كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

فيلم «Happy As Lazzaro»:

القوة الخارقة لطيبة القلب

حسام فهمي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

العلاقة بين طيبة المرء وارتباطه بعالم الخوارق تبدو ذات جذور حتى في تراثنا المصري. يبدو وصف «بتاع ربنا» غريبًا وغير ذي معنى إذا ما حاولت ترجمته لقارئ أجنبي، هذا الوصف الذي يطلقه المصريون عادة على من يشعرون بطيبته ونقائه يبدو دقيقًا للغاية لشخصية لازارو الذي نتابع حكايته في الفيلم الإيطالي «Happy As Lazzaro»، والحائز على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان في نسخته لعام 2018، مناصفة مع الفيلم الإيراني «3 وجوه». يعرض الفيلم في القاهرة ضمن فعاليات بانوراما الفيلم الأوروبي الحادية عشرة.

بقدر ما يوحي وصف «بتاع ربنا» بالطيبة والرقة، فإنه أيضًا يوحي بارتباط بقوى ما وراء طبيعية، قوى قد تتيح لهذا الفتى الطيب ما لا يتفق مع القواعد الفيزيائية الضيقة للكون كما نعرفه. تعتمد المؤلفة والمخرجة الإيطالية أليس رورواتشر على سرد حكاية واقعية هادئة لقرية إيطالية في الثمانينيات، قبل أن تنقلب الحكاية رأسًا على عقب حينما تكشف حادثة خطف ملفقة الغطاء عن واقع مزيف وفتى خارق.

لكن ما الرمزية وراء كل هذا؟ وهل تكفي النوايا الطيبة -وإن امتلكت قوى خارقة- لإنقاذ البشر في عالم اليوم؟

أنفيولاتا: وقائع استعباد شعب بأكمله

يبدأ الفيلم بمشهد لفتيات جميلات ذوات ملابس ريفية يتخاطفن لمبة كهربية وحيدة في منزل مظلم، تضيء اللمبة في النهاية غرفة متواضعة تزدحم فيها الفتيات وهن ينظرن من شباك صغير يطل على شارع ترابي يقف فيه شاب يحب إحداهن، وترافقه فرقة موسيقية شعبية صغيرة تحمل جيتارًا ولا شيء أكثر.

هذا المشهد التأسيسي يدخلنا لعالم أنفيولاتا، القرية الصغيرة المتخيلة، التي يبدو سكانها من الفلاحين كما لو كانوا يعيشون في القرن التاسع عشر، في حين ندرك عقب هذا أنهم مستعبدون لدى سيدة تخفي عليهم أنهم يعيشون في ثمانينيات القرن العشرين.

أنفيولاتا تعني بالإيطالية الشيء الذي لم يمس من قبل، الشيء البكر، وهي تسمية مناسبة تمامًا لقرية منعزلة عن العالم، لا يصلها به سوى جسر تهدم ولم يهتم أحد بإصلاحه.

يعمل سكان القرية جميعًا كمزراعين في حقول التبغ الخاصة بالماركيزة دي لونا، سيدة مخادعة، ولكنها تصدق أن ما تفعله طبيعي، تتوحد مع الكذبة التي صنعتها وتعيشها، تستعبدهم وتبقيهم مدينين لها حتى الموت، وعلى جانب آخر فلا يفوتها أن تعلم قلة من أطفالهم القراءة والكتابة بنفسها.

يسير كل شيء بشكل واقعي في الساعة الأولى من حكاية هذه القرية الإيطالية المختطفة، والتي نراها بألوان السيبيا الباهتة في كادرات أليس رورواتشر التي اختارت كاميرات 16 مللي لتطلي كل ما نشاهده بطابع النوستالجيا.

يصل ابن الماركيزة أخيرًا لزيارة القرية. تانكريدي الذي نتعرف من ملابسه وهاتفه المحمول أن هؤلاء البشر مختطفون في الماضي. يصارح والدته بأنها تستغل هؤلاء البشر بشكل قاسٍ فتخبره أن البشر حيوانات يستغل بعضهم بعضًا، الاستعباد الذي تمارسه عليهم بالتأكيد هم يمارسونه على من هم أدناهم. وفي أسفل السلم يظهر لازارو، الفتى الطيب الذي يظنه الجميع محدود التفكير، وعليه فيكلفه الجميع بكل الأعمال التي يضيقون ذرعًا بها، بداية من حمل البضائع الثقيلة ووصولًا لحراسة الدجاج من هجوم الذئاب.

تتطور صداقة من نوع خاص بين لازارو وتانكريدي، يفبرك على إثرها ابن الماركيزة حادثة اختطافه، ليرغم والدته على إعطائه مبلغًا كبيرًا من المال، وحينما تصل أخبار حادثة الاختطاف الملفقة إلى الشرطة دون علم الماركيزة، ينكشف الغطاء عن الواقع المزيف الذي عاش فيه أهل أنفيولاتا.

يعود المزارعون أحرارًا حينما تستلمهم الشرطة، يتلمسون الحياة الحقيقية كأطفال يشاهدون كل شيء لأول مرة، وعلى جانب آخر تتحول الحكاية الواقعية لواقعية سحرية حينما يظهر لازارو قدرات غير مفهومة تتخطى حدود العقل والجسد البشري.

لازارو: فتى طيب في عالم قاسٍ

لازارو (الذي يؤديه أدريانو تارديولو في ظهوره الأول على شاشة السينما) يبدو معبرًا عن جوهر ما في البشر من طيبة، كطفل لم تلوثه الحياة بعد. يعامل لازارو الجميع بأمانة وصدق، ولا يعرف طريقة للخداع ولا اللعب بالكلمات، ويوقعه هذا بالطبع في مشاكل عدة.

صداقة لازارو وتانكريدي عابرة للزمان، فنجدها هي الدافع الرئيسي للفتى للعبور من ماضي أنفيولاتا إلى حاضر أوروبا. وعلى قدر ما يحمل لازارو من طيبة تسرد لنا أليس رورواتشر حكايته في عالم قاسٍ ومخادع وعنيف.

لم يتغير الوضع كثيرًا عما كان يمر به الفلاحون في أنفيولاتا من استعباد، كل ما تغير أنهم الآن صاروا عبيدًا لنظام رأسمالي بلا مكابح يسيطر على أوروبا ومن خلفها العالم. تنقل لنا رورواتشر في رمزية واضحة للغاية كيف مر الزمان على مساعد الماركيزة في استعباد فلاحي أنفيولاتا ليصبح في الحاضر سمسارًا للعمالة الرخيصة التي يشكل المهاجرون غالبيتها، لم تتغير وظيفة الرجل كسمسار عبودية إذن.

يستمر في المقابل أهل أنفيولاتا السابقون في أسفل السلم الاجتماعي، ليتكسبوا في النهاية إما باستغلال من دونهم أو بخداع وسرقة كل من يعلوهم.

خليط النقد الاجتماعي وتذكيرنا بما نسيناه

أينما وجد كائن بشري، فهناك فرصة لطيبة القلب.

الفليسوف الروماني لوكيوس سينيكا

تبدو قيمة قصة وسيناريو «سعيد مثل لازارو» إذن في جمعه بين نسخة شديدة الصراحة من النقد الاجتماعي لواقع أوروبا عموما وإيطاليا خصوصًا، وتحول حياة البشر فيها لنسخة جديدة من استعباد القرون الوسطى، وبين أثر إنساني أعمق وأهم وأكثر شمولًا، وهو تذكيرنا جميعًا بما نسيناه من جوهر البشرية.

يبدو الفيلم في هذه النقطة بالتحديد خارج سياق الأفلام المتشائمة والسوداوية التي مثلت سياق بدأ منذ عام 2014، ووصل لذروته في العام الماضي بأفلام على شاكلة «The Square» المتوج بسعفة كان في عام 2017، والذي شاهدنا فيه نسخة شديدة التشائم من حاضر ومستقبل الجنس البشري.  يختلف لازارو في هذا بتقديمه الأمل في مواجهة هذا العالم القاسي، والأمل هنا عنصر جديد في المعادلة السينمائية، حتى لو قُدِّم في صورة ملاك أو خيال أو قديس أو حلم.

بالإضافة لهذا يبدو الفيلم ذكيًّا في جمعه بين جماليات الواقعية الإيطالية باستخدام مواقع تصوير حقيقية وبطل يظهر للمرة الأولى على الشاشة، وبين طزاجة ومفاجأة مدرسة الواقعية السحرية الروائية والتي تنقلها رورواتشر هنا بسلاسة إلى حكايتها لتخلق بهذا الخليط فيلمًا ممتعًا يتطور إيقاعه الهادئ ليصبح سريعًا في الفصل الأخير. يصلنا نقدها الاجتماعي بشكل واضح، ولكنه غير وعظي ولا خطابي، وتتركنا في النهاية بالكثير من التأويلات والأسئلة عن شخوصها وعن العالم وعن البشر قبل كل شيء.

موقع "إضاءات" في

17.11.2018

 
 
 
 
 

"عن الآباء والأبناء".. وثائقي عن صناعة العنف لدى أطفال سوريا

العين الإخبارية

يضحك بضعة أطفال وهم يلعبون في ساحة مغبّرة في إحدى قرى شمال سوريا، لكن ما يلهون به ليس لعبة من ألعاب الأطفال بل تدريب على قسوة القلب استعدادا لحياة العنف المقبلة

ولعبة قتل الدجاج هذه هي من أقسى مشاهد الفيلم الوثائقي "عن الآباء والأبناء" للمخرج السوري طلال ديركي، الذي يتتبع خطوات نمو التشدد الديني في سوريا في ظل الحرب الطاحنة التي تعصف بها منذ سنوات.

ويقول المخرج لوكالة "فرانس برس": "كنت أرى طفلي ذا الأعوام الستة من خلال عدسة التصوير".

على مدى أكثر من عامين، أقام ديركي مع عائلة متشددة في شمال سوريا على مقربة من الحدود مع تركيا، موجها عدسته بشكل أساسي إلى الأطفال، راصدا تدرجهم في طريق العنف.

ونتج عن تلك الرحلة فيلم وثائقي فريد من نوعه يُدخِل المُشاهد في 98 دقيقة إلى الحياة اليومية لعائلات المقاتلين المتشددين في سوريا، في ذروة صعودهم الذي يصفه المخرج البالغ 41 عاما بأنه كابوس.

عُرض الفيلم، الخميس، في الولايات المتحدة، وفاز بجائزة سينما العالم الوثائقية في مهرجان ساندانس قبل أشهر.

وسبق هذا العمل فيلم وثائقي آخر لطلال ديركي هو "العودة إلى حمص"، وقد فاز أيضا بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان ساندانس العام 2014.

يتتبع فيلم "عن الآباء والأبناء" عائلة أبو أسامة، وهو أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، وهو يربي ابنيه أسامة (13 عاما)، وأيمن (12 عاما) على القتال. وهما سُمّيا كذلك تيمنا بزعيمي تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

تمكّن طلال ديركي، المقيم حاليا في برلين، من كسب ثقة أبو أسامة، مقدما نفسه على أنه مصور حربي متعاطف مع الجهاديين، وبذلك تمكن من الولوج إلى عالم لا يسهل دخوله عادة.

يصوّر الفيلم التحوّل المرعب لفتيين من طفلين بريئين إلى مقاتلين متشددين

ويقول ديركي "هذا الفيلم يجعلك تفهم كيف يعمل العقل.. العنف موجود في كل شيء، في اللغة والتعليم، في كل لحظة".

لا تغيب مشاهد من الفيلم عن ذهن المخرج، كما يقول، ولا سيما مشهد طفل يلهو بقنبلة موقوتة.

وفي مشهد آخر، يباهي أحد الطفلين أمام أبيه بأنه قتل طيرا صغيرا، ويقول له "نضع رأسه إلى الأسفل ونقطعه، كما فعلت أنت مع ذاك الرجل".

ومع أن الفيلم يضج بالتفاصيل، إلا أن المرأة تغيب عنه تماما.

ويشرح المخرج ذلك بالقول "النساء أكبر الضحايا في ذاك المجتمع، عشت هناك سنتين ونصف السنة ولا أعرف شيئا عن والدة الطفلين".

ويقول "لا أعرف لها اسما، ولم أسمع لها صوتا".

ويشرح ديركي الفرق بين فيلمه الأول "العودة إلى الحمص"، والثاني"عن الآباء والأبناء"، قائلا إن الأول يتتبع بداية الاحتجاجات السورية وقمع النظام الشديد لها، أما الثاني فهو يبين كيف انزلقت سوريا إلى دوامة الفوضى.

ويقول "علينا أن نستخدم سلاحنا، وهو السينما، لنشرح ما يجري هناك، ومن هم أولئك الناس، وكيف تُغسَل عقول المجتمعات".

ويضيف "علينا أن نفكر قبل أن نقصف أي منطقة، قبل أن نترك أي حاكم مستبد يقتل شعبه بالأسلحة الثقيلة".

ما زالت مشاهد العنف مطبوعة في ذهن طلال ديركي، ومنذ أن أنهى تصوير الفيلم لم تفارقه الكوابيس، وصار يحتاج أقراصا مهدئة لينام.

وقد دق أوشاما على جسمه، لكي لا تحدثه نفسه بالعودة مرة ثانية إلى مناطق المتشددين في سوريا.

بوابة العين الإماراتية في

18.11.2018

 
 
 
 
 

«حرب باردة» للبولندي بافيل بافليكوفسكي: حكاية حب في زمن الشيوعية

سليم البيك

الأفلام الجيّدة هي تلك التي تهتم بكل ما يمكن أن يصل للمتلقّي المُشاهد، هي التي تكون بتصوير ومونتاج جيدين، بصوت وموسيقى جيدين، بحكاية وشخصيات جيدة، وإن أخذنا هذه النقاط بعين الاعتبار في الحديث عن هذا الفيلم، سنجد أسباباً مقنعة للمتعة التي يمكن أن يسبّبها لمُشاهده.
أتى التصوير بالأبيض والأسود، بأجواء شتوية يكاد لا يغادرها الحزن رغم الغناء والفرح فيه، وفي هذه وتلك ما يذكّرنا بالفيلم السابق لمخرجه البولندي بافيل بافليكوفسكي «إيدا»، الذي يتشارك و«حرب باردة» الزمن الذي تجري فيه الأحداث كذلك، وهو بدايات النصف الثاني من القرن الماضي، وهو الفيلم الذي نال أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2015.

الفيلم إدانة واضحة للنظام الشيوعي في بولندا وعموم المعسكر الاشتراكي، إنّما إدانة فنّية، فيحكي عن الهشاشة التي لدى الحبيبين، التي حطّمتها الدولة.

في فيلمه الأخير (Cold War) المعروض في الصالات الفرنسية، الذي نال جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة، يعيدنا بافليكوفسكي إلى أجواء مماثلة، وإن كان قد استوحى القصة من حياة والديه، إلا أننا نبقى في حكاية إنسانية في بلاده وضمن الزمن الشيوعي. بتصوير بالأبيض والأسود، بتقطيع للحكاية ضمن أزمنة وأمكنة يقدّمها عند كل فصل من الفيلم، إذ تمتد الحكاية على سنوات، وبين بولندا وباريس، أمّا الموضوع الأبرز هنا فهو تدخل السلطة السوفييتية في علاقة الناس بماضيهم، كما في علاقتهم بحاضرهم.

أما العلاقة بالماضي فهي تخص الكيفية التي بدأ بها الفيلم حكايته، أما العلاقة بالحاضر فتخص تطوّر الشخصيات وتقاربها من بعضها.

يبدأ الفيلم بفيكتور وهو ملحن موسيقي، ورفيقة له يجرون بحوثا مع تسجيلات من مناطق نائية في بولندا، لتوثيق الأغاني الشعبية هناك، فلكل منطقة نسختها من أغان أو هي أغان خاصة أساساً، كي يعيدا إحياءها بتسجيل حديث، وبأصوات كورالية، ثم ينظّمان مسابقة أداء لفتيات ويدرّبانهن على أداء هذه الأغنيات، فينظّمان حفلات غنائية واستعراضية لإحياء الأغاني التراثية البولندية، إثر نجاح الفرقة، تقترح عليهما الدولة أن تقوم الفرقة بأداء أغنيات سياسية، فيضطران لذلك، لترتفع صورة ستالين في الخلفية مع كلمات تناسب السياسة الشيوعية للدولة، هنا تكون الدولة قد محت الفولكلور الخاص بالبلد، مقابل ترسيخ الخطاب الأيديولوجي الذي بات مسيطراً حتى على التراث المحلّي.

