كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"أرامل" ستيف ماكوين يفتتحن مهرجان لندن السينمائي

صفاء الصالح - صحفي في بي بي سي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

يأتي اختيار فيلم المخرج البريطاني ستيف ماكوين "أرامل" لافتتاح الدورة 62 لمهرجان لندن السينمائي، منسجما مع النهج الذي اختطه المهرجان لنفسه في التأكيد على دور المراة في صناعة السينما ودعم حضورها فيها.

إذ حرصت المديرة الفنية للدورة الجديدة، تريشيا توتل، على أن تواصل النهج الذي اختطته سابقتها كلير ستيوارت في التركيز على سينما المرأة، بل وذهبت إلى مدى أكبر، فارتفعت نسبة المخرجات النساء في برنامج الدورة الحالية إلى 38 في المئة بعد أن كانت 24 في المئة العام الماضي.

وانعكس ذلك أيضا في نسب مشاركة المخرجات في مسابقات المهرجان الرسمية، إذ وصلت إلى نحو 50 في المئة، بل ووصلت نسبة الأفلام التي أخرجتها أو شاركت في إخراجها نساء في مسابقة أول عمل سينمائي إلى 60 في المئة.

وكان للمخرجات العربيات حضورهن المميز في هذا المهرجان وحصتهن في هذه النسبة، مع مشاركة المخرجة السورية سؤدد كعدان بفيلمها "يوم أضعت ظلي" في المسابقة الرسمية، واللبنانية نادين لبكي بفيلمها كفر ناحوم، والمخرجة البريطانية-الليبية نزيهة العريبي بفيلمها "حقول الحرية".

وتتزامن دورة المهرجان هذه مع الذكرى السنوية لانطلاق حملة "مي تو" التي كان لها أبلغ الأثر في إثارة الاهتمام بقضية المرأة في صناعة السينما في أعقاب تفجر فضيحة المنتج السينمائي الأمريكي، هارفي واينستين، وانتهاكاته الجنسية التي طالت الكثير من العاملات في مجال السينما.

نحن إذن أمام مهرجان يحتفي بالمرأة في السينما بامتياز ودورة تاريخية لسينما المرأة مع مشاركة 149 فيلما لمخرجات نساء في عموم تظاهراته، لا سيما إذا قارنا مع مهرجان كان هذه العام الذي لم تحتو مسابقته الرسمية إلا ثلاث مخرجات ومهرجان فينيسيا الذي لم تضم مسابقته الرسمية سوى مخرجة واحدة.

ولاننسى أن نشير أيضا إلى الهيمنة النسوية على إدارة المهرجان نفسه، بدءا من الرئيس التنفيذي لمؤسسة الفيلم البريطاني (بي اف آي) أماندا نَفيل، ومرورا بمديرته الفنيه توتل وانتهاء بثلاثة من المسؤولين عن برامجه من النساء.

هذه الهيمنة لسينما المرأة لم تصادر من المهرجان تنوعه وتركيزه على التعددية الثقافية الذي قدمته أفلام أخرى من بين الـ 225 فيلما المشاركة فيه، وهي أقل بنسبة 9 في المئة عن أفلام الدورة السابقة التي بلغت 248 فيلما.

أرامل الافتتاح

ضمن هذا المناخ جاء اختيار فيلم ماكوين "أرامل" لعرض الافتتاح، على الرغم من أنه ليس العرض الأول له، إذ سبق أن عُرض في مهرجان تورنتو السينمائي الشهر الماضي.

فالفيلم يحقق أكثر من موازنة من الموازنات التي تحرص إدارة مهرجان لندن عليها: فهو فيلم من مخرج بريطاني أسود متوج بجائزة الأوسكار، يقوم ببطولته نسبة جيدة من الممثلين السود إلى جانب البيض، وسمته الأساسية محاولة تقديم صورة مغايرة للمرأة بل وزجها في سياق (جنرة) أفلام السرقة والعصابات ذات الهيمنة الذكورية عادة.

وفي تلك الموازنات تأكيد لقضايا التعددية الثقافية والتنوع العرقي والجندري واستجابة واضحة للانتقادات التي علت في الأعوام الأخيرة (كما في الاحتجاجات التي شهدها حفل توزيع الأوسكار) ضد التهميش الذي يعاني منه الفنانين السود والنساء في صناعة السينما ويتهمون الرجال البيض بالهيمنة عليها.

ينقل ماكوين أحداث دراما تلفزيونية كتبتها ليندا لا بلانت، سبق أن شاهدها في صباه في بريطانيا في زمن مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي، إلى شيكاغو بالولايات المتحدة في الوقت الراهن.

ويقلب ماكوين (جنرة) أفلام السرقة بجعل أبطالها نساء، لكننا في الحقيقة نجد أن الأمر لن يتغير في سياق تسلسل الأحداث لو كُنَّ رجالا لا سيما في الثلث الأخير من أحداث الفيلم، فهنَّ في النهاية تصرفنّ كرجال العصابات في سياق عملية تنفيذ السرقة في النهاية والمطاردات ومشاهد العنف التي تخللتها.

تدورحبكة الفيلم، الذي اشتركت في كتابته مع ماكوين الروائية وكاتبة السيناريو الأمريكية جيليان فلين، على ثلاث نساء يأخذن أدوار أزواجهن الذين يُقتلون في حادث سرقة، ليسرقن أموال سياسي محلي فاسد.

فبعد مشهد تمهيدي نرى فيه مقتل الرجال الثلاثة على أيدي الشرطة في عملية سرقة، وهو مشهد نُفذ بحرفية عالية، لا سيما مشهد انفجار واحتراق الشاحنة التي تقلهم، ينتقل السيناريو إلى فيرونيكا (الممثلة فيولا ديفز) التي يقتل زوجها هاري راولنغز (الممثل ليام نيسون) في الحادث، وهي تواجه تبعات هذا الحادث وسط العالم الإجرامي الذي كان يعيش فيه زوجها، حيث يطالبها أحد رجال العصابات السود جمال ماننغ (الممثل بريان تايري هنري) نعرف لاحقا أنه يسعى للعب دور سياسي في المدينة، بتسديد مبلغ مليوني دولار له كانت مع زوجها أثناء الحادث ويمنحها شهر لسداد المبلغ.

لا يحفل الفيلم هنا بالتناقض الذي تعيشه فيرونيكا بين كونها امرأة من الطبقة الوسطى متقاعدة من قطاع التعليم ونقابية سابقة وزواجها من رجل عصابات، بل يبرر أيضا تحولها إلى عالم السرقة والجريمة لمواجهة تحديات واقعها الجديد!!

ولانرى في محاولة الفيلم استثمار خلفية الفروق الطبقية أو التوترات الاجتماعية والإثنية والفساد السياسي التي يلمح إليها الفيلم، مبررا لتسويغ واقع العنف والجريمة المهيمن على مساره وتحول شخصياته النسوية في سياقه.

