كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أداء مُدهش لسيدِرْغرين: من "المذنب"؟

نديم جرجوره

مهرجان الجونة السينمائي

الدورة الثانية

   
 
 
 
 

ملامح الوجه وحركاته وتعابيره الصامتة كافية لتقديم أداء تمثيلي احترافي بالغ السطوة. انفعالاته، وبعضها مُترجَم بكلامٍ يعكس شيئًا إضافيًا من ارتكاب أو اضطراب أو قلق أو عصبيّة، تُساهم في تحويل الغرفة الصغيرة، المنغلقة على صاحب الوجه، إلى عالم مفتوح على حالاتٍ مختلفة. كأن صاحب الوجه، بهذا كلّه، يُدخل العالم إلى الغرفة، ويصنع، لوحده، فيلمًا يروي حكاية ستكون عادية للغاية إنْ تُصَوَّر خارجًا، أي في أمكنتها الواقعية. 

تمرينٌ على التمثيل يُقدِّمه الدنماركي (السويدي الأصل) يُكُب سيدِرْغرين (1973). تدريب على ابتكار شخصية بحركة أو ملمح أو قولٍ. سَرْدُ تفاصيل وأحداثٍ بنظرة عينين أو رجفة فمّ أو استدارة رأس أو انحنائه. هذه أساسية لن تكتفي بتعبيرٍ لأنها تُشارك فعليًا في بناء دراميّ لحكاية عادية تتحوّل، مع الممثل، إلى تشويقٍ يمزج توتّرًا بمطاردة، ويُعرّي ذاتًا عبر تواصل هاتفيّ، ويصنعسينما آسرة. غوستاف مولّر (1988)، الدنماركيّ المولود في السويد، يتراجع أمام هيبة ممثلٍ يختزل كلّ شيء في ذاته المتشعّبة في النفس والروح والمادة والانفعالات. المخرج ينسحب أمام الممثل كي يكون الفيلم سينمائيًا. فالدائرة صغيرة (غرفة طوارئ 112، المخصّصة للحالات الاضطرارية، والرقم معتَمَد في دول الاتحاد الأوروبي)، لن تتّسع لأكثر من رجلٍ يُلغي المسافات بين الداخل والخارج، مع إبقاء الكاميرا في داخلٍ يتابع وقائع عالم خارجيّ مليء بمصائب وتفكّك وأهوال. إلغاء المسافات جزءٌ من لعبة سينمائية موزّعة على الكتابة والإخراج والإضاءة والتصوير والتوليف، ومركّزة أساسًا على التمثيل. 

أصغر هولم (سيدِرْغرين) شرطيّ يعمل في قسم الطوارئ. يتلقّى اتصالات من مجهولين يحتاجون إلى مساعدات مختلفة. يوزّع المهام على زملاء ميدانيين. يحاول ترتيب أموره، إذْ لديه ـ في اليوم التالي ـ جلسة في المحكمة بتهمة قتل غير متعمَّد لشابٍ صغير السنّ أثناء تنفيذه إحدى المهمّات. يعاني مأزقًا مع حبيبته التي تُغادر المنزل. عابسٌ وقلقٌ. لن يُنهي يومه، رغم أن دوامه منتهٍ منذ وقتٍ قليل. يريد إنقاذ امرأة تُدعى إيبِنْ (جيسيكا ديناج) تُخبره أنها مخطوفة من زوجها مايكل (يوهان أولسن)، وأن ولديها الصغيرين باقيان في المنزل وحدهما، وأنها راغبة في الذهاب إليهما. يحاول مساعدتها. يُصرّ على إنقاذها كمن يجتهد لإنقاذ نفسه. هو يملك هاتفًا فقط. ممنوع من الخروج. مهمّته بسيطة: مساعدة الجميع بتوزيع المهام على زملائه الميدانيين، وعدم التورّط انفعاليًا مع أحد. لكن المرأة مختلفة. صوتها يشي بانهيارها وخوفها وارتباكاتها. بحّة صوتها تقول إن موتًا يُطاردها. بكاؤها المتقطّع كانقطاع دائمٍ للاتصال الهاتفي بينهما يبوح بخرابٍ عظيم. 

هذا كلّه يتغلغل في ذات أصغر هولم وروحه ومسام جسده. تَغلغلٌ يدفع الممثل إلى امتصاص الخارجيّ وإعادة إطلاقه في الداخل. التفاصيل معه تُصبح ملامح ورسومات كأنها تتوضّح على الشاشة الكبيرة شيئًا فشيئًا. كيفية متابعته الوقائع كفيلة بتجاوز الحدّ الفاصل بينه وبين آخرين يُتابعون سرد الحكاية. آلية تحقيقاته ـ المكتفية بأسئلة ومحاولات دؤوبة لفهم مجريات الحكاية تلك عبر اتصالات يُجريها مع الزوج والابنة الكبرى ماتيلد (كاتينكا إيفرس ـ يهنسن) وصديقه رشيد (عمر شرقاوي) تحديدًا، وهؤلاء لن يظهروا أبدًا أمام الكاميرا ـ تجعل المشهد برمّته مشحونًا بضغط مفتوح على البوليسيّ والإنسانيّ والنفسيّ والاجتماعيّ: رجال الشرطة الميدانيون ينقلون إليه "جريمة" حاصلة في المنزل، وصديقه رشيد يتسلّل إلى منزل مايكل بحثًا عن تفاصيل ومعرفة، ومايكل نفسه سيكون مفتاح اللغز، واللحظة الانقلابية تخربط كل شيء، فيتجلّى يُكُب سيدِرْغرين في أداءٍ يتفوّق على تمثيل سابقٍ على تلك اللحظة. 

كشف مضمون اللحظة الانقلابية يؤثّر سلبًا على جمالية السرد ومناخاته وعوالمه وتفاصيله. يُخفِّف من بهاء التوتر اللذين (البهاء والتوتر معًا) يزدادان حضورًا. يُقلِّص من احتمالات الدهشة وقسوة المفاجأة. هذا جزءٌ من لعبة النصّ وسياقه الحكائيّ، وجزءٌ من جمال التمثيل والتفنّن به. فالذنب حاضرٌ لكن كشفه مؤجّل، والمذنبون يتلاعبون بالأدوار مع غير المذنبين، أم أنّ الجميع مذنبون في النهاية؟ كم جُرم يُرتكب في البحث عن حقيقة ما يحصل خارج الغرفة؟ كم جُرم يُرتكب داخلها أيضًا؟ والذنب: أهو قتل غير مُتعمَّد يُحيل "القاتل" إلى كيانٍ ممزّق، أو قتل منبثق من اضطراب عقلي، أو قتل نابع من صمتٍ أو احتيال؟ أهو ذنبُ فردٍ أو اجتماع؟ 

تساؤلات تنكشف سريعًا في اللحظة الانقلابية تلك، وتمتدّ على المتبقّي من أحداثٍ متلاحقة. تساؤلات تقول شيئًا من العلاقات القائمة بين الفرد وذاته، وبين الفرد ومحيطه، وبين داخلٍ وخارجٍ أوسع من غرفة طوارئ بداخلها وخارجها، وبمعنى أعمق من تشويق بوليسيّ عاديّ. أو ربما لن يتورّط "المذنب" (2018) ـ المعروض في برنامج "الاختيار الرسمي ـ خارج المسابقة" في الدورة الثانية (20 ـ 28 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان الجونة السينمائي" ـ في طرح تساؤلات كهذه، مكتفيًا بسرد بهيّ وصادم وجميل لحكاية عادية، يرويها ممثلٌ واحد في لغة متعدّدة الأشكال والتعابير.

####

أحمد مالك... الشاب في مشاهده القليلة

مروة عبد الفضيل

أشاد عدد كبير من مشاهدي فيلم "عيار ناري"، الذي عُرض أخيراً في الدورة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي، بقصة الفيلم. وتمكّن الممثلون من أداء أدوارهم بشكل فيه اهتمام كبير بالتفاصيل. وعلى الرغم من أن الممثل الشاب أحمد مالك يظهر في مشاهد قليلة، إذ يحضر كضيف شرف، إلا أنه استطاع أن يلفت الأنظار إليه بشكل كبير. يستعد الفيلم للعرض في دور السينما خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، وهو شهر بعيد تماماً عن المواسم الرسمية. 