تمتد سطوة الدولة لتطال، إضافة إلى الماضي والتراث، الحاضر الذي هو هنا أساس الحكاية، فواحدة من الفتيات اللاتي تقدمن للفرقة، هي زولا، التي ستدخل في علاقة حب مع فيكتور، يتفقان على الهرب إثر حفلة اضطروا للقيام بها في مدينة برلين الشرقية، يمجّدون فيها مدناً وقيادات في المعسكر الاشتراكي، ينتظرها فكتور بعد الحفلة ولا تأتي لانشغالها مضطرّة في أحاديث مع آخرين، فيهرب لوحده من برلين إلى باريس، حيث سيمارس العزف في البارات، انتقال واضح نلمسه هنا في نوع الموسيقى التي يعزفها، من سوفييتية وحماسية إلى الجاز والارتجال. تمر السنين وتلتقي به في باريس ثم تختفي، ثم يلتقيان مجدداً، يسجلان اسطوانة معاً في باريس ثم تختفي زولا التي مرت بعلاقات زواج. أخيراً يلتقيان ويقرران البقاء معاً إنّما بشكل مأساوي.

إقحام الدولة لنفسها وسياساتها وأيديولجيتها في كل من التراث الجمعي للأهالي والعلاقة الحميمة لحبيبين، أدى إلى خراب كل من هذا وذاك، فلا الماضي تم حفظه وتقديمه بشكل محدّث ولا علاقة الحب أمكن لها أن تكتمل ببقاء الحبيبين مع بعضهما، فكان للدولة أن تحطّم ماضي وحاضر الأفراد والجماعات، وكذلك المستقبل، كما سنعرف في المراحل الأخيرة من الفيلم.

الفيلم إدانة واضحة للنظام الشيوعي في بولندا وعموم المعسكر الاشتراكي، إنّما إدانة فنّية، فيحكي عن الهشاشة التي لدى الحبيبين، التي حطّمتها الدولة، يحكي عن البساطة التي لدى القرويين الذين مايزالون يمارسون الغناء التراثي، عن قيام باحث موسيقي بتوثيقها، لتحطّمها الدولة التي تريد أن تقول إن ماضي البلد هو ماضي الدولة/النظام، وأن الحاضر والمستقبل لدى الأفراد لا يمكن أن يكون خارج ما تراه الدولة مناسباً، خارج ما يخدم سياسة الدولة الداخلية والخارجية! نتذكّر هنا ما كتبه جورج أورويل في روايته «1984» عن الدولة القمعية/الشمولية بأن «من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل. ومن يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي».

من خلال الجماليات البصرية، وتحديداً من خلال الغناء والموسيقى والرقص، الجمال الريفي الشعبي البسيط، الجماليات التي تأخذ مساحة واسعة من مدّة الفيلم، استطاع «حرب باردة» أن يقول بأن الحب والجمال والفنون الصادقة والمتأصّلة تكون في أبهى صورها كلّما أضفت عليها البشاعة. وفي الفيلم، الجمال يأتي صوتاً وصورة وحكاية.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

القدس العربي اللندنية في

19.11.2018

 
 
 
 
 

«اصطياد أشباح»… فيلم يغوص في أعماق النفس الفلسطينية

عدنان حسين أحمد

انطلقت يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن بعرضٍ افتتاحي لفيلم «اصطياد الأشباح» للمخرج الفلسطيني رائد أنضوني المُقيم في باريس حاليًا، ويُعد هذا الفيلم علامة فارقة في تجربته السينمائية لأكثر من سبب، فالفيلم مميّز من الناحية الفنية، لأنه يجمع بين تقنية الفيلم الروائي والوثائقي في آنٍ معًا، بل يمكن القول إن هذا الفيلم يتحرك في المنطقة الرمادية التي تروي وتوثّق ما جرى لعدد كبير من السجناء الفلسطينيين، الذين أمضوا سنواتٍ طوالاً في السجون الإسرائيلية. كما أن تتويجه بجائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة السابعة والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي، وضعه في خانة الأفلام المطلوبة في معظم المهرجانات السينمائية العالمية، فلا غرابة في أن يكون فيلم الافتتاح في هذا المهرجان أو غيره من المهرجانات السينمائية التي تراهن على الجانب الفني، وتعوّل على الرؤية الإخراجية لصانع الفيلم ومبدعه، الذي يتعاطى مع ثيمة الفيلم من وجهة نظر إنسانية تهزّ الكائن البشري، وتلامس مشاعره الداخلية العميقة. وقبل الخوض في تفاصيل هذا الفيلم، لا بد من الإشارة إلى أنّ أنضوني كان ينوي إنجاز فيلم روائي طويل، ووفق هذا التصوّر الأولي كتب قصته السينمائية، وحين أعلن عن حاجته لمعتقلين سابقين في «المسكوبية» شرط أن يتوفروا على خبرة في أعمال البناء والحِدادة، والنجارة والطلاء وهندسة الديكور، توافد العشرات منهم إلى مجمع رام الله، الذي ستُصوّر فيه أحداث هذا الفيلم الروائي، لكنه ما إن التقى بمحمد خطّاب، وهو أحد شخصيات الفيلم الرئيسة، ويمتلك قدرة هائلة في التعبير عمّا يعتمل في داخله من مشاعر وأحاسيس مرهفة، تتفوق كثيرًا على تصوراته الأولية في سيناريو الفيلم الروائي، الذي كان ينوي إنجازه حتى غيّر رأيه واتجه صوب فكرة إنجاز فيلم يجمع بين الوثائقي والروائي، رغم التحديات الصعبة الكامنة وراء هذه المغامرة البصرية.

إعادة التمثيل

يلجأ العديد من المخرجين إلى إعادة تمثيل الوقائع التي حدثت بواسطة تقمّص الأدوار، ولكن ما فعله أنضوني أبعد من ذلك بكثير، فقد أعاد بناء اللوكيشن أو معتقل المسكوبية الذي لم يره السجناء من الداخل، لأنهم يلجونه بأعين معصوبة أو بأكياس تغطي كامل رؤوسهم وتحجب عنهم النظر، كما تسبب لهم صعوبة في التنفس، وهذا العماء الإجباري يضطرهم إلى حثّ وتحفيز المخيّلة الشخصية لكل سجين على انفراد. أما التحدي الآخر الذي يُحسب لمصلحة أنضوني الإبداعية أيضًا، فهو لُعبة فنية ابتكرها المخرج حين أسند للمُعتَقل الواحد دوريّ السجين والسجّان، وأجبره على أن يختبر مشاعر الضحية، ويفحص أحاسيس الجلاد في آنٍ، كما حصل مع الممثل المحترف رمزي مقدسي، الذي أجاد في دور المُحقق، لكن المخرج أسند له في خاتمة المطاف دور السجين.

في غالبية الأفلام الناجحة إبداعيًا ثمة ضربة فنية تلوي عُنُق القصة السينمائية ولعل هذه اللمسة موجودة بقوة في فيلم «اصطياد الأشباح».

يبدو لمُشاهدي هذا الفيلم أن السجناء جميعهم لم يمثلوا أدوارهم ولم يتقمصوها أصلاً، لأنها تعيش في أعماقهم، ولم تغادرهم بعد سنوات طويلة من إخلاء سبيلهم، لأنها تعيش معهم في الداخل مثل الأشباح، وكل ما فعلته قصة الفيلم السينمائي أنها ساعدتهم على اكتشاف ذواتهم من جديد، فالحياة أولاً وأخيرًا، هي رحلة اكتشاف متواصلة تكمن عذوبتها في الرحلة ذاتها وليس في الوصول إلى الهدف. وبما أن عدد السجناء كبير جدًا ولا يمكن التوقف عندهم جميعًا، لذا يتوجب علينا انتقاء بعض هذه الشخصيات المُصادَرة لكنها غير منكسرة، رغم وجودها في زنزانات مروّعة، فمحمد خطّاب الذي رأى أمه في الحلم وهي تدخل إلى مركز التحقيق وبيدها إبريق ماء، وحين تحاول أن تسقيه الماء رفض وطلب منها أن تُسقي رفاقه الآخرين في الزنزانة، ثم رسم ملامحها فنان تشكيلي كان موجودًا في طاقم العمل، وأظهرها كما لو كانت هي بالضبط. وهذا الموقف التعبيري الحميم يشبه إلى حدٍ ما موقف السجين السابق عدنان خطّاب، الذي سرد لنا قصة أخيه السجين الذي حاول الانتحار وحين طلب الرسّام أن يرسمه قال له عدنان: ارسم رائد أنضوني فهو يشبهه كثيرًا وإن كانت بشرته أغمق قليلاً من بشرة أنضوني الذي تحوّل إلى شقيق لأحد السجناء، أو هكذا تخيّل رغم أن بعض السجناء أو الممثلين نظروا إليه كمخرج ديكتاتور يستبد بالآخرين جميعًا ويصادر حريتهم الشخصية، خاصة وديع حناني الذي لعب دور مساعد المخرج ثم تمرد على ديكتاتوريته. هكذا تتوالى القصص فالعاشق يسرد قصة حبه، والمثقف يكشف لنا عن هواجسه الثقافية، وثالث يرفض الثقافة جملة وتفصيلا، ورابع يتحدث عن المثلية الجنسية، ثم يتدارك الأمر ليقول إنه مشهد سينمائي لا غير، وخامس يتحدث عن شوقه ولهفته إلى ولديه وزوجته، ولم تكن المرأة بعيدًا عن هذه الزنانين التي تقبض الأنفاس، فإحـــدى الشابات كانت نزيلة هذا المعتقل ذات يوم، ولكنها تحررت منه، وأصبحت أسيرة لذكرياتها المرة التي تعيش في داخلها مثل الأشباح التي يتعذر اصطيادها ودفنها في ذاكرة الماضي البعيد نسبيًا.

الضربة الفنية

في غالبية الأفلام الناجحة إبداعيًا ثمة ضربة فنية تلوي عُنُق القصة السينمائية ولعل هذه اللمسة موجودة بقوة في فيلم «اصطياد الأشباح». والمتتبع الجيد لهذا الفيلم تحديدًا ينبغي أن يلاحظ حضور الشبح غير مرة على مدار الفيلم. ففي مستهل الفيلم رأينا الشبح يرافق المخرج رائد أنضوني الذي كان يمثّل أيضًا، لأنه عاش تجربة السجن في شبابه، وحينما انتهى الفيلم وغادر أنضوني السجن تَبِعه الشبح وربما لن يغادره أبدًا مثلما لم يغادر بقية المعتقلين، الذين تحرروا من محنة السجن ولكنهم، في الأقل، تعرّفوا على الشبح، وعلِموا بمكانه وإن كان يترصدهم، ويحصي أنفاسهم.

لا يمنح مهرجان برلين السينمائي الدولي جوائزه اعتباطًا، وحينما يتوّج «اصطياد الأشباح» بجائزة أفضل فيلم وثائقي فهذا يعني، من بين ما يعنيه، أن هناك لمسات جمالية وفنية عديدة يتوفر عليها هذا الفيلم، ومن بينها التقنيات الضوئية التي رأيناها قبل أن ينتهي الفيلم بدقائق معدودات، كما أن هناك لمسات رمزية منحت الفيلم عُمقًا مضافًا مثل مشهد الطائرة المروحية التي ظلت تتابع السجناء، ليس في معتقلهم فقط وإنما في مختلف أرجاء العالم بدلالة حركة الطائرة حول الكرة الأرضية.

وعلى الرغم من أن غالبية الشخصيات غير محترفة لكنها أدّت أدوارها على أكمل وجه ربما لأنها عاشت التجربة، وتمثلتها جيدًا، ولم تعد هناك حاجة «للتمثيل» لأنه مهما أُتقن، وارتفع مستواه، لن يصل إلى القدرة التعبيرية الفائقة التي يتوفر عليها من جرّب السجن، وعاشه بتفاصيلة المؤلمة التي انحفرت في ذاكرته الفردية. ورغم حُسن الأداء ينبغي الإشادة بدور المخرج رائد أنضوني الذي استعان بفتحي فليفل، مدير برنامج الصحة النفسية في جمعية الهلال الأحمر، ليشرف على طاقم الفيلم أثناء التصوير، ويقدّم ملاحظاته القيّمة في هذا الصدد، ولعل أبرزها حرية السجناء في أن يتركوا العمل في أي وقت يشاؤون خوفًا عليهم من الانتكاس، بسبب عودة الكوابيس القديمة التي تؤرقهم ليل نهار.

جدير ذكره أن رائد أنضوني أنجز فيلمين سابقين وهما»ارتجال» و«صداع» إضافة إلى «اصطياد الأشباح» الذي وضعه في مصاف المخرجين الأوائل الذين يعدون بالكثير من الأفلام النوعية التي تعْلق في ذاكرة المتلقين لأطول فترة ممكنة.

٭ كاتب عراقي

القدس العربي اللندنية في

20.11.2018

 
 
 
 
 

"بوهيميان رابسودي": القصيدة بلا المَلحمة

يارا نحلة

كم من الموهبة يتطلّب تحويل حياة إحدى شخصيات العالم الأكثر سحراً وفرادة إلى فيلمٍ رتيب وممل؟ الإجابة هي عند براين سنجر، مخرج فيلم Bohemian Rhapody الذي يروي السيرة الذاتية لفرقة الروك البريطانية "Queen" ومغنيها فريدي ميركوري. فالفيلم الذي انتظره الجمهور مطولاً، لم يقرب عظمة الملحمة الموسيقية التي يدّعي تجسيدها. وخلافاً لشخصيته المحورية، خرج هذا العمل بجودةٍ متوسطة خالية من الإبداع، وكأنه نسخة مكرّرة عن آلاف الأفلام الهوليوودية.

حين اختار فريدي ميركوري "كوين" اسماً لفرقته، كان واثقاً من أنه لا يريد لها أن تكون مجرّد فرقة "روك"مكرّرة، كما جعلنا الفيلم نعتقد. كما لم يشأ لنفسه أن يكون كغيره من مغني الروك التقليديين. فبحكم أصوله الفارسية/الهندية، لم يكن ميركوري صورة رتيبة عن مغني الروك البيض. وبأسنانه الأمامية العملاقة، لم يكن بجاذبية روبيرت بلانت أو جيم موريسون.

لكن ميركوري تحوّل، وفي فترة قياسية، من دخيلٍ على عالم الروك إلى "ملكة" فيه. وهذا ما فشل الفيلم في نقله، بالرغم من الأداء الإستثنائي للممثّل رامي مالك الذي جسّد دور ميركوري. قد يكون مالك العنصر الوحيد الذي أنصف شخصية ميركوري، بكل ما فيها من توهج وطاقة إستعراضية باعثة للمرح. أداء مالك لم يلتقط مرح ميركوري فحسب، بل ترجم بالدقة نفسها حزن الفنان وعزلته. لكن فيما عدا ذلك، لم يرتقِ الفيلم إلى مستوى إبداع "كوين" وميركوري، ولم يتجرأ صنّاعه على الغوص في أعماق قصة حياة المغني المشاكس والجامح، مركزاً على نجاحه الفني، ومتجاهلاً ما تخللها من مأساة ومعاناة فنان كسر "تابو" المثلية الجنسية في حقبة السبعينات، وكان من الذين أصيبوا بالإيدز في أولى مراحله.

يبدأ الفيلم بلمحة عن حياة ميركوري العائلية. فهو ولد باسم فاروق بولسارا، لأسرة فارسية هاجرت من زانزيبار إلى بريطانيا، حيث حاول فاروق/فريدي الإنفصال قدر الإمكان عن جذوره الإثنية، بدءاً بتغيير اسمه. وحين كان لا يزال عامل نقل حقائب في المطار، تعرّف على فرقة روك محلية وأقنع أعضائها بالإنضمام إليها. ومن هنا تطوّرت الأمور سريعاً لتصبح "كوين" أحد أشهر الفرق العالمية، مع حصولها سريعاً على القبول والشعبية الأميركيين الذين كانا ضروريةً حتمية لنجاح أي فرقة في عالم الروك.

لا يفتقد الفيلم للجانب التوثيقي، لا سيما في ما يتعلق بمسيرة الفرقة المهنية. وكما يوحي اسم العمل، حازت أغنية "بوهيميان رابسودي" إهتماما خاص، وفي هذه الأغنية بالذات، تظهر عبقرية "كوين" التي خرقت مشهد "البوب روك" بأغنية أوبرالية. هذه الأغنية التي صنعت مسيرة "كوين" حملت الكثير من العناصر غير التقليدية التي تسببت بإنفصال الفرقة عن مدير أعمالها الأول (جون ريد). فمدتها التي تتجاوز ستّ دقائق قلّلت حظوظها في البثّ على الراديو. كما أن عملية إنتاجها كانت حافلة بالتجريب إن من حيث تقنية التسجيل أو المحتوى الموسيقي، ما أثار حفيظة المنتجين الذين لم يتوقعوا أن تصبح "بوهيميان رابسودي" واحدة من الأغاني الثلاث الأكثر مبيعاً في تاريخ المملكة المتحدة.

