كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

«يوم أضعت ظلّي» للسورية سؤدد كعدان: حكاية سحرية في ظروف واقعية

سليم البيك

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

في بلد يعيش اضطرابات، من المظاهرات والحراكات المطلبية والحقوقية، إلى الحروب الأهلية بما فيها من بشاعات ومجازر، من الطبيعي أن تكثر الأفلام الوثائقية التي ينجزها أبناء هذا البلد على حساب الروائية، كان هذا حال السينما الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي، إذ كانت وثائقية وتسجيلية، إلا أن هذه السينما تطوّرت من حينها ليدخل الفــيلم الروائي إلى عموم المنجز الفلسطيني مجاوراً الفيلم الوثائقي، متقدّماً عليه، كماً ونوعاً، أحياناً.

في الحالة السورية، ومازالت حديثة، لا نبتعد كثيراً عن ذلك، فالبلد الذي يعيش وضعاً مضطرباً منذ اندلاع الثورة عام 2011 حتى أيامنا هذه، وما رافق ذلك من مجازر وفظائع. هذا الاضطراب العنيف والخاص كان من الطبيعي أن يوازيه، سينمائياً، انحياز للإنتاج الوثائقي، حيث تصبح الحكايات الفردية أكثر حدّة في حالات كهذه، وهذه الحكايات هي أساس الوثائقيات، بخلاف الأريحية التي تحتاجها الأفلام الروائية كي تُنجز.

حكاية شبه يومية لدى قسم كبير من سكّان ســــوريا، يمكن إسقاطها على العديد من المناطق هناك، أمّا غير العـــادي، فهو فقدان الظّل لمن سيُقتل على يد أفراد تابعين للنظام السوري.

الجيّد في فيلمنا موضوع هذه الأسطر، أنّه خرج عن الغاية التوثيقية، أو الشكل الوثائقي كفيلم، وأتى كفيلم روائي له حكاية مؤلَّفة تقع في السنوات الأولى من الثورة السورية. وذهب الفيلم أكثر من ذلك، إذ لم يأت بحكاية واقعية لفيلم روائي، بل بحكاية ذهبت إلى ما بعد الواقعي في ظروف واقعية، ما يمكن تسميته بواقعية سحرية. فللحكاية مكان وزمان وأحداث واقعية، شكّلت إطاراً عاماً، وأشخاص واقعيون، وفي هذا الوَسط جرت حكاية سحرية، خيالية بشكل مناقض لإمكانية حدوثها يوماً، وهو أن يفقد أحدهم ظلّه.

بغض النّظر عن الشكل النهائي للفيلم، أو عن تنفيذ هذه الفكرة (الحكاية السحرية في الظروف الواقعية)، يمكن اعتبار الفيلم خطوة للأمام في عموم السينما السورية ما بعد 2011، أي الدخول إلى العالم الروائي، بعد طغيان الوثائقي – ولذلك أسبابه كما ذكرنا- وحمل هذا الرّوائي إلى أجواء أكثر خيالية من خلال ارتكاز الفيلم على حبكة تبتعد إلى درجة مناقضةِ الواقع.

فالحبكة تقوم على فقدان الشخصيات لظلالها متى اقتربت من حتفها. أمٌّ تخرج لشراء جرّة غاز لها ولابنها، بعدما هجرها زوجها وتركها وحدها في أجواء الحرب تلك، تصادر قوات تابعة للنظام ما تبقى من الجرّات، تقرر الذهاب بسيّارة تاكسي مع اثنين إلى خارج دمشق، حيث يمكن تأمين جرّات غاز من هناك. الكاميرا كانت معه يهرُب السائق من حاجز تابع للنظام، يصلون إلى غوطة دمشق، يعلق ثلاثتهم هناك وتتجه الحكاية، من هناك، إلى نهايتها. هي حكاية شبه يومية لدى قسم كبير من سكّان ســــوريا، يمكن إسقاطها على العديد من المناطق هناك، أمّا غير العـــادي، فهو إدخال الفكرة الأساسية للفيلم إلى تلك الحكاية اليومية والعادية، وهي فقدان الظّل لمن سيُقتل على يد أفراد تابعين للنظام السوري.

يُحسب للمخرجة، سؤدد كعدان، أنّها ذهبت إلى هذا الحد في فيلمها الروائي الأوّل، الذي نال جائزة «أسد المستقبل» في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الأخير، ولا بد للسينما السورية أن تدخل (أكثر) في المجال الروائي لتصوير ما يتعلّق بحياة السوريين ضمن الظروف المتغيّرة منذ 2011، حيث لكل فرد حكايته.

يُحسب لها أنّها أدخلت عناصر خارجية إلى حكاية فيلمها، عناصر سحرية، وصوّرت ذلك بأجواء بصرية لاءمت الكآبة المسيطرة على حياة شخصيات الفيلم الرئيسية، لاءمت حالة تفشّي الموت وانتشار الكره والرغبة العارمة في القتل، في نقل إنسانيّ لحكاية أفراد عانوا بشكل مباشر من حالة الحرب عموماً، وظلم النّظام الحاكم خصوصاً، وإن أتى كل ذلك بمحفّزات وانعطافات سردية أمكن لها أن تكون أقوى أو أحكم ربطاً بعضها ببعض، أو أن يكون لإدخالها في سياق الفيلم تبريرات أكثر تعلّقاً بتطوّر الحكاية بالعموم.

من المأمول أن يشد الفيلم صنّاع السينما السوريين إلى العالم الخيالي، لتوازي أفلامٌ روائية تلك الوثائقية في سرد الحكايات الســــورية بعد 2011 كما قبلها، لتحضــــر هذه الحكايات إلى السينما الروائية بعد أعوام طــــويلة من قلّة ملحـــوظة للأفـــلام الروائـــــية السورية (وكذلك الوثائقية، آنذاك) لأسباب تتعلق أولاً وأخيراً بسيطرة النظام الحاكم من خلال مؤسساته على الصّناعة السينمائية السورية.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

القدس العربي اللندنية في

12.11.2018

 
 
 
 
 

حرب ماري كولفين الشخصية... فيلم إنساني عن حروب دموية

سلامة عبد الحميد

يكشف فيلم "حرب شخصية" (A Private War) عن جوانب مختلفة في حياة الصحافية الأميركية الراحلة ماري كولفين، ليست بالضرورة جوانب خفية، وإنما تفاصيل ووقائع لا يعرفها القارئ العادي لتقاريرها المتميزة من المناطق المشتعلة حول العالم في صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية.

يستعرض الفيلم الذي يعرض حاليا، بحرفية فنية ملحوظة مدى قسوة تكرار معاينة أو العيش في مناطق العنف والقتل على حياة البشر، وكيف أن من جربوا الأمر مرة، أو مرات، تتغير حياتهم بالكلية، وأحيانا دون أن يشعروا هم أنفسهم بحجم هذا التغير.

روت ماري كولفين بأسلوبها المتميز تفاصيل مروعة عن وقائع عدة حروب، وكانت أول من كشف عن المقابر الجماعية لضحايا نظام صدام حسين في العراق، وأجرت حوارات مع قادة "نمور التاميل" المعارضة في سريلانكا خلال فترة احتدام الصراع، وهناك فقدت عينها اليسرى بعد انفجار قذيفة بالقرب منها خلال محاولتها التنقل بصحبة المقاتلين.

لاحقا، انتقلت مع تفجر ثورات الربيع العربي إلى الشرق الأوسط، وكانت موجودة في ميدان التحرير يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011، والمعروف إعلاميا باسم "جمعة الغضب"، ولاحقا كانت في ليبيا خلال تفجر الثورة ضد نظام حكم العقيد معمر القذافي، وأجرت حوارا صريحا مع القذافي شخصيا، وقالت لاحقا إنه كان يغازلها بشكل فج، وكانت شاهدا على مقتله على أيدي الثوار في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

انتقلت بعدها إلى سورية، وعاشت مع مقاتلي الجيش الحر، ونقلت تفاصيل الجرائم والمجازر هناك، وكانت ضمن أصوات إعلامية قليلة تنقل الأحداث من على الأرض، وهناك لقيت حتفها في حمص في فبراير/شباط 2011 بعد استهداف المخبأ الذي كانت فيه مع آخرين.

