلا الجانبين. «شيرلي أراد أن يعزف نوع موسيقى تحاكي مسيرته»، يوضح علي. «فهي ليست بالضرورة الموسيقى التي يحتضنها المجتمع الأسود أو راديو السود أو الموسيقى التي تجذب جماهير السود، بل عزف موسيقى جذبت جماهير البيض. لقد أراد أن يكون عازف بيانو كلاسيكيا لكنه لم يكن أبيض بما يكفي لذلك فهو ليس أسود بما يكفي أيضا». تصرف شيرلي في الفيلم يستحضر تصرفات السود، الذين تحدث عنهم الزعيم الأسود المسلم، مالكوم إكس، في كتاب سيرته الذاتية. أولئك السود كانوا يتجنبون أبناء جلدتهم ويحتضنون ثقافة وملابس وطعام وتصرفات البيض لأنهم كانوا يخجلون من سوداويتهم، كما وصفهم إكس، ويتملقون للبيض، آملين أن يقبلوهم في مجمعهم. لكن علي ينكر ذلك.

«أعتقد أن وجهة نظر شيرلي حول ماهية الحرية تخطت حدود التجربة، التي اعتبرها الناس أنه لا يجوز تجاوزها»، يوضح علي. «بالنسبة له لم تكن الحرية تتعلق في كون الموسيقى الكلاسيكية للبيض، كانت مجرد موسيقى بالنسبة له ولم يكن يرغب في عزف الجاز أو البوب أو البلوز فقط لأنه أسود، إذ لم يكن مقتنعا بذلك. لذلك فان عزفه موسيقى مختلفة عمّا كان مسموحا له بعزفها لا يعني أنه كان يحاول اعتناق ثقافة البيض. ببساطة لقد لفتت اهتمامه بشكل عفوي وطبيعي وأراد إتقانها – الأمر الذي كان ممنوعا عليه».

العنصرية ما زالت مترسخة في المجتمع الأمريكي

عقب حملات الاحتجاج والعصيان المدني الذي نظمتها حركة الحقوق المدنية في خمسينيات القرن الماضي، وافقت الحكومة الأمريكية، برئاسة ليندن جونسون، عام 1964 على سن قانون الحقوق المدنية، الذي تضمن الغاء قوانين «جيم كرو» العنصرية. وبعد عام توقف نشر الكتاب الأخضر. لكن العنصرية ما زالت مترسخة في المجتمع الأمريكي، حسب علي.

«أعتقد أن الوضع مختلف»، يعلق علي «نحن نتحدث عن التعددية هذه الأيام لسبب ما، فالأمر ليس ثابتا. ومهما كانت القضايا وأياً كانت الخلفية أو مشارب الحياة التي جئت منها فنحن لم نبصر النور في عالم عادل ومتساو. ولا يمكننا أن نكتفي بالجلوس والاستمتاع بالفرص المتاحة لنا. علينا الاستمرار في السعي والعمل لايجاد الفرص وتحقيق المساواة بين الجنسين، وهي الأمور، التي نحتاج إليها والتي ستساعد على دفعنا وتطورنا كثقافة».

كمسلم، يواجه علي أيضا ظاهرة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، التي جسدها مؤخرا أحد كتّاب سيناريو الفيلم نيك فيلولونغا، نجل ليب، عندما كُشف عن تغريدة له أيد فيها إدعاء دونالد ترامب الباطل أن مسلمين رقصوا في مدينة جيرسي بعد ضربات الحادي عشر سبتمبر/أيلول. لاحقا محى فيلولونغا حسابه على توتير واعتذر لعلي. وكذلك اضطر مروتنسين للاعتذار من تفوهه بكلمة «زنجي» في مؤتمر صحافي.
«وسم الإسلام والمسلمين بالإرهاب أمر جديد»، يقول علي، الذي أصبح أول مسلم يفوز بجائزة الأوسكار، التي نالها عن دوره في فيلم «مونلايت» عام 2017. «أعتقد أن تجربة السود تعود إلى نشأة هذه البلاد. وأن تكون أسود مسلما فهذا يعني حكما أن تواجه التحديات. لكن ذلك يمنحني القوة أكثر بدلا من أن يسلبني إياها». «الكتاب الأخضر» أثار أعجاب النقاد منذ عرضه الأول في أيلول/ سبتمبر العام الماضي في مهرجان تورنتو السينمائي، حيث فاز بجائزة الجمهور. لكن سرعان ما واجه انتقادات لاذعة من بعض المشاهير السود، على غرار المخرج العريق سبايك لي، الذي استنكر تخليده فكرة حاجة الانسان الأسود لشخص أبيض لحمايته. كما اتهمته عائلة شيرلي بتزييف الحقائق عنه.

لكن يبدو أن أهمية موضوع الفيلم وارتباطها بالأحداث المعاصرة في الولايات المتحدة كانت الدافع لتصويت أعضاء أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة لصالحه.

«كنت أعرف أن صنع هذا الفيلم سيكون له صدى اليوم»، يضيف فارلي «تمنيت أن نشاهد الفيلم ونتساءل: هل تصدّق أن الأمور كانت على هذه الحال عام 1962؟ لكن الوضع اليوم لا يختلف كثيراً».

