كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أحمد فوزي صالح‏:‏ ورد مسموم يطرح أسئلة عميقة ويلقي حجرا في بركة راكدة

حوار‏:‏ مني شديد

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الأربعون

   
 
 
 
 
 
 

3‏ جوائز حصدها فيلم ورد مسموم في الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي من‏3‏ لجان تحكيم مختلفة الأولي هي لجنة تحكيم مسابقة آفاق السينما العربية التي منحته جائزتها الخاصة التي تحمل اسم المخرج صلاح أبو سيف‏,‏ والثانية هي جائزة أفضل فيلم عربي مشارك في المهرجان والتي تم إطلاقها لأول مرة في دورة هذا العام‏,‏ والجائزة الثالثة من صندوق الأمم المتحدة للشباب‏,‏ وشارك خلال الأشهر الماضية في عدد من المهرجانات وحصل علي أفضل فيلم من مهرجان السينما الإفريقية بإسبانيا‏,‏ وحظي بعرضه العالمي الأول في مهرجان روتردام‏,‏ قبل أن يعرض مؤخرا في عدد محدود بدور العرض‏.‏

ويعتبر الفيلم التجربة الروائية الأولي للمخرج أحمد فوزي صالح الذي حقق نجاحا كبيرا منذ عدة سنوات بفيلمه التسجيلي جلد حي الحائز أيضا علي العديد من الجوائز والفيلمان تم تصويرهما في مكان من أصعب الأماكن في مصر وهي منطقة المدابغ خلف سور مجري العيون, كما أثار ورد مسموم الكثير من الجدل حول قصته وأحداثه التي تعتمد علي الصورة البصرية وتأثيرها علي المشاهد أكثر من اعتمادها علي تقديم حكاية مباشرة, لتثير التساؤلات وتدعو المتلقي للتفكير, وفي هذا الحوار يجيب فوزي صالح عن عدد من التساؤلات:

·        لماذا اخترت اسم ورد مسموم كعنوان للفيلم؟

الاسم يعبر عن الفيلم في صورته الأخيرة, وعن الفلسفة التي يحملها, فهو يتضمن حس صوفي وعالم ظاهر وآخر باطن, والورد يحمل نفس الفكرة فهو رمز للحب والجمال, واقتران كلمة مسموم به يغير طبيعة نظرتنا إليه, فالاسم محاولة لخلق معني صوفي أو شعري مرتبط بطبيعة الفيلم.

·        وإلي أي مدي ابتعد الفيلم عن رواية أحمد زغلول الشيطي؟

الفيلم بعيد عن الرواية إلي حد كبير, فكل ما تبقي منها هو خط وحيد وهو العلاقة بين صقر وأخته تحية, فالرواية هي التي ألهمت الفيلم ولهذا كان لابد أن نكتب أنه مقتبس عنها حتي لو كنا ابتعدنا عنها كثيرا, وذلك حفاظا علي حق صاحب الرواية الذي منحنا إياها وكانت بداية لمشروع الفيلم.

·        ولماذا اخترت هذه القصة بالتحديد لتقديمها في موقع مثل المدابغ؟

المدابغ هي الإطار الذي اخترته لاستعرض من خلاله القصة, فالفيلم عبارة عن مكان قاسي وضاغط وعنيف تجاه البشر, كيف يستطيع هؤلاء البشر أن يعيشوا في ظل ظروف بهذه القسوة وما الذي يفعلونه وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض وما هي القرارات التي يتخذونها, فلو أنهم يعيشون في مكان مختلف عن هذا بالتأكيد ستكون اختياراتهم وقراراتهم وعلاقاتهم مختلفة تماما.

·        هل يمكن اعتبار عودتك للتصوير في المدابغ استكمال لتجربتك الأولي في جلد حي؟

لا أعتبره استكمالا للتجربة الأولي, علي سبيل المثال الكاتب جورج أمادو- وإن كنت لا أقارن نفسي به- كل أعماله تقريبا تدور في مكان واحد يسمي باهيا في البرازيل, الحكاية المروية في الفيلم الأول هي حكاية الأطفال العاملين في المدابغ, وأعتقد أنني كنت وقتها مراهقا سينمائيا لأني كنت أصغر سنا وخبرتي محدودة, ولهذا كانت الحكاية مباشرة, ولكن أظن أني في فيلم ورد مسموم تجاوزت فكرة الحكاية المباشرة وأحكي فيه بالصور عن آلام البشر وتعقيدات النفس البشرية, أحكي عن هذا المكان القاسي من خلال صور بصرية أعتقد أنها أقوي بكثير من جلد حي, فهناك تطور في أسلوبي ولغتي السينمائية, حاولت أن خلق أسلوب يميزني, به شيء من الخشونة والعنف, بدأته في جلد حي ولكني أعتقد أني قطعت فيه شوطا أكبر في ورد مسموم, فالفيلم الأول كان بمثابة تمرين أو تجربة أولي لكي أقدم ورد مسموم, ولسوء حظي أو ربما حسن حظي نجح جلد حي نجاحا كبيرا حتي صار هذا النجاح ضاغطا علي, لأن الجميع ينتظرون من ورد مسموم أن يحقق نجاحا أكبر, والبعض يقارن بين الفيلمين وآخرون يقولون أنه نوع من الاستسهال أن أقوم بالتصوير في المكان نفسه, إلا أني لا أري ذلك علي الإطلاق لأن الفيلمين مختلفين تماما بالنسبة لي والعامل المشترك الوحيد بينهما هي أن الفيلم الأول هو الخطوة الأولي في وضع حجر الأساس لأسلوبيتي وبصمتي.

