كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

7 أعمال عربية تعبر عن هموم إنسانية مرشحة لـ "أوسكار" فيلم أجنبي

كتب: نورهان نصرالله

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 2019)

   
 
 
 
 
 
 

أيام قليلة وتغلق أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة المانحة لجوائز "أوسكار"، باب استقبال الأفلام المرشحة لفئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وحتى الآن أعلنت 7 دول عربية عن ترشيح أفلامها للمسابقة، وتسيطر عليها القصص الإنسانية التي تعبر عن واقع وهموم مشتركة، وفيما يلي معلومات عن الأفلام:

- المغرب: "بورن آوت"

فيلم للمخرج نور الدين الخماري، ويتطرق الفيلم إلى عديد من المشكلات التي تواجه مدينة الدار البيضاء، وذلك من خلال حياة شخص ينتمى إلى فئة اجتماعية مرتفعة، لكنه غير سعيد في حياته الزوجية وفاشل في مهنته وفي علاقاته الاجتماعية، تقوده الحياة للتعرف على طفل فقير يدعى "أيوب" يعمل ماسح أحذية، كل همه في الحياة، هو شراء رجل اصطناعية لوالدته المعاقة.

- العراق: "الرحلة"

فيلم للمخرج محمد الدراجي، وتدور أحداث الفيلم في بغداد عام 2006، حيث تستعد سارة للقيام بفعل مرعب إنسانيًا، إلا أن مواجهة غير متوقعة وغريبة تمنحها فرصة لتشهد عواقب فعلها التدميري، "سارة" و"سلام" لا يعرفان بعضهما، لكنّ حياتاهما تتقاطعان في محطّة قطارات. فهما على وشك القيام برحلتين، لكن في اتّجاهين متعاكسين. سارة، مُقدمة على تفجير نفسها بحزام ناسف داخل المحطّة، وسلام يسعى إلى إنقاذ نفسه ومَنْ في المحطّة، وإنقاذ سارة أيضا.

- مصر: "يوم الدين"

فيلم للمخرج أبو بكر شوقي، شارك في المسابقة الرسمية للدورة الـ 71 من مهرجان كان السينمائي، وحصل على جائزة "فرانسوا شاليه" للأعمال الإنسانية، تدور أحداث الفيلم حول "بشاي" الذي يعيش في مستعمرة للمصابين بالجذام، وبعد وفاة زوجته يتحلى بالشجاعة ويقرر مغادرة المستعمرة للمرة الأولى، منذ أن تم التخلي عنه هناك عندما كان طفلاً، ويبدأ الرحلة برفقة الطفل اليتيم "أوباما"، على عربة يجرها حمار، في رحلة عبر مصر إلى مسقط رأسه، لمعرفة السبب الذي جعل والده يخلف وعده بالعودة من أجله.

- تونس: "على كف عفريت"

فيلم للمخرجة كوثر بن هنية، شارك في مسابقة "نظرة ما" بالدورة الـ 70 من مهرجان كان السينمائي، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية، يتناول الفيلم قصة الفتاة مريم التي تدرس بالجامعة في تونس العاصمة وتذهب إلى حفل مع أصدقائها وتعجب بشاب تراه لأول مرة هناك، ولم يكادا يتعرفان ويخرجان معا من الفندق للسير على الشاطئ حتى يستوقفهما ثلاثة أفراد شرطة، يذهب أحدهم مع الشاب إلى ماكينة الصرافة بعد أن ابتزه ماليا بينما يتناوب الآخران اغتصاب الفتاة، وعلى مدى 100 دقيقة يجسد الفيلم مأساة الفتاة التي تريد أن تشكو وتنتزع حقها ممن اغتصبوها.

- الجزائر: "إلى آخر الزمان"

فيلم للمخرجة ياسمين شويخ، تدور أحداث الفيلم في مقبرة سيدي بولقبور، حول "علي" البالغ من العمر السبعون عاما، ويعنل حفار للقبور، و"جوهر" امرأة في الستينات من عمرها لزيارة قبر شقيقتها، وتقرر أن تقوم بنفسها بالتحضير لجنازتها قبيل وفاتها ومن ثم تطلب المساعدة من "علي"، خلال أيامهما الثلاث الأولى معا يتسنى لـ"جوهر" و"علي" التعرف بحياء على بعضهما البعض لكن "جوهر" تشعر بالتردد حيال مشاعرها وهي في هذا العمر، تتحول المقبرة إلى مسرح يشهد على قصة حب أفلاطونية تعيد الحياة إلى هذا المكان.

- لبنان: "كفر ناحوم"

فيلم للمخرجة نادين لبكي، حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالدورة الـ 71 من مهرجان كان السينمائي، يكشف الفيلم حياة المهمشين في لبنان، من خلال الطفل زين الذي لا يعرف أهله عمره بدقة ولم يمتلكوا شهادة ميلاد له يوما، ويعيش معهم في شقة متواضعة برفقة عدد كبير من الأخوة، يطحن أفراد الأسرة موادًا أفيونية وصفها الطبيب في المياه، ويغسلون ملابس في هذا المحلول، لتمريرها إلى الأخ الأكبر "لزين"، وهو سجين أيضًا يحقق مكاسب جيدة داخل السجن من بيع المخدرات المُعاد تشكيله، بينما يعمل أطفال الأسرة كباعة متجولين في الشوارع، وعندما يقضي "زين" عقوبة السجن لمدة 5 سنوات نتيجة طعنه شخصًا ما، يطلب محاكمة والديه لأنهما أتيا به إلى الحياة.

- فلسطين: "اصطياد أشباح"

فيلم للمخرج رائد أنضوني، يجمع ما بين الروائي والتسجيلي، حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي من الدورة الـ67 من مهرجان برلين السينمائي، يعالج الفيلم من وجهة نظر المخرج خبرات الأسرى الفلسطينيين بعد خروجهم من المعتقلات، وما حملوه معهم من ذكريات وتجارب ومعاناة خلال سنوات الأسر، حيث يمثل مجموعة من الأسرى الفلسطينيين المحررين الأحداث التي تعرضوا لها ومحاولة إعادة بناء مركز تحقيق سجن "المسكوبية" مجسدين تجاربهم الشخصية فيه.

الوطن المصرية في

23.09.2018

 
 
 
 
 

فيلم يوم الدين.. حكاية محلية بإيقاع الوجع العالمي

مها عمر

بدأ اليوم 26 أيلول/سبتمبر 2018 العرض الرسمي في جميع السينمات ودور العرض المصرية لشريط يوم الدين، إخراج أبو بكر شوقي. وهو ذات الشريط الذي سبق وأن وقع الخيار عليه لتمثيل مصر في مسابقة السعفة الذهبية في مهرجان كان.

