كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

سؤدد كعدان لـ"العربي الجديد":

الناس هنا يعيشون من دون ظلال

أجراها نديم جرجوره

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

تغوص السورية سؤدد كعدان، في أول روائي طويل لها بعنوان "يوم أضعتُ ظلّي" ـ الفائز بـ"أسد المستقبل" في مسابقة "آفاق" في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي" ـ في متاهات العيش اليومي في حربٍ سورية طاحنة، من دون الاقتراب منها، لشدّة انهماكها في متابعة أحوال 3 أفراد يلتقون صدفة ويبدأون معًا رحلة البحث عن خلاص أو منفذ.

أرادت سناء (سوسن أرشيد) تحضير طعام العشاء لابنها خليل (أحمد مرهف آل علي) في منزلها الدمشقي أثناء الحرب السورية تلك. لكن قارورة الغاز تنفد، فتُقرِّر شراء قارورة جديدة، من دون أن تتمكّن من تحقيق ذلك، لأن جنودًا سوريين يأخذون القوارير كلّها من المحلّ. تلتقي الشقيقين جلال (سامر إسماعيل) وريم (ريهام الكسار)، الباحثين هما أيضًا عن قارورة جديدة، فيقومون معًا في تجوال قاس وخطر يأخذهم في بعض جوانب بلدٍ ممزّق بالموت والدمار.

لعبة ظلال تجتهد سؤدد كعدان لتحقيقها في قلب نزاعات جمّة تعيشها الشخصيات الأساسية، وفي أعماق ذوات مهشّمة ومسحوقة، لكنها تعاند في مواجهة القدر والقتل والتغييب.

"العربي الجديد" التقت سؤدد كعدان في هذا الحوار:

·        (*) أمضيتِ أعوامًا عديدة قبل إنجازك "يوم أضعتُ ظلّي". ما الذي تغيَّر منذ بداية المشروع حتى الانتهاء من تنفيذه؟ ما الذي حصل؟

ـ لا يُمكن معرفة النتيجة النهائية للفيلم إلّا بعد الانتهاء من المونتاج كلّه. بدأت الكتابة بين عامي 2011 و2012 في دمشق. أول تمويل حصلت عليه كان من "صندوق سند لتمويل الأفلام" (مهرجان أبوظبي السينمائي) و"مؤسّسة الدوحة للأفلام". حينها، كنتُ ما أزال مُقيمة في سورية، قبل انتقالي لاحقًا إلى بيروت. البحث عن تمويل مُرهِقٌ، وهو محتاج إلى وقتٍ طويل. ذلك أن صعوبة تحقيق فيلمٍ كهذا كامنةٌ في الحصول على التمويل المطلوب. 

المسألة الأخرى متعلّقة بكيفية بناء الفيلم على فكرة العلاقة بالظلال. أي أن هناك عنصرًا بصريًا لا ينتبه المشاهدون جميعهم إليه، وعليّ إيجاد وسيلة سينمائية لجعلهم ينتبهون. هذه المسألة تطلّبت مني اشتغالاً لمدة عام كامل، بحثت خلاله عن كيفية إظهار العلاقة بالظلال واختفائها، للمحافظة على التأثير بالمُشاهدين. هذا، بالنسبة إليّ، مهم للغاية.

التمويل أولاً، والانتقال من بلد إلى بلد، والبحث عن وسيلةٍ لإظهار ما أريد إظهاره، أمور حاصلة معي خلال تلك الفترة. ثم إن سينما مستقلّة كهذه محتاجة إلى بنية تحتية. عندما تنتقل من بلد إلى بلد تفقد أمورًا كثيرة، وتجد نفسك مضطرًّا لأن تبدأ عملك "من أول وجديد". لكن صعوبة الإنتاج مرتبطة بصعوبة إظهار البصريّ. وقتٌ طويلٌ أمضيته مع فريق عمل مختصّ بتصميم الصوت، كي أحصل على صوتٍ يُرافق الصورة. 

أنا تغيّرت في 7 أعوام. كنتُ في سورية. طبيعة علاقتي بالموضوع. هذه أمور من بين أمور أخرى عديدة. منذ كتابتي الفيلم للمرة الأولى، اهتممت بالمونتاج لأنه جزءٌ من الكتابة. في اللحظات الأخيرة، حذفت من الحوار كلّ ما له علاقة بسورية. لم يعد يهمّني هذا الأمر كما في البداية. لم أعد أريد شيئًا مباشرًا، أو كلامًا في السياسة. ما يهمّني متعلّق بالكابوس الذي يعانيه من يَعيش حالة كهذه. حذفت الحوارات كلّها، بإيجابياتها وسلبياتها. نقّاد أجانب اعتبروه قويًا لأن لا حوار فيه يُسمّي الأشياء، بل لأنه يُعطي ما يُمكن اعتباره ملخّصًا، أو شيئًا مجرّدًا عن الموضوع.

·        (*) هذا واضحٌ. قلّة الكلام، وعندما يكون كلامٌ فهو أقرب إلى الواقع منه إلى تنظيرٍ أو مباشرةٍ.
ـ ما يهمني في "يوم أضعتُ ظلّي" ألا تصل الحكاية بالكلمة. لا حوارات تعبّر عن شيء أساسي. هذه حوارات لأناس لا يُحلّلون بل يقولون ويتصرّفون بشكل طبيعي. هناك ما يُشبه الانفصال أيضًا، أي أن تتحدّث سناء (سوسن أرشيد) مثلاً عن الطقس وهي تمسك بيديها جثة جلال (سامر إسماعيل). أن تكون الحوارات يومية لكنها صادمة. أن تكون مناقضة لما تريد الشخصية أن تقوله في لحظة ما.

طبعًا، هناك مدرسة في كتابة السيناريو تعتمد على الحوار. أفهم هذا. لكن هذا أيضًا خيار لي. لا حوارات كثيرة. كثيرون يتوقّعون من فيلم سوري أن يشرح ويفسّر، وأن يُلقي خطابات. بالنسبة إليّ، هذا كلّه غير مهمّ وغير ضروري البتّة. هذا كلّه معروف أصلاً. ما أردته كامنٌ في تخفيف الكلام لصالح الصورة والتعبير البصري، أي الكتابة بالتصوير. لذا، اشتغلتُ 8 أشهر لتحقيق أول مونتاج، كي أحذف جملاً أكثر لأني أرغب في إتاحة مجالٍ أكبر للصورة التي تُعبِّر، وكي تكون الجمل القليلة أقدر على البوح والتعبير.

·        (*) ذكرتِ قبل قليل سوسن أرشيد. أودّ التوقّف قليلاً عندها. رغم أني عارفٌ بأن اختيارها لتأدية دور البطولة خيار سينمائي خاص بك، إلّا أني لم أتمكّن من التفاعل معها كممثلة أولاً، وثانيًا كممثلة تعكس تلك الشخصية الأساسية والمحورية في الفيلم.

ـ البحث أساسي عن الممثلة الرئيسية، فهي الحالات كلّها في الفيلم الذي يُبنى عليها ويتقدّم بفضلها. هي تحمل الرحلة (التي تقوم بها سناء والشقيقان جلال وريم). الكاميرا تحاول أن تبقى مع الشخصية الأساسية. هذا فيلم ذاتي، وهي تحمل رأيي وتعيش شيئًا شخصيًا مني. 

بداية، أنا سعيدة باختياري سوسن، لأن لديها ذاك الوجه الحيادي الذي يمكن ألّا يكشف أي انفعال إزاء صدمة ما. أثناء الحرب، هناك لحظات معينة لا تشعر فيها بأي حزن أو حِداد. عليك أن تعيش وأن تعود إلى عائلتك وأولادك. هذا أداء يقول إنّ الإنسان في الحرب غير قادر على تطوير أي علاقة له بأحاسيسه. لا وقت لهذا، ولا للمشاعر. الموت يومي، بل إنه يحدث كلّ لحظة. الأهم أن تعيش وأن تحصل على الأشياء البسيطة. أن تطبخ طعامًا لابنك مثلاً، فيكون همّك الوحيد هو هذا. اللبنانيون عاشوا الحرب وهم يعرفون أمورًا كهذه، لأن أشياء كثيرة تغيب أمام اهتماماتٍ أصغر وأقلّ أهمية. 