·        هل الجمهور لديه صعوبة في تقبل الأفلام التي تطرح أسئلة وتدعو للتفكير؟

نعم الفيلم مشغول بطرح الأسئلة ولا يقدم إجابات, وربما يكون هذا محبطا لقطاع كبير من الجمهور اعتاد دائما علي أن الفن يقدم له إجابات واضحة تريحه في علاقته مع العالم, وورد مسموم لا يقوم أبدا بهذا الدور وإنما يلقي بالحجارة في الكثير من البرك الراكدة, مثل السينما والمجتمع والأفكار الذكورية, يفتح باب الركود في كل شيء والفيلم يحاول أن ينشغل بالأسئلة لأن في ظني أن هذا هو الفن وسأحافظ علي هذا المسار في كل أعمالي المقبلة, فالفن انشغال بالأسئلة وتاريخنا مليء بمخرجين كبار وعظام كانت أفلامهم لا تنشغل بتقديم إجابات بقدر ما تطرح أسئلة علي سبيل المثال تجربة يوسف شاهين في نقد التجربة الناصرية لا يقدم إجابة وإنما يتساءل حول هذه التجربة التي كان جزءا منها ومن الدعاية الخاصة بها, الفن مهم لمجتمعه أن يطرح أسئلة لكن لا يجب أن نطلب من الفن أيضا أن يقدم إجابات.

·        هوس تحية بشقيقها صقر وتمسكها به أصاب الجمهور بحيرة وكل شخص فسره بطريقة مختلفة لكنه كان أيضا سببا في كثير من الجدل فما رأيك في هذا؟

يمكن قراءة الفيلم بطرق مختلفة, قراءة من الأسطورة المصرية القديمة إيزيس وأوزوريس والعلاقة بين الأخ والأخت بهذا البعد وهذا الإيحاء, ويمكن قراءته قراءة فرويديه, ونظرية فرويد عن معكوس أوديب, وهي أنه بغياب الأب تري الأخت في شقيقها البطل والرجل الوحيد بالنسبة لها, وهناك قراءة أخري من الثقافة الغربية وقصة إلكترا التي قتل أبوها علي يد الأم فقررت أن تربي أخاها حتي يكبر وينتقم لموت الأب, ويمكن التعامل معه بقراءة اجتماعية, في هذا العالم شديد القسوة والعنف والقهر هذه المرأة الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة لا تجد أمامها إلا أن تتمسك بالرجل بوصفه طوق النجاة, ولكن القراءة التي كنت أفكر فيها بشكل أكبر أثناء العمل علي الفيلم هي الحب في الطبقات الفقيرة, فالبرجوازيون دائما ينظرون للحب علي أنه علاقة نفعية برجماتية, إذا كنت أحب شخصا فبالتأكيد أريد منه شيئا, حتي علي مستوي العلاقات الأسرية, بينما في الطبقات الفقيرة الحب يعني التضامن والتآزر, علي سبيل المثال تحية تحمل الطعام لشقيقها يوميا في العمل وفي المشهد الأول نري زميله في العمل يشاركه الطعام ولم تمنعه تحية, هذا نوع من التضامن والحب في الطبقات العاملة الفقيرة, تحية تحب أخاها حبا إنسانيا لا يوجد من ورائه أي غرض, ولا أحب القراءات السطحية التي تفسر هذه العلاقة بشكل سيئ لأنها قراءة من وعي مختلف ولا أحد يحاول أن يقرأ الفيلم من داخله ويدقق في تفاصيله ومن ناحية أخري أي فن هو متعدد القراءات حسب المستويات المعرفية والثقافية التي تتلقاه وتأثيره يختلف باختلافها.

