كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ورد مسموم آفاق السينما العربية القاهرة 40

العمل الروائي الطويل الأول لفوزي صالح مشاركا آفاق السينما العربية

صفاء الليثي

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الأربعون

   
 
 
 
 
 
 

ورد مسموم لأحمد فوزي صالح،.  ينتمي الفيلم إلى السينما المصرية الجديدة في محاولة للانضمام لتيار سينما المؤلف الذي يكتب المخرج فيه الفيلم بنفسه ويقوم أحيانا بمهام أخرى ليصبح صانع فيلمه المسئول عنه، المسئول عن طزاجته وجدته المحملة بأخطاء العمل الأولى التي يمكن التسامح بشأنها وسط صعوبات الإنتاج والرغبة المشروعة في التجديد. حصل الفيلم على ثلاث جوائز في الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.والمقال التالي نشر فور مشاهدة الفيلم قبل  إعلان الجوائز.

"ورد مسموم" حيث سكنه المكان فلم يغادره

قدم المخرج فيلمه الأول " جلد حي " عن المدابغ التي تقع في القاهرة القديمة خلف سور يسمى سور المدابغ، الحي بتفاصيله والمشاق التي يتعرض لها العمال في مهنتهم الشاقة كانت الكنز الذي اكتشفه ليقدم كصانع أفلام مكانا دراميا مليء بالحكايات دونما الحاجة لقصص مؤلفة، أبطاله كانوا الصبيان الصغار وقد اقترب منهم وحاورهم وعرفنا على تجاربهم الأولى وعلاقاتهم مع البنات. سكنت روح أحمد فوزي صالح الصبية العمال وبدا وكأنه يرى فيهم نفسه. حين فكر في عمله الروائي فرض المكان سيطرته عليه فلم يغادره وبقي أن يزرع قصة تناسبه، فوجد ضالته مع " ورود سامة لصقر" للقاص أحمد الشطي الذي بدأت موهبته في الثمانينيات ولكنه لم ينشر إلا في التسعينيات. في القصة البطل صقر وحبيبة برجوازية وصديق والأخت تحية، في الفيلم كثف صالح أبطاله مكتفيا بتحية عبد الواحد، هي في الفيلم عاملة تنظيف مراحيض في مول مصري معاصر، حسب ما ذكرته هي من ينفق على البيت ولهذا تريد أن تكون القائد والموجه.

صقر عامل المدابغ القوي تأتيه تحية بعمود الغداء، تقليد مصري ممتد منذ الفراعنة ، تحمل الزوجة الطعام لزوجها الذي خرج إلى الحقل مع الضوء الأول للفجر. فهل هي زوجته؟، يرتبك المشاهد لفيلم " ورد مسموم" ويعتقد في البداية أن تحية زوجته وأن السيدة الكبيرة هي حماتها. العلاقات في البيت تشير إلى هذا . ولكنها الأخت لصقر " انا ماليش غيره" أثناء المشاهدة استدعيت معرفتي بعلاقة أخت بأخيها من فيلم يسري نصر الله التسجيلي الهام " صبيان وبنات " في فيلم يسري توضيح لعلاقة أخت باسم سمرة به، ترتب دولابه، تطوي ملابسه وتهتم بتناوله الطعام الذي يحبه. في مصر حيث يحرم على الفتاة أن تصاحب شابا قبل الزواج ، تتجه بعواطفها الى أخيها فيكون" راجلها " حتى تتزوج ويظل الأخ هو الحبيب الأول، هل هي عقدة الكترا؟ لا هي ممتدة للتراث المصري القديم حيث كانت تنادي الزوجة زوجها بلفظ أخي، وهو تراث ممتد خاصة في الريف ( ويا غالي عليا يا حبيبي يا أخويا) الأخ هو سندها والمدافع عنها لو ظلمها الزوج أو قسا عليها. هنا نتيجة علوها الاقتصادي عليه وعلى أمها، تحية هي التي تسند وتحمي وهي التي تمنح الهدايا، تذهب تحية لصانع الأحذية وتطلب حذاء لصقر، تلسه إياه وهي قابعة تحت أقدامه تدلله . صقر يبعدها ويعود ليطلب منها أن تتزوجه، فترد " ما ينفعش" . على طبلية الغداء تقدم له اللحم وتزيد فيمنح قطعة لأمه فتحاول أن تأخذها فتنهرها الأم وتأكلها بشراهة، تفضيل الذكر ومنحه طعاما مضاعفا تقليد مصري كان تبريره أنه هو الذي يشقى ويتعب، وظلت العادة حتى بعد أن أصبحت الإناث هن من تشقين، تحية بعملها المنتظم في المراحيض العمومية ، والأم بعملها على ماكينة الخياطة. لايوجد في الفيلم قصة قوية سوى قلق تحية من تفكير أخيها في الهجرة وعلاقته بفتاة ما، لم يقدمها المخرج لأنه لا يريد أن يغادر المدابع ولا المنطقة المحيطة بها. وماذا عن الورد الذي تأخذه دون حق من على شواهد القبور تجمعه ثم تلقيه في مياه الجلود المختلطة بمياه الصرف الصحي مع أدعية من الشيخ الخواجة الذي يبدو شخصية من فيلم لاتيني، إضفاء مسحة من الواقعية السحرية على هذا الاختيار الذي يبعد خطوات عن الواقعية ليقترب من المذهب الطبيعي في الفن حيث واقعية قاسية وفجة، يقشعر بدني لرؤية كلب يشرب من مياه المجاري في حي بائس لا يختلف حيوانته به عن البشر العائشين في هذا المستنقع من الأوحال.