وفي تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، قال أحمد مالك إنه متفائل جداً بعرض الفيلم بعيداً عن المواسم السينمائية المعتادة، مشيراً إلى أنه لا يخشى من ذلك، لأن جمهور السينما المحب والذواق للعمل الفني لن يبخل بساعتين في مشاهدة فيلم يحبه. 

وأضاف أن صناع السينما يجب ألا يركزوا على مواسم بعينها، بل لا بد وأن تمتلئ دور العرض في مصر والعالم العربي كله بأفلام طيلة العام، وهناك أعمال سارت على هذا النهج وكسرت القاعدة ونجحت، مثلما أصبح هناك موسم درامي ثانٍ بعيداً عن رمضان، واستطاعت الأعمال التي تُعرض فيه أن يتابعها المتلقي.

وعن ظهوره في مشاهد قليلة في الفيلم، قال إنه لا يهمه ولم يلتفت أبدا لمساحة الدور الذي يقدمه في أي فيلم، فمن الممكن من خلال مشهدين أو ثلاثة فقط أن يلفت الفنان الأنظار وأن يكون مؤثرا في الأحداث، وهذا فقط ما يفكر فيه أحمد. 

وتحدث الممثل الشاب عن اختياره مؤخراً لأن يكون عضوا في لجنة تحكيم الأفلام القصيرة بمهرجان الجونة، رغم سنه الصغير، قائلاً إنه فوجئ بالاختيار الذي أسعده وأعطاه ثقة ومسؤولية وصقلاً وخبرة، مشيرا إلى أنها خطوة محترمة من القائمين على هذا المهرجان، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك فهما ووعيا بأن الغالبية العظمى من القائمين على صناعة السينما في مصر هم شباب، لذا فالتفاتهم إلى هذه الجزئية شيء بالتأكيد يُحسب لهم، وأعرب عن أمنياته أن يكون أضاف نظرة شبابية للجنة التحكيم واستطاع أن يساعد الشباب من صناع الأفلام القصيرة. 

فيلم "عيار ناري" يشارك فيه عدد من الفنانين مثل أحمد الفيشاوي وروبي، والقصة من تأليف هيثم دبور ومحمد ممدوح وهنا شيحة وعارفة عبد الرسول، وإخراج كريم الشناوي، في أول تجربة إخراج للأفلام الروائية الطويلة. وتدور أحداث العمل حول العالم السري لمهنة الطب الشرعي في مصر، وتم تصوير معظم مشاهده في محاجر محافظة المنيا والمشرحة التي تم بناؤها في الجامعة العمالية لتكون مماثلة لمشرحة زينهم الحقيقية وبيوت حارة زينهم. ويؤدي مالك في الفيلم دور شاب مات برصاصة من مجهول أثناء اشتباكات دارت بعد ثورة يناير 2011، لكن تقرير الطبيب الشرعي الذي شرّح الجثة يثير غضب الرأي العام ويتسبب في وقف الطبيب عن العمل، فيبدأ رحلة بحث عن الحقيقة. 

وعن الجديد الذي يستعد لتقديمه، قال إن هناك فيلماً بعنوان "رأس السنة" سيبدأ في تصويره قريباً مع الفنانين إنجي المقدم وشيرين رضا وإياد نصار وبسمة، وهو من إنتاج وتأليف محمد حفظي وإخراج محمد صقر. وامتنع مالك عن الإدلاء بأي تفاصيل تخص العمل، قائلا إن الفيلم لم يدخل في طور التصوير حتى يتحدث عنه.

العربي الجديد اللندنية في

01.10.2018

 
 

مهرجان الجونة 2018: «جهاديون»... وGlamour

علي وجيه

الجونةالدورة الثانية من «مهرجان الجونة السينمائي» الذي اختتم قبل أيام، أثبتت أنّ المهرجان أكثر من مجرّد «غلامور»، ونجوم يمشون على السجادة الحمراء. من الذكاء أن يعتمد مهرجان طازج على شباب بالدرجة الأولى، اتكاءً على خبرة بوزن مديره انتشال التميمي. المدير الفنيّ أمير رمسيس، والرئيس التنفيذي عمرو منسي، ورئيس العمليات بشرى رزة، ومحمد عاطف في فريق البرمجة، ومحمد قنديل وعلا الشافعي ورشا حسني وسارة نور في الجانب الإعلامي، وعدد كبير من المتطوّعين والمنسّقين... أمثلة على طاقات حيويّة. بعضهم يضطلع بمهام نوعيّة للمرّة الأولى في مسيرته. أيضاً، ثمّة دأب في البحث، وانتقاء الأفلام، والتشبيك

كثير من الكرم حمله برنامج حافل، موزّع على خمس شاشات كالتالي: مسابقة الأفلام الروائيّة الطويلة (15 فيلماً، منها 5 لصنّاع عرب). مسابقة الأفلام الوثائقيّة الطويلة (12 فيلماً، منها 4 لصنّاع عرب). مسابقة الأفلام القصيرة (23 فيلماً، منها 7 لصنّاع عرب). الاختيار الرسمي خارج المسابقة (18 فيلماً)، معظمها حقق جوائز في مهرجانات كبرى مثل صندانس وروتردام وبرلين وكان وكارلوفي فاري. البرنامج الخاص (5 أفلام)، لتكريم كلّ من برغمان (فيلمان) وفليني (فيلمان) ويوسف شاهين. الأخير خصّص باحتفاء، تزامناً مع ذكرى عشر سنوات على رحيله. معرض لـ 34 أفيشاً لأعماله، وحفل أوركسترالي فريد لموسيقى من أفلامه بقيادة المايسترو هشام جبر. مع فيلم الافتتاح («سنة أولى» لتوماس ليلتي)، تصبح الحصيلة الكليّة 74 شريطاً من 45 دولة، منها 11 عرض أوّل في العالم، و3 عرض دوليّ أوّل. عدد الأفلام ارتفع عن الدورة الأولى، ما أدّى إلى زيادة مدّة المهرجان يوماً واحداً. يكفي أن نذكر أنّ ٩ من أصل ٤٦ فيلماً طويلاً في البرنامج العام، تمثّل بلدانها في تصفيات أوسكار أفضل فيلم أجنبي، للدلالة على حسن اختيار فريق المهرجان.

كذلك، حضر النجم الأميركي باتريك ديمبسي مع عرض حصريّ للقطات من مسلسله الجديد Devils (2019). أوين ويلسون تجوّل بالدرّاجة من دون مرافقين في المارينا. جلس في حوار مفتوح مع الجمهور. أكّد أنّ حفل عمرو دياب جعله يستحضر سنوات حياته، تماماً كالأجيال العربيّة التي رافقت «الهضبة». «شطحة» مجاملة أطلقت ضحك الجمهور. كلايف أوين تسلّم جائزة تكريميّة تحمل اسم الراحل عمر الشريف. سيلفستر ستالون عبّر عن إعجابه بسحر مصر لدى تلقيه جائزة الإنجاز الإبداعي. هي الجائزة نفسها التي مُنحَت للمنتجة التونسيّة درّة بوشوشة، والسينمائي المصري داود عبد السيّد في حفل الافتتاح. هذا الأخير صنع مع صديق عمره يسري نصر الله لحظةً ستبقى طويلاً، ملقياً كلمةً دافئةً تعبّر عن تواضع جمّ، وتخترق الروح كأفلامه.

