كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عرب "أوسكار 2019":

الراهن في السينما

نديم جرجوره

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

عامًا تلو آخر، ينشغل عربٌ عديدون ـ في فترة كهذه ـ بأفلام عربية تختارها مؤسّسات رسمية عربية لإشراكها في التصفيات الأولى لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. في 22 يناير/ كانون الثاني 2019، تُعلن الأفلام المرشّحة رسميًا في الفئات كلّها، وفي 24 فبراير/ شباط 2019 تُعلن النتائج الخاصّة بالدورة الـ91 لاحتفال "أكاديمية فنون السينما وعلومها" وتوزّع الجوائز. وعامًا تلو آخر، وفي الفترة نفسها أيضًا، يقع كثيرون في خطأ واحد يتكرّر كل مرّة، إذ يقول عربٌ كثيرون إنّ الفيلم الفلاني "مُرشّح" البلد الفلاني للجائزة، من دون التأكّد من قواعد الترشيح والتواريخ المنشورة في الموقع الإلكتروني الخاص بالأكاديمية.

هذا مُكرَّر. النقاش حول أهلية هذا الفيلم أو ذاك للاختيار مُكرَّر هو أيضًا. لكن الأهمّ من ذلك كلّه يبقى كامنًا في الفيلم بحدّ ذاته، سينمائيًا وجماليًا ودراميًا وتقنيات. لعبة المقارنة بين الأفلام المختارة مُغرية، كإغراء لعبة المقارنة بين الأفلام المختارة وغير المختارة أيضًا. لكنها لعبة لن تؤدّي إلى شيء مفيد، باستثناء تفعيل نقاش نقدي حول الأفلام كصناعة سينمائية، رغم أن لـ"أوسكار" سطوة لن يكون صحيحًا تجاهلها أو التغاضي عنها.

الاختيارات الجديدة قليلة العدد. 7 أفلام عربية (لغاية الآن) ستُشارك في التصفيات الأولى: "كفرناحوم" للّبنانية نادين لبكي، الفائز بجائزة لجنة التحكيم في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي؛ و"يوم الدين" للمصري أبو بكر شوقي، المُعروض للمرة الأولى دوليًا في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 لمهرجان "كانّ" أيضًا؛ و"إلى آخر الزمان" للجزائرية ياسمين شويخ؛ و"بيرن آوت" للمغربي نور الدين لخماري؛ و"اصطياد أشباح" للفلسطيني رائد أنضوني، الفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة الـ67 (9 ـ 19 فبراير/ شباط 2017) لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي"؛ و"على كفّ عفريت" للتونسية كوثر بن هنيّة، المعروض للمرة الأولى دوليًا في برنامج "نظرة ما" في الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ"؛ و"الرحلة" للعراقي محمد الدراجي.

العربي الجديد اللندنية في

01.10.2018

 
 
 
 
 

«كفرناحوم» من فوق ومن تحت... صورة بورجوازية للدولة؟

أحمد محسن

يبدأ «كفرناحوم» من فوق، وتأخذ الكاميرا صورة جماعية للذين تحت. بيوت متشابهة، إطارات على أسقف الزينكو، وأكثر من حياةٍ تسير بتوازٍ في مكانٍ ــ من فوق ــ يُشبِه صورة شائعة عن الموت، كما لو أنه مقبرة. يتصارع الهامشيون مع بعضهم: زين ضدّ أهله، اللاجئة التي تبيع الورد مع المهرّبين، العاملة مع الناطور. المجرمون الحقيقيون لا وجود لهم في هذا الجحيم!

يبدأ الفيلم من طبقة أعلى، وينزل تدريجاً إلى ما يقدّمه لنا كمحطة في عالم سُفلي. سرعان ما يختزل المسافة الهائلة بين السماء والأرض، سرعان ما يصير واقعياً. وإن كان المشهد فاتناً للسينيفيلي العادي، فإنه يصعب تبرئته من أبرز أوجهه السيميائية: إخضاع التفاصيل للاستلاب. والتفاصيل المستلبة لا تخص الناظر من فوق إلى تحت، إنما تخص الذين هم تحت حصراً. ما يقترحه الفيلم هو الصمت، أو بالضبط تلك الإيماءة المعترضة بفمٍ مفتوح. يقترح علينا الفيلم الذهول، ولكن سيتبع ذلك قبولاً. يقترح سردية محايدة، بين الدولة والنظام والخطاب من جهة، وبين الهامشيين من جهة أخرى. المواجهة الحقيقية في الفيلم تقع بين زين وأهله، بين الهامشيين أنفسهم، كما لو أن الطريق مقطوعة وأنهم لن يصلوا إلى شيء. وأنه لا نجاة ممكنة إلا بترتيب الفقر وبالتصالح معه، لإنجاز سلوك بورجوازي مُرضٍ للمحامية كما كان مُرضياً لرئيس الجمهورية المتخيّل في أفلام سابقة، شرط الاحتفاظ بوضعية الفقر وعدم إحداث المشاكل. ليس هناك في «كفرناحوم» أي اعتراضٍ على الدولة. ولا نتحدث عن الدولة بمعناها الشائع، إنما عن الدولة كجهاز بيروقراطي وأمني لإدارة مصالح الطبقة المهيمنة. هذه الدولة هي الدولة الطيبة في شريط لبكي، كما في شريط زياد دويري، الذي أسهم في تدريج موضة أذرع الهيمنة في الأفلام اللبنانية، وإن كان ذلك يحدث بصورة مبتذلة نسخاً عن الطريقة السينمائية الأميركية التي أرست صورة مؤسطرة عن المحكمة في أميركا، واقترحتها حلّاً لتسويغ ما ينتج عن فظاعات باسم العقلانية.

دعكم من المشهد السوريالي الذي يتصل فيه زين من سجن الأحداث بوسيلة إعلامية. فالإعلام في لبنان، وهو لا يعرف ذلك ولا يعترف بهِ، جزء من الدولة وأجهزتها ويعمل لمصالح الطبقة ذاتها التي تعمل الدولة لأجلها. من هنا أيضاً، يحيل الفيلم بأسرهِ إلى نظرية «الوثاق» لآلان باديو، حيث لا تقوم الدولة على وثاق اجتماعي تعبّر عنه هي نفسها، إنما تقوم على «انفراط» هذا الوثاق، التي تمنعه هي نفسها. ولعل نظرية باديو هذه، في «الكينونة والحدث»، هي الأكثر قرباً لتفسير صورة الدولة كما تظهر في «كفرناحوم»، الذي هو جحيم، لا نعرف من أشعله ولا يمكننا أن نعرف، وعلينا أن نفهم أن الذين يحترقون فيه وحدهم يمكنهم إطفاؤه: «معش تجيبو ولاد»! وبمزيد من البحث، قد نرنو إلى فرضيةٍ أخرى. الاختيار التوراتي للتسمية يمكن أن يكون سببه إضافة البُعد الميتافيزيقي إلى المحرقة، فلا نبحث عن فاعلين، أو نستسهل أن الصاق الفِعل بالحلقة المباشرة، وهم في هذه الحالة والد زين والدته. وطبعاً، هم العاملة التي «أخطأت» وأنجبت طفلاً، وأعادته إليه الدولة الطيبة، بعدما استعبدتها بنظام الكفالة (ويرد الحديث عن هذا النظام في الفيلم باستحياء دون أي نقد باعتراف كامل).