أما التطور الشخصي الذي عاشه ميركوري، أو باقي أعضاء الفرقة، فقد بقي بعيداً عن عدسة المخرج. لم يخض الفيلم في جوانب حياة ميركوري "الجدلية"، وهي الجوانب نفسها التي حوّلته أيقونةٍ بالنسبة للفئات المقموعة والممنوعة عن الحبّ. تحوّلت فرقة "كوين" رمزاً للتحرّر الجنساني حين ظهر أعضاؤها بهيئة ربات منزل مؤدين أغنية I want to break free. و"انتصر" ميركوري للمنبوذين حين ظهر بأزيائه الملكية ليغني We are the champions.

لكن الفيلم، في المقابل، يبالغ الفيلم في إضاءته على علاقة ميركوري بعشيقةٍ له تحوّلت في ما بعد إلى صديقة مقربة. في حين أنه يلمّح بشكلٍ عرضي عن علاقاته بالرجال، موحياً للمشاهد بأن الرجل الذي نصّب نفسه "ديفا" في المسرح، لم يكن في الحقيقة متصالحاً مع جنسانيته ومعترفاً بمثليته لذاته. أما عن إصابته بفيروس HIV الذي أدّى في نهاية الأمر إلى موته في العام 1991، فلم يتطرق إليها الفيلم كما يجب، وآثر عدم الدخول في تفاصيل تجربة بالغة الأهمية في حياة ميركوري وفي تاريخ تلك الحقبة التي شهدت الهجوم الأول لفيروس السيدا. تتضح منذ بدايات الفيلم جهود المنتجين إلى إرضاء الجمهور السائد وعدم إزعاجه بأي مواضيع شائكة أو معيبة تقع في دائرة "الفضيحة". وبنتيجة هذا التأني، يطفو الفيلم بأكمله على سطح تجربة "كوين" التي تختزل مرحلة بحالها.

النقص في المحتوى تمّ التعويض عنه بزيادة في الإبتكارات التقنية لا سيما في مجال المونتاج، مع تكثيف اللقطات السريعة التي يعيد فيها الممثلون خلق عروض "كوين"، فيبدو الفيلم وكأنه سلسة طويلة من الشرائط المصورة الملصقة ببعضها البعض. لكن ما يجعل الفيلم قابلاً للمشاهدة هو أغاني "كوين" نفسها، وخصوصاً حفل "Live Aid" الذي أعيد إحياؤه بدرجة عالية من الدقة لا سيّما من جانب مالك الذي تقمّص شخصية ميركوري على المسرح.

غنّى فريدي ميركوري عن الحبّ بكلّ أشكاله؛ حب الآخر، حب الذات، وحب العالم. لكن هذا الفيلم لم يكن نتاج حبّ وشغف، بل نتاج حسابات تجارية وتوثيق مجرّد وفاتر. فشل الفيلم في تصوير ثورة الحب التي نادت بها فرقة "كوين"، ولم يعكس الحالة الاجتماعية التي ولدت من رحمها الفرقة، أو تلك التي خلقتها. أما عضويها الآخرين (براين ماي- روجر تايلور) اللذين شاركا كمستشارين إبداعيين وموسيقيين، فقد أثبتا أن رؤيتهما السينمائية ليست بحساسية أذنهما الموسيقية.

المدن الإلكترونية في

22.11.2018

 
 
 
 
 

Dogman.. دراما الطيبة والغدر والانتقام

يوسف شعبان

إلى أي مدى يمكن أن يدفعنا الغضب؟ بل إلى أي مدى يمكن أن تدفعنا السذاجة لفعل حماقة ما؟ والمقابل الذي يتعين علينا أن ندفعه جراء ذلك؟ وهل كانت هناك فرصة لتجنب كل ذلك؟.

القصة تدور حول مارشيلو مربي الكلاب الساذج المحبوب من جيرانه، الذي يملك محلا تحت اسم dogman، يمارس من خلاله مهنته في إحدى ضواحي إيطاليا، ضاحية لا تهتم بها السلطة ولا تقع تحت سيطرة البوليس. جسد الدور الممثل الإيطالي مارشيلو فونتي، وحاز عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان العام الماضي، في أول بطولة له.

الفيلم إنتاج ايطالي فرنسي مشترك، واختارته إيطاليا لتمثيلها في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في مارس 2019، وتم عرضه هذا الأسبوع ضمن بانوراما الفيلم الأوربي في مصر. والفيلم  من إخراج الإيطالي ماتيو جاروني، الذي شارك أيضا في تأليفه مع ماسيمو جوديسيو، وأوجو تشيتي.

الضاحية التي تجري بها أحداث الفيلم تضم عددا المحلات المتراصة، بينهم صالة “مارشيلو”، وجميع أصحابها والعاملين بها هم أصدقاء بعد ساعات العمل. الصالة الملاصقة لمارشيلو تعمل في بيع وشراء الذهب، يملكها “فرانكو” ادامو دونسيني، وتظهر مبكرا في المشاهد الأولى للفيلم، قبل أن تصبح حدثا محوريا في أحداثه بعد ذلك.

إيقاع الفيلم يظل هادئا طوال الربع ساعة الأولى تقريبا، دون رتابة، نكتشف علاقة المودة بين مارشيلو واصدقائه، ونكتشف أيضا حبه لأبنته، يبدو الدور النسائي في الفيلم هامشيا، ربما لوقوع أحداث الفيلم تقع في ضاحية جنوبية محافظة تجاه المرأة، ما انعكس في ندرة المشاهد التي تظهر فيها الشخصية الأنثوية الأبرز في الفيلم، وهي الطفلة إبنة مارشيلو التي يحبها والدها ويرغب دائما في إسعادها بعد انفصاله عن الأم، فيما لا نعرف سببا لانفصال الأب عن زوجته، أو حتى اسمها.

الصديق الأقرب لمارشيلو هو سيميوني “ادواردو بيسي” الملاكم المعتزل و”البلطجي” الحالي، ويبدو أن صداقة قديمة بينهما هي التي تدفع بطل قصتنا الطيب مارشيلو  للتمسك بهذه العلاقة، فهو أيضا يملك وفاء الكلاب لأصدقائه، وهي علاقة لا تخلو من تناقض، فمارشيلو هادئ الطباع صديق مقرب لبلطجي، وهو لا يدمن المخدرات لكنه يبيعها لتحسين وضعه المالي، وبالطبع يشجعه صديقه الشرير على المتاجرة في الكوكايين، المخدر الأكثر رواجا في إيطاليا.

علاقة مارشيلو اللصيقة بالكلاب تتجلى في المشهد الذي يدفعه فيه صديقة للمشاركة في سرقة أحد المنازل، لكنه يعلم أن صديقة وأحد افراد عصابته وضعا كلب صغير داخل ثلاجة المنزل لإسكاته، ما يدفع مارشيلو للمخاطرة بالعودة للمنزل المسروق لإنقاذ الكلب المتجمد. وبالمناسبة فقد فاز ذلك الكلب بجائزة مهرجان كان السينمائي كأفضل حيوان شارك في أفلام المسابقة.

فيديو لمشهد إنقاذ الكلب المتجمد

سريعا ما تنقلب السذاجة إلى حماقة، ويستغل سيميوني حاجة صديقه مارشيلو للمال، ليجبره على المشاركة في سرقة محل الذهب الملاصق لمتجره، يرفض مارشيلو في البداية، لكنه يوافق في النهاية تحت تهديد سيميوني وإغرائه بالمال.

فور الحادث تظهر الشرطة لتحري أبعاد الجريمة وتحاول اقناع مارشيلو ليعترف على صديقه، لكنه يرفض خشية انتقام البلطجي والملاكم السابق، وأيضا لرغبته في الاحتفاظ بالمال لتأمين مستقبل ابنته. وبعد أن يمضي فترة العقوبة في السجن لمدة عام، يخرج محتفظا بنفس الطيبة ولكن اكثر مكرا وقدرة على المواجه، لتبدأ أحداث القسم الثاني من الفيلم.

يخرج مارشيلو من السجن، تلاحقه كراهية جيرانه، وعندما يطلب من سيميوني الأموال التي شاركه في سرقتها، يفاجأ برفض الأخير تنفيذ ما كان قد وعده به ويوسع مارشيلو ضربا، هنا فقط يستفيق مارشيلو البائس إلى حقيقة أن هذا الشخص ليس صديقا كما توهم، ويبدأ التفكير في الانتقام منه.

يستدرج مارشيلو صديقه إلى داخل صالته التي تحتوي على أقفاص مخصصة للكلاب، ويتمكن من إقناعه بأن يجلس داخل احد تلك الأقفاص، وعند محاولة سيميوني الهرب يقوم بضربه على رأسه في أول رد فعل عنيف من مارشيلو الهادئ، ورغم ذلك فإنه لم يحتمل رؤية صديقه مصابا فيسارع إلى علاجه، فكل ما كان يرغب فيه هو اعتذاره واسترداد أمواله منه، لكن الصديق الغادر ينتهز الفرصة للإيقاع بمارشيلو ومحاولة قتله، وهنا يضطر مارشيلو الطيب إلى قتل سيميوني المخادع.

في نهاية الفيلم نجد أن مارشيلو أصبح شخصا آخر، يدفعه الشعور بالندم والخوف إلى محاولة التخلص من جثه صديقه بحرقها، ثم تدفعه رغبته العارمة في العودة لأصدقائه القدامى إلى حمل الجثة لملعب الكرة الذي تصور أنهم بداخله وهو يصرخ بأسمائهم ليعلمهم أنه قتل من كان يروع الحي، لكنها لم تكن سوى هلوسة داخل عقله، فالحي لا يزال في الساعات الأولى من الصباح والجميع نائم.

ينتهي الفيلم على مشهد مارشيلو ومعه كلبه وبجانبه جثة سيموني في منتصف الحي في انتظار استيقاظ الجميع، لأنه لا يعرف ماذا يفعل.

الفيلم مستوحى من قصة حقيقة حدثت عام 1988، لكن المعالجة السينمائية تحمل نكهة ماتيو جاروني، الذي أجاد توظيف إمكانات بطل الفيلم ليحصد جائزة مهرجان كان عن أول بطولة له، عبر نجاحه في تجسيد تناقضات مارشيلو وتحولاته من الطيبة والوفاء للانتقام والقتل، مع أداء لم يخلو من خفة الظل رغم تركيبة الشخصية المركبة.

موقع "أصوات أونلاين" في

22.11.2018

 
 
 
 
 

فهرنهايت 11/9: مايكل مور يحقّق في وقائع فاشية معلنة

عبد اللطيف عدنان

باختياره لعنوان فيلمه الأخير فهرنهايت 11/9 (2018) يعلن مايكل مور عن نيته في إقحام المتلقي في مشاهدة جدلية تتفعّل عبر لعبة المرايا والانعكاسات مع فيلمه فهرنهايت 11/9 (2004) إن لم نقل مع كلّ أعماله السابقة. في هذه الانعكاسات نجد مجالا لعدة تقاطعات. كلّ من الفيلمين تزامن تاريخ عرضيهما الأول مع فترة حملة انتخابية أميركية، الرئاسية بالنسبة للأول، والانتخابات النصفية بالنسبة للثاني، وسط ظرفية احتقان سياسي جنّد كليهما في مهمة الدّعاية، المضمرة أحيانا والصريحة أحيانا أخرى، للمرشّحين الديمقراطيين مع برنامج واضح لهدم سياسة وساسة الحزب الجمهوري. وكلاهما يتداخل مع الآخر في زمنية تستفزّ الذاكرة وتحطّ المتلقّي في موقف التّساؤل عن وضعية الواقع الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة، على ضوء الجدلية بين الهجومات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، ووصول الرئيس دونالد ترامب لقبة البيت الأبيض يوم التاسع من تشرين الثاني، خمس عشرة سنة بعد ذلك. في هذه الجدلية يُطرح السؤال المحرك في الفيلم حول طبيعة ما حدث في الحادي عشر من أيلول سنة 2001 إن كان يدخل في طبيعة السبب أم في طبيعة النتيجة، وأن ما يشبه أحداث نيويورك في انتظارنا مستقبليا؟ إن حدثًا مثل هجمات نيويورك، خصوصا بعد التحريات بخصوصه التي أدت لنتائج تدين عن قريب جهاز الاستخبارات الأميركية، يمكن أن يحدث مرّة أخرى لأنه أسهل طريقة لشحن محرك سياسة التخويف، التي يعتمدها الرئيس الخامس والأربعون منذ حملته الانتخابية، بطاقة إضافية تضمن النتائج التي يتوخّاها، وبالشكل الذي تحقّق للرئيس السابق جورج بوش الابن. ما لا يدع مجالا للشكّ هو أن شبح الفاشية المستقبلية في الولايات المتحدة الأميركية أعلن عن نفسه حين فقدت هذه الأخيرة بوصلتها بشكل نهائي بعد أحداث نيويورك، وأصبحت مضطربة في جوهرها، وترتكب الكثير من الأخطاء، أولها خلط الإجراء الأمني بطواعية التخلي عن الحرّيات الفردية. بسبب هذا الاضطراب وهذه الأخطاء، وصل شخص مثل دونالد ترامب إلى قبّة البيت الأبيض لكي تواصل عبره الولايات المتحدة طريقها إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء. أعراض هذا الاضطراب، والأوجه الأكثر قتامة للأخطاء القادمة، هو مادة فهرنهايت 11/ 9.

إعادة توليف الصور القديمة

يوهم فهرنهايت 11/9 مُشاهده المستأنس بمايكل مور أنه لا يحمل جديدا، وأنّه مجرّد توليف آخر يصاحبه صوت المخرج المعلّق وبنفس النبرة الانتقادية المفعمة بروح التهكم والسخرية. لكن في هذا الإيهام بالتكرار قد يطمئن هذا المشاهد لمضمون مشاهدته، وعبر هذا القرب قد يفسح المجال المناسب لخطاب شديد اللّهجة لم يسبق لمايكل مور أن وجّهه لجمهوره. فخطاب يعتمد الذاكرة هو خطاب إدانة ونقد بالدرجة الأولى، خصوصا في واقع أصبح فيه النسيان هو ردّ الفعل المناسب أمام الكوارث التي تنتج، وتتكرّر عن تدابير سياسية لا تُدخل مصلحة المواطن في اعتباراتها. عوض التماهي مع جديد الصورة هناك هذا التصادم مع الصورة القديمة حيث يقتل أطفال "كلومباين" ثانية في "باركلاند"، ونعيد سماع نفس عبارات التّنديد، التي تردّدها أصوات المنتخبين والإعلاميين الذين جنّدتهم لوبيات صناعة وتجارة الأسلحة، لقتل لحظة الكارثة مباشرة في أزلية النسيان.  نفس الكوارث تتكرّر عبر نفس الأعراض وأحيانا بنفس الطريقة والوتيرة وعبر نفس الفاعلين وإن بأقنعة مختلفة. جديد تسجيلي مايكل مور الأخير هو إعادة توليف الصور القديمة كعملية تفكيك لهذه الحصانة ضد درس الماضي، ليس فقط عبر التنقيب في مضمون الذاكرة وربط الأسباب بالمسببات لكن كذلك في دراسة إمكانيات عودة هذه الأسباب بمسبّبات جديدة. في هذا التوليف تصير الذاكرة أداة تحمل وظيفة مزدوجة، حين تحلّل حالة النسيان المبرمج الذي أصبح شرطا ضروريا لوجود الأميركي، وليس بالضرورة ناتجًا عن وعي تقدّمي إيجابي وإيمان قوي بالمستقبل، وإنما مجرّد رغبة فاترة في مواصلة العيش بأقل الخسائر الممكنة؛ وحين تكون المنظار الوحيد الذي يمكن أن نطلّ من خلاله على المستقبل واتخاذ المواقف اللازمة لتشكيله.