في العمل التسجيلي " جلد حي " مشهد يخفف قسوة العمل بذهابهم إلى الملاهي، هنا أيضا تطلب منه ذات مرة الذهاب إلى الملاهي ( من زمان ما رحناش) بما يشي بأنه حدث متكرر، ولكن تليفون الفتاة المجهولة يُلغي الفسحة، في النهاية بعدما يعود من محاولة الهجرة غير الشرعية تلبسه حذاءه الجديد، يلبس كيسا من النايلون وهو سائر حتى لا يتسخ الحذاء، ابتسامة خفيفة ترتسم على وجوهنا. في الملاهي يختفي وتبحث عنه وينتهي الفيلم دون أن تجده. نهاية خطفتني ولم أسترح، فهل أراد المخرج كاتب السيناريو أن نصل إلى هذا الشعور بعدم الراحة وإلى نتيجة أنه لا حل، سيظل صقر حالما بالطيران بعيدا عن المدابغ وستظل تحية في انتظاره فرحة وحيدة في حياتها.

التصوير الذي قام به ماجد نادر لا يبالغ في تجميل المنطقة ، بل ينجح في جعلنا نشم هذا التلوث وكأن الروائح تخرج من الشاشة، ولم يزحم أحمد فوزي صالح شريطه بأصوات متعددة تبدو مرتبطة نمطيا في أذهاننا بمثل هذه الأماكن. فقط مؤثرات المكان وموسيقى لم تعلق بذهني بعد المشاهدة الوحيدة للفيلم في إطار عروض مسابقة آفاق السينما العربية، ولا أتصور أن يحصل الفيلم على أي من جائزتي هذا القسم إذ يبدو لي غريبا تواجده بقسم للأفلام العربية وأتصور أن مكانه كان أوقع في مسابقة أسبوع النقاد للتجارب الأولى والجديدة كما يعبر "ورد مسموم" كتجربة روائية أولى في إطار السينما المصرية الجديدة.  

*نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 4 ديسمبر 2018

 

####

 

الزرافة لا أحد هناك في أسبوع النقاد بالقاهرة 40

العمل الأول للفنان أحمد مجدي مشاركا أسبوع النقاد بالقاهرة 40

صفاء الليثي

ينتمي الفيلم إلى السينما المصرية الجديدة في محاولة للانضمام لتيار سينما المؤلف الذي يكتب المخرج فيه الفيلم بنفسه ويقوم أحيانا بمهام أخرى ليصبح صانع فيلمه المسئول عن أخطائه و، المسئول عن طزاجته وجدته المحملة بأخطاء العمل الأولى التي يمكن التسامح بشأنها وسط صعوبات الإنتاج والرغبة المشروعة في التجديد.

الزرافة حيث لا أحد هناك

رؤية مستقبلية بين الواقع والخيال

في عمله الأول كمخرج يكتب أحمد مجدي عنوانين لفيلمه، العنوان الأول " لا أحد هناك " يحيلنا إلى المستشفى الكبير حيث لا يجد المصاب أحمد أحدا لإسعافه بعدما صدمته سيارة تقودها فتاة تصدمه وتجري مفزوعة، ويظهر طبيب واحد يحكي له سبب غياب الطبيب الكبير والآخرين في عزاء طفلة ابنة الطبيب التي ماتت في عمر 3 شهور، وسنعرف لاحقا أن هذا جزء فقط من الحقيقة فالطبيبان الكبير والصغير يجريان عملية إجهاض غير قانونية في عيادة خاصة. 

هنا مستشفى كبير شبه مهجور، وعيادة تجري فيها مساومات على مبلغ يتحصل عليه الطبيب المخاطر بسمعته والمعرض للسجن لينقذ الفتاة كما يدعي. الحوار يكشف أن هذا أمر متكرر( كل مرة تقوليلي هأجيبلك الفلوس ومايحصلش) العنوان الآخر "الزرافة" يحيلنا إلى حكاية عن الزرافتين الذكر الذي مات ولحقته الأنثى، وسيتبين أنها ليست الحقيقة فقد مات الذكر الوحيد وعاشت الأنثي بعده بعام وأنجبت دونه زرافة أنثى صغيرة، ها هما الأم والوليدة في سيارة نقل يجري وراءها أحمد ويكشف عنها الغطاء ليتأكد من معلومة حمل وولادة للأنثى دون وجود ذكر . يكشف لنفسه ولنا. 

لا أحد هناك عنوان يعبر عن واقع يحدث تماما ، إهمال لمستشفى كبير وتركه خاويا لمصلحة متعارضة في عيادة خاصة، وعنوان الزرافة يعبر قصة أقرب إلى الخيال عن حمل الإناث رغم موت الذكر.

  .بنى المخرج أحمد مجدي وهو نفسه كاتب السيناريو فيلمه على التوازي بين مجموعتين، مجموعة فتيات ليلى وفرح وصديقة ثالثة، ومجموعة شباب أحمد وأشرف وصديق ثالث. ليلى تحاول مساعدة صديقتها للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، وأحمد يحول الحصول على المال اللازم لعملية الإجهاض. وحدات مشهدية تسرد بالتوازي بين سعي الشباب للحصول على مبلغ 200 جنيه، وسعي مماثل يبوء بالفشل لسعي الصديقة لرهن مصاغ لوالدتها لدى مرابية كانت أمها تعرفها ( أنا بنت مدام سميحة) تفاصيل تكشف الواقع المعيش ، سائق تاكسي تنقصه النخور يترك الفتاة في شارع مظلم فتسير خائفة من مجموعة شباب متعطلون على ناصية، رجل يظهر يحميها تعالى ورايا ما تخافيش ، تحكي المرابية حكاية طويلة وتهدهها فتعود دون الحصول على الأموال، والشباب يدخلون في خناقة تنتهي بنجاحهم في الحصول على جزء من حق قديم بعد إصابتهم في المعركة مع شرير آخر يدير مكانا للانترنت في محل شبه مشبوه. 