يُحسب لنادين لبكي أنها تجيد استخدام الكاميرا، لجهة الجماليات البصرية. ويُحسب لها أنها تعرفت إلى زين أو بلغةٍ أخرى جاءت من مكانٍ بعيد لتعترف بهِ. وهذا المكان البعيد هو المكان الذي عشّشت فيه السينما اللبنانية حتى تعفنت، والذي اعتاد أن يقيس العلاقات بين الناس على قواعد طوائفية، كما لو أن ذلك قدر محتوم، أو منهج ضروري للفهم والتحليل. وهذا ما استقام عليه الحال في شريط لبكي الفائت «وهلأ لوين». هذه المرة، يُحسب لها أنها حاولت الذهاب أبعد من ذلك. اكتشفت زين ورحيل وهاروت وكارثة الزواج المبكر. لكن المزج بين جميع هذه الشخصيات لامس الافتعال في أكثر من مناسبة، ما أفقد الحبكة جزءاً من قوتها. وعلى الأرجح، هذه الحبكة لم تفقد قوتها عندما عُرِض الشريط في «كان»، لأن المشاهدين ليسوا كتلةً واحدة دائماً. ذلك أن زين ليس اكزوتيكياً في لبنان، بل هو واحد منّا. لاجئ بين لاجئين. فقراء مثله آخرين. لكنه في مكانٍ آخر قد يصير لافتاً. وبلا أي حسابات مؤامراتية، لا يُحب الكثير من «البِيض» (لا يعرفون أنهم بِيض) أن يكتشفوا أن الآخر يعاني من مشكِلة سببها طبقي، إنما يحب هؤلاء إشباع فِكرة أساسية مفادها أن الآخر هو نفسه المشكلة. ولهذا، فإن الحي المجهول، كان يجب أن يُنتِج كل هذه المشاكل دفعةً واحدة. كان يجب أن نرى الدم على السرير، وأن تموت شقيقة زين، وأن يكون الدكنجي مغتَصِباً، وأن يكون المهرِّب أجنبياً... وأنه لا يوجد أشخاص طيّبون في هذا الحي، ولا أي شخص في الشريط بأكملهِ إلا من خارج الحي.

يُحسب لنادين لبكي أنها تجيد استخدام الكاميرا، لجهة الجماليات البصرية

لا يوجد طيّبون إلا رجل الأمن الذي أعاد الطفل إلى العامِلة، ورجل الدولة الذي نفذ شروط نظام الكفالة بأمانة، والقاضي الذي يبدو لطيفاً في الفيلم، وطبعاً المحامية التي أنقذت الطفل في النهاية. وفي النهاية، الصيغة التعليمية التي تقترحها الحبكة من المشهد المستورد من مخيال بلا أي أساس عقلاني يتمثل بطفل يحاكم والديه في محكمة، وصولاً إلى موضةٍ أخرى تتجاوز ذلك فظاعة، وهي تحميل الفقراء مسؤولية فقرهم، إنما هي صيغة أقل ما يقال عنها إنها تنصل كبير من المواجهة. ويذكّر الطرح الذي يطرحه الفيلم بما يرد عن كارل ماركس، في «نقد فلسفة الحق عند هيغل»، عندما يسخر من المثالية البورجوازية. يتحدث ماركس عن «نقطة شرف روحية»، تشكّل مدخلاً للتعرف إلى ما يتوجب أن نعترف به حين نواجه الآخرين مباشرةً. أي إنه، ولكي نواجههم، يجب أن نضع وجهنا في وجوههم. لا يمكن أن نرى وجوههم من دون أن يروا وجهنا، لأن كلمة «مواجهة» بذلك تفقد معناها. وفي هذه الحالة، يصبح النظر إلى الهامشيين، من دون النظر إلى الذين يحتلون المركز والمساحات وأمكنتهم، نوعاً من معاينة تستجدي التعاطف المتبوع بالتسليم، ولا يصلح لأن يكون مواجهة. وبذلك فإنه ليس حدثاً عادلاً.

تعرّف «كفرناحوم» إلى زين، لكنه لم يعترف بهِ، وبحقه في بلورة تصور شخصي عن العالم. لقد ابتسم في نهاية الشريط، وجميع الذين في السينما سألوا أنفسهم، بعد كل ما حُمِّل من أفكار تتجاوز عمره، وصلت إلى حد النداء، طفل مثل هذا لماذا يبتسم في السجن، وفي المحكمة، وفي هذا المكان الذي هو العالم. لماذا يؤمن شخص مثل هذا بعدالة على هذه الأرض، طالما أنه سيخرج إلى الحيّ نفسهِ ليجد كل شيء في مكانه، وطالما أن المسؤول عن فقر والديه لن يُحاسب. لماذا يوضع الطفل ضدّ والديه، بدلاً من أن يوضع مع والديه أنفسهم في مواجهة مع الذي تسبب بفقرهم. سيبقى الحي فقيراً، وفي أي حال هو كذلك منذ وقتٍ طويل ويتسع. ستبقى الإطارات على الأسقف تنتظر من ينزلها إلى الأرض ويشعلها. لأن زين والذين مثله لن يرتفعوا في حياتهم إلى النقطة التي بدأ منها الفيلم. سيكبرون ولن يذهبوا إلى المحكمة ليشهدوا ضدّ أهلهم. سيحبّون أهلهم، وإن أتيحت لهم النجاة، فلا يجب أن ينجون بالصدفة، في مركبٍ ذاهب إلى السويد، أو في ضربة حظ. لأن هذا ليس هو «الأمل»، بل هذا هو الوهم. زين وأصدقاؤه لن يخضعوا للسُلطة التي يحاول الشريط من أولهِ إلى آخره إخضاعهم إليها وتأطيرهم في حدودها: لن يقبلوا أن تحاكمهم الدولة التي فعلت بهم كل هذا.

* «كفرناحوم»: حالياً في الصالات اللبنانية

الأخبار اللبنانية في

01.10.2018

 
 
 
 
 

محمد الدراجي لـ"العربي الجديد": نحن رُحَّل نبحث دائمًا عن أجوبة

أجراها نديم جرجوره

تدخل سارة (زهراء غندور) محطة قطارات يُعاد افتتاحها في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2006، في اليوم الأول من أيام عيد الأضحى المبارك. الهدف؟ تفجير انتحاري. لكنها، بلقائها سلام (أمير جبارة)، تبدأ مرحلة الانقلاب على ذاتها، خصوصًا بعد لقائها شخصيات مختلفة تسعى إلى مواجهة التحدّيات كلّها.

اختير الفيلم لتمثيل العراق في التصفيات الأولى لجوائز "أوسكار"، وتبدأ عروضه التجارية اللبنانية في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2018. وهو يأتي بعد عدد من الأفلام المهمومة بالعراق وتحوّلاته وأحوال ناسه في الأعوام الفائتة، كـ"أحلام" (2005) و"ابن بابل" (2009) و"في أحضان أمي" (2011) و"تحت رمال بابل" (2013) وغيرها.

بمناسبة إطلاق العروض التجارية لـ"الرحلة" في بيروت، لقاء مع الدراجي حوله وحول آليات اشتغاله السينمائيّ:

·        (*) كيف بدأتَ كتابة "الرحلة"، الحاصل على دعم من "مؤسّسة الدوحة للأفلام" و"الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)" و"صندوق هولندا للفيلم" و"المعهد الفرنسي" التابع لوزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية الفرنسية" وغيرها؟ من أين تكوّنت لديك فكرة سرد حكاية عن شابّة مُكلَّفة بتنفيذ عملية انتحارية تُبدِّل رأيها فجأة قبل لحظات من الموعد المحدّد للتفجير؟ 

ـ هذا حاصلٌ عام 2008، أثناء تصويري "ابن بابل" في بغداد. حينها، رأيت صُورًا لشابّة يتراوح عمرها بين 18 و19 عامًا. كان رجال الشرطة يمزّقون ثيابها بعد ربط يديها بالسياج الحديدي لمبنى المركز الخاص بهم. كان أحدهم يعمل على تفكيك حزام ناسف لفّت نفسها به. الشابة خائفة. شعرتُ أن في عينيها شيئًا غريبًا لم أتمكّن من تحديده لحظتها. الصُوَر تعكس هذا كلّه. كنتُ أتأمّل عينيّ الشابّة الجميلة للغاية. 