استغل الفيلم تلك الجولات الصحافية في المناطق الساخنة لتسليط الضوء على شخصية كولفين، التي قامت بدورها الممثلة روزاموند بايك، والتغيرات التي طرأت على حياتها وطريقة تفكيرها. فالصحافية الأميركية المقيمة لسنوات في لندن تحولت مهنتها الخطرة إلى نوع من العشق المرضي، فهي لا ترتاح إلا بعد الوصول إلى أبعد مدى ممكن على جبهات القتال، ولا تعترف بالخطر مهما اقترب، وتستخدم كل ما تعرفه من مهارات، وكل ما تمتلكه من خبرات للوصول إلى التفاصيل والمعلومات التي تبني عليها تقاريرها إلى صحيفتها.

يحفل الفيلم بأصوات الرصاص والانفجارات والمطاردات، ومحاولات النجاة من الموت، لكن مخرجه ماثيو هاينمان ضمنه مزيجا من العلاقات الإنسانية المتشابكة والمتقاطعة التي تخبر الكثير عن شخصية البطلة المعقدة، فعلاقتها الغامضة بأبيها وغياب أمها عن حياتها لفترات طويلة كانت أحد أسباب شخصيتها الغريبة عن محيطها، ثم علاقتها المتوترة بزوجها صاحب العلاقات النسائية التي يبررها بانشغالها الدائم في عملها.

لا يمكن إنكار أن كل تلك الأمور كان لها تأثيرات واضحة على حياة كولفين، لكن القتل والدمار الذي عاشته كمراسلة حربية، والقصص المأساوية التي شاهدتها خلال عملها كان لها تأثير أكبر في جنوحها نحو ما يمكن أن نسميه إدمان الخطر.

المشاهد التي تلت اكتشافها فقدان عينها اليسرى في سريلانكا، كانت معبرة عن مدى قسوة حياتها، وقد أتاح المخرج مساحة جيدة لاستعراض تلك الفترة الحرجة في حياتها، والتي كانت تحاول فيها جاهدة استعادة قدرتها على العمل، أو بالأحرى الحياة، رغم بعض لحظات اليأس الواضحة.

خلال نقاش مع مدير تحرير الصحيفة اتهمته بتعمد البقاء في مكتبه الهادئ بينما تواصل هي وزملاؤها التواجد في مناطق الحروب والصراعات، فيما الرجل نفسه في مشهد آخر، كان يرجوها العودة إلى لندن فورا حرصا على سلامتها، فترفض بعناد.

اعتمد الفيلم بالأساس على سيرة ذاتية طويلة نشرتها مجلة "ماي فير" بعد 6 أشهر فقط على مقتل كولفين في 2012، وإن لم تستغرق مساحة رحلتها الأخيرة إلى حمص حيزا واسعا من أحداث الفيلم، إلا أنها كانت كافية لإظهار طبيعة مرحلة الإصرار على البقاء في المنطقة المشتعلة، حتى لو كلفها ذلك حياتها.

يحذرها المقاتلون الذين ترافقهم من الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف حتى لا يتم كشف مكان مخبئهم، لكنها كادت ترتكب تلك الغلطة الفادحة حرصا على إرسال أحدث تقاريرها، لولا أن استوقفها في اللحظة الأخيرة مصورها الذي كان حاضرا لحظة وفاتها.

في مشهد آخر يطلب من الجميع مغادرة المخبأ بعد وصول معلومات حول قرب استهداف النظام السوري له، فتخرج مهرولة مع الآخرين، وفي منتصف طريق الهرب تقرر العودة مجددا لأنها ستشعر بخزي كبير إن هربت تاركة خلفها مئات النساء والأطفال الذين يحتاجون إلى جهودها في فضح جرائم النظام، والتي ربما تمنحهم فرصة أطول للبقاء على قيد الحياة.

جسدت روزاموند بايك الدور بصورة استثنائية، فتدربت لشهور على تقمص الشخصية، بل إنها تدربت على الوصول إلى طبقة صوتها الأجش المميزة، وربما ساعدها على ذلك كون كولفين شخصية معروفة يسهل الحصول على لقطات فيديو لها في مناسبات مختلفة بما يمكن الممثل من دراسة تفاصيل الشخصية وانفعالاتها، وحتى حركة اليدين وطريقة المشي وغيرها.

وعلى خلاف كثير من الأفلام الأجنبية التي تتناول أحداثا جرت في المنطقة العربية، استعان المخرج ماثيو هاينمان بممثلين عرب، وظهرت اللهجات المحلية في المشاهد التي تدور في العراق وفي ليبيا وفي سورية، فالممثل العراقي رعد الراوي جسد شخصية العقيد الليبي معمر القذافي، والممثل المصري فادي السيد قام بدور المترجم والمرافق العراقي للبطلة، والأردني وسام طبيلة جسد دور منسق الصحافة الأجنبية في سورية، لكن ثلاثتهم كأمثلة، كانوا يجيدون لهجة الشخصية التي يقدمونها.

كانت ماري كولفين صحافية مميزة بكل المقاييس، وقد قدم الفيلم ذلك بشكل واضح. لكن المخرج لم ينغمس في الاهتمام بشخصية البطلة وحدها متجاهلا الشخصيات الأخرى، إذ ظهر في الفيلم العديد من القصص الإنسانية التي تم تقديمها بما تستحقه من اهتمام، مثل ردود فعل النساء العراقيات حين استخراج الجثث من المقبرة الجماعية، وحكايات النساء السوريات المحاصرات في حمص اللاتي نقلت كولفين قصصهن المأساوية في تقاريرها التي سلطت الضوء على جرائم كان يراد أن لا يسمع بها العالم.

العربي الجديد اللندنية في

14.11.2018

 
 
 
 
 

يتناول حياة أشهر مراسلة صحفية تجولت في مناطق الخطر

«حرب خاصة»..قصة حقيقية أدمتها المعارك والنزاعات

مارلين سلوم

ليست كل أفلام السير الذاتية جاذبة للجمهور، بل تكاد تكون في معظمها بعيدة عن منافسة شباك التذاكر، وبعيدة عن المنافسة في المهرجانات. من تلك الأفلام، «حرب خاصة» المعروض حالياً في الصالات، والذي يعتبر جيداً وناجحاً إخراجاً وكتابة وتمثيلاً. تم تصنيفه 15 وما فوق، لما يتضمنه من مشاهد عنف ودماء، وهو عموماً ليس من النوعية التي تبهر الشباب رغم احتوائه على معارك ومشاهد تحبس الأنفاس. «حرب خاصة»، فيلم خاص عن قصة حقيقية عاشتها الصحفية الأمريكية ماري كولفن، مراسلة صحيفة «صانداي تايمز» البريطانية، يدخل دهاليز الحروب وأروقة السياسة، لينقل واقعاً مراً عاشته تلك الصحفية المغامرة، والتي تعتبر الأجرأ في وقتنا هذا

لكي تنجح أفلام السير الذاتية، عليها أن تجمع بين الحقائق المؤرشفة، والأسرار الخاصة، مع إضافة لمسات درامية وإنسانية تضمن تفاعل الجمهور مع الشخصية، دون التخلي عن الترابط المنطقي للأحداث والخيط التصاعدي وصولاً إلى الذروة في التشويق والعقدة. المخرج الأمريكي الشاب ماثيو هاينمان له باع في الأفلام التسجيلية وقد نال عنها جوائز، مثل «أرض الكارتل» عام 2015، و«مدينة الأشباح» 2017. يعتبر هاينمان أحد أهم مخرجي الأفلام الوثائقية حالياً، وله مجموعة تجارب تلفزيونية ناجحة. من هنا استطاع أن يلتقي بأفكاره المميزة مع ورق الكاتب أراش أميل، ليقدما فيلماً يجمع بين الدراما والحرب والمادة الأرشيفية والكتابة السينمائية

