كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"حرب باردة"..

تراجيديا أن تحب في الأزمنة الصعبة

زياد عبدالله

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

ثمة حرب باردة قامت بين قطبين على امتداد ما يقرب النصف قرن، وحروب كثيرة شخصية وعاطفية اندلعت على هامشها، يومياً وفي كل لحظة، لبشر حلموا وأحبوا وماتوا، ولم يكن لحرارة عواطفهم أن تؤثر ببرودة تلك الحرب أو سخونتها، بل العكس هو الصحيح وقد نالت منهم ودفعوا أثمانها على مستويات متعددة.

يقارب فيلم المخرج البولندي بافيل بافيلكوسكي "حرب باردة" Cold War (جائزة أفضل إخراج في كان 2018) هذه الحرب عبر الرواية الموازية لها، ومن باب الحب، وربما من باب الفن والأغاني الذي أفضى إلى هذا الحب العظيم، مقاربا حكاية ما جرى بين فيكتور (توماش كوت) وزولا (يونا كوليغ)، إبان الحرب سالفة الذكر، والتي تبدأ في بولندا في أواخر الأربعينيات مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وفيكتور في حينها يسعى إلى تجميع الفلكلور البولندي وتأسيس فرقة موسيقية غنائية راقصة تقدمه في شتى أرجاء بولندا والعالم.

سيتعرف فيكتور على زولا لكونها واحدة من المتقدمات إلى هذه الفرقة، سيقع في غرامها من النظرة الأولى، ستبقى عيونه مثبتة عليها، يلاحقها بناظريه وهي تغني وترقص، إلى أن يمسي الغرام لا رادّ له، وقد سبق ذلك جرعات كبيرة من الأغاني الرقيقة الريفية وهي تغنى هنا وهناك، والكثير من الرقص، وليكون الحب استكمالاً لثالوث الرقة الذي استند عليه بافيلكوسكي، بالتوزاي مع قسوة يؤسس لها بداية مع المناخ والوحل والأماكن النائية التي يقصدها فيكتور، والتي سرعان ما تتبدى معالمها مع التحول التاريخي الذي تشهده بولندا، ما ينعكس على فيكتور وفرقته بعد نجاحها الكبير في وارسو، بأن يطلب منه بأن تقدّم فرقته أغان تتغنى بالقائد والاصلاح الزراعي ومسيرة التغيير، وعليه يتغير نمط الأغاني، وتظهر صورة ستالين في خلفية المسرح.

لن تكون نقطة الانعطاف الدرامية في الفيلم متأتية من تغيير طبيعة الأغاني والفن الذي أحياه فيكتور، لكن من مصارحة زولا له بأنها تزود مدير الفرقة بمعلومات وتقارير عنه ومطلوب منها مراقبته، وحينها يقرر فيكتور أن يهرب رفقة زولا إلى باريس،  لكن الأخيرة لا تلتحق به هو الذي ينتظرها ساعات طويلة على الحدود الفاصلة بين برلين الشرقية والغربية ولم يكن الجدار قد قام بعد. يمسي فيكتور عازف بيانو مع فرقة جاز تعزف في إحدى حانات باريس، وتواصل زولا نجاحاتها في الفرقة التي هجرها حبيبها، وهنا يمسي لقاءهما حكاية الحكايات، يلاحقان بعضهما البعض من مدينة إلى أخرى، لا المنفى يتسع لحبهما ولا الوطن.

مصائر فيكتور وزولا لا تتأتى من مواقف سياسية أو معارضة أبداً، فهما غير معنيين في ذلك، فكل سعيهما ماثل بأن يكونا عاشقين، يمارسان الحب، يغصبان من بعضهما البعض، يهجران بعضهما ثم يعودان، والمأساوي في ذلك آت من اصراراهما على ممارسة كل ذلك ببراعة العشاق وطيشهما، بالشغف والشبق والهيام، ولكل ذلك أن يكون طبييعاً ومضيئاً ربما لولا أنهما في ظروف سياسية مغايرة لا حرب باردة فيها، فحين يقرر فيكتور العودة إلى وارسو تصل ذروتها، وما قراره إلا اتباعاً لقلبه فقط غير آبه بالمخاطر ولا ما ينتظره هناك.

سرد كل ما سبق عبر الصورة، سيكون ذو أثر دامغ، ولا أعرف ماذا سيكون عليه الفيلم لو كان ملوناً وليس بالأبيض والأسود، ولا أعرف إن كان ذلك سيأخذ من وقع الأغاني، والعمق الزماني الذي يحيلنا إلى ماض – خمسينيات وستينيات القرن الماضي – وفي الوقت ذاته وحين استعيد الفيلم الآن أعجز عن تلوينه، ولعل اللون في هذا المقام سيكون مؤذياً للأسى الشفيف الذي اعتراني وأنا أشاهد الفيلم، وربما هذا هو حال فيلم بافيلكوسكي "آيدا" (أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالانجليزية 2013) الذي كان بالأبيض والاسود أيضاً ويتعقب آثار الحرب العالمية الثانية في سيتينات القرن الماضي

موقع "أكسجين" في

05.11.2018

 
 
 
 
 

أبيض وأسود

سارقو المحلات

بقلم : حسام حافظ

الفيلم الياباني الحائز علي سعفة "كان" الذهبية هذا العام واحد من الأفلام المهمة التي تعالج قضية اجتماعية ليست قاصرة علي المجتمع الياباني وحده بل تكاد تعاني منها كل مجتمعات العالم وهي علاقة الفرد وانتماؤه للأسرة الصغيرة التي تتكون من الأم والأب والأشقاء وحاجة الإنسان السوي لتلك العلاقات الإنسانية. 

مخرج الفيلم كوريدا هيروكازو قدم أكثر من فيلم عن نفس القضية.. ولكنه في فيلمه الجديد "سارقو المحلات" يجعل من الجريمة أساساً لتكوين أسرة أفرادها لا علاقة بينهم.. فالأب "شيباتا" ليس والداً للأبناء الثلاثة وليس زوجاً للأم. ولكنه ساعدها قبل أحداث الفيلم في التخلص من زوجها الذي كان يعاملها بقسوة ولدي الأم ابنة شابة وحيدة. وشيباتا الأب الوهمي عامل بناء عاطل يعيش من سرقة البضائع من علي أرفف المحلات ويستطيع تكوين أسرة أو بمعني آخر "عصابة" من طفلين ولد يدعي "شوتا" وطفلة تدعي "يوري".. الأول هرب من أسرته الحقيقية. والثانية "تاهت" وعثر عليها شيباتا وضمها لأسرته التي كونها وتعمل في السرقة.. ورغم بحث أهلها عنها ومناشدة من يجدها في التليفزيون. إلا أن شيباتا لا يعيدها لأهلها والبنت لا تطلب ذلك بعد أن عثرت علي أسرة بديلة دافئة تهتم بها رغم أن ابنهم من اللصوص!! 

الفيلم يمنح البطولة المطلقة لأسرة خارجة علي القانون في مواجهة المجتمع الياباني المستقر والمتفوق اقتصادياً وتكنولوجياً.. ولكنه من وجهة نظر المخرج وهو نفسه مؤلف الفيلم مجتمع فاشل علي المستوي الاجتماعي والأسرة التي هي أساس المجتمع أصبحت مفككة ولم يعد الأب والأم يقومان بدورهما الطبيعي ليس فقط في رعاية الأبناء بل بتربيتهم وتوجيههم وخلق حياة دافئة حميمية تعتمد علي العلاقة المباشرة والحرص علي تعليم الأبناء القيم الإنسانية.. لكن شيباتا يقول في "مونولوج" مع نفسه قبل نهاية الفيلم: "ليس لدي شيء أعلمه لهم سوي السرقة!!".. لكن الأهم أن لديه مبدأ الحرص علي أن يعلم ابناءه شيئاً وهم كما ذكرت ليسوا أبناءه أساساً.. فهو يقوم بدور الأب الحقيقي فقط! 

