كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

السينما سينما... وللخطابية منبرٌ خارج الـ"كادر"

عن الآباء والأبناء لطلال ديركي

نديم جرجوره

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

السينما سينما... وللخطابية منبرٌ خارج الـ"كادر"

أهناك شيء "أرقى" من... الأقدام؟

مسألة «كفرناحوم»: وجهان لحماقة واحدة

"كاس ومتراس" لبديع أبو شقرا: عن ماض يحضر، وعن فن يعرّي

أما التأثّر بشخصية مختارة في فيلم وثائقيّ تحديدًا، أو عدم التأثّر بها، فهي من "أعمال" المُشاهِد، الذي وحده يتحمّل مسؤولية كيفية مُشاهدته، وكيفية التأثر بما يُشاهده.

يُثير البعض ضجّة حول غياب إدانة النظام الأسديّ، بسبب جرائمه، في الوثائقي الجديد لطلال ديركي، "عن الآباء والأبناء" (2017)، وفي غياب أية إشارة إلى "الثورة السورية"، في حوار مُصوّر معه لحساب الموقع الإلكتروني للصحيفة اليومية اللبنانية "النهار". يُدخِل هذا البعض وثائقيٌ آخر بعنوان "لسّه عم تسجّل" (2018)، لسعيد البطل وغياث أيوب، ضمن خطاب جامد ومنغلق، يقول ضمنًا إنّ غياب الإدانة يعني أن العمل غير صالح أو غير سوي أو غير جدّي، أو أنه "مُتعالٍ على الثورة، وعلى صانعيها".

الضجّة هذه ـ المُتمثِّلة بتعليقات "فيسبوكية" تأتي في لحظة الترشيح الرسمي لـ"عن الآباء والأبناء" لـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي (2019) ـ تنزع عن الفيلمين، وعن المُخرجين الثلاثة، خياراتٍ، هي جزء من انفعالٍ شخصي وتأمّل ذاتيّ، ومن محاولة فنية ـ ثقافية لتوثيق لحظةٍ أو حالةٍ أو حكاية، وفقًا لأدوات التعبير السينمائيّ. المهاجمون يريدون أن تنسجم اشتغالات هؤلاء المخرجين، وغيرهم أيضًا، مع تصوّراتهم هم والتزاماتهم هم ومبادئهم هم، وإنْ يعترف بعضهم بـ"عجزٍ" ما لديه عن تحقيق أفلامٍ، يُفترض بها ـ عند إنجازها ـ أن تكون مُلكًا لتصوّراتهم والتزاماتهم ومبادئهم.

هذا يُذكّر بحدثٍ مماثل، تشهده بيروت مطلع عام 2001. فالعرض البيروتي (24 فبراير/ شباط 2001) لـ"الرجل ذو النعل الذهبي" (2000)، للسوري الراحل عمر أميرالاي (1941 ـ 2011)، يؤدّي إلى نقاشٍ صاخب، جزء منه ينعكس في مقولة لا علاقة لها بالسينما إطلاقًا، تُروّج حينها فتظهر كـ"إدانةٍ" لعمر أميرالاي لأنه غير مكترث بأهواء آخرين، وبأمزجتهم وانفعالاتهم ومواقفهم والتزاماتهم، كأن المطلوب منه أن يكون بوقًا لهم، فيُلغي نفسه وتأمّلاته ومشاعره وأمزجته ومواقفه وأسئلته وهواجسه، إرضاءً لهم. وهذا على نقيض معنيين بأهمية الفعل السينمائي الوثائقي في الفيلم، وإلى صدق مخرجه، في ارتباكاته وأسئلته ومحاولاته، الثقافية والأخلاقية والإنسانية، الهادفة إلى مقاربة شخصية عامة كالرئيس السابق لمجلس الوزراء اللبناني، الراحل رفيق الحريري (1944 ـ 2005)، بما تحمله الشخصية من ثقل وتأثير وحضور، لبنانيًا وعربيًا ودوليًا. هؤلاء المعنيون يختزلون الضجّة المثارة حينها بتلك المقولة، من دون تبنّيها طبعًا، لاهتمامهم بالسينمائيّ الوثائقيّ في الفيلم، وفي اشتغالات أميرالاي، وفي السينما: "جماعة رفيق الحريري يريدون فيلمًا لهم، لم يعثروا عليه في "الرجل ذو النعل الذهبي" فنبذوه وهاجموا مخرجه؛ وأعداء رفيق الحريري يظنّون أن عمر أميرالاي، من موقعه اليساري المتمرّد، "يجب" عليه أن يصنع فيلمًا يُعبّر عن موقف هجوميّ متوتّر وغاضب ضد الحريري وما يُمثّل، وربما حاقد عليه وعلى ما يُمثّل أيضًا".

لن تكون المقولة عابرة. فهي واقعية جدًا وحقيقية جدًا، وتبدو أنها اليوم أقوى مما هي عليه سابقًا. مضمونها يعكس رغبة كثيرين في أن يفرضوا على السينمائيّ ما يعمل السينمائيّ على الخروج منه أصلاً، ويطلب من السينمائيّ ما يجتهد السينمائيّ للحؤول دون الوقوع في أفخاخه. والذين يهاجمون عمر أميرالاي من الطرفين يستعيدون، بوعي أو بلا وعي، مفهومًا يبدو أنه لن يتبدّد بسهولة: "خدم السلطان". اليوم، ينكشف واقع أن السلطان لن يكون حاكمًا فقط، ففي الجانب النقيض والمُقاوِم ـ المُعارِض له سلاطين أبشع وأعنف وأحقد.

مقولة تكشف أنّ الطرفين "مُذنبان" بحقّ السينما أولاً وأساسًا، وبحقّ السينمائيّ أيضًا. هذا يحصل اليوم، عبر كلامٍ يُهين، ضمنًا، السينمائيّ وحريّته في اختيار مواضيعه وأشكال التعبير السينمائي عنها؛ ويرفض نقاشًا يُفترض به أن يتناول آليات العمل والأسئلة المطروحة وكيفية المعالجة، وألاّ تكون له أدنى علاقة بما "يريد" السينمائيّ قوله أو البوح به أو نقله أو كشفه أو تعريته أو طرحه السينمائي على النقاش. هذا غير محصور بـ"الرجل ذو النعل الذهبي"، ولا بـ"عن الآباء والأبناء" و"لسّه عم تسجل" فقط، فهو منسحبٌ على أفلام كثيرة، بعضها متوغّل في أحوالٍ وحالات وأناس وتفكير، إنْ تنبثق من سورية في ظلّ الحرب الأسديّة عليها وعلى مواطنيها، وفي ظلّ الهجوم الأصوليّ على الثورة السورية بحجّة مواجهته النظام الأسديّ أيضًا؛ أو تعكس وقائع وتفاصيل مرتبطة ببلدان وشعوب ومجتمعات وحكايات وأفكار وتأمّلات أخرى.

المقولة تلك صائبةٌ، لأنها الأقدر على كشف تحجّر يُصيب كثيرين، وإنْ يكن هؤلاء الكثيرون معارضون للنظام الأسديّ ومناوئون له ومحاربون لبطشه؛ ولأنها الأصدق في التعبير عن انغلاقٍ وقمع يتمتّع بهما مدّعو مقاومةٍ لنظام أسديّ قاتل، يتحوّلون سريعًا إلى شبيهٍ به عندما يفرضون على الآخرين ما يتوجّب على هؤلاء الآخرين فعله والتفكير به. هؤلاء يريدون تسخير كلّ شيء لخططهم ومصالحهم وادّعاءاتهم، ويتغاضون عن الجوهر: السينما لن تكون درسًا في التاريخ ولا بوقًا للترويج ولا أداة للقمع والتزوير، بل مرآة واقع. وللسينمائيّ حرية مُطلقة في الاختيار والمعالجة، وللآخرين حقّ في النقاش السوي والهادئ.