وجه سوسن كان المعبِّر الحقيقي عمّا أريده. لا ممثلات في سورية أستطيع التعامل معهنّ في ظروف كهذه. سوسن موجودة في فرنسا. استطعت التعامل معها. الفيلم ليس سهلاً. لا بساطة للأشخاص مع الحدث السوري. هناك ألم. هناك مسافة فنية مع الواقع. تركَتْ ابنها كي تمثِّل. هذا مهم. في تلك الفترة، التقت ابنها مرة واحدة فقط في 8 أشهر عملٍ، رغم أن التصوير احتاج إلى 22 يومًا. هذا صعب بالنسبة إليها. هي أحبّت السيناريو ووافقت عليه. 

ثم إني أردتُ أداءً يُحافظ على عفوية كاملة. هذا منطبقٌ على الممثلين جميعهم. لم أكن أخبرهم أين أضع الكاميرا، ولا متى نتوقّف عن التصوير. أردتُ معرفة مدى قدرتهم على الارتجال. أردتُ عفويتهم في أدائهم الشخصيات.

·        (*) إذًا، كيف تعاملت مع الممثلين؟ هل قرأوا السيناريو كلّه قبل التصوير مثلاً؟

ـ الممثلون الأساسيون قرأوا السيناريو كلّه. من تجاوز دوره 3 صفحات قرأ السيناريو كله أيضًا. مع الممثلين الآخرين، كانت تهمّني الحالة. 

اختيار الممثل يأتي نتيجة الـ"كاستينغ" طبعًا. بعد الـ"كاستينغ"، أرسلت للممثل المختار مشهدًا واحدًا طويلاً كي أرى ما إذا كان قادرًا على حمله أم لا. بعد اعتمادي إياه، أرسلتُ له النص كاملاً. الاشتغال مع الممثلين الأساسيين دائمٌ وجماعي. لذا، تشعر أن هناك تواصلاً فعليًا بينهم. الممثلون الآخرون قادمون من مخيمات سورية في لبنان. هؤلاء غير محترفين. 

لكوني مخرجة وثائقية، أعرف الناس الذين عاشوا معاناة. لا شيء أقوى من الوجه والملامح. الأهالي في العزاء والدفن هم أناس يُمثّلون للمرّة الأولى. كل واحد منهم كان يتذكّر ألمًا فيه، فيستمر بكاؤه إلى ما بعد الـCut. النجوم ساعدوا الآخرين لتبسيط المشهد واللقطة أمامهم، وساعدوهم أيضًا على التوقّف عند اللحظة المناسبة والمطلوبة. لم يتعاملوا معهم بمنطق النجومية.

كان الأمر صعبًا وضاغطًا. 22 يوم تصوير لفيلمٍ يحتاج إلى 30 أو 32 يومًا. الفترة التي صوّرت فيها كانت في الشتاء. كنا نعمل 10 ساعات يوميًا. حالة التأهب عالية. كان العمل مرهقًا فهو يمتدّ على 5 أو 6 أيام في الأسبوع. مع هذا، كان الأمر جميلاً.

·        (*) ما يلفت الانتباه أيضًا طريقة استعمالك الكاميرا وعلاقتها بالممثلين/ الشخصيات.

ـ منذ البداية أردتُ أن تكون الكاميرا "كلوز آب"، وأن تكون محمولة، وأن يكون الكادر ضيّقًا كي ترى القليل الذي حولك. ففي الحرب، لا ترى كلّ شيء. كأنك محصور. كأنك تتذكّر أمرًا ما فتشاهده في ذهنك من هذه الزاوية. كان مهمًّا لي أن تبقى الكاميرا مع الشخصيات من وجهة نظر ذاتية. التركيز على الصوت والوجه وحالة الفارين. 

كمخرجة وثائقية، معتادةٌ أنا على كون الكاميرا ثابتة. لكن الخيار هنا روائيٌّ لا وثائقي، وهذا يتطلّب تعاملاً آخر مع الكاميرا، خصوصًا أن في الفيلم ما أعتبره "واقعية سحرية"، وهذه محتاجة إلى أسلوب آخر في العمل. هناك علاقة الشخصيات بالظلال، وهذا يعني وجود "واقعية سحرية" و"واقعية عادية" في الفيلم. أي أنّ هناك مقاربتين: كاميرا محمولة في التعامل مع نظرة الشخصيات أثناء الحرب. وهناك مقاربة الظلال واختفائها، وهذه محتاجة إلى طريقة أخرى في العمل. أي أن هناك حاجة إلى وسيلة ما للتعبير والتصوير. 

لعبة الظلال، أي الواقعية السحرية، تحصل للمرة الأولى عند عبور النهر. لكن هذا ليس انتقالاً من الواقعية إلى الواقعية السحرية فقط، بل أيضًا انتقال الحرب من جهة إلى أخرى، من المدينة إلى الريف.

دعني أُبسِّط المسألة. هناك 3 أنواع من العبور. الأول هو عبور من الواقعية إلى الواقعية السحرية، وبدء ملاحظة الظلال واختفائها بعد عبور النهر، عندما تكتشف سناء، للمرة الأولى، أن لا ظلال. الثاني بصريّ: من كاميرا محمولة ومتحرّكة إلى أخرى ثابتة لتبيان الواقعية السحرية، والبدء بالتركيز على هذه المسألة. هناك أيضًا عبور ثالث: فللعبور من المدينة إلى الريف بُعدٌ ميتافيزيقي يعكس انتقالاً من حالة نفسية إلى أخرى.

·        (*) ماذا عن الموسيقى؟ رغم أنها قليلة، تمنّيتُ لو أنك لم تستخدمي الموسيقى في مشاهد ولقطات مُحمّلة بعمق درامي وجمالي يُمكنه أن يكون أقوى وأعمق من دون موسيقى. 

ـ في كتابتي الأولى للفيلم، لم تكن هناك موسيقى. كنان العظمة قال لي إن الفيلم غير محتاج إلى الموسيقى، فأخبرته بحاجتي إلى أن أُظِهر للمُشاهد أين الواقعية وأين الواقعية السحرية. فادي باقي اشتغل على المؤثّرات الخاصّة. 

كثيرون لم ينتبهوا إلى اختفاء الظلال. نقاد سينمائيون ومتذوّقون ومخرجون وأناسٌ عاديون شاهدوا الفيلم لم ينتبهوا إلى الظلال. هناك من اعتبر الظلال "تعبيرًا مجازيًا". لذا، كانت الطريقة الوحيدة للتنبيه إليها هي الموسيقى، التي تُنبِّه إلى اختفاء شيء في الصورة.

توماس روبير (مُوَلِّف ومهندس صوت)، العامل مرارًا مع السينمائيّ التركي نوري بيلغي جيلان، اشتغل على كيفية إيجاد صوتٍ لاختفاء صورة. هناك تمزّق الروح أيضًا. الصوت يذهب إليه. هناك حاجة إلى صوت لمساعدة المُشاهد على التنبّه إلى شيءٍ ما يحدث في الصورة والظلال. أجرينا محاولات تقنية وفنية مختلفة، لكنها لم تجعل المُشاهد ينتبه إلى الظلال، فكان الحل الوحيد الموسيقى. 

استخدمتُ الموسيقى فقط لهذا السبب. مع التمزّق الروحي، استعان توماس روبير بصوت الـ"تشيلّو". أما الفانتازيا وعوالمها، فكانت الـ"كلارينيت" مع كنان العظمة. لكن، هناك لحظات قليلة اختفى الظلّ فيها من دون صوت: مشهد سناء في منزلها بعد عودتها إليه. ريم (ريهام الكسار) أثناء تحدّثها عن شقيقها جلال (سامر إسماعيل) في الغرفة.

·        (*) سؤال أخير: رغم تناولنا الجانب السينمائي واشتغالك الفني والتقني والجمالي، لم أسألك عن فكرة الظلال واختفائها. من أين أتتك؟ كيف انتبهتِ إليها أنتِ؟

ـ في سورية، كان لديّ شعور أني لن أتمكّن من صنع أفلام كمخرجة وثائقية. كان لديّ اقتناع بأنّ الصورة لن تعبّر عن الواقع. هذا ليس تفلسفًا. كيف يُمكن لكاميرتي أن تُصوّر هذه الأشياء؟ كنتُ أتساءل: هل تقدر السينما أن تعبّر عن الحرب؟ شاهدتُ أفلامًا كثيرة عن الحروب والصدمات. بشاعة الحرب أكبر من صورة. ثم شاهدتُ "هيروشيما حبّي" (1959) لآلان رينيه. 