قامت بدور الأم أندو ساكورا وهي ممثلة عظيمة تعمل في غسالة عمومية للملابس وتعيش مع أمها التي تصرف شهرياً معاش الضمان الاجتماعي. ومن المشاهد الجميلة ذهاب هذه الأسرة الملفقة إلي شاطئ البحر لقضاء يوم من أجل السباحة والترفيه.. الجدة والأم والأب وثلاثة أبناء بنتان وولد علي المستوي الإنساني استطاعوا تكوين وحدة اجتماعية صالحة كمجموعة من البشر تنتمي لكيان واحد.. وهي في نفس الوقت فاسدة علي مستوي المجتمع لأنهم يعيشون علي الجريمة.. هذه المفارقة الإنسانية قبل الدرامية هي التي صنعت العمق للفيلم الذي انتزع "سعفة كان". 

علي مستوي السرد الفني.. حافظ المخرج علي جذب المشاهد للشاشة حتي اللقطات الأخيرة للفيلم. وكما هو معلوم فإن التشويق من أهم العناصر وكان من المستحيل التنبؤ بنهاية الفيلم الذي انتهي لتبدأ الأسئلة الصعبة التي تحتاج إلي إجابات أصعب. 

الجمهورية المصرية في

07.11.2018

 
 
 
 
 

هل يعيد رامى مالك أمجاد عمر الشريف بالسينما العالمية؟

كتبت: مارينا عادل

هناك العديد من الفنانين المصريين الذين كانوا لهم نصيب فى السينما العالمية منهم من كان له أدوار صغيرة ومنهم من لعب أدوار كبيرة أو أدوار البطولة مما أهلهم بأن يصبحوا فنانين عالميين وأشهرهم عمر الشريف.

لعب عمر الشريف العديد من أدوار البطولة العالمية مثل فيلم "دكتور زيفاجو" والذى قام بدور دكتور "يورى زيفاجو" وشاركته فى البطولة الفنانة "جولى كريستى"، أيضاً نجد فيلم "لورنس العرب" وكان عمر الشريف أحد أبطال الفيلم بدور الشريف، هذا بجانب الفيلم "الفتاه مرحة" وغيرها من الأفلام العالمية والذى نجح فيها بالإضافة إلى وسامته وشياكته العالية.

من يسير على خطاه  بجدارة هو الفنان مصرى الأصل "رامى مالك" حيث اشتهر فى الآونة الأخيرة بمسلسل من بطولته وهو Mr Robot بدور "إليوت الدرسون "وحقق نجاحاً كبيراً وترشح لجائزة الجولدن جلوب بالإضافة إلا إنه فاز بجائزة ايمى أووردز لأفضل ممثل.

كان لمالك العديد من الأفلام مثل "Night At The Museum "، وأدوار هامة فى سلسلة أفلام "Twilight " الشهيرة بدور "Benjamin "، فيلم  Need For"  "Speed بدور "فين"، وغيرها العديد من الأفلام العالمية الذى أثبت فيها براعته الفنية وتقمص الشخصية.

وآخر أعمال رامى مالك فيلم Bohemian Rhapsody  الذى تصدر شباك التذاكر الأمريكى محققا أكثر من 30 مليون دولار فى عطلة نهاية الاسبوع فقط منذ طرحه يوم الجمعة الماض من الشهر الجارى،  فهل سيعيد رامى مالك أمجاد عمر الشريف أم سيتفوق عليه ويصبح نجم عالمى كبير؟

يذكر أن تدور أحداث الفيلم عن المغنى فريدى ميركورى - المعروف بشذوذه - لفريق Queen وموسيقاهم، إذ تحدى فريدى الصور النمطية لتصبح الفرقة واحدة من أكثر الفرق المحبوبة عالميا، ويتتبع الفيلم صعود للفرقة من خلال أغانيهم الأيقونية، حتى يصلوا إلى نجاح لا مثيل له، ولكن فى تحول غير متوقع، يقرر فريدى الابتعاد عن الفرقة لتحقيق مسيرته الفردية.

اليوم الساببع المصرية في

07.11.2018

 
 
 
 
 

عرض فيلم "كفرناحوم" عن أطفال الشوارع لنادين لبكي بدور العرض في أمريكا

كتب: نورهان نصرالله

حصلت شركة "Sony Pictures Classics" على حقوق توزيع الفيلم اللبناني "كفرناحوم" للمخرجة نادين لبكي، وذلك لتوزيعه في دور العرض السينمائى بالولايات المتحدة الأمريكية في 14 ديسمبر المقبل، وهو الفيلم الحائز على جائزة لجنة التحكيم بالدورة الـ71 من مهرجان كان السينمائي، ورشحته لبنان لتمثيلها في النسخة الـ91 من مسابقة أوسكار عن فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وذلك وفقا لتقرير نشرته مجلة "فارايتي".

تدور أحداث الفيلم حول صبى يبلغ 12 عاما يقرر مقاضاة والديه بسبب جلبه إلى حياة مليئة بالمعاناة، ويتطرق من خلال الأحداث إلى حياة المهمشين وأطفال الشوارع في لبنان، ويشارك في الفيلم مجموعة من الممثلين غير المحترفين على رأسهم الطفل بطل الفيلم زين الرافعي، وهو لاجئ سوري ويعيش مع أسرته في فقر.

وعن أزمة أطفال الشوارع، قالت المخرجة اللبنانية نادين لبكى: "نتجاهلهم، نتصرف كما لو كانوا غير موجودين، ولكنهم موجودين بسبب الحروب والصراعات والقرارات الغبية للحكومات الفاشلة، كنت بحاجة إلى فهم ما يحدث عندما يختفي أحد الأولاد الذين رأيتهم في الشوارع، أمضيت شهورا فى البحث عن الوضع، والتحدث إلى العائلات التي كانت تكافح للعثور على الطعام والمأوى، وفي نهاية المقابلات مع الأطفال، كنا نتساءل عما إذا كانوا سعداء بكونهم على قيد الحياة، كانت إجابتهم تحطمني يقولون إنهم يتمنوا الموت، لا يعرفوا لماذا ولدوا إذا كانوا هنا فقط ليتعرضوا للضرب والإساءة والتعذيب، لم يقل لهم أحد كلمة لطيفة".

وتابعت "لبكي لـ"فارايتى": "ربما أكون طموحة أكثر من اللازم أو ساذجة للغاية، لدرجة أننا نعتقد أنه بإمكاننا تغيير كل شيء، لكنني أريد أن يفتح هذا الفيلم جدلاً حول هذه المشكلات ويجعل الناس أكثر وعياً بها، ربما تكون تلك بداية لشيء ما".

الوطن المصرية في

07.11.2018

 
 
 
 
 

"فارايتي": "كفر ناحوم" الأقرب لأوسكار في المنطقة العربية

كتب: نورهان نصرالله

نشرت مجلة "فارايتي" الفنية تقرير عن الأفلام المرشحة من المنطقة العربية للنسخة الـ 91 من مسابقة أوسكار عن فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وعددها 10 أفلام من بينها 3 لمخرجات سيدات، ورجحت المجلة أن الفيلم اللبناني "كفرناحوم" للمخرجة نادين لبكي، والفيلم الإسرائيلي "The Cakemaker"، هما الأقرب إلى القائمة الطويلة للأفلام المتنافسة على الجائزة، بالرغم أن المجموعة تضم بعض الأفلام التي عرضت لأول مرة في المهرجانات الكبرى مثل "برلين وفينيسيا وكان"، بالإضافة إلى المهرجانات المحلية باستثناء اللقب اليمني "10 أيام قبل الزفاف".

فيلم "كفرناحوم" يقدم قصة فتى فقير في بيروت يطلق دعوى قضائية ضد والديه لإحضاره إلى العالم، ومن المقرر طرحه في دور العرض السينمائية الأمريكية 14 ديسمبر، حيث حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم بالدورة الـ71 من مهرجان كان السينمائي، وبالتالي الفيلم لديه احتمالات جيدة ليصل إلى القائمة التي وصل لها مواطنه "قضية رقم 23" للمخرج زياد دويري، بينما يقدم فيلم "The Cakemaker"، قصة "توماس" خباز ألماني شاب لديه علاقة غرامية مع أورين، الرجل الإسرائيلي متزوج يزور برلين في كثير من الأحيان للعمل، عندما يموت أورين في حادث سيارة في إسرائيل، يسافر توماس إلى القدس سعيًا للحصول على إجابات حول وفاته، وبدون الكشف عن القصة الكاملة يدخل توماس في حياة أرملة عشيقته، التي تشركه في حياتها بطريقة لم يكن يتوقعا أبدا.