بالعودة إلى المسابقات، شكّل العرب ثلث المنافسين على جوائزها، التي يبلغ مجموعها 224 ألف دولار. في الروائي الطويل، شاهدنا «يوم الدين» للمصري أبو بكر شوقي، الآتي من مسابقة «كانّ» بجائزة «فرانسوا شاليه» لقيم الحياة والصحافة. «فيلم طريق» أخّاذ، فيّاض بالحميمية والمشاعر والجمال. ينتصر للمنبوذين والمهمّشين، في مواجهة ذات ومحيط وتاريخ وشروخ اجتماعيّة. شوقي فتك أيضاً بـ «أفضل موهبة عربية للعام» من مجلّة «فاريتي» الأميركيّة. التونسي محمد بن عطيّة عاد بشريط متوسط بعنوان «ولدي»، قادماً من «أسبوعي المخرجين» في «كانّ». لم يلامس الطموح بعد رائعته «نحبّك هادي» (2016)، على رغم بقائه في فلك أزمات العائلة والنضج وتفاوت الأجيال. بطل الفيلم محمد ظريف اجترح أداءً استثنائياً. حمله على كتفيه بمعنى الكلمة. في باكورته «مفك» الواصل من البندقية وتورونتو، اقترح الفلسطينيّ بسام جرباوي أفلمةً محكمةً لأزمة أسير، إثر خروجه من سجون الاحتلال. الأكثر إثارةً للجدل كان «يوم أضعتُ ظلّي» للسوريّة سؤدد كعدان. عمل سبقته سمعة مفرحة ولائقة بـ «أسد المستقبل» (أفضل فيلم أوّل لصانعه) من «مهرجان البندقية السينمائي»، وهي أرفع جائزة تحوزها السينما السوريّة منذ انطلاقها. سبب الجدل هو شبه الإجماع على أنّ الشريط لم يرقَ لمستوى التوقعات فنيّاً، على رغم الجهد الواضح المبذول فيه. في ذلك دروس عدّة. جوائز المهرجانات الكبيرة لا تعني التسليم الأعمى بسويّة العناوين الحاصلة عليها. أيضاً، تتويج من هذا العيار، قد يشكّل «عبئاً» على حامله في التجوال الدولي التالي. «حرب باردة» لبافل بافليكوفسكي (أفضل مخرج في «كانّ») تحفة من العيار الثقيل. جرعة أسكرت القلوب والعقول والأحاسيس. كذلك، لا بدّ من الإشادة بكلّ من «الوريثتان» (أفضل ممثّلة في برليناله) لمارشيلو مارتينيسي، و«الرجل الذي فاجأ الجميع» (أفضل ممثّلة في قسم «آفاق» ضمن الموسترا) لناتاليا ميركولوفا وألكسي شوبوف، و«هل تتذكّر؟» (3 جوائز في قسم «أيام فينيسيا») لفاليريو مييلي، و«أرض متخيّلة» (أفضل فيلم في لوكارنو) لسيو هوا يو، و«راي وليز» (جائزة لجنة التحكيم الخاصّة في لوكارنو) لريتشارد بلينغهام.

مسابقة الوثائقي ضمّت لآلئ نفيسة. «عن الآباء والأبناء» للسوريّ طلال ديركي تسلل إلى كواليس «الجهاديّين» في إدلب. ما هي يوميات هؤلاء، الذين لا نسمع إلا عن معاركهم ومفخخاتهم في نشرات الأخبار؟ كيف ينمو الأطفال في مناخ كهذا؟ إنّه سينما صرف. وثيقة تسجيلية نادرة. دراسة سوسيولوجية – أنثروبولوجية جادّة. رحلة داخل النفس البشريّة. تأمّل في سايكولوجيا صناعة الظلام. مانيفستو صارخ عن جانب مرعب من وطن لم يعد يشبه نفسه في كثير من الأماكن. لدينا أيضاً «الجمعيّة» للبنانيّة ريم صالح. بدفء وتعاطف، ترصد العدسة فقراء منطقة «روض الفرج» في مصر. تتنفّس معهم الصراع اليومي للاستمرار وتوفير مستلزماتهم البسيطة. تربّت عليهم، وفق إيقاع مشدود، ومعايشة على مدى ست سنوات

الأفلام القصيرة تركت أثراً ملحوظاً، باحتوائها على مجموعة لافتة، خصوصاً العربيّة. «الحبل السرّي» باكورة السوريّ الليث حجّو عن سيناريو رامي كوسا. «بطيخ الشيخ» جديد التونسيّة كوثر بن هنيّة. «شوكة وسكينة» للمصري آدم عبد الغفار. «ما تعلاش عن الحاجب» للمصري تامر عشري، وهو الفائز بجائزة المهرجان لأفضل روائي عربي عن «فوتوكوبي» العام الفائت. حمولة غنيّة، مشغولة بلغة محكمة، وأسلوبيّات متنوّعة، وأناقة في التنفيذ. تشتبك بواقع مأزوم. تخلخل مفاهيم دينيّة واجتماعيّة شائكة. تنتصر للمستضعف. تسخر ممّن يستحق. المفاجأة السارّة تمثّلت في الإقبال الكبير على هذه الفئة، بصالات كاملة العدد

الجوائز
فاز «يوم الدين» بجائزتي أفضل روائي عربي (20 ألف دولار)، وجائزة الجمهور «سينما من أجل الإنسانية» (20 ألف دولار). «نجمة الجونة الذهبية» للروائي الطويل (50 ألف دولار) ذهبت إلى «أرض متخيّلة». «راي وليز» نال الفضيّة (25 ألف دولار)، فيما حقق «الوريثتان» البرونزيّة (15 ألف دولار). محمد ظريف أفضل ممثّل عن «ولدي»، وجوانا كوليغ أفضل ممثّلة عن «حرب باردة». لجنة التحكيم منحت تنويهاً لـ «الرجل الذي فاجأ الجميع». في الوثائقي، نال «عن الآباء والأبناء» جائزتين من أصل 4 في إنجاز لافت: أفضل وثائقي عربي (10 آلاف دولار)، والفضيّة (15 ألف دولار). الشريط المدهش يواصل نجاحاته بعد جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل وثائقي أجنبي في صندانس، إضافةً إلى أكثر من 30 جائزة دوليّة حتى الآن. الذهبيّة (30 ألف دولار) راحت لـ «ألوان مائيّة»، والبرونزيّة (7500 دولار) لـ «المرجوحة» للبنانيّ سيريل عريس. «ما تعلاش عن الحاجب» أفضل فيلم عربي قصير (5 آلاف دولار). الذهبيّة (15 ألف دولار) نالها «أغنيتنا للحرب» لخوانيتا أونزاغا، والفضيّة (7500 دولار) «حكم» لريموند ريبا غوتيريز، والبرونزيّة (4 آلاف دولار) «بطيخ الشيخ». لكوثر بن هنيّة.

منصّة الجونة السينمائيّة

فعالية مخصصة لصنّاع الأفلام وعناصر الصناعة، بهدف تنمية وتطوير المشاريع العربيّة الواعدة ماديّاً وفنيّاً. تنقسم إلى «منطلق الجونة السينمائي» (الحصول على الدعم الفني أو المالي أو كليهما لمشاريع في «مرحلة التطوير» أو «مراحل ما بعد الإنتاج»)، و«جسر الجونة السينمائي» (منصّة حوار وتواصل بين السينمائيين العرب ونظرائهم الدوليين، من خلال حلقات نقاش وورش ومحاضرات). اختار المهرجان 12 مشروعاً في مرحلة التطوير (9 روائيّة طويلة، 3 وثائقيّة طويلة) من أصل 101، و6 في مرحلة ما بعد الإنتاج (3 روائيّة طويلة، 3 وثائقيّة طويلة) من أصل 44. هكذا، يستكمل الجونة ما بدأته مهرجانات مثل دبي وأبو ظبي. يحاول القبض على الجمر الأكثر إيلاماً للسينما العربيّة: التمويل ثمّ التوزيع.---

الجانب الآخر

ما سبق لا يعني أنّ كلّ شيء على ما يرام. ثمّة ما يجب الإشارة إليه، حتى لو لم يكن للمهرجان صلة مباشرة بجميع تفاصيله. منذ اليوم الأوّل، شكّل منح تأشيرات الدخول إلى مصر ما يشبه غيمة سوداء فوق رؤوس السوريين والفلسطينيين على وجه الخصوص. عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائيّة الطويلة الممثّل الفلسطينيّ علي سليمان أعيد إلى إسطنبول من مطار الغردقة، ما أثار موجة تضامن واستنكار عارمة. زميله زياد بكري بطل فيلم «مفك» لم يمنح تأشيرة دخول أصلاً. كذلك حال السينمائيّة السوريّة سؤدد كعدان وبطلتا فيلمها «يوم أضعت ظلّي»، في حين حصل الممثّل سامر إسماعيل على التأشيرة في دمشق، إلا أنّه لم يحضر. ملف مزعج يفتح أرشيفاً لعدد من الحالات المماثلة، من سينمائيين ومسرحيين وشعراء وأدباء. وزارة الثقافة المصريّة مطالبة بتحرّك جديّ وفاعل في هذا الصدد. النقطة الإيجابيّة الوحيدة هي تضامن المهرجان مع «الضحايا» بتصريحات صحافيّة واضحة. علي سليمان ذكر كعضو لجنة تحكيم مع عرض صورته في حفل الختام، وهو تصحيح لعدم تسميته في الافتتاح.