قبل الدخول في الحكايات نجد الشخصيات كل منها يحكي حكاية أو يشرح موقفا أقرب إلى المونولوج، أقرب أن يكون حديثا للنفس وليس حوارا بين الشخصيات. الحكايات تروى على مدار الفيلم كاشفة عن حقيقة مخالفة لما يمكن تصوره منذ البداية، فالزرافات لم تنقرض رغم أن الذكر مات نتيجة العجز عن إيجاد حل لنقله من الإسكندرية إلى القاهرة ليواقع الأنثى في حديقة حيوان الجيزة، رغم موته فالزرافة تحمل وتلد. والفتاة المرتبكة ليلى التي تذهب صيدلية مهجورة وتطلب اختبارا للحمل ويتبادر إلى أذهاننا أنها حملت من علاقتها بصديقها الشاب أحمد الذي بدأ الفيلم بهما معا في السيارة ، ويتبين أن الحامل صديقتها المفزوعة والتي تشبه زرافة بعينين متسعتين ورقبة طويلة، تجري ليلى الاختبار رغم أنها ( ليست مع حد) كما تقول ردا على سؤال الصديق أحمد.

الفيلم كله صور في الليل بالاعتماد فقط على إضاءة المكان وبكاميرا صغيرة قام المخرج بإدارة تصويره بنفسه ونجح في التعبير عن حالة التوهان للفتيات والخوف من تعرضهن للأذى وحالة العجز لدى الفتيان  ومواجهة الأشرار وتعرضهم الفعلي للأذى . رسم المخرج عالما قاسيا تعانى فيه الفتيات من حمل غير مرغوب فيه وتعيش حالة من الذعر الدائم والخوف، وشباب يتم النصب عليهم ويحصلون على حقوقهم بمشقة بعد حودث إصابات . يقدم فريق الفيلم رؤية مستقبلية لمصر تعاني فيه النساء ولكنهن قادرات على الاستمرار في الحياة ، رغم ضعف الذكور وموتهم الأدبي والمعنوي.

تجربة أحمد مجدي تجربة فريدة لا يقلد فيها أحدا ، يسمح فيها لخياله بأن يشطح بعيدا مع حكاية الزرافة والخوف من انقراضها ليحذر من الخوف من انقراض البشر أنفسهم. نجح في اختيار فريقه من ممثلين وممثلات تعاطفنا مع حكاياتهم التي لا تختلف كثيرا عن معاناتنا في مصر الآن.

*نشر المقال بجريدة القاهرة الثلاثاء 4 ديسمبر 2018

مدونة الناقدة (دنيا الفيلم) المصرية في

04.12.2018

 
 
 
 
 

(ورد مسموم) دعوا الزهور تتفتح

بقلم: د. وليد سيف

أشرفت على بعض مراحل إنتاج ودعم فيلم ورد مسموم أثناء رئاستى للمركز القومى للسينما، وعايشت حجم المعاناة التى واجهها الفيلم، وحاولت قدر استطاعتى أن أذلل العقبات الروتينية وأن أبصر العقول المتحجرة بقيمة الفيلم وحق مخرجه وحريته كمبدع لا يتعامل مع السيناريو كنص مقدس.

كانت الاتهامات التى تطال الفيلم فى تلك المراحل تتعلق بإغراقه فى المشاهد التسجيلية وحذف بعض المشاهد الدرامية المكتوبة فى النص المعتمد، وفى الحقيقة أن هذا هو أجمل ما حققه مخرجه أحمد فوزى صالح ليحقق لفيلمه تميزا ومذاقا خاصا أمكنه من خلاله أن يحصل على دعم وتمويل جهات أخرى فى مراحل مختلفة من الفيلم.

وهو أيضا فى الغالب كان بوابة عبوره للمشاركة فى مهرجانات عديدة منها: روتردام للفيلم العربى فى هولندا وكولونيا للفيلم الإفريقى فى ألمانيا، ومبررا لاقتناصه لجوائز مهمة منها جائزة أفضل فيلم فى مهرجان السينما الأفريقية بأسبانيا، حيث أشارت لجنة التحكيم إلى أن الفيلم لديه نظرة تسجيلية تقترب من الواقع، ويظهر القوة التى تبذلها امرأة مقهورة.

تدور أحداث ورد مسموم حول تحية عاملة النظافة التى تقيم مع أمها وشقيقها صقر عامل المدابغ فى بيئة فقيرة وقاسية ومدمرة صحيا ولكنها تقاوم بأقصى طاقتها وبكل وسيلة سعى شقيقها للهجرة غير الشرعية.

لا تتضمن الحبكة الدرامية أحداثا كثيرة ولا يهتم السيناريو بتعميق الشخصيات بل أنه يجنح إلى تجريدها عنوة، وهو يسعى بقوة لأن يحيل المكان إلى بطل رئيسى مسيطر على شخصياته ومستقبلهم ومصائرهم بل ومتحكم فى حدود طموحاتهم وأحلامهم.