في حين أن "كفرناحوم" و"The Cakemaker" يمثلان أفضل مراهنات المنطقة للحصول على ترشيح لجوائز الأوسكار، فهناك عدد من العناوين قد تكون لها فرصة خارجية للقائمة القصيرة التى تضم 9 أفلام، وعلى الرغم من أنها أقل تنافسية بالنسبة للأوسكار، إلا أن هناك أعمال تعتبر قوية منها "اصطياد أشباح" للمخرج الفلسطيني رائد أنضوني، و"على كف عفريت" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي يدور حول امرأة شابة اغتصبها ضباط الشرطة، وتعتبر قريبة من حملة "Me Too".

الوطن المصرية في

09.11.2018

 
 
 
 
 

"الملحمة البوهيمية": الاستمتاع على مضض

شادي لويس

"ماما، لقد قتلت رجلاً".. بتلك الجملة المفاجأة، يبدأ فريدي ميركوري مقطع الصولو في "الملحمة البوهيمية"، الأغنية الأشهر لفرقة الروك البريطانية "كوين". لكن النص الذي بدأ ميركوري كتابته باسم "أغنية راعي البقر"، قبل أن يغيّره لاحقاً، تجاوز مجرد الإحالة إلى الغرب الأميركي، ونصوص أغانيه. ففي المقطع الأوبرالي الأول من الأغنية، نواجه سلسلة معقدة من الإحالات. فمن "سكاراموشي"، شخصية المهرج في المسرح الإيطالي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ورقصة "الفاندنغو" الإسبانية والتي يمكن قراءتها أيضاً كعقوبة الشنق، يقفز المقطع إلى تكرار اسم الفلكي الإيطالي غاليليو، وشعار لاتيني بقليل من التحريف بمعني "مجد الجليلي (المسيح)". وفي المقطع نفسه، يغني ميركوري "دعوني أذهب"، فتردّ عليه المجموعة "بسم الله (بالعربية)، لن ندعك تذهب"، قبل أن يعود المقطع في نهايته إلى إحالة للعهد القديم، مسمياً الشيطان باسمه الكنعاني "بعل زبوب".

وكما أن الأغنية التي تم اختيارها، مرة بعد أخرى، كأشهر أغنية في القرن العشرين، أو أفضل أغنية روك على الإطلاق، ألقت بخليط نصف عشوائي من الإحالات، التي كان من الصعب على مستمعيها للمرة الأولى أن يتبينوها، فإنها قفزت من صنف موسيقي إلى آخر بعيد منه، بنقلات مدهشة وتوليفات غير مسبوقة. فمن الروك الخفيف، إلى الأوبرا، إلى موسيقى المسرح الغنائي الكوميدي، فعودة إلى الروك، في ست دقائق فقط. وكان ذلك كفيلاً بجعل "الملحمة البوهيمية"، التي أذيعت للمرة الأولى العام 1975، واحدة من أكثر الأغنيات إدهاشاً وجماهيرية على الإطلاق. وربما ظلّت، إلى اليوم، الأغنية الأكثر مدعاة للحيرة في تفسيرها. فعشرات النظريات ملأت مئات الكتب والأوراق الأكاديمية والأفلام التسجيلية والبرامج التلفزيونية، لم يتم تأكيدها، بسبب إصرار أعضاء الفريق على التزام الصمت بخصوص معناها الحقيقي. فبالإضافة إلى اعتبار الأغنية إعلاناً ذاتياً عن مثلية ميركوري، أو عن انفصاله عن حبيبته "ماري أوستن"، أو رد فعل على خشونة علاقته بأسرته وأصوله العائلية المحافظة، فهناك عدد لا بأس به من التفسيرات الأكثر تعقيداً، والتي تحيل إلى "فاوست" غوته و"الغريب" لكامو. بل وهناك تفسير إسلامي، تضمنه كتاب "مسيرة الملكة السوداء"، عن الفرقة، للكاتبين الإيرانيين سارة صفاتي وفرهاد أركاني. أما ميركوري نفسه، فاكتفى حتى وفاته المبكرة العام 1991، بالقول إن كلمات الأغنية في معظمها مجرد "هراء"، والمقصود بها السخرية من الموسيقى الأوبرالية

عادت الأغنية وصاحبها إلى لندن، مرة أخرى، نهاية الشهر الماضي، مع انطلاق العرض الأول لفيلم "الملحمة البوهيمية" عن سيرة حياة ميركوري. تم العرض الأول في شاشات ضخمة أمام الجمهور في إستاد "ويمبلي"، الذي كان قد شهد حفلة "لايف إيد" الموسيقية وشاركت فيها فرقة "كوين" العام 1985 في حضور 72 ألف شخص، كما شاهده على الهواء مباشرة حوالى المليار ونصف المليار شخص حول العالم

وينطلق الفيلم الذي يؤدي بطولته الممثل الأميركي المصري، رامي مالك، من مشهد الحفلة الموسيقية تلك وفي الإستاد نفسه، وينتهي هناك أيضاً. ورغم أن الفيلم الأميركي البريطاني المشترك، يتصدر جدول شباك التذاكر في صالات السينما البريطانية، فإنه لم يُستقبل بحماسة كافية من النقاد. نال الفيلم نجمتين من خمس في معظم عروض النقاد في الصحف الإنجليزية، وهو غالباً لا يستحق أكثر من هذا، من حيث المعالجة التاريخية على الأقل. فمُخرجه، براين سنغر، كان قد قرر عدم الالتزام بالوقائع، مكثفاً كافة العقد في لحظة درامية تسبق حفلة "لايف إيد"، على خلاف الحقيقة. فميركوري يعود إلى فرقة "كوين" التي تركها، ويجد حبيبه الذي ستمتد علاقته به حتى وفاته، ويتصالح مع عائلته المحافظة أخيراً، ويعلن للفرقة للمرة الأولى عن إصابته بالإيدز، كل هذا في مشهد واحد. لكن المعضلة لم تكن في أن كل تلك الأحداث جرت في الواقع في فترات زمنية متباعدة، بل كانت في المبالغة المفرطة في الميلودرامية، وتكثيفها قي نقطة تحول واحدة مفروضة قسراً، وإثقال رمزية الحفلة - التي ذهبت إيراداتها لصالح مكافحة المجاعة في إفريقيا- بأكثر مما تحتمل.

ورغم أن رامي مالك، بذل جهداً استثنائياً في لعب دور ميركوري، فإن طغيان التنميطات المثلية على الشخصية، أفقدها الكثير من عمقها، ومصداقيتها أيضاً. اعتمدت سردية الفيلم بشكل كامل، ومبتذل في تبسيطه، على القصة النمطية والمكررة عن النجم الذي تحرقه شهرته، الموهوب الممزق الذي يتحايل على آلام وحدته واغترابه بحياة العربدة التي تنتهي به إلى السقوط. وداخل التفاصيل المأسوية المتوقعة في تلك السردية، لا يصعب تبين أدلجة العبقرية الفردية، بوصفها محور كل الأحداث. فميركوري في الفيلم يبدو واثقاً تماماً من نفسه، منذ اللحظة الأولى، وواثقاً من المستقبل الذي ينتظره بلا أي مساحة للتردد. يرفض الخضوع لأي من القيود أو القواعد، ويتعدى عليها، ويفرض رأيه دائماً على شركة الإنتاج وعائلته، وحتى أعضاء فرقته الذي لا يحملون سوى بُعد واحد في الفيلم. في النهاية، فإن الفرد، وبفعل الإرادة والموهبة قادر على كل شيء.