هيروشيما مدخلي إلى الظلال والموت. هناك قنبلة نووية هدمت المدينة، وأحرقت الناس وظلالهم. هناك صُورٌ بالأسود والأبيض تعكس أمورًا كهذه. أناسٌ يبكون. أناسٌ يختفون لكن ظلالهم تبقى بعد اختفائهم. القنبلة ضوئية، أخفت الناس وأبقت على ظلالهم. كلّ عام، يرسم البعض تلك الظلال لتذكّر الناس الذين اختفوا. 

معي، انقلب الموضوع، فنحن هنا على عكس ذلك. عندما تموت، ينتهي الألم. وعندما تكون حيّاً لا تستطيع تغيير شيء في الحرب. هكذا شعرتُ. هذه الصُور في هيروشيما أوصلتني إلى الحالة العاطفية التي أعبّر عنها. ربما ليس الأمر منطقيًا، لكن الناس هنا يعيشون من دون ظلال.

العربي الجديد اللندنية في

22.10.2018

 
 
 
 
 

أحمد فرغلي رضوان يكتب:

A star is born .. الحب لا يتحمل الشهرة!

كنت أحتاج لصوتها هي واحدة من أفضل الأصوات في جيلها.. هكذا يقول برادلي كوبر عن سبب اختياره ليدي جاجا والتي كانت مرعوبة من التجربة في البداية ولكنها وجدت الفيلم يحاكي قصتها ولذلك كان سهل عليها الإندماج ، بالفعل فيلم A star is born بسيط ولكنه يحرك مشاعرك بصدق.

رغم أن القصة مكررة عن قوة الحب وصموده في مواجهة النجومية، والشهرة المتصاعدة وسبق وقدمت أكثر من مرة نفس القصة على شاشة السينما، لكن اللافت ردود الأفعال الجيدة جدا على النسخة الجديدة والتي قدمها برادلي كوبر بمشاركة ليدي جاجا، ممكن أن نقول أنهما نجحا في تقديم روح جديدة للعمل بجانب صدق كبير في الأداء والمشاعر وصلت للجمهور خاصة الأداء المفاجأة لليدي جاجا كممثلة والتي حرصت مع كوبر على استخدام خبرتها كمطربة وطلبت غناء الحفلات بالفيلم بشكل حقيقي وفي مهرجانات كبيرة.. وقد كان لذلك مصداقية كبيرة وتفاعل من قبل الجمهور، خاصة في الأغنية الدرامية المؤثرة في نهاية الفيلم ولا تتعجب اذا سمعت بكاء الفتيات في دور العرض.

الفيلم يتحدث عن رحلة صعود وهبوط في حياة نجمين في نفس الوقت، ففي الوقت الذي اكتشف المطرب المشهور “جاك” المطربة المغمورة “آلي” ووقع في غرام صوتها.. ونشاهد نظرات عيونهما “المعبرة” عن قرب لبعضهما البعض وكأنهما وقع في غرام مواهبهما قبل الإعجاب والحب في أول لقاء بينهما، حينها قرر أن يتبى موهبتها في الغناء، وتبدأ الدراما المعهودة في نفس توقيت صعود نجم “آلي” يخفت نجم “جاك” وتنهار حالته النفسية! ويفقد السيطرة على حياته وعلى موهبته أيضا! ويكسر قلب حبيبته بنهاية مآساوية يعتقد انه أنقذ مستقبلها.

برادلي كوبر لعب دور “الجوكر” في الفيلم مثل واخرج وشارك في السيناريو ولكنه محظوظ فالنتيجة كانت إيجابية بشكل كبير وبدأ الحديث عن حجز الفيلم لعدد من ترشيحات جوائز الأوسكار خاصة في الغناء والموسيقى وربما تفعلها ليدي جاجا وتفوز بأفضل ممثلة، حيث قدمت شخصية الفتاة البسيطة الباحثة عن حلمها رغم صعوبة تحقيقه وبعفوية الفتاة “الغير مرودة” كما نشاهدها في بداية الفيلم، وصولا لمشاهدها وهي تقف على المسرح بدون غرور أو ثقة النجومية وكأنها بالفعل تغني لأول مرة أمام جمهور جاك الكبير بأغنية Shallow ونشاهدهما يقدمان أداء ساحر.

نجحت ليدي جاجا في تجسيد جميع مراحل شخصية “آلي” بأداء بسيط  وصادق، وساعدها الموسيقى الرائعة مثل المشاعر التي تملأ الفيلم من البداية للنهاية، كذلك برادلي كوبر نجح في الخروج من الشكل الكاريكاتوري والنمطي “لمدمن الخمر” وساعد كوبر كل من إريك روث وويل فايرز بوضع سيناريو ذكي يلقي الضوء على العلاقات الإنسانية بشكل عميق، وإلى جانب مشاعر الحب بين جاك وألي، نشاهد مشاعر الاخوة بين جاك واخيه الذي كان له بمثابة “مربي” يتحمل تصرفاته العشوائية من وراء ادمانه للكحولو ايضا مدير لأعماله، الفيلم يوجه للقلب مباشرة ولكنه مليء بالألم والرومانسية معا.

الكيمياء كانت واضحة جدا بين كوبر وجاجا ونجح كوبر كمخرج في “خطف” المشاهدين منذ بداية الفيلم السريعة التي تدخلنا سريعا إلى قصة الاعجاب بين جاك وآلي وتجد الجمهور يتعجل تطورها المثير، وصولا لمشهد النهاية والذي يتم فيه دمج صوت جاك مع غناءها “المؤثر” على المسرح مع واحدة من أفضل أغنيات السينما مؤخرا I’ll Never Love Again ورشحها الكثيرين للأوسكار، إالة جانب أن أغنيا الفيلم تصدرت iTunes أمريكا.

الفيلم لم يسمح بوجود تفاصيل لعلاقات إنسانية أخرى بالفيلم فكان وجود جميع الممثلين كضيوف شرف وربما أداء سام إليوت في شخصية الشقيق كان لافتا في مشاهده القليلة وكان يستحق مساحة أكبر لتفاصيل العلاقة بين الشقيقين، ولكن في النهاية الفيلم حقق نجاح مع الجمهور كبير وربما يدل على إفتقادهم لقصص الحب الصادقة على شاشة السينما.

الفيلم حاول أن يتحدث عن النجومية والشهرة ويقول شيئا ما من خلال القصة التقليدية في هوليوود مع صعود نجم يتم طرد نجم أخر من الساحة!

موقع "إعلا.أورغ" في

22.10.2018

 
 
 
 
 

ضمن مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"

«رحلة» الدراجي: صورة السينما في عراق ما بعد الاحتلال

تمّام هنيدي

«رحلة» الدراجي: صورة السينما في عراق ما بعد الاحتلال

مونديال أهل العريس«كنت نام عالسطح»: السينما التي لا تبحث عن الدموع

عن تلّ الزعتر وشهداء "الإعلام الصباحي"!

لكنّ مصادفاتٍ قدَريّة، تحولُ دونَ وقوع الكارثة، فقد تكفّلَ شابٌ لعوبٌ يُدعى "سلام" (لعبَ دورهُ أمير جبارة) يعيشُ على خداع المسافرين في المحطة ببيع أطرافٍ صناعية، ويقتاتُ من الفُتات الذي "ينصبُ" لأجله على الناس، تكفّل بإيقاف الكارثة.

يندرج فيلم "الرحلة" للمخرج العراقي محمد الدرّاجي، ضمن سلسلة لم تتضح معالمُ بداياتها في السينما العراقية بعد زوال نظام حزب البعث الذي حكم البلاد بالحديد والنّار لعقود. ولا يُجحفُ المتابعُ إذا رأى، على ذلك، أنّ محمد الدرّاجي (٣٩ سنة) واحد من أبرز أسماء هذه المرحلة في السينما العراقية التي ترِدُ إلى شاشات السينما.

فالشاب الذي سبق وأخرجَ كلاً من: "أحلام" و"ابن بابل" و"بين ذراعي أمي" و"تحت رمال بابل"، لا يتوانى في أفلامه، والتي تبدو من خلال عناوينها حتى؛ مهجوسةً ببلاد الرّافدين وما آل إليهِ الحال فيها، عن الاشتباك مع مشكلات الإنسان العراقي، ما بعد الديكتاتور والاحتلال.