يقول كوانتن تارانتينو ـ أحد أكثر السينمائيين إثارة لجدل حاد حول العنف السينمائي وتأثيراته الاجتماعية، و"المتّهم" (!) بـ"مسؤوليته" (!) عن أعمال عنفية وإجرامية مُنفّذة بـ"تأثير" (!) من أفلامه ـ إنّه غير مسؤول "عمّا يفعله الناس بعد مشاهدتهم أفلامي"، مضيفًا أن "المسؤولية الوحيدة التي أتحمّلها تكمن في صنعي شخصيات حقيقية إلى أبعد حدّ ممكن". هذا في الروائي المُتخيّل، المُستَنِد إلى حقائق الاجتماع والنفس البشرية (فردًا وجماعة) والاقتصاد والسياسة والثقافة والتربية والسلوك؛ فكيف إنْ يذهب سينمائيٌ وثائقيٌ إلى شخصيات حقيقية أصلاً، فيُقابلها ويحاورها ويُصوّر يومياتها كي يكشف ثقافتها التربوية والمسلكية، من دون إدانة أو أحكام مسبقة أو لاحقة؟ هل عليه أن "يؤبلس" شخصية يختارها، وإن يكن على نقيض تام مع أفكارها والتزاماتها ومفاهيمها، كي ترضى عنه جماهير المعارضة ـ المقاومة، ومثقفوها وإعلاميوها؟ أم أن عليه أن يوثّق حقائق ووقائع، وإنْ يتلاعب سينمائيًا، فجمالية الوثائقي السينمائي (بل جمالية السينما برمّتها) كامنةٌ، في جزءٍ منها، في التلاعب السينمائيّ الذي لن يكون مغايرًا لحقائق ووقائع، وإلاّ فتكون السينما مجرد "بروباغاندا" وترويج يبرع بهما نظام كالنظام الأسديّ وحلفائه تحديدًا، فإذا بمعارضين ومناوئين له يتفوّقون عليه بفرضهم على الآخرين ما يجب على الآخرين فعله والتفكير به؟ أيتحمّل طلال ديركي وغياث أيوب وسعيد البطل (وغيرهم أيضًا) "مسؤولية" ما، غير تلك المعنيّة بالنتاج السينمائي الذي يصنعون، وبكيفية صُنعه، وإنْ يحمل الصنيع ما لن يُوافق عليه الجميع، فموافقة الجميع ورضاهم امتدادٌ لمفاهيم البطش والأحادية والديكتاتورية والأنظمة الشمولية؟ هل يُطلب منهم "إشارة جدّية لإجرام النظام السوري" أو "ذكر كلمة ثورة"، كي يحصلوا على "شرعية" ما من أطراف ما، ربما تحتاج هي (الأطراف) أصلاً إلى شرعية وجود أو موقف؟

أما التأثّر بشخصية مختارة في فيلم وثائقيّ تحديدًا، أو عدم التأثّر بها، فهي من "أعمال" المُشاهِد، الذي وحده يتحمّل مسؤولية كيفية مُشاهدته، وكيفية التأثر بما يُشاهده.

وإذْ يبتعد السينمائيون عن مُباشرةٍ في القول السينمائي، أو عن خطابية ممجوجة فيه، أو عن رفع شعارات مستهلكة وبائدة، كأن يقولوا "دائمًا" و"أبدًا" إنّ بشار الأسد مجرم وقاتل، وهو هكذا فعلاً؛ أو كأن يقولوا "دائمًا" و"أبدًا" إنّ الأصولية الدينية والجهاد المتزمّت يتوجّب محاربتهما والتصدّي لهما بشتى الوسائل، وهذا صحيح للغاية؛ فهذا (الابتعاد) شرط سينمائيّ كي يكتمل الفعل الإبداعي بأمثل صورة له وأجملها. والابتعاد لن يُلغي موقفًا لمخرج ربما يُعبّر عن إدانته مجرمًا يفتك ببلد وشعب وتاريخ وثقافة وحضارة خارج السينما أو معها، لكن بموارية واحتيال وتحرّر مطلق من كلّ خطابية جوفاء ومُباشَرة باهتة؛ وله من الأصولية والجهاد موقف ما أيضًا. فالمخرج يرى الفيلم سينمائيًا أولاً وقبل أي شيء، ويرى أن جماليات الفيلم تنكشف إنْ يبتعد الفيلم عن المباشرة والخطابية هاتين، وعن الإدانة الواضحة أيضًا.

المطالبون بإدخال الإدانة في أفلام، هي سينمائية بامتياز، يُسقِطُون السينمائيّ عن الأفلام، معتبرينها مجرّد "أشرطة دعائية ترويجية" لأفكار يلتزمونها ويفشلون، في الوقت نفسه، في إنجاز أشرطة دعائية تروّج لتلك الأفكار، فيطالبون الآخرين بما يعجزون عن فعله. المطالبون أنفسهم يظنّون أن "إعلان إدانة" هو الركيزة الأساسية لأي فعل إبداعي، وهو المدخل للاعتراف بشرعية المقاومة والمناهضة والتمرّد على القاتل، التي يُمكن لأي كان الحصول عليها شرط إدخال إدانة النظام الأسديّ والفصائل الجهادية المتزمّتة والمتشدّدة في أي عمل سينمائي أو ثقافي، كيفما كان.

لديّ قناعةٌ مفادها أن لا طلال ديركي ولا غياث أيوب ولا سعيد البطل، ولا أحد إطلاقًا، محتاجٌ إلى أن يُبرّر أو يوضّح، فأفلامهم تقول، ومن لن يفهم ما تقوله أفلامهم أو تعبّر عنه أو تبوح به، فهو المذنب بحقّ السينما وصانعيها، وربما بحقّ نفسه أيضًا. هذا كلّه لن يعني أبدًا تحييد كلّ صنيع سينمائي (وغيره) عن القراءة النقدية، التي يُفترض بها أن تنبثق من الفعل السينمائي بحدّ ذاته.

أما جوقة المهاجمين "الفيسبوكيين" وأشباههم، في حالات سينمائية وغير سينمائية في الوقت نفسه، فيليق بهم قولٌ للإيطالي الراحل أمبرتو إيكو (1932 ـ 2016)، صائبٌ وحقيقيّ وعميق: "وسائل التواصل الاجتماعي تتيح غزوًا للبلهاء"، مضيفًا أنها "تمنح حقّ القول لجحافل من البلهاء الذين، قبل وسائل التواصل الاجتماعي، غير مُتحدّثين إلاّ في حانة، بعد احتسائهم كأسًا من النبيذ، ولا يُسبّبون أي ضرر على الجماعة، التي تُسكتهم فورًا، بينما اليوم لهم حقّ التعبير نفسه الذي لحامل جائزة نوبل أيضًا".

ناقد سينمائي من لبنان

رمان الفلسطينية في

01.03.2019

 
 
 
 
 

فيلم "عن الآباء والأبناء": طلال ديركي يُهمّش المتن

عبد الرحمن حلاق

كتب عساف العساف على صفحته ما يلي: "في فيلم (عن الآباء والأبناء) ترد لقطة تكاد تكون غير ملحوظة لسرعتها لأبي أسامة، الشخصية المحورية في الفيلم، وهو ينشد أناشيد جهادية وفي لحظة كأنه نسي نفسه فيها يغني جملة من أغنية سعدون جابر المدهشة:

البارحة صوتك اسمعا يعتّب من بعيد..

أين المتن وأين الهامش هنا؟ أغاني الجهاد، أم أغنية البارحة؟".

إن الصراع بين المتن والهامش يشبه إلى حد ما الصراع بين المُعلن والمسكوت عنه. ففي لعبة المواقف الإيديولوجية والمواقف السياسية عموماً يتراجع المتن ليتصدر الهامش المشهد ويتراجع المسكوت عنه لصالح المعلن. والمعلن في الفيلم أن رجلاً جهادياً له من الأبناء ثمانية يربيهم لهدف وحيد فقط وهو متابعة الجهاد إلى أن تتمكن دولة الخلافة الإسلامية من بسط سيطرتها على بلاد الشام وتنتصر في المعركة التي بشّر فيها الدين قبل 1400 سنة من الآن. يدربهم على الذبح، يدربهم على الجهاد، يبعدهم عن المدرسة، يزج بهم في المعهد الشرعي، يحلل ويحرم، يبدي رأيه في السياسة، كان معتقلاً وأفرج عنه النظام. أما المسكوت عنه فكل ما عدا ذلك، فلقد أضحى هذا الرجل هو المتن في مقاطعة إدلب، وكل ما عدا ذلك مجرد هامش. وفي مقابلته التلفزيونية يعلن طلال ديركي أن "القاعدة" في إدلب تعيش عصرها الذهبي، ومن خلال هذا العصر وعبر مساحة المحافظة الشاسعة اختار المخرج أن يكون فيلمه في قرية صغير من قرى ريف معرة النعمان (خان السبل) ليجعل من الهامش متناً معلناً يسهل من خلاله طي صفحة المسكوت عنه.