ويبدو أن صنّاع الفيلم لجأوا إلى تلك التوليفة الجاهزة، من فرط حضورها وتكرارها، وسهولة استساغتها من قبل الجمهور المعتاد عليها. لكن المحبِط في الفيلم، لم يكن فقط الاعتماد على التنميط غير المتطابق مع الأحداث التاريخية في معظمه، بل تفويته لمعالجة التفاصيل الأكثر استثنائية في حياة بطلنا. فكيف وجد "فاروخ بولسارا"، الشاب المتحدر من أسرة مهاجرة هندية من الطائفة الفارسية (الزرادشتية)، مكاناً له في عالم "الروك" الأبيض بالكامل في لندن؟ وما الذي كان على النجم، المولود في "زنجبار"، إن يتخلى عنه، بالإضافة إلى اسمه الذي غيره رسمياً في مرحلة مبكرة من حياته؟ يمر الفيلم سريعاً على هذا كله، كما لا يقول شيئاً عن الحد الذي كان معه الواقع شائكاً لنجم مثليّ الجنس، ملوّن البشرة، في مطلع السبعينات، وفي بلد كان قانونها يجرّم المثلية حتى وقت قريب قبل تلك الفترة

والأكثر مدعاة لخيبة الأمل هو مرور الفيلم السريع، على مأساة اكتشاف ميركوري لإصابته بالإيدز، ذلك المرض المشين والقاتل حينها، وموته المبكر عن عمر 45 عاماً، واختزال هذا كله في بُعد واحد فقط، متوقَّع وضحل: فهو سيستثمر القليل الذي بقي من عمره في لعب الموسيقى.

لكن قصة ميركوري، شديدة الملحمية، تظل أقوى من تنميطات الفيلم. وكذا فإن نجاح مخرجه في ربط أغاني "كوين" مع الأحداث، وتوظيف نصوصها درامياً في مشاهده، جعل من الصعب على الجمهور عدم الاستمتاع به، وإن على مضض. لأجل خاطر القصة الواقعية، لا الفيلم نفسه.  

المدن الإلكترونية في

09.11.2018

 
 
 
 
 

فيلم يقدم درسا خصوصيا فى قبول الاختلاف وحب الحياة..

يوم الدين.. آخر أمل للمظلومين فى الأرض!

جيهان الغرباوي;

حتى فى كومة كبيرة للنفايات قد تجد شيئا مبهجا يبعث على السرور.. هذا إن بحثت وكانت لديك عيون مفتوحة وقلب غير مغلق ولا مسكون بالخوف أو الكراهية.

فى أول مشاهد الفيلم يعثر فراز القمامة المقيم فى مستعمرة مصابى الجزام؛ على جهاز كاسيت صغير قديم به شريط أغاني؛ تخلص منه صاحبه بعد أن عفى عليه الزمن من سنوات طويلة؛ على الشرائط من هذا النوع وكادت تنقرض.

يجد الرجل المجزوم أيضا سماعات للأذن يضعها فوق رأسه ويضحك و يتخيل أنه طيار يستعد للانطلاق بطيارته.

يجد مجلة أجنبية ملونة لها غلاف جذاب ظريف.. يسأل صديقه الطفل الذى يعرف القراءة والكتابة عن المكتوب فيها؛ صديقه طالب ابتدائى ذكى؛ يتسلل من دار الايتام والمدرسة و يحب أن يلازمه معظم ساعات اليوم.

يجيب الطفل أن المجلة مكتوبة بالإنجليزية وهو لا يعرف منها غير كلمات قليلة عامة يسأله الرجل عن اسم المرأة الشقراء فوق الغلاف الأحمر يقول الطفل إنه لا يعرفها..

يرد عليه الرجل المجزوم بعفوية (لو كنت مركز فى المدرسة كويس كنت عرفتها)!

منذ رأيت هذا الفيلم؛ سكنت مشاهده الانسانية الرائعة ذاكرتى وإحساسى.

بشوى بطل الفيلم المسيحي؛ الذى يفرز الزبالة ويجمع ما يلزم منها لباعة الروبابيكيا؛ و الذى حين سأله المتطرفون أصحاب الذقون عن اسمه قال (محمد)

و الطفل اليتيم محمد عبد الرزاق نوبى أسمر؛ و حين دخل يأكل بجوار أطفال من سنه فى بيت مسيحى بالصعيد وسألوه عن اسمه قال لهم: (اوباما) على اسم الرئيس الذى يظهر فى التليفزيون. كلاهما كانا يخافان الكراهية والحرمان؛ بسبب الاختلاف عن الآخر؛ فى مجتمع يضطهد المختلفين فى الشكل. أو الدين أو الأفكار أو حتى المستوى الاقتصادى والوضع الصحي!

حين حضرت عرض الفيلم فى حفلة السابعة مساء فى سينما الزمالك؛ لفت نظرى بشدة أن تسعين بالمائة من المشاهدين فى مقاعد الصالة حولى أجانب من جنسيات مختلفة شعرت كما لو كنت دخلت سفارة أو حفلا دبلوماسيا و ليس لمشاهدة فيلم فى السنيما وكأنه فيلم مقرر على الجاليات الأجنبية المقيمة فى مصر بعد وقت قصير من بداية الفيلم انشغلت به عن كل من حولى.

الفيلم بالفعل يبشر بالفوز فى مسابقة الأوسكار القادمة كما قرأت بالصحف وكما أتمنى و كما أظنه يستحق عن جدارة. كل مشهد و جملة حوار وموقف فى هذا الفيلم مثل القطن المصرى الخالص طويل التيلة.

شئ لا يحدث أبدا إلا فى مصر؛ ولا يخرج إلا من هذه الأرض؛ و من هؤلاء الناس الذين تعرفهم جيدا وبعضهم تراه كل يوم.. صحيح ان بعضهم قد لا تلتفت إليهم ولا تفكر بهم إن صادفوك؛ لكنهم ايضا موجودون و مصريون معك على نفس المساحة من الخريطة.

المخرج (أبو بكر شوقي) وهو نفسه صاحب الفكرة والقصة؛ اختار أبطال فيلمه من أؤلئك الذين لا نطيل النظر إليهم أو لا نحب التركيز معهم.. يسميهم الكتاب وتسميهم الصحف والكتب (المهمشون) أولئك البسطاء جدا أو الفقراء جدا أو المرضى و اللقطاء و المختلفين (صحيا واجتماعيا).

لكن الفيلم بكل حب وشجاعة واقتناع يعطيهم البطولة المطلقة

وتكتشف بفضل السنيما الجميلة أنك تستطيع أن تحبهم كما هم.. بل وتحبهم جدا وتتوحد معهم فى بعض المواقف وربما فى كثير! إنهم بشر ضعفاء مثلك حينما تكون ضعيفا..

عالقون فى قسوة الحياة اليومية؛ لكن قلوبهم طيبة؛ تتألم لكنها على قيد الحياة ولم تمت.

عجلات العربة التى ينتقلون بها تغرس فى وحل الطريق والرحلة طويلة وشاقة واحيانا تسوء الأمور أكثر لكنهم مخلوقات لديها غريزة البقاء قوية؛ تكافح كى تحيا وتجد فيما تقدمه الأيام ما يسعدها و يكفيها؛ مهما كان قليلا. أبطال الفيلم شخصيات ليس لديها ما تخسره وليس لديها مكاسب ولا مقتنيات ولا إنجاز كبير تخاف عليه لذا فهى حرة الحركة حرة التفكير كريمة العطاء.. لا مجال عندها للانتهازية أو المادية التى تأكل الروح!

أحداث تدور حول رجل وطفل كلاهما قرر ان يرحلا من المكان الذى يقيم فيه ولا يعرف غيره (مستعمرة الجذام و بيت الأيتام), بشوى الذى ماتت زوجته وصار وحيدا دون أهل أو أولاد و أحس أنه إن مات لن يجد من يصلى من أجله أو يزور مدفنه؛ فيقرر أن يركب عربته الكارو؛ ويأخذ معه على ظهرها ممتلكاته الفقيرة جدا؛ وما يلزمه من طعام وماء و مبلغ 150 جنيها هى كل ما يحتكم عليه من ظهر الدنيا؛ ويقرر ان يسافر نحو قريته فى قنا؛مازال يذكر اسمها و يذكر أن له أبا أحضره وهو طفل للعلاج فى مستعمرة الجذام ثم تركه وربما نساه أو كره أن يراه مرة أخرى. ويهرب الطفل أوباما من بيت الأيتام الذى لا يحبه؛ ويتسرب الى ظهر العربة الكارو ليخرج مع صديقه بشوى فى نفس الرحلة، ربما يصل الى سوهاج (مقر دار الأيتام الأولى فى حياته) وربما يعرف منها أى معلومات عن اسم أمه وأبيه وأصله وسبب اختفاء عائلته يظن كلاهما أنه سينجو إن عرف ماضيه ووصل لأصله وعاش مع جذوره فى مجتمع أفضل مما هو فيه الآن.