في فهرنهايت 11/9 يظهر مايكل مور مرّة أخرى في أحسن أدواره السينمائية كشخصية الكاميرا، لكن بوجه لا يستر التخوف ونبرة لا تخفي التشاؤم. في هذا الفيلم يفاجئ جمهوره بأسلوب جديد يزاوج بين التحقيق الصحافي التلفزي المعتاد والنشاط السياسي المنتظر لكن داخل خط إخراجي يحاذي به جغرافية الفيلم اللاتخيلي non-fiction film كما رسم خريطتها التشيلي باثريسيو غوثمان والأرجنتيني فرناندو بينو سولانا والسوري عمر أميرلاي. من مرجعية هذا التقليد السينمائي والسينماتوغرافي، لا يكتفي مايكل مور بالتعرية المباشرة للفاعلين الرئيسيين في بنى التّدجين والتسلّط التي تحكم الواقع الذي يتطرّق له، بل يحرّض ويدعو مباشرة وبمنهجية  agit-propللتخلص من هؤلاء الفاعلين أينما وجدوا وبأي شكل يظهرون فيه. توظيفه الجدلي للذاكرة التوثيقية يقربّه كذلك أكثر للتقليد السينمائي للفرنسي كريس ماركر رائد الفيلم المقالة. من داخل مقاصد وإمكانيات هذا التقليد، يحفر مايكل مور في ذاكرة الماضي ليرمم ذاكرة المستقبل، يؤرخ لما هو قادم وينتظرُ الأميركيين دون أن ينتظرَه ُ الأميركيون.

في فهرنهايت 11/9 يجنّد مايكل مور الفيلم التسجيلي بإمكانياته التواصلية الأكثر فعّالية وهي إبراز الجانب التوثيقي الذي يخدم رؤيته النقدية من خلال العناصر المرتبطة بالسينما التخيّلية. نعيد مشاهدة أدولف هتلر في صورة مستهلكة في الذاكرة التوثيقية وهو يلقي خطابا أمام حشد من الجماهير، لكن ما نسمع هو صوت دونالد ترامب يردّد تنظيراته الشعبوية عن إحياء عظمة أميركا، وضرورة التخلّص، في سبيل هذا الهدف المقدّس، من مصاصي الدماء من المهاجرين النازحين من الحدود الجنوبية، والإرهابيين المنحدرين من الشرق الأوسط وشرق أفريقيا. في الصورة نشاهد نشأة النازية وجنينية محاكم التفتيش باسم العرقية والمحارق وكل الدمار الذي لحق العالم، بينما من خلال الصوت تتحدد لنا ملامح هوية اليهود الجدد الذين سننتقل عبرهم لمرحلة نازية أخرى. عبر هذا التركيب الذي يخدم الاستراتيجية الإخراجية للتوليف الفصامي الذي أعلن عليها الفيلم منذ عنوانه، يشاهد أميركي اليوم وجه رئيسه الجديد في الملامح الحقيقية التي رسمتها الإيديولوجية التي استند عليها في حملته الانتخابية وأوصلته للبيت الأبيض، في الوقت الذي يستمع فيه الألماني القديم لصدى خطاب زعيمه في مدى الزمنية الطوباوية المستقبلية التي كان يبشّر بها. عبر تقنيات سينماتوغرافية، بدائية ومبتذلة كالدبلجة dubbing، أنطق مايكل مور السينما الصامتة ولوّن فوتوغرامتها ليجعل المستقبل يحضر كشاهد على الماضي ويجعل هذا الأخير يكتسي من الحاضر فوريته وأفقه الغامض. في حيز هذه الزّمنية الاحتمالية الذي فسحت مجاله السينما اللاتخيلية تأخذ الوثيقة طابع الاستشراف ويتماهى الحدث مع التنبؤ ليخلص المشاهد إلى فكرة عن الترامبية Trumpism (1) كوجه آخر للنازية القديمة، وتحقيق آني للجديدة منها.

"كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟"

"كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟"- السؤال الذي سبق لمايكل مور أن طرحه في تسجيلي "سيكو" مندّدا بالسلوك الأناني والجشع الرأسمالي الذي يقصي ملايين الأميركيين من حق التأمين والتطبيب، يطرحه بنفس الصيغة في فهرنهايت 11/9. في هذا المجال الممتد بين ماضي السؤال وحاضره تكمن زمنية تطوّر هذا السلوك الأناني والأناتي الرأسمالي الذي تناوله المخرج في الفيلم الأول، وشرّحه في فيلم يتناول قصة غرام أميركا مع الرأسمالية، Capitalism: a Love story  (2009)، إلى سلوك عنصري يقصي باسم العرقية والقومية الآرية هذا الآخر المختلف في اللون والعقيدة واللغة. إعادة طرح السؤال تعني كذلك معالجة جديدة للتيمة الرئيسية التي تعبر المتن الفيلموغرافي لسينما مايكل مور، أي هذا الزوج المتكون من صور تهشّم الحلم الأميركي وعملية التعرية على أوجه النفاق والجشع الأميركيين. في هذا الفيلم نقف على طريقة معالجة مختلفة لهذا الزوج التيماتي تتجاوز منطق الثبات واستقطاب الأطراف بتحديد السلبي فيها من الإيجابي، إلى دينامية التداخل بينها وانعكاسها في بعضها البعض عبر لعبة تبادل الأقنعة.

من الصعب الإشارة بأصبع الاتهام إلى طرف دون آخر في واقع العولمة والرأسمالية المفرطة، وفي ظل صعود طبقة اجتماعية جديدة هي الطبقة المبدعة (2) المؤهلة بالمهارات التكنولوجية والتي تتمتع بالفرص الجديدة التي يمنحها سوق الشغل المقنن بهذه التكنولوجية. كل هذه العناصر مجتمعة ساهمت في تشكيل مواطن يعيش في الجانب السالب للحياة، حيث يفقد يوميا امتيازاته الواحدة تلوى الأخرى ويعاني التهميش وانسداد الآفاق، المواطن الذي خاطبه ترامب مباشرة بالسردية التي يحبّ أن يسمع. كل هذه العوامل ضخت أنهارا من الغضب صبّت في بحر الشعبوية الذي ركبه الرئيس كما غيره من قادة العالم الذين بدا معهم، بفضل توظيف مايكل مور الذكي للأرشيف التلفزي، في وضعيات مصافحة وتقبيل وعناق. ترامب كما غيره من نماذج الزعامة هذه وجد في النداء بإحياء عظمة الماضي العلاج المؤقت لمشاكل الظرف الراهن، وقدّم البديل الثقافي المرتبط بالهوية والقومية كحل للمشكل الاقتصادي. في المشهد التأسيسي للفيلم نعاين عملية تعدين تمثال شمعي للرئيس دونالد ترامب. نحضر صناعة أيقونة الزعامة السياسية في واقع العالم الجديد. نتتبّع الأيادي التي تصنع التمثال ونقرأ فيها مجازا سينمائيا مرسلا cinecdoque (3) يجسّد كل العوامل التي أشرنا إليها أعلاه.

دون تحويل الفيلم إلى درس أكاديمي عبر المسافة يشرح نظرية موراي روثباند عن الرأسمالية المفرطة وتبعاتها على المستوى السوسيوسياسي، أو يخوض في آراء نعوم تشومسكي عن ثقافة الخوف ودورها في تسويق القرارات السياسية، يحطّ مايكل مور المشاهد مباشرة في صلب المشكل حين يطرح بصوته المعلّق سؤالا بلاغيا تتضمّن الصورة جوابه أو فكرة عن جوابه، عن هويّة من عبّد الطريق لدونالد ترامب. يوازي الفيلم بين لحظتين يبيّن فيهما كيف سقط الحزب الجمهوري بسبب جشع أعضائه في شرك الترامبية، وكيف خذل الحزب الديمقراطي، الذي دافع عنه كثيرا المخرج، وله فيلموغرافية تؤكد ذلك، الكثير من الأميركيين  حين ضحى بمرشح قوي مثل بيرني ساندرس، بقاعدته الانتخابية، سواء الشبابية التي وجدت فيه الصوت التقدمي الذي أسكته برجوازيو الحزب كنانسي بلوشي وإعلاميوه كدونا برازيل، أو العمالية التي توجهت مباشرة للتصويت إلى دونالد ترامب حين لم تجد نفسها داخل برنامج الحزب الذي صنّم حملته الانتخابية في فكرة ثابتة idée fixe هي "المرأة الرئيسة".

شبح النظام الفاشي

في رسم صورة واضحة للمسرح السياسي الجديد يعود مايكل مور لهذا المكان الذي يعرفه هو جيّدا وأصبح يعرفه كل من يعرف مايكل مور. إنها مدينة فلينت بولاية ميشيغن، مسقط رأسه ونقطة بداية الحدث في كل أفلامه التسجيلية. المدينة المهجورة والشبح، التي تعرفنا عليها في "أنا وراجر" (1989)، تعود للواجهة عبر أزمة مياه الشرب الملوثة التي شغلت الرأي العام الأميركي لفترة مهمة من حكم الرئيس السابق باراك أوباما. عن هذه الكارثة يقول مايكل مور عبر صوته المعلق: "لم يكن باستطاعة أي تنظيم إرهابي تلويث مياه مدينة أميركية بأكملها إلى أن أتى الحزب الجمهوري بولاية ميشيغن وفعل ذلك".  في تصرّف حاكم ولاية ميشيغن الجمهوري ريك ساندرس، الذي سمح بتعرّض مواطني المدينة للتسمّم بمياه ملوثة بدرجة عالية من الرصاص وأنكر ذلك، يجد مايكل مور نموذج الجمهوري الذي يفعّل طوباوية الرأسمالية المفرطة في إجراء سياسي حين يصرّح بأنه سيتعامل مع ولايته كمقاولة. أمام هذا الوضع كان ردّ فعل الحزب الديمقراطي عبر رئيسه الأكثر شعبية الذي "أيقنته" الجماهير، باراك أوباما، عبارة عن حيلة مسرحية يبدو فيها وكأنه يحتسي كوب ماء من مياه المدينة. في وضعية مدينة فلينت يجد مايكل مور الحالة المصغرة للكارثة الكبرى التي سيجرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل الولايات المتحدة إليها.  

أصبحت مدينة فلينت هذا المسرح الذي تشاهد فيه الولايات المتحدة وضعها المستقبلي. شبح النظام الفاشي الذي ينتظر الولايات المتحدة في آخر الطريق الذي تمشيه مع شعبوية دونالد ترامب، وقاعدته اليمينية المتطرفة، يتجسّد أليغوريا في وضعية هذه المدينة التي وجد فيها البنتاغون الأميركي فضاء مناسبا للتدريبات العسكرية على حرب المدن، والتي لا يجد فيها مواطنو المدينة من الأقلية الأفرأميركية إلا هذا القدر الذي ينتظرهم وينتظر كل الجيوب الفقيرة في المدن الأميركية في ظرفية أمنية عُسكر فيها الجهاز الأمني على طريقة الأنظمة الديكتاتورية الثالثية. في وضعية مدينة فلينت يوثق فهرنهايت 11/9 للطريق المعاكس الذي تأخذه العولمة حين تعدي سلوكيات الأنظمة الإستبدادية الثالثية سياسيي العالم الديمقراطي، وقابلية هذا الأخير للتجربة الشمولية: بوليس عسكري، توسع دائرة الفقر، ورئيس بمواصفات الحكام الشموليين الذين نجدهم في الواقع العربي وتغنى بهم روايات أميركا اللاتينية.

مايكل مور ليس متشائما وليس متفائلا في نفس الآن. هو واقعي حسب طاقة وطريقة إجراء الفيلم التسجيلي الموجه لجمهور منمّط بقوالب سينما هوليوود عامة، ومعني بشكل خاص برسالة هذا الفيلم التأجيجية والمكلّفة الثّمن. هذا الجانب المنمط على مستوى التعبيرية السينماتوغرافية، وعلى مستوى المحتوى الخطابي المباشر في طرح الفيلم، غيّب جانبا مهما في البعد التأليفي لفهرنهايت 11/9 كبعد الحوارية والتعالقات التي حاكها هذا الفيلم داخل النسيج الثقافي والفني وظلّت محتشمة الظهور.

هذه التعالقات تأخذ شكلها الأكثر علانية ومباشرة حين تستند على التاريخ وتوظّفه كذاكرة للمستقبل من داخل تقليد الفيلم التسجيلي كما سنّه في النّظرية والإجراء المؤلف السينمائي الفرنسي ورائد الفيلم المقالة كريس ماركر. يعتمد فيلم مور كذلك المادة التاريخية في بعدها المستقبلي ويؤرخ لأشياء تتحقق في المجال الافتراضي للمستقبل. فهرنهايت 11/9 هو كذلك ذاكرة للأشياء التي لم تأت بعد، كما يقول عنوان ينتمي لسجل كريس ماركر الفيلموغرافي. نعيش من خلال الفيلم في زمنية يتسابق فيها الحاضر والماضي والمستقبل من خلال متوالية الحوار بين المخرج والمسن اليهودي الذي يبلغ من العمر 99 سنة، والذي كان ضحية من ضحايا الهولوكوست. في اللقطة المكبرة التي يبدو فيها هذا المسن وهو يدمع على الخلفية الصوتية لبكاء طفل من أميركا الوسطى، فُصل عن والديه في الحدود الجنوبية بسبب إجراءات دونالد ترامب اللاإنسانية بخصوص الهجرة اللاشرعية، يكمن كل الثقل التدليلي والترميزي الذي يمكن أن يطمح له مايكل مور من وراء فهرنهايت 11/9. لقطة حتما ستخلد الفيلم في خانة سينما الضمير الإنساني، وتجعل الفيلم يدخل في لعبة مرايا ليس فقط مع فيلموغرافية المخرج وصداها الحراكي السوسيوسياسي، بل مع هذه السينما الإنسانية الملتزمة كسينما الإنجليزي كين لوش، والأخوين دردين البلجيكيين، على سبيل المثال لا الحصر.

أوستن، 22 نوفمبر 2018

هوامش:

(1)  أضيف هذا المصطلح مؤخرا إلى القاموس الإنكليزي بدلالة كل السلوك، والتعليقات، التدبيرات السياسية الجديدة التي تلغي القوانين الموجودة، وتدخل في المصلحة القومية للولايات المتحدة الأميركية حسب رؤية الرئيس دونالد ترامب.  

(2)  الطبقة المبدعة  Creative Classهو الاصطلاح الذي وضعه عالم الاجتماع الأميركي ريتشارد فلوريدا في كتابه The Rise Of The Creative Class  (2012) لينعت شريحة اجتماعية جديدة تتكون من المحترفين والتقنيين وتتميز بهذا النوع من الانفصال على المستوى الاجتماعي مع الطبقات الأخرى. أغلب هذه الشريحة إن لم يكن بأكملها صوتت للمرشحة هيلاري كلينتون في الأدوار الأولية من الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

(3)  تعمّدنا وضع (cine-) عوض (syne-) وهو التهجي الصحيح لكلمة synecdoque فقط من أجل التسطير على الاستعمال السينمائي لهذه الصورة المجازية.

ضفة ثالثة اللندنية في

24.11.2018

 
 
 
 
 

برادلى كوبر يحصد نجاح نسخة السبعينيات من ASTAR IS BORN

رامى المتولى

المكسب الوحيد من الفيلم هو ليدى جاجا، سواء بصوتها كمغنية أو أدائها كممثلة، وربما كانت علاقتها بوالدها وغناؤها هما ما منحا الفيلم الحيوية

عادة ما تميل استوديوهات هوليوود إلى التكرار، وإعادة إنتاج ما حقق نجاحًا ساحقًا فى الماضى، يجرى تلميعه وتحديثه وتدويره ليناسب زمنًا أحدث وجمهورًا جديدًا، العديد من الأيقونات السينمائية تحظى بهذه الفرصة، بعضها ينجح وآخرون يفشلون، لكن النجاح والفشل لا يمنع أو يوقف محاولات إعادة التدوير والإحياء، فهذا التكرار هو جزء أصيل من إنتاج هوليوود.. A Star Is Born أحدث أفلام برادلى كوبر كممثل وأول أفلامه كمخرج ومؤلف، بمشاركة إريك روث وويل فيترز، ينتمى إلى الأفلام التى حظيت بفرصة إعادة الإنتاج.

فيلم 2018 هو إعادة إنتاج لفيلم كلاسيكى يحمل نفس العنوان عُرض عام 1937، ثم أعيد إنتاجه ثلاث مرات، بينما كانت النسخة الأصلية لممثلة صاعدة تدعى آستر/ فيكى (جانيت جينور)، يساندها ممثل كبير فى مرحلة انحسار الشهرة عنه، يدعى نورمان (فريدرك مارش) بعيدة عن الغناء الذى بدأ استغلاله فى النسخ اللاحقة، أولاها عام 1954، حيث قدمت خلاله شخصية آستر/ فيكى، جودى جارلاند وشخصية نورمان قدمها جيمس مايسون كمغنيين بدلًا من ممثلين، مع الحفاظ على الحبكة الرئيسية، ثم استمرت الحال على هذا المنوال فى النسختَين اللاحقتين اللتين قدمت فيهما شخصية المغنية الصاعدة باربرا سترايسند ثم ليدى جاجا، والمغنى الشهير كريس كريستوفيرسن ثم برادلى كوبر.