في مضمون الفيلم

يتناول الفيلم أسرة واحدة لأب سلفي خبير ألغام وصانع متفجرات، ويكشف عن سطحية تفكيره وسذاجة آرائه اليقينية بقيام دولة الخلافة، يُخرج أبناءه من المدرسة، ويرسل كبيرهم إلى المعهد الشرعي ليستكمل إعداده الذهني شرعياً وإعداده الجسدي ليصبح مقاتلاً في دروب الموت. لم تخرج الكاميرا خارج حدود شخصيات الأسرة ولم تلتقط أي كادر خارج هذه الأسرة باستثناء لقطة واحدة يقوم بها الأبناء بشتم وضرب طالبات المدرسة بالحجارة، ليبرز موقف "جبهة النصرة" من التعليم عموماً ومن تعليم الإناث خصوصاً. وفي لقطة ثانية نرى أفراد "النصرة" وهم يجمعون أسرى من جيش بشار يخطب فيهم أحد الشرعيين موجهاً كلامه لأهالي الأسرى

"من أهم هذه الحقائق التي قفز عليها ديركي وتجاهلها: إفراج المالكي عن سجناء "داعش" في سجن أبو غريب وإرسالهم إلى سورية. وإفراج الأسد عن سجناء "القاعدة" في سجونه ليشكلوا مجموعة فصائل جهادية مسلحة"

(السنّة) الذين يرسلون أبناءهم للموت. فيما عدا ذلك يحاول المخرج أن يقنع المتلقي بأن العنف الإرهابي ينتقل بالوراثة بين الآباء والأبناء، ويقوم الآباء بدور المحفز والدافع الأهم لاستمرار هذه الدورة العنفية. وإذا كان المتلقي السوري على دراية بكل هذه التفاصيل وأكثر من ذلك على دراية تامة بالدور المشبوه لهذه الفصائل الإسلامية فهو يعيشها بشكل يومي وقد خرجت المظاهرات المنددة بهذا الفصيل وبغيره في معظم مناطق سيطرة هذه الفصائل بدءاً بالغوطة وليس انتهاء بالمعرة التي يحتضن ريفها وقائع هذا الفيلم، فلمن يتوجه الفيلم بخطابه؟ هل يريد إقناع المشاهد الغربي بأن "مقاطعة إدلب" كلها إرهابيون وبالتالي لا ضير في تدميرها كما حصل في الموصل والرقة؟  خاصة وأن المخرج يعيش في ألمانيا ويعرف تماماً قوة تأثير الميديا بالغرب وتشكيل رؤيتهم عن ثورتنا من خلال ما يُعرض عليهم.

لقد تعمّد المخرج تجاهل الكثير من الحقائق بحجة أن الفيلم تربوي مع أن الفيلم وثائقي وحصل على جائزته الغربية ضمن هذا التصنيف. ولأنه وثائقي فلنا أن نطالب الفيلم بتقصي الحقائق التي أجبرت بعض المقاتلين على الانخراط مع "النصرة"، ونطالب الفيلم بتقصي الحقائق التي جعلت بعض الناس في الشمال السوري يؤيدون "النصرة" في بداية انطلاقتها، ولأنه وثائقي فلنا أن نطالب الفيلم بتسليط الكاميرا على المسبب الأول لكل هذا العنف والإرهاب، لا ضير مطلقاً في ذكر إرهاب الفصائل الإسلامية لكن غض النظر عن إرهاب بشار المولّد لكل هذا العنف والإرهاب هو موقف محدد مسبقاً ويثير تساؤلات كثيرة. ولأن الفيلم وثائقي فلنا أن نطالبه بعرض الصورة كاملة دونما انتقاص، فأبناء محافظة إدلب ليسوا ملائكة لكنهم أيضاً ليسوا إرهابيين أصحاب تفكير ساذج.

من أهم هذه الحقائق التي قفز عليها وتجاهلها: إفراج المالكي عن سجناء "داعش" في سجن أبو غريب وإرسالهم إلى سورية. وإفراج الأسد عن سجناء "القاعدة" في سجونه ليشكلوا مجموعة فصائل جهادية مسلحة. كذلك التدمير الممنهج لفصائل الجيش الحر من قبل "جبهة النصرة" و"داعش". وأيضاً خنق أي حالة وطنية مدنية وعدم السماح لها بالنمو. وربط الجميع بالداعم غير السوري. وربط المواطن السوري في المناطق المحررة بالسلة الغذائية وعدم دعم أي مشروع من مشاريع التنمية المستدامة من قبل المنظمات الإغاثية. فإذا أضفنا لكل ذلك التجاهل التام لمدنية الحراك ووطنيته وتجاهل كل صرخات الاحتجاج التي أطلقها السوريون في وجه قنوات الإعلام العربية والغربية التي لم تر على الأرض السورية غير "جبهة النصرة" و"داعش"، فإننا نخرج بنتيجة أن هذه الحقائق تفسر الواقع المعاش بدقة وبالتالي تتطلب مخرجاً يتمتع ليس فقط بمعرفة وافرة ثقافياً وتقنياً بل وأيضاً بموقف مبدئي ثابت تجاه الحق والعدل.

في ظل هذه الحقائق على المخرج أن يتوقع المآلات التي سيفرزها هكذا واقع، والتي قد تبدأ باضطرار الإنسان البسيط إلى التوجه لرواتب "جبهة النصرة" التي تعيله وتعيل أسرته ولن تنتهي عند تفكك البنية المجتمعية وتفشي الفقر والجهل والجريمة المنفلتة، والطائفية، والتعصب.

بعد إيديولوجي وموقف غير أخلاقي

لا شك في أن غياب تلك الحقائق عن وعي المبدع يشكل علامة استفهام كبيرة وكبيرة جداً. وكذلك يشكل تجاهل تلك الحقائق من قبل أي مبدع إشارة واضحة إلى بعد إيديولوجي أو إلى موقف غير أخلاقي مطلقاً. والقول بأن تلك الحقائق غير موجودة إلا في أذهان من يعتقد بنظرية المؤامرة هو مؤامرة بحد ذاته. وإلا ماذا نسمي هذا التواطؤ العالمي أمام كل تلك الجرائم التي ارتكبت خلال ثمانية أعوام وما تزال مستمرة؟
لقد غيّب طلال ديركي تلك الحقائق متعمداً فهو مخرج أكاديمي محترف خرّيج «معهد ستافراكوس العالي لفنون السينما والتلفزيون» 2003 في أثينا، حقق المرتبة الأولى على دفعته، وهو أوّل أجنبي يحقق ذلك منذ تأسيس المعهد قبل نحو نصف قرن. ونال فيلمه "عن الآباء والأبناء" جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل وثائقي أجنبي في "مهرجان صندانس السينمائي" 2018.

في أحد تصريحاته اللاحقة عن الفيلم أعلن المخرج أن فيلمه تربوي غير سياسي، يرصد توارث مفاهيم العنف في المجتمع وانتقال هذه المفاهيم من الآباء إلى الأبناء، ليبرر صمته وعدم ذكره لكلمة ثورة، ويبرر عدم ذكره لجرائم النظام، مع أنه اختار بيئة مكانية في الشمال

"تجاهل الفيلم مدنية الحراك ووطنيته. وتجاهل صرخات الاحتجاج التي أطلقها السوريون في وجه قنوات الإعلام العربية والغربية التي لم تر على الأرض السورية غير "جبهة النصرة" و"داعش""

السوري مستبدلاً تسمية "محافظة إدلب" بتسمية اختارها السلفيون "مقاطعة إدلب". وإذا أردنا تحليل العنوان فقط نجد أنه جاء بصيغة الجمع مضافاً إليها "أل العهدية" لتشمل كل الآباء وكل الأبناء في هذه المقاطعة، فهو لم يقصد أباً واحداً أو آباء محددين وإنما الكل بإطلاق وهذا أول تعميم ظالم يقع فيه صانع الفيلم، ولا نستطيع القول إنه غير مقصود لأننا بذلك نحط من قيمة المخرج ثقافياً وفكرياً، فهو على درجة من الوعي والمعرفة تمكنه من فهم الانزياحات الدلالية للعنوان. وهو على درجة من المتابعة تمكنه من تذكر الصورة الشهيرة لأبناء سراقب والتي كتبوا فيها لافتات تجمع كل المذاهب والطوائف والإثنيات السورية في لوحة واحدة (أنا سنّي – أنا علوي – أنا كردي – أنا مسيحي... إلخ).