حاول "يوم الدين" أن يخلق من "جماليات القبح" مشاهد كوميدية سوداء تضيف شيئًا من البهجة القاتمة على الظلام الذي ينقله الشريط

منذ لقطاته المبكرة يبدو "يوم الدين" منقبًا عن سؤال الهوية، عارضًا الإنسان في مواجهة عالم يصنف فيه البشر بعضهم وفقًا للعائلة، الدين، المعتقد، اللون، الجنس، العرق وبالتأكيد الطبقة الاجتماعية.

يتوجه الشريط  من الركام الاجتماعي/العالم السُفلي المنسي تمامًا، حيثما يتبدى الزخم كاملًا وكامنًا في الهوامش المُغيبة. حتى يمكن القول أن سردية "يوم الدين" تولد من رحم المنسيين. تراها في كل مرة حين يصدح بشاي "الباحث في القمامة" عن أشياء ذات قيمة مادية، حين يقول " إزيكوا يا عيانين" أي "كيف حالكم أيها المرضى". هذا هو عالمه الناضح بالمنسيين المنبوذين. هو عالم الخلق الذين يعيشون محميين من البشر وسخافاتهم العنصرية المجردة، داخل مستعمرة الجذام

 يبدأ الفيلم من الأقلوية وينتهي إليها، فالبطل قبطي، أصيب بالجذام وشُفي، لكن جسده بقي مشوهًا. وهو يتعرض للتمييز والتنمر في كل مرة لسببين مهمين، أولهما أنه مسيحي وثانيهما أنه مجذوم. وهو في الحالتين لا يستطيع الدفاع عن نفسه سوى بالتجاهل أو بادعاء الانتماء إلى الأغلبية، ففي عدة مشاهد، ادعى "بشاي" أنه مسلم، مرة حتى يستطيع أن يهرب من مجموعة من المتطرفين الذين وقع في أيديهم بالصدفة، ومرة حتى يتمكن من النوم في الجامع مع رفيقه المسلم دون أن يطرده أحد

حاول أبو بكر أن يخلق من "جماليات القبح" مشاهد كوميدية سوداء تضيف شيئًا من البهجة القاتمة على الظلام الذي ينقله الشريط. بشاي في رحلته للبحث عن أهله في الصعيد، التي قرر فيها أن يترك "المستعمرة" ليخرج إلى العالم ويجد أهله، واجه كل شيء: اللصوص، الجوع، الموت، الإهانة، والتمييز

تثير القصة  مقاربات نحو أدب الشحادين الفولكلوري الإسباني، والعالم السُفلي لـ"بؤساء" فيكتور هوغو و"أحدب نوتردام"، وهو كتالوج معولم وظفه أبو بكر في "أوباما" اليتيم، رفيق "بشاي" النوبي الصغير. لكن ما جعل الاستعارة/الفكرة بعيدة عن السعي الفج للعالمية هو التمصير الجيد والذكي لها. وهي كلها اختيارات تدل على وعي المخرج وفريق عمله بممكنات تحميل الوجع المحلي على وتر إنساني يتجاوز القومية والاصطفافات الأكثر ضيقًا

أتت موسيقى يوم الدين التصويرية من العمق ما لامس أنطولوجيا التجربة الإنسانية، متسقة  مع قوة الإحساس بالمكان

يبدو أن أبو بكر شوقي لم يُرد للحوار أن يكون، في مواضع كثيرة، مكرسًا للبطل، جاء الحوار يشبه البيئة، شعبيًا بانسيابية فجة، غرائبيًا أيضًا، لكن البطل الحقيقي كان عناصر أخرى، كالمفارقات والصدف غير المعقولة، وهو أمر أضعف بعض المشاهد في كثير من الأحيان، على حساب تقديم عناصر ضوئية وسمعية أخرى أعقد تكثيفًا

أما موسيقى يوم الدين التصويرية فأتت من العمق ما لامس أنطولوجيا التجربة الإنسانية، متسقة مع قوة الإحساس بالمكان، بما هو بيئة تجسيد التصورات والمقولات. ليمكن الإيجاز أن فيلم يوم الدين ككل تجربة ممتعة، بل ومن أهم التجارب السينمائية المصرية في الفترة الأخيرة، التي اختيرت كل عناصرها بذكاء لتتصدر المشهد السينمائي ما وراء البحار ناقلة وجع من هم تحت مما يقع عليهم بنيويًا بفعل "الدولة" والمجتمع معًا

مترجمة وباحثة من مصر

موقع "ألترا صوت" في

26.09.2018

 
 
 
 
 

"كفر ناحوم".. هشاشة الإنسان اللبناني

منير الربيع

يبحر ماريو فارغاس يوسا في كتابه "حلم السلتي"، بقارئه إلى أدغال الامازون، مستكشفاً عبر السير روجر كيسمنت، العبودية الغربية تجاه السكان الأصليين. ويروي خالد حسيني في روايته "عدّاء الطائرة الوقية" تاريخ أفغانستان، قهر مجتمع منسي لم يصوّر إلى خارجه سوى طالبان. العبودية في في كتاب يوسا، والقهر في رواية حسيني. يسلّطان الضوء على استعباد غير ظاهر. يرويان شواهد وحقائق غير معترف بها. وقبل سنوات، خرجت كاتبة فلسطينية أردنية اسمها ايمان السعيد في مسلسل "سحابة صيف"، تختصر حلقته الأخيرة واقع اللجوء الفلسطيني، مع تنبؤ بما قد يصيب السوريين، وهذا ما حصل بعد المسلسل بسنوات. تآخى الفلسطينيون والسوريون في اللجوء، وفي التيه بحثاً عن مأمن.

في كفر ناحوم، تمزج نادين لبكي عبودية الأمازون، بالقهر الأفغاني. أنسنت لبكي قهر الاستعباد والإبتعاد. استعباد الاهل للأبناء، وابتعاد الآخرين عن الأولين. عميق مضمون النص. يدمج بين فلسفة الوجود والبقاء، وجدلية الحياة بسببها وغايتها، استناداً إلى تفاصيل مخفية، أو لم يبلغها أحد أحد. تماماً كما بلغت كاميرا لبكي تابوهات لبنانية، لم يكن يسمح "بريستيج" اللبنانيين أن يظهر إلى الخارج. من تحت جسر "العدلية"، حيث ينتفي كل ما له علاقة بالعدالة، إلى الأحياء الفقيرة في بقع بيروتية منسية.

الصدمة التي تحدثها لبكي، أكبر من أن يحتملها المجتمع اللبناني الهش. لا الإيغو اللبناني يسمح بتصوير مخيمات أو عشوائيات لبنانية كالنبعة وبرج حمود، لأن سمة المخيمات خاصة بالفلسطينيين والسوريين... ولا ثقافة الدراما التلفزيونية اللبنانية تسمح بالإضاءة على حالات إجتماعية رثّة، أو منعدمة. للدراما مفهوم لبناني خاص، يتعلّق بتصوير القصور الفارهة. صدمة لبكي، واقعيتها وإنسانيتها. ونجاحها يتركز على إظهار الحقيقة. حقيقة إنسانية يرفضها اللبنانيون ويرفضون الإعتراف بها أو التعاطي معها.