من نسخة لأخرى على مدى 81 عامًا تتحول الأفلام لتبتعد عن الأصل وتواكب المرحلة المنتج خلالها الفيلم، كل النسخ تنتهى بشكل مماثل تقريبًا عدا نسخة 1976 التى تعد الأفضل من حيث السيناريو ورسم الشخصيات والحوار، حتى إن نهايته أكثر منطقية من الأفلام الثلاثة الأخرى، ربما يكون هذا السبب وراء اختيار برادلى كوبر هذه النسخة تحديدًا، لتكون مرجعيته فى صناعة الفيلم، وهذه المرجعية تتخطى بكثير حالة التأثر لتدخل فى نطاق التقليد المخل. على مستوى الشكل اختار برادلى أن يكون نسخة من مظهر شخصية جون فى فيلم 1976، ولم يكن التشابه فى الشكل فقط لكن فى الأداء أيضًا، حتى اختياره صوت الشخصية يقترب بشكل لافت من صوت كريس فى فيلم السبعينيات، لكنه فى المقابل لم يقلد حيوية كريس فى أدائه الشخصية، لذلك على مستوى الأداء التمثيلى يعد برادلى هو الأضعف والأقل إبداعًا بين كل مَن قدموا الشخصية فى ما مضى.

الأحداث من الناحية الدرامية تميل إلى نفس الضعف وغياب الرؤية الإخراجية بشكل مبدع يضيف إلى ما سبق من أفلام ويواكب العصر، فبينما حافظت كل نسخة سابقة على روح عصرها وأبرزت ووضحت طبيعتها فى الملابس وشكل المجتمع فقدت هذه النسخة هذه الميزة ولا تعبر عن الفترة الزمنية بأى شكل، أيضًا عدم الاهتمام بإبراز الشخصيات وانفعالاتها والتركيز عليها بشكل محترف، مما أدى إلى فتور العلاقة بينها وبين المشاهد وبالتالى تأثره بها أقل، فالتمهيد لتفاصيل طبيعة كل شخصية لم يكن على المستوى المطلوب وظلت بعض الشخصيات المحورية فى الظل بلا تفاعل تقريبًا حتى المشهد الذى يمثل نقطة الذروة بالنسبة إليها.

شخصية الأخ بوبى (سام إليوت) أحادية حتى مشهد المواجهة بينه وبين جاك الذى عرفنا من خلاله تاريخ علاقتهما وبعدها لم تستغل الشخصية بالشكل الدرامى المطلوب، على العكس غابت، وعندما ظهرت عادت للأحادية وكونها مجرد مراقب لتحولات الأخ الأصغر جاك، فهى من وجهة نظر المؤلفين والمخرج فقدت أهميتها وتفاعلها، نفس الحال مع شخصية مدير أعمال آلى (ليدى جاجا)، ريز جافرون (رافى جافرون) التى لم تحتل مساحة الصراع المطلوب بينها وبين جاك، لذلك جاء مشهد المواجهة بينهما من أضعف ما يمكن أداءً وتأثيرًا على الدراما وجعل من الحدث التالى الذى يحول مسار العلاقة بين الحبيبين ضعيف التأثير على المشاهد، وفى المقابل امتلأ الفيلم بمشاهد مكررة تجمع الحبيبين وبشكل رومانسى صامت فى لقطات من المفترض أن تعبر عن عمق العلاقة وتثير عواطف الجمهور بطريقة تصلح لفترة الأربعينيات من القرن الماضى وبشكل طغى على مساحات باقى الشخصيات وفرصتها الطبيعية فى الظهور والتفاعل، فقط العلاقة بين شخصية آلى ووالدها لورنزوا (آندرو كلاس) التى ظهرت بشكل جيد ومترابط بشكل متوازن على مدى أحداث الفيلم.

المكسب الوحيد من الفيلم هو ليدى جاجا، سواء بصوتها كمغنية أو أدائها كممثلة، وربما كانت علاقتها بوالدها وغناؤها هما ما منحا الفيلم الحيوية، والاحتفاء المبالغ به قادم من عدم متابعة نسخة ١٩٧٦، فالفيلم يحظى بقبول عند قطاع واسع لم يشاهد القصة بين باربرا وكريس، وعليه قصة ٢٠١٨ هى جديدة عليهم من زاوية لم يقترب منها أحد، لكن الحقيقة أنه سينمائيًّا نسخة السبعينيات هى الأكثر تكاملًا، وكوبر لم يفعل شيئًا سوى حصد النجاح الذى حققته منذ سنوات.

نقلًا عن مجلة «هي»

المقال المصرية في

25.11.2018

 
 
 
 
 

علياء طلعت تكتب:

“Roma.. نوستالجيا كوارون الساحرة

قدم المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون، أنواع وأنماط مختلفة من الأفلام، تنقل ما بين المغامرات في هاري بوتر وسجين أزكابان، ليصبح فيلمه درة هذه السلسلة، ثم الديستوبيا في Children of Men، وحتى أفلام الفضاء في الفيلم الشهير Gravity  الذي فاز عنه بأوسكار أفضل إخراج، بينما فاز الفيلم بـ 6 جوائز أوسكار أخرى.

لينتظر العالم فيلمه الجديد 5 سنوات، حتى خرج إلى النور “Roma” هذا العام، فيفوز بالأسد الذهبي في مهرجان “فينسيا” السينمائي، ويحصل “كوارون” كذلك على جائزة “SIGNIS” بذات المهرجان، وعُرض كذلك بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قبل أن يتم عرضه عالميًا عبر منصة “نتفيلكس” الإلكترونية في 14 ديسمبر القادم، وقدمته المكسيك ليمثلها في مسابقة أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية لعام 2019 والتي لم يتم الإعلان عن قائمة ترشيحاتها بعد.

قبس من ماضي وروح كوارون Roma:

وضع  “كوارون” في روما جزءًا من تاريخه  لتقع الأحداث في منطقة “روما” بمكسيكو سيتي مهد طفولته، ومن الشخصيات الرئيسية أربعة أطفال تلبس كل منهم قطعة من روح المخرج والمؤلف.

وعلى الرغم من أن الأحداث لا تدور من وجهة نظر الأطفال، بل الخادمة “كليو”، ولكن روح الفيلم ذاتها كلها تعبق بنوستالجيا “كوارون” ورؤيته لهذه الفترة الحاسمة من تاريخ بلاده ومدينته، ليُقدّم الفيلم بالأبيض والأسود ليبدو أنه ينقلنا إلى زمن الأحداث كما فعل بعد ذلك بالملابس التي كانت العلامة الأولى على الأعوام التي يدور فيها الفيلم قبل التصريح بالتاريخ في الثلث الثاني منه.

في أحد المشاهد حيث الأطفال بصالة العرض السينمائي نجد على الشاشة لقطة من فيلم فضاء، في إشارة مُزدوجة إلى فيلم  Marooned لجريجوري بيك، والذي استلهم منه Gravity  عمله الأهم قبل روما، وأيضًا إلى شغفه بعالم الفضاء، هذا الشغف الذي جعله طفلًا يأمل في أن يصبح رائد فضاء أو مخرج أفلام، ليحقق كلا حلميه بإخراج أفلام عن الفضاء.

شخصيات رئيسية على هامش الحياة:

 نحن وحدنا، لا تصدقي من يقول لك غير ذلك، نحن وحدنا

هذا ما تقوله سيدة المنزل التي هجرها زوجها إلى خادمتها في أحد الليالي وهي عائدة من المنزل غير متزنة سواء بفعل الخمر أم الحزن، كلا المرأتين تعانيان من ذات الخذلان، رجل بذر بذرته وهرب ليجد نفسه في مكان آخر، الأولى تركها الزوج مع أربعة أطفال، ووظيفة لا تجني الكثير من المال، وعائلة يجب أن تحافظ على وضعها الاجتماعي في طبقتها، بينما الثانية الخادمة “كليو”، فتاة ساذجة، تعتبر واحدة من أفراد الأسرة، تحمل طفل رجل لا تعلم عنه سوى القليل ليتركها هاربًا بمجرد معرفته خبر الحمل.

على الرغم من كوننا نعيش الأحداث من وجهة نظر “كليو”، ولكن دومًا نشعر إنها على الهامش، فسواء كان ذلك لاختيار المخرج الكادرات الواسعة أغلب الأحيان، ولم نرى “الكلوس أب” إلا قليلًا، أو لأن أحزانها كانت دومًا تترافق مع أحداث كبيرة تجعل المشاهد يشعر بالتعاطف معها لوهلة ثم ينجرف انتباهه إلى الزلزال في حجرة حضانات الرضع، أو الحريق المرعب في الغابة، أو المظاهرات وطلقات النيران.

يذكرنا مرة أخرى “كوارون” أننا وحدنا، مآسينا مهما لاقت التعاطف لا تعدو كونها لحظات عابرة في مصائب العالم الذي نعيش فيه، ونظل حتى قرب النهاية ونحن نرى “كليو” تُعاني في صمت في حيزها الضيق الحزين، لتفرد لها الكاميرا عندها واحد من أجمل المشاهد السينمائية على الإطلاق، حتى يستشعر المشاهد المآساة الكاملة لتلك الفتاة دون أي تقطيع سواء عن طريق المونتاج، أو اعتراض من حدث آخر، فهذه هي لحظة الذروة التي كان يجب أن يبلغها حزن كليو لتلمس القاع بقدميها، وتتركنا متسائلين هل هناك أمل في الصعود مرة أخرى للسطح؟.

واحدة من أجمل الصور السينمائية في 2018:

Roma  هو الفيلم الثاني الذي آراه في 2018 بالأبيض والأسود، الأول Cold War  للمخرج بافل بافليكوفسكي، والذي رشحته بولندا ليمثلها في الأوسكار أيضًا، وإلى هنا تنتهي التشابهات بين الفيلمين، فعلى الرغم من استعمال كلاهما نفس التيمة البصرية باللونين الذي خلقت السينما بهما في الأساس، إلا أن لكل منهما طابع شكلي مختلف تمامًا.

كوارون” الذي تولى هذه المرة مهمة مدير التصوير قدم عدد من الخيارات التي أعطت فيلمه هذا “الأستايل” أو المظهر المميز، بدئًا من الابتعاد عن “الكلوس أب”، وأخذ أغلب اللقطات واسعة، والأهم اللقطات الطويلة التي يقدم  كل منها جملًا سينمائية كاملة، استخدم فيها أحجام كادرات مختلفة، تشعر المشاهد بالتجديد وتمنع عن الشعور بالملل، وفي ذات الوقت يصل إليه المعنى الذي يرغب فيه المخرج.

لم يعتمد كوارون على الحوار في تقديم مشاعر وأفكار شخصيته الرئيسية ومن حولها، بل استخدم الكاميرا لتقديم كلاهما، بالإضافة إلى وضع الفيلم في مزاج من الحزن والفوضى التي تشعر بهما كليو طوال الوقت، ولم يعزز صمتها حتى بالموسيقى التصويرية، بل ترك التمثيل المعبر واختيار الكادرات التي تقع بها دومًا وسط الشخصيات والصراعات وحتى المهام المتعددة لتعبر عنها.

بالإضافة إلى غياب الحوار، لم يكن الصراع في سيناريو “كوارون” واضحًا بالمعنى المفهوم، فلم يكن بحث “كليو” عن أبو جنينها، هو الهدف، ولا حتى حملها بطفل غير شرعي هو الأزمة، بل أن الدقائق تتوالى والمشاهد ينتظر ذروة متوقعة فلا يجدها، وذلك حتى الثلث الأخير من الفيلم، الذي حمل زخمًا من المشاعر عوض المتفرج الذي ربما كاد أن يفقد صبره.

من شاهد روما على شاشة السينما في عرضيه بمهرجان القاهرة محظوظًا بالفعل، فالفيلم حصلت “نتفليكس” على حقوق توزيعه، وهو يستحق العرض على الشاشات الكبيرة حتى يستمتع المشاهد بكل هذا الجمال البصري الذي إلى حد كبير سيفقد بعض من سحره عند عرضه على أي شاشة أصغر.

موقع "إعلام.أورغ" في

25.11.2018

 
 
 
 
 

«بوهيميان رابسودي» لبرايان سينغر… سيرة ذاتية لا تسبر غورا

نسرين سيد أحمد

لندن ـ «القدس العربي»: ثمة شخصيات غدت أسطورة وكانت ملء الأسماع والأبصار، ومن بين هذه الشخصيات واسعة السطوة التي غدت أيقونة ورمزا فريدي ميركوري، المغني الرئيسي في فريق الروك الإنكليزي الشهير «كوين».

عندما بدأ عرض فيلم «بوهيميان رابسودي» (2018) للمخرج الأمريكي برايان سينغر، الذي يتناول فيه السيرة الذاتية لفريدي ميركوري، في دور العرض البريطانية، دار في خلدنا الكثير من التساؤلات عن كيفية تناول المخرج لحياة ميركوري. ترى كيف سيصور الفيلم تلك الشخصية الأيقونية؟ ما هي الإضاءات الجديدة التي سيقدمها عنه؟ ترى هل سيكون الفيلم كاشفا، أم هل سيحوم حول السطح ولا يراوحه؟

يبدأ الفيلم سرديته بمنتهى مسيرة ميركوري، عند اعتلائه خشبة المسرح في واحدة من أشهر الحفلات في التاريخ الموسيقي العالمي، في حفل «لايف إيد» (Live Aid)، الذي أقيم عام 1985 لصالح متضرري المجاعة في إثيوبيا. ثم ينتقل بنا إلى مستهل سيرة ميركوري وفريق كوين.

«بوهيميان رابسودي»، التي تعنون الفيلم، هي واحدة من أشهر أغنيات فريق كوين، الذي كان علامة فارقة في موسيقى الروك حتى انفراط عقده في أوائل التسعينيات. يسرد الفيلم ذلك الحلم الذي كان يراود ذلك الشاب المتمرد الأسمر فاروق بولسارا، الذي اختار لنفسه لاحقا هوية جديدة واسما جديدا هو فريدي ميركوري. يسرد الفيلم كيف التقى فاروق، الذي نشأ في أسرة زرادشتية تعود أصولها لزنجبار، والذي كان يعمل في حمل الحقائب في مطار هيثرو، في بداية السبعينيات بزميليه برايان ماي وروجر تيلور، وكيف أسسوا الفريق الذي غدا علما من أعلام موسيقى الروك. لا يذهب بنا الفيلم إلى جوهر شخصية ميركوري ولا يتمهل عند أي لحظة فارقة في حياته أو حياة الفريق، بل يستعرض الأحداث في عجالة. يمر الفيلم مرورا عابرا بطموح ميركوري وشعوره بأنه مكبل بأسرته وتمرده على جذوره، حبه لماري أوستن، التي غدت لاحقا صديقته المقربة، اكتشافه لميوله الجنسية المثلية، علاقته بزميليه في الفريق، سعيه لخلق ذاته وخلق إبداعه الموسيقي والغنائي. يتنقل بنا الفيلم من بدايات الفريق في الحانات الصغيرة، إلى قرار فريدي أن يسجل الفريق أول ألبوماته، إلى اكتشاف الاستوديوهات الكبرى للفريق والشهرة والثراء، وعلاقات فريدي المتعددة إلى إصابته بالإيدز. شريط متلاحق من الأحداث التي تمر سريعا، في عجالة شديدة، ولكن ما يجذب انتباهنا حقا هو أغنيات الفريق، التي شكلت وجدان الكثير منا، والتي تعد جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الموسيقية للكثيرين.

يلوك الفيلم الأحداث فيكاد يغص بها، ولا تقدم سردية الفيلم أي عمق لشخصية فريدي، أو للتكوين الموسيقي للفريق. تتلاحق الأحداث الشخصية وتتلاحق الجولات الموسيقية.