لصوص وسياسيون فاسدون

وتجري أحداث الفيلم على هامش الاستعدادات للانتخابات المحلية في مدينة شيكاغو، حيث نرى أسرة موليغان ذات الأصول الإيرلندية التي تهيمن على السياسة وعلاقات القوة في المدينة، ممثلة بالإبن جاك موليغان (الممثل كولن فاريل) ووالده السياسي العجوز والعنصري (الممثل روبرت دوفال)، وبالمقابل نرى محاولة جمال ماننغ (الممثل بريان تايري هنري) الذي يدير عصابة من أبناء جلدته السود يحاول أن يغسل سمعته وأمواله بالترشح إلى منصب عمدة المدينة، تاركا تنفيذ أعمال العنف والأعمال القذرة لشقيقه الذي أدى دورة ببراعة الممثل (دانيال كالويا)، كما نشهد محاولات من موليغان للتوصل إلى توافق وتعاون في اقتسام النفوذ والسيطرة على السياسة المحلية وضم ماننغ تحت جناحه.

وبعد عثور فيرونيكا على مفكرة زوجها التي تضم خطة محكمة لسرقة مبلغ 5 ملايين دولار من عائلة موليغان تجد فيها الحل لمحنتها، تسعى لإقناع زوجات رفيقي زوجها اللذين قتلا في الحادث لمساعدتها في تنفيذ السرقة.

وتسود العمل مسحة من الكوميديا تخفف إحيانا من هيمنة المشاهد العنيفة مع ظهور الزوجتين الأخريين. ويحرص ماكوين هنا أيضا على التنوع العرقي فإحداهما شقراء فارعة من أصول أوروبية بولندية والثانية من أصول لاتينية (هسبانية).

ومع مشاهد تنفيذ السرقة ندخل في مشاهد تشويقية خالصة ونواجه بحبكة قامت على عدد من المفاجآت، من أمثال تمكن ماننغ الأخ من سلب المبلغ المسروق من النساء الثلاث، لكنهن يتمكنّ لاحقا من ملاحقته واسترداده، وكذلك اكتشاف أن راولنغز،زوج فيرونيكا، ما زال حيا وأنه هو من رَتب تفجير سيارة زميليه وسرقة الأموال التي معهم، فضلا عن محاولته الحصول على الأموال المسروقة منها لكنها تتمكن من قتله في النهاية.

بيد أنها بدت حبكة احتوت على الكثير من الثغرات والمشاهد القائمة على المصادفة والمفتقدة للاقناع وترسمت مسار المسلسل التلفزيوني الأصلي.

ضياع في هوليود

لقد بدا ستيف ماكوين في هذا العمل دون مستواه الفني الذي ظهر عليه في أفلامه السابقة، كما هي الحال مع فيلمه "12 عاما من العبودية" 2013 المتوج بثلاث جوائز أوسكار، أو فيلمه المميز "جوع" 2008 الذي حصد عنه جائزة الكاميرا الذهبية التي تمنح للعمل الاخراجي الأول في مهرجان كان.

بدا ماكوين حريصا على أن ينوع مسيرته الفنية التي بدأها فنانا بصريا، عرف بأفلام الفيديو، ليخوض مغامرة إخراج فيلم مغامرات وسرقة في السياق الهوليوودي، فبدا ضائعا في أرض غريبة عليه وانشغل كليا بمحاولة اتقان صناعة التشويق، واثبات قدرته على اتقان تنفيذ مشاهد الحركة المهيمنة فيها (أبرزها مشهد التمهيد وانفجار السيارة)، ولم تنفع محاولة إضفاء لمسة من النقد الاجتماعي في الإشارة إلى الفساد السياسي والتوتر العرقي في إخراجه من هذه الصيغة.

لقد نجح ماكوين في تقديم فيلم حركة مشوق، لكنه افتقد إلى عناصر قوته التعبيرية التي اشتهر بها في معالجته لموضوعات أفلامه السابقة.

وقاد ماكوين فريقه التقني الذي تعاون معه في أفلامه السابقة في هذه المغامرة، كما هي الحال مع مدير التصوير شون بوبيت والمونتير جو ولكر، اللذين نجحا في تقديم مشاهد جمالية عالية وسط سياق مشاهد التشويق والحركة، التي كانت تقودها موسيقى هانس زيمر وتعمق عنصر التشويق فيها.

ولعل العنصر الأبرز في الفيلم هو قيادة ماكوين لممثليه، لاسيما الممثلة فيولا ديفز (أول ممثلة سوداء تتوج بثلاث جوائز أوسكار وأيمي وتوني معا) التي قدمت واحدا من أفضل أدوراها في دور فيرونيكا، المرأة التي ينقلب عالمها رأسا على عقب، وما تطلبته شخصيتها من انتقالات سريعة بين مشاهد القوة والضعف الإنساني والخوف والرعب، بل وفي الانتقال من عالم النساء إلى عالم الجريمة الرجالي العنيف.

وكذلك الحال مع الممثل دانيال كالويا، في دور الأخ ماننغ المهووس بالعنف والمتلذذ بتنفيذه، (يذكرك بشخصيات كوينتن تارنتينو العنيفة)، نراه في أحد المشاهد يحول جريمته إلى نوع من الرقص عندما يجبر ضحاياه على غناء الراب، ويقتلهم وهو يراقصهم على إيقاع الأغنية، وكانت كاميرا بوبيت تدور معه مركزة في لقطة مقربة على وجهه بين الضحيتين.

لقد دفعت توزانات مهرجان لندن وتركيزه على مفاهيم التعددية والتنوع العرقي والجندري والاهتمام بقضايا المرأة بفيلم ماكوين ليكون فاتحة المهرجان، بيد أنها في النهاية ظلت داخل الفيلم نفسه مجرد هوامش وسط سياق حركة وتشويق طاغيين تفرضهما قوانين هذه النوع أو الجنرة الفنية.