وقد يعتقد البعض أن الورد المسموم هو الذى تستعمله امرأة هامشية فى الأحداث بنصيحة من شيخ أقرب للدجال، ولكن فى حقيقة الأمر أن الورد المسموم هم هؤلاء الأبناء الذين يولدون بأرواح طيبة وفى أبهى صورة رغم بيئاتهم الفقيرة والمسممة، والتى تغيب عنها أقل شروط الحياة الصحية، ولولا هذا لتفتحت هذه الزهور الجميلة وأينعت، فهل من ترياق يزيل عنهم أثر هذه السموم؟

يكاد يخلو الفيلم من وجوه معروفة أو حتى مألوفة للمشاهد باستثناء محمود حميده الذى يبدو أقرب لضيف شرف، ويشكل ظهوره بملابسه الغريبة وشخصيته الغامضة أقرب لحالة تغريبية استثنائية بلا ضرورة درامية وتخرج عن طبيعة الفيلم وهى مشكلة تنبع كالعادة من الخلط بين التجريب والتغريب.

وعلى جانب آخر تستغرق الكاميرا بمشاهد مطولة فى متابعة تحية التى تؤدى دورها بامتياز مريهان مجدى حيث يوظف المخرج ملامحها الجادة وروحها القوية وتتفنن هى فى منح خطواتها قوة رغم الإجهاد وانفعالاتها غضب يكسو الحب.

تتكرر المشاهد وتكاد تخلوا من أحداث مهمة ولكنها تكثف الحالة وتحقق درجة عالية من تشبع العين بالمكان بل والإحساس برائحته وملمسه وكأنه يخرج من الشاشة ليتغلغل فى كل حواسك، كما أن هذه الرحلة شبه اليومية التى ترصدها الكاميرا للشقيقة وهى تذهب لأخيها بالطعام هى رحلة حقيقية وغير مسبوقة فى السينما المصرية.

فالفتاة المنهكة فى العمل بالمراحيض لا تستسلم للراحة فى بيتها وإنما تنهمك فى إعداد الطعام ثم توصيله لأخيها عبر دروب ضيقة وفوق أرض أكثر قذارة من الحمامات التى تتولى تنظيفها، إن قلبها يخفق بحب نادر ومشاعر شديدة الخصوصية تجاه شقيها ورجل عائلتها الوحيد، حب عفوى غاشم لم تجد وسيلة لكبحه بل تتزايد حدته وعنفوانه حين تشعر بخطر فقد هذا الأخ فتتمسك به حتى ولو بالإبلاغ عنه لمنعه من السفر.

على العكس تماما من شقيقته يسعى الأخ إلى الهروب من هذا الواقع مهما واجه من مخاطر عن رغبة عارمة فى الوصول الى بيئة أفضل وأمل ما فى حياة أرقى، حتى ولو عرض حياته للموت، وربما يعد الفيلم فى هذا السياق أصدق ما قدمته السينما المصرية عن فكرة الهجرة غير الشرعية بعيدا عن الأساليب التقليدية والتربوية والتى تتعامل مع الظاهرة باعتبارها نتاج لتخلف مجتمعى فقط، دون البحث عن أسبابه ودون معايشة للواقع الحقيقى بكل هذا الصدق والتعمق.

يرصد المخرج بخبرته التسجيلية تفاصيل المكان ولمحات موحية من حياة البشر وينجح فى أن يؤسس لجغرافيته، فيشعرك بأنك داخله تعرف كل مداخله ومخارجه ومواقع شخصياته، ويصبغ الصورة مع مصوره البارع ماجد نادر بإحكام، لتنسجم درجات الرماديات مع الالوان الأخرى لتتوحد ملامح الوجوه والبيوت والناس والأرض، وتنساب الإضاءة بدقة شديدة من وحى الطبيعة والواقع وبلمسات إضافية محدودة تكسب الصورة مزيدا من المصداقية والوضوح حتى لا تغرقها الظلمة.

وفى شريط الصوت تمتزج الأغانى الشعبية مع التواشيح الصوفية، كما تطول مساحات الصمت لتتيح المجال للتأمل، ويعبر الفيلم عن عالم من الفقراء فى كل شىء برصانة وهدوء، وبعيدا عن الصورة التقليدية لهم كوحوش آدمية، فوسط البيئة العفنة تولد نبابات حية ومشرقة ونظيفة ولا ينقصها سوى الستر والأمل.

ومن رصده الدقيق لملامح الواقع بأسلوب درامى تجريدى يتجاوز الفيلم التعبير عن مشكلة شخصية أو عائلية أو اجتماعية او حتى محلية ولكن تنطلق آفاقه التعبيرية لتشمل كل هؤلاء الذين يعيشون فى ظروف مؤلمة وقاسية مميتة تعوقهم عن أن يتنفسوا هواءا نظيفا وأن تنموا أجسادهم وعقولهم وتتطور مشاعرهم

يعد (ورد مسموم) الذى شارك فى المسابقة العربية بمهرجان القاهرة واحدا من ثمانية أفلام مصرية، ومعظمها من الأفلام الطموحة التى تسعى لخلق تيار بديل، بجهود فنانين مجدين، يجربون أساليب جديدة ويسعون للتعبير عن رؤاهم بحرية، قد ينجح البعض وقد يفشل البعض ولكن يبقى للجميع شرف المحاولة، وربما تعد تجربة ورد مسموم من أفضل هذه المحاولات وأكثرها طموحا وتعبيرا عن وعى حقيقى، ليقتنص ثلاث جوائز مستحقة وهى جائزة صلاح أبو سيف وجائزة أحسن فيلم عربي، من تيك تيوك وجائزة صندوق الامم المتحدة.