على صعيد آخر، ما زال بعض «النقاد» مصرّين على تقييم فنيّة الأفلام حسب ميولهم السياسيّة. عقلية مضحكة ظهرت بوضوح إثر فيلمين يتناولان الشأن السوري: «عن الآباء والأبناء» لطلال ديركي، و«يوم أضعت ظلّي» لسؤدد كعدان. هكذا، يمكن أن يحوّل أحدهم شريطاً متقناً فنيّاً إلى هزيل وفاشل، لمجرّد أنّه لا يتوافق مع رأيه السياسي. العكس صحيح.

الأخبار اللبنانية في

01.10.2018

 
 

مارتشيللو فونتي الفائز بجائزة التمثيل في كانّ يعيش داخل صالة سينما

الجونة - هوفيك حبشيان

المصدر: "النهار"

بعد أقل من خمسة أشهر على نيله جائزة التمثيل في كانّ عن دوره في "دوغمان" لماتيو غاروني، حضر الممثّل الإيطالي مارتشيللو فونتي إلى مهرجان الجونة للمشاركة في دورته الثانية (٢٠ - ٢٨ أيلول).

رأيته في أروقة مقرّ المهرجان غير مرة. يجلس ليتصفّح مطبوعة، أو يلتقط صوراً مع بعض المشاهدين الذين تعرفوا إليه، بعدما شاهدوا "دوغمان" وانبهروا بأدائه الذي تقفز براعته إلى العينين، دونما حاجة إلى الكثير من الفهم بأصول التمثيل ومعرفة بأسراره. عندما لم يكن يفعل لا هذا ولا ذاك، يذهب للغطس في أعماق البحر الأحمر. سمعته يقول جملة شعرية: "كلّ يوم أجد سبباً لأكون سعيداً".

كانت ترافقه سيدة ثلاثينية تصف نفسها بمديرة أعماله. شقراء جذابة لا يتوقف فونتي عن مناكفتها وممازحتها عندما جلستُ معه لإجراء لقاء سريع وتلمّس شعوره وهو يحطّ في بلد عربي للمرة الأولى. قالت لي انها تعرفه منذ عشر سنين، وكان هذا واضحاً من نسق الحوار الذي يدور بينهما، والثقة التي جعلتها تردّ مرتين أو ثلاثاً نيابةً عنه. "عانت"السيدة وهي تتلقف منه كلماته الإيطالية لتعود وتضعها في تصرفي بإنكليزية ذات لكنة إيطالية غليظة. بدا لي ان فونتي لا يهوى الكلام، احساس عاد وأكّده بلسانه. فهذا الأربعيني الذي يمتلك شكلاً لافتاً على نسق باستر كيتون، ميّال إلى التكثيف، وهو المدرسة التمثيلية التي ينهل منها للاضطلاع بدوره في الفيلم.

"دوغمان" الفيلم التاسع للمخرج الإيطالي ماتيو غاروني، أحد المعتادين على تسلّق سلالم كانّ الحمراء وجوائزها. في جديده الذي أرسلته إيطاليا ليمثّلها في حفل الـ"أوسكار" المقبل (فئة أفضل فيلم أجنبي)، يعمل مارتشيللو (فونتي) ممرضاً للكلاب. هو شخص محبوب في محطيه، الا ان خروج صديقه المشاغب والمدمن سيمونتشينو من السجن سيغيّر كلّ شيء في حياته، وصولاً إلى دفعه في اتجاه العنف والجريمة. من عملية اذلال إلى أخرى، يتعلّم مارتشيللو كيف يتخلى عن طيبته ويضع مبادئه جانباً. هذه هي باختصار حكاية الفيلم الذي نال استحساناً نقدياً لدى عرضه في كانّ، وكذلك عندما خرج في الصالات الإيطالية. "الفيلم استُقبل جيداً، لأن الشخصية هنا رجل عادي كغيره من الرجال، وهو يأتي برسالة مفادها ان نثق بالحياة وان نطارد حلماً قد يتحقق"، يوضح الرجل النحيل الخجول الذي يجلس أمامي منتظراً أسئلتي.

"هل كانت السينما حلمك منذ الصغر؟"، سألته وأنا أنظر في عينيه الذابلتين اللتين ما لبثتا ان ذكّرتاني بآخر مشهد في الفيلم. "لا، في طفولتي كنت أحلم بالعزف في فرقة. وهذا الحلم حققته، فأصبحت عازفاً. أنا أتحدر من بيئة متواضعة في إقليم كالابريا. عشتُ طفولتي في كوخ. لكنها كانت طفولة سعيدة جداً. وهذا بسبب العائلة، وخصوصاً والدي الذي كان رجلاً مبهجاً. من دون أي مال، استطاع تأسيس بيت، ومنحنا كلّ شيء نحتاج اليه. كان يعرف قيمة الأشياء".

بدأ فونتي كومبارساً في "عصابات نيويورك" لمارتن سكورسيزي الذي صوَّر في تشينيتشيتا في العام ٢٠٠٠. يتذكّر: "كان دوري صغيراً. كنت كومبارساً، لكن سكورسيزي اختارني أيضاً لأكون بديلاً لغاري لويس الذي كان يضطلع بدور ماك غلوين. كانت تجربة رائعة. صرتُ أمضي ساعات طويلة مع الممثلين، أتناول وإياهم الغداء، ومنهم ليوناردو دي كابريو ودانيال داي لويس وكاميرون دياز. كنت شاباً، آتي من كالابريا إلى روما للمرة الأولى في حياتي. لم أكن أعرف أي شيء عن السينما. فخرجتُ من المترو، وفجأة وجدتُ نفسي في استوديوات تشينيتشيتا، واكتشفتُ عالماً من زمن آخر. كان هذا أول تماس لي مع السينما".

طوال السنوات الـ١٨ التي تفصل احتكاكه الأول بالسينما وفوزه بواحدة من أرفع الجوائز في كانّ، ارتكب فونتي عدداً لا متناهياً من الأخطاء. يشدد على هذه الأخطاء أكثر من مرة خلال جلستنا، متأملاً تكرارها. فهي، بحسب قوله، المدرسة الأهم، علّمته كيف يحسن فعل الأشياء. "ليس من السهل ان تجد طريقك بسرعة. وهذا ينتج ارتكاب أخطاء. قمت بخيارات حمقاء. لكنها ساعدتني لأنضج".

صحيح ان فونتي يزور بلداً عربياً للمرة الأولى، ولكن سبق ان سافر كثيراً يوم أخرج فيلمه الروائي الطويل اليتيم، "طارت الحمير"، الذي تشارك الإخراج مع باولو تريبودي، وعُرض في مهرجان لوكارنو. يروي: "انها حكاية صبي يحلم بالعزف في فرقة موسيقية داخل قرية صغيرة. لكنه لا يملك الكثير من المال لتحقيق حلمه. الفيلم سيرة ذاتية. لم يكن إنجازه بتلك الصعوبة، لأن السيناريو كان قوياً. عندما قرأه المنتج، اتصّل بي فوراً. النصّ مزج المشاعر بالابتكار".

تعرف فونتي إلى غاروني من خلال كاستينغ. كان يعمل في فرقة مسرحية مع سجناء سابقين. مدير الكاستينغ الذي يعمل لدى غاروني كان جاء ليحضر مسرحية يمثّل فيها. فأعجبه ودعاه إلى لقاء غاروني. باهتمام ما، يروي كيف ان هذه الفرقة المسرحية وُلدت في ريبيبيا (ضاحية روما)، ومديرها ساعد السجناء لإعادة بناء حياتهم على الخشبة. يروي: "الفرقة كانت تتمرن في صالة سينما، وكوني أعيش في صالة سينما، تعرفتُ إلى أفرادها. ذات يوم خلال تمرين، توفى أحد الممثلين. كنت أصوّر كلّ شيء، ما جعلني أحفظ الأدوار. والمخرج طالب بانضمامي إلى الفرقة".

لم أستطع التحكّم برد فعلي: "مهلاً. ماذا قلت؟ تعيش في صالة سينما؟".