الـ BBC العربية في

10.10.2018

 
 
 
 
 

«الرحلة» طريق العراق للأوسكار.. محراب سينمائى للعودة إلى الحياة بعد الإيمان بالدمار

خالد محمود

الفيلم العراقى «الرحلة» للمخرج محمد الدراجى.. أول فيلم عراقى يتم تسويقه داخل العراق منذ 27 عاما، ويتم ترشيحه للمنافسة على أوسكار أفضل فيلم اجنبى، ليجسد حالة خاصة داخل قاعة العرض وكأنك فى محراب للخلاص من الحياة بدافع من تغيب لعقل وقعت فيه بطلته بعد ان استسلمت لأفكار ظلامية ملكت كامل وجدانها، بينما تسعى لعميلة انتحارية لا تعرف إلى أى مدى ستكون نتائجها ولم أتعاطف مع تلك البطلة سوى لأدائها الرائع والمدهش

أحداث الفيلم تعود إلى 30 ديسمبر 2006 ــ الذى شهد صراعات طائفية وعمليات عنف فى بغداد ومحافظات عراقية أخرى، حيث نرى سارة «زهراء غندور»، وهى امرأة غامضة جافة المشاعر تجاوزت عقدها الثانى، تحاول التسلل إلى داخل محطة القطارات بصورة غريبة من إخفاء نفسها بين زحمة المسافرين؛ بحثا عن مكان لتفجير نفسها، حيث تنتقل معها الكاميرا ترصد نظراتها للمارة وإن كانت فى حقيقة نفسها لا ترى أحدا غيرها، فذهنها مركز فى فعل محدد، ويتوقف الزمن فجأة، لتجد نفسها فى مواجهة غير متوقعة مع طبقات المجتمع المختلفة بالشارع وبمحطة القطار، التى يسودها العنف والدروشة ومتاهة ولا مبالاة من نماذج من البشر كانعكاس لما أصبح عليه العراق بعد الغزو، فهناك الطفلة «منى» بائعة الورد التى تتحايل من أجل العثور على ما يسدّ الرمق، وشقيقها الصغير «عمر» الذى يعرج بساقه جراء إصابته بشظية من شظايا الحرب، وتلتقى سلام شابا صعلوكا «أمير جبرا» وطفلة رضيعة رمز البراءة والتطلع للحياة، بينما المحطة مليئة برجال الشرطة وبعض جنود المارينز الأمريكيين الذين يقومون بتفتيش كل من يشتبهون فيه، فالمحطة على وشك أن تستقبل عددا من كبار المسئولين بينهم السفير الأمريكى والسفير الفرنسى اللذين ينتظر وصولهما فى القطار القادم من البصرة الذى تأخر عن موعده. وتبدأ سارة فى التراجع شيئا فشيئا عن فعلتها التدميرية، بعد تلك المواجهات غير المتوقعة والغريبة؛ حيث يبدأ التحول بالكشف عن وجهها الإنسانى وتمنحها فرصة للحياة بعد الدمار الذى سكن وجدانها

الفيلم الذى شارك فى إنتاجه بريطانيا وفرنسا وهولندا، به لغة سينمائية عالية وأسلوب سرد محكم دراميا بسيناريو اشترك فى كتابته محمد الدراجى مع البريطانية إيزابيل ستيد، وبه صورة صادقة تفيض بالحزن والأسى حتى لو كانت لوضع مجازى، ومن أجمل المشاهد صعود سلام وسارة فوق أحد المبانى إلى السماء؛ حيث يتطلعان نحو الأفق، وتبدو المدينة الصامتة تتلألأ تحت الأضواء، وفجأة تنطلق الألعاب النارية احتفالا بالعيد، وتتطلع سارة إلى السماء حيث ينبثق ضوء ساطع.. تصرخ بصوت مسموع: هل هذا وعدك لي؟ هل هذا هو العرس الذى وعدتنى به؟ لماذا أتيت بى إلى هذا المكان؟ إنها تبكى وتصرخ تساؤلات وجودية مؤثرة.

المخرج محمد الدراجى (39 سنة)، صاحب فيلم «أحلام»، الذى تناول الفوضى وحالة الارتباك فى العراق التى سببتها الحرب عقب ثلاثة عقود من الديكتاتورية، و«ابن بابل» و«بين ذراعى أمى» و«تحت رمال بابل». قال نحن سعداء جدا لأننا حققنا حلم العراقيين الذين ينتظرون مشاهدة فيلم عراقي فى دور السينما العراقية، بعد غياب أكثر من ربع قرن عن العراق.

 

####

 

رامى مالك يحجز مكانه فى هوليوود بسيرة ذاتية لأسطورة الروك فريدى ميركورى

نجلاء سليمان

·        أرادت أسرته أن يكون محاميا أو طبيبا فعمل بائعا للبيتزا وساندوتشات الشاورما لنجوم هوليوود قبل الشهرة

·        «مستر روبوت» أدخله عالم الجوائز الكبرى.. و«قصيدة بوهيمية» يمهد طريقه إلى الأوسكار

استطاع رامى مالك، الممثل الأمريكى من أصل مصرى، أن يحجز مكانا لنفسه بين نجوم السينما العالمية الصاعدين، متجاوزا كل الحواجز والعقبات التى يمكن أن تعوق شابا من أصول عربية، فى تحقيق حلم بطولة فيلم هوليوودى كبير.

رامى مالك، الذى ينتمى لأسرة مصرية عاشت بالقاهرة ثم هاجرت إلى أمريكا، بدأ مشواره الفنى قبل 14 سنة، بدور صغير فى مسلسل Gilmore Girls، ثم شارك بدور صغير فى فيلم Night at the Museum عام 2006، قبل أن يلفت الأنظار بقوة فى مسلسل «مستر روبوت ــ Mr Robot»، الذى فاز عنه بجائزة الإيمى كأفضل ممثل عام 2016، وأفضل ممثل من اختيار النقاد، واستمر تألق «مالك» دون أن ينطفئ نجمه، ليسند إليه تجسيد شخصية أسطورة الروك فريدى ميركورى، فى فيلم «قصيدة بوهيمية ــ Bohemian Rhapsody»، المقرر طرحه للجمهور فى دور العرض العالمية 2 نوفمبر المقبل، فى خطوة وصفها النقاد الأمريكيون بأنها تمهد له الطريق للحصول على الأوسكار.

رامى سعيد مالك 37 عاما، الذى ولد فى لوس أنجلوس لعائلة مصرية قبطية هاجرت أواخر السبعينيات، عانت أسرته كثيرا وعمل والداه فى أكثر من وظيفة منذ انتقالهما إلى أمريكا، لديه توأمان متطابقان: سامى يعمل مدرسا، وشقيقة طبيبة تدعى ياسمين، اعتاد منذ صغره تمثيل الأدوار التى يشاهدها فى الأفلام، وانضم إلى مسرح المدرسة، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة نوتردام عام 1999، ثم انضم إلى مسرح الجامعة حيث درس الفنون الجميلة وتخرج عام 2003، حلمت أسرته بأن يصبح طبيبا أو محاميا حتى يتمكن من العيش فى وضع مادى أفضل مما كانت عليه أسرته فى بدايتها، ولكنه عاند وعمل فى وظائف بسيطة مثل توصيل البيتزا وساندوتشات الشاورما للعاملين بهوليوود وهو على يقين أنه سيصبح أحدهم يوما، وهو الحلم الذى بدأ تحقيقه حينما تلقى اتصالا من أحد المنتجين الذين تقدم لهم بسيرته الذاتية من قبل، وطلب مقابلته لكى يعرض عليه دور «آندى» فى مسلسل Gilmore Girls عام 2004، ثم شارك بأدوار صغيرة فى مسلسلى Over there وMedium عام 2005.