 

####

 

«12 عام ليل» الإفلات من قبضة القهر والديكتاتورية !

بقلم: مجدي الطيب

• قصة المعارض السياسي الذي خرج من السجن إلى قصر الرئاسة ليُصبح «أفقر رئيس في العالم» !

• حسبما تقتضي التعليمات كان مطلوباً ألا يتورط النظام الديكتاتوري في قتل المعتقلين لكن تحويلهم إلى مجانين !

مع إعلان فوز المخرج ألفارو بريخنر، بجائزة الهرم الذهبي لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في دورته الأربعين، بالإضافة إلى جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد الفيلم السينمائي (الفيبرسي)، تساءل الكثيرون عن القيمة التي يحملها فيلمه، الذي عرضه المهرجان بعنوان «ليلة الإثني عشر عاماً»، والسحر الذي يكمن فيه، بالدرجة التي أهلته لحصد الجوائز الرئيسة للمهرجان، ومن قبلها الضجة التي أثيرت حوله، والإعجاب، الذي حصده، عقب عرضه في المسابقة الدولية.

السجين .. الرئيس

بداية ينبغي التنويه إلى أن فيلم «ليلة الإثني عشر عاماً» A Twelve-Year Night (أورجواي / الأرجنتين / إسبانيا / 122 دقيقة / 2018)، يستلهم القصة الحقيقية للمواطن خوسيه ألبرتو «بيبي» موخيكا كوردانو، الذي ولد في 20 مايو 1935، وانضم لمقاتلي منظمة توباماروس الثورية اليسارية، وتولى حقيبة وزارة الثروة الحيوانية والزراعة والثروة السمكية (2005 – 2008)، ثم دخل مجلس الشيوخ، وفي عام 2009 خاض الإنتخابات الرئاسية، التي فاز فيها ليتولى الرئاسة (2010 – 2015)، ووصف بأنه «أفقر رئيس في العالم»؛ بسبب ميله للتقشف، وتبرعه بقرابة تسعين في المئة من راتبه للجمعيات الخيرية، والشركات الناشئة، وإصراره على اقتناء سيارة «فولكس فاجن» بيتل، وتمسكه بالإقامة في منزل زوجته بمزرعة بسيطة تقع بالقرب من العاصمة الأوروجوانية مونتفيدو، ورفضه الحراسة التي تستهدف حمايته، ثم فاجأ الجميع عندما قام، في شتاء 2014، بفتح أبواب القصر الرئاسي للمشردين، الذين لم يجدوا مكاناً في مراكز إيواء المشردين !

القمع .. والحرية

عنوان الفيلم يُشير إلى الفترة التي أمضاها «بيبي موخيكا» في السجن، في فترة الحكم العسكري الديكتاتوري التي عاشتها أوراجواي، بعد هزيمة الديمقراطية، على يد العسكر، والقبض علي ثلاثة من الناشطين السياسيين، واعتقالهم في سجون انفرادية متفرقة من دون محاكمة أو جناية حقيقية، سوي تطلعهم للحرية والمساواة والعدل، وتعرضهم لشتى أشكال القمع، القهر، الإذلال والمهانة، التي كادت تقودهم إلى الجنون والانتحار، لولا بقية أمل، وتشبث هائل بالحرية، وهو الأمل الذي تحقق مع عودة رياح الديمقراطية، عام 1983، وعودتهم للحياة المدنية؛ فيصبح أحدهم «بيبي موخيكا» (أنطونيو دي لا توري) رئيساً للجمهورية، والثاني «فيرنانديز» (ألفونسو تورت) ، عضواً في البرلمان والثالث «روسينكوف» (شينو دارين)، مؤلفاً عظيماً، في واقعة أقرب إلى الخيال !

في ليلة خريفية حالكة السواد يتم اقتياد ثلاثة من معارضي الحكم الديكتاتوري إلى المعتقل، بعد استيلاء الجيش على السلطة، وإعلان الأحكام العرفية، وفي المعتقل يتعرض الثلاثة لأشكال شتى من القهر الإنساني، فالزنازين الإنفرادية مغلقة عليهم بشكل دائم، والحرمان وصل إلى حد تعريضهم لصدمات كهربائية، ومنعهم من قراءة الصحف اليومية، والكتب، إلا في اللحظات التي يتعرض فيها المعتقل لزيارة إحدى اللجان المعنية بحقوق الإنسان، وتنجح الكاميرا (مدير التصوير كارلوس كاتالان) في رصد الأجواء الخانقة للزنازين المظلمة، باستثناء طاقة صغيرة في السقف، فيما يفتقر المعتقلون الثلاثة لأدنى المتطلبات الضرورية للحياة، وهو المغزى الذي عبر عنه المخرج بمشهد مؤثر للغاية؛ عندما يعجز أحد المعتقلين عن قضاء حاجته؛ بسبب القيود الحديدية التي تكبله، ولما يطلب تحريره، تُشكل لجنة من كبار قادة المعتقل، للنظر في الأمر، في كوميديا سوداء، تعكس المأساة التي عاشها المعتقلون، وحجم الجرائم التي تُرتكب ضد الإنسانية، كما تُكرس قتامة الوضع الراهن في بلد يُحكم بالحديد والنار، وتفضح ما يجري داخل المعتقلات من ممارسات يراها النظام شأناً خاصاً لا ينبغي للمواطنين الحديث عنه، أو الإشارة إليه !