·        لماذا تطلب إنتاج الفيلم أكثر من4 سنوات؟

تأخر الفيلم لم يكن السبب فيه ظروف إنتاجيه, وإنما طبيعته نفسها هي التي تطلبت كل هذا الوقت, كل شيء كان مدروسا, فهذا النوع من الأفلام يتطلب وقتا طويلا وخبرة جيدة لبناء تفاصيله بالشكل المطلوب, أي فيلم يمر بثلاث مراحل والفيلم الفني يحتاج لوقت في كل المراحل بداية من كتابة السيناريو وتحويله إلي تصورات بصرية, واختيار الممثلين ومواقع التصوير, علي سبيل المثال الفيلم تم تصويره بإضاءة طبيعية ولهذا كنا نختار مواقع التصوير علي هذا الأساس ونختار التوقيتات المناسبة التي تمنحنا الإضاءة التي نريدها للمشهد, لأن وجود أشعة الشمس في المكان يغير من طبيعته ومن تأثير الإضاءة في المشهد, وكل هذا كان مرسوما علي الورق وكنا نتأني في الوقت حتي نحصل علي النتيجة التي نريدها, في الخطة اللونية والملابس والديكور والإكسسوارات وكل شيء, الأفلام من هذا النوع تحتاج لوقت طويل في إعدادها ليس في مصر فقط وإنما في كل مكان بالعالم, فالهدف منها ليس رواية قصة فقط الجوانب الفنية أهم.

·        هل الجوائز التي حصل عليها الفيلم في رأيك ستساعده علي الحصول علي فرص أفضل في دور العرض السينمائي؟

كان من المخطط منذ يوليو الماضي طرح الفيلم في دور العرض بعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مباشرة, والموزع في المنطقة العربية هو سينما زاوية وكان القائمون عليها يرون أن هذا هو أنسب توقيت لطرحه, ولم يكن في بالنا وقتها أنه سيحصل علي جوائز, فمن الطبيعي أن الأفلام تشارك في مهرجانات وربما يحالفها الحظ مع الجوائز أو لا, لأن هذا يرجع لذوق لجان التحكيم وطبيعة الأفلام المشاركة معه في المسابقة وتفاصيل أخري كثيرة ولا يوجد صانع أفلام علي وجه الأرض يشارك في مهرجان وهو في انتظار الجائزة, وبالتالي لا يكون هناك خطة للتوزيع بناء علي الجوائز, ونحن نعرف أن الفيلم صعب ومختلف وليس من السهل علي الجمهور تقبله, وبالتالي فلن تشكل الجوائز فارقا وإنما الأهم أن يحبه الناس ويدافعون عنه وهذه هي الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الفيلم ليستمر أطول فترة ممكنة في دور العرض, وهو حاليا معروض في صالة واحدة لأننا من البداية ونعرف طبيعة الفيلم ولهذا لم نغامر كثيرا, وتعاملنا معه بتواضع ولدينا أهداف مرحلية وكل خطوة نحققها ننتقل لما بعدها, وسيعرض عروض محدودة في التجمع وأكتوبر والزمالك ثم ينتقل للمحافظات, أعرف من البداية أن هذا الفيلم جمهوره قليل ويعتبر نخبوي, نتمني أن نتعلم من التجربة ونتقدم للأمام ويكتمل مشروعنا السينمائي لأنه من الضروري أن تتواجد أنواع مختلفة من الأفلام في أساليبها والأفكار التي تطرحها فهذا مهم للسينما والثقافة والمجتمع.

الأهرام المسائي في

23.12.2018

 
 
 
 
 

ياكوب سدرغرين أفضل ممثّل في تسالونيك لـ"النهار":

عندما تتمرّن كثيراً ترتكب الأخطاء الجيدة

هوفيك حبشيان

المصدر: "النهار"

