كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"يوم الدين": الحبكة خارج الفيلم

شادي لويس

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

يصل الرجل الفيل إلى محطة القطارات اللندنية "ليفربول ستريت"، آتياً من بلجيكا، بعدما نجح في الفرار من "سيرك المسوخ" المتجول هناك. لكن إفلات الرجل الفيل من أيدي خاطفيه بمساعدة زملائه "المسوخ"، وعودته إلى موطنه، لم تكن نهاية معاناته. فبمجرد أن يصل إلى المحطة المركزية والمزدحمة، وفي مشهد الذروة في فيلم المخرج ديفيد لينش الأشهر، يبدأ عدد من الصبية في مضايقته. ومن دون قصد يصطدم الرجل المشوه، بطفلة، ويبدأ الجمهور الغاضب في مطاردته، وينزع القناع الذي يخفي وجهه. وفيما ينهار الرجل الفيل، بين أيدي مطارديه، يصرخ: "أنا لست فيلاً، أنا لست حيواناً...أنا آدمي...أنا إنسان". وفي النهاية، يتم إنقاذه، ويتمتع بإقامة دائمة في أحد المستشفيات، برعاية الملكة نفسها.  

وعلى بعد عشرة دقائق سيراً على الأقدام من محطة "ليفربول ستريت" نفسها، تعرض سينما "ريتش ميكس"، الفيلم المصري "يوم الدين" في إطار مهرجان لندن للأفلام. وفي شاشتها، كان مخرج الفيلم، أبو بكر شوقي، وكأنه يعيد تركيب مشهد مطاردة المحطة في فيلم "الرجل الفيل". فبطله، "بشاي"، الرجل متوسط العمر والذي يخفي وجهه المشوّه إثر إصابته بمرض الجذام، ينتهي أيضاً لصفعات وركلات ركاب القطار الذي يتكالبون عليه تقززاً من شكله، وخوفاً من ملامسته لهم. وفي ذروة هادئة، يعيد بشاي الصرخة نفسها: "أنا إنسان!". 

لكن فيلم "يوم الدين"، الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" هذا العام، ورُشّح لتمثيل مصر في جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي العام المقبل، يذهب أبعد من مجرد إعادة بناء "الرجل الفيل". ففيلم لينش يعالج قصة حقيقية لشخصية جوزيف ميريك، مسجلاً لحظة التحول التاريخية في العصر الفيكتوري، من معاملة "المسخ" كعنصر للعرض والاستغلال إلى "العزل" في المستشفى، ومن موضوع للتسلية والتنمر إلى موضوع للضبط الطبي وبيروقراطية الدولة. لكن "يوم الدين" يذهب في رحلة مغايرة تماماً، وفي الاتجاه المعاكس أيضاً، وبوعي عميق لإشكالية المؤسسة.

يخرج بشاي من مستعمرة أبو زعبل للجذام، بعدما توفيت زوجته إيريني التي كانت محتجزة في عنبر للأمراض النفسية، مغامراً بالقليل من أمان الاختفاء في "جبل الزبالة" حيث يعمل، والعزلة بين "العيانين" من سكان المزرعة. يرحل بشاي، ليبحث عن أهله في محافظة قنا، وليواجه عالم "الأصحاء" الذي لفَظه. يتبعه "أوباما"، الطفل الأسمر اليتيم، الذي يتردد أمام فرصة معرفة ما حدث لوالديه من واقع السجلات الحكومية في "المؤسسة" (ملجأ الأيتام). عن قصد أو عن غير قصد، تبدأ رحلة بشاي، من حيث انتهت رحلة الرجل الفيل. لكن مخرج العمل لا يفلت فرصة تأكيد النظام المؤسسي، في الملجأ والمستعمرة والمشفى العقلي، للتصنيف والعزل والتدخل، لفرز المغايرين والمختلفين وإخفائهم. فمجموعة "المنبوذين" أو "الوحوش" كما يطلقون على أنفسهم، الذين يلتقيهم بشاي في منتصف رحلته، ويعينونه على استكمالها وإنجاز "البيروقراطية" كما يشير أحدهم ساخراً، هؤلاء يؤكدون له أنه لا خلاص من نبذهم سوى في "يوم الدين" حين يصبح الجميع سواسية. فالأمر ليس مجرد لعنة من الطبيعة، بل منظومة مُحكَمة للنبذ والتهميش، لا تقتصر على المرض. فالدين أحد خطوطها (بشاي قبطي)، وكذلك اللون والأصل الإثني (أوباما يرجَّح في الفيلم أن يكون من النوبة)

لا يقدم العمل تجسيداً للمعاناة تستدعي شفقة المشاهد، بل على العكس، هو غزَل في روح التضامن بين المنبوذين. يحتفي بالمثابرة على الحياة والحاجة الأصيلة للآخر. ويسرد لحظات من البراءة المخلوطة بحكمة المعاناة الطويلة وبهجة المحرومين، فيما يمضي في رحلة البحث عن الجذور والهوية المفترضة، التي تنتهي إلى لا شيء، سوى أن أبطاله "شافوا العالم". لا يعتمد مخرج الفيلم على قصة واقعية مثل "الرجل الفيل"، لكن راضي جمال، الذي يقوم بدور بشاي في الفيلم، وهو نزيل سابق في مستعمرة "أبو زعبل" بالفعل، يعطي بُعداً أعمق وأكثر دفئاً وألماً من الواقعية. ويطغى حضور راضي، وأداؤه الطبيعي المتجاوز للإتقان الاحترافي، مع كاميرا شديدة الحساسية، وموسيقى منسجمة مع الصورة، على تعثر بعض المشاهد وضعف أداء الممثلين المحترفين

يقرر بشاي العودة إلى المستعمرة، وأوباما إلى الملجأ في النهاية. فالعالم قاس في الخارج، وتوحي النهاية المحبطة قليلاً، بالرضى عن تقسيمة الواقع كما هو، أو بالتأقلم معه على مضض لا يحفز أحداً على مقاومته. لكن، في الواقع، يغادر راضي جمال مستعمرته، لتستقبله السجادات الحُمر لمهرجانات السينما، وتسلط عليه كاميرات التلفزيون، لا بوصفه ضحية مرض الجذام، بل بصفته نجماً. ويثبت "يوم الدين" أن الحبكة أحياناً تتجاوز حدود الفيلم، وتتمدد إلى خارجه، بل وتغير الواقع، ولو قليلاً.