قصّة الفيلم تدور حول فتاةٍ عراقيةٍ اسمُها سارة (زهراء غندور) تصلُ إلى محطّة القطارات في بغداد ملفوفةً بحزامٍ ناسف، تنوي تفجيرَ نفسها هناك. تزامنًا مع وصولِ وفدٍ ديبلوماسيّ يضمّ السّفيرين الأمريكي والفرنسي على متن القطار القادم من البصرة، وقد تأخرَ وصوله. أحداث الفيلم بالكامل، تدورُ في هذه الآونة، في محطة القطارات، حيثُ المكانُ المُختارُ بعناية من قبل المخرج، أعطى للفيلم صورةً جميلةً بين السكك والقطارات القديمة المخلّعة، والمخازن والأرصفة، في دهاليز منحتنا جرعةً بصرية بديعة طوال دقائق الشريط السينمائي.

لكنّ مصادفاتٍ قدَريّة، تحولُ دونَ وقوع الكارثة، فقد تكفّلَ شابٌ لعوبٌ يُدعى "سلام" (لعبَ دورهُ أمير جبارة) يعيشُ على خداع المسافرين في المحطة ببيع أطرافٍ صناعية، ويقتاتُ من الفُتات الذي "ينصبُ" لأجله على الناس، تكفّل بإيقاف الكارثة.

وعلى الرغمِ من أنهُ متحرّش أيضًا! بيدَ أنّ هذه المثلبة الاجتماعية، والجرم القانونيّ، أي التحرّش، ستساهمُ هذه المرّة بالحؤول دون كارثة إنسانية يذهبُ ضحيّتها عشرات الأبرياء. إذ يتحرّشُ سلام بسارة، فتهددهُ بحزامها النّاسف، وتسوقُهُ سوقًا، بعد أن كُلّفت عبر هاتفٍ متكررٍ مجهولِ المصدر ويعطي دائمًا التعليمات، بألا يفلت من يديها لأنّ بإمكانه إفشاء سرّها وإفشال العملية، فيُصبح شريكها في بطولة الفيلم. وهنا تحدثُ الانعطافةُ الدرامية، حيث تُلقي سيدة هاربة من رجال الجيش الأمريكي المتواجدين بكثرة في المحطة، بحقيبةٍ في يد سلام، وتحاول الفرار من الجنود، لنكتشفَ أنّ في الحقيبة طفل. تحاولُ سارة إجبار سلام على تركه، لكنّهُ يرفض تركه بشكل قاطع. انعطافة إنسانية، في مشاعرِ الانتحارية التي كانت قبل قليل تنوي قتل العشرات، ساهمَت بتعزيزها الحوارات التي دارت بين الرهينة وخاطفها، سلام وسارة (كانت مباشرةً في مرّاتٍ، ومتكلّفةً أحيانًا في أخرى) عن جدوى ما تقومُ به، وكيفَ أنها ستقومُ بجريمةٍ تودي بحياةِ أناسٍ مساكين لا ذنبَ لهم في كلّ ما يدور في رأسِها. وبالتأكيد، فإنّ نهايةَ القصّة بأن تعدِلَ سارة عن رأيِها، وتقرر ألّا تقوم بالعملية، لم يكن مفاجئًا للمشاهد، ذلك أنّ السياق قدّمَ توطئةً كافية، للوصول إلى تلك الخلاصة.

مشاهد الفيلم مشغولة بحُب كبيرٍ للسينما، للصورة السينمائية، ومشغوفةً بالمُهمَلِ والمَتروك، والهامشيّ. حاولَ الدرّاجي أن يُقدّمَ نماذجَ مختلفة للشخصية العراقيّة بعد مرورِ خمسة عشر عاماً على نهاية نظام الطاغية، فاختارَ كهلًا مكلومًا، رجلًا يتزيّن بثيابٍ عسكرية بالية ويرطن بخطاباتٍ جوفاء أكل عليها الزمن وشرب، وأطفالًا مشرّدينَ وفتاة مضطربةً وموسيقيًا حالمًا مع فرقتِهِ، سرق السّجنُ من حياتِهِ ٢٢عامًا فخرجَ مُستمرِئًا مظلوميّتهُ المُحقّة. ثمّة شخصيّات ذات ظروفٍ غير طبيعية، كأنما أريد منها أن تعكس ظروفًا غير طبيعيّة يمرّ بها العراق والإنسان العراقيّ أولًا، منذ زوال صدّام حسين من حاضر الناس المُستمرّ، أي منذُ فجر أول أيام عيد الأضحى، في الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر عام ٢٠٠٦. وهو التاريخ الذي اختار المخرجُ أن يبدأ فيلمه منه. لحظة وفاة الديكتاتور.

وإذا كان السيناريو والحوار يُعدّ من النقاط الأضعف في الشريط، فإنّ من الواجب القول إنّ المخرج استطاع التلاعب بمشاعر المشاهدين من خلال صورةٍ سينمائية جميلة، عكست امتلاكه لعين نظيفةٍ ونباهةٍ عالية، وامتلاكهُ، بالتوازي، الدقّة في اختيار فريق عمل الفيلم، إذ تبدو الاحترافية العالية في حركة الكاميرا، والانتقال بين الظلّ والنور، والتي يقفُ خلفها مدير التصوير دريد منجم. كما ساهمَت الموسيقى التصويرية (مايك كورتزر وفابيان كورتزر) بإعطاء المشاهد ما كان يلزمها من مؤثراتٍ تتناسب مع الحركة الدرامية للفيلم. وتجدرُ الإشارةُ إلى فريق عمل المونتاج (باسكال شافانس، هيرفي دي لويس والدراجي نفسه) والإشادة بما خرج عليه الشريط السينمائي من تشكيل للمشاهد، وازى في جماليته التشكيل البصري المتقن للعمل.

تصويرُ الفيلم جرى في العام ٢٠١٦ في بغداد، بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على الاحتلال، تغيّرت أشياء كثيرة منذ ذلك الوقت. ولكنّ معاناة الناس في صراعهم المرير مع الحياة لم تتغير، ازداد اليأس، ازدادَ المُضطربون، ازدادَ الرّاديكاليّون، تعاظمت المأساة، وصارَ الدّمُ ثقيلًا جدًا على كواهل العراقيين. كلّ هذه المفردات تجعلُ فيلم الرّحلة ينقسمُ إلى نداء استغاثة أطلقهُ المُخرج لإنقاذ ما تبقى من شخصية الإنسان العراقي من ناحية، ويُمثّلُ رؤية جيل ما بعد الحرب إزاء الحياة من ناحية ثانية، حيث رغم كلّ تلك المآسي، أصرّ الدرّاجي على صناعة السينما، كأنهُ إصرار على متابعة الصراع نفسه، بمفردات جماليّة هذه المرّة. ليكرّس الشابُ الثلاثيني اسمهُ بين أسماء منتظرة، تؤسسُ لرؤى فنيّة جديدة في عراق ما بعد الاحتلال. وفي ذلك بارقة أملٍ يجبُ العملُ بجد كيلا تنطفئ!

شاعر وكاتب من سوريا

رمان الفلسطينية في

22.10.2018

 
 
 
 
 

فيلم "The First Man".. جاذبية الحلم والفضاء!

نور الهدى غولي

في فيلمه الأخير "أول رجل/The First Man" يعيد المخرج داميان تشازل صياغة حياة أول رجل يمشي على سطح القمر في دراما بيوغرافية لسيرة حياة نيل أرمسترونغ. هناك هامش كبير من الحياة الخاصة للرجل في الفيلم، تكون بدايتها مع مرض ابنته الصغيرة ووفاتها لاحقًا كحادث مفصلي في حياة الرجل، وهو ما حاول المخرج أن يربطه بالكثير من جزئيات الفيلم

share

يضيء فيلم "The first Man" الكثير من الأشياء لدى المشاهد. عن تاريخ الحرب الباردة بين القطبين، وانتصار الإنسان لمشاعره وقت الألم

صمت طويل، حالات انعزال عن الآخرين، بكاء مستعص. لقطات متكررة في حياة رجل الفضاء الذي لم يتوان عن المضي خلف هدفه، ولم يثنه شيء عن ذلك سواء وضعه الأسري المرتبك، ولا حتى حوادث وفاة أصدقائه وزملائه في مجال الفضاء. أو ربما بسبب تلك الوقائع كان هو يصر على وداع العالم والمشي نحو الفضاء للقاء "محبوبه" القمر الذي قال فيه جملته الشهيرة وهو ينزل هناك خلال مهمة أبولو 11 في عام 1969 "خطوة صغيرة لإنسان، ولكنها قفزة كبير للبشرية".