"المذنب" لغوستاف مولر الذي انطلقت عروضه من ساندانس مطلع هذا العام قبل جولة دولية مهمّة، عمل سينمائي يخطف الأنفاس. من خلال مكان واحد (غرفة طوارئ) وممثّل أوحد (شرطي يردّ على الاتصالات) ووتيرة تصاعدية وحكاية محبوكة، تتلف باكورة المخرج الدانماركي أعصابنا وتسمّرنا في الكرسي طوال ٨٥ دقيقة. الممثّل الدانماركي ياكوب سدرغرين (مولود في أسوج) هو الشرطي الذي يتلقى اتصالات الاستنجاد الواردة من مواطنين يحتاجون إلى مساعدات على أنواعها. يتعامل مع الطلبات بروية وحكمة وأحياناً بأعصاب مشدودة. يجب عليه التحكّم بالوضع والسيطرة على تطور الأحداث مهما تكن ومهما بلغتمرتبة من الخطورة والحساسية. اتصال من سيدة خطفها زوجها، يتابعه الشرطي بكلّ تفاصيله وهي معه على الطرف الآخر للخط - علماً انه قلق من جلسة محاكمة، عليه المثول أمامها في اليوم التالي-، سيهز كيانه ويجعله بطلاً في سياق عملية انقاذ غير مسبوقة، مستخدماً حنكة وذكاء ومعرفة في ادارة الأزمات. لا يحق له الخروج من الغرفة أو التورط عاطفياً في أي قضية، ولكن ثمة استثناءات. سدرغرين يقدّم أداء مكثّفاً ومختزلاً يكاد يُدرَّس. فويبا "الرجل الواحد أمام الكاميرا" وما يترتب على هذا من مسؤولية، يحولها سدرغرين إلى سطوة، وهو لا يملك الا القليل للتعبير عن العظائم التي نكتفي بسماعها: نظرة من هنا ورجفة من هناك، وها اننا نسلّم أنفسنا للعبة التشويق المبرمجة. سدرغرين أشبه بإسفنجة تمتص الأحداث. بعيداً من الشكل والصيغة السيناريستية، لـ"المذنب" كلامٌ كثير أيضاً عن معنى مد اليد إلى آخر في أزمة عندما يسقط الحدّ الفاصل بين الواجب والعاطفة. في الآتي، مقابلة أجرتها "النهار" مع فنّان إستثنائي في الدورة الأخيرة من مهرجان تسالونيك حيث فاز بجائزة أفضل ممثّل، مع التذكير بأن الفيلم دخل سباق الـ"أوسكار" قبل أيام في مرحلته نصف النهائية.

·        أداؤك مذهلٌ في "المذنب". قل لي: كيف يمكنك التمثيل في فيلم كامل ولا أحد أمامك؟

- هذا مضحك لأن الكثيرين يطرحون عليَّ هذا السؤال، معتقدين انني كنت أتحدّثُ وحدي على الهاتف في غرفة طوال الوقت. أفهم ذلك، لأن المُشاهد لا يرى سواي، لكن في الحقيقة، بقيّة الممثّلين كانوا في الغرفة المجاورة، وكلّ شيء سُجِّل تسجيلاً حياً، أي انني كنت أتحدَّث في الهاتف وكان محدّثي يردّ عليَّ من الغرفة التي هي نوع من استوديو. وجدنا هذه الطريقة في العمل، وما كان ممكناً إنجاز الفيلم من دونها. لولاها لجاء أدائي مسطّحاً. استمتعتُ جداً وأنا أمثّل. موقع التصوير الذي هندسه المخرج غوستاف مولر كان رائعاً. كلّ شيء كان يبدو واقعياً. صوّرنا بالتسلسل الكرونولوجي لتتابع الأحداث، وأحياناً لقطات طويلة.

·        أمس، في نقاشك مع الجمهور اليوناني بعد عرض الفيلم، أخبرتنا ان فريق العمل كلّه كان يشتغل في السينما للمرةالأولى. أنت الوحيد صاحب الباع. كيف كان التوازن بين متمرّس مثلك ومبتدئين.

- في الحقيقة، لم أشعر البتة انهم مبتدئون. لم تخطر في بالي حتى مسألة التوازن. فقط انتبهتُ إلى انهم أكثر شباباً مني (ضحك). كان الجميع على درجة عالية من المهنية، وفي الأصعدة كافة. الطاقة التي يمتلكونها تتجاوز طاقتي بمراحل. كانوا متحمّسين جداً كونهم ينجزون فيلمهم الأول واستثمروا فيه الكثير من الجهود.

·        هذا الفيلم هو عندي "ميتافور" للحياة العصرية، بحيث أضحينا شهوداً على كلّ ما يجري حولنا من دون ان يكون لنا قدرة على التحرّك.

- وهل يجعلك تشعر بالذنب؟ (ضحك). لا عليك. بصراحة، لم أفكّر في هذا من قبل. قد يكون ما تقوله صحيحاً، أقلّه يناسبني.

·        ولكن، كيف تحضّر دوراً كهذا؟

- هذا الفيلم ولأنه مقتبس من روايتين ويستند إلى بعض البحوث، أجريتُ بحوثي الخاصة كي أستوعب الدور وأجسّده. مشيتُ تقريباً على الطريق نفسها التي مشى عليها كاتبا السيناريو. أضفتُ عليها أشياء من عندي. كون الفيلم يستند إلى تجارب واقعية وأناس حقيقيين، كان عليّ ان أجد هؤلاء كي يحدثوني عن تجاربهم. أمضيتُ أيضاً بعض الوقت مع أشخاص شغلوا مثل المنصب الذي أشغله. كانت تجربة جدّ مشوقة تركت فيَّ أثراً عميقاً وقوياً.