يفتخر رامى مالك بمصريته دائما، وفى حوار مع مجلة جى كيو، قال إن أسرته هاجرت إلى أمريكا لتعيش تجربة حياتية مختلفة، ولكن والديه حرصا على غرز الهوية المصرية به، وحينما زار القاهرة فى مرحلة المراهقة شعر أنه ليس غريبا عنها، فهو مغرم بالثقافة المصرية، وهويته متوطدة بها، حيث حرصت والدته على نشأته على الثقافة المصرية وسماع الموسيقى الشرقية، وقال إنه كان اعتاد مشاهدة الأفلام العربية ويحب عمر الشريف ويستمع لأم كلثوم، وبالرغم من أنه يعيش تجربة مختلفة فى أمريكا فقلبه مع مصر.

يفضل رامى مالك تأدية الشخصيات التى تشمل حياتها تفاصيل نفسية غير سوية، فحينما أدى دور أليوت أندرسون الشاب المولع بالتكنولوجيا، استطاع تجسيد أزماته النفسية التى حولته إلى أحد أهم قراصنة الإنترنت فى العالم على مدار 3 مواسم من مسلسل مستر روبوت، وترشح عنه لجائزتى جولدن جلوب على التوالى، ثم الآن يجسد «ميركورى» الذى عرف عنه جنونه وحماسته الدائمة سواء فى كلمات أغانيه أو أدائه فى الحفلات الغنائية، وهو الدور الذى وضعه أمام أعين النقاد المولعين بجوائز الأوسكار، والتنبأ بترشيحاتها، واعتبر نقاد فنيون أن الفيلم نجح فى إبراز نضج رامى مالك الفنى، وحجز مكانا له للوقوف على مسرح لوس أنجلوس للمنافسة بين كبار الممثلين فى هوليوود.

انتبه رامى مالك إلى التفاصيل المشتركة بينه وبين فريدى ميركورى، فهو بالنسبة له ليس نجم روك شهير، ولكنه طفل يدعى فاروخ بولسارا وهو اسمه الحقيقى، نشأ فى زنجبار بتنزانيا، وكافح حتى وصل إلى بريطانيا ليعبر عن نفسه، وهويته أمام العالم بحسب ما قاله لمجلة فانيتى فير، فهو أيضا مهاجر مصرى كافح فى أمريكا للحصول على مكان مميز له وسط نجوم هوليوود، فمن المعروف أن النجوم من أصل عربى لا يجدون طريقهم للنجومية مفروشا بالورود، ولكنه يكافح ويقبل المشاركة فى أدوار صغيرة ويفسح لنفسه المجال للتأكيد على موهبته حتى انتبه له العالم، فمنذ 2004 وحتى 2015، لم يكن أحد مباليا بالمصرى الأمريكى الذى يبرع فى تأدية الشخصيات غريبة الأطوار المليئة بالتفاصيل النفسية المعقدة

لم يكن ميركورى شخصية عادية، وقصة حياته تحمل الكثير من التفاصيل الغريبة، ويرصد الفيلم قصة صعود ونجومية الفرقة فى السبعينيات، وتحقيقهم نجاحا لا مثيل له، ثم بداية النهاية حينما أعلن ميركورى تشخيصه بمرض الإيدز واقتراب موعد موته، ليؤدوا بعدها أفضل عرض ترفيهى غنائى شهده العالم وخاصة فى تاريخ موسيقى الروك حتى توفى عام 1991.

الفيديو الدعائى للفيلم يبرز استطاعة «مالك» تأدية شخصية ميركورى مع كل تحولاتها سواء الشكلية والجسمانية وتفاصيل اختيار الملابس، والحركات الملتوية التى كان يحب تأديتها فى حفلاته، حيث اعتاد الرقص على موسيقى الروك الصاحبة، والإمساك بالميكروفون والتحرك به يمينا ويسارا فى مشهد ملىء بالحماسة والإثارة

وفى حوار مع نيويورك تايمز، قال «مالك»، إن تجسيد شخصية ميركورى كان مسئولية ضخمة، لكنه أيضا كان متشوقا لها، وبذل مجهودا كبيرا لكى يتحول إلى نجم الروك والتأثر بأدق تفاصيله وحركاته، فبالإضافة لتدريبه على حركات الرقص الشهيرة للمغنى البريطانى مع مصمم رقصات، حرص الممثل الشاب الحاصل على الجنسية الأمريكية على الاستعانة بمدرب حركات لكى يتمكن من تأدية أصغر التفاصيل والحركات البدنية التى تميز بها، كما قضى أوقاتا طويلة فى تنسيق واختيار ملابس مشابهة لما كان يرتديه بطل فريق كوين وصلت إلى 50 ساعة لكى يظهر مماثلا تماما للشخصية التى يؤديها، كما شاهد فيديوهات كثيرة له منتبها إلى طريقة تدخينه، تناوله البيرة، حتى كسوفه من الأنياب الأمامية فى أسنانه التى كان يتعمد إخفاءها.

الفيلم لم يحصر كل التفاصيل والأحداث التى مرت على فرقة كوين وميركورى، ولكنه عن السنوات التى سبقت الحفل الأسطورى لفرقة الروك فى استاد ويمبلى عام 1985، وكيف تكونت الفرقة الأكثر نجاحا فى تاريخ موسيقى الروك منذ صعودها عام 1970، وأعضاؤها المطرب البريطانى فريدى ميركورى، وعازف الجيتار برايان ماى، والطبال روجر تايلور، وعازف الباص جيتار جون ديكون، حتى جولتهم الغنائية الأخيرة Live Aid قبل وفاة فريدى ميركورى بـ 6 أعوام من مضاعفات الإيدز فى نوفمبر 1991، يخرجه بريان سينجر، وكتب السيناريو النهائى أنتونى مكارتن، ويشارك رامى مالك البطولة كل من جوزيف مازلو ولوسى بويتنون، وإيدن جلين.

وتكريما للنجاح الأسطورى لفريق كوين، أعلنت شركتا 20 سينشرى فوكس وريجنسى، إقامة العرض الخاص للفيلم فى استاد ويمبى بالعاصمة البريطانية لندن، وهو المكان الذى جمع ما يقرب من 72 ألف محب للفرقة عام 1985، فى حفلة تم وصفها بأنه أفضل الحفلات الغنائية على الإطلاق.