آلاف اللبنانيين يعبرون يومياً على طريق العدلية. معظمهم لا يعرف أن تحت هذه المستديرة، ثمة نفق حوّله لبنان إلى سجن، وبالأحرى هو عبارة عن مستودع لتكديس البشر، بلا أسماء أو بلا أوراق. تعرّف عنهم جنسياتهم أو بشرتُهم. من يُحبَس تحت هذا الجسر، يسقط عنه جواز السفر. جنسية المحتجزين، قلوبهم. تلك القلوب وبعض الأنفاس المختنقة، وحدها تذكّرهم بإنسانيتهم، وبعض من الشوق لأحباء أو أقرباء أو أبناء سلخوا عنهم. اقتحمت لبكي بعينها ونصّها ذلك المهجع، هناك حيث تقبع حكايا الناس وحقائقها. بعيداً من الشاليهات والمسابح. على الأرض وليس على شرفات القصور. بثياب مهترئة، وجنسيات مختلفة، وليس بفساتين وحليّ.

تمرّ طريق كفرناحوم على مسامع نيام يحرمون النوم. من العشوائيات الفقيرة، ومجتمع بلا أوراق، إلى تحت الجسر. وكأن مجتمعاً حكم على هؤلاء بعدم عبور الجسر، بل الرزوح تحته. من أطفال يتفيأون بظلال الجسر للتسول، إلى نهاية الطريق تحته. "زين" و"تيغيس"، يمثلان عشرات الآلاف في لبنان، والملايين حول العالم. جسّدتهم لبكي في قالب يتكلّم. يوسا والحسيني، اكتفيا بسرد وقائع ومواجع. فيما ذهبت لبكي إلى نسف البنية المجتمعية والثقافية بكلّيتها. من التلاحم بين البشرتين البيضاء والسوداء، إلى التركيز على تناقض كتناقض الليل والنهار، فيهتمّ صاحب البشرة البيضاء بطفل لونه داكن، على عكس ما هو معهود لبنانياً ومكرّس في منطق نظام عبودية الكفالة، الذي يضع مستخدمة سمراء في خدمة أبناء البيضاء.

وأكثر، تذهب لبكي بعيداً في السوسيولوجيا. أن يطرح طفل سؤالاً حول أسباب الولادة. أو حول الله وما يريده من بشر يريد أن يحوّلهم إلى "مماسح". سؤال زين عن الله، هو النقدّ البنّاء لثقافة ينشأ عليها أطفال هذه البقعة من العالم، وجسّدها طفل سوري لحظة إنقاذه من تحت الأنقاض بأنه سيخبر الله بكل شيء. الله الذي يشهد على إبادة شعب، وتتظلل به أحكام لسلخ أبناء عن أمهات. الله بالنسبة إلى هؤلاء هو إله من ورق. ورقة ثبوتية. أو جواز سفر. تختصر لبكي قيمة الإنسان في لبنان، إنها بهشاشة ورقة، أو بلون صورة.

المدن الإلكترونية في

27.09.2018

 
 
 
 
 

علياء طلعت تكتب:

أفلام في الأوسكار (1).. حرب باردة

بعد ثلاثة أيام ينتهي الموعد النهائي لتقديم أفلام أوسكار أفضل فيلم أجنبي، والتي يجب أن تكون عُرضت في الفترة ما بين الأول من أكتوبر 2017، و30 سبتمبر 2018، وهذه السلسلة تضم مجموعة من أهم الأفلام التي قدمتها بلادها لتدخل القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار، تلك القائمة التي سيتم اختصارها بعد إعلان ترشيحات الأوسكار في بداية 2019.

فيلم “حرب باردة” Cold war، ليس فيلمًا عن الحب في زمن الحرب ليصبح مشابه لعشرات الأفلام الأخرى، ولا عن العالم وهو مقسوم إلى نصفين كما برلين خلال الحرب الباردة، ولا حتى هو فيلم موسيقي أرّخ لها خلال 10 سنوات، هو القليل من كل ما سبق، لكنه في القلب فيلمًا عن الشغف الذي يحرق الروح، ويجعل الإنسان يأخذ قرارات أول ما تدمر هو نفسه.

بافل بافليكوفسكي يرسّخ جمالياته

حرب باردة” إخراج بافل بافليكوفسكي، صاحب فيلم “إيدا” الذي حصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2013، ليعود بعدها بستة أعوام بفيلم هناك نقاط تشابه فنية بينه وبين “إيدا”، مثل اصراره على استخدام اللونين الأبيض والأسود في تصوير الفيلم، ونفس أبعاد الكادر، بل صاحبه ذات مدير التصوير لوكاس زال الذي جذب انتباه العالم بعد “إيدا”، وحصل على ترشح بالأوسكار عن تصويره.

يضع بافل بافليكوفسكي قواعد لغته السينمائية الخاصة في فيلمه الثاني، الذي يستخدم فيه ذات الجماليات والأسلوب، ويجعل العالم متحفزًا منتظرًا لأفلام قادمة يتضح فيها هذا الأسلوب أكثر.

حب كسر جمود الحرب الباردة

تدور أحداث الفيلم خلال عقد كامل، حيث يبدأ في نهايات الأربعينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقسيم العالم إلى معسكرين شرقي وغربي، وتبدأ الحكاية التي تنقّلت بعد ذلك بين عدة بلدان في بولندا، حيث يجمع عازف بيانو موهوب وشريكته، فرقة من المغنيين الريفين أصحاب الأصوات القوية والمعبرة عن الريف.

يتعرف على الشابة التي خرجت من المراهقة للتو “زولا”، صاحبة صوت قوي وشخصية أقوى، بماضٍ غامض غريب وجمال بهي وذكاء مرعب، والأهم شغف استطاع سلبه عقله في أيام معدودة، لتبدأ بينهما علاقة عاطفية تجعلها نجمة الفريق، وتجعله واقع تحت سيطرتها جزئيًا حتى وهو يعرف إنها تشي به للحكومة تحقيقًا لمصالحها.

وعندما تتاح لهما فرصة الهرب من هذا الحصار الحديدي يطلب منها مرافقته، لكنها تتراجع في آخر لحظة ليحصل الفراق الأول بينهما، لتظل العلاقة خليطًا من البعد والقرب على مدار سنوات طويلة تنقلا خلالها بين بولندا وألمانيا ويوغوسلافيا وباريس، فلا هما قادران على البقاء معًا طوال الوقت حتى لو أتيحت لهما الفرصة، ولا يحتملا البعد.