المدن الإلكترونية في

26.10.2018

 
 
 
 
 

الفيلم المصري «يوم الدين»:

نيتشه العائش تحت الكوبري وحكاية المصادفات الساذجة

محمد عبد الرحيم

القاهرة ـ «القدس العربي»: بعيداً عن الصخب الذي يصاحب بعض الأعمال السينمائية، ويفرض على المتلقي نوعاً من وجهة النظر المسبقة ـ وهي ضد العمل في الغالب ـ لأن امتهان الدعاية والمبالغة يعد آفة عربية ومصرية، حيث الاستسهال في منح العديد من الصفات، بداية من العبقرية وصولاً إلى اللانهائية وما بعدها، خاصة إذا كانت هذه الدعاية من قِبل رجل أعمال أو تاجر سينما ــ مُشارك في الإنتاج ــ وبعض من الفنانين الذين يروّجون للعمل بحثاً عن حجز دور جديد في فيلم هنا وهناك. هكذا كان الجو المحيط بفيلم «يوم الدين» فخر الصناعة المصرية. فالتهليل لا يصنع فيلماً، والتغاضي عن الكثير من الأخطاء الدرامية بحجة العمل الأول، أيضاً لا تصنع سينما. ولكن على الآلة الإنتاجية والتسويقية أن تعمل، وأن يتم التكسّب من أي شيء يحدث على الشاشة، طالما الأمر في الأول والأخير مجرد سلعة، يتوقف نجاحها على مدى الترويج لها.

«يوم الدين» أداء، راضي جمال، أحمد عبد الحافظ، شهاب إبراهيم، محمد عبد العظيم، أسامة عبد الله، وعادل عبد السلام. تصوير فيديركو سيسكا، مونتاج إرين غرينويل، صوت مرسي عبد المغني، موسيقى عمر فاضل، سيناريو وإخراج أبو بكر شوقي.

كيف يتم تأليف أو تلفيق الحكايات في غرف مكيّفة، بعيدة تماماً عن العالم الذي يتم الحديث عنه، ليكن الحديث عن المهمشين.

مُستعمرة الله

يأتي فيلم «يوم الدين» كعمل روائي مستوحى من آخر وثائقي للمخرج نفسه، بعنوان «المستعمرة»، والمقصود (مستعمرة الجذام) ــ وهي مكان يضم المصابين بالجذام في منطقة الخانكة في أبي زعبل في محافظة القليوبية ــ وبعد تجربة التوثيق للمكان وساكنيه، تأتي التجربة الروائية، عن أحد ساكني هذا المكان، مريض سابق وقد شفي تماماً، لكن المرض ترك أثاره على ملامحه، فلم يغادر المستعمرة منذ طفولته، ومنذ أحضره والده من جنوب مصر ــ محافظة قنا ــ إلى هذا المكان. (بشاي/راضي جمال) القبطي الذي يفكر بعد موت زوجته ـ مريضة أيضا في المستعمرة ـ في العودة إلى بلدته، والبحث عن أهله، عن أبيه بشكل خاص، وهو الذي تركه طفلاً أمام باب المستعمرة. بالطبع فكرة العودة ورحلتها وتفاصيلها كلها من نسج خيال المؤلف، وما فكرة الوثائقي الذي تحوّل إلى روائي ــ التفرقة بين الشكلين غير منضبطة بالمرّة ــ إلا فكرة عديمة المعنى، لأن التساؤل يدور حول ما إذا لم يكن هناك وثائقي بعنوان «المستعمرة»، فهل سيكون هناك فيلم بعنوان «يوم الدين»، لتأتي الإجابة بنعم. ففي «يوم الدين» لم نر المستعمرة، ولا الحياة داخلها، فقط حجرات مكاتب، وساحة كبيرة لجمع وتصنيف القمامة، وحجرة أحد النزلاء/بطل الفيلم، ومقابر، هذا بخلاف أن الأحداث كلها تمت كتابتها/تأليفها، على هوى ورؤية المؤلف/المخرج، بدون أن تقود الشخصية الحكاية، خاصة أنها حكاية هذا الشخص ورحلته. هل لنا أن نعقد مقارنة بسيطة بين هذا الفيلم وفيلم «مدينة الله»، من حيث الشخصيات وعالمها، وكيف كانت بدايتها في فيلم وثائقي، وكيف آلت في فيلم يتخذ من الروائي شكلاً.

رجل وصبي وحمار

لنرى كيف يتم تأليف أو تلفيق الحكايات في غرف مكيّفة، بعيدة تماماً عن العالم الذي يتم الحديث عنه، ليكن الحديث عن المهمشين ـ مصطلح مُستَهلَك لعين ـ لكن التهميش وحده لا يكفي، بقي موضة قديمة، يمكن إضافة المنبوذين ــ بدون إرادتهم ــ من المجتمع، ودعنا نصل بالحالة إلى حدها الأقصى ــ اللي برّة بيحبوا الحاجات دي ــ منبوذ وقبطي، وبكده يبقى من كله. لتصبح حكاية (بشاي). ومن هنا كان يجب البحث عن رفاق للرحلة، وبشاي أصبح يعمل في جمع القمامة، ومعه عربة كارو يجرّها رفيقه (حربي)، ودونما سبب يتعلق أحد الصبية ببشاي، وكأن الأخير أبوه الروحي، حلو يبقى نخلي الواد ده مُسلم، نوبي وأسمر اللون (أوباما/أحمد عبد الحافظ) ــ لتكتمل سيمفونية المضطهدين ــ لتبدأ الرحلة بعون الله إلى قنا. ومن هذه اللحظة تبدأ لعبة المصادفات ــ بخلاف «الووكمان» الذي وجده بشاي بين القمامة في البداية وسيرافقه بعد ذلك ــ عجلة العربة الكارو يجب تغييرها، يصاب (أوباما) جرّاء ذلك بجرح في رأسه، هما بجوار نهر النيل، يهرول بشاي لمستشفى القرية، بطاقتك مش بطاقتك، يخرج مسرعاً إلى النهر ليحضر البطاقة، وقد ادّعى أنه والد الصبي، يصطدم بعربة شرطة، يذهبون به إلى القسم، يوضع مع أحد المتأسلمين، الذي ينفر منه خوفاً من العدوى، وعند نقلهما، يقول له السيد المتأسلم ــ صاحب الجلباب الأبيض الرقراق وكأنه عمر عبد الرحمن مثلاً ــ إجري، فتفلح الحيلة، ويعود بشاي بعدها ليجد أوباما عند النهر بجوار الكارو مربوط الرأس، هو كمان طلع يجري من المستشفى، وتستمر الرحلة على هذا المنوال من فقرة إلى أخرى من المصادفات.

ممم وماذا نفعل؟ وقت الفيلم مش هيستحمل وصول قنا من خلال (حربي). خلاص نخلص من حربي، وكده يبقوا الاتنين خفيف خفيف، ومشهد موت حربي ده نعيش فيه بقى، الأجانب بيموتوا في الحاجات دي، أما هنا فالناس هتضحك، ومش هياكل معاهم، دول حتى مش طايلين موتة حربي. قبل وفاة المرحوم حربي، وفي وقتنا هذا يسير قطار بضائع أو ما شابه من قطارات فيها مكان للحيوانات، لنصبح فجأة في فيلم من أفلام الغرب الأمريكي.

الأزمة في مثل هذه الأفلام، أن أصحابها لا يعرفون الشخصيات التي يتحدثون عنها، بل يمارسون سلطتهم وفرض رؤيتهم من خلالها.