يلوك الفيلم الأحداث فيكاد يغص بها، ولا تقدم سردية الفيلم أي عمق لشخصية فريدي، أو للتكوين الموسيقي للفريق. تتلاحق الأحداث الشخصية وتتلاحق الجولات الموسيقية، ولا يكشف الفيلم تأثير أي حدث على التطور الشخصي أو النفسي أو الموسيقي لفريدي أو للفريق. يمكننا القول إن عامل الجذب الرئيسي في الفيلم، والعامل الذي يجعلنا نواصل مشاهدته هو تقديمه لأشهر أغاني فريدي ميركوري وكوين، ما يجذبنا حقا هو تلك الموسيقى التي ألفناها وأحببناها وعشقناها وغدت جزءا من وجداننا الموسيقي. يبدو الفيلم قانعا بالمقاربة الشكلية فقط لفريدي ميركوري وزميليه في الفريق، فأول ما نلحظه في رامي مالك، الذي لعب دور فريدي، هو تلك الأسنان المستعارة، التي تم تركيبها له لتشابه الشكل المميز لفك فريدي وأسنانه. مقاربة شكلية تكاد تكون محاكاة مظهرية فقط، بدون تقديم أي جوهر للشخصية، وبدون التمهل أمام هذه الموهبة الموسيقية والغنائية الفذة، ولكن على الرغم من عدم مراوحة الفيلم للسطح وعدم ملامسته للجوهر، يبقى أداء مالك أحد أفضل عناصر الفيلم. يتقمص رامي حركات وسكنات فريدي ميركوري، واختلاجات وجهه ويقنعنا بحضوره الطاغي على خشبة المسرح. وفي ذلك المشهد المفصلي الذي يختتم الفيلم حين يعتلي فريدي ميركوري خشبة المسرح في حفل «لايف إيد» الأيقوني لصالح ضحايا الجفاف والمجاعة في إثيوبيا، يتلبس رامي بصورة تامة طاقة ميركوري المتفجرة على خشبة المسرح، ويذكرنا بحضوره الطاغي وامتلاكه لناصية الأداء، ولكن الفيلم يخفق تماما في تقديم سيرة ذاتية ذات عمق أو جوهر. نشاهد الفيلم كما لو كنا نشاهد فريقا جديدا يقدم عددا من الأغنيات ذائعة الصيت لفريق شهير. نشاهد في عجالة تأثر ميركوري بالموسيقى الكلاسيكية، الذي ظهر في أغنية «بوهيميان رابسودي»، ونشاهد رغبة برايان ماي في إنجاز أغنية يشارك الجمهور في إيقاعها المميز، ولكن الفيلم لا يتوقف مليا ليصور العمل الإبداعي للفريق أو ليتعمق في الحياة النفسية أو الفكرية أو العاطفية لميركوري، بل إنه لا يتوقف مليا أمام معرفة ميركوري أنه مصاب بالإيدز وأن حياته تقارب نهايتها.

قد تكون الحسنة الرئيسية لفيلم «بوهيميان رابسودي» هي تقديم موسيقى وأغاني كوين وفريدي ميركوري لجيل جديد من المستمعين والمشاهدين. هو فيلم يمد محبي كوين بالحنين لأغانيهم ويعيدهم إلى أيامهم الخوالي، وهو فيلم أيضا يسعد به جيل جديد يكتشف فيه موهبة كوين وفريدي ميركوري الموسيقية الفذة، ولكنه فيلم لا يروي تعطشنا لكشف جوهر تلك الموهبة أو إلى استجلاء الأعماق النفسية لفريدي ميركوري.

القدس العربي اللندنية في

26.11.2018

 
 
 
 
 

نتفليكس... هل تهدد عرش هوليوود؟

أنس سمحان

تقوم صناعة الأفلام بشكل عام على صالات ودور عرض الأفلام، حيث تعد هذه القاعات مصدر الربح الأساسي للأفلام، عن طريق بيع التذاكر للراغبين في المشاهدة، والآن وبعد حوالي 100 عام على افتتاح أول قاعة سينمائية، ما زالت لهذه القاعات الأهمية نفسها عند منتجي وصناع الأفلام، حيث يُقاس نجاح الفيلم أو فشله من الأسبوع الافتتاحي الأول للعرض في دور السينما في مكان ما، ثم في جميع أنحاء العالم. ولكن مؤخرًا، صار هناك من يُنافس دور السينما في العرض، حيث ومنذ عدة عوام سعت إحدى خدمات البث إلىعرض الأفلام عبر الإنترنت، مما شكل تحديًا أمام صناعة الأفلام بشكل عام، حيث لم يعد على المشاهد أن يخوض غمار تجربة السينما، وإنما يمكنه بناء سينما بيتية لمشاهدة الأفلام التي يريد وبجودة عالية. هل تشكل خدمة البث هذه تهديدًا حقيقيًا لعرش هوليوود وصناعة الأفلام؟ 

التأسيس

شركة أميركية تأسست في عام 1997 على يد ريد هاستنغز ومارك راندولف لتكون شركة بيع وتأجير الأقراص المدمجة مثل شركة "بلوكبوستر" والتي كانت المنافس الوحيد حينذاك. انطلقت نتفليكس عام 1998 بثلاثين موظفا و925 فيلما متوفرا للتأجير فقط، ولكنها تخلّت عن فكرة البيع وركزت على خدمة تأجير الأفلام عبر البريد. في عام 2007، بدأت شركة نتفليكس خدمة بث الأفلام عبر الإنترنت حيث سمحت لمستأجري الأفلام لديها بمشاهدة ساعة مقابل كل دولار ينفقونه على خدمة تأجير الأقراص الشهرية. ومع دخول منافسة "هولو" و"أبل" وغيرها من خدمات البث عبر الإنترنت، ألغت الشركة قيود المشاهدة على البث بجعلها غير محدودة. 

مسلسلات نتفليكس الأصلية 

مع الانتشار الكبير والواسع للشركة، لم ترد أن تبقى فقط في مربع العرض، بل أرادت أيضًا أن تدخل في مربع الإنتاج وامتلاك الحقوق الحصرية للعرض، وهو ما قادها في عام 2011، لتبدأ في إنتاج مسلسل لها House of Cards من إخراج ديفيد فينشر، وقد حقق نجاحًا على مستوى عالمي. وأقامت الشركة العديد من العقود والاتفاقيات مع استديوهات كبيرة لإنتاج مسلسلات خاصة مثل مسلسلات الأبطال الخارقين من عالم "مارفل" وغيرها من المسلسلات التي حققت نجاحًا على المستويين المحلي الأميركي وعلى المستوى العالمي. وأعلنت الشركة مؤخرًا أنها ستنتج مسلسلات خاصة حول العالم حسب الدولة وحسب الثقافة، فأعلنت عن إنتاج مسلسلات هندية وأوروبية وأسترالية وأعلنت أيضًا عن بث مسلسلات عربية بدءًا من عام 2018 مثل مسلسل "جِن". هذا التنوع الثقافي واللغوي لدى نتفليكس هو ما يضمن لها النجاح والاستمرار، فلم تكتفِ الشركة بعرض الإنتاجات الأميركية بل اشترت حقوق مسلسلات وأفلام بلغات أوروبية (مسلسل Dark) وعربية (مسلسل "جِن") وإسبانية (مسلسل Money Heist) وغيرها من اللغات. 

أفلام نتفليكس الأصلية 

لم تكتفِ نتفلكس بدخولها عالم الشاشة الصغيرة، بل أرادت أن تقتحم عالم السينما والشاشة الكبيرة، وهو ما قامت بهِ العام الماضي (2017)، حيث أعلنت عن إنتاج عدة أفلام بالتعاون مع كبار الممثلين في هوليوود مثل براد بيت الذي كان نجم فيلم War Machine، والذي بُثّ على موقع الشبكة مباشرة، وفيلم Bright من بطولة ويل سميث وفيلم Beast of No Nation من بطولة إدريس ألبا. ووقعت الشبكة سابقًا أيضًا لإنتاج أربعة أفلام مع الممثل الكوميدي آدم ساندلر وبث أول فيلم له The Ridiculous Six في نهاية عام 2015. وكما نرى، فقد استقطبت نتفليكس بعضًا من كبار الممثلين والمخرجين في هوليوود للعمل لديها على مسلسلات، وأفلام أقل ما توصف بهِ أنها عالمية، ولكن الشبكة نفسها ما زالت لديها الكثير من المشاكل مع الاستديوهات الكبيرة، وجوائز السينما العالمية مثل الأوسكار، حيث تشترط أغلب جوائز السينما أن تعرض الأفلام في قاعات العرض وليس على الإنترنت، وهو سيشكل عائقًا أمام الكتاب والمخرجين والممثلين الطموحين للفوز بالجوائز، ويجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل أن يوافقوا للعمل مع نتفليكس. 

هل تهدد نتفليكس عرش هوليوود؟ 

انطلق مهرجان "كانّ" السينمائي الماضي، بدون وجود أي أفلام من استديوهات نتفليكس وقد حصل هذا لأن نتفليكس رفضت توزيع بعض أفلامها على دور العرض مما جعل كان تشترط على الأفلام التي ستعرض وتشارك في المهرجان أن تكون معروضة في دور العرض، فردت شركة نتفليكس بالانسحاب من المهرجان بشكل كامل. وقال مدير المحتوى على نتفليكس تيد سارندوس ردًا على الحادثة: "اختار المهرجان أن يحتفي بطريقة التوزيع بدلًا من الفن السينمائي. ونحن متأكدون 100% من أننا ملتزمون بالفن السينمائي". وعلى الرغم مما حصل في مهرجان "كان" السينمائي، لا يمكن النظر لنتفليكس على أنها ضحية تآمر أو ما شابه، وعلى خلاف ما قاله تيد سارندوس، فإن الثورة التي أحدثتها نتفليكس ليست ثورة محتوى أو فن سينمائي وإنما ثورة في طريقة التوزيع، حيث إن كثيرا من إنتاجاتها ليست "قوية" كما تسوق الشبكة. وعندما سئل المخرج الشهير ستيفن سبيلبيرغ عن رأيه في خدمات البث عبر الإنترنت مثل نتفليكس وأمازون، قال: "مجرد ما يُعرض الفيلم على التلفاز، فقد صار فيلمًا تلفزيونيًا وليس سينمائيًا، وعليهِ، ومهما كان قويًا، فقد يُرشح لجائزة إيمي، ولكنه لا يمكن ولا يجب أن يترشح لجوائز الأوسكار!". تأتي هذه التعليقات في ضوء الإنجازات الكبيرة التي حققتها خدمات البث عبر الإنترنت في عروض الجوائز في السنوات الأخيرة. حيث حصلت على ثمانية ترشيحات لجوائز الأوسكار، وكان آخرها أربعة ترشيحات لفيلم Mudbound. وفي الوقت الذي وافقت الأوسكار على مثل هذه الأفلام وأعطتها الحق في الترشح، إلا أن كثيرا من المخرجين قد وقفوا إلى صف سبيلبيرغ، فقال كريستوفر نولان (مخرج ثلاثية باتمان ودنكيرك)، إنه لن يعمل أبدًا مع شركات مثل نتفليكس لأنها تبتعد بشكل كبير عن دعم الأفلام السينمائية.

العربي الجديد اللندنية في

26.11.2018

 
 
 
 
 

فيلم «Trumbo»: أمريكا أرض النفاق وتراث الاضطهاد

محمد ثابت

النفاق على المستوى الفردي هو ما عَرَّفَته الأديان السماوية وثقافات الشعوب المختلفة بـأنه إظهار خِلاف ما في الباطِن، وأسوأ أنواعه ادعاء المبادئ ثم فعل عكسها. وقديمًا قرر علماء الأصول أن أصحاب المذاهب لا بد أن يلتزموا بقواعد المذهب ومبادئه ولوازمه، وإلا كانوا من أهل النفاق والخداع، ولهم مقولة مشهورة هي أن «لازم المذهب ليس بلازم ما لم يلتزمه صاحب المذهب»؛ أي إذا لم تلتزم بأركان مبادئك فلن تكون تلك سوى مجرد شطحات فكرية، أو ادعاءات من أجل المصالح وليست مبادئ.

وعلى مستوى الدول عرف التاريخ بلادًا تناقض أقوالها أفعالها، وتتشدق بمبادئ لم تستطع أن تلتزم بها سواء بإرادة سياسية على مستوى إداراتها، أو على مستوى شريحة عريضة من المجتمع. ومن الأمثلة الكبرى على ذلك هي الولايات المتحدة ذاتها، ولعل الإدارة الحالية هي خير دليل على ذلك التراث الطويل.

ظهر الشعب الأمريكي الحالي فعليًا من رحم العالم أجمع، ويضم أكبر تنوع عرقي في التاريخ والكون. فهذا العالم الجديد كان قبلة كل من أراد فرصة جديدة وحياة رغيدة بعيدًا عن أوطان مزقتها الحروب أو النزاعات السياسية والدينية.

كان المفترض أن هؤلاء الوافدين والمهاجرين سيحاربون كل أنواع الظلم التي تعرضوا لها في بلادهم قبل أن يفروا منها، وينشئوا مجتمعًا مثاليًا خاليًا من تلك الأمراض. لكنهم عندما استقروا مارس معظمهم أسوأ أنواع الظلم، وأقدم الأمريكيون المهاجرون على أكبر جريمة إبادة في العصر الحديث ضد السكان الأصليين الذين استوطنوا أمريكا قبلهم بمئات القرون.

ثم أعقبوها بجريمة استعباد ملايين الأفارقة الذين خطفوهم ونقلوهم إلى بلادهم عبر أضخم عملية اتجار في البشر عرفها التاريخ، وتمتلئ كتب التاريخ الأمريكي بفظائع تثير الاشمئزاز والغثيان من القدر الذي يمكن أن يصل إليه بشر في الانحطاط وسوء المعاملة.

وحُرم الأمريكان الأفارقة وذوي الأصول الآسيوية واللاتينية من المساواة في الحقوق السياسية والمواطنة مع ذوي الأصول الأوروبية، وظل التمييز في التعليم وحيازة الأراضي والهجرة والتصويت طوال الفترة منذ ظهور أميركا في القرن السابع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين.

لم تقتصر العنصرية على ذلك فقط بل طالهم أيضًا الاضطهاد الديني لكل الملونين، فلم يكن يسمح لهم بدخول كنائس البيض الأوربيين. وحتى الأوروبيون من مذهب مسيحي مخالف لمذهب النخبة وقتها (الكاثوليكية) كان يطالهم التمييز والعنصرية داخل مجتمع البيض، رغم أن الغالبية بروتستانت.

وفي منتصف القرن العشرين تم حظر التمييز والعنصرية رسميًا بالقانون، ولكن ظلت منظمات وشبكات حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة تؤكد على وجود التمييز في كافة مناحي الحياة والمجتمعات المحلية وخاصة في المدن الصغيرة والقرى وولايات الجنوب العتيدة.

جرى التمييز والاضطهاد ضد الأمريكيين من أصول يابانية خلال الحرب العالمية الثانية، وأخذ الأمر شكلاً رسميًا بجمعهم وأسرهم واحتجازهم في معسكرات عزل خارج المجتمعات العمرانية الأمريكية، بدعوى الشك في عمالتهم لليابان ضد الولايات المتحدة، ولم يشفع لهم أنهم عاشوا وولدوا داخل الأراضي الأمريكية.

وكان اليهود من الفئات المكروهة والمنبوذة في المجتمع الأوروبي، ونقل الوافدون الجدد للأراضي الأمريكية تلك الكراهية وامتدت حتى الستينيات، قبل أن تنقلب الكفة لصالح اليهود ويصبحوا أكثر العناصر تأثيرًا في السياسة الأمريكية، ويمتلكوا زمام المال والإعلام في المجتمع الأمريكي، ثم يأخذوا دورهم هم أيضًا في اضطهاد من خالفهم وحاول التغريد خارج سربهم.

طال الاضطهاد الفكري والسياسي أيضًا أصحاب الفكر اليساري والشيوعي بشدة خاصة في فترة الأربعينيات، رغم تحالف الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، واستمر اضطهادهم حتى سقوط الدولة السوفييتية وانتهاء الحرب الباردة. وكان التمييز ضدهم يشمل اتهامهم بالخيانة والعمالة والتضييق عليهم في العمل والحياة، وحتى وصل الأمر إلى السجن بتهمة حمل فكر معادٍ للقيم الأمريكية، وتشكيل تهديد للمجتمع الأمريكي بهذه الأفكار.

ومن أجمل الأفلام التي عالجت قصصًا واقعية من ذلك العهد؛ فيلم ترامبو (Trumbo) الذي صدر عام 2015 من إخراج جاي روتش، ومن بطولة براين كرانستون، ودايان لاين، وهيلين ميرين ولويس سي.كي. وإيل فانينغ.

ويكشف الفيلم حقيقة اضطهاد دالتون ترامبو المبدع الموهوب، الذي كان المؤلف الحقيقي لسيناريوهات أفلام روائية شهيرة في هوليود ونالت جوائز مختلفة على رأسها الأوسكار، ولم يستطع أن ينشرها باسمه نظرًا للمقاطعة والتمييز ضده لكونه عضوًا في الحزب الشيوعي وكان على القائمة السوداء وحاربه إعلاميون وسياسيون وفنانون.