لم نعرف الكثير عن مسار حياة نيل أرمسرونغ وهو صغير، تبدأ لقطات الفيلم الأولى مباشرة من محاولاته مع ناسا في الطيران لاكتشاف الفضاء، وبعدها تأتي عدة محاولات أخرى متكررة. كما كان الدور الذي لعبه رايان غوسلينغمميزًا، لكن هناك شيء ما جعل الفيلم يقع في فخ الرتابة والبطيء غير المبررين في شريط سينمائي يقدم أكثر تجربة إنسانية إثارة وهي المشي على القمر.

كان تحدي مخرج فيلم لالاند داميان تشازل كبيرًا، هو الآن أمام سيناريو فيلم لا يجب أن يقل تشويقا عن فيلمه الأول الفائز بجائزة الأوسكار، حاول أن يضع ثقلًا معينًا لمحاولة إنسانية هامة. لكن ربما حادثة الموت التي بدأ بها الفيلم كانت تعيق ذلك، لقطات فارغة وطويلة لتفاصيل ليست ذات أهمية، أو هي رغبة غير موفقة في إبراز صمت الفضاء وفراغ العدم الذي يلف منطقة هي أبعد ما تكون عن الأرض التي تشغلنا فيها تفاصيلها اليومية الكثيرة.

بعيدًا عن هامش حبكة للفيلم، اضطر مخرج الفيلم للتأكيد على وطنية الفيلم، بعد اتهامه قبل فترة بمناهضة الولايات المتحدة لعدم نشره صور غرس العلم في سطح القمر في اللقطات الأخيرة للفيلم، رؤية المخرج جعلت نيل أرمسرونغ يتجه نحو إحدى حفر القمر ويترك هناك ذكرى قديمة آتية من ابنته الصغيرة المتوفاة، كان سوارًا صغيرًا لمعصم يدها الذي ظل معه، وتركه هناك لجعله يستقر في ذاكرة القمر كما هو مترسخ تمامًا في ذاكرة نيل أرمسترونغ الخاصة

في "الرجل الأول" هناك المرأة الأولى أيضًا. مرافقة رجل الفضاء، الذي تلقى خبر اختياره لرحلة أبولو نحو القمر حين دخل عليه مسؤول البرنامج في ناسا وهو في الحمام، زوجته كلير فوي بدور جانيت شيرون، والتي كثيرًا ما حاولت دعم تجارب زوجها بصبر وحماس، قبل أن تنفجر مخاوفها من أن تفقده ويفقده أولاده في رحلة من رحلاته الفضائية التي كانت بدون أي ضمانات. كان هناك ذلك الوجه الصامت لزوجته وأم أولاده الحائرة بين طموح رجل يقوده نحو الموت وبين أمنية الحضور الطبيعي لهذا الشخص بينهم.

سواء كان المشاهد مصدقًا لفرضية الصعود إلى القمر أو ممن يرون الأمر برمته لا يتعدى كونه مزحة سينمائية ثقيلة، يمكن للفيلم، الذي يحكي رحلة استغرقت ثمانية أيام وثلاث ساعات، أن يضيء الكثير من الأشياء لدى المشاهد. عن تاريخ الحرب الباردة بين القطبين وقتها، وعن انتصار الإنسان لمشاعره وقت الألم وأمل تجاوزه، عن تلك الشعلة التي تسكن القلب وتدفع صاحبها للمشي خلف أحلامه لآخر رمق. وهو ما يؤكد جوهر الإنسان في الأصل.

كاتبة صحفية جزائرية

موقع "ألترا صوت" في

22.10.2018

 
 
 
 
 

ضمن مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"

سؤدد كعدان: الإنسان هو المركز في «يوم فقدت ظلّي»

صالح ذباح

سؤدد كعدان: الإنسان هو المركز في «يوم فقدت ظلّي»

«يوم الدين»: عن سلامة ”المشوّهين“ وإرث السينما المعاق

"البرج"... مخيّم اللاجئين على طريقة الرسوم المتحرّكة

مانيفيل... عندما ينعي الوطنَ رجلٌ آلي!

أنا أومن أن السينما تؤثر على الفرد والفرد يستطيع أن يؤثر على من هم حوله، علي سبيل المثال في عرض مهرجان تورنتو عانقتني امرأة سورية بحرارة شديدة اعتقدتُ للوهلة الأولى أنّنى أعرفها، وأنّها مشتاقة إليّ! شكرتني ببساطة لأنّني تناولت حدثًا تواجدت هي فيه، هذه العاطفة الشديدة تدلّل على أنّها  ليست الوحيدة التي قد تشعر بهذا الشعور عندما تشاهد الفيلم،

تقدّم المخرجة السورية سؤدد كعدان في باكورتها السينمائيّة الروائيّة الطويلة ”يوم أضعت ظلّي“ قصّة أشخاص عاديين يعيشون في زمن الحرب، تعود بنا إلى دمشق بداية الحراك في سوريا مطلع عام ٢٠١٢، لتقصّ علينا محاولة بطلة الفيلم سنا (سوسن إرشيد) صيدلانية غاب زوجها، أن تقتني أنبوبة غاز لتحضّر طعامًا لطفلها في البيت.

يتحوّل هذا الاحتياج العادي في أوقات غير عاديّة البتّة، إلى رحلة سينمائيّة مبهرة بقدرتها على نقل واقع الإنسان السوري تحت الحرب بإيقاع سرديّ مُحكم وجماليّات بصريّة تكثّف اللحظات التي قد تبدو عابرة للغاية. راجعت كعدان في رحلة بحثها وتحضيرها للشريط الذي حصل على جائزة ”أسد المستقبل“ في مسابقة ”آفاق“ في الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية السينمائي الدولي، أرشيف السينما العالمية وتعاملها مع الحروب، واستلهمت فكرة الظلال في فيلمها من الظاهرة العلمية المعروفة بـ ”الظلال النوويّة“ التي حدثت في الضرب النووي لهيروشيما في الحرب العالميّة الثانية، الذي أودى بأجساد اليابانيين وأبقى على ظلالهم في شوارع المدينة المحروقة. في فيلمها المُطعّم أسلوبيّا بالواقعيّة الساحريّة، يحصل العكس، يفقد السوريّون  في الحرب ظلالهم.

كعدان التي أخرجت العديد من الأفلام الوثائقيّة التي عرضت في العديد من المحافل والمهرجانات العربيّة والدولية، اختارت أن تتحدّث عن الحرب روائيّا، لم تحتمل فكرة أن توثّق الحرب وهي جزء من اللحظة الحالية فيها، وأن تضع مواطنًا سوريًّا يعيش الحرب أمام الكاميرا. تحضر بشدّة حالة من رهاب الاحتجاز (كلاستروفوبيا) في كادرات الشريط، والتصوير المقرّب (كلوز أب) لوجوه الشخصيات واحتجازها إمّا داخل نافذة أو أطر زجاجيّة، أو داخل أقبية وغرف مظلمة، لكن على الرغم من هذا الضيق الخانق، هنالك منفذ تشرع لنا أبوابه من خلال واقعية سحريّة لم نتعوّد عليها عربيًّا وقد تكون الحلّ الأمثل للتعامل مع الجرح السوري الدامي. على هامش مهرجان ”أيّام فلسطين السينمائيّة“ واختيار ”يوم أضعت ظلّي“ كفيلم ختام المهرجان، كان لرمّان هذا الحوار مع المخرجة السوريّة سؤدد كعدان.

·        قمتِ بإخراج فيلم متدفّق شعوريّا وبليغ سينمائيّا، وكان لفكرة التلاعب بالظلال كخاصيّة فنيّة (موتيف) في الشريط سحر وغموض وتحفيز على التفكير في معنى الحرب وتناول السينما لها، يبدأ ”يوم أضعت ظلّي“ بسرد واقعي شديد ومع تصاعد الأحداث ننتقل من الواقعية الشديدة إلى الواقعية السحريّة. اللجوء إلى هذا النمط - مع علمي أنّك ضدّ تصنيفات الجانر السينمائي - ألم يخفك خصوصًا وأنّنا عربيًا غير معتادين على نوعية كهذه من الأفلام إجمالًا؟

لم أجد طريقة أخرى لتناول الحكاية في تلك الفترة، لم أظنّ أن النيورياليزم وتقنياته ستناسب قصة الفيلم، كانت  الواقعية السحرية الطريقة الوحيدة والمثلى لتناول الحرب في سوريا، التجربة أغرب وأقسى من أن أتناولها بواقعية رغم خلفيّتي كمخرجة وثائقيّة، وشعرت أنّني احتاج لهذا الشكل من التناول، الواقع قاسٍ للغاية ووضعه كما هو على الشاشة  كان سيخرج فجًّا وفوق التقبّل أو التصوّر الأنساني، التلاعب بالظلال والطريقة الشعرية للتعبير عن الحالة الوجدانيّة ساعدتني على تخطّي بشاعة الحرب في سوريا.