نيتشه تحت الكوبري

«إحنا منبوذين»… «إحنا ضحايا أشكالنا»… «أنت مش مريض، أنت عندك جرح ما بيتعالجش»… «يوم الدين كلنا هنبقى متساوين، ومحدش هيبص لشكلنا». هذه الكلمات والعبارات الجليلة قالها رجل آخر يعاني من اختلافه ــ حالة نبذ أخرى ــ وهو يجلس أسفل أحد الكباري بين رفاقه الذين على شاكلته، شحاذ فقد ساقيه في حادث، وآخر من الضحايا، وبينهم بشاي، وقد نزل إليهم ترانزيت رغماً عنه، حتى يستأنف مسيرته إلى قنا. من الجيد أن يصبح هؤلاء أبطالاً ولو على الشاشة، فبدون ادعاءات سيتم التفاعل معهم في الحال، أما أن تقول الشخصيات ما يريده المؤلف أن تقوله، فيصبح يتقوّل عليها، ونرى أنفسنا أمام (نيتشه) يرتل علينا ما يوحى إليه من حكمة، وهو جالس تحت أحد الكباري، غارق في دخان الحشيش، فهذا أمر لعمري عجيب!

لكن الصوت الفلسفي والمتحشرج ليصبح أكثر حكمة لا يتوقف ــ أشبه بصوت والد اللنبي عندما كان يوصيه قائلاً: الكبدة بـ50 والسجق بـ75 ــ ككلمات الأب التي تشرح وتبرر موقفــــه، وكيف تـــرك الطفل بشاي وقتها أمام باب المستعمرة، ذلك حتى يجعله يعيش بين أشباهه، أما هنا فسيظل منبوذاً، ولن يستطيع العيش. وفي الأخير يسامح بشاي والده، ويعود حيثما كان، يعيش في عالم يعرفه، بعيداً عن كل هؤلاء القساة. ملحوظة.. قبل عودة بشاي وأوباما نرى حفل عُرس من حفلات الصعيد. وليس من الضروري إطلاقاً التساؤل عن السبب، تماماً كما حدث خلال هذه الرحلة.

عالم الملائكة السعيد

الأزمة في مثل هذه الأعمال، أن أصحابها لا يعرفون الشخصيات التي يتحدثون عنها، بل يمارسون سلطتهم وفرض رؤيتهم من خلالها، حتى إن ظهر الأمر على خلاف ذلك، من الانتصار لها، وجعلها تمارس البطولة، وتمتلك صوتاً ولو على شاشة السينما.

هذه الفئة سيتعاطف معها أكثر مَن هم على شاكلتها، فيرون في عالم المستعمرة ورفاق تحت الكوبري بأنه عالم الملائكة السعيد، فقط كقصة خيالية يتأسون لأصحابها، كالوحش وجميلته، أو الأقزام السبعة. عالم يؤكد دوماً لضميرهم الحي أن هناك مخلوقات أخرى تستحق التعاطف، ويا ليتنا ــ فئة الضمير الحي ــ نمتلك ولو القليل من نقاء أرواحهم. لكن في الأخير نجد أن العدالة ــ بعدما عرفنا معنى اسم الفيلم ــ وإن لم تتحقق على الأرض، حتماً ستتحقق في يوم آخر، يوم آخر سوف تطلع فيه شمس الحق.. يوم طلوع الدين.

القدس العربي اللندنية في

29.10.2018

 
 
 
 
 

"كفرناحوم" للبكي و "يوم أضعت ظلي" لكعدان بلاغة في القول وشجاعة في التناول

لندن- فيصل عبدالله

- ما تقوله الإشتغالات السينمائية العربية المشاركة ضمن فقرات دورة مهرجان لندن السينمائي الأخيرة، 10-21 تشرين الأول/أكتوبر 2018، إنها جاءت متناغمة مع وقائع محددة ومُرة كما تشي موضوعاتها. إذ قاربت، ربما، أسئلة حرجة مازال السجال حولها لم يحسم بعد، وعبر تحقيقات سينمائية مثيرة في بلاغة رسائلها السياسية والإجتماعية والثقافية. نصوص مُجيدة على صعيدي الشكل والمضمون، بارعة في إرتيادها لعوالم معقدة في تشابكاتها وأسبابها مثل، التهميش الإجتماعي والإقتصادي والحروب العبثية والعزل والنبذ الإجتماعي والإرهاب وتوق المرأة الى حرية الإختيار. ولعل العنصر الأبرز لتلك الإشتغالات إن نصفها موقع بأيد نسائية عربية، وبما يؤشر الى إنعطافة تحررية، إن صح القول، لدخول المرأة الى عالم ظلت كفة الإنتاج السينمائي فيه تميل الى صالح الرجال ونحن نقترب من نهاية العقد الثاني للألفية الثالثة. أما على صعيد لغة التعبير السينمائي وإشتقاقاتها، فان ما عرض يبشر بطفرة نوعية واضحة لجهة الصياغات الفنية وللكشوفات البصرية وللمعالجات الدرامية وغلبة الأداء العفوي غير المحترف. ما تقوله، أيضاً، إننا إزاء نتاجات جيل من المخرحين الشباب، بعضهم يدخل عالم الإنتاج السينمائي لأول مرة، له حساسيته الخاصة في إلتقاط أسئلة الحياة المعاصرة، ان كانت شخصية او عامة، وسلاحهم ما وفرته تقنيات التصوير الحديثة في الإستجابة الى قلق المبدع السينمائي/المؤلف وأناه. ومثلما هي أفلمة لمشاغل ذات المبدع، الى حد ما، بما تختزنه من خيبات وتطلعات وفي بيئة ضاربة في فوضي اللايقين، على الصعيدين السياسي والأجتماعي، فانها تغدو بشكل من الأشكال صورة عاكسة لهموم وأوجاع وأوهام وإلتباسات وأحلام مضيعة في تلك البقعة الجغرافية من العالم. حصيلة ما سبق، جاء على حساب نظام النجوم، المعمول به بدرجات متفاوتة في عملية الإنتاج السينمائي العربي ولربما دولة مصر هي الرائدة في تكريسه، إذ أن أغلب من عمل في تلك الأفلام هم من الهواة أو الناس العاديين. فضلاً عن التخفف من حوارات ثرثارة، تلك المنتشرة في السينما العربية بشكل مسف، لصالح الإجتهاد في إبداع لغة سينمائية تتماشى مع خطوط السياق الدرامي للمنجز السينمائي وبما يوازن بين الجمالي والفني والحكائي من دون فقدان متعة المشاهدة.