شخصيات على الحد الفاصل بين الواقع والخيال

بطلا الحكاية زولا وويكتور، رسم شخصياتهما مستقى من والدي المخرج، حتى قدمهما بذات الأسماء الحقيقية، اللذان انفصلا والتقيا عدة مرات بسبب الاختلافات الجوهرية بينهما، وربما ساهم ذلك في جعلهما حقيقيان في محاسنهما ومساوئهما، ومن أكثر الشخصيات نضوجًا التي شاهدتها على الشاشة، وتطورهما منطقيًا وسلسًا من مرحلة لأخرى.

بالطبع هذا لم يكن يظهر بهذه الروعة الفاتنة دون الموهبة الفائقة، لدى كل من توماز كوت في دور ويكتور الموسيقي وعازف البيانو الموهوب بشدة، والذي يرغب في الجمع بين الفن والحب والحرية فيخسر طوال الوقت، وبالطبع الأداء الأكثر من رائع من جوانا كوليغ كزولا الشخصية الغاية في التعقيد والبرجماتية فتصبح تطوارتهما محركًا حقيقيًا للأحداث.

التأريخ بالموسيقى

استمرت أحداث الفيلم لعقد كامل، لتنتقل مع الأبطال من سنة لسنة عبر تطور رئيسي في شخصياتهم، ولم يكن من الضروري ذكر العام الذي نقف فيه في هذه اللحظة، فالمخرج استطاع بوسائل متعددة إبراز هذه التغيرات.

لو تتبعنا الموسيقى نجد أنها في الفيلم تبدأ بالموسيقي البولندية الشعبية وهي الخلفية القادمة منها البطلة، والتي يرغب فيها البطل لتكوين فرقته، لتأخذ بعد ذلك طابعا دعائيا لستالين والشيوعية في مرحلة إحكام السيطرة السوفيتية الشهيرة.

النقطة التالية ينتقل البطل لفرنسا، ونعرف ذلك عبر موسيقى البيانو في الملهى الباريسي المظلم، تكرر ذلك مع إقامة زولا في باريس مع حبيبها واتجاهها لغناء أغنيات غير مشابهة لتلك المعتادة عليها، لتصبح صدى لمغنيات شهيرات في هذا العصر مثل إديث بياف، فلا تستطيع تقبله “هي” أو شخصيتها الجديدة.

وفي النهاية نشاهدها تغني أغنية رائجة تجمع بين الموسيقى البولندية والمكسيكية بشكل لا يشبهها تمامًا، عندما تصل إلى حدود اليأس وفقدان الذات.

تكرر هذا الأمر مع شكل شعر البطلة وملابسها، ففي البداية بالشعر الأشقر والضفائر القصيرة الريفية، والملابس الثقيلة عديمة الأناقة المتلائمة مع الوجود تحت الستار الحديدي في بولندا بهذا الوقت، لنقفز إلى المرحلة التالية بعد مرور سنوات على قرارها عدم الهرب، حيث تخلت عن كل هذه الأشياء بشعر منسدل قصير، وفي باريس بعد اللقاء مرة أخرى تغيّرت بالكامل بملابس بسيطة وقصة شعر باريسية، لينتهي الفصل ما قبل الأخير وهي مرتدية شعر مستعار في إشارة لتخليها عن نفسها تمامًا، ويعود مشهد النهاية وهي بذات التسريحة البسيطة الريفية مرة أخرى.

ترشّح “حرب باردة” للسعفة الذهبية، وحصل مخرجه على جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي، إضافة للكثير من الجوائز والترشيحات المستحقة الأخرى، وذلك قبل عرضه في مهرجان الجونة السينمائي ليحظى بإقبال كبير، ومن المتوقع له الوصول إلى القائمة القصيرة لترشيحات الأوسكار كأفضل فيلم بلغة أجنبية.

موقع "إعلام.أورغ" في

27.09.2018

 
 
 
 
 

"روما": سينما ألفونسو كوارون وسيرته

محمد هاشم عبد السلام

عبر شخصيات رئيسية قليلة، وقصّة بسيطة للغاية، وخيوط سردية واضحة المعالم، تمكّن المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون (1961)، في جديده "روما" (2018)، سرد تفاصيل حقبة كاملة، اجتماعية وسياسية واقتصادية، بسهولة كبيرة. صحيح أن الأحداث تحصل مطلع سبعينيات القرن الـ20، في "حي روما" في مكسيكو سيتي، لكنها زاخرة بمفاصل تجعل الفيلم بانوراما تأريخية للسياسي والاجتماعي والاقتصادي في المكسيك خلال أعوام عديدة. ليس هذا فقط، لأن "روما" ـ الفائز بجائزة "الأسد الذهبي" في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي" ـ يسرد أساسًا سيرة شبه ذاتية للمخرج نفسه. 

الرائع في "روما" ـ كتابة كوراون وإخراجه وتصويره ومونتاجه ـ أن ذاتية المخرج غير طاغية على ما يُقدِّمه: لا القصّة ولا الأحداث ولا الشخصيات تتمحور حول شخصه. الذاتيّ والخاص كامنان في التفاصيل الصغيرة التي تمّ الاشتغال عليها بعناية دقيقة، إنْ تكن التفاصيل خيالية أو ذات إحالات واقعية. مثلاً: مَشاهد مُحاولة ايقاف السيارة في المنزل، وهي مُكرّرة مع الزوج ثم الزوجة. المشهد الافتتاحي الطويل لأرضية المنزل، والتنويعات عليه وعلى تنظيف الأرضية من فضلات الكلب، ومرور الفرقة الموسيقية في الشارع أمام المنزل، وغيرها من المشاهد اللافتة للانتباه والمُكرَّرة، ذات الإحالات الخيالية. 

المَشاهد ذات الإحالات الواقعية المُلامسة للتاريخ كثيرة أيضًا. مثلاً: مشهد الزلزال وما نتج عنه في المستشفى. التصوير الرائع لأحداث التمرّد والقتل. في "روما"، هناك مَشاهد مُنفَّذة ليس فقط بحِرفية تقترب من الكمال، بل بفنيّة تؤكّد على أصالة المخرج وموهبته. عبر المَشاهد الفنية تلك، استعرض ألفونسو كوارون تنوّع الأسلوبية وتفرّدها وبراعتها ومهارتها. 