·        ألم تكن تعلم بوجود هذا الواقع البوليسي قبل الفيلم؟

- بالتأكيد، لا. المضحك انك تعتقد انك تعلم لأنك سمعت عنه. لكن المسألة تختلف كلياً عندما تجلس قبالة شخص عاش تجارب مماثلة. من الجيد الاستماع إلى الناس وتخزين المعلومات، الا ان هناك أيضاً الجسد الذي يتولى هذه المهمّة، مهمّة الاستقصاء، وهذا أكثر شيء يفيد الممثّل. علماً انه عليك القيام بكلّ ما ذكرتُ. التجربة برمّتها كانت قوية جداً.

·        ان تصوَّب الكاميرا على وجهك طوال مدّة الفيلم فهذه مسؤولية كبيرة. إن فشلتَ، فسيفشل الفيلم بسببك

- هذا صحيح. ومع ذلك لم أخف. تجاوزتُ هذه الفوبيا. في المقابل، كانت عندي مخاوف من ان يفشل الفيلم برمّته. لكن غوستاف بدا لي واثقاً ممّا يفعله. ثم، لن يكون الأمر مسلياً ان أبدو متردداً وغير واثقمن امكاناتي.

·        أداؤك مقتصد جداً. أدواتك محدودة؛ ليس لديك سوى وجهك وبعض التعابير لنقل كلّ الأحاسيس التي في داخلك

- هكذا كانت الحكاية. لم يكن هناك الكثير لأفعله. ولكن يستهويني هذا الشيء. أجهل كيف فعلتُ وما هي تقنياتي (ضحك). لم أفعل الا الوقوف أمام الكاميرا. السيناريو كان يتيح ذلك والحوارات ممتازة. كلّ ما كان عليّ هو الاستماع. لم يُطلَب إليّ الا ان أقفز في القافلة. ساعدني وجود ممثّلين رائعين. كانت هناك ثلاث كاميرات أمامي على الطاولة والناس الذين خلفها. كان مدير التصوير منفتحاً جداً ومتفهماً لعملي، كون والده ووالدته يعملان في التمثيل.

·        هل استعددتَ للدور أشهراً طويلة قبل بدء التصوير؟

- تمرّنا المخرج وأنا خمسة أشهر قبل دوران الكاميرا. في البدء، اقتصرت التمرينات على الدخول في جسد الشخصية، ثم توقّفنا عند كلّ تفاصيل السيناريو. كنا نعلم انه ليس لدينا سوى ١٣ يوماً تصويراً، ولم يكن لدينا وقت لخوض نقاشات كبيرة حول خيارات معينة. حاولنا قدر المستطاع ان نحسم كلّ الأسئلة قبل التصوير. وددنا تركيز جهودنا على التمثيل ولا شيء سواه، فور دخولنا في الفوضى الخلاقة.

·        هل ارتجلتَ؟

- أحياناً. قليلاً. هنا وهناك. عندما تحضّر جيداً للدور، يصبح الارتجال جيداً. لا ترتكب الا الأخطاء الجيدة. الناس يميلون إلى الاعتقاد انه يمكننا الارتجال هكذا ساعة ما نشاء. هذا غير ممكن. عليك ان تحضّر ثلاثة أضعاف التحضير العادي كي تصبح قادراً على الارتجال، والا لخرجتَ كثيراً عن السياق.

·        هل وجّه إليك المخرج الكثير من التعليمات؟

- نعم. لكن كانت عندي مساحة من الحرية أتحرك ضمنها. استمتعتُ جداً بالعمل معه. كان الاستعداد منهجياً وذكياً. هذا جد نادر عند مخرج مبتدئ.

·        كنت أتساءل: الفيلم يأتي بصورة إيجابية للشرطة في نهاية الأمر… هل هذه الصورة دقيقة في الواقع البوليسي الدانماركي؟

- أجل. لكن هناك الجيد والسيئ في كلّ شيء. وهذا ينسحب أيضاً على الشرطة. طبعاً، كلّ شيء هنا دراما، والأشياء لن تحصل هكذا اذا اتصل أحدهم بمركز الشرطة. هذه مهنة صعبة. ترى الويلات وأنت شرطي. لن يمر في بالك ما هي تلك الويلات إلى ان تتحدث إلى أحد عناصر الشرطة. هناك أشياء لا تُحتمل. وأنت كشخص عادي لا تعرف كيف تتعامل معها. هذه المهنة ليست لأي شخص. وفي الوقت نفسه، هناك ثقافة ذكورية منتشرة في أوساط الشرطة تفرض عليك عدم الافصاح عن هشاشتك. اذا خالفتَ هذا المبدأ، فقد يعني انك لم تولد لمزاولة هذه المهنة. عليك دائماً ان تسيطر على انفعالاتك، حتى إن كنت في قلب صراع. الكلام نفسه ينسحب على الأطباء، الجنود والمسعفين، وكلّ شخص يعمل في مجال حيث ثمة صراع بين الحياة والموت.