يضطر الكاتب الذي حظروه وضيقوا عليه أن يعرض أعماله أولًا باسم أصدقائه مقابل نسبة من عائد العمل، وتفوز القصة بالأوسكار ويتلقى صديقه الإشادة والاستحسان ويتسلم الجائزة بدلاً منه. ولا تتوقف متاعب الرجل بل يتعرض هو وتسعة من زملائه في الحزب الشيوعي من العاملين في هوليوود إلى المحاكمة والسجن بتهمة التعاطف مع الشيوعية.

ويعامل باحتقار وتعمد الإهانة من أول يوم في السجن، يعرونه تمامًا بدعوى التفتيش الذاتي ويكلفونه بالشاق من الأعمال وهو في الخامسة والأربعين، وفي السجن يرى أحد كبار متهميه ومضطهديه مسجونًا في نفس السجن يمسك بالممسحة وينظف الأرضية. كان الرجل الذي اضطهده وادعى مبادئ الشرف والوطنية مسجونًا بتهمة التهرب والتزوير الضريبي وخيانة الأمانة، كان المشهد عبقريًا بحق ويصور حقيقة أصحاب النفاق وادعاء المواقف الوطنية على حساب الأبرياء.

يخرج من السجن ويرى أسرته تعاني من ضيق العيش ويضطرون إلى ترك منزلهم الواسع الفخم – كان الرجل هو أعلى المؤلفين أجرًا في هوليود قبل أن تحل عليه لعنة الاضطهاد – ويبحث عمن يقبل منه أعماله ولا يجد سوى شركة إنتاج متواضعة تعمل في أفلام الدرجة الثانية ويقبل العمل معهم بأجر أقل مئة مرة عن أجره الحقيقي، لمجرد أن يوفر المال لإعالة أسرته المنكوبة.

موهبة الرجل تكتسح كل شيء وتبدأ الشركة المغمورة التي تشجع صاحبها وتتعاقد مع دالتون ترامبو في الظهور والنجاح بكل السيناريوهات والقصص التي يقدمها لهم، وتكون المفاجأة بفوز إحدى القصص بجائزة أوسكار ثانية. ويجلس الرجل وأسرته في المنزل يشاهدون حفل إعلان وتوزيع الجوائز وهم يعرفون أن صاحب القصة الحقيقية هو الأب وليس ذلك المجهول الذي يستلم الجائزة في الحفل المهيب وينال التصفيق الشديد، كانوا فرحين والغصة تملأ القلب وتمرر الحلق.

لا تتوقف الإعلامية الشهيرة المتولية كبر محاربته ولا تتراجع المنظمات المدعية للوطنية عن التضييق ومحاولة الضغط على شركات الإنتاج والمخرجين لوقف أعمال دالتون ترامبو حتى بأسماء مستعارة، لكن الموهبة الحقيقية تكتسح كل شيء وبعد عشر سنوات من الاضطهاد والحرمان والحظر يوضع اسم الرجل على فيلمين كبيرين هما فيلم سبارتكوس وفيلم الخروج. ويشارك الرئيس كنيدي في مشاهدة فيلم سبارتكوس ويشيد بالقصة وتسقط القائمة السوداء ويعرف العالم من هو المبدع الحقيقي خلف الستار المسئول عن كثير من الأعمال الناجحة.

وعند تكريمه في النهاية بعد أكثر من عشرين عامًا من بداية مأساته يتحدث الرجل عن معاناته وأسرته وأصدقائه الذين فقدوا كل شيء وفارق بعضهم الحياة مرضًا وفقرًا وكمدًا بسبب الاضطهاد غير المبرر، فلم يفعلوا جرمًا ضد أحد أو ضد دولتهم، ولم تثبت عليه العمالة أو الإضرار بشيء، فقط لم يستطيعوا إظهار غير ما يعتنقونه من أفكار. باختصار، لم يكونوا منافقين.

موقع "إضاءات" في

27.11.2018

 
 
 
 
 

فيلم «Roma»: ألفونسو كوارون والبحث عن الزمن المفقود

أحمد عزت

الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكره، وكيف يتذكره ليحكيه

من كتاب «أن تعيش لتحكي» جابريل جارثيا ماركيز

كل الفتيات أميرات، حتى لو عشن في عليات قديمة وضيقة أو ارتدين خرق الثياب، حتى لو لم يكن جميلات أو ذكيات.

تمامًا مثل بطل رواية مارسيل بروست «البحث عن الزمن المفقود»، المتعطش لاستعادة زمن طفولته الضائع، كان ألفونسو كوارون، ومنذ أن بدأ مسيرته كمخرج سينمائي عام 1991 مأخوذًا برغبة آسرة في أن يصنع فيلمًا سينمائيًا مبنيًا بكامله على ذكريات طفولته، وهو ما تحقق له أخيرًا في فيلمه «روما – Roma» والذي يعود من خلاله إلى جذوره الأولى في المكسيك وإلى لغته الأم بعد غياب 17 عامًا منذ آخر فيلم حققه هناك «Y Tu Mamá También» عام 2001. مر إذًا ما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن يتمكن كوارون من استحضار هذه الصور من أعماق روحه بهذا القدر من الصفاء والألق والشاعرية.

في سينما المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون نكون دائمًا بصدد رحلة ما، سواء كانت تلك الرحلة هي سفر نحو الأغوار السحيقة للفضاء الخارجي في رحلة مدموغة بالعزلة في أقصى حالاتها و بفزع لا نهائي في فيلمه «جاذبية Gravity»، أو رحلة طريق لصديقين مقربين قي طور مراهقتهما مع امرأة يعرفانها بالكاد تنتهي بتغيير حياتهما للأبد في فيلمه «وأمك أيضًا».

هنا في فيلمه «روما» نحن أمام سفر إلى زمن مستعاد، رحلة في الاتجاه المعاكس، إلى داخل كوارون نفسه، إلى تخوم ذاكرته البعيدة حيث العالم المفقود لطفولته في مكسيكو سيتي مطلع السبعينات، في ضاحية «كولونيا روما» حيث إقامة أسرته.

ما يشبه السيرة الذاتية

يشكل «روما» إذن وإلى حد بعيد سيرة ذاتية لمخرجه، فجميع شخصيات فيلمه وأحداثه لها أصل في حياته الخاصة والتي تشكل مادة السرد لفيلمه، ومع ذلك لا يتصدر كوارون مشهديته السينمائية ولا نرى الأحداث من خلال عينيه بل يمنح قلب الحكاية وزاوية الرؤية  للخادمة «كليو» (التجسيد السينمائي للخادمة والمربية ليبو التي عملت لدى أسرة كوارون) في محاولة لرسم بورتريه عائلي عبر ذكرياته الخاصة تسكن «كليو» القلب منه في زمن فوضى واضطرابات سياسية واجتماعية.

هذا التخفي الذي يختاره كوارون داخل سردية هي بالأساس سرديته الخاصة، إذ لا يمكننا التعرف على تجسده السينمائي داخل الفيلم إلا بالتخمين. فقط لأننا نعرف أن كوارون ولد 1961 وزمن الفيلم هو 1971 فبالإمكان أن يكون هو الابن الأوسط بين الأبناء.

ربما نرى هذا التخفي كنوع من المحبة والتقدير لمربيته «ليبو» والتي طالما اعتبرها كأم ثانية، فهو يجعلها دائمًا قلب مشهده وهدف كاميراه، فالكاميرا مرتبطة بها وتتحرك معها، كما لو كان عودة كوارون لذكرياته كان من أجلها، من أجل أن يفهمها على نحو أوضح، أن يعرف كيف كانت تشعر آنذاك كخادمة تنتمي لأقليه عرقية (السكان الأصليين/ هنود المكسيك) في مجتمع متجذر في الطبقية والعنصرية بينما تحمل جنين رجل تخلى عنها.

هذا الخيار الذي اختاره كوارون بإبعاد ذاته عن مركز الصورة شبيه أيضًا بخيارتاركوفسكي في فيلمه الأكثر ذاتية والذي يعتمد أيضًا على ذكريات طفولته «المرآة» بأن يغيب بطله عن الشاشة، فغياب البطل عن الشاشة يشبه المرآة حيث ينعكس على هذا البطل الغائب كل ما يدور أمامه تمامًا مثل كوارون الطفل   والذي ينعكس عليه كل ما يدور حوله دون حاجة أن يكون في قلبه.

«روما»: جراح الذات والوطن في مرايا الذاكرة

كان «بورخيس» يرى الذاكرة مثل مرآة معتمة أو كشظايا مرآة محطمة، بينما أراها أنا مثل شقوق في حائط، كل شق هو ألم أصابك ومهما فعلت لتداريه فإنه سيظل موجودًا.

المخرج «ألفونسو كوارون» في أحد حواراته الصحفية.

يحمل «روما» إذًا رغبة مخرجه في أن يحدق مباشرة في ماضيه، أن يعري جراحه المفتوحة تحت ثقل الذكريات، جراح ذاته ووطنه. يعود الإنسان إلى ماضيه كأنما يعود إلى نفسه باحثًا عن شيء مفقود بين ركام الصور والذكريات عن حقيقة أو معنى يلملم من خلاله فكره وشظايا ذاته. عودة «كوارون» أيضًا إلى ماضيه مصحوبة بوعي حاد بالسياق الأعم والأكثر اتساعًا لحكايته.

فاللحظة الزمنية التي يختارها لحكايته تمزج الخاص والعام برابطة شعورية واحدة. فالعائلة التي تشكل عالمه الخاص والحميم مقبلة على انهيار وشيك (يتخلي الأب عن العائلة، يتخلى الحبيب عن كليو) وكذلك المجتمع الذي تحدوه آمال التغيير عبر تظاهرات وانتفاضات الطلبة موشك هو أيضًا على الانهيار والدخول في نفق مظلم.

هذ الوعي لدى «كوارون» لا يسمح لصوره أن تغرق في حنين زائف أو أن تنزلق بسرده نحو الميلودراما، رغم غواية بعض المشاهد بذلك. نجده دائمًا يضع مسافة بيننا وبين شخصياته، مسافة تسمح بالتأمل ولا تلغي التعاطف معها فهو لا يستخدم اللقطات القريبة/الكلوز أب إلا نادرًا، وغالبًا ما تكون من نصيب «كليو» والتي يرغب في الأساس في الاقتراب منها ومعانقة مشاعرها الخاصة كذلك اختياره بعدم استخدام موسيقى تصويرية تصاحب مشاهده.

هناك مشهد أراه يعبر عن هذا الوعي لدى المخرج (وعيه بالطبقية المتجذرة في مجتمعه)، نجد في هذه  المشهد تجتمع العائلة بعد عودة الأب أمام التلفاز لمشاهدة فيلم كوميدي تجلس على الأرضية بجوار أحد الأطفال يضع الطفل ذراعه على كتفها، تبدو «كليو» في هذه اللحظة كجزء من العائلة، لكن «كوارون» لا يقطع المشهد قبل أن تتحرك الكاميرا إلى الخلف لنشاهد «كليو» على الأرضية والعائلة على الأريكة كأنما لا يريدنا أن نغادر هذ المشهد دون أن يؤطر بهذه الحركة الوضع الطبقي داخله ثم يؤكد ذلك بالقطع على «كليو» وهي تحمل بقايا الطعام وتهبط وحيدة درجًا معتمًا لتواصل عملها الذي يبدو بلا نهاية بينما يتناهى إلينا من بعيد ضحكات العائلة.

روما: الحياة في ظلال الموت

يضع «كوارون» منذ البداية عالم العائلة الخاص والحميمي في مقدمة الصورة، لكنه يسمح لأحداث العنف والموت الدائرة خارج عالم العائلة أن تتسلل بذكاء عبر الحوارات العادية واليومية داخل العائلة حيث يحكي أحد الأطفال على مائدة الطعام أن طفلًا كان يلقي ببالونة مليئة بالماء على السيارات المارة، لكن حظه العاثر جعل بالونته تسقط على سيارة عسكرية فأطلقوا الرصاص إلى رأسه، أو إلى خيالات وأحلام اصغر أطفال العائلة فنجده يمتنع عن الكلام مع كليو لأنه يلعب دور ميت والموتى لا يتكلمون أو يحكي لها أنه في حياة أخرى كان طيارًا، ومرة ثانية كان بحارًا لكن حكاياته دائمًا ما تنتهي بالموت.

يمرر «كوارون» أحيانًا عبر صوره إشارات وإرهاصات بالمصير الذي تتجه نحو الأحداث والشخصيات. ففي مشهد تذهب فيه «كليو» إلى المستشفى لعمل فحوصات من أجل حملها وأثناء زيارتها لقسم حديثي الولادة تحدث هزة أرضية، تقف كليو تحدق دون حراك وسط الفوضى بينما ينتهي المشهد بلقطة لحضانة طفل مغطاة بركام من الحجارة فيما يشبه قبرًا في إرهاصة بمصير جنين كليو أو ربما بمصير الانتفاضات الحادثة وأملها في التغيير.

هذه الظلال القاتمة التي يلقي بها الفضاء العام على الفضاء الخاص غير كافية بالنسبة لكوارون، ففي واحدة من أكثر تتابعات الفيلم قسوة ودموية فيما عرف باسم مجزرة «كوربوس كريستي»  وترجمتها جسد  المسيح، يخترق العام بكل عنفه ودمويته الفضاء الخاص في لحظة من أكثر لحظاته حميمية، حين تذهب «كليو» مع الجدة لاختيار مهد لطفلها القادم، التتابع الذي ينتهي بفقدان كليو لجنينها.

يستحضر «كوارون» في فيلمه روح كلاسيكيات الواقعية الإيطالية من التصوير الأبيض والأسود، التصوير في الأماكن الطبيعية، الاستغناء عن فكرة الحبكة مقابل رصد دقيق وشاعري للحياة اليومية في أكثر مظاهرها ألفة وعادية والاستعانة بممثلين غير محترفين، فالممثلة «باليتسا أباريسو» والتي أدت دور «كليو» والتي يحمل وجهها زخمًا تعبيرًا مدهشًا يمزج بين الحزن المكتوم، البراءة وقلة الحيلة هي بالأساس مدرسة وهذه هي المرة الأولى التي تقف فيها أمام الكاميرا.

يصف النقاد شخصيات المخرج الإيطالي «دي سيكا» أحد رواد مدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية بأنها شخصيات مضاءة من الداخل بمعنى أنه بإمكانك ملامسة روحها بمجرد رؤيتها وهو ما أراه وصفًا دقيقًا جدًا لشخصية «كليو » والتي يستطيع كل من يراها أن يدرك أنها روح محبة وطيبة منحت نفسها للجميع لكنها لم ترغب أن تمنح الحياة لطفلها الوحيد ربما لأنها تشفق عليه أن يعاني مثلما عانت.

في كل محاورات «كوارون» بشأن الفيلم يهدي فيلمه للنساء  الذي تربى بينهن، وكان لهن أثر واضخ في تكوينه الشخصي وأيضًا في سينماه وخاصة مربيته ليبو والتي تحمل تترات النهاية اسمها. يمكننا أن نتتبع أثر هذه المحبة التي يكنها المخرج للنساء في كل أفلامه، لكن سأتوقف أمام هذه العبارة التي تأتي على لسان بطلته الطفلة التي تتحول من فتاة ثرية إلى خادمة في فيلمه (Alittle princess):

موقع "إضاءات" في

28.11.2018

 
 
 
 
 

مخرج «12 عاماً من العبودية» يجدد موقفه من التمييز والقهر

«الأرامل».. يكشف أقنعة السياسة وآفات «العنصرية»

مارلين سلوم

نهايته غير متوقعة، كأنها تعيدك إلى نقطة الصفر في العشر دقائق الأخيرة، لتسترجع شريط الأحداث بذهنك سريعاً منذ المشهد الأول للعمل. «الأرامل»، فيلم ممتع جداً، ناجح ولا يخلو من بعض الملاحظات كأي عمل سينمائي، يضاف إلى رصيد المخرج البريطاني ستيف ماكوين، الذي ارتبط اسمه في ذهن الجمهور بفيلم «12 عاماً من العبودية» الحاصل على 3 جوائز أوسكار عام 2013.

كيف تصنف الفيلم؟ في التصنيف الرسمي هو فيلم جريمة وسرقة ودراما، أما فعلياً، وبعد مشاهدتك ل «الأرامل»، تدرك أن ستيف ماكوين، مشغول بقضية التمييز العنصري، ويجد لها أبواباً يطل من خلالها بأعمال جديدة على الشاشة، حاملاً رسالته الرافضة للعنصرية والتمييز الذي ما زال قائماً (وإن مبطناً أحياناً) في أمريكا بين «الأبيض والأسود»، يضيف إليها قضية التسلح فيظهر الخلل الأمني في المجتمع، ومؤامرات وصفقات السياسيين التي تجري أثناء الإعداد للحملات الانتخابية.. «الأرامل» أخذه ماكوين عن قصة ليندا لا بلانت، أعاد كتابته سينمائياً بالتعاون مع جيليان فلين، وقد سبق أن تم تحويله إلى مسلسل بريطاني عرض عام 1983. لمسات ماكوين في الكتابة والإخراج «خاصة» وواضحة.