من أبرز تلك اللمسات الفنية الملحوظة جماليًا الانتقال من مَشاهد ذات لقطات بعيدة، بالكاد تظهر عبرها وجوه الشخصيات، إلى مَشاهد اللقطات المُقرّبة جدًا لوجوه الشخصيات نفسها، خاصة وجه الخادمة. مَشاهد أخرى ساكنةٌ تمامًا، تكتفي الكاميرا فيها بالرصد؛ وأخرى توظَّفَ فيها الكاميرا المحمولة. مشهد البحر والغرق الوشيك للأطفال لولا إنقاذهم من قِبَل الخادمة، مُصَوَّر كله في لقطة واحدة طويلة تتتبّع فيها الكاميرا الشخصيات بتمكّن جمالي مُدهش يستمرّ دقائق ساحرة. 

تلك المَشاهد الموصوفة سابقًا لتبيان جماليتها المتفرّدة ستبقى في الذاكرة طويلاً، لفنّيتها وأسلوبيّتها وصدقها وأصالتها. من ناحية أخرى، التنوّع الملموس في الفيلم كلّه، تصويرًا ومونتاجًا وبناءً، له ما يُماثله في كتابة السيناريو بالغ البساطة. فشخصياته غير مُعقّدة وغير مُركّبة وغير مُتعدّدة، ومُتشعّبة. إبداع سيناريو ألفونسو كوارون مُتعلّق بكيفية سرد الحكاية، وتقديم كلّ شخصية من الشخصيات القليلة أساسًا. رسم خلفيات الأحداث وتطوّر الشخصيات في ظلّها، دامجًا الخاص بالعام باتساقٍ وانسجامٍ كبيرين. 

رغم التوّرط الأسلوبي المعتَمد بخصوص الشخصيات والأحداث، إلا أنّ ألفونسو كوارون مال إلى بناء حاجز فاصل بين المُشاهِد وبين تلك الشخصيات، بما يحول دون التحام أو اندماج تام بينه وبينها. لذا، في لحظات كثيرة ومَشاهد عديدة، وبفضل التصوير وزوايا اللقطات وأسلوبية الإخراج وصوغ السيناريو، يحدث شعورٌ بالاقتراب الشديد إلى درجة مُعانقة الشخصيات والتورّط معها، كأنها شخصيات في فيلم تسجيلي واقعي. وفي لحظات أخرى، يقع العكس تمامًا: مُشاهدة ما يحدث من دون اكتراث، أو بالكاد يتمّ تذكّر وجوه الشخصيات أو أزماتها، كما في حلمٍ. والفيلم ـ الذي تناول مُخرجه، بمهارة فائقة، الاجتماعيّ والذاتيّ والمأساويّ والسياسي ـ برع في تقديم الانتقالات الأسلوبية الساحرة. 

يتذكّر ألفونسو كوارون تفاصيل حياته، والحي الذي نشأ فيه، والخلفيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلده مطلع سبعينيات القرن الـ20، من خلال أسرة بورجوازية، وعبر عينيّ امرأة شابّة وتجربتها، هي خادمة الأسرة نفسها. الخيار الأنثوي الطابع يُحيل إلى قوّة المرأة وصلابتها ودورها وحضورها في خضم التحوّلات السياسية والاجتماعية.

إنه خيار فني آخر يُحسب له من دون شكّ، ورؤيته الفنية الثاقبة ألهمته إسناد دور البطولة لممثّلة غير مُحترفة (ياليتزا أباريسيو)، التي أدّت دور كليو بمهارة كبيرة، إلى درجة يصعب معها نسيان دورها المحوري، وتعبيرات وجهها التي هي مزيج الحزن والبراءة والجهل وقلّة الحيلة. 

ارتكزت الحبكة على العائلة البورجوازية الصغيرة تلك، عائلة الدكتور أنطونيو (فرناندو غريدياجا) وزوجته صوفيا (مارينا دي تافيرا) وأولادهما الـ4. ودارت الأحداث داخل العائلة: أنطونيو وغرامياته الخفية، ثم سفره المزعوم، وأخيرًا انفصاله عن زوجته وأسرته. الأولاد وسلوكهم فيما بينهم، وبينهم وبين الوالدين. صوفيا وحياتها المُستقرة، قبل انقلابها رأسًا على عقب إثر اكتشافها حقيقة زوجها، ثم مكابدتها تبعات تلك الحقيقة، والواقع المُترتب عليها، ثمّ الانفصال عنه. لفترات طويلة، يبدو هذا كلّه كأنه القصّة الرئيسية للفيلم، مع لمحات سياسية وإحالات لطبيعة الأوضاع المُحيطة بالعائلة. 

لكن الأمر غير ذلك، والقصّة الأصلية هي قصة الخادمة كليو، الفتاة الصغيرة البريئة والساذجة، القادمة من الأرياف، والمرتبطة بشاب أهوج مُراهق غير جدير بتحمّل المسؤولية، والمنضم إلى ميليشيا مُسلّحة يظهر دورها لاحقًا، يتخلّى عنها في ذروة علاقتهما بعد علمه بحَبَلها. بالتالي، سيُنسى تقريبًا كل ما يتعلق بالأسرة وتفاصيلها الحياتية، وستطغى كليو وقصّتها وحملها حتّى مشهد فقدانها الجنين في المستشفى (وهو مشهد رائع سينمائيًا)، الذي يصعب عدم ربطه بمشهد الزلزال. 

على خلفية قصّة كليو، يطفو كلّ ما هو سياسي. تحتدم الأمور، ويحدث صراع، وتُراق دماء، ويسقط قتلى. هذه إحالة أخرى تُسقِط الاجتماعي على السياسي (أو العكس)، وتصهرهما معًا في سياق نسيجي بالغ الانسيابية. 

بخلطه الواقعيّ بالخياليّ والمشاعر بالذاكرة، أنجز ألفونسو كوارون وثيقة فنية بالغة الصدق والأصالة، قُدّمت عبر لمحات إنسانية الاجتماعيّ والسياسيّ اللذين عاصرهما وعايشهما في تلك الآونة، في حيّه القديم "روما".

العربي الجديد اللندنية في

28.09.2018

 
 
 
 
 

خالد مزنر: أردت لابني أن يلتقي “زين” فما يعيشه أطفالنا ليس حقيقياً

زهرة مرعي

بيروت-“القدس العربي”: اختبار فني جديد عاشه الثنائي ندين لبكي وخالد مزنر خلال تصوير فيلم “كفرناحوم”. قبله كان مزنر يعايش تطورات السيناريو ويتحسسه لحظة بلحظة ليكتب موسيقاه التصويرية. فعل الأمر عينه مع “كفرناحوم” وعندما نزل إلى ميدان التصوير كمنتج، أمسك بكل ما كتبه ورماه بعيداً. إنه فعل الواقع الذي يمتلك قدرة نسف النظريات.

بعد اختباره هذا يعلن خالد مزنر أن تغيرات كثيرة طرأت على حياته العائلية مع ندين لبكي. وعن خالد الموسيقي فيعلن عن محطات متعددة ستكون قريبة، بعد محطة مميزة قدم خلالها موسيقاه التصويرية في حفل مهرجانات بعلبك الدولية التي عاد ريعها لدعمها.