·        الجميل في الفيلم انه يشغل مخيلة المُشاهد. نركّب صوراً على الكلام الذي نسمعه

- (مقاطعاً) وهي صور أفظع من أي صور كان يمكن ان نصنعها. هذا أشبه بالمسرح، حين يحدث شيء ما خلف الديكور. خيالك قد يخدمك أفضل بمراحل من أي صورة أقدّمها لك.

·        هل تبقى الشخصية في داخلك بعد الانتهاء من التصوير؟

- لا. أخرج منها. لا أريد ان أصاب بجنون. التمثيل أشبه بكرة المضرب. ترتاح وأنت تنتظر بين جولتين، ولكن تعلم ان الجولة المقبلة آتية. عليك فقط ان تبقى في حالة تأهب. عندما تعود إلى المنزل تنزع عنك الشخصية بشكل أكثر. ثم عندما تعود إلى موقع التصوير في اليوم التالي تلبسها. انها مسألة توقيت. ولكن هذا يختلف من ممثّل إلى آخر.

النهار اللبنانية في

23.12.2018

 
 
 
 
 

أفلام لبنان والعرب 2018: نادين، محمود، وحامد...

محمد حجازي

كلما إنتهى عام تفاجئنا الحصيلة السينمائية العامة بأن الأمور تراوح مكانها من الرتابة. وها نحن نحاول إحصاء المهم من عدمه على مستوى ما شاهدناه من الأفلام العربية فإذا بنا أمام حقيقة أن ما هو جدير بالاهتمام نادر، وعرفنا أن مصر رفع من شأن إنتاجها المخرج مروان حامد وصديقه الكاتب أحمد مراد، مع آخر ما أنجزاه وكان رائعاً: «تراب الماس».

ومع وجودنا في القاهرة لتغطية حيثيات الدورة الأربعين من مهرجانها السينمائي أطللنا على ظواهر مبشرة بالخير منها للمخرج أحمد عبد الله السيد وفيلمه: «ليل خارجي» (مع كريم قاسم، منى هلا، شريف دسوقي) ونركز على إسم الأخير الذي نال بجدارة جائزة أفضل ممثل من المهرجان وكان سيئاً حمله الجائزة والمغادرة دون كلمة شكر لأحد، فيما إستوقفنا بقوة شريط المخرج التونسي محمود بن محمود «فتوى» (أحمد الحفيان، وغالية بن علي) ونعتبره واحداً من الأعمال الراقية التي تعالج قضية التطرف الديني في عالمنا العربي.

هنا نورد أن «يوم الدين» لـ أبو بكر شوقي لم نشاهده، بينما لم نحب ورد «مسموم» لـ أحمد فوزي صالح (مع محمد بركة، صفاء الطوخي، إبراهيم النجاري، محمود حميدة، ماريهان مجدي)، و«جريمة الايموبيليا» لـ خالد المجر، وإنتاج خالد يوسف (مع هاني عادل، ناهد السباعي، طارق عبد العزيز، ودعاء طعيمة)، وكانت هناك خصوصية لـ «طلق صناعي» لـ خالد دياب (مع ماجد الكدواني، وحورية فرغلي) حيث يعالج قضية نيل تأشيرة إلى أميركا بطلها مواطن مصري مع زوجته الحامل.

ولنا هنا أن نعدد عناوين وحسب (عقدة الخواجة، علي بابا، خلاويص، جدو نحنوح، الكهف، نورت مصر، رحلة يوسف، رغدة متوحشة، كارما، حرب كرموز، البدلة، عيار ناري، وأفلام أخرى عديدة) للتدليل على أن هناك فئة لا تستأهل حتى ذكر أسمائها لمجرد أنها صورت فيلماً وحسب من دون أي أساس فاعل فنياً أو إنسانياً له مستوى معين.

أما نحن في لبنان فسعداء ولنا أن نأخذ شريط نادين لبكي: «كفرناحوم» مثلاً ساطعاً على التفاؤل الذي بات يواكبنا مع تعدد الانتاجات المحلية. ففي كان جائزة مهمة للشريط، وفي الغولدن غلوب تصدر الخمسة أفلام المتبارية عالمياً على جائزة أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالانكليزية وربما حمل إلينا تاريخ 6 كانون الثاني/يناير 2019 خبراً سعيداً بفوز نادين بالجائزة، مع توقع إنضمامها الى المرشحين الخمسة من العالم للمتنافسين على أوسكار أفضل فيلم أجنبي بعدما غابت آثار كل الأفلام العربية التي رشحت للجائزة.