أميل استند بدوره في حياكة القصة إلى مقال كتبته ماري برينر في مجلة «فانيتي فير» عام 2012 تحت عنوان «حرب ماري كولفن الخاصة». لكن لماذا أثارت كولفن فضول الصحفيين والكتّاب والسينمائيين ليتناولوها في أعمالهم؟ ببساطة، لأنها كانت صحفية مميزة، جريئة تعشق المغامرة، اعتبرت الصحافة «مهنة البحث عن المتاعب» حقيقة لا قولاً، فتركت حياة الرفاهية في لندن وبحثت عن الحروب والصراعات وبؤر الخطر في العالم، لتقوم بتغطيتها، والتنقل بين الناس وإجراء المقابلات مع رجال السياسة والمسؤولين (من بينهم معمر القذافي الذي يظهره الفيلم بشكل يميل أكثر إلى السخرية)، ومع المقاتلين والناس الأبرياء.. نافست الرجال وذهبت إلى حيث خشي الآخرون، وعاشت التجربة ولم تتراجع رغم فقدانها إحدى عينيها في سريلانكا، حيث قامت بتغطية الصراع بين الدولة ونمور التاميل.

من آخر مهمة لماري كولفن ينطلق الفيلم، حيث لقيت مصرعها مع زميل لها إثر قصف مباشر على مبنى يقيم فيه الصحفيون الأجانب في مدينة حمص عام 2012؛ ويعود بنا إلى الوراء لنكتشف من هي ماري كولفن، كيف عاشت حياتها الخاصة «المعقّدة» نوعاً ما، ومشاكلها النفسية بسبب تراكم مشاهد القتل والعنف التي عاشتها في الواقع خلال تنقلها في مناطق الخطر، فتحولت إلى كوابيس تطاردها في منامها. ويظهر الفيلم أيضاً انعكاس هذه المشاهد والحياة الصعبة التي تعيشها ماري على علاقاتها وزواجها الفاشل، واستحالة استقرارها وتكوين أسرة والعيش كباقي النساء.

بارع هذا الثنائي أميل وهاينمان في جعل المشاهد يتعاطف مع البطلة ويغفر لها خطاياها وأخطاءها، والتركيز على حسها المهني والإنساني، وهدفها الأهم وهو كشف الحقائق السياسية، وإبراز وجع الناس وأنين المُدُن. في سريلانكا والعراق وليبيا وسوريا.. حتى القضية الفلسطينية تطارد الصحفية في منامها بصورة فتاة جميلة ميتة. كولفن امرأة شجاعة، والممثلة روزاموند بايك أدتها ببراعة وتميز شديدين، حتى يمكننا القول إن «حرب خاصة» هو الفرصة الذهبية ونقطة التحول في مسيرة بايك، التي سبق أن رأيناها في أعمال أخرى مثل «فتاة المملكة» و«بيروت» و«غون غيرل». في هذا الفيلم بلغت الذروة في الأداء، رغم صعوبة الشخصية وتناقضاتها ومشاعرها المتذبذبة والأزمات التي تمر بها.. ويمكن القول إن بايك التحمت مع البطلة لدرجة أن يتخيلها الجمهور ماري كولفن بذاتها.

«حرب خاصة»، لا ينشغل بقصة الصحفية فتسقط منه الأحداث المهمة والتواريخ، بل يرصدها ويكتبها بوضوح على الشاشة، كما يحرص المخرج على اختيار الأماكن بإتقان شديد لتتطابق مع مواقعها الحقيقية. لكن من الثغرات التي وقع فيها، استخدامه الخطاب المباشر حيث بإمكانه الاستعاضة عنه بالاعتماد على وعي الجمهور وذكائه في فهم الأحداث وأبعادها.

الفيلم يدفعك للتفكير فيه حتى بعد مغادرة الصالة، فتطرح تساؤلات عدة مثل: هل كانت كولفن تتبع حسها الصحفي وترضي شغفها بالمهنة وإصرارها على اتباع الخيوط لكشف الحقائق أمام العالم، أم أنها كانت تجد في مآسي الآخرين دواء لمآسيها الشخصية؟ هل لجأت إلى أماكن الخطر لتشعر بأن صراعاتها مع الحياة أصغر بكثير من الحروب الحقيقية والصراعات السياسية التي يدفع ثمنها البشر باهظاً جداً؟ في كل الأحوال، دفعت كولفن أيضاً الثمن باهظاً، وشاركت الناس مآسيهم حتى النفس الأخير.

marlynsalloum@gmail.com

الخليج الإماراتية في

14.11.2018

 
 
 
 
 

شريط "الطيور العابرة".. متعة بصرية خالصة وتقلبات مصائرها بفعل تجارة المخدرات

لندن- فيصل عبدالله

قبل عامين، أو حولها، وضمن تظاهرة "نصف شهر المخرجين" لمهرجان كان السينمائي الدولي، عرض المخرج الكولومبي سيرو غيرا شريطه السينمائي الباهر "عناق الأفعى" Embrace of the Serpent)). نبه هذا الشاب، ولد في عام 1981، والقادم من بلاد التنوع الإثني واللغوي والمثقل بالحروب الدموية، ان كانت داخلية او خارجية، عشاق السينما ومتابعوها إزاء أحد النصوص السينمائية البارعة في تشكيلاته الصورية، و إشاراته الأسطورية ومراجعه التاريخية و مزجه بين عالم الخيال بالواقع. إستحضر غيرا في شريطه إياه حشداً من القضايا المعقدة تطال التاريخ الإستعماري الأوربي لبلده ومفاهيم مثل الدين والإيمان والحضارة الوافدة وما قامت به شركات المطاط العملاقة من جرائم تجاه السكان المحليين. وعبر علاقة طبيب شعبي يدعى كاراماكاتا، آخر الناجين من السكان الأصليين، مع عالمين أجنبيين يبحثان في مجاهل غابات الأمازون عن نبتة الشفاء المقدسة. ورغم تصويره بالأبيض والأسود كتحية لحقبة زمنية محددة تعود الى النصف الأول من القرن العشرين، إلا ان ذلك لم يمنعه من تحقيق نجاحات معقولة لفيلم أجنبي خلال عروضه السينمائية التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، ما حدا ببلده الى ترشيحه رسمياً ولأول مرة في تاريخها الى مسابقة جوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنكليزية.

في جديده "الطيور العابرة" (Birds of passage)، وبتعاون مثمر بدت بصمات مواطنته المنتجة كريستينا غاليغو واضحة عليه، نتابع ملحمة سردية وبصرية عميقة في دلالاتها الإجتماعية والسياسية، وكأنهما يستكملان بها ما بدآه في "عناق الأفعى". يأخذ صاحب "الظلال الشاردة" (2004) و "رحلات الريح" (2009) مشاهده الى شمال كولومبيا إبان نهاية ستينيات القرن الماضي، حيث يتخذ منها سكان قبيلة الـ "ويوو" الأصليين مستقراً. إلا ان قدر سكان تلك المنطقة القاحلة والمعتدة بتقاليدها الراسخة، رسمت مشاهدها الصورية وكأنها لوحات فنية باذخة بجمالها، ينقلب رأسا على عقب غداة بلوغ الشابة زايدة (ناتاليا رييس) سن النضج والزواج. إذ وحسب التقاليد يتطلب من زايدة تأدية رقصة فولوكلورية، أطلق على هذا الجزء المغادرة، أمام سكان المنطقة علها تظفر بقلب عاشق يجاريها تلك الرقصة. ورغم نجاح الشاب راباييت (خوسيه أكوستا) بقبول التحدي، إلا ان رئيسة القبيلة الكريزماتكية أورسولا (كارمينا مارتينيز) لم تقتنع بهذه النتيجة. ونظراً لقرب راباييت من حامل رسائل القبيلة بيريغرينو (خوسيه فيسنت كوتس) وبتدخل منه تقبل الأخيرة بهذه الزيجة بشروط مهر ظنتها تعجيزية، وتتمثل بتقديم 50 بقرة و 20 معزة فضلاً عن عدد من الأحجار الثمينة لقبوله داخل الأسرة خلال فترة زمنية محددة.