 مع انطلاق عروض فيلم “كفرناحوم” في الصالات اللبنانية هذا الحوار مع الفنان خالد مزنر:

·        تعاونت مع ندين لبكي في كتابة الموسيقى التصويرية لكافة أفلامها مع “كفرناحوم” بت أيضاً منتجاً. لماذا؟

**خلال العمل على سيناريو “كفرناحوم” شعرت أن الأسلوب التقليدي في إنتاجه لن يكون مناسباً. فهمت الزمن الذي يحتاجه للتصوير، وكذلك الإنتاج. فأي منتج لم يكن ليسمح بهذا المدى الزمني للعمل، وتالياً يجب أن نتولّى تلك المسؤولية بأنفسنا. وكانت الحاجة أم الاختراع وبت منتجاً. فيما كانت أفلام ندين السابقة تنفذ خلال شهر ونصف بالحد الأقصى، احتاج “كفرناحوم” لستة أشهر من التصوير. وسنة ونصف للمونتاج، وأربعة أشهر للميكساج. من أجل هذا اضطررنا لخلق أماكن تصوير قريبة منا لنتمكن من الإهتمام بطفلينا. إنها الضرورة التي فرضت نفسها في كافة مراحل الفيلم.

·        ماذا قال لك هذا الإختبار؟

**اختبار صعب خاصة وأني مؤلف للموسيقى التصويرية. من الصعب أن يكون الإنسان فناناً ومنتجاً في الوقت عينه. وضع شبيه بقاض يحاكم نفسه. دائماً كنت أنجز كتابة الموسيقى التصويرية خلال كتابة السيناريو، مع “كفرناحوم” لم يكن ذلك متاحاً. شغلني الإنتاج، وحشرني الوقت في كتابة الموسيقى. أما على الصعيد الفني فنحن في الحقيقة وصلنا لأبعد مدى ممكن. وليس لنا رمي أي مسؤولية على ذمة الوقت، امتلكناه جيداً.

·        كم يتناغم هذا الاختبار مع عالمك في الموسيقى والشعر؟

** في لبنان خلط بين مهمة المنتج ومهمة الممول. صلة المنتج مباشرة بكافة مراحل العمل الفني، من تصوير إلى مونتاج، إلى الإدارة والرؤيا الفنية للمشروع. فالإنتاج ليس فقط أموالاً وعقوداً.

·        كتبت موسيقى “كفرناحوم” بعد تصويره فهل تأثرت بمرافقة أبطاله طوال زمن التصوير وكيف تجلى ذلك؟

**خلال كتابة السيناريو ألفت ألحاناً فيها بعض الرومانسية، لأني تخيلت أطفالاً يجوبون الطرقات. كانت موسيقى مفعة بالمشاعر. وعندما التقيت بالأطفال الحقيقيين وجها لوجه، رميت كل ما كتبته في سلة المهملات، وغيرت رؤيتي الموسيقية بالكامل. لقد شعرت أن ما كتبته لا يتجانس مع حقيقة هؤلاء الأطفال، تواضعهم، بيئتهم ومع مشاعرهم الحقيقية التي قالوها أمام الكاميرا. وهكذا أخذت موسيقاي منحى واقعيا معاصرا. نعم بدّل الفيلم نمط الموسيقى.

·        وهل ستعتمد لاحقاً كتابة الموسيقى وفق الصورة بدل السيناريو؟

**ليس لنا الجزم المطلق. يمدني السيناريو بصور موسيقية، ودور الصورة تصحيح وجهة النظر. في “كفرناحوم” كان الموقف راديكاليا جداً. فندين لبكي نفسها راحت نحو راديكالية لم تعتدها من قبل. وبدوري لم أكن قد اعتدت تلك الواقعية في سينما ندين. عادة تتم كتابة الموسيقى بناء للسيناريو، ومن ثم يصار للتصحيح بعد مشاهدة التصوير. جميعنا أخذته حقيقة هؤلاء الناس، واضطررنا الذهاب معهم إلى النهايات المتاحة من خلال حقيقتهم. التجربة في هذا الفيلم كبيرة على مختلف المستويات، ولا أعرف إن كانت ستتكرر مرة أخرى.

·        هل من نغم معين يحركه الأطفال في داخلك كموسيقي؟

** أكيد. للطفل قدرة إيقاظ الطفل الذي في داخلي. الفنان يحاكي الطفل الذي في داخله في كل عمل فني يقدمه. ومن الأسهل لنا محاكاة الطفل الذي في داخلنا خلال العمل. ولهذا السبب استبدلت الموسيقى الرومانسية المنفعلة بناء على السيناريو عندما عايشت هؤلاء الأطفال الذين كبروا قبل أوانهم. فبطل الفيلم “زين” طفل عجوز من هول التجارب التي عاشها قبل زمنها بكثير. المزيج بين الطفل والناضج داخل زين أفضت إلى خلق موسيقي كبير. وجدت نفسي مندفعاً إلى الموسيقى المعاصرة رغم عدم تجانسها مع الأطفال. لكنها تناسبت مع أبطال الفيلم.

·        كم هي نسبة الاحتراف في الكتابة الموسيقية قياساً إلى المشاعر أو التأثر بأمر ما؟

**يتساوى العلم مع كمية من المعلومات نعرفها ونستوعبها، وعلينا أن ننساها خلال عملية الخلق. أكيد الاحتراف موجود في كتابة الموسيقى، التوزيع والهارموني، لكن علينا نسيانها جميعها. ومن لا يتناسى ما سبق ذكره تتراجع القيمة الفنية لعمله. المعرفة الفنية موجودة لدى الكثير من الناس، والفرق يكمن في المزج بين المعرفة والفن.

·        هل أوحى لك ولداك بموسيقى معينة؟

** وأجمل ما كتبته كان لدى ولادتهما. كتبت لحناً موجوداً في فيلم “هلأ لوين” يوم ولادة طفلي وليد. الموسيقى التي كتبتها بمناسبة ولادة وليد وميرون وجدتها تعيش في داخلي وتنتظر لحظة الخروج. ولادة طفل لنا تمدنا وبسريعة قياسية بشحن عاطفي وكمية من الحب لم يسبق اختبارها، لكنها تتفجر في أقل من ثانية لدى مشاهدة المولود الجديد.