ما أودّ  أن أقوله عن جزئيّة الظلال بعد عروض الفيلم في عدة أماكن في العالم،  أنّ في المجتمعات التي اختبرت الحروب لم يكن لدي حاجة لأشرح هذا الجانب ومعناه، صورة الظلّ تصل أسرع لمن عايش الحرب ولا يسأل عن معناها وأتوقّع ذلك منك مثلًا كونك فلسطينيًا، راودني شعور وأنا أعرض الفيلم للبنانيين أو فلسطينيين أو سوريين أنّ لا حاجة للتفسير، بينما عادةً من لم يعش الحرب لا يسالني كيف استلهمت الفكرة بل يحاول مباشرة السؤال عن معنى الظل. في النهاية هي حالة عاطفية شعورية لا تشرح بالكلمات ولو كنت قادرة على ذلك لما تعاملت مع هذا المعنى من خلال الصورة.

·        اختيارك فترة بداية الحراك في سوريا أعاد لذهن لمشاهد تاريخًا قريبًا لكن شبه منسي من كثرة الأحداث والتحوّلات المتسارعة التي مرّت بها سوريا. ما هو سبب اختيارك لمطلع عام ٢٠١٢ زمنًا للأحداث؟

عندما اخترت هذه الفترة عدت ذهنيّا وشعوريّا إلى بداية الحراك، في تلك الفترة كان هنالك تفاؤل وأمل ما، الوجه الإنساني كما لاحظت في الفيلم كان موجودًا  لدى الشاب والجندي والمتدين، لو استرجعنا لحظة بداية الحراك لوجدناها غريبة، مبشّرة بالخير رغم ظلمتها، لذا لا يحاول الفيلم أن ينتهي بتفاؤل لأن الواقع في سوريا حالك السواد، ولا أملك رفاهية بعد المسافة الزمنيّة عن الحدث، كما هو الحال مثلًا في السينما الفلسطينية أو اللبنانية كي أتعامل بفكاهة أو خفّة مع الأحداث الراهنة، الوجع آنيٌ ودامٍ، مع أنّ الوجع الفلسطيني لا زال قائمًا لكن مرّ كثير من الوقت منذ الصدمة الأولى. التفاؤل الوحيد في الفيلم هو الأشخاص، الجاب الإنساني فيهم.

كان يهمني تلك اللحظة التي سقطت من ذاكرتنا الجمعيّة وهي مهمة لأنها حملت بصيص ضوءٍ ما، وكذلك اخترت تلك الفترة لأنني عشتها في سوريا. تجنّبت الراهنيّة في سرد الأحداث، أي محاولة للكتابة والتعبير عن الواقع بشكل راهنيّ وتفصيلي تبوء بالفشل لتسارع الأحداث وتغيّر الواقع في اليوم التالي. اخترت ثلاثة أيام في حياة الشخصية الرئيسيّة (سنا) في الفيلم، مبتعدةً عن محاولة التخليل والتوثيق المباشر للوضع في سوريا.

استوقفني مشهد تحضير القبور الذي تشهده سنا (ونحن) للمرّة الأولى، في فيلمك الذي ترواحت خيارات الألوان فيه ما بين الترابي، والرمادي والأسود توافقًا مع ثيمة الفيلم. القبور مرقّمة ومهيّئة لاستقبال الجثث مسبقًا، ترى سنا النساء التي لجأت إليهنّ يحفرون القبور، وتحاول أن تفعل مثلهنّ، تصاب سنا بهستيريا خلال حفرها القبر، ولفتني أنك قمتِ  بتصويرها من تحت التربة بزاوية تصوير ”وجهة نظر“ (بي. أو. في) وكأن هنالك جثّة ترقبها من القبر المستقبليّ.

الوان الفيلم فعلًا هي الوان الشتاء البارد المتراوحة بين الترابي والرمادي والأسود كما ذكرت، حاولنا إضفاء الألوان الأخرى على الشخصيات بدرجات معيّنة من الأحمر أو درجات الأخضر الميت الرمادي، للتدليل على الشتاء البارد الطويل، لذلك عندما تقابل سنا الجندي في توهانها، لم تتحدث عن الطقس جزافًا، تحدثت عن برودة كل شيء من حولها، البرد والشتاء الطويل الذي تمرّ فيه سوريا. ابتدأ تصوير مشهد تهيئة القبور بشكل واقعيّ وقريب جدًا بروحه من النمط التسجيليّ، وكأنّنا نشاهد توثيقًا للحظة حقيقيّة، لكن كعادتي في الفيلم أتلاعب بين الواقعية في الخارج والواقعية السحرية للعالم الداخلي للشخصيات، حالة الفزع والهستيريا آتية من شعورها أنّها كانت تحفر قبرها بيدها، يتحوّل القبر الجماعي وقتها  إلى قبر فرديّ، شخصي،  ويغدو الواقع كابوسًا، كل الحالة رغم  واقعيّتها لا تدري إن كانت حلمًا أو كابوسًا يطارد الشخصيّات في الفيلم، تمامًا كالواقع السوري. يعني هل يُعقل؟! إنشالله يكون كابوس!

·        بين فلسطين وسوريا هنالك تناوب على المأساة في منطقتنا، استطاعت السينما الفلسطينيّة في بعض تجارب مخرجيها ومخرجاتها أن تخلق سردية فيلميّة مغايرة لما متوقّع لها أن تكون عليه، وكذلك قدّمت السينما الإيرانيّة من خلال صنّاعها في المنفى سينما إنسانيّة عالميّة. بالإمكان اعتبار فيلمك فيلم شتات بامتياز. ما هي التحدّيات التي واجهتك شخصيًا في إنجاز الفيلم وتواجه، إن صحّت التسميّة، صنّاع ”سينما الشتات السوريّ“؟

إجمالاً عندما تنشأ سينما مستقلة، تقوم بناءً على رغبة محليّة بإنتاج سينما تعبّر عنا كمجتمع، ويولد نوع من الفخر في بلدك فتستقطب الأفراد والأصدقاء والأجسام الممولة والشركات ويحاولون دعمك، لكن عندما تنتقل إلى بلد آخر لتصنع فيها فيلمًا مستقلّا تخسر كل الدعم المحليّ ولا تحصل على أيّة تسهيلات، ترتفع الأسعار وتصعُب الظروف الإنتاجية، فمثلًا أسعار فيلم سوري مستقلّ في لبنان باهظة لو قارنتها بتصوير فيلم مستقلّ لبنانيّ، لأنه يعتبر بعيدًا عن اهتمامات الوسط السينمائي هناك، فجأة تقفز ميزانية الفيلم المستقل وكأنك تتعامل مع إنتاج ضخم لفيلم تجاري. وهنالك أيضًا صعوبة أن تخلق أماكن تشبهك لكن ليست في بلدك، إن صوّرت في تونس فرضًا سيختلف الأمر على الشاشة، ربما لا تأثير لهذا على المشاهد الغربي، لكنّي أضع نصب عيني جمهوري السوري والعربي والمصداقية التي يجب أن أمررها في الشريط، تطلّب الأمر بحثًا وكان هنالك أشخاص مهمّتهم التدقيق في هذه التفاصيل، وصوّرنا مشاهد الفيلم في كلّ أنحاء لبنان. تنقّلنا كل يومين تقريبًا، لفيلم مستقل هذا مكلف جدًا، انعدمت الفرضية الأولى في السينما المستقلة وهي توفّر المكان أو المدينة ونحن نضطرّ أن نخلقها مجدّدًا في بلدٍ آخر. صعوبة إيجاد وتجميع  الممثلين كصعوبة شتات السوريين.