كانت مجرد جملة ذكرها فونتي كغيرها من الجمل، برتابة ومن دون ان يضيف اليها حتى لمسة دراماتيكية أو شاعرية، لكنها استوقفتني، فطلبتُ منه ان يكرر ما كنت قد سمعته جيداً، وأنا متأكد انني سأضعه عنواناً لمقالي عنه.

"نعم. أعيش في صالة سينما، مجازاً وحقّاً، منذ أربع سنوات. وقبل ذلك، كنت أعيش في صالة أخرى لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة. عشتُ في مسرح فالّيه، ثم في المسرح الثاني، نوفو سينما بالاتسو، الواقعة في سان لورنزو، الحيّ التاريخي. كانت صالة مهملة سطونا عليها مع بعض الأصدقاء”.

يرفض فونتي القول ان البقعة التي يأتي منها شبيهة بالمكان الذي نراه في الفيلم. "لا، ليس كبلدتي. مكان الفيلم يبدو أشبه بـ"لامكان". قد يكون أي مكان ولا يكون أي مكان". وبالتأكيد، لا أوافقه على ذلك. كغير إيطالي عاشق لإيطاليا ويعرفها جيداً، لا يمكن هذا المكان الا ان يحمل شيئاً من إيطاليا الهامشية البعيدة عن غلامور عصر النهضة حيث يمتّع السيّاح نظرهم. هناك روحية إيطالية معينة تحوم فوق المدينة، مصدرها الأساس تلك العلاقة بين البشر. أمام اصراري يوضح: "أجل، أجل، نحن في النهاية في إيطاليا. ولكن، كلّ شخص قد يجد في ذلك المكان شيئاً يعرفه ويرى فيه تجسيداً لهويته. هذا ما قصدته".

"ولكن، كيف تتحضّر لدور كهذا؟". يشرح انه راقب الناس كثيراً. عاش تجارب متعددة. عمل أيضاً في متجر للكلاب وتعلّم كيف يقصّ شعرها ويصبغه. "ثم انني اعتنيتُ بكلاب مذ كنت طفلاً، وكانت علاقتي بها طيبة. وعموماً، علاقتي بكلّ الحيوانات جيدة. حتى السمك. اليوم، عندما غطستُ، تراءى لي وأنا في قعر البحر ان الأسماك تتأملني. احساس عجيب ان تراقبك الأسماك ككائن غريب يجتاح مملكتها. وبدا لي فجأة أنني أصبحتُ مادة للفضول من جانب هذه المخلوقات".

ضحكتْ المترجمة الشقراء، ثم بعدما وصلتني ترجمتها ضحكتُ بدوري، فألهمني هذا سؤالاً حول اذا كان يجد نفسه كوميدياناً، فاعترض: "طبعاً لا. أنا دراماتيكي جداً جداً". طلبتُ اليه الردّ بجدية، فلم يجد سوى القول: "لا يوجد ردّ جدّي في الحياة".

سألته اذا كان يوافق على نعت غاروني له بـ"باستر كيتون الجديد"؟ ردّ: "أين قرأتَ هذا؟ صحيح، أشبهه كثيراً وأحبّه. لكني مارتشيللو. باستر باستر ومارتشيللو مارتشيللو".

ماذا عن جائزة كانّ؟ يدّعي فونتي انه لم يفكّر بها قط. "الأهم عندي كان إنجاز عمل جيد. لم أضيّع وقتي بالجوائز أو الشهرة أو المجد. صحيح ان الشهرة تتيح لك مجالاً أوسع لاختيار الأدوار، ولكن لن تعرف اذا كانوا يريدونك أو يريدون اسمك. الأمر أشبه بأن تقع في غرام فتاة، فلا تعرف اذا كانت تحبّك أو تحبّ ما تمثّله في مخيلتها. ما أريده هو ان يتم قبولي، وان تكون الطريق سالكة أمامي كي أرتكب المزيد من الأخطاء. الجميع يتوقّع من ممثل مشهور أقصى درجات الكمال. الأخطاء هي المعلمة".

النهار اللبنانية في

01.10.2018

 
 

خالد محمود يكتب:

«مفك» تجسيد لمعاناة حياة الأسير الفلسطينى بعد تحريره وصعوبة تأقلمه مع الحياة

الفيلم يبتعد عن النمطية.. ويقدم للعالم صورة سينمائية مغايرة للصراع فى الأراضى المحتلة

قليلة هى الأفلام الفلسطينية التى تمزج بين العمل الفنى الجميل والمبهر وبين طرحها للقضية برؤية إنسانية وسياسية واجتماعية واعية، فكثير من الأفلام وقع فى فخ المباشرة والخطاب المألوف، وصرخات لم يصل رنينها للعالم، بينما يجىء فيلم «مفك» الذى عرضه مهرجان الجونة السينمائى للمخرج الفلسطينى الشاب بسام برجاوى وأبطاله جميل خورى وعرين عمرى وزياد بكرى، إنتاج فلسطين ــ أمريكا، ليقدم صورة غير نمطية للأسير الفلسطينى، لكنه يتطرق بوضوح لمعاناة الأسير بعد تحريره وكيفية تأقلمه مع الحياة، فى رحلة صادقة فى مشاعرها وهدفها، فالموضوع هنا مختلف، فلم نشهد سوى مجرد مشهد أو اثنين من التعذيب، لكنهما لم يشكلا عصب الطرح، بل هو كيف يعيش بطلنا حياته بعد سنوات طويلة من المكوث بالسجون الإسرائيلية.

أحداث الفيلم تبدأ عام ١٩٩٢، بطلنا هو زياد الذى يعشق فريق كرة السلة فى مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمال مدينة رام الله، يحاول هو وأصدقاؤه الانتقام لما يحدث من تجاوزات من قبل المحتل، وخاصة بعد مقتل أحد اصدقائه «رمزى»، برصاصة من المستوطنات الاسرائيلية، وبينما تتردد أخبار فى المذياع عن فشل زيارة وزير الخارجية الأمريكى كولن باول، يشارك زياد وقد ازداد شعوره بالغضب فى اطلاق الرصاص على رجل يعتقد انه اسرائيلى، فيتم القبض عليه ويدخل السجن 15 عاما، يخرج بعدها شخصا مختلفا لا يستطيع التكيف مع محيطه. رغم الاستقبال الحار من أهل المنطقة ومعاملته كبطل من الأهل والشارع والأصدقاء الذين يحتفون به.. تنقلب حياته رأسا على عقب، فبعد خروجه من السجن وجد نفسه فى مواجهة واقع يصعب عليه التكيف معه ذهنيًا ونفسيًا، ما يؤثر فى علاقته بأمه وبسلمى بنت المخيم، التى تحاول ان تحرك قلبه، وأخته التى تشجعه على الارتباط. ومخرجة الأفلام الوثائقية الفلسطينية الأمريكية مينا، التى كانت تصنع فيلمًا وثائقيًا عنه تريد رصد حكايات لتوصيلها للعالم، حيث تقول: إن الهدف من فيلمها لفت أنظار العالم للتعاطف مع الشعب الفلسطينى، أما هو فيقول لها: إنها تعيش فى أمريكا، حيث لا يوجد احتلال، بينما قضى هو خمس عشرة سنة فى السجن

قدم المخرج فى أولى تجاربه للسينما الروائية الطويلة والذى كتب السيناريو ايضا، صورة سينمائية مدهشة، عبر سرد يخلو من الشعارات، فقط قدم انفعالات بطله وألمه، وكيف أنه يشكو من صداع مزمن واحتباس بولى وهلع من الضوء وأى سوائل تذكره بمشهد الدماء عند اغتيال صديق طفولته بمنتهى العبث على يد مستوطن، حيث ظل وجه صديقه الشهيد عالقًا فى رأسه، كما انه خرج للنور بعد أن اعتاد ظلمات السجون فأصبحت لديه هلاوسه التى تعيش معه وتعوقه عن ممارسة ومعايشة التفاصيل الحياتية اليومية بشكل طبيعى، وجاءت آلامه كرمز لما شاهده وعاشه

ويتذكر فى السجن عندما تستجوبه جندية إسرائيلية تهدّده بإحضار أمه والاعتداء عليها، تخبره أن الرجل الذى أصابوه ولم يقتلوه لم يكن إسرائيليا بل هو عربى.. وبدون شك كان أداء بطلنا «زياد بكرى» رائعا وهو يواجه هذا الصراع بتجسيده شخصية تجسد كل المشاكل والمعاناة التى واجهها الأسير الفلسطينى بعد تحريره، واستطاع المخرج أيضا تجسيد تلك المعاناة للعالم الخارجى ولنا نحن بتلك الشخصية الواحدة التى تتمرد على الطبيب النفسى الذى يعالجه ويرفض فكرة أنه مضطرب نفسيا

الفيلم الذى يعد أول عمل يتناول حياة معتقل بعد خروجه من سجون الاحتلال يعد انحيازا للوطن ببساطته فى حكى القصة، لكن العمق يبرز بين المشاهد، فالمسألة لم تكن مجرد ظلم وإلقاء للشباب الفلسطينى جزافا، ولكن ما مدى تأثير ذلك فيما بعد على هؤلاء الشباب.