تضع هذه الشروط الصعبة راباييت في حيرة تلبية هذه الشروط القاسية. لكن وبمساعدة صديقه الإسباني مويسي (خون نارفاييز) يلتقيا في مقهى تتردد عليه مجموعة من الهيبيز الأمريكان، يعملون ضمن فرق السلام، للراحة من مهمة توزيع منشورات معادية للشيوعية والبحث عن مخدرات. يقلب هذا اللقاء حظوظ راباييت الحياتية أملاً بتحقيق حلمه. بمن قبل خصومه في هذه التجارة الدموية خلافاً لأورسولا وحلمها بالثراء وتصفية حساباتها القبلية العالقة مع قبيلة "اليخونا" المنافسة لها، لكن ذلك لم يغير من نهاية حسمت نتائجها. ما يحسب الى غاليغو راباييت، مما يقوده الى التواصل مع قريبه أنيبال (خوان مارتينيز) أحد مزارعي "الحشيش البري". 

ومثلما تنقلب حظوظ راباييت المالية من مهمش الى تاجر للمخدرات، وعبر نقلات زمنية تتوقف عند بداية ونهاية عقد سبعينيات العقد الماضي، فان حياة أورسولا هي الأخرى تصيبها عدوى المال والإنغمار في عالم من الصعب الهروب من عواقبه. صحيح ان راباييت كان يجنح الى التهدئة تجاه منافسيه في تجارة لا تعرف الرحمة أو القرابة، إذ يكفي الشك، مجرد الشك، بتصفية من تدور حوله الظنون. أبقت غاليغو و غيرا خط شريطهما الدرامي محصوراً بما أصاب قبيلة الـ "ويوو" في إطار عائلي تتحرك حوله حبكة الشريط ومن دون حشر موضوعات ثانوية خارجة عن سياقاتها السردية. ولعل المشاهد يجد نفسه إزاء ثراء بصري مشحون بالدلالات الرمزية، تستحضر تقاليد ثقافة قبيلة الـ "ويوو" الفولكلورية والغرائبية، تلك التي وثقتها عدسات الكاميرا بمهارة عالية، ان كانت على شكل أزياء النساء وحلى الزينة، أو ألوان الطيور الغريبة بما تحمله من مرويات أسطورية، أو في شكل نظارات حامل رسائل القبيلة البراقة. ولربما الأكثر سوريالية ودع في مشهد قصر أورسولا وعائلتها المنيف، كأنه يحاكي طراز العمارة الغربية، وسط صحراء قاحلة. فيما جاء مشهد نهاية الشريط أقرب الى إستعارة من شريط "سكار فيس" ولبعض من مقاطع ملحمة "الأب الروحي" لفرانسيس كوبولا. شريط "الطيور العابرة" يمسك بتلابيب مشاهده، وعلى مدى ساعتين، ويحثه الى متابعة نص سينمائي فريد، إجتهد صنّاعه في تأثيث مشاهده بصياغات فنية تقول الكثير عن بلد الروائي غابريل غارثيا ماركيز وبارون المخدرات الأشهر أسكوبار والغني بتنوع إرثه الفولكلوري الضارب في عمق تاريخه المعقد.

المدى العراقية في

14.11.2018

 
 
 
 
 

كيف سرد فيلم Bohemian Rapsody حكاية فريدي ميركوري وفرقة Queen؟

انفصال درامي وتجاهل الميول الجنسية

أمل مجدي

منذ أيام قليلة، انطلق فيلم Bohemian Rhapsody للمخرج براين سينجر، في دور العرض السينمائية المصرية، بعدما تصدر قائمة الإيرادات الأمريكية في أسبوعه الأول.

الفيلم يرصد قصة صعود فرقة Queen الإنجليزية، إحدى الفرق الأكثر نجاحا في تاريخ موسيقى الروك منذ العام 1970 حتى الوصول إلى الحفلة الشهيرة Live Aid عام 1985

تركز الأحداث على حياة المطرب ومؤلف الأغاني فريدي ميركوري، العضو الرئيسي في الفرقة الذي أصيب بمرض الإيدز، وتوفي عام 1991. يجسد دوره الممثل الأمريكي من أصل مصري، رامي مالك، فيما يلعب دور عازف الجيتار برايان ماي، الممثل جويليام لي، ويقدم دور عازف الدرامز روجر تايلر، الممثل بن هاردي، ويتولى دور عازف الباص جيتار جون ديكون، الممثل جوزيف مازيلو.

وفي السطور التالية، نرصد حقيقة ما قدمته الدراما عن فرقة Queen بحسب ما جاء في مجلة Rolling Stone، وموقع History vs. Hollywood:

-حقيقة تغيير اسم فريدي ميركوري

بالفعل كان اسمه الحقيقي "فاروق بولسارا"، وقد ولد يوم 5 سبتمبر 1946، في سلطنة زنجبار (تنزانيا الآن) ، شرق أفريقيا. غير اسمه إلى "فريدي" عندما التحق بمدرسة سانت بيتر البريطانية الداخلية، القريبة من مومباي. وحينما تأسست فرقة Queen، قرر أن يغير لقبه أيضًا، من "بولسارا" إلى "ميركوري". وفي وثيقة ميلاده، كتب والداه أن جنسيتهما هندية بريطانية، وأنهما ينتميان إلى العرق البارسي، المنحدر من بلاد فارس.

-لماذا سافر فريدي ميركوري إلى إنجلترا؟

بعد تخرجه من المدرسة في عمر 16 عامًا، عاد إلى عائلته في زنجبار، وقد حصلت الدولة على استقلالها في ديسمبر 1963. بعد مرور شهر، اندلعت الثورة الدموية، وأسفرت عن مقتل الآلاف من الهنود والعرب. الاضطراب السياسي في البلاد وضع عائلة فريدي في خطر، ولذلك قررت السفر إلى إنجلترا. التحق فريدي بكلية ويست تامز، ثم حصل على شهادة في الفن وتصميم الجرافيك من كلية إيلينج للفنون في لندن.

ازداد اهتمام فريدي بالموسيقى، وتعرف على أنواع مختلفة منها غير الموسيقى الهندية. وتأثر بالعديد من المغنيين والفرق المشهورة مثل ألفيس بريسلي، وليزا مينيلي، وفرقة The Who، وفرقة Led Zeppelin، وفرقة The Rolling Stones.

-متى بدأ فريدي ميركوري الغناء أمام جمهور عام؟

بالرغم من أنه كان في فرقة تدعى The Hectics عندما كان في المدرسة، فإن أول أداء غنائي قدمه فريدي ميركوري أمام جمهور قطع التذاكر من أجل حضور حفله، كان يوم 23 أغسطس 1969. فقد كان المغني لفرقة Ibex، وأدى آنذاك أغنية ألفيس بريسلي Jailhouse Rock. فيما كان كل من برايان ماي وروجر تايلر، عضوين في فرقة Smile. وقد كانا يعرفان فريدي، وسافرا إلى ليفربول ليحضرا الحفل، حتى أنهما انضما إلى فرقة Ibex على المسرح. كانت هذه الخطوة الأولى نحو تأسيس فرقة Queen.

حاول فريدي إقناع باقي أعضاء فرقة Ibex بتغيير اسمها إلى Wreckage. لكن بعد وقت قليل، انفصل الأعضاء، نتيجة لارتباطات بمشاريع خارجية.

-كيف تأسست فرقة Queen؟

قدم صناع الفيلم فكرة تأسيس الفرقة بطريقة خيالية بعيدة عن الواقع، وقد بدت أبسط كثيرا مما حدث في الحقيقة. في الفيلم، يشاهد فريدي حفلا لبرايان ماي وروجر تايلر، مع فرقة Smile عام 1970. وعقب الحفل، يلتقي بهما لينضم إليهما، ويكسب ثقتهما بعدما يغني Doing Alright.