من الفيديو الدعائى الذى نشر فى يوليو الماضى، يبدو أن صناع الفيلم قرروا تجاهل حقيقة أن ميركورى كان رمزا للمثلية بحسب موقع فانيتى فير، لأنه ورغم زواجه من مارى أوستن التى تعتبر حب حياته، إلا أنه كان على علاقة برجال فى فترات متفرقة، وإصابته بالإيدز عقبت الفترة التى انتشر فيها المرض بين مجموعة من المثليين فى بريطانيا، ولكن لا تحبذ الفرقة كثيرا الحديث عن حياة ميركورى الجنسية، وبرروا ذلك بأنهم رغم قربهم الشديد على مدار العمل معا إلا أن هذه التفاصيل الشخصية لم تكن محل نقاش بينهم، وميركورى لم يكن يبوح بحقيقة الأمر

ودافع منتج الفيلم جراهام كينج عن تجاهل هذه التفصيلة الهامة، مؤكدا أن الفيلم كتبت له نماذج كثيرة كانت تركز على هذا الجزء من حياة ميركورى، ثم قرر فريق العمل أن يكون الفيلم تكريما لمسيرة المغنى الراحل وما قدمه للموسيقى أفضل.

وكان رامى مالك من الفريق المقدر لفكرة احترام خصوصية المغنى البريطانى الراحل، ومعجبا بقدرته على إبعاد حياته الشخصية عن مجالات النقاش طوال حياته، مؤكدا أن تصوير «فريدى» على أنه الشخص المثلى فقط يهدر حقه، ويفتقد لكثير من المتع فى جوانبه الشخصية وتجرته الحياتية، وموسيقاه التى ألهمت الحالمين والشغوفين بالموسيقى.

الشروق المصرية في

11.10.2018

 
 
 
 
 

87‏ دولة تتنافس علي ترشيحات الأوسكار للأفلام غير الإنجليزية

يوم الدين‏..‏ يواجه كفر ناحوم والأعمال الحاصلة علي جوائز المهرجانات العالمية

مني شديد

تقدمت‏87‏ دولة من أنحاء العالم هذا العام بأفلامها للمنافسة علي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة غير الإنجليزية‏,‏ من بينها‏8‏ دول عربية‏,‏ ومن المنتظر إعلان القائمة القصيرة لترشيحات الأوسكار النهائية في يناير المقبل بينما تعلن الجوائز في حفل الأوسكار الـ‏91‏ المقرر إقامته في‏24‏ فبراير المقبل‏.‏

ويواجه فيلم يوم الدين للمخرج أبو بكر شوقي الممثل لمصر في ترشيحات الأوسكار منافسة قوية مع عدد من الأفلام المميزة الحائزة علي جوائز عالمية بما فيها الأفلام العربية الأخري التي تقدمت للمنافسة, وعلي رأسها كفر ناحوم للمخرجة اللبنانية نادين لبكي الحائز علي جائزة لجنة التحكيم الكبري في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي الدولي التي شارك في مسابقتها أيضا يوم الدين.

وحاز كفر ناحوم علي جائزة الجمهور لأفضل فيلم في عدد من المهرجانات مثل مهرجان كالجاري السينمائي, ومهرجان النرويج ومهرجان ملبورن وسراييفو ونافس عليها في مهرجان تورنتو بكندا.

بينما تقدمت فلسطين للمنافسة علي الأوسكار بفيلم اصطياد الأشباح للمخرج رائد أنضوني الذي بدأ رحلته مع الجوائز من مهرجان برلين السينمائي الدولي في فبراير2017 وحاز علي جائزة جلاشيت لأفضل فيلم وثائقي وأفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي, وأفضل فيلم في الدورة الأولي من مهرجان منارات لسينما البحر المتوسط بتونس, وجائزة الجمهور في مهرجان عنابة المتوسطي بالجزائر.

أما السينما التونسية فتمثلها كوثر بن هنية بفيلم علي كف عفريت أو الجميلة والكلاب الذي شارك في قسم نظرة ما بمهرجان كان2017, وقدمت الجزائر فيلم إلي آخر الزمان للمخرجة ياسمين شويخ, بينما تشارك العراق بفيلم الرحلة للمخرج محمد الدراجي الذي شارك به في قسم السينما العالمية المعاصرة بمهرجان تورنتو في2017, ومن المغرب فيلم بورن آوت إخراج نور الدين الخماري, ومن اليمن10 أيام قبل الزفة إخراج عمرو جمال.

وتشارك في المنافسة علي ترشيحات الأوسكار لأول مرة هذا العام وهما مالاوي بفيلم الطريق نحو شروق الشمس للمخرج شيمو جويا, والنيجر بفيلم خاتم الزواج لرحماتو كيتا.

وبعد حصوله علي السعفة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان كان السينمائي الدولي يشارك الفيلم الياباني شوب ليفترز في المنافسة علي الأوسكار, وهو إخراج هيركازو كوريادا, وحاز أيضا علي جائزة أفضل فيلم في مهرجان ميونخ السينمائي, وقالت عنه لجنة التحكيم أنه يحطم أصغر خلية في المجتمع وهي الأسرة, ويدخل المنافسة كذلك باسم بولندا فيلم كولد وار أو حرب باردة الحاصل علي جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان لباول باوليكوفسكي, وتنافس إيطاليا بفيلم دوج مان للمخرج ماتيو جارون الذي حاز عنه مارسيلو فونت علي جائزة أفضل ممثل في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي الدولي, وحاز علي العديد من جوائز نقابة الصحفيين الإيطاليين لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل ممثل وأفضل ديكور وأفضل مونتاج.

وتنافس المملكة البريطانية علي أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة غير الإنجليزية, بفيلم لست ساحرة للمخرجة رونجانو نيوني والفيلم ناطق باللغتين الإنجليزية والنييانجا اللغة المحلية في زامبيا الموطن الأصلي للمخرجة, ويعتبر من الأفلام المهمة المنافسة علي ترشيحات الأوسكار فهو حائز علي جائزة البافتا البريطانية لأفضل فيلم, وأفضل فيلم في مهرجان إفريقيا السينمائي الدولي, وجائزة أفضل فيلم بريطاني مستقل, ونافس علي الكاميرا الذهبية في مهرجان كان عام2017, وحصل علي جائزة أفضل مخرجة في عمل أول من مهرجان ستوكهولم.

وتشارك النمسا بفيلم ذا فالدهايم والتز للمخرجة روث بيكيرمان الحائز علي جائز جلاشيت لأفضل وثائقي في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي الدولي2018, ومن بلجيكا فيلم فتاة للمخرج لوكاس دونت الحاصل علي جائزة الفيبريسي والكاميرا الذهبية وأيضا أفضل ممثل في مسابقة نظرة ما في مهرجان كان السينمائي الدولي هذا العام.

بينما تنافس باراجواي بفيلمها الحاصل علي عدد من جوائز مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام وهو الوريثة للمخرج مارسيلو مارتينسي, الحائز علي الدب الفضي لأفضل فيلم والدب الفضي لأفضل ممثلة وجائزة الفيبريسي في مهرجاني برلين وكارتاجينا والجائزة الكبري في مهرجان سياتل وأفضل مخرج في مهرجان سانتياجو, وأفضل فيلم في مهرجان سان سباستيان.