الجنون طريق الانتحار

في صورة طبق الأصل من المشهد، الذي قدمه المخرج الكبير بركات في الفيلم المصري «أمير الإنتقام»، لا يملك «بيبي موخيكا» التواصل مع المعتقلين الآخرين إلا عن طريق دق الجدران، على غرار ما فعل «حسن الهلالي» (أنور وجدي)، وكما كان الحال في اختراع «التلغراف»؛ فالمطلوب، حسبما تقتضي التعليمات، ألا يتورط النظام الديكتاتوري في قتلهم لكن تحويلهم إلى مجانين، وللخروج من المأزق، والبقاء على قيد الحياة، انتظاراً ليوم في علم الغيب، يلجأ المعتقلون إلى الذكريات، عساها تحفظ لهم عقولهم، وتُنجيهم من المصير المؤلم الذي ينتظرهم، وهي الحيلة السردية الذكية، التي أتاحت للمخرج الفطن الخروج بعيداً عن إطار القضبان؛ إذ يوظف «الفلاش باك» للإفلات من ملل المكان الواحد، ويمتلك فرصة ذهبية لإلقاء الضوء على خلفية أبطاله، والظروف التي أدت إلى اعتقالهم، مع مونتاج مرسوم بدقة (إيرين بليكوا وناشو ريز كابيلاس)، وموسيقى عذبة (فيدريكو جوسيد) تترجم، بجلاء، قسوة الأجواء؛ فاللغة البصرية التي لم تخل من إبداع رائع، عاونت المخرج بشكل كبير في تقديم تجربة غير مسبوقة، تجاوزت تقديم فيلم تاريخي، اعتمد على واقعة حقيقية، ليُبدع لوحة سينمائية، مزجت بين النزعة التشكيلية، والمسحة البصرية، التي تناغم فيها التكوين مع التصوير والإضاءة، والألوان ( الإشراف الفني دانييلا كالكاجنو ولورا ماسو)، مع تدفق الخيال الجميل، رغم البؤس، والقتامة، بينما جاء طاقم التمثيل، القليل، ليُضفي مصداقية وشجن، فضلاً عن سحر وجمال القطعة الفنية، على التناول الأخاذ، الذي كان يمكن أن يصنع فيلماً غليظاً، لو أنه وقع في فخ الخطابة والمباشرة؛ بسبب قضيته الخشنة، لكنه تحول إلى قصيدة شعرية إنسانية، تُعلي من قدر الإنسان، وتثمن روح المقاومة التي ولد بها، والأجمل أن الفيلم انطلق من حادثة محلية ليطرح قضية عالمية، بعد ما نجح في أن يُصبح وثيقة مهمة مناهضة للفاشية، والديكتاتورية، والاستبداد، والقهر، والقمع، في أي مكان بالعالم؛ فاستحق الهرم الذهبي، وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد الفيلم السينمائي (الفيبرسي)، بالإضافة إلى الجائزة المالية (20 ألف دولار)، التي كانت مخصصة لجائزة الجمهور، التي ألغاها المهرجان .. وحسناً فعل !

 

####

 

وصدقت توقعات "القاهرة"..

فوز خمسة أفلام رشحناها بجوائز في ختام "القاهرة السينمائي"

بقلم: أسامة عبد الفتاح

** ثلاثة تتويجات لـ"ورد مسموم" والهرم الفضي لـ"مانتا راي" والإسهام الفني لـ"الزوجة الثالثة" والآفاق العربية لـ"فتوى" والنقاد لـ"آجا"

صدقت توقعاتنا بشأن جوائز الدورة 40 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والتي اُختتمت الخميس الماضي بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وحصلت خمسة أفلام من أصل ثمانية كنا قد رشحناها في العدد الماضي، وقبل الختام بـ48 ساعة، على أهم الجوائز في مختلف مسابقات المهرجان.

ففي المسابقة الدولية، حصل الفيلم التايلاندي "مانتا راي"، الذي كنت قد وضعته على رأس الترشيحات، على الهرم الفضي - أو جائزة لجنة التحكيم الخاصة - مناصفة مع فيلم "دونباس".. ويكشف "مانتا راي" عن موهبة المخرج بوتيفونج أرونفينج في عمله الروائي الطويل الأول، الذي يدور - وسط أجواء شعرية ساحرة - في محيط قرية ساحلية في تايلاند، على الحدود مع ميانمار، ويناقش قضية الآلاف من لاجئي الروهينجيا، وكان قد حصل على جائزة أفضل فيلم من مسابقة "آفاق" بالدورة الأخيرة من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.

كما فاز الفيلم الثاني الذي رشحته، الفيتنامي "الزوجة الثالثة"، الذي كتبته وأخرجته آش مايفير، بجائزة الإسهام الفني، وهي مستحقة ومناسبة للفيلم، حيث يدور في القرن التاسع عشر في ريف فيتنام في أجواء ساحرة وفريدة من تصميمات الديكور والملابس والإضاءة، ليستحق بالفعل التتويج من الناحية التقنية التي تميز فيها.