الحقيقة مختلفة نوعا ما، فقد تعرف فريدي ميركوري على أعضاء فرقته أثناء دراسته في كلية إيلينج للفنون في لندن. إذ كان صديقا لتيم ستافيل، العضو بفرقة Smile، ومن خلاله التقي برايان ماي وروجر تايلر

ووفقا لرواية ماي، فإن ميركوري حاول الانضمام للفرقة كثيرا، لكنهم لم يسمحوا له بذلك سوى بعد مغادرة تيم ستافيل في 1970.

-هل كان جون ديكون عازف الباص جيتار الرئيسي في الفرقة؟

في عام 1970، كان فريدي ميركوري يسعى إلى تشكيل فرقة مثالية، وقد كان هذا سبب انفصاله عن الفرقتين اللتين انضم لهما في بداياته

بعد انسحاب تيم تافيل من فرقة Smile، وانضمام ميركوري، حاول الأخير اقناع باقي الأعضاء بتغيير الاسم إلى Queen. وقد بحثوا عن عازف باص جيتار، وكان من بين المرشحين جون ديكون، لكنه لم ينضم لهم سوى في عام 1971.

فهو لم يكن العازف الأساس آنذاك، ولم يشاركهم في أول حفل لـQueen عام 1970، بل أنه كان رابع عازف باص جيتار ينضم لهم.

-هل شخصية "راي فوستر" حقيقية؟

لا، شخصية المسؤول التنفيذي في شركة التسجيلات EMI، "راي فوستر" التي يجسدها الممثل مايك مايرز، ليست حقيقية على الإطلاق. لكن ربما يكون المقصود، رئيس شركة EMI، روي فيذرستون

في الحقيقة، فيذرستون كان من المعجبين بفرقة Queen، لكنه اعتبر أغنيتهم Bohemian Rhapsody طويلة جدا، ولا يمكن إطلاقها كأغنية منفردة.

-هل كانت الفرقة مدركة للتفسيرات المتعددة لاسمها Queen؟

نعم، وقد قال ميركوري في إحدى اللقاءات، إن الاسم لديه امكانات بصرية، وقابل لجميع أنواع التأويلات

وأضاف: "أعلم بالتأكيد ارتباطه بمفهوم المثلية الجنسية، ولكن هذا مجرد جانب واحد منه".

-كيف تعرف فريدي ميركوري على ماري أوستن؟

في فيلم Bohemian Rhapsody، التقي فريدي بصديقته ماري أوستن، قبل أن يلتقي ببرايان ماي وروجر تايلر، مباشرة. لكن في الحقيقة، واعد فريدي أوستن لفترة وجيزة، لكنه لم يتخذ الأمر على محمل الجد سوى عندما أصبح المغني الرئيسي للفرقة.

-هل كان فريدي ميركوري يرغب في الزواج من ماري أوستن؟

نعم، فقد عاشا معا لفترة طويلة طوال فترة السبعينيات من القرن الماضي، وكانا يخططان للزواج. والحقيقة أن ماري بالفعل واجهت فريدي بحقيقة ميوله الجنسية.

لكن على عكس الفيلم، تحداها ميركوري وحاول إقناعها بأن لديه ازدواجية ميول جنسية، وواصل مواعدة الرجال والنساء معا. وقد كانت الممثلة الألمانية باربرا فالنتين، واحدة من عشيقاته.

جدير بالذكر أن الفيلم واجه انتقادات حادة بسبب عدم التركيز على الميول الجنسية لفريدي ميركوري، خاصة وأن حبيبه جيم هوتون، يتم التطرق إلى قصته في نهاية الفيلم فقط.

هل ظل فريدي وماري صديقين مقربين بعد انفصالهما؟

التقى فريدي بماري، عندما كان مغنيا مغمورا يحاول إثبات نفسه، وانتقلا للعيش معا في منزل واحد، وقد كانت هي الشخص الوحيد الذي يثق به. وظلا صديقين بعد انفصالهما عام 1976.

وفي حوار أجراه عام 1985، تحدث عنها قائلا: "جميع عشاقي سألوني عن سبب عدم قدرتهم على حل محل ماري. لكن ببساطة، هذا مستحيل. الصديق الوحيد الذي حصلت عليه في حياتي كان ماري، لا أرغب في أي شخص آخر. فهي زوجتي القانونية، وبالنسبة لي، هذا كان زواجا، نحن نؤمن ببعضنا البعض، وهذا يكفي".

هل انفصل أعضاء فرقة Queen؟

لا، وتعتبر هذه أهم نقطة اختلاف بين الفيلم والأحداث الحقيقية. في فيلم Bohemian Rhapsody، نرى أن أعضاء الفرقة ينفصلون عن فريدي ميركوري بعدما يوقع عقدا بقيمة 4 مليون دولار دون علمهم، ويخبرهم بأنه يرغب في أخذ استراحة من المناقشات والمشدات المستمرة بينهما.

الحقيقة أقل درامية من الفيلم، ففي عام 1983 توقفت الفرقة بأكملها، بعد جولات غنائية استمرت لمدة 10 سنوات. واتفق الأعضاء جميعا على أخذ استراحة والتركيز على مشاريعهم الخاصة، لكنهم ظلوا على تواصل واستأنفوا العمل معا فيما بعد.

-حقيقة حفل Live Aid 

في الفيلم، لم يكن أعضاء الفرقة يتحدثون مع بعضهم البعض حينما عُرض عليهم المشاركة في حفل Live Aid عام 1985. لكن في الحقيقة، فإن الفرقة طرحت ألبوم The Works في عام 1984، وتلى ذلك جولات غنائية في مختلف بلدان العالم. وقد كان آخر جولة غنائية قبل إقامة حفل Live Aid، بـ8 أسابيع.

وبالتالي، فإنهم أجروا العديد من البروفات معا، ولم يكن من الصعب التأقلم مرة ثانية على العزف مع بعضهم البعض.

-متى عرف فريدي ميركوري بإصابته بمرض الإيدز؟

يشير الفيلم إلى أن المغني الأسطوري عرف بمرضه قبل حفل Live Aid، وأخبر الفرقة بذلك خلال البروفات. في الحقيقة، لا أحد يعرف متى أخبر ميركوري أصدقاءه وأسرته بمرضه، لكن يرجح كثيرون أن ذلك حدث في الفترة بين عامي 1986 و1987. وقد انتشر الأمر على نطاق واسع في الصحافة ووسائل الإعلام عام 1987، لكنه لم يؤكد الأخبار المتداولة سوى في عام 1991 عبر بيان أصدره قبل يوم واحد من وفاته.

 

####

 

مجلة Time تصدر قائمتها لأفضل 5 أفلام في عام 2018.. هذا الفيلم تعرض مخرجه للطرد

مروة لبيب

واجه المشهد السينمائي تغيرا كبيرا خلال الـ5 سنوات الماضية، بعدما سرق التليفزيون الكثير من مجد صناعة الأفلام.

ففي الوقت الذي يفضل فيه العديد من الأشخاص مشاهدة الأفلام في المنزل بحجة ألا يزعجهم أحد، هناك آخرون يفضلون مغادرة المنزل ومشاهدة الأفلام في السينما ومشاركة نفس التجربة في قاعة السينما التي تعرض صورا كبيرة الحجم، حيوية تجعلك منبهرا وتغمرك لأقصى درجة.

وقد أصدرت مجلة TIME الأمريكية، قائمتها لأفضل أفلام عام 2018 نرصدهل لكم في السطور التالية:

Paddington 2

في المركز الخامس يأتي فيلم Paddington 2، ووصفت هذه التتمة بأنها مبهجة أكثر من الجزء الأول، وكلا الجزأئين من إخراج بول كينج.