وكان في المنطقة نفسها من الإهتمام «نار من نار» لـ جورج هاشم، و«صباح الخير» لـ بهيج حجيج، ويهمنا إدماج شريط «خبصة» كأفضل عمل كوميدي قدم في الأسابيع الأخيرة من العام 2018 مع جنيد زين الدين ورلى بقسماتي يديرهما شادي حنا.

وننوه هنا بالمناسبة بالاصرار الذي يعتمده آل سنان في الإنتاج السينمائي. جمال سنان الأكثر حضوراً وإنتاجاً مع مجموعة أفلام جماهيرية آخرها «تايم آوت» لـ «رامي حنا» مع ماغي أبو غصن، ويورغو شلهوب، وصبحي سنان مع نجله رائد سنان وآخر ما تقدمه الصالات «المهراجا» وأول إخراج لـ فادي حداد يدير زياد برجي، وداليدا خليل، كما أن الإعلامي المهتم بالسيارات نديم مهنا تحول إلى الإنتاج والأخراج في السينما وقدم أول أفلامه «ساعة ونصف» ثم «مينك إنت»، وهو ينجز تصوير آخر حالياً.

في مقابل ذلك دخلت الكاتبة والمنتجة «نبال عرقجي» ميدان الإخراج عن نص لها في: «مطلوبين» الذي يعرض في المدى المنظور، مع (بديع أبو شقرا، وسام صليبا، دوري السمراني، عايدة صبرا، وبيار رباط) وكلها أجواء حضور لسينما تولد حديثاً بأنماط ومستويات متعددة في بلد فيه أكبر نسبة من صالات السينما في المنطقة، بمعنى أنه مهما كثرت صالات الإنتاج فإن هناك شاشات كافية لاستيعابها جميعاً.

ولنا هنا أن نُثني على الرغبات العديدة عند عدد كبير من الخريجين والمحترفين لتكثيف الإنتاج المحلي الذي يحظى بقدر طيب من جماهير الصالات تشجيعاً ودعماً وغالباً حباً بالوجوه المشاركة، ونتوقف باحترام وتقدير عند أول تجربة سينمائية لـ طوني فرج الله مع فيلم: «مورين» الذي شكل مفاجأة إيجاية رائعة.

اللواء اللبنانية في

24.12.2018

 
 
 
 
 

ملاحظات عن، وحول الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (1)

صلاح سرميني

بعد أن تنتهي فعاليات أيّ مهرجان سينمائيّ، يصبح الدليل الرسميّ بمثابة ذاكرة فنية مركزّة، وفي نفس الوقت وثيقةً تاريخية/متحفية، كما تتحوّل نشرته ـ في حال إصدارها ـ إلى دفاتر مذكراتٍ سينمائية مكشوفة، تُوثق يومياته بموضوعيةٍ تختلف عن تلك الشخصية التي لا يكتبها، ولا يقرأها إلاّ صاحبها.

ومع البدء بقراءة الصفحات الأولى من العدد الأول لنشرة الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2018، خطرت في بالي بعض التساؤلات، ومنها على سبيل المثال:

ـ هل من الضروري أن تُلخص نشرة المهرجان بعض تفاصيل ليلة الافتتاح، مع إمكانية متابعتها مباشرة من قلب الحدث، أو مشاهدتها على شاشات قنوات التلفزيون، وأكثر من ذلك، سوف تكون المادة المُفضلة لوسائل الإعلام المختلفة، وهل تلخيص حفل الافتتاح من مهمات النشرة، أم الصحافة بكافة أشكالها؟ 

ومن هنا انطلقت تساؤلاتي حول شكل، ومحتوى نشرة المهرجان، أيّ مهرجان، ومن الأهمية أن ندرك بأنها ليست مثل أيّ وسيلة إعلامية أخرى، هي، بالأحرى، واجهة شفافة للتعرّف عن بعدٍ على بعض فعاليات المهرجان القابعة في الخلفية، أو الهامشية، أو حتى تلك التي تحتاج إلى إضاءةٍ زائدة، وهكذا، من المفيد أن نجد فيها ما هو مختلف عن المادة الصحفية المُتوفرة بغزارةٍ في الوسائل الإعلامية.

من جهةٍ أخرى، هل يحتاج المتابع، ضيفاً، أو متفرجاً من الجمهور إلى قراءة برنامج اليوم في النشرة (ولا أعرف إن كانت امتاحة للجمهور)؟

في حالة الإجابة بنعم، ما هو إذاً دور البرنامج الورقيّ المُنفصل، والمفترض أن يكون في حوزة المتابع طوال أيام المهرجان، أليس من الأفضل استغلال الصفحات/المساحات المخصصة له في النشرة من أجل نشر مادة إعلامية، أو نقدية جديدة ؟.