كنت سعيدة بالتعامل مع الممثلين الذين عملوا تحت ظروف إنتاجية صعبة، كانت أوّل تجربة تمثيلية لريهام قصار أمام الكاميرا، أجرينا كاستينج لكثير من الممثلىن من مخيمات اللجوء في لبنان، الطفل في الفيلم على سبيل المثال من مخيم صبرا وشاتيلا. دمجت بين الممثلين المحترفين وأولئك الذين يمثّلون لأول مرّة، رغبةً مني كمخرجة وثائقية أن أرى أناسًا حقيقيين عانوا الحرب وظروفها، من الصعب أحيانًا تمثيل تلك التجارب الإنسانية على الشاشة. مشاكل الفيزا التي منعت على سبيل المثال حضورنا في مهرجان الجونة السينمائي مؤخرًا، أعاقت كثيرًا عملية إنتاج الفيلم، عملية الكاستينج التي كان من المفترض أن تتمّ خلال أيام، أخذت من الوقت ثلاث سنوات وأجريتها ببلدان مختلفة في أوروبا، ريهام قصّار في برلين وسوسن إرشيد في فرنسا، عويس مخلّلاتي في لبنان، وسامر إسماعيل في سوريا، لكن حقيقةً عندما اجتمعنا كلنا تولّدت فجأة حالة جميلة، لم تتكرّر في أفلام أخرى على حدّ قول الممثلين، خصوصًا وأنّ توجّهات كلّ منهم مختلفة تماماً عن الآخر، لم أقصد ذلك، لكن إن لم تجمعنا السينما، ما الذي يمكن أن يجمعنا بعد؟       

·        هذا يقودني إلى سؤال جوهريّ حول معنى السينما في الحروب. ما هي جدواها أو دورها؟ هل لها دور أصلًا في ظروف كالتي يمرّ بها السوريّون؟

أنا أومن أن السينما تؤثر على الفرد والفرد يستطيع أن يؤثر على من هم حوله، علي سبيل المثال في عرض مهرجان تورنتو عانقتني امرأة سورية بحرارة شديدة اعتقدتُ للوهلة الأولى أنّنى أعرفها، وأنّها مشتاقة إليّ! شكرتني ببساطة لأنّني تناولت حدثًا تواجدت هي فيه، هذه العاطفة الشديدة تدلّل على أنّها  ليست الوحيدة التي قد تشعر بهذا الشعور عندما تشاهد الفيلم، تُخلق حالة عندما يتكلم شخص عن جرحك أو تجربة صعبة مررت بها، لا أستطيع أن أقول أنها تفيد أو لا، هذه طريقتي الوحيدة للتعبير، تخيل هذه الحرب حتى بدون أفلام! ربما  أنجدت من قد تخونهم الكلمة او التعبير، والزمن سيجعلنا نري أيّة أفلام ستبقى بعد الحرب، نحن نراهن على الأعمال التي تتحدّث عن الجانب الإنساني في المقام الأوّل.

·        كيف استطعتِ تجنيد أموال وهل من شروط وجدتيها ملزمة من قبل جهات التمويل وهل للتمويل الأجنبي عمومًا تأثير على نوع السينما التي يقدّمها المخرج العربيّ؟

في حقيقة الأمر هنالك صعوبة بالغة في الإنتاج المشترك، في فيلمنا كانت غالبية القرارت متعلّقة بشركتنا نحن وبالرغم من ذلك لم يكن سهلًا علينا، هنالك صراع  بحكم أنّك تروي الحكاية بالأساس للجمهور العربي، وللأسف التمويل الوحيد في المنطقة العربية هو التمويل الأوروبي، الخطر يكمن في أن تكتب الفيلم كي تحصل على تمويل وهنالك مخرجون يقعون في هذا الفخ، لو وقعنا فيه لكنّا أنجزنا ”يوم أضعت ظلّي“ منذ زمن، لكنه استغرق سبع سنوات، حصلنا علي تمويل من صندوقي ”آفاق“ و ”سند“ بالإضافة إلى صندوقي دعم أوروبيين، حقيقة لا تستطيع أن تصنع فيلمًا روائيًّا دون تمويل أجنبيّ يساعدك، إلّا إذا كان تجاريًا أو تلفزيونيًا، أو لصانعه اسم كبير، فلا يحتاج إلى هذه العمليّة المضنية في تجنيد الأموال.

·        هل يقلقك تصنيفك وأن يصير فيلمك محسوبًا على جهة معيّنة في سوريا؟ وكيف تقيّمين فيلمك من هذه الناحية، لمن هو منحاز برأيك؟

للفيلم نفَس وحالة عاطفية، له موقف لكنّه إنسانيّ ولا يُذكر للحظة في الفيلم  تصنيف أو تمييز سياسي، وضعت الإنسان في المركز وموقف الفيلم بطبيعة الحال مع الإنسان الذي عانى تحت القصف والحرب، الأشخاص المناصرون  للسينما التي تحكي رواية الإنسان بدون انحيازات لأطراف معينة سيجدون أنفسهم فيه، أمّا الذين ينتظرون تصريحات سياسية وخطاب أيدويولوجيّ يرغبونه لن يتواصلوا مع الفيلم، برأيي التصنيفات في السينما مؤقتة وما يبقى هو الشريط القوي الذي يتحدث بصدق وشفافية عن مرحلة معينة بلغة سينمائية عالية تقف مع الإنسان المظلوم بدون ادعاءات وقدّمنا الفيلم بهذه الطريقة .أتذكّر تلك الملاحظة التي سمعتها مرارًا في مهرجان  البندقيّة أنّ من شدة محليّة الفيلم وتناوله للإنسان في سوريا بعيدًا عن التفاصيل السياسيّة، تحوّل إلى كونيّ.     

·        هل تحضّرين لمشروع فيلم روائي مُقبل؟

بالفعل أعمل على شريط روائي قادم بعنوان ”نزوح“ حصلنا على جائزة لتطوير النص في مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام، وابتدأت أرى صور الفيلم في ذهني، هو مختلف عن ”يوم أضعت ظلي“، فيه لمسات ساخرة قليلًا، بعد سبعة أعوام من الحرب ربّما نستطيع قليلاً أن نضيف فكاهة بسيطة على سرديّاتنا، المرحلة العمريّة للشخصيّات مختلفة عن فيلمي الأخير، أتناول فترة المراهقة في إطار الحرب وابتدأت كتابته في نفس فترة كتابة ”يوم أضعت ظلي“.

في نهاية اللقاء أعربت كعدان عن سعادتها الغامرة بعرض فيلمها في فلسطين من خلال مهرجان“ أيّام فلسطين السينمائيّة“، وأثنت على القائمين والمشرفين على المهرجان من سينمائيّين وعاملين في صناعة السينما وأنّها تنتظر بشغف عرض الفيلم أمام جماهير فلسطينية، وأعربت عن سعادتها  بنشر اللقاء على صفحات مجلة رمّان الثقافية وأثنت على موادها المتميّزة وأنهت بالقول: ”شو بدّي أحلى من هيك“. في نهاية حواري مع سؤدد الودودة، تلك الإنسانة البسيطة، والمخرجة الموهوبة، والمتحدّثة بشاعريّة جميلة عن شريطها والسينما وسوريا، لم أملك إلّا أن أستلهم بلاغة فكرتها الرئيسية في الفيلم متمنيًا لها ولكلّ السوريين والسوريّات أن يستعيدوا ظلالهم بعد فقدانها في الأعوام السبعة الأخيرة.    

صحافي من فلسطين

 

####

 

ضمن مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"

«يوم أضعت ظلي»: عندما تنتهي صلاحية حياتنا ولا نموت

سامر مختار

«يوم أضعت ظلي»: عندما تنتهي صلاحية حياتنا ولا نموت

عن كاتب لم يـ ”كن نرجسيًا إن لزم الأمر

«الخروج من البلاعة»: أن تحكي حكايتك، أن تكون مرئيًا

فيلم «نهايات سعيدة»: عن النهايات ما بعد الثورات

سيعيد الشاب الدوماني سناء، أخيرًا، من دوما إلى بيتها في دمشق، ورغم أنها فعليًا لم تكن تقصد الذهاب، وزيارة منطقة محاصرة ومغضوب عليها من قبل النظام، إلا أنها لن تنجو، ستكون على موعد مع فقدانها لظلها!

في 2012، أي بعد عام على انطلاق الثورة السورية؛ بدأت تفاصيل معاناة السوريين في تسيير حياتهم اليومية، لا تقلّ كثافة عن كثافة وسرعة الأحداث العسكرية، والمجازر، والاعتقالات؛ التي كانت تتسارع مع كل لحظة، فإذا كنت من سكان دمشق على سبيل المثال، فأنت أمام امتحان طويل في التكيّف مع موجة الغلاء المفاجئة في أسعار المواد الغذائية، والبنزين، والغاز، وعليك أن تشكر الرب على توفرها، لأن بعضها من الممكن أن ينقطع شهور ولا يتوفر في بعض الأحياء والضواحي.