القصّة حقيقية. شابّة مُكلَّفة بتفجير نفسها لقتل أكبر عددٍ ممكن من الناس في مقرّ للشرطة العراقية. لكنها، قبيل لحظات من موعد التفجير، أخبرت شرطيًّا بأنها تحمل حزامًا ناسفًا، وبأنها ستُفجِّر نفسها. طلبت مساعدته، فهي كما يبدو متردّدة عن تنفيذ المهمّة في اللحظة الأخيرة. فاجأتني الحادثة. الشابّة جميلة، لكنها تريد قتل نفسها وقتل الآخرين. 

بعد "ابن بابل"، بدأتُ البحث في موضوع الانتحاريات في العراق والعالم. نقلت القصّة إلى محطة للقطارات وقرّرت تصوير فيلم عن تلك الشابّة داخل مبنى المحطة وفي عوالمها ومع ناسها وأحوالهم. قرّرت عدم الرجوع إلى خلفية الشابّة، مُقدِّمًا إياها في المسافة الزمنية بين لحظة دخولها المحطة بنيّة تفجير نفسها وقتل الناس، ولحظة اقتناعها الذاتي الداخلي بالعودة عن قرار التفجير. المشروع برمّته مرّ بمراحل مختلفة بين عامي 2008 و2010، مع بداية كتابتي أول نسخة من النصّ السينمائي. بين نهاية 2015 ومطلع 2016، بدأت تصوير "الرحلة". 

لكن أكثر المراحل إرباكًا وقلقًا لي حدثت معي عام 2012: أول نسخة مكتوبة تضمّنت حالتي إزاء هؤلاء الذين يفجّرون أنفسهم لحصد أرواحٍ بشرية. أردتُ الانتقام منهم سينمائيًا عبر شخصية سارة (زهراء غندور). ردّة فعلي إزاء كلّ عملية انتحارية مزيج غضب وحقد على منفّذيها. أردتُ محاكمة الانتحاريين في فيلمي. النص الأول خالٍ من التعاطي الإنساني ـ البشريّ معهم بشكل كامل. لكن، بعد كتابة وتفكير واشتغال على الموضوع، زرتُ سجنًا للنساء في بغداد تمّ اعتقال إرهابيات فيه. هناك، التقيتُ 3 منهنّ، إحداهنّ شابّة جميلة جدًا وذكية جدّا، تبلغ 19 عامًا. تكلّمَتْ معي من دون مواربة أو كذب أو احتيال، بل بوضوح وصراحة. لم تكن عيناها ترمشان. هذا ليس من طبيعة الانتحاريات اللواتي ينظرن إلى الأرض وهنّ يتحدّثن مع أحد، أو إلى جانبه. أما هي فمختلفة تمامًا عنهنّ. نظرَتْ إليّ مباشرة كواثق من نفسه وأفكاره للغاية. 

·        (*) ما الذي حصل لاحقًا في الكتابة؟ 

ـ راجعتُ كتابتي الأولى. أعدتُ التفكير مليًا بالموضوع. فكّرتُ بالانتحاريات وبكيفية نظرتي إليهنّ. سألتُ نفسي: أليس معقولاً أن تكون إحداهنّ زوجتي أو حبيبتي أو صديقتي أو شقيقتي؟ أليست الانتحارية امرأة، أي كائنا بشريا ـ إنسانيا؟ لقائي هؤلاء الإرهابيات الـ3 مهمّ للغاية، إذْ جعلني أغيِّر نظرتي إلى المسألة وإلى كيفية معالجتي الموضوع في فيلمٍ سينمائي، انطلاقًا من عدائي الشديد لسلوكهن وتبريرات قراراتهن تلك. 

·        (*) المُلاحَظ أنك تعاملت مع سارة كشابّة لها انفعالات. 

ـ في البداية، ألغيتُ أنسنتها. هؤلاء، بالنسبة إليّ، لا يحبّبن الحياة. بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001، أصبح الإرهاب فكرًا تجعله حكومات ومجتمعات سببًا لشنّ "الحرب على الإرهاب". لكن المشكلة أن تلك الحرب لم تقضِ على الإرهاب، بل زادته حضورًا وانتشارًا وجعلته ثقافة جديدة. عندما أردتُ التعامل مع موضوع كهذا في فيلم سينمائي، فتّشتُ عن أشرطة فيديو تتعلّق بمنفّذي عمليات انتحارية إرهابية. في غالبيتها الساحقة، يتّصل الإرهابيّ بوالدته قبل وقت قليل على موعد تنفيذ العملية. هؤلاء يريدون أحدًا قريبًا جدًا منهم للتحدّث معه قبل تفجير أنفسهم. إذًا، داخل كل واحد منهم إنسان ما. هذا ما أثارني أكثر من رغبتي في الانتقام منهم سينمائيًا. 

هناك 4 نماذج من الانتحاريين: أولاً، المؤمنون الذين لديهم إيديولوجيا يتمسّكون بها. هؤلاء صعبٌ التعامل معهم، فكلّ شيء فيهم مُنغلق على نفسه. لا يُناقشون ولا يُبرّرون ولا يتيحون لأحد التواصل معهم. ثانيًا، الخاضعون لغسل دماغ، ومعهم هناك مجال للتفاوض فهم ربما يتردّدون في اللحظة الأخيرة ويتراجعون عن تنفيذ المهمّة. ثالثًا، التائهون والضائعون الذين يريدون تحقيق شيء ما في حياتهم وتحقيق العدالة لأنفسهم. خرّيجو سجون أو انطوائيون أو منعزلون مع أنفسهم، وغيرهم. هؤلاء لم تمنحهم الحياة شيئًا، فيريدون ـ عبر تنفيذ عملية انتحارية بعد غسل دماغهم ـ تحقيق شيء ما. رابعًا، هناك غير المعروفين، وهؤلاء يكونون عادة نتاج خليط النماذج الـ3 السابقة. 

هذه خلاصة قراءات لي أجريتها أثناء عملي على مشروع "الرحلة". اتصال سارة بوالدتها مستلٌّ من وقائع عرفتها وتأكّدت منها. أثناء الاتصال، تظهر سارة منعدمة المشاعر، لكن في عمقها ما يدفعها إلى الاتصال بأمّها. تبدو كأن لا حياة لها. هذه أشياء جعلتني أفكّر بهم كبشرٍ. أختلف معهم وأحقد عليهم، لكنهم موجودون بيننا في كلّ مكان في العالم. أردتُ التعامل معهم بطريقة مختلفة تبتعد كلّيًا عن فكرة الانتقام منهم سينمائيًا. وهذا إلى درجة التفكير بمسألة أخرى أيضًا: ربما أخطأنا في طريقة تعاملنا معهم. 