وبشكلٍ عامّ، ومبدئيّ، أميل إلى أن تهتم النشرة بتوثيق أحداث المهرجان أكثر من قراءة تحليلاتٍ هي في معظمها أقرب إلى ملخصات الأفلام، يكتبها عادةً صحفيون، ونقاد من العاملين في المهرجان نفسه، والسبب في ميولي، أنّ الضيف لا يمتلك الوقت، والجهد الكافيين لمتابعة كلّ الفعاليات، والأنشطة، ومن هنا يأتي دور النشرة كي تلخص له ما فاته، وأضيف، بأنه من الأفضل أن تكتمل مهام النشرة بإصدار كتاب عن كلّ دورة، نجد فيه توثيقاً للندوات، والمؤتمرات، واللقاءات، بالإضافة إلى تسجيلاتٍ فيديوية تُبث فورياً، أو لاحقاً عن طريق منصة المهرجان الإلكترونية كي يتسنى لمن يرغب مشاهدتها لاحقاً، وهذا ما تفعله علي سبيل المثال مؤسّسات سينمائية فرنسية كبرى مثل : السينماتك الفرنسية، مُلتقى الصور، مركز جورج بومبيدو،.. 

ومع ذلك، هذا الميل الشخصي نحو اهتمام النشرة بالأحداث اليومية أكثر من القراءة عن الأفلام، هشّ، وقابل للكسر، ويمكن أن يتغير وُفقاً لطبيعة كلّ مهرجان.

يجب الاعتراف، بأنه يوجد اختياراتٍ كثيرة تتعلق بالمنهج التحريري للنشرة، تختلف من مهرجان لآخر وُفق حجمه، وأهميته، وجمهوره، وميزانيته

في الحقيقة، أجد نفسي متردداً في اختيار الأفضل، والأنسب، مع أنني أعلم مسبقاً بأنّ هذا الموضوع يحتمل وجهات نظر مختلفة، متوافقة، أو متعارضة.

ـ هل من المفترض أن تكتفي النشرة بنشر قراءاتٍ عن (بعض) الأفلام من الأقسام المختلفة للمهرجان، وتلخيص مجريات (بعض) الأنشطة الجانبية، علماً بأنني أدرك تماماً بأنّ صفحات النشرة لا تستوعب الحديث عن كلّ الأفلام، وكلّ الأنشطة، وفي هذه الحالة يأتي دور الكتاب الجماعي.

ـ هل من الأفضل أن يقتصر دور النشرة على الجانب الإعلامي للأنشطة الجانبية التي لا يتمكن الضيف من متابعتها كلها؟

ـ هل نشرة المهرجان موجهة للضيوف المحترفين فقط، أم لجمهور المهرجان بشكلٍ عام؟

ـ هل مهمة النشرة الحديث عن الأفلام بإسهابٍ، وإدراج حواراتٍ مطوّلة مع بعض ضيوفف المهرجان كما وجدناه في مهرجان دمشق السينمائي المتوقف حالياً؟

التساؤلات كثيرة، وهي بعدد مهرجانات العالم التي تهتمّ بإصدار نشرة يومية، ومع اانعدام الإجابات الفورية، والمُحددة، والأخذ بعين الاعتبار حرية كلّ مهرجان في اختيار شكل، ومحتوى نشرته، إلاّ أن دورنا النقدي/التحليلي/الرصدي/التاريخي يمنحنا حرية الكتابة، وطرح التساؤلات، وتقديم الاقتراحات، وخاصةً عندما نتحدث عن مهرجانٍ دوليّ يخصّنا مثل القاهرة (أو أيّ مهرجان عربي آخر)، والحثّ على تحقيقها كلّها مرةً واحدة، أو معظمها في سلسلةٍ متتالية من الوثائق المكتوبة، والفيديوية :

ـ أن تقتصر النشرة على الجانب الإعلامي فقط، وتركز على الأنشطة التي لا تهتم بها وسائل الإعلام مثل الندوات، واللقاءات، والحوارات، ...

ـ الكتابة عن كلّ الأفلام بدون استثناء، وجمعها في كتابٍ يُوزع خلال أيام المهرجان، ويمكن أن يتحقق ذلك بمشاهداتٍ مُسبقة من طرف عدد من النقاد الذين يشاركون في عملية الاختيار.

ـ تسجيل كامل لكلّ الندوات، واللقاءات، والحوارات، وجمعها في كتابٍ يُوزع لاحقاً في المناسبات السينمائية المختلفة، وخلال الدورة اللاحقة للمهرجان.

ـ تسجيلات فيديوية لكل الندوات، واللقاءات، والحوارات، وبثها مباشرة، أو لاحقاً عن طريق منصة المهرجان الإلكترونية.

المدى العراقية في

02.01.2019

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)