مفردات ما سبق نجد تحققاته في عمل اللبنانية نادين لبكي "كفرناحوم" "فوضى"(123د)، جائزة لجنة تحكيم مهرجان كان الأخير الخاصة، إذ قدمت فيلمها الأكثر تكاملاً فنياً في مسيرتها المهنية، تلك التي جمعت بين التمثيل والإخراج الغنائي والموسيقي والسينمائي والعمل السياسي، سبق وان رشحت نفسها عن مدينة بيروت الى مجلس النواب في بلدها. بعد "كاراميل" و "هلاّ لوين" تعود لبكي في جديدها الى بيروت مرة أخرى، وعبر رسم بوتريت صادم لعالم التهميش والفاقة المتقعة من خلال حكاية الصبي زين. اللقطات الأولى للفيلم تأخذ المشاهد مباشرة الى متابعة فصول من عالم زين، مشاكله مع والديه، الأب عاطل عن العمل ومدمن على تعاطي الكحول بعد ان ضاقت عليه مسؤولية تأمين متطلبات أسرته، شقيقته تقع فريسة إستغلال جنسي من صاحب دكان أكبر منها عمراً وبرضى من الديها بسبب الحاجة المادية، ما يدفع زين الى محاولة قتل الزوج، علاقته مع عاملة أثيوبية مهاجرة من دون أوراق عمل رسمية إتمنته على طفلها الوحيد. عناصر حبكة "فوضى"، أثيرت حول عنوان الفيلم ضجة كبير بفعل ما يستدعيه تشابهه مع إسم قرية يهودية، الصبي زين، عائلته المفككة، الهجرة غير الشرعية ان كانت على شكل عمالة او بفعل الحرب كما في سوريا، غياب شبه تام للرعاية الإجتماعية، وعود التزوير والسفر خارج البلد وحاكم، أدى الدور حاكم حقيقي متقاعد، ينظر في تفاصيل ماهو مطروح أمامه. خيوط مسكت بها لبكي بحرفية الفنان من دون الوقوع في فخ الميلودراما الساذجة وبما يحسب لصنيعها

ما حققته لبكي يأخذ منحى آخر على يد السورية سؤدد كعدان في باكورة عملها المهم "يوم أضعت ظلي"(94د)، حيث تأخذنا الى جحيم مايدور في بلدها من بشاعات حروب وقتل أعمى. ذلك إن عالم الصيدلانية سناء (سوسن أرشيد) أقرب الى المغلق كونه يدور حول تدبر حياتها مع والدها في ظل غياب زوجها، إلا أن حياتها تقلب رأساً على عقب حين تغامر في الخروج مع جارتها للحصول على قنينة غاز للطبخ. تلك الرحلة، مع بداية الحرب وبالتحديد في العام 2012، تقودها الى مشارف مدينة دمشق حيث الظِلال تبدأ بالتتخلى عن أصحابها، حيث تتكشف الجريمة وفاعليها وضحاياها، أما النساء فعليهن تعلم الصبر وحفر القبور. ظِلال الجيش والأمن، ظِلال إنتهاك الحرمات لمن لايذعن، ظِلال الأشجار والبشر، إذ لم يبق من جريمة هيروشيما في اليوم الثاني سوى ظِلال الناس. لا تخفي تشكيلات كعدان البصرية بما حملته من تجريب صوري بالأبيض والأسود وما وثقته كاميرتها لما يجري في بلدها من قتل ودمار موقفها السياسي منه.

المدى العراقية في

31.10.2018

 
 
 
 
 

«A Star is Born» شهادة ميلاد للمخرج والممثلة ألا يستحق إنصاف برادلى كوبر؟!

كتب : جيهان الجوهري

أن يبهرك فيلم سينمائى قُدم من قبل أكثر من  مرة بتنويعات مختلفة لابد من التوقف عنده لأن عادة ما يقدم فى النسخة الأولى يكون هو الأفضل، وأعتقد أن برادلى كوبر وضع فى حساباته أن المقارنة بين فيلمه والنسخ السابقة لنفس الفيلم لن تكون  فى صالحه، لكن حماسه على خوض أولى تجاربه فى الإخراج من خلال فيلم سبق تقديمه يعنى أن لديه الجديد ليجذب جمهور السينما لنسخة فيلمه.

إذا تأملنا نسخ الأفلام التى تم تقديمها منذ الثلاثينيات والخمسينيات والسبعينيات.  سنجد العمود الفقرى لها واحد نحن أمام فتاة تحلم بنجومية سواء فى التمثيل أو الغناء، وبشكل مواز تخبو نجومية مكتشفها ويغرق فى الإدمان وينتهى به الأمر للانتحار، أما النسخة الأحدث التى يحملها برادلى كوبر كمخرج وكمشارك فى كتابة السيناريو مع «أيريك روث» والمؤلف «ويل فيترز» الذى استلهم القصة من مطرب الروك الرئيسى بفرقة نيرڤانا «كيرت كوباين»  والذى توفى منتحرًا في منتصف التسعينيات فهى التى تستحق الاحتفاء بها والتوقف عندها لأسباب عديدة سيتم ذكرها لاحقا».

«القصة»

 برادلى  كوبر «جاك» موسيقى شهير، التقى فى حانة للمثليين بالنادلة ليدى جاجا «آللى» التقت عيونهما أثناء غنائهما بالتناوب، هناك شىء ما جذب أرواحهما إنه الحب من أول نظرة رغم وضعها ماكياجًا غريبًا لا يُظهر وجهها الحقيقى، تولى برادلى كوبر  «جاك» مساعدتها بعد خناقة حامية الوطيس بالحانة على أثرها  تورمت يدها وفى نفس الليلة أفشى لها بسر لم تصدقه، وهو إيمانه ويقينه بموهبتها التى تؤهلها لكى تكون مؤلفة أغان شهيرة، اعتقدت فى تلك الليلة أن ما جمعها مع برادلى كوبر «جاك» هو مجرد لقاء عابر لا يخلو من المجاملة بين موسيقى شهير فى حالة ثمالة ومطربة ومؤلفة أغان مغمورة، وبالتالى لا يلزمها بتلبية دعوته وحضور إحدى حفلاته،  لكن الأمر بالنسبة لبرادلى كوبر «جاك» كان يعنى الكثير والكثير.

ستلاحظ حضرتك معرفتك مسبقًا لأحداث الفيلم. فى حالة مشاهدتك لأى نسخة سبق تقديمها، لكن فى ذات الوقت أنت فى حالة انجذاب شديد لنسخة برادلى كوبر وليدى جاجا كأنك تشاهده لأول مرة مستمتعًا بتوليفة تحمل مشاعر «حب» و«غيرة» و«تضحية» بخلاف «إدمان» و«انتحار» و«علاقات أسرية مرتبكة» لبطل الفيلم.