هذه تساؤلات مطروحة في "الرحلة": ما الذي يحدث عندما تعود الإرهابية إلى إنسانيتها؟ أفكّر بهذه الخطوة الذاتية التي تمرّ بها الشابّة. أفكّر بكيفية نظرتها إلى من حولها وإلى ما حولها. تابِعْ حركات سارة وملامحها وانفعالاتها في سياق الفيلم، لتكتشف تبدّلاتها، وهي تبدّلات عرفتها من لقاءاتي وأبحاثي وتفكيري وقراءاتي الخاصّة بهذا الموضوع. أنا لم أقدِّم في الفيلم خلفية لها، مع أني أحيانًا وضعت لها تلك الخلفية قبل أن ألغيها من التصوير. أردتُ ترك الحرية للمُشاهد كي يتمكّن لوحده من التعامل معها كما يريد. 

·        (*) الممثلة زهراء غندور بارعة في تقديم هذه الشخصية بتبدّلاتها ومساراتها ومسالكها الانفعالية والفكرية وبعلاقاتها مع نفسها والآخرين. 

ـ اشتغلتُ مع زهراء عامين كاملين قبل التصوير. الممثلون جميعهم غير محترفين باستثناء أمير جبارة الذي مثّل معي في "ابن بابل". زهراء جبّارة في طريقة تعاملها مع الشخصية. أخذتُ منها بعض ما في شخصيتها الحقيقية لتوظيفه في الشخصية السينمائية. هذا أسلوبي في العمل مع الممثل: جزءٌ من تجاربه في الحياة أستفيد منه وأضعه في بناء الشخصية السينمائية. هذا ساعدني كثيرًا. مع زهراء، هناك غضب وحزن ووجع وفرح وتوتر وغيرها من انفعالاتٍ وحالات. أخذتُ منها ما يتيح لي بناء شخصية سارة. كممثلة ومخرج، عملنا معًا على وضع خلفية كاملة لسارة: في أي يوم ذهبت زهراء للمرة الأولى إلى المدرسة، وأول أغنية استمَعَتْ إليها وأحبَّتها، وأول زيارة إلى الجامع، إلخ. تفاصيل من يومياتها العادية والبسيطة مفيدة جدًا في تكوين سارة. لكن، لاحقًا، أردتُ إبقاء الغموض حاضرًا وفاعلاً في علاقة المُشاهد بها، لتحريضه على دخول عالمها. 

لم تستوعب زهراء شخصية سارة في البداية، فهي من الجنوب وسارة من الشمال. هناك اختلافٌ كبير بين سلوكين وأسلوبي تعبير وحركة. زهراء إعلامية منفتحة، شابّة حيوية تعيش في بغداد وبيروت. هي بهذا كلّه تختلف كلّيًا عن سارة. البداية صعبة. لكنها تمكّنَتْ من تقديم الشخصية بواقعية وصدق. بعد انتهاء التصوير، تعبَتْ نفسيًا. 6 أسابيع لم تغادر غرفتها أثناءها أبدًا، فهي تؤدّي دور شابّة تريد قتل نفسها والآخرين. هذا ليس سهلاً عليها أبدًا. 

أثناء التصوير، أقمتُ لها طقوسًا خاصّة بها: نوع الأكل، مكان إقامتها، التمارين القاسية التي خضعت لها، كحمل أحجار ثقيلة والركض بها. علّقت دبابيس على جسدها، لأني أردتُها أن تشعر بالعنف كي تتمكّن من تقديمه أمام الكاميرا بصدق. أردتُها أن تشعر بالألم أيضًا. أجرينا، هي وأنا، تمارين على العين والوجه. كانت جبّارة وقدّمت دورًا جميلاً. انْظرْ إليها وهي تدخل المحطة بخطوات قاسية، فالغضب والتوتر والخوف حاضرة كلّها فيها وهي تمكّنت من ذلك بفضل هذه التمارين. الولد الذي يضربها على كتفها للسلام عليها، بائعة الورد، الشخصيات المتناثرة هنا وهناك داخل المحطة. أناس وأمور تجعلها تبدأ رحلة العودة إلى نفسها والتنبّه إلى الحياة خارج عالمها الضيّق. 

اكتشافات كهذه جعلتها، ببلوغها لحظة الدراويش داخل المحطة، تتوقّف عن تنفيذ المهمة، وتبدأ طرح الأسئلة على ذاتها. 

·        (*) فيلمك الجديد هذا يرتكز على رحلة داخل النفس، تمامًا كفيلم "ابن بابل" مثلاً وهو رحلة قاسية في الجغرافيا والذات أيضًا. 

ـ أظنّ أن هذا عائدٌ إلى طفولتي. عام 1994، هاجرتُ من العراق. هذا أثّر عليّ كثيرًا، كأني دائمًا أبحث عن نفسي في الرحلات التي أقوم بها. لا مشاهد استقرار في أفلامي، وشخصياتي تلهث وتركض ولا تتوقّف، وإنْ لم تكن تتحرّك أحيانًا. هناك حركة دائمة.

مشروعان جديدان لي يرتكزان على هذا: الأول (طيور الجنّة) عن امرأة تقود باصًا في بغداد عام 2006، وتجمع أولادًا لتدريسهم داخل الباص ليس حبًّا بهم بل لأسباب أخرى يكشفها الفيلم لاحقًا، ويجعلنا نُدرك ما هي طيور الجنّة. هذا كلّه في شوارع منقسمة بحكم الصراعات الطائفية حينها. الثاني (صانع المطر) عن طفل يركض من دون توقّف.

دائمًا هناك رحلة. أعتقد أننا نحن جميعًا رُحَّل. نحن في رحلة طويلة في الحياة ولدينا أسئلة كثيرة نتمكّن من الإجابة على 10 بالمئة منها فقط. شخصياتي دائمًا في رحلة بحث عن أجوبة على أسئلة كثيرة. هذا كلّه موجود في أفلامي لأن أمورًا كهذه موجودة داخلي فأترجمها سينمائيًا بطرق مختلفة.

 

####

 

الفيلم اليمنيّ «10 أيام قبل الزفة»: السينما والجمهور وتحدي الحرب

صنعاء ـ «القدس العربي» من أحمد الأغبري:

حققت عروض فيلم «10 أيام قبل الزفة» نجاحا لافتا في مدينة عدن، من خلال تواصل إقبال الجمهور عليه بعد أكثر من مئة عرض؛ ما جعل المخرج عمرو جمال يستعد لنقل العرض لمدينة المُكلا في محافظة حضرموت شرقي البلاد، ومنها لمحافظات أخرى، مؤكدا على أن إنتاج الفيلم كان مخاطرة في ظروف حرب… وهي الظروف التي لم يتحداها المخرج وفريقه وحسب، بل تحداها الجمهور هناك، أيضا، من خلال إصرارهم على تجاوز مخاوفهم والذهاب لمشاهدة فيلم يروي حكايتهم.

مخاطرة

«أكثر من 400 شخص يحضرون العرض الواحد تقريبا بعد مئة عرض لهذا الفيلم بعدن؛ وهو جمهور يأتي من كل أنحاء المدينة بمن فيهم نساء وأطفال، وفي ظروف غير طبيعية تعيشها المدينة جراء تبعات الحرب المختلفة» يقول المخرج.

بلا شك في أن إقبال الجمهور على عروض الفيلم منذ عيد الأضحى وحتى الآن في هذا المستوى، يؤكد انتصار هذه التجربة السينمائية على ظروف بالغة التعقيد، في بلد تفتك به حربان داخلية وخارجية، ومشاريع تفتيت، كما يعاني فقرا وأوبئة واختلالا أمنيا ومشاكل في الخدمات، بالإضافة إلى عدم وجود صالات عرض… في بلد كهذا فإن مجرد التفكير فقط، بإنتاج وعرض فيلم سينمائي طويل وعن الحرب، يمثل مخاطرة!