في محافظة إدلب اليوم ما يقرب من ستة ملايين سوري بين نازح أو مهجر أو مقيم يعيشون واقعاً مأساوياً جديراً بالبحث والدراسة بطريقة علمية للوصول إلى نتائج من شأنها أن تساعد هؤلاء الناس للخروج من هذا الواقع، أما أن نسلط الضوء على شخص واحد وننمذجه ونجعله صورة عامة (لمقاطعة) فهذا لا يستقيم ضمن أي منظور أخلاقي بغض النظر عن فكر ويقينيات هذا الشخص. فلماذا تعمد صانع الفيلم تجاهل كل هذه الحقائق إن لم يكن يضمر موقفاً يعرف تماماً أنه بعيد عن الموضوعية؟ في نهاية المطاف يشكل أي عمل فني موقفاً ولا يمكن لهذا الفيلم ضمن خطه الدرامي هذا إلا أن يتماهى بشكل واضح مع موقف الغرب المتواطئ مع بشار مؤسس العنف والإرهاب في سورية الحديثة، وبالتالي لا يمكن لهذا الفيلم ضمن هذا الطرح إلا أن يخدم وجهة نظر الطاغية المستبد ويقدم له كل الدعم والمساندة في حربه المزعومة ضد الإرهاب. إنه يقدم محافظة إدلب إلى الغرب بالصورة التي يريدها الغرب وليس بصورتها الحقيقية، كما ظهرت في لافتات كفرنبل أو حيطان سراقب، إنه يريد أن يظهر الوجه الجهادي لأبي أسامة (الهامش) دون أن يفسر لنا الوجه السابق (المتن) لأبي أسامة الذي يغني لسعدون جابر.

همسة أخيرة: من حقك يا طلال أن تصنع مجدك الشخصي، لكن ليس على حساب أبناء وطنك.

ضفة ثالثة اللندنية في

02.03.2019

 
 
 
 
 

ما بعد الأوسكار.. جيمس بوند يحول رامي مالك إلي شرير

وأوليفيا كولمان تعود للعرش مع الملكة اليزابيث

مني شديد

الأوسكار يعتبر من أهم الجوائز في مجال صناعة الأفلام‏,‏ وحصول ممثل علي إحدي جوائزه أو مجرد الترشح لها يمثل نقلة جديدة في حياته المهنية‏,‏ وهذا العام كانت جوائز التمثيل من نصيب أربعة شهد لهم العديد من النقاد بتميزهم في أداء شخصيات معقدة‏,‏ وثلاثة منهم ترشحوا للأوسكار لأول مرة في حياتهم وهم رامي مالك وأوليفيا كولمان وريجينا كينج‏.‏

بينما تعتبر هذه هي المرة الثانية التي يترشح فيها ماهرشالا علي للأوسكار ويحصل عليها, بعد فوزه التاريخي العام قبل الماضي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم مون لايت الذي فتح له أبواب الشهرة والمزيد من الأدوار المميزة, والتي تنتظر أيضا الثلاثي مالك وكولمان وكينج بعد فوزهم هذا العام, حيث لم يمنعهم الاحتفال بالفوز من العودة للعمل سريعا بمجرد انتهاء حفل توزيع الجوائز وبدأت العروض تنهال علي وكلائهم للمشاركة في أعمال جديدة خلال الفترة المقبلة.

وبمجرد الإعلان عن فوز مالك بجائزة أفضل ممثل لهذا العام عن دوره في فيلم بوهيميان رابسودي سعت الشركة المنتجة لفيلم بوند25 أحدث أجزاء سلسلة جيمس بوند الشهيرة لاتمام الاتفاق معه للمشاركة في بطولة الفيلم مع نجم جيمس بوند دانييل كريج, حيث تسعي الشركة منذ عدة أشهر لإسناد دور الشرير في الفيلم لرامي إلا أنه تعذر إتمام الاتفاق منذ عدة أشهر نتيجة لإنشغال رامي بتصوير الجزء الرابع والأخير من مسلسل مستر روبوت الذي فتح له طريق الشهرة والجوائز وحاز عنه- بدور الهاكر إليوت أندرسون- علي جائزة إيمي لأفضل ممثل في عمل تليفزيوني ورشح للجولدن جلوب.

وظل الاتفاق معلقا لفترة طويلة وترددت أنباء في ديسمبر الماضي عن أن مالك اعتذر عن الفيلم لأنه لا يمكن تنظيم مواعيد تصوير العملين في الوقت نفسه إلي جانب إلتزامه بالمسلسل, ولكن بعد حصوله علي الأوسكار ومع إنتهاء المسلسل المقرر أن يعرض خلال الأشهر المقبلة, أصرت الشركة المنتجة علي عدم التخلي عن مالك وترددت أنباء جديدة في عدد من الصحف الأمريكية خلال الأيام الماضية عن إبرام الاتفاق معه ليبدأ مالك مرحلة جديدة في حياته المهنية بعد أن حوله الأوسكار إلي نجم في شباك التذاكر تسعي إليه شركات إنتاج الأفلام الضخمة.

بينما يشارك مالك حاليا النجم روبرت داوني جونيور في بطولة الفيلم الخيالي ذا فوياج أوف دكتور دوليتل أو رحلة دكتور دوليتل من إخراج ستيفن جاجن, عن عالم الفيزياء الذي يكتشف فجأة أنه يمكنه التحدث إلي الحيوانات وفهم لغتهم, ومن المنتظر أن يعرض الفيلم في يناير من العام المقبل, ويقوم فيه رامي بالأداء الصوتي لشخصية الغوريلا تشي تشي ويشارك عدد من النجوم في الاداء الصوتي لباقي الحيوانات في الفيلم ومنهم سيلينا جوميز في دور الزرافة بيتسي وإيما طومسون في دور الببغاء بولينزيا وتوم هولاند في دور الكلب جيب.

ولا تختلف البريطانية أوليفيا كولمان الحاصلة علي أفضل ممثلة عن دور الملكة آن في فيلم المفضلة- كثيرا عن رامي مالك, فبعد أكثر من20 عاما من العمل في السينما حصلت أخيرا علي فرصتها من الشهرة بدور الملكة البريطانية الذي من المتوقع أن تعود له مرة اخري في المسلسل الشهير ذا كراون أو التاج والذي يعد واحدا من أهم الأعمال التي تنتجها شركة نيتلفيكس العالمية.

ووقعت الشركة تعاقدا مع كولمان البالغة من العمر45 عاما- لاستكمال دور الملكة إليزابيث في الجزء الثالث من المسلسل الذي يجري تصويره حاليا, بدلا من النجمة كلير فوي التي قامت بالدور في الجزء الثاني, مع انتقال أحداث المسلسل لمرحلة عمرية جديدة من حياة الملكة إليزابيث.

أما ريجينا كينج الحاصلة علي أفضل ممثلة مساعدة عن فيلم إذا تحدث شارع بيل- فسيدفعها الأوسكار للتخلي عن الشاشة الصغيرة التي حصلت من خلالها علي3 جوائز إيمي, لتركز اهتمامها أكثر علي الشاشة الكبيرة, حيث تستعد لانهاء دورها في مسلسلWatchmen أو الحراس المقرر عرضه خلال هذا العام, بالإضافة إلي مشاركتها في بطولة فيلم علي طول الطريق معك المقرر عرضه أيضا في نهاية العام.

وينتظر ماهرشالا علي أيضا عرض عملين له خلال هذا العام, وهما الجزء الثالث من المسلسل التليفزيوني ترو ديتكتف أو المحقق الفذ, وفيلم الإثارة والمغامرات أليتا, باتل انجيل أو أليتا, ملاك المعارك.