«المخرج»

الفيلم يجمع بين الموسيقى والدراما والرومانسية لذلك اعتمد المخرج على دغدغة قلب ومشاعر المتفرج من خلال تقديمه  بتنويعة  مختلفة  عن النسخ  السابقة حيث اعتمد مخرج الفيلم  على لغة العيون لبطليه برادلى كوبر «جاك» وليدى جاجا «آللى» وظهر ذلك فى المشاهد التى جمعت بينهما فى الحانة ببداية الفيلم ثم  وهما جالسان على أحد الأرصفة بعد شرائه لها كيس بازلاء مجمدًا كعلاج لتورم يدها بعد خناقة الحانة ومرورًا بمشاهدهما سويًا على الاستيدج وهما يُغنيان معا أولى أغنيتها أمام جمهور حبيبها. ثم الطريقة التى تزوجا بها، حتى عندما أفسد فرحتها وأحرجها أمام الجمهور بثمالته  وتبوله  على الاستيدج وإغمائه أثناء استلامها أهم الجوائز الفنية لم تثر عليه فخوفها وحبها له طغى على ما حققته من نجاح وفى قمة ألقها الفنى كانت تزوره فى مصحة علاج الإدمان.  لدرجة تشعرك فعلا أنك أمام شخصيات حقيقية هوليودية تشاركهم رحلة مولد أحدهما وخفوت نجومية الآخر لأسباب متعلقة بإدمانه للكحول  غيرته من صعود نجمها وعوامل نفسية عميقة مرتبطة بشقيقه ووالده.

نجح برادلى كوبر فى الجمع بين التمثيل والإخراج بخلاف المشاركة فى كتابة السيناريو ولم يؤثر عنصر على الآخر، فعلى مستوى أدائه كموسيقى شهير كان واضحًا خضوعه لتدريبات تؤهله لذلك بخلاف اجتهاده فى الشخصية من الداخل والعوامل النفسية التى أثرت فيها، لذلك نستطيع وضع دوره بالفيلم بجوار أدواره المتميزة فى أفلام «silver linings» و«American Hustle».

أيضًا ظهرت سيطرته كمخرج على الممثلين خاصة ليدى جاجا  «آللى» حيث أصر على ظهورها بدون ماكياج بالفيلم على عكس رغبتها وعشقها للمساحيق فى حياتها العادية، ويحسب له أيضًا براعته فى توجيهها ليخرج منها الممثلة التى لم تكتشف من قبل ويضعها على أول طريق البطولات النسائية المطلقة  ليكون أول أفلامه بمثابة مولد لهما هى كممثلة وهو كمخرج.

إذا كان برادلى كوبر استند فى فيلمه على  النسخة التى قدمتها النجمة الشهيرة باربارا سترايساند ١٩٧٦ مع المخرج فرانك بيرسون وكذلك نسخة المخرج جورج كيوكور عام ١٩٥٤ مع بطليه جايمس ميسون وجودى جارلاند واللذان كانا يحملان نفس الاسم أيضًا إلا أن برادلى كوبر صنع بنسخة فيلمه  عدة عناصر جذابة للمتفرج.، بعيدًا عن القصة المعروفة لمن شاهد النسخ القديمة للفيلم ذاته يكفى موسيقى نسخة فيلم برادلى كوبر وأغانيه حيث تعتبر بطلًا رئيسيًا تستحق الترشيح لجوائز عديدة خاصة أغنية ليدى جاجا بنهاية الفيلم، وكذلك تميز التصوير والمونتاج والتمثيل لتظهر نسخة فيلمه بشكل عصرى جذاب يتواءم مع الأجيال الجديدة التى لم تشاهد النسخ السابقة لنفس الفيلم.

أريد التوقف هنا عند نقطتين أولاهما: عدم حدوث ضجة إعلامية هوليودية على كل من قدم الفيلم بنسخ مختلفة، فالأمر لديهم لا يعنيهم بقدر كيفية تنفيذ هذه الأعمال. وإحقاقًا للحق فكل من قدم نسخة من هذا الفيلم لم يهدر حق أصحابه السابقين ودائما يتم ذكر أسماء الأفلام التى تم الاقتباس منها بأسماء أصحابها على عكس ما يحدث لدينا حيث يتم لطش الفيلم بكادراته وتفاصيله دون الإشارة لاسم العمل الأصلى.
ثانيهما  برادلى كوبر البالغ من العمر٤٣ عامًا يقدم أولى تجاربه فى الإخراج بجانب لعب دور البطولة وكتابة السيناريو والحوار للفيلم. ومعظم كبار النجوم العالميين نجدهم يجمعون بين هذه العناصر مجتمعة أو منفردة. على عكس حال أغلب نجومنا نحن لدينا من يجمع بين التمثيل وأى عنصر آخر بالفيلم يعدون على أصابع اليد، وهذه جزئية محل إعجاب تستدعى التوقف عندها  وتأملها فقد اختار موضوعاً «اتهرى» تقديمه سينمائيًا وقدمه بشكل جيد ومختلف وبميزانية منخفضة مقارنة بميزانية الأفلام الأمريكية وحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا كبيرًا ظهر بوضوح فى الأرقام التى حققها الفيلم بشباك التذاكر بل وأكثر من ذلك فقد حقق فيلمه ردود فعل جيدة بمهرجانات سينمائية عالمية من شأنها ترشيحه لجوائز عديدة في  الجولدن جلوب والأوسكار ببداية العام الجديد، وَمِمَّا لاشك فيه أن برادلى كوبر يزداد نضجًا وإن كان لم يأخذ حقه فى الحصول على جوائز عن أدواره المتميزة رغم ترشيحه من قبل لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن فيلمه «Silver linings» عام ٢٠١٣وثانى ترشيح له لجائزة الأوسكار عن فيلم «American Hustle» كأفضل ممثل فى دور ثانى وإذا خرج فيلمه «A star is Born» بلا جوائز  سيقع عليه ظلم كبير
. •

صباح الخير المصرية في

31.10.2018

 
 
 
 
 

بطل "لا لا لاند".. يمشى علي سطح القمر

كتب - حسام حافظ:

يعتبر نزول الإنسان علي القمر من أهم الأحداث في تاريخ البشرية. لذلك من الطبيعي ان تسعي السينما لتخليد هذا الحدث سواء في السينما الوثائقية أو الروائية. وان كان في جميع الحالات فان معرفة المشاهد بتفاصيل الحدث يجعل من الصعب ان تقدم السينما معلومة جديدة تضاف لما نعرفة أساساً.. ولكن المنتج والمخرج ستيفن سبيلبيرج أراد تخليد ذلك الحدث وبطلة نيل أرمسترونج "1930-2012" وقرر ان يكون المنتج الفني لفيلم "أول إنسان" أو " firest man".

قام بإخراج الفيلم داميان شازيل الذي شاهدنا له قبل عامين فيلم "لا لا لاند" وكان ريان جوسلينج بطل لا لا لاند هو الاختيار الأفضل للقيام بدور رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونج صاحب الخطوة الأولي للإنسان علي سطح القمر يوم 21 يوليو 1969. والفيلم مأخوذ من كتاب "حياة نيل أرمسترونج" للكاتب جيمس هانسن وكتب السيناريو جوش سينجر والذي ركز علي الفترة التاريخية ما بين عامى 1961 و1969 من حياة "نيل" العملية وكذلك حياته الشخصية وعلاقته بأسرته الصغيرة "زوجته وولديه"..