«وهي كانت مخاطرة ومخاطرة كبيرة» يقول المخرج عمرو جمال متحدثا لـ«القدس العربي» عقب خروجه مبتهجا من العرض (106) للفيلم؛ وهي العروض التي تتم في صالة أعراس تم تكييفها لتكون مناسبة للعرض والجمهور كحل كان لابد من التفكير فيه وتجاوز مشكلته قبل البدء في التصوير. «بعد أن قررنا أن نخوض التجربة، كان لابد أن نفكر بالمشكلة الأهم؛ وهي صالات العرض، لاسيما والمدينة لم يعد فيها أي صالة عرض؛ فبدأنا بالبحث حتى وجدنا من بين صالات الأعراس صالتين في كل منهما مدرج، ووجدنا إمكانية تكييفهما للعرض؛ فحجزناهما» يوضح عمرو.

صالات العرض

وعرفت اليمن صالات العرض السينمائي في خمسينيات القرن الفائت في عدن، ومنها انتشرت لبقية المحافظات الجنوبية والشرقية، وكانت الدولة هناك، قبل إعادة تحقيق الوحدة عام 1990، تمتلك جميع الدُور التي وصل عددها لـ (24) دارا حتى عام 1990. أما المحافظات الشمالية فهي لم تعرف هذه الصالات إلا عام 1962، وكان يملك القطاع الخاص هناك جميع تلك الدُور، التي وصل عددها حتى عام 1990 لـ(25) دارا أو بالأصح صالة عرض. عقب إعادة تحقيق الوحدة تراجع الاهتمام الحكومي بالفنون؛ فتوقف كثير من البرامج، وأُغلقت تدريجيا جميع تلك الدُور لأسباب مختلفة إلى أن أصبحت البلاد بلا أي صالة عرض سينمائي.

وفي ظل واقع كهذا تضاف إليه نتائج الحرب الراهنة كان من الطبيعي انطلاق العرض الأول لهذا الفيلم في صالة أعراس. وقد كان عرضه الأول محاطا بمخاوف كثيرة من الفشل، إلا أن إقبال الجمهور كان مفاجئا، على الرغم من أن العرض في مدينة تعيش ظروفا اقتصادية وأمنية متردية. يقول المخرج «لم يكن إقبال الجمهور هو المفاجأة الأولى لنا؛ فقد سبقه تفاعل وتشجيع ودعم الناس لنا خلال نزولنا للتصوير في الشوارع والأسواق والحارات؛ حيث كنا ممتلئين بكثير من المخاوف، لاسيما في ظل ما تنشره وسائل الإعلام عن حوادث الاختطافات والاغتيالات وغيرها من المشاكل الأمنية في المدينة؛ إلا أننا فوجئنا بتفاعل وتشجيع ودعم لا محدود من الناس، حتى يمكن القول إن الناس كان لهم دور في إنجاز تصوير الفيلم».

التصوير

تم تصوير 60٪ من الفيلم في مواقع خارجية، بما فيها مواقع تعرضت للحرب كأسواق وشوارع وأحياء شعبية وفي أوســاط الناس «بما يُبرز بعض ملامح المعاناة الناجمة عن الحرب على الإنسان والمكان هنا» حسب عمرو جمال.

عالج الفيلم، الذي استغرق التحضير له سبعة شهور، وتم تصويره في 30 يوما، تبعات الحرب على حياة الناس خاصة الشباب، من خلال قصة (رشا) و(مأمون) اللذين ظل يتأجل موعد زفافهما منذ انطلاق الحرب عند تدخل التحالف العسكري في اليمن عام 2015؛ وهو الزفاف الذي ظل يواجه العديد من الإشكالات حتى بعد توقف الحرب في عدن، حيث بدأوا بمواجهة ظروف ما بعد الحرب، التي أنتجت واقعا مأزوما.

يندرج هذا الفيلم، ومدته ساعتان، ضمن فئة الأفلام الكوميدية الدرامية الموسيقية وشارك فيه 45 ممثلا من أجيال مختلفة، وقام بدور البطولة: سالي حمادة وخالد حمدان. جاء إنتاج الفيلم بمبادرة فردية تصدى لها عدد من الشباب بقيادة المخرج الذي سبق له العمل على إخراج عددٍ من الأعمال المسرحية والدرامية التلفزيونية. 

مع اندلاع الحرب وما فرضته من ظروف في كل مجالات العمل والانتاج، أصبح من الصعوبة استمرار كثير من الفنانين في مجالاتهم؛ ونتج عن ذلك عطالة معظمهم، في هذا الواقع ولدتْ فكرة هذا العمل الذي يُعدّ أول تجربة سينمائية للمخرج، وقد اقتحم غمارها بالمراهنة على «تحدي الواقع بدلا من البقاء منتظرين لمَن يمد لنا يده»، وكان حينها «معظم الفنانين عاطلين في بيوتهم»؛ فكانت هذه التجربة بالنسبة لهم «مسألة تحد أيضا». بعد أن أنجز المخرج كتابة النص بالتعاون مع مازن رفعت، وبعد أن تم حل مشكلة صالة العرض، كان البحث عن تمويل، وتم الحصول على 33 الف دولار أمريكي مقابل أن تُنشر أسماء الداعمين في إعلانات الفيلم؛ «وهي كلفة متواضعة لكننا استطعنا من خلالها تخطى مشاكل كبيرة»، ومن ثم ـ حسب المخرج- كان البدء بجمع الممثلين وإنجاز البروفات. «لقد واجهتنا مشاكل كثيرة خلال التصوير؛ ذلك أننا كنا ننفذ البروفات داخليا قبل تنفيذها خارجيا تفاديا لأي عوامل، كما واجهتنا مشاكل أخرى مثل الكهرباء، فكنا نتنقل ومعنا مولد كهربائي، علاوة على مشكلة الوقود وانقطاع شبكات الهاتف».

تقنيا، وفق المخرج، فقد تم الاعتماد «على ما هو متاح محليا وملائم للجودة السينمائية»؛ فتم التصوير من خلال كاميرات ماركة «كانون» بعدسات مختلفة وحديثة، بالإضافة للاعتماد على خبرات من خارج اليمن «خاصة في تنفيذ الأعمال الموسيقية، بما فيها الموسيقى التصويرية، بالإضافة إلى إنجاز (البوسترات) فيما يتم العمل على ترجمة الفيلم تمهيدا للمشاركة في مهرجانات دولية».

الإنتاج

على صعيد الإنتاج السينمائي اليمنيّ يأتي هذا الفيلم ليشكل علامة مهمة في مسار العرض الجماهيري المحلي غير المجاني، إذ ربما لم يسبقه فيلم يمنيّ طويل آخر توالت عروضه للجمهور في صالة عرض عامة. وشهدت اليمن في الألفية الراهنة إنتاج عددٍ قليل من الأفلام الطويلة مثل: فيلم «يوم جديد في صنعاء» الذي أُنتج عام 2004 للمخرج اليمنيّ الأصل بريطاني الجنسية بدر بن حرسي، وفيلم «الرهان الخاسر» للمخرج فضل العلفي الذي اُنتج حكوميا عام 2006، وتم عرضه توعويا في المدارس والجامعات عام 2008م، والفيلم التلفزيوني «شيء اسمه الحنين» للمخرج سمير العفيف الذي أُنتج عام 2009… ومن ثم فيلم «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» للمخرجة خديجة السلامي الذي أُنتج عام 2014، بعد تجربة تُحسب لها في إنتاج وإخراج عدد من الأفلام التسجيلية المتميزة… إلا أن جميع تلك الأفلام الطويلة لم تُعرض للجمهور المحلي في صالة عرض عامة حتى الآن. وعانت السينما في اليمن من مشاكل كثيرة فكان حضورها خافتا محليا وخارجيا، ومن أبرز تلك المشاكل – كما سبقت الإشارة- كان تجاهل الدولة للفنون عموما بما فيها السينما، خاصة عقب إعادة تحقيق الوحدة، إلى أن قرر عدد من الفنانين العائدين من الدراسة في الخارج أن ينطلقوا بتجاربهم، وبما يملكونه من إمكانات فأنتجوا عددا من الأفلام، إلا أن هذه الأفلام لم تلق الدعم الذي يتجاوز بها إحباط أصحابها… وهي أعمال تجاوزت الأفلام التسجيلية إلى الروائية، ومنها تجربة المخرج عبد العزيز الحرازي في الفيلم الروائي «القارب» وتجربة المخرج سمير العفيف في الفيلم التلفزيوني «العُرس»، وغيرها من التجارب التي تواصلت لاحقا وسبقت الإشارة إليها. 