الأهرام المسائي في

02.03.2019

 
 
 
 
 

نعمة الأوسكار.. ولعنتها

كتب : أحمد قاسم

يوم الأحد 24 فبراير الماضى، كان العالم على موعد مع الحفل الـ91 من توزيع جوائز الأوسكار.  هذه الدورة التى تعتبر إحدى أكثر الدورات المثيرة للجدل على مدار تاريخ أعرق جائزة سينمائية فى العالم  بعد المشاكل الكثيرة التى سبقتها.إلا أن ما جعل هذا الحفل خالدًا على الأقل فى وطننا العربى، هو حصول النجم الأمريكى المصرى الأصل «رامى مالك» على جائزة أفضل ممثل عن دوره فى «رابسودية بوهيمية» الذى يروى قصة حياة مُغنى الروك البريطانى العظيم «فريدى ميركورى» ومسيرته مع أعضاء فرقته «كوين» - التى قدمت الفقرة الافتتاحية للأوسكار- متفوقًا بذلك على أسماء مخضرمة مثل «كريستيان بيل» و«برادلى كوبر» و«ويليام ديفو» و«فيجو مورتنسن».  

قد يجادل البعض أن مسيرة «مالك» لا تزال فى مهدها حتى الآن، بالطبع إذا استثنينا دوره الرائع فى مسلسل «مستر روبوت» والذى حصل عن دوره فيه على جائزة إيمى عام 2016، ومع ذلك رأيناه قد حصل على الأوسكار، ورأيناه لا يتوانى عن الدخول فى مشاريع ضخمة  مستقبلية مثل دوره المنتظر فى فيلم «الأمريكى الراديكالى» الذى سيروى قصة مسلم ذى ميول متطرفة يعمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف. بى. آى»، وأيضًا الفيلم الكوميدى «رحلة الطبيب دوليتل» الذى سيعرض فى دور السينما عام 2020.

أيضًا «أوليفيا كولمان» التى حازت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها فى «المفضلة» للمخرج العبقرى «يورجوس لانثيموس»، نراها وهى تستعد لاستكمال دورها العظيم فى مسلسل «التاج» الذى تجسد فيه شخصية ملكة بريطانيا الحالية «إليزابيث الثانية». 

التاريخ يقول إن الممثلين الذين يحصدون الأوسكار يتخذون إما طريق المجد والعودة مرة ثانية ثالثة وأكثر للمشاركة فى ليلة هوليوود الكبيرة أو يقفون محلك سر فى مكانهم لتجرى السنوات أمامهم ولا نراهم مجددًا إلا فى أفلام من الدرجة الثانية أو الثالثة.

فى السطور التالية نستعرض لكم أبرز الممثلين الذين ظلوا يقدمون للجمهور أدوارًا سيذكرها تاريخ السينما للأبد بعد فوزهم أو ترشحهم للجائزة والذين خفت نجمهم بعد حصولهم عليها.

> نعمة الأوسكار

ميرل ستريب، الحديث عنها ضرورة لأسباب لا تتعلق بموهبتها فقط، فقدرتها العجيبة على إتقان جميع الشخصيات المركبة، فضلاً عن تلقائيتها وعفويتها جعلت منها أسطورة حية. ترشحت لحوالى 528 جائزة فازت منها بـ173 جائزة، وترشحت لـ21 جائزة أوسكار، وهو الرقم القياسى بين الممثلين والممثلات، ونالت منها ثلاث جوائز، عام 1979 فى فيلم «كريمر ضد كريمر»، وعام 1982 عن دورها بفيلم «اختيار صوفيا»، وأخيرًا عام 2011 كأفضل ممثلة فى دور رئيسى عن فيلم «المرأة الحديدية»، ومنذ ثالث ظهور لها على الشاشة وأول ترشح عام 1979 وعلى مدار أربعين عامًا لم تخذل «ستريب» جمهورها ولا مرة. جاك نيكلسون، الظاهرة السينمائية التى لن نشهد لها مثيلًا والتى حرمنا منها مرض الزهايمر للأبد - كما يشاع - صاحب أعلى ترشيحات الأوسكار من بين أقرانه الممثلين بعدد وصل إلى 12 مرة، استطاع الحصول عليها 3 مرات الأولى عام 1975 عن الفيلم الخالد «طار فوق عش الوقواق»، والثانية لدوره الثانوى بفيلم «شروط إظهار العاطفة» عام 1983، والثالثة عام 1997 لدوره فى فيلم «الأفضل ممكن».. لقد عرف الجمهور «جاك نيكلسون» بالرجل الذى حلق فوق عش المجانين، وابتسامته الفريدة وأسارير وجهه «السيكوباتية» التى يحيق بها الغموض، فكان وجود اسمه ضمن حضور حفل الأوسكار ضمانًا له إما بالترشح أو الفوز.

روبرت دي نيرو.. إن الحديث عن موهبة بحجم «روبرت دي نيرو» يعد من قبيل الإجحاف! فبينما يراه البعض أحد أعظم الممثلين فى تاريخ هوليوود، يجادل الكثيرون بأن السينما الأمريكية لم تكن لم تصبح ما هى عليه الآن لولا وجوده.. فمنذ بداية مشواره مع صديق عمره «مارتن سكورسيزى» واشتراكهما فى فيلم «شوارع شريرة» شرعت مدرسة أفلام الشوارع فى التشكل لتصل أوج مجدها فى فيلم «سائق التاكسى» الذى يعد واحدًا من أعظم الأفلام على الإطلاق، ومن قبلها دوره العظيم بفيلم «العراب» الذى فاز بسببه بالأوسكار عام 1974، ليفوز أيضًا بالجائزة عام 1980 فى «الثور الهائج» وهو ثالث أفلامه مع «سكورسيزى».. ترشح «دي نيرو» أيضًا للأوسكار عام 1978 عن دوره فى فيلم «صائد الغزلان»، وعام 1990 عن دوره فى فيلم «الصحوات»، وعام 1991 عن دوره فى فيلم «رداء الخوف». 

ليوناردو دى كابريو.. هناك شبه إجماع بين النقاد وعشاق السينما على أن الأوسكار الذى فاز به «دى كابريو» عن فيلمه (العائد) عام 2015، لم يكن مستحقًا. بدعوى أن الدور لم يكن أحد أقوى أدواره عندما نقارنه بأعماله الأخرى، وأنه فاز بهذه الجائزة تقديرًا لتفانيه فى العمل على مدار أكثر من عشرين عامًا. يعتبر «دى كابريو» أحد أبرع ممثلى جيله حول العالم، فيما قارنه البعض بالعظيم «روبرت دى نيرو»، خاصة أن كليهما كانا ولا يزالان مفضلين لدى المخرج العبقرى «مارتن سكورسيزى»، فضلًا عن أن مشواره الفنى يخلو من أى «دراما» فهو متسق للغاية بلا كبوات أو أفلام فاشلة، فمنذ بداية مشواره وهو يرشح للأوسكار ففى عام 1994 رشح عن دوره فى فيلم (ما الذى يأكل جيلبرت جراب) وفى 2005 عن (الطيار) وفى 2007 عن (الدم الماسي) وفى 2014 عن (ذئب وال ستريت)، وفى السنوات التى لم يرشح فيها كانت هناك انتقادات كبيرة للقائمين على التصويت بعدم اختيارهم له عن أدواره فى أفلام (تايتنيك، الراحلون، جى ادجار، جزيرة شاتر، جاتسبى العظيم أو استهلال).. وما زال «دى كابريو» بعد فوزه بالجائزة، يستعد لمفاجأة جمهوره بعد أن عاد مجددًا للمخرج «تارنتينو» فى أحد أكثر الأفلام المرتقبة للعام الجارى: (حدث ذات مرة فى هوليوود)، والذى سيظهر فيه النجم «براد بيت» و«آل باتشينو» فى أول لقاء يجمع بين الثلاثة.