تدور أحداث الفيلم حول "بادينجتون"، الذي يعيش الآن سعيدًا مع عائلة براون في حدائق ويندسور، ويخطط لشراء هدية مثالية لعمته الحبيبة "لوسي" في عيد ميلادها المئوي. يقرر العمل في عدة وظائف غريبة من أجل شراء كتاب مميز، لكن يحدث أمرًا يقف حائلا بينه وبين الهدية.

Bohemian Rhapsody

إنه الفيلم الذي تعرض مخرجه للطرد أثناء التصوير بسبب اتهامات طالته في السابق بسوء السلوك الجنسي، وهو الفيلم الذي حصل على تقييمات سلبية من قبل النقاد، لكن Bohemian Rhapsody يحمل طاقة هائلة، قد تتضمن بعض الفوضى إلا أنه يعد فيلما رائعا يوضح بشدة ما يعنيه العيش من أجل الحب والجنس وموسيقى الروك أن رول.

الفيلم يرصد قصة صعود فرقة Queen الإنجليزية، إحدى الفرق الأكثر نجاحا في تاريخ موسيقى الروك منذ العام 1970 حتى الوصول إلى الحفلة الشهيرة Live Aid عام 1985. تركز الأحداث على حياة المطرب ومؤلف الأغاني فريدي ميركوري، العضو الرئيسي في الفرقة الذي أصيب بمرض الإيدز، وتوفي عام 1991.

A Star Is Born

من كان يعلم أن آخر شيء اعتقدنا أننا بحاجة إليه هو إعادة انتاج فيلم تم اعادة انتاجه بالفعل مرات عديدة، قرر الممثل برادلي كوبر في أول تجربة إخراجية له أن يعيد تصوير هذه القصة في العصر الحديث، والنتيجة هي ميلودراما رائعة مليئة بالأحاسيس.

تدور الأحداث حول "جاكسون"، نجم موسيقى على حافة انهيار مستقبله الفني، يكتشف "ألي" فتاة موهوبة لديها صوت رائع لكنها غير واثقة في جمالها. تنشأ بينهما علاقة عاطفية، وينجح في دفعها إلى دائرة الضوء والنجاح. وبينما تؤسس هي قاعدتها الجماهيرية، يعاني هو من صعوبة الحفاظ على مجده الذي يضيع.

The Favourite

فيلم مليء بالأحداث في حياة ملكة بريطاينا "آن"، الفيلم يمزج بين الدراما والكوميديا فهو مثل الأحجار الكريمة التي يتغير لونها وفقا للضوء.

الفيلم يرتكز على الملكة "آن" أوليفيا كولمان، التي تتغير علاقتها الوطيدة مع مستشارتها المقربة ودوقة مارلبورو "سارة تشرشل" رايتشل وايز بعد وصول الشابة الأصغر سنا "أبيجيل" إيما ستون. يتحول الأمر إلى صراع بين الاثنين على المكانة والقرب من الملكة.

Roma

ترتكز أعمال المخرج ألفونسو كوران، على صنع أفلام رائعة، ويعد فيلم Roma بمثابة تكريما لإخدى النساء اللتي ربينه.

الفيلم تدور أحداثه في سبعينيات القرن الماضي بالمكسيك، ويرصد قصة عاملتان منزليتان يعملان بجد من أجل رعاية عائلة من الطبقة المتوسطة في روما.

موقع "في الفن" في

16.11.2018

 
 
 
 
 

"كفرناحوم" ونقّاده: لحظة الحقيقة

راشد عيسى

يحدد فيلم "كفرناحوم" وجهته في مشهدين افتتاحيين. زين، الطفل ذو الاثنتي عشرة سنة واقفاً، بعد ارتكابه جناية طعن، أمام طبيب السجن الذي يحاول أن يحدّد عمره بالكشف عن أسنانه. ثم مشهد عاملات بيوت بملامح أفريقية وقفن أمام رجل الأمن بذُلّ يذكّر بأرتال المستعبدين في أفلام العبودية. من هنا سندلف إلى عالم من القضايا المتشابكة، والتي تصعب رؤيتها كقضايا منفصلة: أحزمة الفقر، أطفال الشوارع، العنف الأسري، زواج القاصرات، اللجوء، البِدون، شبكات الاتجار بالبشر، المخدرات، البطالة، عدم أهلية السجون، التلوث، السكن.. عناوين كثيرة، لكنها تقف على أرض واحدة

مشكلات سيثير مجرد التطرق إليها اعتراضاً، إذ اعتُبر الفيلم "جاهزاً منمّقاً لمهرجانات السينما"، ولا يعدو أن يكون "حيلة"، حيث "كل الموضوعات مجهّزة للظفر بجائزة" (بحسب شفيق طبارة في "المدن"). فماذا بقي من قضايا يمكن طرحها من دون أن تحسب على أجندة أممية مشبوهة، أو مؤامرة كونية. لقد تحولت هذه الطريقة إلى كليشيه نقدي جاهز لاصطياد أي مبدَع فني فقط لمجرد عنوان القضية.

لو كانت أمك هنا

يعيش زين مع أسرته كبيرة العدد في أحد أحزمة البؤس، الأب سكّير وبلا عمل، في بيت يكتظ بالأطفال وبالشتائم وانعدام أدنى شروط الحياة. هنا حيث الولد الجاهل لم يعرف المدرسة قط، تربى في الشوارع وفيها كبر قبل الأوان، يجد نفسه يتصدى لتزويج أخته القاصر التي لم تتجاوز من العمر عشر سنوات. لكنه لا يفلح في تهريبها، ولا في منع الزواج، فيهجر البيت.

أثناء تشرده يتعرف زين إلى العاملة الإثيوبية راحيل، في مدينة الملاهي، حيث جاء يبحث عن عمل. انتبهتْ إليه فيما كان يتلهى بالكشف عن ثديي المانيكان/الدمية الضخمة (الثدي سيشكل لازمة للكاميرا تعود إليه في أكثر من مشهد كأنما لتحكي حاجة الصبي إلى الأم، كأن لسان حاله يقول: لو كانت أمك هنا. واضح أن للأم بعداً رمزياً. مشهد يعزّزه طفل السيدة الإثيوبة في بحثه المضني عن ثدي الأم). ستحنو راحيل على زين، تأخذه إلى منزل التنك الذي تعيش فيه. سيكون بيت التنك هذا مأوى لزين المشرد، كما سيكون زين حلاً بالنسبة لها إذ تتركه مع صغيرها الرضيع، يرعاه ريثما تعود. لكن يحدث أن تسجن بسبب عدم حيازتها للأوراق اللازمة للعمل. يحار الصبي زين، يأخذ الطفل الرضيع ويمضي به إلى الشوارع، يسرق من أجل أن يطعمه، ينتحل دور لاجئ ليأتي له بالحليب، إلى أن يضطر لبيع الطفل لمن كان يحاول أصلاً شراءه من الأم، يبيعه لرجل عصابات يعد زين بتهريبه خارج البلد ليحقق حلمه باللجوء.

يضطر زين للعودة إلى بيت أسرته للحصول على أي ورقة تثبت هويته فيكتشف أن أخته الصغيرة قضت جراء مضاعفات الحمل، ولأن مشفى لم يسمح باستقبالها من دون أوراق شخصية. يأخذ سكين المطبخ راكضاً نحو زوج أخته القاصر فيطعنه

أثناء إقامته في سجن رومية، تلمح راحيل زين في أحد تنقلاته، فتدرك على الفور أن رضيعها الآن بلا مأوى، تصرخ حد الانهيار، وهنا تكون بداية بحث القوى الأمنية عن الطفل، إلى أن يعثروا عليه لدى شبكة للاتجار بالبشر

في السجن ستقدم راحيل واحداً من مشاهد الفيلم الأكثر تأثيراً، فهي لا تملك شيئاً تفعله إزاء رضيعها غير الشرعي بالأساس (أنجبته من ناطور بناية) سوى أن تطلب المغفرة، فيما تعصر ثديها فيفيض الحليب بين أصابعها، كما لو كان نوعاً من البكاء. تذهب الكاميرا أيضاً إلى رضيعها المعذّب بغيابها، نرى ألمه وعذابه بمشاهد واقعية ومؤثرة للغاية.  