بموازاة ذلك بقيت تجارب الفنانين الشباب من صُناع الأفلام الجدد في اليمن تُقدم مفاجآت في إنتاج وإخراج العديد من الأفلام القصيرة في ظروف صعبة، ومنها ما وصل لمهرجانات عالمية كفيلم «ليس للكرامة جدران» للمخرجة سارة إسحاق، الذي رُشح لجوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم وثائقي قصير.

تحدي الحرب

ويتميز فيلم «10أيام قبل الزفة» بكونه أول فيلم يمني طويل لفريق من الشباب يعالج موضوع حرب في بلد مازال يعيشها، كما استطاع طاقمه بتمويل متواضع وفي ظروف غير طبيعية إنتاجه وعرضه جماهيريا متحدين الواقع.

«سيستمر عرض الفيلم في مدينة عدن حتى يتراجع الجمهور، ومن ثم سننتقل لمحافظات أخرى، ونفكر حاليا بأن تكون مدينة المُكلا (شرق) هي المحطة التالية لعرض الفيلم» يوضح المخرج.

العربي الجديد اللندنية في

03.10.2018

 
 
 
 
 

7 أفلام إنسانية تمثل السينما العربية فى سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبى

نجلاء سليمان:

·        «يوم الدين» يكشف معاناة مرضى الجذام بمصر.. و«الرحلة» يرصد الصراعات الطائفية بالعراق

·        «على كف عفريت» يتناول قصة اغتصاب فتاة تونسية.. و«كفر ناحوم» يحكى عن مصير طفلين لقيطين بلبنان

·        «اصطياد الأشباح» وثائقى لأسرى فلسطينيين فى سجون الاحتلال.. و«بورن أوت» يواجه الفوارق الطبقية بالمغرب

7 دول عربية فقط من بين 22، أعلنت عن ترشيح أفلام تمثلها فى منافسات الدورة 91 لأوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، التى تنظمها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، 24 فبراير المقبل، بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية.

ومع إغلاق الأكاديمية باب تلقى طلبات الترشيح نهاية سبتمبر الماضى، ترصد «الشروق» حكايات الأفلام السبعة التى تمثل العرب فى المنافسات، والتى يغلب عليها الطابع الإنسانى.

«يوم الدين»

البداية مع فيلم «يوم الدين» الذى رشحته لجنة مشكلة من نقابة المهن السينمائية، ليمثل مصر فى سباق الأوسكار، بعد منافسة مع 37 فيلما، تم اختصارها فى قائمة قصيرة تضم 5 أفلام، لتحسم اللجنة اختياره بـ 26 صوتا من أصل 41.

«يوم الدين» تأليف وإخراج أبو بكر شوقى، وتدور أحداثه حول «بشاى» وهو رجل شفى من مرض الجذام ولكنه ما زال يحمل آثار المرض بجسده، ويعيش فى مستعمرة لم يغادرها يوما. بعد وفاة زوجته، يقرر «بشاى» أن ينطلق فى رحلة فى قلب مصر بحثا عن جذوره، فيغادر على حماره بصحبة أوباما، الصبى النوبى اليتيم الذى يرفض مفارقته أينما ذهب، وسرعان ما ينطلق الاثنان خارج المستعمرة لأول مرة ليكتشفا الحياة بكل ما فيها ويبحثا عن بعض الأمل والإنسانية والانتماء.

عرض الفيلم للمرة الأولى فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان الأخير، وحظى بإشادات واسعة من الجمهور والنقاد، وأعلنت إدارة المهرجان عن فوزه بجائزة Francois chalais، كما فاز فى الدورة الثانية لمهرجان الجونة، بجائزتين هما، أفضل فيلم عربى فى المسابقة الرسمية، بالإضافة إلى جائزة سينما من أجل الإنسانية، وكان أول عرض جماهيرى للفيلم فى محافظة المنيا مسقط رأس بطل الفيلم راضى جمال المتعافى من الجذام.

«اصطياد الأشباح»

تشارك فلسطين هذا العام بفيلم «اصطياد أشباح»، للمخرج رائد أنضونى الذى اختارته لجنة من القطاع السينمائى الفلسطينى من بين ثلاثة أفلام كانت تفاضل بينها.

الفيلم يطرح الفيلم أزمة الأسرى الفلسطينيين، ويقوم ببطولته شخصيات مرت بالتجربة فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، حيث أراد المخرج رائد أنضونى أن يهزم أشباح تجربته الشخصية بصناعة فيلم يجسد فيه شخصيته الحقيقية كمخرج وأيضا تجربته كمعتقل.

نال الفيلم تقديرا جماهيريا ونقديا منذ عرضه العالمى الأول بمهرجان برلين السينمائى 2017، وحصد جائزة أفضل فيلم وثائقى، كما توج بجائزة «الوهر الذهبى» فى مهرجان وهران الدولى للفيلم العربى، وحصد جائزة أفضل فيلم عربى فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وجائزة خاصة فى مهرجان قرطاج السينمائى الدولى 2017، وفى 2018 نال جائزة أفضل فيلم فى مهرجان منارات السينمائى بتونس.

«كفر ناحوم»

المخرجة اللبنانية نادين لبكى تمثل بلدها فى سباق الأوسكار هذا العام بفيلم إنسانى اختارته وزارة الثقافة اللبنانية، واحتفى به الجمهور اللبنانى منذ طرحه 20 سبتمبر الماضى، كما لاقى حفاوة وترحيبا من النقاد فى العالم.

«كفر ناحوم» نال جائزة لجنة التحكيم فى مهرجان كان السينمائى، ويعد صرخة إنسانية أطلقتها نادين لبكى مخرجة ومؤلفة وبطلة الفيلم حول أوضاع مكتومى القيد ممن يعيشون بطريقة غير شرعية فى لبنان، ورصد هذه المعاناة فى حياة طفلين لقيطين أحدهما قرر رفع دعوى قضائية ضد والديه لأنهما أنجباه، والثانى يعمل ليوفر لهما قوت الحياة اليومية، وتركز لبكى على تفاصيل دقيقة تمنح العمل طابعا إنسانيا اعتادت عليه فى أعمالها السابقة.

«الرحلة»

بعد انقطاع استمر ربع قرن، تعود السينما العراقية للمنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبى، بفيلم «الرحلة»، والذى اختارته وزارة الثقافة العراقية لتمثيل بلادها.