وتبدأ رحلة السفر الشاقة المثيرة المفعمة بالمفاجآت والحركة والتى ينجو بها الفيلم من روح العرض الوثائقى إلى حبكة الفيلم الروائى الشيق بل والكوميدى فى بعض مفارقاته!

الحس الإنسانى العميق الممتد إلى نهاية الفيلم لا يجعلك تستشعر قلقا أو انزعاجا من القهر و الفقر وقسوة الحياة التى قتلت حمار العربة الكارو؛ من شدة الجوع والإجهاد

الحمار (حربى) الحمول المسالم؛ وقع قتيل السفر الطويل؛ بينما صمد بشوى وأوباما.

لكنهما حتى بعد أن وصلا وعرفا الحقيقة التى كانا يبحثان عنها ويفران إليها من بداية الرحلة؛ اكتشفا انهما لا يريدان البقاء فى ذلك العالم الجديد؛ بعيدا عمن هم مثلهم فى هامش العالم.. وبعيدا عن مستعمرة الجذام حيث عاش بشوى معظم عمره و المدرسة ودار الأيتام القريبة لها حيث يعيش أوباما! لكن الطفل أوباما يسأل بشوي: إذا كنا سنعود.. فلما كانت كل هذه الرحلة الطويلة والسفر الصعب؟ ويجيب بشوى ببساطة وعفوية كعادته (شفنا الدنيا)!

روايات عالمية شهيرة طالما قالت إن الرحلة أهم من نقطة الوصول الأخيرة

لكن ابطال فيلم (يوم الدين) لا فلاسفة ولا رحالة ولا مكتشفين.. هم فقط اختاروا أن يعيشوا مع أناس تشبههم؛ ولا تخاف منهم أو تتجنب عشرتهم لأنهم مختلفون.

الفيلم استعرض بلطف وذكاء؛ عددا كبيرا من الشخصيات الهامشية؛ التى دهستها عجلات الحياة و ظلمها الفقر و الروتين المصرى العقيم؛ ثم قالها ببساطة على لسان أحدهم (لا يوجد أمل لنا إلا فى يوم الدين.. هناك فقط الكل يتساوون)!

وينتهى الفيلم نهاية تبدو مقبولة جدا لأبطاله وللمشاهدين.. فنترك دار العرض ونخرج إلى الشارع فى حالة رضا واستمتاع وتفكير..

لكنى قبل أن أعبر رصيف سنيما الزمالك؛ وجدت أمامى مباشرة فى نهر الطريق المزدحم بالسيارات؛ شحات شاب على كرسى متحرك يلاحق سيارة سوداء فارهة ويطلب منها (حسنة لله) فتتجاهله السيارة و تعبر مسرعة بمجرد أن تنفتح اشارة المرور.

يدير الشحات كرسيه المتحرك و يقول بصوت عال غاضب وكأنه يقود تمردا:

أنا عارف.. من زمان.. ماليش حظ فى الدنيا.. حظى عند ربنا فى السما.. سامعين.. فوق بس عند ربنا.

للحظة شعرت أنه مشهد اضافى لنفس الفيلم.. هل كان ذلك محض (صدفة)؟.

الأهرام اليومي في

09.11.2018

 
 
 
 
 

نتفلكس كمنتج ما بعد حداثي: نحو عزلة جديدة

أحمد عبد اللطيف

هل أنتجت ما بعد الحداثة، كمصطلح، الفردانية؟ أم أن خيبة أمل الفرد في الجماعة دفعت الإنسان إلى ما اتفقوا على تسميته بـ ما بعد الحداثة؟

ربما تكون الإجابة الأسهل والأسرع أن الشيء يوجد ثم نعطي له اسمًا، وهي إجابة لا تخلو من منطق ووجاهة، غير أن تسمية الشيء، كما يقول الروائي الإسباني أندريس باربا، تمنح له مصيره. لقد بدأ الإنسان المعاصر يفقد ثقته بالحداثة، لأنها لم تستطع مقاومة حربين عالميتين مات فيهما، بأيد بشرية، ملايين البشر، وتهدمت مئات المدن، وتشردت ملايين أخرى. ربما إنسان ما بين الحربين شعر بالفقد والضياع والهزيمة، ربما بدأ يتجه إلى مشروعه الفردي والكفر بالمشروع الجماعي، لكن هذا الفرد غدا أفرادًا كثيرين حين تأمل نفس الإنسان خرائب الحرب الثانية. لم يكن محض صدفة أن يظهر مصطلح ما بعد الحداثة بعد هذا التوقيت، أن يستخدمه الناقد المصري الأميركي إيهاب حسن، وأن يكرس له ليوتار، وأن تقوم الفلسفة التفكيكية لدى جاك دريدا على أفكاره، وأن يعيد ميشيل فوكو سؤال التاريخ والشك من خلاله، وأن يكتسح تيار الواقعية السحرية اللاتيني أوروبا كأحد مظاهر ما بعد الحداثة الأدبية. إنه مخاض عالم جديد، يعادي السرديات الكبرى ليعود إلى التفاصيل الصغيرة، ليعيد بناء العالم الكبير من خلال أزمة الفرد كفرد وليس أزمة الفرد كأحد أفراد جماعة. وفي الوقت الذي تشكّلت فيه هذه المفاهيم، جاء المصطلح ليمنحها البعد الفلسفي، ليتمكن الإنسان من تعريف نفسه بأنه "ما بعد حداثي"، وهي لا تعادل الإنسان المتطور، بالطبع، إنما تعادل، حتى نستطيع تصور المصطلح، الإنسان المهزوم في عالم شره، الإنسان الذي تعرّف على هشاشته كإنسان وليس كإله، الإنسان المتشظي وليس بوسعه أن يجمع ذاته. وإذا كان هذا الوصف يناسب الشخصية الروائية أو البطل السينمائي، فإن ما بعد حداثي على المستوى الفكري هو المفكر الذي لا يركن للثابت إنما يفككه، والمؤرخ الذي لا يركن للتاريخ إنما للتأريخ، حيث الوثائق والأحداث التاريخية ليست دليلًا على الحدث، إنما قد تكون دليلًا على حدوث عكسه. من هنا كان سؤال قراءة التاريخ في عمق ما بعد الحداثة، وتطور البحث العلمي في هذا الاتجاه عززه ميشيل فوكو.

هذا التطور على المستوى الفكري وازاه تطور على المستوى التكنولوجي، خطف التلفزيون أولًا الفرد، ثم كان للسينما تأثيرها، مع هذا اتسعت رقعة القراءة، وكان التوسع في استخدام الإنترنت إحدى أهم الوسائل التي دفعت الفرد للانكماش في ربع القرن الأخير على الأقل. تلازمت مفاهيم الفردانية مع ما بعد الحداثة، حتى إنه أمكن تكوين صورة ذهنية عن الفرد "المعاصر" "الما بعد حداثي"، باعتباره كائنًا منفردًا، وحيدًا، إنه منتج طبيعي للرأسمالية، ليس فحسب في تأثيرها الاقتصادي، بل في صداها الاجتماعي، حيث المجتمع لا يتكوّن من مجموعة أفراد، إنما فرد وفرد وفرد يكوّنون مجتمعًا، إنهم مجموعة جزر منعزلة لا يربط بينهم إلا النطاق الجغرافي.