أراد داميان شازيل التحرر من الأسلوب الوثائقي ، وحرص طوال الفيلم ان يمحنه قدراً من الدراما يبعده عن التوثيق الذي يلتصق بهذه النوعية من الأفلام. كما أن الصفات الشخصية لرائد الفضاء نيل أرمسترونج لم تعطي للحوار الفرصة للمزيد من الرغى .. لأنه شخصية قليلة الكلام في الحقيقة. ولا يجد ما يقوله في العديد من المناسبات. ظهر ذلك في المشهد الذي طلبت فيه زوجته جانيت "كلير فوي" ان يجلس مع أبنائه قبل الذهاب في رحلة أبوللو 11 للنزول علي القمر. وكانت تعتبر ذلك من أبسط حقوقهم علي أبيهم ، وان يصارحهم بان احتمالات عدم عوته أكثر بكثير من احتمالات عودته. ولكن المشهد جاء معبراً تماماً عن شخصية أرمسترونج الذي لم يجد كلاماً يقوله لأطفاله. لأن واجبه المهني يحتم عليه القيام بتلك الرحلة التاريخية.

كذلك حرص مدير التصوير لينوس ساند جرين علي استخدام الكاميرا المهتزة التي تعبر عن القلق والتوتر قبل القيام بالرحلة. كما انها تمنح الفيلم صورة اخبارية - ان جاز التعبير - وليست سينمائية تقليدية في محاولة للخروج من النمطية وان كان في الكثير من المشاهد كانت الصورة تشبه أعمال جماعة الدوجما الأوروبية في حين أن الفيلم هوليودي شكلا ومضمونا .

كما ألقي الفيلم الضوء علي المعاناة والضغوط التي سبقت رحلة أبوللو 11. خاصة بعد الحادث الذي أودي بحياة رواد الفضاء الثلاثة السابقين لرحلة النزول على القمر حرقاً نتيجة خطأ فني .. إلي جانب إعلان وكالة ناسا عن التكلفة المادية الكبيرة لأبحاث ورحلات الفضاء التي وصلت لألاف الملايين من الدولارات. الأمر الذي جعل السود يكتبون الأشعار ويقومون بالغناء فى الشوارع قائلين: "من أجل أن يصل الرجل الأبيض للقمر.. سوف نظل جوعي وفقراء" وكان ذلك من الضغوط الاجتماعية التي جعلت الفشل في رحلة أبوللو من المستحيلات.

نجح ريان جوسلينج في تقديم شخصية أرمسترونج. فهو شخص كما ذكرنا قليل الكلام بالإضافة انه لا يحب الحديث عن نفسه وكتوم ومشاعره داخلية لا تظهر أبداً علي تعبيراته. لذلك كان تقديم تلك الشخصية علي شاشة السينما من الأدوار الصعبة ولكن جوسلينج قدمها بصورة مقنعة للمشاهد.

الجملة الشهيرة التي قالها أرمسترونج عن أحساسه لحظة ما لمست قدمه سطح القمر لأول مرة.. قال: "هي خطوة صغيرة لإنسان.. عظيمة للبشرية" أصبحت أيقونة دخلت التاريخ ومن أشهر الكلمات التي قالها العظماء عبر التاريخ .. فيلم "أول إنسان" أراد أن يجعل السينما الروائية قادرة علي إعادة سرد قصصاً تفاصيلها معلومة للجميع بطريقة مختلفة وان كانت ليست جديدة.

الجمهورية المصرية في

31.10.2018

 
 
 
 
 

"أول رجل" لـ داميان شازيل: رحلة عاثرة إلى القمر

محمد جابر

ربما يكون المخرج داميان شازيل موهبة هوليوود الأكثر سطوعًا ونجاحًا في الأعوام الخمسة الأخيرة، إذْ نادرًا ما ينال صانع أفلام عن عمله الفعلي الأول صيتًا إيجابيًا كبيرًا كذاك الذي حصل عليه بفضل "ويبلاش" (2014)، الفائز بثلاث جوائز "أوسكار" في فئات أفضل ممثل في دور مساعد لجي. كاي. سيمّونز، وأفضل ميكساج صوت للثلاثي كريغ مان وبنْ ويلكينس وتوماس كورلي، وأفضل مونتاج لتوم كروس. هذا كلّه قبل أن يزداد الاحتفال الدولي به مع "لا لا لاند" (2016)، المُرشّح لـ14 جائزة " أوسكار، فاز بخمس منها، أبرزها في فئتي أفضل إخراج وأفضل ممثلة لإيما ستون. بهذا، أصبح شازيل أصغر فائز بتلك الجائزة في هذه الفئة، إذْ كان في الـ32 من عمره. 

لهذا كلّه، كان طبيعيًا أن يكون فيلمه الأخير "أول رجل" (First Man) الأكثر انتظارًا في عام 2018، قياسًا إلى العدد الكبير من محبي السينما، فهو يتناول فصولاً من سيرة حياة نِلْ أرمسترونغ، "أول رجل" يخطو على سطح القمر. 

منذ البداية، كان واضحًا أن الفيلم مختلف، في نوعه وشكله، عن الأفلام السابقة لداميان شازيل (1985)، التي كانت دائمًا على صلة بالموسيقى، ويُسائل جوهرُها قدرةَ العلاقات العاطفية على النجاح، في ظلّ الهوس العملي لأبطالها. ظاهريًا، يبدو "أول رجل" بعيدًا عن هذا كلّه. فهو فيلم تاريخي علمي، يتناول سيرة إحدى أشهر شخصيات القرن الـ20، ويحافظ على المحاور الأساسية لرحلة "الصعود إلى القمر" بين عامي 1961 و1969. 

سينمائيًا وتقنيًا، يتحرّك الفيلم بطموحٍ وجماليات مختلفة تمامًا عن الفيلمين السابقين. لكن، مِن وراء تلك الصورة الشكلية، وبحسب المعالجة الدرامية التي اختارها شازيل لفيلمه، المقتربة كثيرًا من الحياة الشخصية لأرمسترونغ، وهي لا تكتفي بصورته الأيقونية كرائد فضاء، أو بالتفاصيل العلمية لمهمته، فإنه يسهل اكتشاف ما يربطه بالأبطال السابقين للمخرج. مرّة أخرى، هناك هوس عملي يصطدم بالحياة العائلية والشخصية، وقصّة نجاح تُخلِّف ندوبًا كثيرة. 

ما خذل داميان شازيل هذه المرة، وجعل الفيلم أقلّ بريقًا من فيلميه السابقين، يكمن في السيناريو، الذي لم يكتبه بنفسه للمرّة الأولى في سيرته المهنيّة. فرغم أن المعالجة ذات بعد شخصي لحكاية رجل مثل نِلْ أرمسترونغ، وهي تمنح الفيلم احتمالات عاطفية مفتوحة، إلا أن السيناريو (نيكول برلمان وجوش سينغر، عن كتاب "أول رجل على سطح القمر" لجيمس أر. هانسن، وهو كتاب سيرة حياتية) لم يتحوّل إلى حكاية يُمكن للمُشاهد أن يتفاعل معها ويتأثر بها. 