الفيلم من إخراج محمد الدراجى، وتعود أحداثه إلى عام 2006 الذى شهدت فيه العراق صراعات طائفية وعمليات عنف، فيما يركز على قصة فتاة شابة أوشكت على تفجير نفسها فى محطة القطارات واحتجزت موظفا رهينة لتتكشف أمامها حقائق ترجعها عن قرارها

نجح الفيلم العراقى فى لفت انتباه النقاد وشارك فى العدد من المهرجانات الدولية، وهو إنتاج مشترك بين العراق وبريطانيا وفرنسا وهولندا، أنتج عام 2017، وعرض فى مهرجان لندن السينمائى فى دورته الـ61، وحصل على تنويه خاص من مهرجان وهران، وفاز بجائزتى لجنة التحكيم وأفضل ممثلة فى مهرجان مسقط السينمائى الدولى، كما حصد جائزة لجنة التحكيم فى عرضه الأول بمهرجان شرم الشيخ السينمائى، بالإضافة لجائزتين من مهرجان السينما العربية بباريس.

«على كف عفريت»

اختار المركز الوطنى التونسى للسينما، فيلم «على كف عفريت»، ليمثل تونس فى سباق الأوسكار، ورغم فشل الفيلم فى إقناع اللجنة المكلفة بالاختيار السنة الماضية ترشح هذا العام بمفرده ولم يكن أمامهم مفر من اختياره.

«على كف عفريت» من إخراج كوثر بن هنية، أنتج عام 2017، ويستعرض قصة حقيقية وقعت عام 2012 لفتاة جامعية تعرضت لحادث اغتصاب أثناء تجولها مع شاب التقته فى حفل وأعجبت به وبعدما قررا الخروج من الحفل للسير على الشاطئ، اعترض طريقها ثلاثة أفراد شرطة، وذهب الشاب برفقة أحدهم إلى ماكينة الصرافة لابتزازه ماديا، بينما تناوب الآخران اغتصابها، ولكن على غير العادة قررت الفتاة المطالبة بحقها لتتكشف معها فساد الشرطة التونسية فى عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن على.

افتتح الفيلم مهرجان مالمو للسينما العربية فى دورته السابعة أكتوبر 2017، كما عرض فى افتتاح الدورة الثامنة من مهرجان (الفيلم العربى ــ عمان) بالأردن سبتمبر الماضى.

«إلى آخر الزمان»

اختارت الجزائر فيلم «إلى آخر الزمان» للمخرجة ياسمين شويخ ليكون سفيرها فى سباق الأوسكار، ويستعرض الفيلم قصة حب بسيطة نشأت بين القبور، لسيدة سأمت حياتها وقررت حفر مكان لها بجوار قبر شقيقتها، إلا أنها تقع فى حب «حفار القبور» الذى كان يساعدها على تنفيذ رغبتها.
نال الفيلم جائزتين بمهرجان أفلام الجنوب ببروكسل والمهرجان الدولى لفيلم المرأة بالمغرب «سلا»، كما فاز بالوهر الذهبى فى مهرجان وهران الدولى يوليو الماضى
.

«بورن أوت»

الاختيار الثالث بين دول المغرب العربى هو فيلم بورن أوت أو Burn out للمخرج نور الدين الخمارى الذى اختاره المركز السينمائى المغربى لتمثيل للمشاركة فى سباق الأوسكار، لمطابقته لمعايير أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة لعله يحظى بالاختيار.

تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من أهل مدينة الدار البيضاء، يختلفون فى المستويات المعيشية، ما بين شاب لديه ثروة كبيرة ورثها عن والده، وطفل ماسح أحذية، وعدد من النماذج التى توضح الفوارق الطبقية وكيفية إيجاد سبيل لرفع هذه الفوارق بالحب، شارك الفيلم فى مهرجانى طنجة والفيلم المغربى ولم يحقق أى جوائز.

الشروق المصرية في

03.10.2018

 
 
 
 
 

المخرج سبايك لي يفضح عنصرية البيض في «بلاك ك كلانسمان»

عالج قضايا السود في الولايات المتحدة مثل العنصرية والعنف والإجرام والفقر

حسام عاصي

لوس أنجليس – «القدس العربي» : في فيلمه الأخير»بلاك ك كلانسمان»، يطرح المخرج سبايك لي، القصة الحقيقية لضابط مباحث أسود وهو رون ستولوورث، اخترق حركة «الكو كلاكس كلان» العنصرية في ولاية كولارادو الأمريكية في بداية السبعينيات، من خلال اقناع زعيمهم، دافيد دوك، عبر الهاتف بأنه أبيض ومؤيد لهم وأنه يكره السود واليهود واللاتينيين وكل من هو ليس أبيض. وعندما يدعوه دوك لمقابلته يجند ستولوورث ضابطا أبيض من زملائة ليحل مكانه. وينجح زميله، الذي كان يهوديا، بخدع زعماء الحركة لدرجة أنهم يرشحونه لرئاستهم.

وفي حديث معه، قال لي إن غايته من صنع الفيلم لم تكن سرد القصة وحسب، بل أراد من خلال سردها تسليط الضوء على العنصرية، التي عانت منها الولاياتُ المتحدةُ في الماضي، لكي يحذرَ من العنصريةِ التي أشعلَها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحاضر، مفتتحا الفيلم بمشاهد من مظاهرات «كو كلاكس كلان» في مدينة تشارلتسفيل العام الماضي، التي أسفرت عن مقتل سيدة وجرح آخرين بسيارة مسرعة كان يقودها أحد أعضائها. «التاريخ يعيد نفسه»، يعلق لي.

تأسست حركة «كو كلاكس كلان» بعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية في أواخر عقد 1860 على يد مجموعة من ضباط الجنوب لكي يعرقلوا مشروع إعادة التأسيس وتحرير العبيد بالعنف والارهاب. وارتكبوا جرائم بشعة ضد السود وعملاء الحكومة الأمريكية، حتى تدخل الرئيس الأمريكي آنذاك غرانت أوليسي وسحقهم في بداية عقد الـ 1870.

من المفارقات أن هوليوود بثت روح الحياة في الحركة من جديد عام 1915 عندما أطلق أبرز مخرجيها د.دبليو غريفيت فيلم «ميلاد أمة»، الذي طرح فيه أعضاءها كحماة البيض ونسائهم من السود، الذين قدمهم كهمج ومتوحشين ومغتصبين، مما جعل أعضاء «كيو كلاكس كلان» أبطالا في عيون الأمريكيين. وقوبل الفيلم بمدح الرئيس الامريكي آنذك، وودرو ويلسون، الذي وصفه «بكتابة تاريخ بالأضواء» بعد أن عرضه في البيت الأبيض.

إعادة الملاعين الى الحياة

«ديفيد غريفيت أعاد هؤلاء الملاعين الى الحياة من جديد بعد أن كانوا في سبات»، يصيح لي ضاحكا.
الفيلم لم يوقظ الحركة من سباتها وحسب، بل حولها الى أكثر الحركات نفوذا في الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي، إذ فاق عدد أعضائها الثلاثة ملايين وتغلغلت في كل مجالات الحياة الأمريكية كالصناعة والاقتصاد والاعلام والجامعات والحكومة نفسها، حيث خدم أعضاؤها كوزراء وأعضاء كونغرس وحكّام ولايات، ولهذا كان على كل سياسي أن يتعامل معهم ويلبي طلباتهم لكي يفوز في انتخابات أو يحافظ على منصبه.

واستغلت الحركة نفوذها لملاحقة وارتكاب أبشع الجرائم ضد السود، الذين لم يجدوا من يحميهم، لأن السلطة والقانون كانتا بيد الحركة، التي نجحت أيضا في سن قوانين عنصرية حرمت السود من حقوقهم المدنية، حتى أضعف فساد أعضائها كيانها في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن أعضاءها استمروا في الترويج ضد السود والاعتداء عليهم حتى يومنا هذا.