بينما يمثل المكسيك في الأوسكار فيلم روما للمخرج ألفونسو كوارون, والفيلم حائز علي الأسد الذهبي في الدورة الأخيرة لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي, وتشارك رومانيا بفيلم لا يهمني اذا تم ذكرنا في التاريخ علي أننا برابرة للمخرج رادو جود والفيلم حاصل علي جائزة أفضل فيلم من مهرجان كارلوفي فاري, ومن الدنمارك فيلم المذنب للمخرج جوستاف مولير الحاصل علي جائزة الجمهور من مهرجاني صن دانس وروتردام, بالإضافة إلي أحسن مخرج في مهرجان سياتل.

الأهرام المسائي في

11.10.2018

 
 
 
 
 

عن «كفرناحوم» ودائرة الفقر المقفلة

أحمد زعزع

«تسمّى الكوارث طبيعيّة، وكأن الطّبيعة هي الجلّاد وليست الضّحيّة» 

(إدواردو غاليانو)

يبدأ فيلم «كفرناحوم» بمشهد لطفل يدعى «زين» يقف بملابسه الداخليّة القذرة ويفتح فمه أمام رجل يعاين أسنانه ويستنتج أنه في حوالى الثّانية عشرة أو الثّالثة عشرة من العمر. سوف ترافق الكاميرا هذا الطّفل في معظم المشاهد اللّاحقة مركّزةً على وجهه المعبّر والحزين بمصاحبة الموسيقى الوتريّة الحزينة عموماً. يمثل «زين» أمام قاضٍ يسأله عن سبب رفعه لدعوى قضائيّة ضدّ والديه – الماثلين إلى جانبه في مواجهة القاضي ذاته – فيجيب أنه يقاضيهم لأنهما أتيا به إلى هذه الحياة. يعود الفيلم بمشاهد فلاش باك إلى حياة «زين» مع عائلته الفقيرة والكثيرة العدد وتتعدّد مشاهد الشّقاء والمعاناة وشظف العيش. يعترض «زين» على رغبة أهله في تزويج شقيقته الصغيرة، «سحر» ابنة الأحد عشر عاماً، إلى الشّاب الثّلاثيني صاحب الدّكان القريب - المتعطّش لمغازلتها - ويصطدم بهم، فيناله من الضّرب والتّعنيف والشّتائم الثّقيلة ما يُحرج عتاة الزّعران ويُخرجهم عن طورهم. يهرب «زين» من البيت ويهيم في الشّوارع إلى أن يتعرّف إلى عاملة إثيوبيّة، «تيغيس» تُربّي طفلها الرّضيع، «يوناس»، سرّاً وتسرق له الطّعام من مكان عملها. تنشأ صداقة بين «تيغيس» و«زين» وينتقل للإقامة معها في كوخها. يتولّى «زين» أمور «العناية» بالطّفل «يوناس» في غياب «تيغيس» التي تُلقى في السّجن بعد فقدانها أوراق الإقامة القانونيّة. طفل مشرّد يتدبّر شؤون طفل رضيع ويجرجره في الشّوارع أثناء بيع المشروبات المخدّرة للمدمنين. يبيع «زين» الطّفل الرّضيع مرغماً لشخصيّة فاسدة أخرى ويدخل السّجن بعد أن يطعن صاحب الدّكان الذي أدّت ممارسته الجنس مع أخته «سحر» إلى موتها. من داخل السّجن، يتّصل «زين» بمعدّ البرامج جو معلوف ويروي قصّته له! (هكذا حرفيّاً). وبناء على إخبار من معدّ البرامج النّشيط إيّاه، تتحرّك الشّرطة وتلقي القبض على العصابة التي تبتزّ أموال العاملات الأجنبيّات ويجري تسليم الطّفل «يوناس» إلى أمّه «تيغيس» ويبتسم وجه «زين» للمرّة الأولى في الفيلم أثناء أخذ صورة للهويّة

هذه هي الخطوط العريضة للفيلم بشكل عام والمعروضة هنا لتسهيل النّقاش. في مشهد مفصليّ في القسم الأخير من الفيلم، يسأل القاضي الطّفل «زين» عمّا يريده من والديه فيجيب ابن الثّانية عشر عاماً أنه يريد منهم أن يتوقّفوا عن الإنجاب. يلخّص هذا المشهد المغزى الرّئيسي للفيلم والثّغرة الأهمّ في السّيناريو: إنها الافتعال، بمعنى الانطلاق من أفكار جاهزة ومسبقة ووضعها على لسان شخصيّات بعيدة عنها، أو اختلاق مواقف لا تستقيم في المنطق وإرغام المتفرّج على ابتلاعها

يريد الفيلم إقناعنا أن الطّفل الذي لم يدخل مدرسة ولم يقرأ كتاباً ولم يتلقّ تعليماً من أيّ نوع، يُدلي بجواب فلسفيّ عميق وخطير يطال مشكلة الفقر من وجهة نظر ثقافيّة محدّدة (تحميل الفقراء سبب فقرهم وسبب المراوحة فيه) كما يريد إقناعنا أن الطّفل نفسه يرغب في رفع دعوى قضائيّة ضدّ والديه انطلاقاً من لومه لهم على فقرهم. كان ينقص أن ينطلق لسان «زين» ويتوسّع في شرح فضائل سياسة الطّفل الواحد التي فرضها الحزب الشّيوعي الصّينيّ لمعالجة مشكلة الانفجار السّكاني ويطالب بفرضها على الفقراء في لبنان، مثلاً

الخطير في هذه الفكرة ليس مجرّد الملاحظة أن الأطفال عموماً لا يتحدّثون هكذا (باستثناء الأفلام اللبنانيّة على ما يبدو) بل إن هذا التّفكير يمهّد ويؤسّس الأرضيّة لتقبّل المشاعر العنصريّة البغيضة التي تلوم اللاجئين السوريين الفقراء، مثلاً، على «إنجابهم المنفلت» للأطفال وتبرّر فرض القيود التّعسّفيّة عليهم كما حصل في العديد من البلدات والقرى

يقودنا هذا الكلام إلى ملاحظة أشمل تتعلّق بالطّريقة التي يتناول بها الفيلم حياة الفقر والعوز والمعاناة لهؤلاء الفقراء والمهمّشين ومن ضمنهم العاملات الأجنبيّات. على غرار العالم في المختبر الذي يدرس مادته في وعاء زجاجي ويخضعها للميكروسكوب، يصرّ هذا الفيلم على وضع «فقرائه» و«مسحوقيه» و«معذّبيه» في دائرة زجاجيّة مقفلة بإحكام فلا يغادرونها ولا يتفاعلون مع المجتمع خارجها ولا يُسمَح لنا كمشاهدين بالتّفكير في احتمال تأثير عوامل أخرى – خارج تلك الدّائرة - على مجريات حياتهم. بل إن الشّرور والمصائب التي تلحق بهؤلاء الفقراء تأتي وتتناسل من داخل عالمهم المصغّر والمنعزل كلينيكيّاً لغايات دراميّة نجهلها، لكنها برأيي أضعفت الفيلم كثيراً وأبعدته عن حدود المنطق الأدنى

فهل يُعقَل أن تُقدَّم مشكلة العاملات الأجنبيّات في لبنان من غير التّطرّق للعنصريّة الفاضحة والاستغلال المهين الذي يقارب العبوديّة لكرامتهن من قبل أكثريّة العائلات عندنا وفي ثقافتنا؟ العاملات هنا ينتحرن أسبوعيّاً بإلقاء أنفسهن من شرفات الأبنية، ومع ذلك لا يوجد في الفيلم مذنبون حقيقيّون وراء مأساة «تيغيس»، بل يبقى المجرم الحقيقي مجهولاً ومغفَلاً حسب السّيناريو المفتعَل.