مجموعة نساء تقدن العمل، الفيلم يضم أسماء نجوم كثر، لكن المرأة هي المحرك ومركز القوة فيه، وتحديداً فايولا دايفيس الرائعة التي لا تكف عن إبهارنا بأدائها الصادق، هي كتلة مشاعر تتحرك أمامك، في ضعفها وقوتها، في غضبها وثورتها وذكائها وصلابتها.. بجانبها تقف ميشال رودريغز، سينتيا إريفو التي لا تتوانى هي الأخرى عن سرقة الكاميرا عند إطلالتها، ورغم ظهورها المتأخر نوعاً ما، إلا أنها لعبت دوراً بطولياً مميزاً. ومعهن إليزابيث ديبيكي الشقراء الحسناء التي انتقلت وأدت دوراً مهماً أيضاً في تجسيد المرأة المهزومة الضعيفة المقهورة من زوجها في البداية، الفاقدة للثقة بنفسها وبأهمية وجودها في الحياة، إلى امرأة جريئة تعرف ما تريد وتسلك طريقها بنفسها

أين الرجل في الفيلم؟ يمكن القول إنه «في الظل»، فالبطل الرئيسي ليام نيسون هو هاري رولينغز المتزوج من فيرونيكا (فايولا دايفيس) «السمراء»، يفتتح بهما المخرج فيلمه، بمشهد يظهر مدى الحب بين الزوجين. ومشهد آخر نرى فيه ليندا (ميشال رودريغز) وزوجها وطفلاهما في متجرها، ويبدو الصراع واضحاً بينهما حول تبديد الزوج الأموال، بينما المرأة تعمل وتتعب. ثم أليس (إليزابيث ديبيكي) الجميلة المعنّفة من زوجها. مقتطفات تعرفنا بكل أسرة هي المدخل الرئيسي لنفهم مسار الأحداث، تتقاطع مع مشاهد لعصابة مكونة من أزواج تلك النسوة، يسرقون أموالاً وتطاردهم الشرطة إلى أن يلجؤون إلى مخبئهم ويبدلون سيارتهم، وعند محاولة الخروج، تكون الشرطة بانتظارهم في كمين محكم، يُقتلون جميعاً وتنفجر بهم الحافلة الصغيرة.

مأساة النسوة، ليست في وفاة أزواجهم، بل في الدين الذي تركوه، حيث يبدأ المرشح للانتخابات جمال مانينغ (براين هنري)، ملاحقة فيرونيكا، لاسترجاع مليوني دولار سرقها منه هاري وعصابته. المرأة لا تعرف شيئاً عن عمل زوجها السري هذا، وأنه لص محترف، ولا تعرف أي من الزوجات شيئاً عن السرقة، وهن غريبات عن بعضهن البعض. بفضل سائقها «باش»، تبدأ فيرونيكا الإمساك بالخيوط، وتصل إلى مذكرات تركها هاري لها، ومعها خرائط لعملية سرقة لم تتم بعد. تقرر الالتقاء بأليس وليندا، لتنفيذ العملية، وعليهن خلال وقت قصير شراء السلاح والتجهيزات اللازمة والتدرب على القتال، وبدا الأمر مستحيلاً لأن «الأرامل» بعيدات عن هذه الأجواء تماماً. المرأة تحمل أعباء ذنوب الرجال في الفيلم، ولا نتطرق إلى التفاصيل كي لا نحرق العمل. 130 دقيقة من التشويق الذي لم يعتمد فيه ستيف ماكوين على الإثارة البوليسية، بل على المضمون والقضية الإنسانية أولاً، وجعل السرقة مجرد هامش ووسيلة لكشف الأقنعة. في سياق الفيلم نكتشف أن فيرونيكا وهاري، فقدا ابنهما الشاب ماركوس، بسبب عنصرية أحد رجال الشرطة الذي أطلق عليه النار بلا سبب مباشر. وهي لفتة أخرى يريد من خلالها المخرج تأكيد لاستمرار التمييز العرقي في أمريكا، كما تستوقفنا عبارة على لسان فيرونيكا، ترد فيها على أليس عند سؤالها «من أين أشتري 3 مسدسات؟» قائلة: «أنت في أمريكا». ويذهب أبعد من ذلك، حيث نرى أليس في معرض أو سوق للسلاح، تطلب من سيدة ومعها طفلتها الصغيرة باختيار الأسلحة لها، ويبدو المشهد وكأن النسوة والرجال يشترون الخضراوات أو الملابس من سوق شعبي.

«الأرامل» جميل بمعانيه والصورة تلعب دوراً مهماً أيضاً، مثل تعمّد ماكوين تسليط الكاميرا على عين واحدة من عيني فيرونيكا، بلا أي كلام وبلا حاجة لأي مؤثرات أو ديكور. عرض في مهرجان «تورنتو السينمائي» مؤخراً، ويستحق الجوائز، لاسيما فايولا دايفيس الفائزة بالأوسكار 2017 عن «الأسوار». روبرت دوفال وكولن فاريل يجسدان الأب طوم موليغن حاكم ولاية شيكاغو وابنه جاك الذي يستعد لتسلم الولاية من أبيه بحكم الوراثة من جيل إلى جيل، ويخوض الانتخابات بشراسة. حوار الأب وابنه يكشف زيف السياسيين، والعملية الانتخابية وزيف الشعارات. الإنتاج لشركة «توانتيث سانتشري» والتكلفة الإنتاجية 42 مليون دولار.

marlynsalloum@gmail.com

الخليج الإماراتية في

28.11.2018

 
 
 
 
 

«مولد نجمة» لبرادلي كوبر… ذلك الحزن المبهر الجمال

نسرين سيد أحمد

لندن ـ «القدس العربي»: قصة حب أزلية، بين بزوغ نجم وأفول آخر، إيمان بموهبة واندثار أخرى، حبيبان يواجهان أزمة تقوض حياة أحدهما وتصيب الآخر بجراح وندوب. إنها قصة دافقة المشاعر فياضة الحب والألم، ويبقى سحرها وتبقى سطوتها علينا وتأثرنا بها، رغم أنها طُرحت في هوليوود سابقا، ولكن عمق مشاعرها الإنسانية وصدقها يحفظان عليها أصالتها وتأثيرها. هذا هو ما يطرحه بعذوبة فيلم «مولد نجمة». المعروض حاليا في دور العرض اللندنية، الذي يقدم الأمريكي برادلي كوبر مخرجا للمرة الأولى مع قيامه بدور البطولة، فيلم عميق التأثير على بساطته وسلاسته. هي قصة لا تبلى ولا يعلق بها غبار الزمن، فهي قصة إنسانية في المقام الأول. هي قصة عشق كلاسيكية لبزوغ نجمة آمن بموهبتها نجم في طريقه للأفول، يطارد أشباحه الخاصة وألمه الجسدي والنفسي ويدفع ثمن المجد والشهرة معاقرة للخمر وتجرعا للوحشة والاكتئاب.

نشهد الاثنين في مسيرتهما، هو جاكسون مين (برادلي كوبر)، نجم موسيقى الروك الذي أنهكته الشهرة وأثقلت المتاعب الجسدية والنفسية كاهله. وهي آلي (ليدي غاغا)، النادلة التي تعشق الغناء وتشدو في ناد ليلي بين فينة وأخرى، والتي رغم موهبتها تجد الأبواب موصدة أمامها لأنها لا تتمتع بالسمات الشكلية التي تتطلبها صناعة نجمة، حيث يحول أنفها بينها وبين النجاح، فشركات الإنتاج ترى أنفها كبيرا لا يصلح لنجمة. يشاء القدر أن يلتقيا، حيث تقـــوده الأقـــدار للسهر ذات ليلة في الملهى الذي تغني فيه. إعجاب نجم بموهبة يدرك قيمتها، وإعجاب رجل بامرأة، وهكذا تبدأ قصة الحب والمجد والألم.

قد تدمع أعيننا تأثرا بقصة الحب، أو بأفول نجم جاكسون، ولكنها ليست دموعا مقحمة وليست مشاعر مقحمة على الفيلم. هما عاشقان آمنا ببعضهما البعض يواجه أحدهما أشباحه فلا يقدر عليها.

«مولد نجمة» يحملنا إلى ذرى البهجة والسعادة في شقه الأول، حيث يحلق الحبيبان في سماء العشق، ويقدم النجم الكبير محبوبته التي يؤمن بموهبتها للجمهور، ولكن السعادة لا تدوم، ومع صعود نجم آلي يهبط نجم زوجها وحبيبها جاكسون. تعكس الأغنيات الأجواء النفسية للفيلم، وتقدم لنا الموسيقى وكلمات الأغاني فصول قصة الحب. هي قصة حب يتصدع، يقدمها كوبر وغاغا بحساسية شديدة وأداء صادق مفعم بالمشاعر بدون تكلف أو افتعال. قد تدمع أعيننا تأثرا بقصة الحب، أو بأفول نجم جاكسون، ولكنها ليست دموعا مقحمة وليست مشاعر مقحمة على الفيلم. هما عاشقان آمنا ببعضهما البعض يواجه أحدهما أشباحه فلا يقدر عليها.

يصور الفيلم ثمن الشهرة وألمها، فجاكسون يعاني تدهورا مستمرا في القدرة على السمع، يؤذي صخب الحفلات أذنه، ويؤدي به الألم الجسدي إلى ألم نفسي يفاقمه الروتين، الذي لا يهدأ للحفلات والجولات الموسيقية. يقدم كوبر شخصية النجم والمغني بإتقان كبير. أما ليدي غاغا فهي نجمة الفيلم بلا منازع، نرى في الفيلم مولدها حقا كموهبة في مجال التمثيل. عودتنا غاغا في أغانيها على صوتها العريض القوي، وعلى شخصيتها المسرحية، التي تقدمها للجمهور، لكنها في الفيلم تتجــــرد من قناعها لنراهـــا هشـــة دامعة صادقة، ولنؤمن بموهبتها كممــــثلة وليس مغنية فقط. تأتينا ليدي غاغا في الفيلم متجـــردة من صورتها المصطنعة، متخلية عن قناع زينتها الذي يخفيها، أو ربما يحميها، من الجمهور، لتقدم لنا نفسها بكامل ألقها وهشاشتها وبساطتها في آن.

لها حضور آسر يكـــمله حضور كوبر والتناغم في الأداء والمشاعر بينهما. نرى في الفيلم نجما أرهقته الشهرة وأنهكت روحه، ونرى في المقابل نجمة تبزغ وتتحول من مجرد فتاة ذات صوت جميل وموهبة إلى نجمة عليها اتباع نصائح المروجين وخالقي صورة النجوم لتغدو هي الأخرى نجمة. ترى هل سترهق النجومية أيضا آلي كما أرهقت جاكسون وأزهقت روحه؟ هل يعني مولد النجمة أنها في طريقها إلى الأفول ذات يوم؟ أم هل ستبقى نجمة تفيض علينا بضوئها إلى الأبد؟

في «مولد نجمة» يجتاز كل من كوبر وغاغا تحديا كبيرا، فهما يقدمان نسخة جديدة من فيلم أنتجته هوليوود سابقا في نسخ متعددة، وتضع غاغا نفسها في مقارنة أدائية مع نجمات اضطلعن بدورها في النسخ الأخرى للفيلم، ومن بينهن من يشار إليهن بالبنان مثل جودي غارلاند وباربرا سترايسند. نشاهد الفيلم فنقتنع كل الاقتناع بأداء ليدي غاغا، صوتا وتمثيلا. «مولد نجمة» فيلم شجي بسيط، يكمن تأثيره في بساطته تلك. نغادره ونحن نأسى على قصة الحب الآفلة ونود لو عدنا لمشاهدته مجددا.

القدس العربي اللندنية في

29.11.2018

 
 
 
 
 

"ماري بوبينز" تكسب الرهان من جديد..

احتفاء بالفيلم الموسيقي وإيميلي بلانت تقترب من الأوسكار

أمل مجدي

يتميز العام الجاري بغزارة إنتاج الأفلام الموسيقية المتوقع أن تنافس بقوة على موسم الجوائز المقبل. فقد شهدت دور العرض خلال الفترة الأخيرة طرح فيلمين مهمين هما A Star Is Born، وBohemian Rhapsody، استطاعا تحقيق إيرادات عالية في شباك التذاكر وحصلا على تقييمات إيجابية من قبل النقاد.

ومن المنتظر أن ينطلق في شهر ديسمبر فيلمان جديدان ينتميان إلى نفس النوعية. الفيلم الأول يحمل اسم Vox Lux للمخرج برادي كوربيت، وقد شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الـ75، ويدور حول "سيليست"، مغنية البوب التي تنجح في تحقيق شهرة واسعة بفضل ظروف استثنائية.

أما الفيلم الثاني هو Mary Poppins Returns للمخرج روب مارشال، الذي يعتبر تتمة للفيلم الموسيقي Mary Poppins الحائز على 5 جوائز أوسكار في عام 1965. تدور أحداث القصة الجديدة في فترة الكساد العظيم في لندن، حيث نرى أن الطفلين "مايكل" و"جين" أصبحا ناضجين الآن ولكل منهما حياته، لكن بعد تعرض مايكل لمأساة وخسارة كبيرة، تعاود "ماري بوبيبنز" الظهور من جديد في حياة عائلة "بانكس" لتساعدهم على استعادة الفرح والأمل في الحياة

أقامت شركة Disney عرضا خاصا لفيلم Mary Poppins Returns، في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية. وجاءت غالبية ردود فعل المتخصصين إيجابية تجاه الفيلم، متوقعين أن تحصل بطلته الممثلة إيميلي بلانت على ترشيحها الأول لجائزة الأوسكار. في السطور التالية، نستعرض أبرز ما كُتب عن الفيلم عبر موقع Twitter.

قال الصحفي ستيفن ديرك ليبي إن حاله مثل حالة عائلة "بانكس" في الفيلم؛ فهو لم يعلم أنه في حاجة إلى وجود "ماري يوبينز" في حياته، إلا عندما عاودت الظهور

وأشار إلى أن إيميلي بلانت ساحرة في الدور الرئيسي في الفيلم، كما أن أبدى إعجابه بأداء لين مانويل ميراندا الممتع

أشاد مدير تحرير موقع Fandango، إريك دافيس، بالفيلم الجديد، مؤكدا إنه حافل باللمسات الساحرة القديمة، ويجعل المشاهد مبتسما ومستمتعا طول مدة عرضه. ولفت إلى أنه فيلم عن الإيمان بمن نحبهم والقدرة على تخيل كافة الاحتمالات الممكنة.

عبرت الصحفية جينا بوش عن إعجابها بالفيلم، قائلة: "استطيع أن أقول أخيرا أنني أحببت Mary Poppins Return، إيميلي بلانت رائعة للغاية في كل شيء".

واقترحت أن تطلق شركة Disney خطا لإنتاج المناديل الورقية خلال فترة عرض الفيلم، في إشارة إلى أنها بكت كثيرا أثناء المشاهدة.

أكدت الصحفية جاكلين كولاي أن فريق عمل فيلم Mary Poppins Return تمكنوا من صناعة عمل فني ساحر. لافتة إلى أن القصة مألوفة بالنسبة للمشاهدين، لكن في الوقت نفسه تبدو جديدة ومثيرة للإعجاب.

وذكرت أن الفيلم سيكون من أهم أفلام موسم الجوائز المقبل، مضيفة أنه سيصبح من كلاسيكيات هذا العصر.
عدّد الصحفي سكايلر شولر، مميزات الفيلم الجديد، موضحا أنه حافل بالتكوينات البصرية الجميلة، والتمثيل الرائع، والمشاهد الموسيقية المذهلة
.

وأشار إلى أن الممثلة إيميلي بلانت تستحق ترشيحا للأوسكار في فئة أفضل ممثلة، مؤكد أن لديها فرصة كبيرة لاقتناص الجائزة.

واختتم حديثه بأن محبي الفيلم الأصلي سيكونون سعداء بالجزء الجديد.

تحدث الصحفي مات جولدبرج عن إعجابه بفيلم روب مارشال، موضحا أنه جيد للغاية وحافل بالألوان المبهجة. وأشار إلى أنه فوجئ بأن واحدة من أغنيات الفيلم بذيئة بطريقة ساخرة.

جدير بالذكر أن الفيلم الجديد ينطلق في دور العرض السينمائية يوم 25 ديسمبر المقبل، ليلحق باحتفالات الكريسماس.

موقع "في الفن" في

30.11.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)