فيلم «ميلاد أمة» ما زالت تستخدمه حركة «كو كلاكس كلان» لتجنيد أعضاء جدد، كما بيّن لي في «بلاك ك كلانسمان»، حيث يعرض أعضاء الحركة الفيلم لضابط المباحث ويهتفون ويصفقون، كلما ظهر زملاؤهم على الشاشة يعتدون على السود.

من المفارقات أن الفيلم ما زال يعرض للطلاب في كليات السينما، لأنه يعتبر أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما. «أتذكر في الفصل الدراسي الأول، تم عرض فيلم ولادة أمة بكامله»، يقول لي، الذي درس في كلية السينما في جامعة نيويورك. «وبعد الفيلم، تحدثنا عن ديفيد غريفيت، الذي يسمى «أب السينما»، وتحدثنا أيضا عن الابداعات والأشياء المبتكرة، التي قام بها في الفيلم والتي لم يكن سابق لها. وتحدث البروفيسور وقتها بشك مطول عن الفيلم من نواح عديدة، لكنه أبدا لم يتحدث عن الضرر الاجتماعي، الذي أحدثه الفيلم وتاريخ الكراهية لفئة السود من قبل «الكلان». ولم ندر حينها أن الفيلم أعاد الحياة في «الكلان» العنصرية من جديد، وقد حرض بشكل مباشر ضد السود الذين قام أعضاء الحركة بشنقهم وضربهم وخصيهم بسبب هذا الفيلم، ولم يتحدث أي شخص عن هذا أبدا».

أعضاء «كو كلاكس كلان» و»ذهب مع الريح»

إضافة لـ«ميلاد أمة»، يقدم لي في «بلاك ك كلانسمان» فيلم «ذهب مع الريح»، الذي أيضا تدور أحداثه في جنوب الولايات المتحدة خلال الحرب الأهلية، كمصدر الهام لعنصرية أعضاء «كو كلاكس كلان». «ذهب مع الريح» كان أول فيلم يتفوق على «ميلاد أمة» في شباك التذاكر عام 1939 ليصبح أكثر الأفلام دخلا في تاريخ السينما، فضلا عن تحقيقه عشر جوائز أوسكار. وما زال يعتبر روعة سينمائية.

«أتذكر كنت في الصف الخامس أو الرابع حين قاموا بإنتاج نسخة من «ذهب مع الريح»، وكنا ننوي مشاهدة هذا الفيلم خلال رحلة مدرسية»، يقول لي «أتذكر أني كنت جالسا في قاعة العرض متوترا في كل مرة تظهر فيها باترفلاي ماكوين وتصرخ (لا أعرف شيئا عن الأطفال الصغار الملاعين) وعندما تظهر هاتي ماكدانيال، ولكنني أدركت بعد ذلك أن تلك الممثلات السود كان عليهن أن يلعبن هذه الأدوار. هاتي ماكدانيال لديها قول شهير: أنا أمثل كخادمة أفضل من أكون خادمة حقيقية. ماكدانيال حصلت على جائزة الأوسكار في تلك السنة، ولكن لم يُسمح لها حضور الحفل. لهذا كانت هناك أسباب شخصية لوضعي فيلمي «ولادة أمة» و»ذهب مع الريح» في «بلاك ك كلانسمان».

طبعا، فضلا عن الفيلمين المذكورين أعلاه، فمعظم أفلام هوليوود كانت تطرح صورا نمطية عن السود وكل الأعراق الأخرى غير البيضاء. وهذا الطرح دفع لي الى الانخراط في السينما ليطرح الحقيقة عن مجتمعه: «أنا أتذكر أن أمي كانت تقول لي انظر في عيني: اليزابيث تايلور لا تبدو مثل كليوباترا، وهذا جعلني أدرك أن كثيرا من الأشياء التي أشاهدها على التلفزيون والكثير من الأفلام مثل طرزان لا تمثل الحقيقة. ولهذا أول فيلم صنعته كان «الاجابة» كان عن فتى أمريكي أسود مخرج وكاتب أفلام استأجره أحد استوديوهات هوليوود لكي يعيد صناعة فيلم «ولادة أمة»، ولكنه صنع شيئا معاكسا».

قضايا السود في الولايات المتحدة

مارس لي صناعة الأفلام منذ العشرين من عمره، وعالج فيها قضايا السود في الولايات المتحدة، مثل العنصرية والعنف والإجرام والفقر من نظرة انتقادية. فيلمه الأول «شي غاتا هاف أت»، الذي تمحور حول شابة سوداء ذات علاقة مع ثلاثة رجال، كان أكثر الأفلام ربحا عام 1986 رغم ضآلة ميزانيته. وتلاه بفيلم «أفعل الصواب»، الذي قام أيضا ببطولته وتناول فيه التوتر بين الأعراق المختلفة في نيويورك والعنف الناتج عنه. الفيلم حقق جوائز عدة وترشيحين للأوسكار. وفي عام 1992 أخرج فيلم «مالكوم اكس» عن سيرة حياة الزعيم الأمريكي الافريقي المسلم مالكوم اكس، الذي أيد استخدام العنف في الدفاع عن حقوق السود. الفيلم حصد جوائز عدة وترشيحين للأوسكار. وهو أول فيلم غربي تصوّر بعض مشاهده في مدينة مكة المكرمة.

المثير هو أنه رغم عرضه صورة الناشطين الأسودين القسيس مارتين لوثر كينغ والمسلم مالكوم اكس في فيلم «أفعل الصواب»، الذي اختتمه بمقولة من كل واحد مهم تعبر عن فلسفة الأول وهي المقاومة السلمية وفلسفة الثاني، التي تسمح باستخدام العنف في الدفاع عن حقوق السود، إلا أن لي صنع لاحقا فيلما عن أكس ولم يصنع فيلما عن كينغ.

«هذا لا يعني أنني أفضل فلسفة أحدهما على الآخر»، يرد لي «تستطيع استخلاص فلسفة واحدة من الإثنين نستطيع أن نتذكر أنهما كانت لديهما أحاديث مشتركة وهما يفهمان أن كليهما في حاجة للآخر وكانا يحاولان إيجاد أرضية مشتركة. مالكوم تعرف على الدين الإسلامي، وقال إن جميع البشر هم مخلوقات الله».

فضلا عن كونه واحدا من أهم مخرجي عصره، يعتبر لي أكثرهم إثارة للجدل بفضل مواضيع أفلامه الحساسة وتصريحاته في الإعلام، التي اعتبرها مناهضوه استفزازية. واتهمه البعض بأن أفلامه تبدو أكثر عظة من ترفيه «أنا فقط أروي القصة، كما أظن أنها يجب أن تروى وبعض الناس يظنها فلسفة ووعظا وهذا ليس صحيحا».

فعلا، ففي فيلم «بلاك ك كلانسمان» استخدم الكوميديا لطرح روايته، رغم جدية موضوعها «هذا تم فعله من قبل»، يعلق المخرج ابن الستين عاما «بعض الكوميديا الناجحة عالجت مواضيع جدية. على سبيل المثال فيل كوبريك «دكتور سترينج لاف» موضوعه نهاية العالم بالقنبلة النووية وكان زاخرا بالفكاهة، وأنا أستاء كثيرا ممن يحملون مفاهيم محددة للأشياء وهذا المفاهيم دائما تسير في شكل واحد لا يتغير».

نال «بلاك ك كلانسمان» إعجاب النقاد عندما عرض للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي الأخير، حيث حصد لي جائزة أفضل مخرج، ومنذ ذلك الحين تصدر تكهنات الفوز بأوسكار أفضل فيلم وربما أفضل مخرج للي هذا الموسم.

القدس العربي اللندنية في

04.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)