الفقراء في الفيلم لن يتجاوز دورهم وظيفة ديكورات بشريّة عابرة

بصورة عامّة، يقدّم الفيلم الفقر كبلاء، أو وباء، أو كارثة طبيعيّة وقعت على عائلة الطّفل «زين» ولا مجال لردّها أو البحث عن أسبابها وحيثيّاتها. الفقراء هنا هم فقراء وحسب، يُلامون على فقرهم من قِبَل أبنائهم. وهم ليسوا فقراء لأن هناك من يسرق جهدهم ويستغلّ عملهم ويعتدي عليهم ويضيّق عليهم بقوّة القانون الظّالم. لا وجود لأيٍّ من هذه الهموم في هذا الفيلم الهشّ فكريّاً بشكل مرعب. ومن ثمّ فإن كلّ هذه المبالغة في تصوير المعاناة لا تبدو مقنعة أو منطقيّة أو حقيقيّة حتّى

ولأن السّيناريو استند أساساً على الافتعال، فقد جرى التّركيز على معاناة الطّفل الأسود الرّضيع مع الطّفل المشرّد الذي يطحن حبوب «الترامادول» أمامه ويطعمه مكعّبات الثّلج وملاعق البودرة المجفّفة في مشاهد تثير الغيظ بجلافتها ووقاحتها المصطنعة. يتواصل بكاء الطّفل الرّضيع الجائع ويُرغمنا الفيلم على مشاهدة (لا) عناية «زين» به بشكل يثير التّقزّز أحياناً، وإن استثار بعض الضّحكات المحرَجة في الصّالة

جرت العادة في الأفلام الأجنبيّة التي تستعين بحيوانات، كالجياد والكلاب وغيرها، وضع تحذير في بداية الفيلم يطمئن الجمهور إلى أن الحيوانات التي شاركت في الفيلم لم تتعرّض للمعاملة المسيئة أو الأذى خلال التّصوير. ربّما وجب وضع تحذير في بداية هذا الفيلم يؤّكد أن الفقراء الذين سيجري استعراض أحيائهم وبيوتهم على مدى ساعتين لن يتجاوز دورهم وظيفة ديكورات بشريّة عابرة. هل من تحذير يؤكّد لنا أن آذان الأطفال في الفيلم لم تُخدَش، كما خُدِشَت آذاننا، بالشّتائم البالغة الإسفاف وبمشاهد الضّرب والرّكل وشدّ الشّعر من جهة الأهل لطفلهم؟ أفهم السّعي نحو الواقعيّة والرّغبة في إحداث صدمة ما عند المتلقّي، لكن التّحديق في بيئة الفقر بدون خلق شخصيّات مقنعة، وتحريكها في إطار مقنع، قد يصحّ في أجواء التّقارير الاستقصائيّة وليس في صلب فيلم سينمائيّ يُتوقَّع منه أكثر من ذلك بكثير

*كاتب لبناني

الأخبار اللبنانية في

11.10.2018

 
 
 
 
 

«أرامل» البريطاني ستيف ماكوين في مواجهة قضايا الجندر والعنصرية

لندن ـ «القدس العربي»:

في عالم تشغله قضايا الجندر وحقوق المرأة ومناهضة العصرية، نجد أن فيلم «أرامل» للمخرج البريطاني ستيف ماكوين خير استهلال لمهرجان لندن في دورته الثانية والستين (10 إلى 21 أكتوبر/تشرين الأول). فالمهرجان الذي أخذ على عاتقه منذ سنوات أن يقدم خير ما أنتج العالم من سينما خلال العام لجمهور العاصمة البريطانية، حتى أصبح يعرف بمهرجان المهرجانات، لأنه يختار في برنامجه أفضل ما قدم في المهرجانات الكبرى طوال العام ليقدمه لجمهوره وحضوره، مهرجان أيضا تعنيه القضايا الاجتماعية والسياسة الكبرى التي تشغل العالم.

وفي «أرامل» يقدم ماكوين فيلما يستحوذ كلية علينا، منذ أول لحظة بفيلم من أفلام الجريمة والسطو، عن نساء فقدن أزواجهن في عملية سطو، ولم يجدن بدا أو مناصا من إتمام مهمة أزواجهن، ولكن الفيلم لا يجعل من عملية السطو والتخطيط لها المحور الوحيد للفيلم، بل يكشف ماكوين من خلالها الكثير من الفساد المستشري، ويناقش عبرها قضايا مثل العنصرية والمرأة ونظرة المجتمع إليها، والسياسة المعاصرة وما يسيرها. قد يوحي عنوان الفيلم «أرامل» بانكسار هؤلاء النساء الثكلى وضعفهن وقلة حيلتهن، لكنهن يمسكن بناصية التصور المجتمعي لهن ويحولنه لصالحهن، بل أن إحداهن تقول إن أفضل سلاح يمتلكنه هو ظن الآخرين إنهن لسن أهلا للقيام بعملية سطو.

يقدم ماكوين في الفيلم، المقتبس عن مسلسل قُدم في التلفزيون البريطاني في الثمانينيات، ثم حولته مؤلفته ليندا لا بلانت إلى رواية تحمل العنوان نفسه، أحداثا تحفل بالتشويق، ولكنه لا يجعل عملية السطو همه الوحيد، ومن خلالها يناقش ماكوين العديد من القضايا التي تشغله، فالمخرج الذي كان محور فيلمه السابق «12 عاما من العبودية» (2013) هو العنصرية والعبودية، يعود في فيلمه الحالي ليناقش العنصرية والعبودية في ثوبهما المعاصر، العبودية في صورة القروض التي يقدمها الأثرياء للفقراء بشروط مجحفة تعجزهم عن سداد الديون، والعنصرية التي يواجهها السود والمنحدرين من أعراق أخرى في الولايات المتحدة على يد البيض وأصحاب النفوذ.

يطرح الفيلم الكثير من القضايا داخل إطار فيلم السطو، ولكن اختيار هذا النوع السريع الإيقاع من الأفلام لم يمهل ماكوين أن يتمعن في الدخول إلى لب وجوهر قضايا الفساد السياسي والعنصرية.