فمن ناحية أولى، تخلو القصّة الحقيقية من أي دراما أو تحوّلات مثيرة. تصاعد الأمور يسير بشكل منطقي تمامًا، والأسوأ أن المشاهد يعرف نهاية ما سيحدث سلفًا، وأن البطل سيحقِّق هدفه ويصل إلى القمر بملحمية منتظرة. مشاهد الفضاء المعتَمِدة على إثارة الأعصاب تخلو من كلّ جاذبية حقيقية، كتلك الموجودة في أفلامٍ شبيهة من "أول رجل"، كما في "أبولو 13" (1995) لرون هاورد مثلاً. 

ومن ناحية ثانية، فإن اختيار السيناريو لسرد الحكاية عزّز من الشعور بتلك الفجوة، فهو يسير بشكل تعليمي وتقليدي تمامًا، كأنه فيلم وثائقي لا درامي، ويقفز أعوامًا عديدة في كلّ مرة لاستعراض حدثٍ كبير بالنسبة إلى رحلة الفضاء، من دون رابط درامي بين الأحداث، أو تغيّرات مؤثّرة في حياة الأبطال. صحيح أنه يركّز على الحياة الشخصية لنِلْ أرمسترونغ، وعلى التناقض بين طموحه العملي وحياته العائلية، إلاّ أن مقدار الحركة والدراما في هذا الجزء محدود للغاية، ويعوِّل ـ بدرجة مُبالغ بها ـ على حادثة موت ابنة أرمسترونغ في بداية الفيلم كمحرِّك عاطفي لكل ما حدث بعد ذلك، من دون أن يكون هذا الربط صلبًا أو قابلاً للتصديق، خصوصًا مع الضعف الشديد في شخصية جانيت شيرون، الزوجة الأولى لرائد الفضاء (كلير فوي)، التي لا تُقارن بالشخصيات النسائية الأخرى في أفلام شازيل. 

نتيجة هذا كلّه؟ "أول رجل" فيلم من دون دراما، له حكاية معروفة نهايتها، تتناول شخصية ناجحة وأيقونية، لكنها غير مثيرة للاهتمام. 

رغم ذلك، فإنّ الفيلم ليس سيئًا، بل مقبولاً في أسوأ الأحوال، بفضل تفاصيل لافتة للانتباه في موهبة داميان شازيل، كإدراته لراين غوزلينغ مجدّدًا في أداء هادئ وجذّاب، رغم تفاصيل الشخصية التي لا تساعده، أو الخيارات البصرية للعمل (لقطات مقرّبة، أو الـ"تراكينغ شوتس" المتتبعة للأبطال)، التي تحاول إبراز الجانب الشخصي والعاطفي في الحكاية، وطبعًا الكاميرا التي طوّرها فريق العمل مع "ناسا" نفسها، لمنح الفيلم صورة واقعية أقرب ما تكون إلى ما حدث فعليًا. لكن هذه التفاصيل الجيدة لم تنقذ شازيل، مع سيناريو فارغ إلى هذا الحدّ، فالفيلم مُحبِطٌ، وأقلّ أهمية بكثير من فيلميه السابقين.

 

####

 

كفرناحوم: ليس استثمار المهمّشين الأول

عمر بقبوق

نُشرت، أخيراً، الكثير من التعليقات والمقالات التي كُتبت في نقد فيلم نادين لبكي الأخير، "كفرناحوم"، الذي حاز إحدى جوائز مهرجان "كانّ". بعض التعليقات بدت محقة، وأخرى بدت وكأنها وجهات نظر استعراضية، تحاول أن تعكس ثقافة المنتقدين ومعرفتهم بالبيئة المهمشة التي صوّرها الفيلم، وبالطريقة التي يجب أن يتم فيها التعاطي مع هؤلاء المهمشين. 

كما أن نسبة كبيرة من التعليقات حملت صبغة أخلاقية، لتعترض على استغلال المهمشين في صناعة مادة سينمائية، وحضورهم الجسدي في الفيلم، رغم إقرار المنتقدين بجودة أداء الممثلين المنتمين إلى الهامش، وإقرارهم بأن وجود هؤلاء المهمشين أضفى على الفيلم صفة الواقعية. 

وقد يكون أبرز ما كُتب عن الفيلم هو مقال روجيه عوطة، الذي حاول فيه أن يكشف موقع نادين لبكي ضمن المعادلة التي صاغتها بفيلمها، ما بين الهوامش والإعلام (التلفزيون) والقضاء، بالإضافة إلى البنوك التي مولت الفيلم، ليدين لبكي التي تحيزت لمؤسسات الدولة على اختلاف أشكالها، ووقفت في وجه المهمشين وحملتهم المسؤولية الكاملة لكل ما يحدث من مآس بالفيلم. لكن ما تفتقده غالبية المقالات النقدية التي تناولت الفيلم هو القليل من التوازن؛ ففيلم نادين لبكي لم يحصل على جائزة مهرجان "كانّ" لأنه صور المهمشين بمنظور غربي فقط، كما يدعي بعضهم؛ بل إن الفيلم تمكن خلال سياق سردي مشوق، وبأسلوب الواقعية الإيطالية الجديدة، أن يرسم معالم مجتمع مهمش بإتقان، ليبني علاقات ولحظات إنسانية ستخلد طويلاً بذاكرة السينما العربية والعالمية، كالعلاقة بين الطفلين "زين" و"يونس"، التي انتهت ببيع "زين" الطفل الأثيوبي، بلوحة درامية بديعة، لا يمكن إنكار قيمتها السينمائية أبداً. لكن مشكلة الفيلم تكمن في الرسالة التي يحملها، فلبكي أساءت لتحفتها الفنية عندما رفضت أن تنهي الفيلم معلقاً من دون أن تضيف له نهاية سعيدة، يلعب بها دور البطولة التلفزيون والقضاء. 

الحقيقة، إن ما قدمته لبكي في "كفرناحوم" لا يبدو غريباً عن النشاط الفني في لبنان في السنوات الأخيرة، وهو يعكس -فكراً ومنهجاً- ممارسات إحدى شرائح المجتمع اللبناني، وهي شريحة المنظمات غير الحكومية؛ ففي الأعوام الأخيرة مولت المنظمات غير الحكومية اللبنانية عدداً كبيراً من الفعاليات الفنية، وقدمتها بالاعتماد على المهمشين، وغالباً ما تميل المنظمات للعمل مع الأطفال أو المراهقين اليافعين أو النساء، وفقاً لما يمليه الممول. فأقيمت في لبنان مئات الأعمال الفنية كنتيجة لورشات عمل يقوم فيها فنانون باستغلال المهمشين لتقديم عرض فني؛ وتُبرر هذه الورشات من خلال الادعاء بأنها تقدم للمهمشين خدمات اجتماعية ونفسية! وغالباً ما يُقبل المهمشون على المشاركة في هذه الأعمال بسبب رغباتهم وأحلامهم باحتراف الفن، رغم أن هذه الأنشطة يعيبها عدم قدرتها على الاستدامة، بسبب اقترانها بالتمويلات المحدودة، ناهيك عن كون المهمشين لا يستفيدون من هذه الأعمال مادياً، إذ إن المنظمات والفنانين يحتكرون العوائد المادية. 