ضد النظام

يقترب فيلم "كفرناحوم" من السينما الوثائقية، لقد صُوّر في أحياء وبيوت وشوارع واقعية من دون تعديل يذكر. أَخَذَ لقطات من الشوارع كما هي، صَوَّر السجن بتفاصيله الرهيبة، عرض الفقر كأفظع ما يكون، المياه الملوثة، الطين، بيوت التنك، النفايات، دواليب السيارات المتناثرة على الأسطح، المدينة الرمادية الاسمنتية البشعة الأقرب إلى مقبرة تغيب عنها الأشجار.. كذلك فإن ما يزيد في "وثائقيته" اعتماده على شخصيات حقيقية تنتمي إلى تلك الأمكنة، لكن عبر سيناريو وضع سلفاً. لكن مجريات تصوير الفيلم جاءت في مفاصل منها لتتقاطع مع الحقيقة، فالعاملة الإثيوبية راحيل تسجن في حكاية الفيلم، كما تسجن بالفعل أثناء التصوير

الصبغة الوثائقية للفيلم تحسب له، ولطالما اعتُبرت هذه السمة أفضل مديح لفيلم (وفي المقابل ستجد أن أجمل مديح لفيلم وثائقي أن يقال إنه يبدو أقرب إلى الروائي). يصعب أن تجد فيلماً روائياً يقترب من السينما الوثائقية قدر ما اقترب "كفرناحوم". إنه وثائقي إلى حد يبدو معه السيناريو مجرد ذريعة لتصوير خراب المكان وأحوال البؤس. يبدأ الفيلم بلقطات عامة واسعة للمدينة، وهو دائم العودة إلى هذه اللقطة، وفي واحدة منها تتقصّد الكاميرا تصوير الصليب مهيمناً على المدينة، تليه فوراً صورة لمئذنة مسجد. لا يعفي الفيلم الأديان من مسؤولية الجحيم الذي نراه. سنرى أصابع الاتهام موجهة للأديان مرة أخرى في السجن، عندما جاءت فرقة غنائية، على رأسها امرأة تقول إنها راهبة، جاءت مع هذه المجموعة لتعزف وتغني للسجناء. بدا السجناء وهم يرقصون أمام غناء أولئك العابرين، كأنهم قردة في أقفاص يرقصون أمام سياح عابرين. بعدها، سنرى السجينات وقد غطين رؤوسهن بمنديل أبيض موحد، كما لو أن الكاميرا أرادت القول إن الأديان هنا تمارس عملها الخيري تجاه السجناء من باب التبشير الدينيّ، ولا يبدو أنها مهتمة بالفعل بحقوق السجناء وكراماتهم

المشاهد الوحيدة التي بدت مقحمة على الفيلم-الوثيقة، هي مَشاهد المحكمة. هذه التي جاءت لتفسر سلوك الشخصيات، لتفسح لها أن تدافع عن نفسها، وكان بإمكانها أن تفعل ذلك، إن كان ضرورياً في الأساس، بين ثنيات الحوار على مدار الفيلم. وإذا كانت المحكمة مفتوحة للاستماع إلى قضية رفعها زين على أهله لأنهم أنجبوه، ففي ذلك تناقض كبير بين الاحتجاج "الفلسفي" للولد الجاهل ولغة الفيلم المفرطة في الواقعية، بل إنه تناقض مع لغة زين نفسه التي جاءت في الغالب صادمة ببذاءتها وشارعيتها

لا يسمي الفيلم مكان حكايته بالضبط، لا نعرف إن كان مخيماً أو تجمعاً للاجئين السوريين، لكن التعميم هذه المرة يلقي المسؤولية في أحضان الجميع، فلو تحدّث الفيلم عن مخيم فلسطيني لباتت مشكلة الفلسطينين وحدهم، بتفاصيلها المعروفة والتي تعني حقوق العمل والتعليم، وتداخل المسؤوليات ومتطلبات السياسة

كذلك فإن كثيراً من اللقطات والمشاهد أوسع وأبعد من ضرورات الحكاية، مثلاً حين تسلّط الكاميرا على صناديق الأمانات في داخل السجن، لتقرأ عليها: سوداني، سوري، عراقي، فلسطيني.. وسواها من جنسيات ملعونة، تشير إلى أوطان منكوبة. لقطة عابرة بالكاد تلمحها، لكنها تذهب بالمشكلة إلى أبعد من شخصيتي زين وراحيل.

المكان الذي تدور فيه أحداث الفيلم واضح ومحدد، ليس أي مدينة في العالم ما دام يتحدث بلهجة صريحة، ويصور لباس رجال أمن معروف، لوحات سيارات، وشوارع مألوفة. كذلك فإن الكاميرا لا تدخل سجن رومية على أنه كناية عن مكان مطلق، عن سجن ما. إنها تدخل سجن رومية وتسميه، كما تبرز تفاصيله المروعة. وإذا لم يسمِّ الفيلم مسؤولاً ويشير إلى سبب، فلأنه بالضبط يعني الجميع، يعني الاعتراض على نظام حياة جعلنا جميعاً نتغاضى عن وضع لا يطاق

النظرية السببية

هنا أيضاً سنجد أنفسنا أمام موضة نقدية أخرى تطالب العمل الفني بأن يشير بأصابع الاتهام إلى جهة بعينها، وإلا يكون قد قال فقط "نصف الحقيقة"، بحسب ما كتب الروائي الياس خوري. فبحسبه "قدّم الفيلم صورة قاتمة لمجتمع هامشي قائم على القمع الذاتي"، وأن نادين لبكي "جعلت الفقراء مسؤولين عن مآسيهم"، و"البؤس الاجتماعي مسؤولية البائسين". لا ندري كيف، كما لا ندري إن كان مطلوباً من الفيلم أن يشكّل بيان إدانة قضائياً، أو اتهاماً سياسياً مباشراً. فلماذا لم يطبق خوري، النظرية هذه (لنسمِّها "النظرية السببية في نقد الأفلام السينمائية") على الفيلم الوثائقي السوري "طعم الاسمنت"، الذي سبق أن كتب عنه مطولة مدائحية؟ علماً أن الفيلم أثار اعتراضات مشابهة حول تغييبه سبب الحرب وهجرة العمال السوريين.

الكاتب روجيه عوطة يتفق مع خوري بخصوص "نصف الحقيقة"، ولو أنه يذهب أبعد حين يتهم "كفرناحوم" بالعنصرية. كيف؟ هذه يلزمها غطاس ماهر، لاكتشاف كيف أن فيلماً سِمته الأبرز دفاعه عن المهمشين من أطفال شوارع ومساجين وبِدون ولاجئين وخادمات بيوت.. يصبح عنصرياً، بل "فيلم العار الذي يأخذ طابعاً إنسانياً عميقاً".

لكن مهما ابتعدنا في تصور التلقي النقدي لفيلم "كفرناحوم"، يصعب أن نتوقع الزواية التي نظر منها ناقد سينمائي متمرس مثل ابراهيم العريس. فهو وجد في فيلمها "ثأراً شخصياً من مدينة بيروت"لأن لبكي، بحسبه، وبعدما رشحت نفسها للمجلس البلدي لمدينة بيروت، ولم تحظ بالفوز، "قررت أن تثأر من أهل بيروت الذين خذلوها في معركتها البلدية. ولربما كان كفرناحوم، سلاحها في ذلك الثأر".

واعتبر العريس أن بيروت التي ظهرت في الفيلم "لا تشبه بيروت إلا في مخيلة مبدع يريد أن يثأر من مدينة خيّبته". وبدلاً من أن يحاول العريس البحث عمّا جعل الفيلم يفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان "كان" الأخير، وجد أن من الأسهل الطعن في أعضاء اللجنة نفسها: "لسنا ندري شيئاً عن الثقافة السينمائية لأعضائها وإن كنا نعرف أن اثنين من هؤلاء كان يهمهما التعبير عن حبهما لوطن الأرز، كما نعرف أن غالبية الأعضاء النساء، كن يجدن لزاماً عليهن أن تعطى جائزة ما لامرأة، في عام التحرّش الشهير هذا".