·        عندما كنت تعود إلى منزلك وأطفالك بعد يوم تصوير في فيلم “كفرناحوم” هل كنت تجد توازنك النفسي والعاطفي سريعاً؟

** نعم ولا. بدّلنا “كفرناحوم” أنا وندين معاً. لا أظن أحداً سيخرج سليما من أي تجربة مماثلة. انغمسنا في حياة الشخصيات اليومية، في أماكنهم، بيوتهم وشوارعهم. وصلنا إلى مرحلة شعرنا وكأننا نعيش معهم طوال عمرنا. مع العلم أن الشوارع التي صورنا فيها بعيدة فقط ثلاث دقائق عن منزلنا، ولسوء الحظ هو عالم آخر، وأكثر من نصف المجتمع يجهله، ولا فرق لديه كيف يعيش هؤلاء الناس. شخصياً تبدلت كثيراً عند رؤيتي لولديَ. لأن ابني وليد بعمر سمح له بمرافقتنا أردته أن يعيش معنا هذه التجربة. أن يتعرّف إلى هؤلاء الأطفال، وأن يعرف الحياة على حقيقتها، فما هو فيه ليس الحياة. دلني هذا الفيلم أن أبطاله يعيشون الحياة الحقيقية. فيما يعيش أطفالنا في حياة “مْنضَفي، مْظبطة، محْمية”. نحيط الجدران والأرض بما لا يؤذيهم إن هم وقعوا أرضاً. نغرق ما يمسكونه بالمعقمات، وهذه بالتأكيد ليست الحياة. لدى لقاء وليد بزين، ورغم كون الثاني لم يعرف المدرسة يوماً في حياته، وجدته قادراً على مواجهة الحياة، ويمكنه الوقوف “كيف ما رمى حاله أو رماه الزمن”. في حين أننا نعلم أطفالنا الحياة دون أن نتركهم يشاهدونها. وعندما يلتقي هؤلاء بالحياة سيصدمون. المطلوب التناغم، والتلاقي والتوازن بين هذين العالمين.

·        بين موسيقى فيلم “هلأ لوين” و”كفرناحوم” ما هو الفرق؟

** الفرق كبير. في “هلأ لوين” الموسيقى كلاسيكية تحمل نفحة لبنانية بحر متوسطية. “كفرناحوم” موسيقى معاصرة بداخلها نفحة افريقية نظراً لوجود شخصية من أثيوبيا، ولا صلة له بما هو لبناني.

·        لماذا كانت موسيقى أفلام ندين لبكي في حفل بعلبك؟

 ألم يخطر في بالك الاستقلال عن اسمها؟

**في هذا الحفل قدّمت بكل فخر موسيقى الأفلام التي كتبتها. وأضفت إليها مقاطع موسيقية ألفتها لغير الأفلام عُزفت في منتصف الحفل وامتدت لربع ساعة. وكان البدء مع موسيقى “كفرناحوم”. والختام مع موسيقى أغنيات الأفلام التي سبق وكتبتها.

·        عاد ريع الحفل للجنة مهرجانات بعلبك لماذا أنت داعمها؟ علمنا أن البطاقات كانت ببدل مرتفع؟

**صحيح. دعم المهرجانات مطلوب من الدولة، وإن هي لم تفعل نقوم بالمهمة “ما في مشكل”. أعتقد أن قلعة بعلبك من أجمل الأماكن التاريخية على الأرض. من الصعب أن أكون عازفاً في مكان أجمل من معبد باخوس. بذلت جهداً كي أعيش اللحظة وأتمتع بها ولم أتمكن. شغلني الصوت، الموسيقيين والعزف. بعد ثلاثة أسابيع كنت في بعلبك لحضور حفل صديقي جورج خبّاز، وتمكنت من معاينة المكان الذي كنت فيه قبل ثلاثة أسابيع.

·        هل خطر لك كتابة الموسيقى خلال وجودك في قلعة بعلبك؟

** تأتي الموسيقى أينما تريد هي. قد تأتي في مكان جميل، وقد تأتي في آخر ليس لنا استيعابه مطلقاً. الجمال يخلق الجمال قاعدة غير موجودة. وقد يحصل العكس.

·        ماذا ستقول لو اختارت ندين لبكي لفيلمها الرابع مؤلفاً موسيقياً غير خالد مزنر؟

** فنياً نحن حرّين ومستقلين. عندما يأتي اليوم الذي ترى فيه ندين أن موسيقاي لم تعد تؤدي دورها في أفلامها لها حرية الاختيار. نحن ملتزمان بعقد زواج، وليس بعقد فني.

·        أين الغناء في حياتك الآن؟

** اشتقت للغناء. ما أن تنتهي جولة عروض “كفرناحوم” سوف أباشر العمل على ألبوم غنائي جديد.

·        هل لا تزال تعزف الغيتار عندما تكون في حفل خاص بك؟

** بين الأصدقاء نعم، فالآلات الموسيقية تحيط بي. أحب الغيتار فهو يذكرني بوالدتي. كانت تعزف لي قبل نومي مساء، وتغني. أما التأليف الموسيقي فيتم من خلال البيانو.

·        ”ريو أي لاف يو” ماذا عن تلك الموسيقى التي لم يصدق البرازيليون أنها سُجلت في لبنان؟

** هي موسيقى برازيلية بالكامل. “ريو أي لاف يو” فيلم كتبته مع ندين، وتم تصويره في البرازيل. طلبوا تسجيل الموسيقى في البرازيل ولم يكن وقتي يسمح بالسفر. تساءلوا كيف ستنفذ موسيقى برازيلية فولكلورية في بيروت؟ قلت لهم سأتدبر الأمر. وهذا ما حصل، ولم يصدق البرازيليون ما سمعوه. مع هذه الموسيقى خضت تجربة جميلة جداً في حياتي. ولأن والدتي ولدت وعاشت لسنوات في المكسيك وتعرف الكثير من موسيقى أمريكا اللاتينية، فهي الموسيقى الأولى التي تواصلت معها منذ ولادتي ومن خلال أمي.

·        هل تتبادل مع زوجتك النقد الفني الموضوعي؟

** نتبادل النقد طبعاً، وقد لا يكون موضوعياً. نعيش العمل في المنزل لحدود الإرهاق. فأحدنا يدخل منزله ليرتاح، لكن هذا لا يحصل. وهذا الواقع يتصف بالغنى والإرهاق معاً.

·        ماذا عن موسم الزيتون هذا العام؟ وماذا تعني لك الأرض؟

** موسم الزيتون عاطل جداً. قبل ثلاثة أسابيع جاء المطر فنزل الزيتون تحت الشجر. صلتي وثيقة بالأرض والزراعة التي أمارسها في جرود البترون. وجدت الكمال في الزراعة والأرض أكثر من الموسيقى حتى. وبالأمس كنت أعصر العنب لصناعة النبيذ بيدي.

القدس العربي اللندنية في

29.09.2018

 
 
 
 
 

علياء طلعت تكتب:

أفلام في الأوسكار (2).. “دوجمان” العابر للقارات!!