>لعنة الأوسكار

نيكولاس كيدج، يتربع على عرش قائمة الممثلين الذين فشلت مسيرتهم الفنية بعد حصولهم على جائزة الأوسكار، رغم أنه أحد أكبر المواهب الفنية التى تعيش فى وقتنا الحالى،  فعندما حاز جائزة الأوسكار عام 1996 عن فيلمه (العيش فى لاس فيجاس)، حقق ذروة أدائه المذهل فى وقت قصير، ثم سرعان ما شارك فى عدد كبير من أفلام الأكشن المميزة وأيضًا بعض اللوحات الدراميّة مثل فيلم (التكيف) عام 2002 والذى ترشّح عن دوره فيه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل فى دور رئيسى.. يرجع بعض النقاد سبب فشل مسيرة «كيدج» السينمائية إلى اختياراته السيئة وتراجع كاريزمته الشخصية، حيث يرى البعض أن الجمهور أصبح لا يستطيع تحمّل مشاهدته على الشاشة الكبيرة خاصةً بعد الأعمال المخيّبة للغاية التى شارك بها مؤخرًا

هالى بيرى.. منذ 15 عامًا، فازت بلقب أكثر النساء إثارة على وجه الأرض، وقبلها بأعوام قليلة، وبالتحديد فى 2002، حصلت على جائزة الأوسكار أفضل ممثلة عن دورها بفيلم (كرة الوحش) من إخراج «مارك فوستر»، ورغم ذلك وفى نفس العام ظهرت فى أحد أسوأ الأفلام فى التاريخ (المرأة القطة)، لتنحدر مسيرتها الفنية منذ ذلك الوقت وحتى عام 2017، لتظهر بفيلم (الاختطاف) الذى لاقى فشلًا مدويًا فى شباك التذاكر

أدريان برودى.. يعتبر أحد أشهر ضحايا الأوسكار، فمنذ فوزه بجائزة أفضل ممثل عام 2002 عن دوره الرائع بفيلم (عازف البيانو) من إخراج «رومان بولانسكى»، غاب عن عقول الجماهير بشكل مؤسف، وذلك رغم الموهبة الضخمة التى يمتلكها

هيلين هانت.. بعد أن حققت شهرة منقطعة النظير حينما فازت بجائزة الأوسكار أفضل ممثلة عن دورها بجانب العملاق «جاك نيكلسون» فى فيلم (الأفضل الممكن)، انهالت عليها بعدها العروض السينمائية للاشتراك مع مخضرمى هوليوود، إلى أن ظهرت فى فيلم (انقل الخبر)، الذى فشل سريعًا فى شباك التذاكر وواجه هجومًا شديدًا من جانب النقاد، لتسقط «هانت» من قوائم المنتجين وتعكف على اختيار أفلام سيئة أغرقتها فى بحر النسيان. >

مجلة روز اليوسف في

02.03.2019

 
 
 
 
 

"بوابة الأبدية" لجوليان شنابل: فان غوخ هو لوحاته

علاء رشيدي

في اللقطة الإفتتاحية، تعتيم كامل على الشاشة. وحده صوت السارد ينطق بعبارات تعود بأصلها إلى فان غوخ، يقرأها الممثل ويليام دافو، بين الفقرة والأخرى في الفيلم. سيحدث هذا التعتيم مجدداً، وستروى فقرات أخرى مستمدة من أقوال وأفكار الرسام الهولندي فنسنت فان غوخ (1853 – 1890)، اختارها المخرج من أرشيف المذكرات الكبير، وأرشيف الرسائل الكثيرة التي تركها فان غوخ لأخيه ثيو.

عين العدسة، عين السارد، عين الشخصية: عدد من العناصر تميز فيلم "بوابة الأبدية" في تقديمه للسيرة الذاتية لفان غوخ التي قدمت سابقاً مراراً في الدراسات، الأدب، والسينما: سيناريو يسعى لأن يدمج أحداث حكاية حياة فان غوخ مع آرائه وأفكاره ونظرياته، أسلوب إخراجي مهتم للغاية بالجانب الفني لفان غوخ، جهد بحثي لتقديم معلومات جديدة لم تكن متداولة عن بعض الأحداث الشهيرة في حياة فان غوخ، مثل قصة قطعه لأذنه وكيفية موته، مناقشة قدر كبير من آراء وأفكار فان غوخ الفلسفية والفنية.

المخرج جوليان شنابل رسام، وهو بلا شك يسجل في فيلمه هذا تقنية جديدة في الرؤية البصرية السينمائية. يجعل شنابل من الكاميرا في الفيلم، عين السارد، وعين الشخصية أيضاً. أي أن العدسة لا تعكس ما تراه الشخصية فحسب، بل كيف تراه. وبما أن فان غوخ رسام، فإن رؤية الواقع بعينيه تتسم بأبعاد وكيفيات خاصة به، نجح المخرج في تحقيقها. موضع الكاميرا بطرق مختلفة:  كيف يرى فان غوخ الشخصيات التي تتحدث إليه؟ كيف يرى مشهداً طبيعياً، سهلاً أو جبلاً؟ كيف يشعر العزلة بصرياً؟ وكيف يتلقى الأحداث والأجواء من حوله؟

تمتد على مساحة واسعة من ساعتي الفيلم، مشاهد تصور فان غوخ وحيداً، يمشي في الغابة، يقفز في الهواء، يتسلق الصخور، هذه المشاهد المجرد تأملية، ولا تحتوي على أحداث، تدخلنا إلى العالم الحميمي للشخصية، تماهي بين المتلقي والشخصية الرئيسية بأكثر مما يجمعهما من الإشتراك بالآراء، أو بكيفية التصرف في المواقف. يسعى المخرج أن يتم تقبل فان غوخ بكليته، لأن كل المحاولات السابقة في التعامل مع سيرة فان غوخ التي سعت لتقييمه، أثبتت فشلها في تقديم سيرة حياة منطقية لهذا الفنان بالتحديد.

بين فان غوخ وبول غوغان 

فان غوخ مجهول وفقير، رسام ترفض المقاهي أن تُعرض لوحاته على جدرانها، الحدث الأهم بداية الفيلم هو اللقاء الذي يجمع بين فان غوخ مع بول غوغان (1848 – 1903)، علاقتهما سيركز عليها الفيلم كثيراً، وستسمح بإدراج العديد من الحوارات المهمة حول فن الرسم. يقول بول غوغان إنه يرغب في الهروب بعيداً من الثقافة، بعيداً من باريس، إلى مكان حيث أحداً لا يعرف عن اللوحات، بينما فان غوخ يقول بأنه يرغب الإنتقال بحثاً عن الضوء. منذ البداية ندرك هذا لإختلاف بين الشخصيتين، فأحدهما أكثر ذهنيةً من الآخر، والثاني أكثر بصريةً.

في البحث عن الضوء، وبناء على نصيحة بول غوغان، ينتقل فان غوخ إلى الجنوب الفرنسي، إلى مدينة آرل، التي سيعاني في علاقته بأهلها وسكانها المحليين، سيعتبرونه شخصية منفرة، ملعونة، ويعيش في حالات من الوحدة، التي تدفع أخيه ثيو ليطلب من بول غوغان أن يذهب إليه وينقذ حالته النفسية. في النهاية، سيوقع أهالي مدينة آرل عريضة جماعية تطالب بإبعاد فان غوخ عن المدينة، مبررين الأمر بسُكره المستمر، وبشجارات تحدث بينه وبين الأولاد بين الحين والآخر

حوارات فان غوخ – بول غوغان تمتلك أهمية فنية خاصة. فبينما يرى فان غوخ، الإلهام في الطبيعة: "القدير خلق الطبيعة، فالطبيعة هي الجمال"، فإن بول غوغان يقول: "ارسم ما تراه بذهنك"، يجيب فان غوخ :"اللوحة هي وسيط لنتشارك رؤية مشهد"، فيقول غوغان "لا تنسخ. ابتدع الأشكال من داخلك". يعتقد غوغان أن الإنطباعية التي تحاول نقل الرؤية البصرية كانت تياراً مهماً، لكن آن الأوان للتغيير، كان يدعو فان غوخ للتجديد، لكن فان غوخ لم يخرج يوماً من إطار الموضوعات والرؤية البصرية التي اقترحتها الإنطباعية.

يطلب غوغان من فان غوخ أن يؤلف اللوحة قبل بداية الرسم، أن يتأملها ويفكرها، بينما رأي فان غوخ على النقيض، فهو يرى ان اللوحة أن ترسم بضربة واحدة، بأسرع ما يمكن من الزخم والكثافة. يستشهد برسامين أحبهم من التاريخ غويا، فلاسكيز، يصف غوغان لوحات فان غوخ بأنها أقرب للمنحوتات منها للوحات، بسبب كمية الألوان النافرة على سطح لوحاته.

قطع الأذن 

يتعلق فان غوخ ببول غوغان فهو الشخصية الوحيدة القادرة على النقاش وتبادل الآراء معه حول الرسم، لكن غوغان يخبره بالإختلاف بين شخصيهما، ثم يقوده نجاح الإقبال على لوحاته لقرار العودة إلى باريس، إلى الوسط الثقافي هناك. فيقطع فان غوخ أذنه ليمنعه من ذلك، اعتقد أن هذا الفعل سيكون عائقاً أو رفضاً لرحيل غوغان.