وفي مسابقة آفاق السينما العربية، فاز الفيلم الذي رشحناه، التونسي "فتوى" للمخرج محمود بن محمود، بجائزة أفضل فيلم، وهو يدور حول التونسي إبراهيم الذي يعيش في فرنسا، ويعود إلى وطنه لدفن ابنه الذي توفي في حادث دراجة بخارية، ليكتشف أن الابن كان منخرطًا في جماعة إسلامية متطرفة، فيقرر إجراء تحقيقه الخاص للتأكد مما إذا كان ابنه متطرفًا، ومعرفة من قاده إلى طريق التطرف.

كما حصد الفيلم المصري "ورد مسموم" ثلاث جوائز مهمة منها جائزة لجنة التحكيم في هذه المسابقة، وجائزة أحسن فيلم عربي التي استحدثتها إدارة المهرجان هذا العام، بالإضافة إلى جائزة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج أحمد فوزي صالح بعد فيلمه الوثائقي المعروف "جلد حيّ"، وتدور أحداثه في منطقة المدابغ التي يعيش كل من فيها مهددين بالدوران الذي لا يرحم لماكينات الدباغة، والمجففات التي تدور مهشمة عظام الحيوانات، ومخاطر مياه الصرف المسممة في كل مكان.. وداخل هذا العالم الصعب تتمسك تحية دون أمل بشقيقها صقر الذي يكمن حلمه الوحيد في الهرب من تلك الحياة القاسية.

وفي مسابقة أسبوع النقاد الدولي للأعمال الأولى أو الثانية لمخرجيها، فاز الفيلم البلغاري "آجا"، الذي رشحته، بجائزة الأفضل، وهو ينتمي للسينما البحتة، للجماليات البصرية والتعبير بالصورة أكثر من الحوار، حيث أن جمل الحوار في الفيلم قليلة جدا، ومساحات التأمل وإعمال العقل والوجدان كثيرة في مجال فسيح هو الطبيعة الساحرة وسطوتها وعلاقة الإنسان بها من خلال الجليد الأوروبي وحياة أبطال الفيلم البدائية فيه وفق عادات وتقاليد أجدادهم بما فيها الصيد بالفخاخ للحصول على الطعام.

وفيما يلي القائمة الكاملة للجوائز:

* جائزة صندوق الأمم المتحدة للسكان

"ورد مسموم" (مصر)

* مسابقة سينما الغد للأفلام القصيرة:

تنويه خاص

"ذاكرة الأسماك" (كولومبيا)

تنويه خاص

"شوكولاتة داكنة" (مصر)

جائزة لجنة التحكيم الخاصة

"هي" (كوسوفو، فرنسا)

جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير

"إخوان" (كندا، تونس، السويد)

* مسابقة أسبوع النقاد الدولي:

جائزة فتحي فرج لأحسن إسهام فني

"طرس، رحلة الصعود إلى المرئي" إخراج غسان حلواني (لبنان)

جائزة شادي عبد السلام لأحسن فيلم

"آجا"، إخراج ميلكو لازاروف (بلغاريا، ألمانيا، فرنسا)

* مسابقة آفاق السينما العربية:

جائزة صلاح أبو سيف (جائزة لجنة التحكيم الخاصة)

"ورد مسموم" إخراج أحمد فوزي صالح (مصر)

جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم

"فتوى" إخراج محمود بن محمود (تونس)

* جائزة أحسن فيلم عربي بقيمة 15 ألف دولار:

"ورد مسموم" إخراج أحمد فوزي صالح (مصر)

* جائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسى) – جائزة سمير فريد:

"ليلة الـ12 عامًا" إخراج ألفارو بريخنر (أوروجواي، الأرجنتين، إسبانيا)

* المسابقة الدولية:

جائزة أحسن إسهام فني

"الزوجة الثالثة" إخراج آش مايفير (فيتنام)

جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو

"طيور المعبر" إخراج كريستينا جاليدو وتشيرو جويرا، سيناريو ماريا كاميلا آرياس وجاك تولموند فيدال (كولومبيا، الدنمارك، المكسيك)

جائزة أحسن ممثلة

صوفيا ساموشي - "ذات يوم" إخراج صوفيا سيلاجي (المجر)

جائزة أحسن ممثل

شريف دسوقي - "ليل/ خارجي" إخراج أحمد عبد الله السيد (مصر)

الهرم البرونزي لأحسن عمل أول أو ثاني

"طاعة" إخراج جايمي جونز (بريطانيا)

الهرم الفضي (جائزة لجنة التحكيم الخاصة)

"مانتا راي" إخراج بوتيفونج أرونفينج (تايلاند، فرنسا، الصين)

مناصفة مع "دونباس" إخراج سيرجي لوزنتسا (ألمانيا، أوكرانيا، فرنسا)

الهرم الذهبي لأحسن فيلم

"ليلة الـ12 عامًا" إخراج ألفارو بريخنر (أوروجواي، الأرجنتين، إسبانيا)

جريدة القاهرة في

04.12.2018

 
 
 
 
 

الفيلم الذى فاز باعجاب الجمهور قبل الهرم الذهبى

"ليلة الاثني عشر عامًا" .. صفحة من تاريخ أورجواي

كتب - حسام حافظ

من الطبيعي ان يفرح المخرج ألفارو بريخنر ليلة ختام مهرجان القاهرة السينمائي بسبب حصول فيلمه "ليلة الاثني عشر عامًا" علي الهرم الذهبي كأفضل فيلم في المسابقة الدولية. ولكن ما حدث أن هذا المخرج الشاب عاش فرحة طاغية في اليوم السابق لحفل الختام. وهو يوم عرض الفيلم لجمهور المهرجان في المسرح الكبير بالأوبرا .. وكنت محظوظا بمشاهدة الفيلم ورؤية الاستقبال الجماهيري المدهش والتصفيق الحاد المدوي. وأعتقد ان فرحة الجمهور بالفيلم هي الجائزة الحقيقية التي حصل عليها المخرج قبل الهرم الذهبي في الختام.