هكذا بات الحد الأدنى، والمؤقت ربما، من الأمان، مع ضيق العيش، وانقطاع الكهرباء، والماء، لساعات طويلة؛ رفاهية. هذا إذا قارناه مع ما يحدث في الجهة الأخرى، أي في ريف دمشق، إذ كان قد بدأ النظام السوري بفرض حصار على الغوطة الشرقية، وداريا، والمعضمية، وكثير من المناطق التي تسوّر مدينة دمشق، أضف إلى ذلك القصف الجوي المتواصل على تلك المناطق.

يلتقط الفيلم الروائي "يوم أضعت ظلي" للمخرجة السورية سؤدد كعدان،  ذلك الشرخ الاجتماعي، الذي كان من قبل الثورة؛ ما بين دمشق وريفها، وتعمّق بعدها، وآثاره النفسية على المجتمع. المدينة تعاني شبه احتلال من النظام؛ حواجز أمنية وعسكرية في كل شارع، شريحة كبيرة من المجتمع انهارت اقتصاديًا، وما عاد همها سوى تأمين لقمة العيش. لكن هذه الكوارث ليست سوى جزء من الصراع الذي يدور في المدينة، وريفها المحاصر؛ وهو العيش في خوف دائم من الموت في أي لحظة، والأكثر رعبًا من الموت نفسه، هو الخوف من الاعتقال والموت تحت التعذيب، ليتمثل بشعور هو مزيج من الخوف والهلع والتوجس الدائم؛ في فقدان أبطال الفيلم الثلاثة ظلالهم تباعًا، كلما اقتربوا من الموت، والدخول للمعتقل، أو تجاوزوا الشعور بالخوف؛ بالعيش داخل قضبانه، وتذوق عذاباته.

سناء، بطلة الفيلم، تعيش في مدينة دمشق، وحيدة مع طفلها الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام، لا همّ لها سوى الاعتناء به، وحمايته حتى من الاختلاط بابن الجيران؛ الذي يبدو أن عائلته مراقبة من المخابرات السورية. أما الصيدلية التي تعمل فيها، فقد تعرضت للتفتيش، و"التعفيش"، وتكسير زجاج واجهتها، لأن هناك شاب يعمل فيها مشتبه بمعارضته للنظام السوري.

منذ بداية الفيلم، ندخل في أجواء الحياة اليومية بمدينة دمشق في تلك الفترة، فنرى سناء بصحبة ابنها، يصعدان سلالم العمارة التي تسكن فيها بأقصى سرعة، وعندما يصلا للدور الذي يسكن فيه جيرانها الذين فُرض عليهم رقابة أمنية، يواجهها عسكري موجهًا سلاحه بوجهها، فتؤكد له أنهم من سكان العمارة. وما إن تدخل البيت، حتى تبدأ بسرعة بجمع الملابس المتسخة وإدخالها الغسالة الأتوماتيك، لكن ما إن تبدأ الغسالة بالدوران حتى تنقطع الكهرباء، فتعلق الثياب داخل الغسالة، ولا تستطيع إخراجها.

ستلقى سناء مصيرًا مشابهًا لمصير الثياب العالقة في غسالتها، في الأيام التالية. لكن ليس داخل الغسالة، بل في مدينة دوما المحاصرة بريف دمشق. إذ أنها وأثناء وقوفها في طابور لتبديل أسطوانة الغاز، سيكون أمام مركز تبديل أسطوانات الغاز؛ مجموعة من العساكر التابعة للجيش، التي ستسمح لعدد قليل من أهالي الحي بتبديل أسطوانات الغاز، وستأخذ باقي الاسطوانات الممتلئة لها. عندها ستقابل بالصدفة أمام طابور الانتظار الشابة ريم، التي تزورها دائمًا في الصيدلية لتشتري صبغة للشعر، بصحبة أخيها جلال؛ ليقرر الثلاثة  إيقاف تاكسي والذهاب إلى منطقة العدوي لتبديل أسطوانات الغاز.

لكن سائق التاكسي سيفاجأ بحاجز عسكري لم يكن في الحسبان، ليتجاوزه مسرعًا، وتبدأ العساكر الواقفة على الحاجز بإطلاق الرصاص على سيارة التاكسي، ليكتشفوا أن سائق التاكسي معه كاميرا تحتوي على فيديوهات لمظاهرات خرجت ضد النظام. وبسبب عملية الهروب المفاجئة، سيجد الثلاثة أنفسهم داخل بساتين الغوطة الشرقية تائهين.

عندما تدرك سناء أنها باتت في الجهة الأخرى من المدينة، سيشعر المشاهد أن حركة الكاميرا، وأسلوب تصوير المشاهد واللقطات قد تغيّرت؛ إذ نشعر أننا الآن نشاهد باقي الحكاية من الزاوية التي ترى فيها سناء وضعها الجديد، عالقة في المنطقة المحاصرة، بل أيضًا نشعر بمشاعر الخوف التي  تنتابها.

تدور الكاميرا، وهي ترتج قليلًا، وكأنها عين تتأمل المكان بذهن مشوش لا يستطيع التركيز، إنها سناء ابنة المدينة التي لم تزر ريف دمشق من قبل. وأول ما تلاحظه، هو غياب ظل جلال، لتكتشف أن جلال كان معتقل مع أخيه مازن في نفس السجن، وشهد موت أخيه تحت التعذيب داخله، وإلى الآن لم يدرك هو كيف نجا، لكن ما اكتشفه بعد حين هو فقدانه لظله.

تقارب كاتبة ومخرجة الفيلم سؤدد كعدان بين ما حدث في مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان، عندما قامت الولايات المتحدة بإلقاء قنبلتين نوويتين عليهما في 6 و9 أغسطس/ آب من عام 1945، وبين ما يحدث في سوريا، وباستخدامها فقدان الناس لظلهم كـثيمة لعملية فقدان الناس لظلالهم بعد تعرضهم لعذابات أشد من الموت نفسه. هذا ما نسمعه على لسان جلال عندما يحكي لسناء أنه بعد إلقاء القنبلة على هيروشيما، في اليوم التالي، لم يبقى من الناس في المدينة سوى خيالاتهم، لكن العكس يحدث في سوريا؛ هنا الناس تفقد خيالاتها، أو ظلالها.

وكأن فقدان الشخص لظله، هو إشارة لانتهاك كرامة الجسد والروح، أو انتهاء لصلاحية الحياة قبل أن يأتي الموت.

يضعنا الفيلم أمام ثلاث شخصيات، كل شخصية مختلفة عن الأخرى، وكل شخصية تتعاطى مع ما يحدث في البلد، بعد مضي عام على بداية الثورة، من مأزقها الإنساني، انطلاقًا من خسارتها، أو من خوفها؛ سناء غير مشغولة بالثورة السورية، أو باتخاذها موقف سياسي مما يجري، لكنها متعاطفة بداخلها مع جيرانها التي تعلم موقفهم من النظام، ومتعاطفة مع زميلها في الصيدلية، لكنها في الوقت ذاته، ليست مستعدة بالانخراط بكل ما يجري خوفًا على طفلها. أما جلال الذي اعتقله النظام ثلاث مرات، وعذبه، وقتل أخيه، فهو الأكثر تعاطفًا مع الناس المحاصرة في ريف دمشق، والأكثر ثورية. أما أخته ريم، التي كانت أيضًا لديها تجربة اعتقال سابقة، ستظل طوال الوقت خائفة على أخيها، لكي تخسره كما خسرت أخيها مازن، رغم موقفها الواضح ضد النظام، إلا أنها لا تريد أن تخسر المزيد.

في مدينة دوما في ريف دمشق، لم يتناول أو يصور الفيلم الفصائل العسكرية الإسلامية التي كانت تقاتل النظام، بل وجّه تركيزه على الحياة اليومية للعائلات المحاصرة في المنطقة، فالشاب الذي تستنجد به سناء ليوصلها بشاحنته إلى دمشق، يستضيفها هي وريم -بعد اختفاء جلال- في بيتهم، واليوم الذي تستضيفهم العائلة فيه يكون يوم الجمعة، وهو يوم خروج المظاهرات، فنرى كيف أنه بالتزامن مع ذهاب الرجال للمشاركة بالمظاهرات، تقضي النساء وقتها بحفر قبور جديدة، للشهداء المحتملين، القادمين من المظاهرات.

سيعيد الشاب الدوماني سناء، أخيرًا، من دوما إلى بيتها في دمشق، ورغم أنها فعليًا لم تكن تقصد الذهاب، وزيارة منطقة محاصرة ومغضوب عليها من قبل النظام، إلا أنها لن تنجو، ستكون على موعد مع فقدانها لظلها!

كاتب وصحفي سوري

رمان الفلسطينية في

23.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)