إحدى الروايات الشائعة عن حادثة قطع أذن فان غوخ تقول بأنه قطعها لأجل مومس. لكن الفيلم يثبت بدقة، وفي مشهد حوار طويل ودقيق بين فان غوخ وبين الطبيب الذي عالجه، يبين أن فان غوخ قطع أذنه، وضعها في ورقة، أبقاها عند نادلة البار الذي يتردد إليه بول غوغان لتعطيه إياها، ولم يقدمها لمومس كما تروي بعض القراءات.

مقتل أم انتحار؟ّ

معلومة أخرى يقدمها هذا الفيلم عن حياة فان غوخ تخالف القراءات السائدة، وهي طريقة موته. أغلب الروايات لحياة فان غوخ تخبر عن موته انتحاراً. لكن الفيلم يقدم حكاية أكثر منطقية، لقد قتله فتية من أصدقائه، كتب أسماءهم في مذكراته، سرقوا مسدسات أهلهم، بينما يلهون بها أصابت رصاصة بطن فان غوخ، خلال 18 يوماً، أخفى فان غوخ الحادثة خوفاً من معاقبة الفتية ومحاسبتهم، ثم فارق الحياة. يدرك الطبيب أنه ليس انتحاراً، لأنه لم يكن هناك مسدس مع فان غوخ حين أصيبت معدته برصاصة. هذا التصحيح عن وفاة فان غوخ يغير الكثير من القراءات لشخصيته وقصة حياته، منها مثلاً تلك التي قدمها المسرحي أنطون آرتو، حول نبذ المجتمع للفنان المرهف الذي أدى به للإنتحار.

الفنان الرسول 

"أرسم لأنقل ما أرى"، "أرسم الزهور لأمنحها الخلود فلا تذبل"، "أرسم لأتوقف عن التفكير"، "أرسم لأن الله منحني الموهبة والرؤى"، هذه الأجوبة والأفكار يختارها المخرج متعددة على لسان فان غوخ. لكن على مستوى معالجة شخصية الفنان، فسيقع الفيلم بخدعة متكررة في التعامل مع السير الذاتية للفنانين، وهي المقابلة بينهم وبين الأنبياء. يبين لنا الفيلم أن فان غوخ يعتقد أن بينه وبين المسيح مشترك كبير، فالمسيح مثله جاء برسالة إلى العالم، عومل بقسوة من المحيطين، ومات مجهولاً ومنبوذاً

غالباً ما تركز أفلام السيرة الذاتية على أحداث حياة الشخصية، من دون أن تولي أهمية لحياته المهنية أي الفنية، فالأفلام عن الموسيقى تروي حكايات الموسيقيين من دون أن تقترب من نظرياته الفنية، أو أساليب عملهم وإنتاجهم. فيلم "بوابة الأبدية" يعنى بالرسم، نراقب عملية الرسم، توزيع الألوان، ضربات الفرشاة، أكثر من لوحة ترسم بالكامل أمام عين المتلقي في الشاشة، وعدداً من السكيتشات، نلمس توظيفاً لتقنيات السينما في نقل تجربة الرسم.

بين الحين والآخر، يدخل المخرج في الفيلم سلسلة لقطات تصور الوحدة، العزلة، لحظات طويلة في الرسم، وكذلك الهذيانات السمعية والبصرية التي عايشها فان غوخ. بينما السيناريو يعتمد على عدد من الحوارات الأساسية في الفيلم، التي تدفع المتلقي للإستنتاج عن فان غوخ بأكثر مما تلقنه المعلومات، حوارات بين فان غوخ وأطباء، وقس، وجندي، وهي حوارات لعبت دوراً مهماً في مسيرة أحداث حياته، وفي الفيلم تسمح لنا باكتشاف الشخصية بأكثر.

نور الشمس  

في الحوار مع الأطباء، يتحدث فان غوخ عن الرؤى والتهيؤات، وحضور شبحي يرغب أن يقتله، من الواضح أن فان غوخ كان يؤمن بالله، وبالقوى الميتافيزيقية. في حواره مع القس يقارن بينه وبين المسيح، أما لقاؤه مع الجندي، فيتم في مصحة سان ريمي التي دخلها فان غوخ في سنوات حياته الأخيرة. حصل الجندي على منصب مسؤول ملفات الضباط، فإكتشف عنهم جرائم التعذيب، الإغتصاب والقتل. لقد رأى هذا الجندي سجوناً تحت الأرض تحوي عائلات لم تر الشمس يوماً، يروي عن طفلة رأت نور الشمس للمرة الأولى وهي في 12 من عمرها. فيقول فان غوخ بأن كل ما رسمه في حياته كان للتعبير عن نور الشمس.

عن "الأبدية" التي تشكل عنوان الفيلم، يروي فان غوخ آراءه ومشاعره حولها، مرتين. المرة الأولى يقول بأن الأبدية هي ما يشعر به حين يتأمل مشهداً طبيعياً ممتداً أمامه، في حيوية الطبيعة، والمرة الثانية يقول بأن الأبدية هي الوقت الآتي.

المشهد الأخير رسالة – مقولة قدمها المخرج ببراعة. تصور الكاميرا من الأعلى جثمان فان غوخ مسجى في قبر مفتوح، من حوله على كامل مساحة العدسة تتوزع لوحاته الأشهر، يجول بينها متفرجون، بعضهم يزدري اللوحات والبعض الآخر يهتم بها. ما نستنتجه من المشهد أن الفنان يبذل حياته لإنتاج أعماله، أن التضحية المقدمة لتتحقق هذه اللوحات هي حياة إنسان.

"الرغبة بالحياة: حياة العبقري المعذب"(1956) إخراج فينست مينللي وجورج كوكر، "الأحلام"(1990)، إخراج أكيرا كيروساوا، "فينسنت وثيو"(1990) إخراج روبرت ألتمان، يتعدد حضور حياة فان غوخ في تاريخ السينما. أما في الأدب والدراسات النقدية فتتعدد القراءات لحياة هذه الشخصية الفنية، أغلبها تسعى للإجابة: من هو فان غوخ؟ بينما يكرر فان غوخ على الدوام: "أنا لوحاتي".

(*) يعرض الفيلم في سينما أمبير ميتروبوليس صوفيل – بيروت حتى السادس من آذار/مارس الجاري.

المدن الإلكترونية في

02.03.2019

 
 
 
 
 

ابن الإسماعيلية أحمد وليد بعد فوز فيلمه بالأوسكار:

الأوسكار كان مجرد حلم.. ونتطلع للمزيد من الجوائز العالمية

كتبت - ولاء وحيد:

"عامان من العمل المتواصل والجد والاجتهاد مع فريق العمل كانت الخطوة التى سبقت حصول فيلم Spider-Man: Into the Spider-Verse، على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة".. هكذا جاءت كلمات أحمد وليد مرسى الشاب المصرى قائد فريق منسق المؤثرات البصرية الخاصة بالفيلم الفائز لـ"الوفد" عبر الهاتف .

ويواصل أحمد 22 عاما والذى يعمل حاليا بشركة ديزنى العالمية ويدرس بجامعة Metropolitan  بلندن حديثه: الفوز بجائزة الاوسكار كان حلما حصلت عليه وفريق العمل يسبقه أشهر من العمل فى إعداد المؤثرات البصرية بالفيلم، ويضيف: عندما تم إبلاغى بفوز الفيلم كدت أطير من الفرحة وشعرت أن الله كلل مجهودى بالنجاح، وتابع الطريق نحو العالمية لم يكن سهلا ولكنه ممكن مع وجود إيمان وإرادة وطموح وقال: الحصول على الأوسكار ليس نهاية المطاف ولكنه البداية لتحقيق المزيد من التميز وتحصيل جوائز عالمية فى مجال الاخراج السينمائى فى الفترة المقبلة.

If you can dream it you can do it ..اذا كنت تستطيع ان تحلم بفعل شيء فإنك تستطيع ان تفعل هذا الشيء. هذا الشعار دونه أحمد على قصاصات ورقية وضعها فى غرفته الخاصة وعلى حقيبة أمتعته وعلى مكتبه منذ كان طفلًا كما تروى والدته نيفين المنزلاوى محاسبة التى التقت بها "الوفد" فى مسقط رأسها بالإسماعيلية.