الفيلم من انتاج الارجواي والارجنتين واسبانيا وأحداثه تدور في الأورجواي بين عامي 1973 و1985 ومخرج الفيلم لم يعش زمن الأحداث لأنه من مواليد 1976. وقد كان ذلك في صالح الفيلم لأن المخرج انصرف إلي التعبير السينمائي عن الأحداث دون اللجوء إلي لقطات وثائقية واتخاذ مواقف تحتاجها مثل هذه النوعية من الأفلام السياسية. ولكن المخرج ألفارو بريخنر وهو نفسه كاتب السيناريو ذكر في عجالة ملخصا لقصة أبطال الفيلم الرهائن الثلاثة .. وهم أعضاء في منظمة توبامادو اليسارية و كان من الممكن قتلهم بكل سهولة. ولكن السلطات العسكرية أبقتهم علي قيد الحياة حتي تساوم المنظمة اليسارية وتوقف عمليات المقاومة. وظل الثلاثة رهن السجن الانفرادي 12 عامًا. وأخيرا نجحت المفاوضات وتم الافراج عنهم في النهاية.

12 عامًا بدأت بليلة القبض عليهم.. يلقون أسوأ معاملة ويتم التنقل بهم من سجن إلي آخر خوفًا من هجوم المنظمة اليسارية لتحريرهم .. والرهائن الثلاثة علي قدر كبير من الأهمية بدليل انهم بعد الافراج عنهم عملوا في النشاط السياسى العلنى ووصل أحدهم وهو جوزيف موخيكا إلي منصب رئيس جمهورية الأرجواي في الفترة من 2009 وحتي 2015 وقام بدوره الممثل المعروف في السينما الاسبانية أنطونيو دي لا توري .. والثاني إليتيريو فرنانديز وصل إلي منصب وزير الدفاع وقام بدوره الممثل الفونسو تورت .. أما الثالث فهو الكاتب والشاعر ماريو روسينكوف وقام بدوره الممثل الأرجنتيني شينو دارين.

معني ذلك ان فيلم "ليلة الاثني عشر عاما" ينتمي للسينما السياسية في أمريكا اللاتينية ويعتمد علي وقائع حقيقية شهدتها الأرجواي في السبعينيات. ولكي يكتب المخرج السيناريو التقي بالرهائن الثلاثة بعد سنوات طويلة من الافراج عنهم. وقدم مجموعة من المشاهد محكمة البناء. وقد حكي أحدهم أنه كان يسير كثيرا داخل الزنزانة الواسعة فقام السجان برسم خط أبيض علي أرضية الزنزانة وطلب منه الا يتخطاه!!

ومن المشاهد المؤثرة مشهد الأم التي جاءت لزيارة ابنها ووقفت تحت المطر بالساعات واخيرا قالوا لها بأن ابنها غير موجود. كذلك من المشاهد شديدة الأهمية عندما نجحت الأم في زيارة ابنها ووجدته محطمًا يائساً نصحته بعدم الاستسلام وطرقت علي المنضدة بضرورة ان يقاوم عوامل هدمه وتحطيمه.

ولم ينس المخرج الموقف الطريف عندما كتب الشاعر السجين خطابات غرامية لحبيبة السجان وقد تزوجها بفضل هذه الخطابات. وهنا يكون السجين مصدرا لإدخال السعادة علي حياة السجان رغم انه خلف القضبان. لكن الإنسان الحقيقي هو القادر علي إسعاد الآخرين تحت أسوأ الظروف.

ورغم كل شئ فإن السجناء الثلاثة أبطال فيلم الهرم الذهبي. الذين ظلوا بالحبس 12 عامًا هم أحسن حظًا من نيلسون مانديلا الزعيم الافريقي الذي ظل بالسجن 27 عامًا بسبب مطالبته بالمساواة بين البيض والسود في جنوب أفريقيا. وعند خروجه من السجن قال مانديلا كلمته الشهيرة : "خرجت وتركت ورائى كراهية الذين سجنونى " .. ليفتح صفحة جديدة لنفسه ولتاريخ بلاده. كذلك فعل أبطال فيلم "ليلة الاثني عشر عاما".. وهم أسعد حظًا بكثير من رئيس شيلي سلفادور الليندي الذي وقع ضده انقلاب في نفس العام 1973 وقام بينوشيه بقصف قصر الرئاسة بالطائرات وهدمه علي رأس الليندي وأعضاء حكومته.

نعود ونؤكد ان المخرج ألفارو بريخنر لم ينجرف وراء الحدث السياسي والوقائع الحقيقية التي يعتمد عليها فيلمه. ولكنه قام بتوظيف كافة العناصر الفنية لصناعة فيلم قادر علي جذب المشاهد طوال 122 دقيقة. وكانت البداية من إحكام السيناريو ثم براعة الأداء التمثيلي وبساطة وقوة التصوير والموسيقي والمونتاج والماكياج والملابس وكلها عناصر ساهمت في ابداع فيلم يتميز بالجودة الفنية بالاضافة إلي القيم الإنسانية التي أوصلها للمشاهد.

الجمهورية المصرية في

05.12.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)