ونتائج الورشات الفنية هذه، من مسرحيات وأفلام قصيرة أو وثائقية، عادةً ما توصل رسائل مشابهة لتلك التي طرحها فيلم "كفرناحوم"، فهي غالباً ما تُرجع سبب أية إشكالية اجتماعية إلى التخلف والفقر، فتنتقد ظواهر مثل الزواج المبكر وعمالة الأطفال وكثرة الإنجاب، وتحمّل المسؤولية لأهالي اليافعين المشاركين، من دون أن تُحمّل مؤسسات الدولة ولو جزءاً من المسؤولية. وفي أغلب هذه العروض، يتم استثمار أجساد المهمشين وحكاياتهم الشخصية لتقديم طروحات وإيصال رسائل تتوافق مع أفكار المنظمات غير الحكومية، ورؤيتها المتعالية للمجتمعات المهمشة التي تعايشها. 

ففي السنوات الأخيرة، اكتظت خشبات المسارح اللبنانية بأجساد اللاجئين السوريين والفلسطينيين وأبناء المناطق اللبنانية المهمشة، بحجة تقديم أعمال فنية هادفة؛ إلا أن مستوى تلك الأعمال فنياً لا يرقى إلى تلبية احتياجات السوق، ولم تتلقَ تلك الأعمال سوى الإشادة من قبل الصحافة، بسبب تعاطف النقاد مع مقدمي العروض. فهل مشكلة "كفرناحوم" تكمن بجودته الفنية؟ وحيازته على جائزة مهرجان "كان" السينمائي؟ علماً أن ما يعيب "كفرناحوم" من تبرئة مؤسسات الدولة من مسؤوليتها عما يحدث في الأوساط الأكثر تهميشاً، يمكن أن نعممه على غالبية تلك العروض، بل إن بعضها يتجاوز ذلك؛ ففي مسرحية "حبيب الكل" التي قدمت العام الماضي على خشبة مسرح دوار الشمس، والتي حضر فيها مجموعة من المراهقين المهمشين من مدينة عكار، فإن العرض لم يكتفِ بتبرئة مؤسسات الدولة، بل إنه قام بامتداح الجيش اللبناني على لسان المهمشين، ووجد به حلاً لكل المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها أبناء الساحل الشمالي. 

لكن أسوأ ما تقوم به هذه العروض والورشات الفنية هو زراعة الأمل الكاذب بتحويل المهمشين إلى فنانين، وهو الأمر الذي يجعل من فيلم "كفرناحوم" يبدو أفضل من الناحية الأخلاقية، فإن زين الرافعي تحول إلى نجم بالفعل بعد مشاركته في الفيلم، ومن غير المستبعد أن يكمل مسيرته الفنية في ما بعد، وأن يفتح الفيلم له الأفق لاحتراف التمثيل لاحقاً.

العربي الجديد اللندنية في

01.11.2018

 
 
 
 
 

حصل على إشادات نقدية.. تعرف على أحدث أعمال رامي مالك Bohemian Rhapsody

كتب: نورهان نصرالله

نجح فيلم "Bohemian Rhapsody" إخراج براين سينجر، وبطولة الممثل الأمريكي من أصل مصري رامي مالك تحقيق إيرادات وصلت إلى 12 مليون دولار بعد طرح الفيلم في المملكة المتحدة، وهو الفيلم الذى يتناول السيرة الذاتية لـ فريدي ميركوري المغني الرئيسي لفرقة الروك البريطانية "كوين".

وفيما يلى أبرز معلومات عن الفيلم، الذي يقوم ببطولته الممثل المصري:

- صدر الفيلم بدور العرض في المملكة المتحدة يوم 24 أكتوبر، بينما تم طرحه في الولايات المتحدة الأمريكية يوم 2 نوفمبر الجاري.

- وجهت عدد من الانتقادات إلى الفيلم فيما يتعلق بالسيناريو وعدم دقة الأحداث من الناحية التاريخية، بالإضافة إلى الإخراج، ولكن حصل أداء رامي مالك لشخصية "فريدي ميركوري" على إشادات نقدية.

- بدأ المخرج براين سينجر تصوير الفيلم في سبتمبر 2017، بالعاصمة لندن، ولكن ترك العمل بالفيلم في ديسمبر بسبب غيابه المتكرر وخلافات مع فريق العمل، وتم التعاقد مع دكستر فليتشر لإكمال الفيلم، وتم الانتهاء من التصوير في يناير 2018.

- بلغت ميزانية الفيلم 52 مليون دولار.

- تدور أحداث الفيلم حول فرقة الروك البريطانية "كوين" وأعضائها على رأسهم فريدي مركيوري، حيث يوثق الفيلم أحداث السنوات التي قادت فرقة كوين لظهورها الأسطوري بالحفلة الموسيقية التابعة لإذاعة (Live Aid) عام 1985، ويكشف فريدي أنه مصاب بالإيدز، مما يساعد على زيادة معدل التبرعات خلال الحدث.

- يعود اسم الفيلم إلى الأغنية التي قدمتها الفرقة من كتابة "مركيوري"، وصدرت عام 1975 وحصدت عددًا من الجوائز منها جائزة بريت لأفضل أغنية بريطانية.

- تم الإعلان عن الفيلم في 2010، وفي إحدى المقابلات مع "BBC" في شهر سبتمبر 2010، كشف عازف الجيتار في فرقة "كوين" بريان ماي، عن مشروع فيلم مقبل بشأن تاريخ الفرقة، كان من المقرر أن يلعب الممثل البريطاني ساشا بارون كوهين دور فريدي ميركوري، في يوليو 2013، غادر بارون كوهين المشروع بسبب خلافات مع أعضاء الفرقة، ليكون بن ويشا اسم مطروح لتقديم الدور، في 4 نوفمبر 2016 ، تم الإعلان عن أن رامي مالك سوف يلعب دور فريدي ميركوري.

- في نوفمبر 2015 ، أصبح كاتب السيناريو أنتوني ماكارتان مرتبطًا بالمشروع، والذي يحمل الآن عنوانًا عمليًا لـ "Bohemian Rhapsody"، قام بتسليم أول مسودة له في فبراير 2016.

- تم تصميم نسخة طبق الأصل للحفلة الموسيقية التابعة لإذاعة (Live Aid) التي تم تقديمها عام 1985، في استاد ويمبلي، وذلك بمساعدة جريج بروكس المسئول عن أرشيف الفرقة، الذي كان عاملًا أساسيًا في المساعدة على إعادة إنشاء كل مشهد لجعله حقيقيًا وأقرب لما حدث في الواقع قدر الإمكان، حيث كان يعمل يوميًا مع "فوكس" لأشهر من البداية، ويقدم إجابات على كل الأسئلة.

اليوم السابع المصرية في

01.11.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)