وفى أحد مشاهد الفيلم القدرية لبطلنا تقوده المصادفة للركوب مع مستوطن إسرائيلى يكره العرب جميعا، بل ويريد إبادتهم، بالفعل كأن المستوطن يعتقد أن زياد إسرائيلى، وهنا يتولد لدى زياد احساس بالانتقام لسنوات عمره الضائع ولصديق طفولته الذى استشهد غدرا، ليعبر المخرج بذكاء أن القضية مستمرة بروحها، لذلك ترك نهاية الفيلم مفتوحة؛ ليترك للمشاهد الاحساس بمواصلة الحكاية، ولا نعرف ما إذا كان المستوطن سيقتل زياد المحرر الذى مازال يعيش حالة الأسر التى دمرته نفسيا ام سيقتل زياد الرجل.. فكل السيناريوهات مفتوحة.

لكن الفيلم اشار أيضا بواقعيته إلى أن من يعيش فى فلسطين كأنه يعيش فى سجن كبير حتى وإن عاش خارج سجون الاحتلال

مخرج الفيلم لديه وعى كبير بالقضية، ولديه رؤية ناضجة، أراد ان يعود للوطن بعد دراسته للسينما فى كولومبيا ليقدم أفلاما تحاكى الواقع ولا تغترب عنه ــ بحسب قوله، وقد أقبل على انتاج «مفك» هو وزوجته الممثلة والمنتجة ياسمين قدومى، ورفض ان يصور فيلمه داخل السجون، وقال إنه واجه صعوبة كبيرة فى التصوير فى الأراضى المحتلة فى ظل الظروف المعقدة

وأضاف: «جلست مع عدد كبير من الأسرى المحررين، وكنت أطلب مقابلتهم خلال اليومين أو الثلاثة التالية لخروجهم من السجن حتى أتعرف على مشاكلهم الشخصية وأكوِّن الصورة التى أريد تقديمها.. وقد تم تصوير معظم أحداث الفيلم بمخيم الأمعرى ومدينة رام الله بطاقم ــ يشكل الفلسطينيون 99 بالمائة منه ــ وبدون الأهالى ما كان للفيلم أن يخرج للنور.. فتحوا لنا بيوتهم وتركوها لنا حتى نصور بكل حرية. ونحن من جانبنا حرصنا على تشغيل أكبر عدد منهم معنا بالفيلم حتى نساعدهم».

إنها حقا تجربة مهمة للمخرج الفلسطينى الشاب بسام جرباوى، بعد فيلمه القصير «رءوس دجاج» الذى فاز بجائزة المهر العربى من مهرجان دبى السينمائى.

الشروق المصرية في

01.10.2018

 
 

«الجونة» يفتح الطريق لخصخصة المهرجانات

كتب - أحمد عثمان:

تنظيم رائع وحضور قوى لنجوم الفن محلياً وعالمياً وحضور كبير لنجوم المجتمع سياسة وفن ورياضة والدولة مكان مبهر وسخاء مادى وافر وتغطية إعلامية عالمية ومحلية أيضاً من الآخر مهرجان فلوس وفكر ومنافسة لمهرجانات قوية بالمنطقة لا يقل مستوى عنها مثل مهرجان مراكش ودبى واقترب كثيراً من المهرجانات الأوروبية شكلاً ومضموناً بشكل يكشف الرغبة الحقيقية لصناعه فكسبوا احترام العالم وكسبت مصر والغردقة والجونة كمكان سياحى متميز، وكان هذا هو الهدف الحقيقى فى الفن والسياحة.

فهل يكون مهرجان الجونة السينمائى الدولى بداية لخصخصة المهرجانات فى مصر، وهل نجاحه يضع مهرجانى الإسكندرية السينمائى والقاهرة السينمائى فى مأزق وهل سيشهدا نفس الحضور الطاغى فى الجونة أم سيكون للمال قراره الحسم والأسبقية.

المخرج السينمائى عمر عبدالعزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية ورئيس لجنة المهرجانات، يقول: بصراحة شديدة مهرجان الجونة السينمائى الدولى أكد أنه مهرجان مشرف يليق بسمعة مصر فنياً وسياحياً وهو مبهر فى كل شىء شكلاً ومضموناً ويكشف حجم الثقافة وفكر القائمين عليه تنظيمياً واختيار المكان والضيوف لم ينسوا أحدا من نجوم مصر وحضور فنى وإعلامى عالمى، وبغض النظر عن حجم الإنفاق والصرف المادى لكن التجربة أثبتت أن الفلوس والفكر الجيد يصنعان النجاح.

وأضاف إذا كانت المهرجانات فى مصر تقام بهذا الشكل فأنا شخصياً مع خصخصتها لأن أى مهرجان ينجح وينور فهو مكسب لمصر كلها لأن صناعه استوعبوا أخطاء الدورة الماضية واجتهدوا وقدموا مهرجانا كبيرا جعلنا نعيد النظر فى اللجنة العليا للمهرجانات فى مصر ونرفع يدنا عن أى مهرجان لا يجذب الجمهور وأهل الفن.

وقال: هذا يجعلنا نحشد أكثر للعمل على نجاح مهرجانى الدولة الإسكندرية والقاهرة السينمائيين ليكون الجونة مكملاً لهما أو العكس وأكيد ننتظر نفس الحضور والتنظيم والدعم من الدولة ورجال الأعمال وبنفس المستوى لأن كل مهرجان له طابعه وشكله وأتمنى أن يكون لدينا مهرجان فى الصعيد والدلتا بشكل يشرف مصر.

الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، قال: لا يوجد شىء اسمه خصخصة مهرجان معروف فى كل العالم هناك مهرجانات دول وأخرى أشخاص الفرق فى الإمكانيات، مهرجان الجونة اجتهد صناعه لأنهم محبون للسينما ونجاحهم يسعدنا بالطبع لأنه إضافة لخريطة المهرجانات الفنية فى مصر ولمصر.

وأضاف أباظة: ليس معنى نجاح مهرجان هو نجاح للخصخصة لأن هناك مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى الذى يعمل بميزانية تصل لـ 3 ملايين جنيه، بينما المهرجانات الأخرى تصل لـ 3 ملايين دولار أو يورو، وضيوفنا يحضرون بدون مقابل ونعتمد على الكيف فى النجوم وليس الكم ويقام فى الإسكندرية أعظم وأعرق المدن فى العالم وسط الجمهور لأن المهرجانات بدون جمهور لا طعم لها ونحن وصلنا للدورة 39 فى عمر المهرجان وضيوفنا يزورون كل المناطق السياحية فى مصر والدورة القادمة التى تقام خلال أيام سيحضرها 5 من أهم نجوم ونجمات العالم، إسبانيا وفرنسا واليونان بدون مقابل نفس الفعاليات لمهرجان القاهرة فى دورته الـ 43 هناك مسافة فى التاريخ والنجاح والعراقة بإمكانيات محدودة وفى كل الأحوال نتمنى النجاح لأى مهرجان خاص أو عام النجاح لأن كله يصب فى مصلحة مصر وفنها وريادتها.

الوفد المصرية في

01.10.2018

 
 

بعد الجدل الذي أثاره عن منطقة روض الفرج

ريم صالح: فيلمي لا يسيء لسمعة مصر

أحمد طه

"إيلاف" من القاهرة: صرحت المخرجة ريم صالح أنها قدمت فيلم "الجمعية" متأثرة بحديث والدتها عن منطقة روض الفرج التي نشأت فيها. حيث تناولت حنين والدتها لهذا المكان في الفيلم الذي عُرِضَ في الدورة الأخيرة من مهرجان الجونة السينمائي، مشيرة إلى أن شوق والدتها لهذه المنطقة قد جعلها تشعر بقيمة المكان قبل ان تقيم فيه.