لكن "كفرناحوم" واحد من الأفلام التي لا يمكن أن تخرج منها مثلما دخلت. فيلم مؤثر وصادم بمشاهد لطالما أشاح الناس بأنظارهم عنها لفظاعتها، بل وفوق ذلك زوّدوا أنفسهم بنظريات ومسوغات تعينهم على تبرير التجاهل وعدم النظر

المدن الإلكترونية في

16.11.2018

 
 
 
 
 

"زفاف علي".. الحب أفضل وسيلة للدفاع

العين الإخبارية - ماهر منصور

أفضل وسيلة للدفاع.. هي الهجوم بالحب، تلك هي الرسالة الأهم في الكوميديا الرومانسية "زفاف علي" للمخرج جيفري ووكر، وقد قدمت صورة جزء من فسيفساء الحياة اليومية للمهاجرين العرب في أستراليا، والتقطت جوانب إنسانية في حياتهم قلما تظهر في الأفلام الغربية، التي يكاد ينحصر حضورهم المحدود فيها بصورة نمطية عادة ما يظهر فيها المهاجرون المسلمون كإرهابيين

ولا يبدو "زفاف علي" مشغولاً بالإعداد لمذكرة دفاع سياسية عن المهاجرين المسلمين، بقدر ما يريد أن يخاطب جمهوره الغربي من دون أن يفرض نفسه على الآخرين ويمارس الوعظ عليهم، بالقول إن لهؤلاء عوالم لا تختلف عن عوالمكم، حياة مشبعة بالعاطفة والتفاصيل اليومية الصغيرة التي تتعلق بالعائلة وأحلام أفرادها وآمالهم فيها، وذلك من خلال قصة حب مؤثرة لا تخلو من المواقف الطريفة التي يتعرض لها بطل الحكاية "علي" (أسامة سامي) نتيجة قيامه بالكذب على عائلته والمجتمع من حوله، مراعاة لمكانة والده رجل الدين العراقي مهدي(دون هاني) وسط مجتمع المهاجرين المسلمين في أستراليا، وحرصاً على ألا يخيب أمله؛ إذ لطالما حلم الأب بأن يدرس ابنه علي الطب، ويخفف عنه فجيعته بفقدان ابنه الأكبر، المعروف بذكائه، الذي قضى نحبه نتيجة انفجار لغم في العراق.

ورغم أن الفيلم يسعى لرسم صورة إيجابية عن المجتمع المسلم في أستراليا وتبديد الصورة النمطية حوله، إلا أنه لا يتجمل ويغمض عينيه عن بعض السلبيات في هذا المجتمع، مثل تعصب البعض للمسلمين واتباع أحكام أصولية تجاه أفرادها من الجيل الثاني للمهاجرين، وصولاً إلى اتباع تمييز يصل حد التفرقة بين أبناء البلد الأصلي الواحد وأبناء البلدان الأخرى، إلا أن الفيلم لا يفعل ذلك بصورة منفردة، وإنما يصر على إيراد الصورة السلبية جنباً إلى جنب مع الصورة الإيجابية، بوصف ذلك جزءا من الصراع الفكري والثقافي من طبيعة المجتمعات الحية، ولاسيما تلك القائمة على التنوع، فيعرفنا الفيلم على وجه منفتح للإسلام من خلال شخصية الأب مهدي فهو يؤلف مسرحيات موسيقية، ويغلب على محاضرته المرح وعلى أحكامه المرونة، وغير ذلك ففي بيته من يعزف الموسيقا ويندمج مع المجتمع الغربي حوله.. إلخ.

وبمقدار ما يرفض "زفاف علي" التجمل في معرض محاولته تعديل الصورة المغلوطة عن مجتمع المهاجرين المسلمين في الغرب، بمقدار ما يرفض أن يضع رأسه كالنعامة في الأرض، متجاهلاً الممارسات العنصرية تجاه أبناء هذه المجتمع والتضييق عليه، ولكنه يفعل ذلك بخطاب سياسي من دون سياسة، إذ يمرر في حواراته انتقاداً للمناخ العام الذي يعيشه أبناء هذا المجتمع في أستراليا، فيما يشبه النكات أحياناً، فيدعو علي "ديان" (هيلانا ساويرز) حبيبته للانتقال إلى أمريكا، والعيش هناك كأستراليين، ولا يفوته أن يدين الصورة النمطية التي تصنعها هوليوود عن المهاجرين المسلمين، فنجده يعبر عن حلمه بالعمل كممثل فيها، فـ"هوليوود تحتاج دائماً إلى أشخاص مثلنا لكي نلعب أدوار الإرهابيين". يقول علي لحبيبته ديان.

يبدأ "زفاف علي" المأخوذ من كتاب "Good Muslim Boy"، تأليف بطل الفيلم أسامة سامي من مشهد للشاب "علي" وهو يحاول اللحاق بحبيبته "ديان" على متن جرار زراعي لمنعها من السفر إلى وطنها لبنان، قبل أن تعود بنا الأحداث إلى بدايتها لنتعرف على الطفل علي وعائلته الهاربة من جحيم الدكتاتورية في العراق وصولاً إلى أستراليا، حيث تعيش العائلة وسط مجتمع مسلم في ضواحي ملبورن الشمالية، وتنظر إلى أفرادها بوصفهم المستقبل الذي سيكون امتداداً لوالدهم رجل الدين العراقي، الفريد بصفاته والمحبوب بين الناس، وأكثر ما كان يعول عليه وسط هذه العائلة، هو علي، بوصفه الذكي الذي سيدرس الطب، وما بين سعيه لتحقيق هذه الأمنية لأهله والمحافظة على صورة والده الجليل وحضوره بين الناس ووقوعه في غرام ابنة المهاجر اللبناني "ديان" من جهة أخرى، سيجد علي نفسه يتورط في الكذب على من حوله، وزواج لا يدوم أكثر من ساعة وأربعين دقيقة، قبل أن يهرب العريس علي من موكبه بين الحقول، تاركاً زوجته "يمنى" للحاق بحبيبته "ديان".

يقدم الفيلم الحكاية السابقة في بناء درامي متماسك، كتب السيناريو له بطل الفيلم أسامة سامي بالتعاون مع الكاتب أندرو نايت، وتميز باعتنائه بالتفاصيل الحياتية على نحو استحق فوزه بجائزة أفضل سيناريو أصلي من الأكاديمية الأسترالية، ولاسيما أنه استطاع ضبط التوازن بين الكوميديا والتراجيديا في حكاية علي وعائلته، وقدم عدداً من المشاهد التي تختزن طاقة وجدانية عالية، أبرزها مشهد موت الأخ الكبير بلغم أرضي، وكيف دفع أخاه علي للابتعاد عنه برمي الكرة له بعيداً، قبل انفجار اللغم به.

نقطة الضعف في الفيلم كانت في المشهد الأول والأخير منه، ففي المشهد الأول نحن أمام معالجة نمطية لطالما تكررت في قصص الحب حين يترك الحبيب حفل زفافه في اللحظات الأخيرة للحاق بحبيبته التي تنوي السفر بعيداً عنه، أما المشهد الأخير فبدا مفتعلاً إذ تعود الحبيبة من لبنان، متخلية عن حجابها رغم أنها عادت للتو من بيئة ملتزمة دينية، من دون أن نشهد مقدمات تمهد لعودتها ولاسيما أنها سافرت إلى لبنان كرد فعل غضب عائلي من سلوكها، ولكن في الكوميديا من الممكن أن نتقبل مثل هذه النهايات المفتعلة، فعذابات البطل "علي" طوال الفيلم تستحق أن تنتهي نهاية سعيدة.

بوابة العين الإماراتية في

16.11.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)