انتهى الموعد النهائي لتقديم أفلام أوسكار أفضل فيلم أجنبي، والتي يجب أن تكون عُرضت في الفترة ما بين الأول من أكتوبر عام 2017 و30 سبتمبر 2018، وهذه السلسلة تضم مجموعة من أهم الأفلام التي قدمتها بلادها لتدخل القائمة الطويلة لترشيحات الأوسكار، تلك القائمة التي سيتم اختصارها بعد إعلان ترشيحات الأوسكار في بداية 2019.

“دوجمان” أو Dogman، فيلم للمخرج الإيطالي ماتيو جاروني، وذلك بعد مرور عشر سنوات على فيلمه السابق “غامورا”، وعُرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي لينافس على السعفة الذهبية، ويحصل بطله مارشيللو فونتي على جائزة أفضل ممثل، ويعرض بعدها في العديد من المهرجانات، بينها مهرجان الجونة السينمائي في مصر، إضافة إلى أنه الفيلم الذي اختارته إيطاليا ليمثلها في قائمة الأوسكار، وأعتقد أنّ فرصه في الوصول إلى القائمة القصيرة للأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي كبيرة، إن لم يحصل بطله كذلك على ترشيح لأوسكار أفضل ممثل في دور رئيسي.

من أول لقطة من الفيلم نتعرف على الشكل الذي سيأخذه على مدار الساعة والأربعين دقيقة المقبلة، إذ افتُتح بمشهد في محل الكلاب الذي يمتلكه مارشيللو، الذي يحاول تحميم كلب ضخم شرس قادر على ابتلاعه في ثانية، ويظهر الفارق الهائل بين حجمه وحجم مارشيللو الضئيل.

المشهد معروض بشكل كوميدي بالتأكيد لكنه مخيف في ذات الوقت، ومليء بالتحفز والإثارة، ليظل هذا الخليط هو المسيطر بعد ذلك.

مارشيللو تعقيد في غاية البساطة:

شخصية مارشيللو وتعقيداتها وأداء الممثل مارشيللو فونتي هما ما أعطيا ثقلًا لقصة الفيلم، وأضفيا عليه كل هذه الروعة، فالحكاية بسيطة للغاية حول رجل ضئيل الحجم لطيف، يصبح ظلًا لبطل ملاكمة سابق، يساعده في سرقاته رغمًا عنه ويوفر له المخدرات، وفي النهاية يتم توريطه في جريمة فيصبح أمام منعطف، هل يشي به أم يظل على العهد ويفقد في سبيل ذلك الكثير؟.

مارشيللو من الوهلة الأولى يعطي الانطباع بالبساطة، لكن الحقيقة عكس ذلك، فهو بالفعل أب طيب للغاية، تجمعه علاقة قوية بابنته ويتشاركان هواية الغوص، محب شديد للكلاب، يمكن أن يعرض حياته للخطر حتى ينقذ أحدها، يستطيع التعامل معها بسلاسة شديدة أيا كان نوعها.

مارشيللو ليس ملاكًا على الجانب الآخر، فانقياده لسيموني خليط من رغبته في الحصول على المزيد من المال، حتى يستطيع تغطية مصاريف إجازاته مع ابنته، وعيش حياة مرفهة قليلًا عن تلك التي يوفرها له متجر الكلاب، وإعجاب مضمر تجاه متنمر الحي، يجعله يتقبل إهاناته وضربه وجرّه إلى جرائم لا يوافق عليها.

يمكن هنا القول إنّ مارشيللو تقمّص أخلاق الكلاب في علاقته بسيموني، فهو مخلص ووفي له إخلاص غير نهائي، على الرغم من أن الأخير يمثل سيد غير محب ولا عطوف، ولا حتى عادل، وعندما حانت الفرصة لأحد كارهي سيموني للتخلص منه دافع عنه مارشيللو دفاعًا مستميتًا، حتى عندما ورطه كان لا زال لديه أمل في أن يرد له سيموني الجميل في سذاجة واضحة.

التحول الكبير حدث لمارشيللو بعدما تيقن من الخيانة، حينها نبذ أخلاق الكلاب وهذا الوفاء الخالص، ليصبح إنسانَأ يكره وينتقم ويخطط، وتأتي إلينا تتابعات النهاية مليئة بالتحولات الدرامية.

أداء مارشيللو فونتي عن هذا الدور استحق جائزة مهرجان كان التي حصل عليها، فقد استطاع تقديم مشاعر الشخصية المتباينة طوال الوقت دون حاجة إلى كلمات، فواحد من أهم مشاهد الفيلم وهو مشهد مركز الشرطة، والذي فيه اتخذ أهم قرار غيّر مسار حياته لم ينبس خلاله بكلمة، ليعبر بوجهه عن حيرته ومراحل اتخاذه للقرار.

فيلم يصلح لكل زمان ومكان:

بعد عرض الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي، سأل أحد الحضور الممثل مارشيللو فونتي عن مكان وقوع الأحداث في إيطاليا، والمستوى المادي والاجتماعي للبطل أو المنطقة التي يسكن ويعمل بها، فكانت إجابته أنّ تلك المنطقة تعبر عن كل مكان وزمان، فمن الممكن أن تقع ذات الحوادث في أي بلد حول العالم، من وجود بلطجي الحي الذي لا يستطيع السكان الخلاص منه، وتضارب ردود الأفعال حوله، بين من يكرهه ويحاول التخلص منه، والضعيف الذي يحيا في ظله على فتاته.

حتى ملابس الشخصيات كانت دولية تمامًا، ولو افترضنا أن هذا الفيلم صامت يمكننا الاعتقاد بسهولة أن أحداثه تقع في أي جزء في الكرة الأرضية، فلا توجد إشارات إلى الثقافة الإيطالية كما تعودنا في أفلام أخرى، كانت مغروسة تلك العلامات في نسيج السيناريو الخاص بها وصورتها.

تصوير الفيلم أيضًا أتى بسيطًا بلا أي زخرفة بصرية، تلفت الانتباه عن القصة المعروضة أمامنا وتحولات الشخصية الرئيسية، لأن هذه القصة والتحولات هي البطلة الأساسية للفيلم وأهم ما يجب أن يركز المشاهد انتباهه عليه.

أتت “باليتة” الألوان الخاصة بالفيلم واقعية هادئة، مع استخدام عدد محدود من الألوان الأساسية كما قال مدير تصوير الفيلم نيكولاج برويل، وتم تصوير عدد من المشاهد بالكاميرا المحمولة باليد لزيادة واقعيتها.

في النهاية فيلم Dogman من أجمل أفلام 2018 بلا جدال، عمل عابر للقارات، يمس روح الإنسان أينما كان، واختيار مارشيللو فونتي بوجهه الذي يجمع بين الطفولية والدهاء كان عظيمًا، ودونه لفقد الفيلم الكثير من مميزاته.

موقع "إعلام.أورغ" في

01.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)