وأضافت في تصريحٍ لـ"إيلاف" أن والدتها طلبت ان تُدفن في المنطقة التي قضت فيها طفولتها وحرصت على تنفيذ وصيتها بعد رحيلها. حيث أُقيم عزاءها هناك. الأمر الذي أثر بها خلال الفترة التي اقامتها في المنطقة. حيث أنها شعرت بتفاعل الناس معها. وعندما علمت بفكرة "الجمعية" التي يتم اتباعها في الأحياء الشعبية تحمست لتقديمها بفيلمٍ سينمائي، مشيرةً إلى أنها أُعجِبَت بالفكرة وتحمست لها، وكانت ترغب بتقديمها بعملٍ يوثِّق لهذه الفكرة ويعرُض لأهميتها.

وتقوم فكرة الجمعية بمصر على جمع مبالغ يومية أو شهرية من الأفراد ليحصلوا عليها بشكلٍ مجمع وعادة ما تكون 10 أفراد يتسلم كل منهم المبلغ في أول كل شهر.

وأكدت أن الأهالي ساعدوها كثيراً، خاصةً وان التصوير في المنطقة لم يكن ممكناً دون موافقة جميع الذين تصويرهم. لافتة إلى أنها حصلت على جميع التصاريح اللازمة من الجهات المعنية قبل بداية التصوير.

وأشارت إلى أن النقاشات التي شرحتها لعم عادل الذي ظهر في الفيلم سهل لها الكثير. مشيرةً إلى أنهم تفهموا أنها ترغب في تقديم فيلم عنهم ورحبوا بهذا المشروع. وشددت على أن حرصها الأساسي كان لتقديم الموضوع بشكلٍ واقعي وتأثير الجمعية في حياتهم وكيف يستفيدون منها.

ونفت بشكلٍ قاطع ان يكون الفيلم مسيئاً لسمعة مصر أو لأبطاله، لأن الفقر ليس عيباً. وقالت أن وجود تمويل قطري في الفيلم جاء ضمن دعم حصلت عليه من ثلاث صناديق سينمائية عربية. وهي الصناديق التي تموّل هذه النوعية من المشاريع السينمائية، بالإضافة إلى أن وقت الحصول على الدعم لم يكن هناك أزمة سياسية بين مصر وقطر.

هذا وأكدت أنها الممول الرئيسي للفيلم فالميزانية التي وصلت إلى ما بين 300 و400 الف دولار تحملت هي منها 70% تقريباً والباقي كان دعماً ومنحاً من صناديق مختلفة.

موقع "إيلاف" في

01.10.2018

 
 

في «الجونة السينمائي» : الجميل كثير .. والصخب قليل !

مجدي الطيب

• فيلم «عن الآباء والأبناء» الذي يدعو إلى «قبول الآخر» حتى لو كان إرهابياً .. يفوز بجائزتين!

اختتمت يوم الجمعة الماضي فعاليات الدورة الثانية لمهرجان «الجونة السينمائي» (20 – 28 سبتمبر 2018)، التي يمكن القول – من دون مبالغة – أنها «دورة الزخم»، والثقافة السينمائية الحقيقية؛ بأفلامها الساحرة، وتظاهراتها الوافرة، وندواتها التي اتسعت لكل الألوان، والأطياف، من مُبدعي السينما، في مصر والعالم.. وأخيراً جوائزها المالية الضخمة، التي لا يمكن أن تجدها في مهرجان وليد ! 

أهم ما يلفت النظر في هذه الدورة، هو المستوى الرائع للأفلام، التي توافرت لها مقومات السحر، الجمال، الإبهار، والرؤية الإنسانية، والحياتية، ما يعني أن اختيارها جاء بناء على أسس ومعايير دقيقة، وأن ثمة «استراتيجية»، تقف وراء الاختيارات، لا يمكن تجاهلها؛ على رأسها : 1) إرضاء الجمهور العاشق للسينما بأعمال سينمائية متميزة للغاية . 2) السعي لانعاش الصناعة بأموال ضخمة؛ سواء التي تم تخصيصها كجوائز للمسابقات الرئيسة الثلاث (الروائية الطويلة / الوثائقية / القصيرة)، وقدرت بمائتي وعشرين ألف دولار أمريكي، أو تلك التي ذهبت للمشاريع المُقدمة ل «منصة الجونة»، وبلغت 170 ألف دولار.3) الانفتاح على المدارس السينمائية المختلفة، والتيارات السياسية المتباينة، والاهتمام بالقضايا الإنسانية المُثيرة للجدل.

جدل .. واحتقان !

جنباً إلى جنب مع التميز الفني، الذي نطقت به الأفلام المُشاركة؛ سواء التي عُرضت في المسابقات الثلاث؛ خصوصاً القصيرة، أو الأفلام التي أختيرت للعرض في القسم الرسمي (خارج المسابقة)، وكذلك البرنامج الخاص، بدا واضحاً حرص إدارة المهرجان على تجاوز ما يُسمى «الخطوط الحمراء»، في ما يتعلق بالقضايا التي ينبغي للأفلام أن تطرحها، أو تمتنع عن الاقتراب منها، الأمر الذي كان سبباً في تفجير حالة من «الجدل الخلاق»، وربما «الاحتقان»، الذي بلغ حد الغضب؛ بعد أن نظر البعض إلى عدد من الأفلام، التي تناولت الأزمة السورية، تحديداً، بوصفها «أفلام مُعادية للنظام السوري»، وكرست نوعاً من «الكراهية» كانت سبباً في «التعاطف» مع «أعداء النظام»، حتى لو كانوا أعضاء في تنظيمات إرهابية "متطرفة"، أو قيادات في خلايا سلفية "جهادية"؛ كما حدث في الفيلم الوثائقي «عن الآباء والأبناء» (سوريا / ألمانيا / لبنان)، الذي حصد جائزتي نجمة الجونة الفضية، وأفضل فيلم عربي وثائقي طويل، واختار مخرجه السوري طلال ديركي، الذي يعيش في برلين، معايشة وصحبة سلفي جهادي يُدعى «أبو أسامة»، يشغل مركزاً قيادياً في ما يسمى «جبهة النُصرة»، وفي غمرة سعادته، وانتشائه، بمعايشة القيادي، نسي المخرج أنه في حضرة «إرهابي»، يبث الرعب في نفوس أهل «حلب» السورية، ويزرع العنف، وبذور الكراهية، على الشاشة؛ عندما يتباهى بتلقين أطفاله الجهل، التخلف، والتطرف، ويشجعهم على القتل وسفك الدماء، باسم الدين، وفي محاولته لتبرئة نفسه، زعم المخرج، في الندوة التي أعقبت عرض فيلمه، أن الفيلم يُندد بتربية (الرجل) لأطفاله، وأنه «تربوي وليس سياسي»، واعترف بأن «الخلفية الإسلامية» لزوجته، ومدير تصوير الفيلم، كانت وسيلته في إقناع، واكتساب ثقة، «الإرهابي»، الذي أطلق اسمي «أسامة» و«أيمن» على ابنيه، تباركاً، وتيمناً، وإيماناً، وقناعة، بأفكار، وشخصية، أسامة بن لادن وأيمن الظاهري، وبشرنا في الفيلم بأن «السلفية الجهادية لن تموت لأن الأبناء سيرثون التركة من الآباء» !