 وتابعت «أحمد منذ طفولته لديه ميول تجاه تصنيع افلام الكارتون. كل الاطفال فى هذه السن يتابعون افلام الكارتون، لكن احمد كان مختلفا عن باقى الاطفال، كان يسأل عن كيفية صناعة أفلام الكارتون. وكنت اظن فى البداية ان الموهبة تنذر بأن يكون له مستقبل فى مجال البرمجة ولكن مع دخول احمد للمرحلة الثانوية بدأت تظهر قدراته ومهاراته فى تصنيع افلام الكارتون وإعداد المؤثرات البصرية المصاحبة للأفلام».

شارك «أحمد» فى العديد من الأفلام الناجحة مثل فيلم Beauty and the Beast الذى طرح عام 2017، وفيلم Avengers: Infinity War الذى طرح عام 2018، وفيلم Fantastic Beasts: The Crimes of Grindelwal الذى طرح عام 2018 أيضا, كما يشارك «أحمد» كمنسق للمؤثرات البصرية للفيلم المنتظر Avengers: Endgame. كما ان لديه صفحة على موقع imdb وهو موقع إلكترونى خاص بالفنانين العالميين.

أحمد وليد 22 عاما ولد بمدينة الاسماعيلية، وتلقى تعليمه حتى نهاية الثانوية العامة بمدرسة المنار للغات وهو الابن الأكبر لوالده رجل الاعمال وليد مرسى ووالدته المحاسبة نيفين المنزلاوى وله شقيقتان ميسون تدرس التسويق بإحدى الجامعات فى لندن ولمى طالبة بالصف الثانى الإعدادى.

ويقول وليد مرسى رجل اعمال والد احمد «بعد حصول احمد على الثانوية العامة والتحاقه بكلية الاعلام والاتصال بالجامعة الكندية فى مصر تعرض لوعكة صحية شديدة أقعدته فى المنزل لمدة عام كامل توقف خلالها عن الدراسة وعن ممارسة أنشطته التطوعية وظل ملازمًا للفراش لوجود محاذير طبية عليه تمنع الحركة سوى تحريك أصابع يديه لكنه فى هذه الفترة استغل الوقت وقام بالحصول على دراسات حرة على مستوى عالٍ عبر الانترنت فى الجرافيك والمؤثرات الحركية والضوئية وخلال هذه الفترة تواصل عبر الإنترنت مع عدد من الجامعات الاجنبية للبحث عن فرصة دراسة فى مجال الجرافيك.

 وتابع: أحمد الابن الاكبر لنا ولديه شقيقتان ميسون تدرس هى الاخرى فى لندن ولمى طالبة فى المرحلة الاعدادية ويضيف: أحمد علم نفسه بنفسه الجرافيك ومنذ طفولته وهو يبحث عن الجديد فى فنون الجرافيك ويتعلمها ويتلقى دورات تدريبية عبر الإنترنت من مراكز متخصصة وجامعات عالمية، وذلك قبل ان يتجاوز التاسعة عشرة من عمره وتابع: عندما اراد احمد السفر للدراسة بالخارج لم أمانع وكنت ووالدته داعمين له ومشجعين له لمواصلة طريقه فى المجال الذى يعشقه منذ طفولته.

وتقول لمى وليد 13 سنة الشقيقة الصغرى لأحمد « فخورة بأحمد ومبسوطة لأنه بيحقق أهدافه وبيعمل الحاجات اللى بيحبها».

الوفد المصرية في

03.03.2019

 
 
 
 
 

عن آباء طلال ديركي وأبنائه

تهامة الجندي

قرأتُ الكثير من الآراء المتضاربة حول فيلم طلال ديركي "عن الآباء والأبناء" لاسيما بعد ترشيحه لجائزة الأوسكار، وحين شاهدته شعرت باستياء كبير، ليس فقط لاختلافي معه في المقولة التي قدمها، إنما لإحساسي بالخديعة كمتلقٍ من حقه أن يحصل على صورة صادقة في فيلم وثائقي، فمنذ البداية اعترف المخرج أنه ضلل مضيفيه، ودخل المكان الذي سيلتقطه بعدسته متنكرًا بهوية المصوّر الموالي للفكر الجهادي والمعجب بالنصرة، خشية من البطش الذي يمكن أن يطاله لو كشف حقيقته، وعلى الفور قفزت إلى ذهني صورة ماري كولفين التي دفعت حياتها ثمنًا لقول الحقيقة في حمص

اختار المخرج منطقة صحراوية في الشمال السوري، تبدو نائية عن ساحة الصراع، والتقط بعدسته يوميات أسرة بسيطة، تنتمي إلى الوسط الشعبي، معيلها أبو أسامة، معتقل سابق، وأب لثمانية أطفال، يعمل على تفكيك الألغام التي زرعتها قوات النظام السوري قبل أن تُجبر على مغادرة المنطقة. صوّر مشاهد الفيلم بعين سياحية معادية، الأكل باليدين، القنص، الأسرى، ذبح الشاة، وانفجار لغم برب الأسرة أدى إلى بتر بساقه، وصولًا إلى تدريب الصبية على حمل السلاح

حاور طلال أبا أسامة وعدداً من أولاده وضيوفه بنفس استعلائي ممزوج بالاشمئزاز، وورطهم بأحاديث مفككة، كانت قمتها التقاط تصريح الضيف المرتبك عن الخنزير الأميركي، وتأكيداته أن النصرة وحدها هي من تقاتل نظام الأسد، فيما يغفو ائتلاف قوى الثورة في الفنادق، وتنشغل معارضة الخارج باستجداء المال والمعونات. نقل عدسته من شخص إلى آخر، من دون أن يخبر المشاهد ما هي صلة هؤلاء بالنصرة، أو يسأل نفسه إن كان أولئك البسطاء الذين ضللهم يقولون الحقيقة؟ أم يجاملونه حسنًا للضيافة، أم أنهم مثله يظهرون الولاء خشية من البطش.  

قدم مقولة تحريفية خطيرة، أن ما يحدث في سورية منذ سنوات هو حرب بين نظام الأسد والنصرة، وختم الفيلم بصوته من وراء الكادر يقول، إنه يغادر هذا الكابوس إلى حضن أسرته في ألمانيا، ولم يكترث أو يبدي مجرد تعاطف لحال أولئك المدنيين الذين تركهم خلفه في الشمال السوري، محاصرين ومهددين بكل أشكال العنف والكوابيس

تجاهل طلال تمامًا واقع الثورة السورية والحراك السلمي، تجاهل نحو ربع مليون من المعتقلين في سجون النظام السوري لانتمائهم أو لمجرد تعاطفهم مع الثورة، هل لا يزال زكي كورديللو وخليل معتوق وعلي الشهابي ورانيا العباسي قيد الاعتقال لأنهم من النصرة؟ هل قُتل بطل فيلمه "عائد إلى حمص" أسامة الحبالي بالتعذيب، ومعه الآلاف ممن وردت أسماؤهم في قوائم الموت لأنهم من النصرة؟ هل كانت صور الجثث المشوهة التي هربها قيصر من أقبية الزنازين صور لجماعة النصرة؟ هل اختنق السوريون بالسارين والكلور، وقُتلوا بالذخيرة الحية، وتهدمت بيوتهم، وتشردوا بالملايين لأنهم مع النصرة أو منها؟

هؤلاء هم الثورة السورية التي لم يلحظها طلال للأسف الشديد، الثورة التي قدمت نحو مليون شهيد من ضحايا جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية، ارتكبها نظام الأسد بحق معارضيه. لم يشر من بعيد أو قريب إلى أن العنف المفرط والممنهج الذي بقي بلا رادع أو حساب، هو من أفرز كل أشكال التطرف في المجتمع السوري. لم يلحظ وهو مشغول بالطفولة المعذبة الدورات التي تُقام في روسيا لتدريب الأطفال السوريين على حمل السلاح. كما أنه لم يلحظ ميليشيات حزب الله وإيران، وهي تصول وتجول على الأراضي السورية، تقتل وتعتقل وتهين من تشاء من السوريين، أم أنها ميليشيات علمانية، يحق لها أن تسحق شعب النصرة؟

المدن الإلكترونية في

03.03.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2019)