القدس العربي اللندنية في

10.03.2019

 
 
 
 
 

نادين لبكي لـ«البيان »: «كفر ناحوم» أبكاني كثيراً

إعداد: غسان خروب

«فيلم كفر ناحوم هو واحد من أهم أفلام هذا العام»، بهذا التعبير وصف المخرج ستيفن سبيلبيرغ، في أحد تصريحاته عمل المخرجة اللبنانية نادين لبكي الأخير، والذي تمكنت فيه من تجسيد مأساة الأطفال ليس في لبنان وحسب وإنما في العالم أجمع، ليبدو أن جملة «مشاهدة واحدة لا تكفي» هي خير تعبير عن هذا الفيلم الذي تبدأ عروضه خلال الأسبوع الجاري في الإمارات، حيث يضيء الفيلم على ما تعيشه ثلة كبيرة من الأطفال الذين يقطنون في أحياء تعيش على هامش المدن.

مشاهد «كفر ناحوم» لم تبك الجمهور وحده، وإنما أبكت صاحبته نادين لبكي، وفق ما ذكرته لـ«البيان»، وهي التي أحدثت بإصدارها لهذا العمل «صدمة» في السينما اللبنانية، لا سيما وأنه أهّلها لحمل لقب «مرشح للأوسكار».

في «كفر ناحوم» الذي قضت نادين في تصويره 6 أشهر، كل شيء حقيقي، بدءاً من أصوات الأطفال وليس انتهاء بمأساتهم، ولذلك بدا وكأنه عمل «خرج عن النص» في الكثير من مشاهده، بحسب تأكيدات نادين التي قالت: «الخروج عن النص كان ضرورة، لأنه لا يحق لي إعادة كتابة المأساة»، مبينة أن «زين المليء بالحكمة» تحول إلى صوت لأقرانه من الأطفال الذين عاشوا ولا يزالون تجربة حياة الشارع بكل صعوباتها وعنفها.

تأقلم

التصوير مع الأطفال قد تكون تجربة صاحبة «هلأ لوين» الأولى، وعن ذلك قالت: «عندما بدأت التصوير مع «زين»، كان بعمر 12 عاماً، ولكن شكله الخارجي يوحي بأنه أصغر سناً، ولكن التعامل معه يكشف أن تفكيره أكبر بكثير من عمره، وقد يكون ذلك نتيجة لحجم ما مر به من تجارب صعبه، فهو طفل سوري، عاش تجربة اللجوء المريرة، وتجارب أخرى صعبه، أكسبته الحكمة، نتيجة لما رآه في حياته، حيث عاش 8 سنوات في لبنان، في أحد الأحياء المهمشة، ولم يعرف طريق المدرسة، ما اضطره لأن يعيش في الشارع، وأن يتعرف على صعوبته وعنفه، وأن يتأقلم معه».

ما عاشه «زين» من لحظات صعبه، كان لها انعكاس على أدائه في العمل، الأمر الذي يمكن القول إنه «وفر على المخرجة بذل الكثير من الجهد»، وهو ما تؤكده نادين بقولها: «أعترف أنه وفر عليّ الكثير من الجهد، لأنني لم أكن بحاجة لأن أفسر لزين معنى الجوع والعنف وطبيعة حياة الشارع، فكل ذلك مر به».

وأضافت: «زين كان بالنسبة لي شريكاً في هذه المهمة، حيث كان يشعر طوال الوقت أنه يمثل صوت هؤلاء الأطفال، الذين يعيشون ذات الحياة، وقد ساعدنا في ذلك أنه يحمل في ذاكرته الكثير من الحكايات الحقيقية التي مر بعضها ضمن مشاهد الفيلم، لذا فضلت أن أبقي على اسم «زين» كما هو، لعدم رغبتي بأن يشعر في حالة انفصام بين الحياة الواقعية والتمثيل».

وأشارت إلى أن ما يفرق بين زين وأقرانه، أنه ينتمي إلى عائلة تحبه كثيراً، ولكنها لم تستطع منحه ما يحتاج إليه من علم ومأوى وملبس، بسبب حالتها المادية الصعبة. وقالت: «زين كان يجسد مأساة يعرفها جيداً ما جعله يشعر أنه جزء من هذه المهمة».

حكاية

عندما تشاهد «كفر ناحوم» تشعر أن العمل برمته يدور «خارج النص»، وكأنه صور من دون الاستناد إلى سيناريو وحكاية تحمل في طياتها خطوط درامية وحبكة عالية الجودة، وعن ذلك قالت نادين: «رغم أن هناك نصاً مكتوباً للفيلم، إلا أن الخروج عن النص فيه كان ضرورة»، وأضافت: «أعتقد أنه ليس لي الحق، أن أتخيل المأساة التي يعيشها هؤلاء الأطفال، وأن أعمل على إعادة كتابتها، لأن مهمتي هي تأمين المساحة الكافية لهؤلاء الأطفال للتعبير عما يدور في داخلهم من سخط وغضب، ولذلك لم يكن الخروج عن النص مبرمجاً، وإنما هو طبيعي وواقعي، وخدم الفيلم كثيراً».

«بكيت كثيراً في كل لحظة وكل ثانية، خلال تصويري للفيلم»، هكذا تصف نادين حالتها النفسية خلال عملها على الفيلم، وقالت: «هناك الكثير من المشاهد الواقعية التي لم استطع استكمال تصويرها من دون البكاء، خاصة وأن صوت بكاء الأطفال كان جزءاً من الأجواء العامة للحي الذي كنا نصور فيه».

وأضافت: «هدفي من الفيلم كان الكشف عن قليل من «مأساة» المهمشين، لأن مهمتي هي توظيف السينما في خدمة الحديث عن هذا الموضوع، وإيصال صوت هؤلاء الأطفال إلى العالم، ولذلك استطاع الفيلم أن يحدث صدمة لكل الناس، الذين يعيشون في الخراب من دون أن يتمكنوا من النظر إليه، كونهم يعيشون فيه، لشعورهم بعدم القدرة على التغيير».

البيان الإماراتية في

13.03.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2019)