تدور أحداث الفيلم، الذي كتب له السيناريو ماكوين مع كاتبة السيناريو الأمريكية جيليان فلين (كاتبة فيلم «فتاة مفقودة» لديفيد فينشر ومسلسل «أدوات حادة»)، في شيكاغو المعاصرة، حيث نلمح في مرور سيارة ملصقات تحمل صورة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ويبدأ بما يندر أن نراه على شاشة السينما: قبلة حارة في الفراش بين زوجين في منتصف العمر، وفي زواج بين رجل أبيض وامرأة سوداء. منذ البدء يحطم ماكوين التصورات النمطية، ويتجاوز الأعراق والسن. يقدم الفيلم العديد من الشخصيات، ولكن قلب الفيلم ومحوره هو فيرونيكا (فايولا ديفيز) في أداء متميز للغاية، الزوجة المحبة الثكلى التي نراها في مستهل الفيلم تتبادل قبلا حارة مع زوجها هاري (ليام نيسن)، والتي تتقاطع قبلها مع مشهد زوجها في عملية سطو مخفقة يذهب ضحيتها هاري وكل شركائه. لا يبدو لنا أن فيرونكا، التي نعلم من شذرات عن ماضيها إنها كانت معلمة وعضو نقابة في نقابة المعلمين، على اطلاع بمجريات عمل زوجها وأنشطته الإجرامية، أو يبدو لنا أنها تعلم القدر اليسير عنها، ولم تحاول قط معرفة المزيد. ولكنها تجد نفسها فجأة في خضم الأحداث التي توجب عليها أن تأخذ زمام الأمور، عندما تتعرض لتهديد مباشر من رجل العصابات الأسود جمال مانينغ (برايان تايري هنري)، بعد سطو زوجها على التمويل الذي كان يعتزم به مانينغ خوض الانتخابات المحلية في شيكاغو. بين ليلة وضحاها تجد فيرونكا أنه يتعين عليها أن ترد إلى مانينغ مليوني دولار، وإلا سيفتك بها فتكا.

ومنذ تلك اللحظة يصبح شغل فيرونيكا الشاغل هو كيفية تدبير المبلغ المطلوب، وتجد الحل الذي لا مناص منه في تنفيذ خطة كان زوجها قد دونها في مذكرته السرية لعملية سطو جديدة. وتجند فيرونكا لإعانتها في تنفيذ الخطة مقابل حصة مساوية من المال، أرامل من رافقوا زوجها في عملية السطو وراحوا جميعا ضحية إخفاقها. عادة ما تكون أفلام السطو وعمليات السرقة المسلحة أفلاما يهيمن على بطولتها الذكور وتكون شخصياتها الرئيسية من الرجال، ولكن ماكوين يقدم لنا في فيلمه وفي تنفيذ عملية السطو شخصيات نسائية، نتعاطف معها ونتفهمها وندرك أنها لنساء ما كن ليلجأن إلى السطو إلا لظروف ناجمة في معظمها عن قهر الرجال والمنظومة الاجتماعية لهن.

حين نرى أليس (إليزابيث دبيكي)، الشقراء الجميلة البولندية الأصل، لأول مرة نراها باكية تكسو وجهها كدمات إثر صفع صديقها المتكرر لها، بينما تجد ليندا (مشيل رودريغز) المنحدرة من أصول لاتينية، متجرها يضيع منها بسبب زوجها الذي يقترض قروضا لا يقدر على سدادها، بينما تعمل بيل (سنثيا إرفو)، المنحدرة من أصول إفريقية، ليل نهار لمحاولة توفير المال الكافي لتربية ابنتها الصغيرة التي لا عائل لها سواها. ظروف ضاغطة وتجبر ذكوري وترهيب وتنمر، كلها أمور تجبر نساء من خلفيات عرقية مختلفة للاتحاد للاستيلاء على المال ليسددن ديون أزواجهن القتلى، والاحتفاظ بما تبقى لأنفسهن. يوضح ماكوين أن العنف لا يولد إلا العنف وأن النساء اللاتي صبرن طويلا على الظلم والقهر قد لا يجدن مناصا من التحول إلى العنف. والعنف في المدينة لا ينفصم عن الفساد السياسي في أروقة السلطة فيها. يسعى مانينغ، الأمريكي من أصول إفريقية ورجل العصابات إلى «تبييض» صورته عن طريق الدخول في المعترك السياسي في شيكاغو ويستعين بالترهيب والقتل للحصول على المال اللازم لذلك. وفي الوقت ذاته يواجه مانينغ فسادا لا يقل عن فساده من أسرة موليغان، صاحبة النفوذ السياسي في المدينة، والمنحدرة من أصول إيرلندية بيضاء. عنف السياسي المزمع المنحدر من أصول سوداء لا يقل عن عنصرية وجبورت وعنف السياسي الأبيض. صراعات على الوجاهة والسلطة لا يتورع الخائضون معتركها عن الترويع والقتل والسطو وسفك الدماء.

ولكن إيقاع فيلم الحركة والتشويق والسطو اللاهث المتسارع دوما لم يمهل ماكوين أن يقف مليا في تروٍ ليناقش في تعمق شتى القضايا التي طرحها الفيلم. يطرح الفيلم الكثير من القضايا داخل إطار فيلم السطو، ولكن اختيار هذا النوع السريع الإيقاع من الأفلام لم يمهل ماكوين أن يتمعن في الدخول إلى لب وجوهر قضايا الفساد السياسي والعنصرية التي يطرحها الفيلم. لم يقدم ماكوين في «أرامل» النظرة المتمهلة المتعمقة في نفوس شخصياته، كما قدمها في فيلمه المتميز «عار» (2011)، ولا الطرح المتعمق للقضايا الشائكة التي طرحها في الفيلم. ولكن ما ينجح فيه ماكوين بحق هو خلق التوازن بين الأحداث المتسارعة لعملية السطو والقضايا التي يسعى جاهدا لنقاشها.

ويبقى العنصر الأقوى والأكثر تميزا في الفيلم هو إدارة ماكوين لطاقم التمثيل في الفيلم، خاصة فايولا ديفيز، التي امتلكت ناصية الفيلم وقدمت أداء متميزا للغاية في دور فيرونكا، فكل التفاتة وكل اختلاجة وجه وكل نظرة، تكشف لنا وجها جديدا لفيرونكا وقدرة فذة على الأداء من ديفيز. فيرونكا كما قدمتها ديفيز هي العاشقة المتولهة بزوجها، وهي الزوجة المكلومة التي تحاول التعامل مع الفجيعة، وهي المرأة الحاسمة المسيطرة، وهي المرأة التي تعاني الوحشة والخوف، وهي المرأة التي لا تتورع عن العنف والغضب حين تتعرض للظلم.

القدس العربي اللندنية في

11.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)