هذا المفهوم للانعزال، للتكوير حول الذات، لمحاولة النجاة الفردية، لم تكن خاصة بالعالم الغربي وحده، بل إن صداها كان أقوى في العالم العربي، خاصةً مع الفشل المتكرر في تحقيق نجاح سياسي يمنح للفرد الحرية الكاملة الكفيلة لتحقيق رضاه عن ذاته وشعوره بأنه فرد يساهم في بناء الجماعة. ربما هذا ما يفسر تكوين الجماعات الإسلامية من وجهة نظر أنثروبولوجية، إذ لا يشترط أن يكون الدافع للانضمام دينيًا، إنما اجتماعيًا، الشعور بالأساس بالانتماء لمجموعة من الناس تحت لافتة تعرّف هويتهم. إنهم أفراد شعروا بالوحدة والغربة في عالم ليس بوسعهم أن يفهموه ولا أن يجدوا له مدخلًا، فمنحتهم الجماعة هذا الانتماء. لا يختلف هذا الانتماء عن الانضمام لحزب سياسي، ولا لـ "ألتراس" فريق كرة قدم، بل ولا حتى تكوين اتحاد ملّاك بعمارة سكنية. لكن سريعًا ما تؤدي الجماعة إلى إحباط الفرد عاجلًا أم آجلًا، لكن هذا موضوع آخر.

وفي العالم العربي كان المناسب، منذ فترة ما بعد الاستقلال، هو طرح سؤال الهوية، أو ضياع الهوية. وهو سؤال يتردد كثيرًا عقب ثورات الربيع العربي، ويتجلى في الأعمال الأدبية بقوة. ولعل لحظة الثورات هي لحظة السؤال الجماعي الوحيدة منذ هزيمة 67، وخاصةً أن فترة التسعينيات كانت فترة الإحباط الكبرى من المشروع الجماعي، ويرجع ذلك، كسبب رئيسي، إلى حرب الخليج التي كانت التجسيد لوهن القومية العربية. وهو ما قابله في الأدب العربي سقوط السرديات الكبرى وبزوغ سؤال الفرد وظهور أدب الجسد، والحساسية الجديدة بمصطلح إدوارد الخراط. ووازاه في السينما ظهور موجة الأفلام الكوميدية التي امتدت حتى اللحظة.

مع ذلك، نحن الآن أمام لحظة أخرى أكثر تعقيدًا فيما يخص الفردانية بمعناها الانعزالي. يمكن رصدها منذ 2007 تقريبًا، مع انطلاق فيسبوك كوسيلة تواصل اجتماعية باتت مع الوقت الوسيلة الوحيدة، بديلة الواقع، أو كما يسميها أحد النقاد الإسبان "الواقع الممتد". وعلى عكس اسمها، كانت وسائل التواصل الاجتماعي دلالة على الانعزال. إنها المسافات الكبيرة التي يضعها الفرد بينه وبين الآخرين، ليكون التعبير عن الذات والحكي من وراء شاشة تعجز عن خلق تواصل حقيقي، مع إيهام أنها تحقق "التواصل". هذا التيار الجارف نحو الانعزال عززه، مؤخرًا، ظهور "نتفليكس". بات من الممكن أن تحقق كل شيء وأنت بالبيت، بات من الممكن أن تستغني عن العالم الخارجي وأن تعيش في قبوك، أن تعيش كفرد لا علاقة له بالمجتمع. لقد استطاع "نتفليكس" في فترة قليلة أن يسحب ملايين المشاهدين، وأن تتراجع التجمعات الشبابية أو العائلية لمشاهدة السينما، وأن يتجمّعوا كأسرة بالبيت. قدّمت نتفليكس مجموعة من الأفلام المهمة منخفضة التكلفة، وسلسلة مسلسلات جذابة، وأرفقت بكل ذلك ترجمة للعديد من اللغات. التكنولوجيا الحديثة، نتيجة طبيعية للرأسمالية، تسعى إلى ملء كل فراغات الإنسان المعاصر، وتدعوه إلى "الحياة الجالسة"، إلى الراحة الممتلئة بكل ما يحتاج إليه. يشكّل نتفليكس، كبديل للتلفزيون وللسينما، ذائقة جديدة، وإنسانًا جديدًا يناسب العصر، وباشتراك شهري رخيص مقارنة بأسعار السينما، وبتخليه عن الإعلانات التي تملأ التلفزيون، خاصة التلفزيونات العربية، تخلق المنصة السينمائية والدرامية أسطورتها، أسطورة ستبقى لزمن طويل، لأنها أدركت ما يريده الإنسان الحديث في العالم.

وسائل التواصل الاجتماعية، خاصة فيسبوك، ونتفليكس كمنصة سينمائية، ليست فقط منتجات ما بعد الحداثة، بل منتجات قادرة على تعزيز وتقوية ما بعد الحداثة، ولا تمكن قراءتها إلا في سياق التطور الاجتماعي لهذا التيار، وفي ظل الفشل المتراكم للمشروعات الجماعية. وإذا كان انطلاق ما بعد الحداثة شديد الصلة باستقلال الفرد، وعمومية الأذواق، ونجاح جميع النماذج، وغياب المعايير الفنية والأدبية، ما يعني قبول الجميع وكل شيء، فإن التطور الطبيعي لذلك أن يأخذ كل فرد معاصر ما يناسبه وينأى به بعيدًا، دون أي محاولة لتبادل القناعات أو النقاشات حول المنتج، مع انتصار لفكرة المتعة الشخصية كمعيار للفن.

نجاح نتفليكس في استقطاب الملايين هو في الحقيقة نجاح للفردانية والانعزال، نجاح للقدرة على التعبير عن الإنسان المعاصر. ووسيلة ذكية للهروب، الهروب من المشروع الجماعي والتخلي عن أحلام الجماعات.

ضفة ثالثة اللندنية في

10.11.2018

 
 
 
 
 

يختزل 15 عاماً في 134 دقيقة

«بوهيميان رابسودي» يركّز على ميركوري ويتجاهل كويين

عرض: عبدالله القمزي

برزت موسيقى فرقة كويين الإنجليزية من نوعية الروك في عقدي السبعينات والثمانينات، وبالنسبة لعشاق الفرقة؛ فإن الجانب الآسر هو موسيقاها. فيلم Bohemian Rhapsody، وهو اسم أغنية للفرقة طرحت عام 1975، عن قصة هذه الفرقة الغنائية، وهي ككل قصص الفرق الغنائية التي شاهدناها سينمائياً في الماضي، إذ تجمع بين التفاهة والابتذال والمأساوية والكليشيه.

يميل الفيلم بشدة إلى العامل الأخير أكثر من البقية، ويغير الحقائق التاريخية ويخلق عنصراً شريراً، ويدخل أجزاء مثيرة للعواطف في القصة دون أن تكون بالضرورة موجودة في الواقع، ويعطي قصة كويين مساراً دراماتيكياً، كل ذلك من أجل أن تكون مناسبة للعرض السينمائي! ما ينقذ «بوهيميان رابسودي» من التحول إلى كارثة هي المشاهد الموسيقية، خصوصاً الأخير منها، وهو الذي يبدأ الفيلم به وينتهي إليه.

فاروق بولسارا

يبدأ الفيلم في ملعب ويمبلي بإنجلترا، حيث تُجرى الاستعدادات على قدم وساق لإقامة حفل لايف أيد الشهير عام 1985، ثم يعود الفيلم إلى عام 1970، ونرى شاباً فقيراً من أصول هندية يدعى فاروق بولسارا (الأميركي من أصل مصري رامي مالك)، يعمل في وظيفة حمّال حقائب في مطار هيثرو اللندني.

يذهب فاروق إلى نادٍ ليلي لمشاهدة فرقة تسمى سمايل، انفصل المغني الرئيس عنها، يتعرف فاروق إلى أعضاء من الفرقة، عازف الغيتار برايان (غويليم لي) وروجر (بين هاردي)، ويعرض عليهما أن يكون المغني الرئيس. ينضم إلى الفرقة عازف يدعى جون ديكن (جوزيف مازيلو)، وتغيّر الفرقة اسمها إلى كويين، وتبدأ المشاركة في حفلات صغيرة في بريطانيا، قبل أن تبيع سيارتها للحصول على المال اللازم لإنتاج أول ألبوم غنائي.

تتبنى كويين أسلوباً غنائياً فريداً من نوعه يجذب انتباه شركة الموسيقى الشهيرة EMI، وفي الوقت نفسه يقرر فاروق تغيير اسمه بشكل رسمي إلى فريدي ميركوري، ويقع في حب عاملة متجر ملابس إنجليزية حسناء تدعى ميري أوستن (لوسي بوينتن).

أثناء جولة الفرقة في أميركا تبدأ التحولات الغريبة تطرأ على ميركوري ويتحول إلى منحرف جنسياً، وتتركه أوستن لتتزوج رجلاً آخر، بينما قلب ميركوري مازال متعلقاً بها، لكنه غير قادر على العودة إلى الفطرة الإنسانية السليمة، بالإضافة إلى إدمانه المخدرات، وتالياً يصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة (الآيدز)، ما أدى إلى وفاته جراء المرض في نوفمبر 1991 عن عمر ناهز 45 عاماً.

ليست خطوة حكيمة

يركز مخرج الفيلم برايان سينغر على شخصية ميركوري ويتجاهل أعضاء كويين رغم اعتراف ميركوري في الفيلم بأنه لا يستطيع الابتعاد عنهم بعد قطيعة السنوات الثلاث وعودته إليهم، لأنه يهتم بآرائهم وقبوله بشروطهم. وحتى لو كان ميركوري يستطيع العمل دون كويين فإنه فضل العودة؛ وهذا يعني تقديره لدور بقية أعضاء الفرقة، أما اختيار التركيز عليه وحده والتعامل معهم كشخصيات ثانوية فليس خطوة حكيمة.

مالك ممثل موهوب جداً، وقدم أداء مبهراً في تجسيد ميركوري، خصوصاً حفل لايف أيد الضخم الذي ذهب ريعه لمكافحة المجاعة في القارة السمراء (المشهد الأخير)، لكن ذلك لم يكن كافياً. لا نقول إنه فيلم سيئ جداً، بل هناك العديد من اللحظات التي تجعله قابلاً للمشاهدة، خصوصاً لعشاق الفرقة، أما غير العشاق ومن لا يعرفون الفرقة فيكفيهم أداء مالك. هناك تباين ملحوظ في المستوى بين مشاهد الدراما ونظيرتها الغنائية، فالأولى ضعيفة والثانية قوية، نستغرب جداً عدم اهتمام صانعي الفيلم بمعالجتها، وردم الهوة بينهما، واعتمادهم بشكل كامل على اللقطات الغنائية فقط. يحاول الفيلم اختزال 15 عاماً في 134 دقيقة، وهذا المأزق الذي تقع فيه معظم أفلام السيرة الذاتية.

«بوهيميان رابسودي» يعلم ذلك، فيلجأ الكاتب النيوزيلاندي آنثوني مكارتن (كتب نص نظرية كل شيء 2014 وأحلك ساعة 2017، وكلاهما حصل على ترشيح أفضل نص مقتبس وأفضل فيلم)، إلى إعادة ترتيب كل أحداث الفيلم ليكون عن حفل لايف أيد وينتهي به، ونتيجة لذلك وقع في أخطاء كثيرة وتسلسل زمني غير منطقي، ناهيك بسطحية فكرة أن ذلك الحفل هو أهم شيء في مسيرة تلك الفرقة.

استراتيجية مكارتن أو ربما استوديو الإنتاج هي التركيز على أهم أغاني الفرقة وكذلك اللحظات المفصلية في حياة ميركوري، وهنا الهدف واضح، وهو أولاً أن الفيلم موجه لعشاق كويين فقط، وثانياً، فرض شكل قالب سينمائي: بداية - صعود - ذروة - أفول على قصة الفرقة، وهي ليست بالضرورة بحاجة إليه. ونتيجة لذلك وقع الخلل في الخط الزمني للقصة، لأن جعل لايف أيد ذروة الفيلم يعني نقل كل ما حدث بعدها زمنياً ليكون قبلها!

فإذا كانت لايف أيد عام 1985 حسب الواقع والفيلم، فإن ميركوري اعترف بإصابته بالآيدز عام 1987، لكن الفيلم وضع الاعتراف قبل الحفل! وحسب الفيلم فإن مدير أعمال ميركوري فضحه في مقابلة صحافية قبل الحفل، لكنها في الواقع حدثت بعده، وهكذا دواليك.

ربما كان «بوهيميان رابسودي» سيصبح فيلماً أفضل لو ركز صانعوه على جزئية واحدة أو اثنتين فقط، مثلاً، كيفية إنتاج أغاني الفرقة مثل تركيزهم على نقاشات المجموعة أثناء وضعهم لسيناريو الأغنية العنوان، وكان مشهداً جميلاً للغاية، فهذه الجزئيات عادة تنتج عنها خلافات في وجهات النظر وصراعات بين أعضاء الفرقة، لأن طرفاً يريد التقيد بتقاليد المجموعة وطرفاً آخر يرغب في التجديد وكسر حدود موسيقى الروك التقليدية. لو ركز الفيلم على هذا الجانب فقط لكان هذا حتماً فيلماً أفضل.

أفلام السيرة الذاتية بحاجة إلى كسر القالب السينمائي وأفضل من فعل ذلك كان المخرج الإنجليزي داني بويل في فيلم ستيف جوبز عام 2015، عندما اختار التركيز على أهم ثلاثة أحداث في حياة الرجل.

هناك مشهد ظريف ومضحك في الفيلم يظهر فيه الممثل الكوميدي الكندي مايك مايرز في دور منتج موسيقي يسخر من أغنية بوهيميان رابسودي، ويقول إنها سخيفة ولا تستحق الاستثمار فيها، النكتة أن مايرز لعب دور المعجب بالأغنية نفسها وغناها يتملكه الطرب في فيلم «عالم وين» عام 1992.

مخرج رغم الإقالة

أقالت الشركة المنتجة المخرج سينغر أثناء تصوير الفيلم، وعينت الإنجليزي ديكستر فليتشر، ليكمل مهام الإخراج، ونظراً لقوانين نقابة المخرجين في أميركا فإن سينغر هو المخرج الفعلي رغم إقالته؛ لأنه صور أكثر من نصف مشاهد الفيلم، أما فليتشر فقد نسب إليه المنتج التنفيذي للفيلم.

1975

العام الذي طرحت فيه الأغنية التي يحمل الفيلم اسمها.

- ليس فيلماً سيئاً جداً، فهناك لحظات تجعله قابلاً للمشاهدة، خصوصاً لعشاق الفرقة، أما غير العشاق فيكفيهم أداء مالك.

الإمارات اليوم في

11.11.2018

 
 
 
 
 

«حرب باردة» يقود ترشيحات جوائز الأفلام الأوروبية

«سينماتوغراف» ـ عادل دندراوي

تصدر الفيلم البولندي (Cold War ـ حرب باردة) للمخرج الحائز على الأوسكار باول باولكوسكي، ترشيحات جوائز الدورة الـ 31 للأفلام الأوروبية التي من المقرر إقامتها في 15 ديسمبر المقبل بمدينة سيفيل الأسبانية.

الفيلم ترشح في فئات: أفضل فيلم، أفضل ممثل لبطل الفيلم توماس كوت، أفضل إخراج، أفضل ممثلة للبطلة جوانا كوليج، أفضل سيناريو.

ويتنافس على جائزة أفضل فيلم أوروبي، Border للمخرج علي عباسي، وCold War للمخرج بافل بافليسكوفسكي، وDogman للمخرج ماتيو جارون، وGirl للمخرج لوكاس دهونت، وHappy As Lazzaro للمخرج أليس روهفاشر، وجميعها ينافس أيضاً على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي في النسخة التي تحمل رقم الـ 91.

تدور أحداث فيلم حرب باردة حول قصة حب مستعرة بين اثنيْن طبائعهما شديدة التباين وينحدران من خلفيات اجتماعية مختلفة؛ فينعدم التطابق فيما بينهما تمامًا، تنشأ قصة حبهما وتدور في خلفية الحرب الباردة خلال الخمسينيات، ما بين بولندا ويوغوسلافيا.

الفيلم بطولة: جوانا كوليج، بوريس شيس، توماس كوت، أجاتا كولسزا، آدم ورونويكز، سدريك كان، ومن تأليف وﺇﺧﺮاﺝ باول باولكوسكي.

سينماتوغراف في

11.11.2018

 
 
 
 
 

فيلم "حرب خاصة".. عين واحدة محدّقة في بشاعة الحرب

نور الهدى غولي

فلنتوقف قليلًا ونتذكر تلك الصحافية الأمريكية التي قتلت في مدينة حمص بسوريا. ربما قد يبقى مثل هذا الحدث موجودًا في ذاكرة الكثيرين ممن تابعوا الحرب في سوريا بتفاصيلها آنذاك، لكنه ليس كذلك عند الجميع. من أجل هذا، في الأخير، تأتي السينما لتمنح للمشاهد فرصة إعادة التعرف من جديد على أسماء قد تغيب مع تسارع أحداث عالمية ويومية مغايرة.

تأتي السينما لتمنح للمشاهد فرصة إعادة التعرف من جديد على أسماء قد تغيب مع تسارع أحداث

صورة عامة ترتفع شيئًا فشيئًا بتقنية التصوير بالدرون عن خراب شامل. هكذا يبدأ الفيلم البيوغرافي "حرب خاصة" وينتهي أيضا بنفس صورة الدمار. لكن شعار الفيلم سريعًا ما يذكرنا ببعض التفاؤل الحقيقي "أقوى سلاح.. هو الحقيقة".

يحكي الفيلم قصة ماري كولفن (في دور أتقنته النجمة البريطانية روزاموند بايك) واحدة من أكثر مراسلي الحروب شهرة في عصرنا، هي الصحافية الأمريكية التي اشتغلت مع "صنداي تايمز" البريطانية على مدى عقدين من الزمن، متموقعة بكل شجاعة في أكثر مناطق العالم شراسة وصراعًا. تبحث دومًا عن قصة إنسانية وسط الخراب الذي تخلفه النزاعات المسلحة، تسأل الثكلى واليتامى وتنقل بأسلوبها الخاص حيوات أناس عاشوا الفقد والوجع بكل تفاصيله، حتى أنها تنصح زملاءها بضرورة نقل صوت الناس أكثر من الحديث عن وقائع الحروب والصراعات، أو عن نوع الأسلحة والطائرات التي استخدمت في القصف، ليكونوا صوتًا لمن لا صوت لهم.

في تسلسل زمني مبعثر أحيانًا، لتغطياتها الجريئة والمميزة للحروب، يظهر الفيلم حادثة فقدها عينها اليسرى إثر انفجار قنبلة يدوية خلال تواجدها بسيرلانكا لإجراء مقابلة مع زعيم النمور التاميل في صراعهم مع الحكومة. تضطر لتغطية عينها برقعة سوداء وتضحك على نفسها بألم، كونها القرصان الجديد. تصرّ دومًا على التواجد في بؤر صراع وحروب حية، هي لا تهادن ولا تهدأ، تصنع السيناريوهات وتتحايل خلال تواجدها في أمكنة الحرب لتخرج عن الطوق الذي يفرضه المسلحون (جيوشًا أو جماعات) على الصحفيين لتوجيه عملهم، فتصل إلى حيث يجب ألا تكون في نظر أطراف الحرب فيما هي تعتقد أنه المكان الذي تركت من أجله دف شقته في لندن، لأن فيه يوجد الإنسان الذي تطحنه الحرب من دون أن ينتبه له أحد لأنه أصبح مجرد رقم، فتدّون حقائق يتوانى الكثيرون عن تتبعها. تبحث خلف التفاصيل الإنسانية وتروي حكايات ضحايا الحروب. وتنجح ببراعة قلمها أن تجعل منها السبق الصحفي للحرب وليس ما يجري وراءه زملاء آخرون من إحراز معلومات خاصة عن تقدم الوحدات ومسارات القتال.

لم تكن سعيدة بما يكفي في حياتها العاطفية، هي التي أجهضت مرتين واقتنعت بحزن بالغ أنه لا يمكن لها أن تكون أمًّا. تدخل في صدمات عصبية جراء المشاهد المرعبة والقاسية التي كانت على تماس متواصل معها، وتسكن الكوابيس لياليها. ترفض أن تذهب للعلاج، وتغرق في حالة من الهروب نحو الأمام. أن تكون هناك، في المكان الذي تراه يناديها دائمًا رغم كل المخاطر والمخاوف والتحذيرات. هي تضحك مع أصدقائها وتتعايش معهم، لكنها غائبة.

سيختصر المخرج ماثيو هاينمان قليلًا حيرة المشاهد، في الانتقال من صور جميلة في لندن نظيفة، ليضعه فجأة وسط خراب كامل لا يفهمه سريعًا، في انتقال سينمائي يكشف فداحة الوضع في مناطق الحروب.

تضطر في الأخير إلى دخول مصحة نفسية للعلاج، غير أنها سرعان ما تشعر كأنها في سجن وتطلب من رئيس تحريرها العودة مجددًا إلى الميدان.

ليس مهمًا لاحقًا أين نحن: أفغانستان أو الفلوجة، ليبيا أو حمص.. فلسطين، الشيشان، كوسوفو أو زيمبابوي.. الأكيد فقط أنّ صور الخراب مفجعة، وملامح الفقد والألم في أوجه صحفيي الحرب تختصر كل الحكاية، في الفلوجة تهرب بذكاء من خلال إظهار بطاقة اشتراكها في ناي صحي بلندن، وتقول إنها من فرق الإغاثة، وبعد دخولها المنطقة المحضورة تكشف عن إحدى أكبر المقابر الجماعية وقتها.

تلتقي لاحقًا بمعمر القذافي وتغطي أحداث الثورة الليبية، وتلتقط تفاصيل الصراع المسلح، وقبلها أفغانستان والعراق. أما سوريا فستكون نقطة محورية بالنسبة لها، وتراها الحرب الأكثر شراسة والأفظع على المدنيين من كل ما رأته سابقًا في تغطياتها. هنا "البيوت المحروقة، الأجساد المشوهة، النساء الباكيات على أطفالهن وأزواجهن، والرجال الباكون على زوجاتهم".

الفيلم هو حرب ماري كولفن الخاصة مع نفسها، ومع ذاك الخيط الرفيع الذي يسحبها دومًا نحو الخطوط الأمامية للصراعات عبر العالم لإيصال صوت الحقيقة، وتظل تكرّر جملتها المتلازمة: "إنهم يقترفون أشياء بشعة هناك، يجب أن نكون هناك". وهناك هي كل مكان تخيّم عليه الحروب. يظهر لنا لاحقًا زميلها مصور الحرب الشهير بول كونروي (جيمي دورنان) وظلا معًا إلى أن فرقهما الموت في حرب سوريا بحمص.

صور الخراب مفجعة، وملامح الفقد والألم في أوجه صحفيي الحرب تختصر كل الحكاية

ساعات قليلة بعد تدخلها عبر السكايب في عدة قنوات عالمية في فبراير/شباط 2012 لتنقل حقيقة القصف الهمجي الذي يمارسه النظام السوري ضد المدنيين في حمص وتدحض ادعاءاته بأنه يقصف "جماعات إرهابية"، مقدمة صور الضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين، وكانت المراسلة الغربية الوحيدة التي ظلت في حمص بعد الحصار وبداية القصف، يتم استهداف مكان تواجدها والمصورين الصحفيين، وتقتل هناك رفقة المصور الفرنسي ريمي أوشليك.

حرب ماري كولفن الخاصة كانت متكررة مع هاجس نقل الحقيقة من مناطق الحروب في الوقت الذي عرض عليها رئيس تحريرها أن تستريح وتشرف على تنسيق الحدائق في ذات الجريدة، لكنها أصرت على أن تواجه بشاعة كل تلك الحروب بحذاقة عين واحدة بصيرة تمامًا.

كاتبة صحفية جزائرية

موقع "ألترا صوت" في

11.11.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)