فوز الفيلم «السوري الألماني»، بجائزتين في الدورة الثانية، لا يعني، مُطلقاً، أننا أخطأنا عندما نددنا برؤيته، ودعوته إلى «قبول الآخر»، حتى لو كان إرهابياً؛ بدليل أنه في مقابل هذه الرؤية «المتملقة»، قدم المخرج النرويجي إريك بوبه، درساً بليغاً في «فن التعامل مع الإرهاب والإرهابيين»، وكيفية صنع فيلم يُحذر من تنامي ظاهرة الإرهاب، والعنف المسلح، ويحشد الجمهور في مواجهة الإرهابيين والمتطرفين، عندما استعاد، في فيلمه «أوتيا – 22 يوليو»، الذي عُرض في القسم الرسمي (خارج المسابقة)، وقائع الحادث المأساوي، الذي عاشته النرويج، في 22 يوليو 2011، عقب إطلاق (يميني متطرف) النار بشكل عشوائي على معسكر صيفي للشباب، فأردى 69 قتيلاً، وجرح 77، وأصاب الناجين بأمراض نفسية استدعت علاجهم، لكن طلقات الرصاص المنهمرة، والتي أفزعتنا، وزلزلت أجسادنا، وعقولنا، لم تغر المخرج «العاقل»، بالتركيز على (الإرهابي المتطرف) أو المتاجرة بفعلته الدنيئة، وتعمد ألا يُظهر وجهه في لقطة واحدة، مثلما لم يتوقف، أبداً، عند خلفيته، أو ماضيه، أو يجعله يثرثر مبرراً دوافعه، خشية أن يتسبب في خلق مساحة من التعاطف معه، وهو ما تجنب الوقوع في شراكه أيضاً المخرج التونسي محمد بن عطية في فيلمه «ولدي»، الذي كتبنا عنه في العدد السابق، وفاز بطله محمد ظريف بجائزة الجونة الذهبية لأحسن ممثل، ونوه بطرف خفي إلى «داعش»، والتنظيمات الدينية المتطرفة .

جدل من نوع آخر فجره الفيلم الوثائقي «الجمعية» إخراج ريم صالح (لبنان / مصر / اليونان / سلوفينيا)، التي اتخذت من أهالي حي روض الفرج؛ حيث ولدت أمها، أبطالاً، تروي قصصهن، ومعاناتهن، وتحولاتهن، لكن رأى البعض فيه تجاوزاً بشكل ما، ووصلت المبالغة إلى مداها، باتهام الفيلم بأنه يسيء إلى صورة مصر، بحجة أنه ركز على العشوائيات، في حين قدم أهالي الحي بوصفهم أبطالاً لديهم القدرة على مواجهة هموم الواقع، والتشبث بروح التفاؤل والأمل والتحدي . 

سخرية مبطنة 

الطريف أن الفيلم المصري القصير «ما يعلاش عن الحاجب»، تأليف هيثم دبور وإخراج تامر عشري، أثار الكثير من الانتقادات؛ بعدما التبس على البعض رؤيته الساخرة من «الأخوات»، المنتميات إلى «الجماعة»، ورأوا فيه ترويجاً لأفكارها المتزمتة، وتشجيع ارتداء النقاب، بينما يسخر – في قراءة أخرى – من النقاب، ويتخذ من الحوار، الذي يحتدم بين «عائشة» وصديقتها «سالي»، خريجتي كلية الطب، اللتين ترتديان النقاب، وسيلة للتندر منهما، ومن القضايا التي تشغلهن، وتكاد تكدر صفو حياتهن؛ حيث تنحصر أزمة «عائشة» (أسماء أبو اليزيد) في رغبتها في تهذيب حاجبها، فيما تحذرها المتطرفة «سالي» (مريم الخشت) لها من الإقدام على هذه الفعلة، التي تُغضب زوج المستقبل .. والرب !

نفس السخرية المبطنة لجأت إليها المخرجة التونسية كوثر بن هنية في فيلمها القصير «بطيخ الشيخ»، الذي يتناول قصة حقيقية لخطيب المسجد، الذي يدبر له أحد المتاجرين بالدين مكيدة للإطاحة به، والاستيلاء على منبره، وسلطته. والمفارقة أن لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة أنصفت الفيلمين الجريئين، عندما منحت الفيلم المصري «ما تعلاش عن الحاجب» جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم عربي قصير بينما منحت الفيلم التونسي «بطيخ الشيخ» نجمة الجونة البرونزية للفيلم القصير، فيما تمثلت المفاجأة الصادمة في تجاهل اللجنة لأفلام قصيرة ساحرة؛ مثل : الروسي «ربيع» وفيلم التحريك الفرنسي البرازيلي «جواكسوما» والعراقي «عبد الله وليلى» !

دورة حافلة بكل ما هو جديد، جميل، مثير، وعذب، من الأفلام التي نجحت إدارة المهرجان، بقيادة انتشال التميمي، في الحصول على حقوق عرضها؛ على رأسها أفلام الجوائز والقيمة الفنية الرفيعة؛ كالإيطالي / الفرنسي «دوجمان»، والياباني «سارقو المتاجر»، وفيلم التحريك الفرنسي «ديليلي في باريس»، والنرويجي «أوتيا – 22 يوليو» والدنماركي «المُذنب» ما جعل رواد المهرجان في حالة لهاث دائم، وفي مأزق كبير؛ نتيجة صعوبة المفاضلة، والاختيار، بين الأفلام، التي نافست بعضها في القوة والأهمية؛ وازدحام برنامج العروض، والندوات، والجلسات النقاشية، ودروس السينما، وعدم كفاية اليوم الذي أضيف على أيام المهرجان في إشباع النهم المتزايد للفرجة، والاستمتاع، ومن ثم كان الحل الوحيد في الاستغناء عن بعض الأفلام، والدروس، التي راحت ضحية «الزخم» !

جريدة القاهرة في

02.10.2018

 
 

أفكار من وحي قراءة نشرة الجونة السينمائي الثاني

أمل الجمل

لا بد أن أعترف أنني لم أكن أحتفظ بالنشرات التي تصدر عن أي مهرجان عربي باستثناء دبي السينمائي. كنت أحتفظ بكل ما يصدر عنه. كذلك الدورات القليلة التي حضرتها من أبوظبي. وها هي المرة الأولى في مصر، فقد اصطحبت معي في طريق العودة للقاهرة الأعداد التسعة التي صدرت من النشرة اليومية لمهرجان الجونة السينمائي الثاني من ٢٠- ٢٨ سبتمبر الماضي، إذ أعتبرها إحدى الوثائق التي يمكن الاحتفاظ بها بالأرشيف السينمائي، فمن خلال مطالعة أخبارها وتقاريرها، وبعض مقالاتها وحتى الصور المزينة لها يمكن قراءة بعض ملامح الدورة وكيف كان يفكر بعض الزملاء والزميلات، إذ كانت تُسجل - وإن لم يكن بدقة - ولكن الخطوط العريضة لأبرز الفعاليات التي تمت بالمهرجان سواء ندوات أو جلسات مناقشة، أو محاضرات، أو موائد الحوار، كذلك المؤتمرات وورش العمل.

لفت نظري، أيضاً، أن النصوص العربي لم تكن مترجمة للإنجليزية، ولكن هناك اثنان من المحررين أو الصحفيين يحضران الحدث، وأحدهما يكتب نصا باللغة العربية، والآخر يكتب نصاً باللغة الإنجليزية، وأهمية هذا أن كلا الشخصين يقرأ الندوة وتصريحات الضيوف من واقع خبرته ومهارته وقدرته على اختيار الأهم وبلورته في صياغة رؤية متفاوتة في وضوحها لما دار بالندوة أو مائدة الحوار، رغم الاختصار والتكثيف. أحيانا يمكن قراءة النص العربي ومضاهاته بالنص الإنجليزي لخلق رؤية أوسع، خصوصا عندما تشعر أن كلا النصين يتوجه لجمهورين مختلفين.

الموهبة قبل الجنوسة (الجندر)

المقدمة السابقة مرجعها قراءتي بعض ما دار في مائدة الحوار التي أدارتها المنتجة التونسية القديرة درة بوشوشة التي تم تكريمها بالمهرجان بجائزة الإنجاز الإبداعي. كانت جلسة الحوار بعنوان تمكين المرأة، من خلال صناعة الأفلام، وشارك فيها خمسة مبدعات تنوعت مهارتهن بين الإنتاج والإخراج والمونتاج والعمل في مجال المرأة.

الحقيقة كنت أتمنى حضور تلك المائدة الحوارية، لكن النهم واللّهاث وراء الأفلام جعلني أخسر حضور عدد من النقاشات التي كانت تهمني، وفي كل مرة أحضر فيها مهرجانًا سينمائيًا مهمًا أقول لنفسي لا بد أن أخصص مساحة للندوات والنقاشات، لكني سَرعان ما أضعف أمام عناوين الأفلام وقاعات العرض.

الموهبة يجب أن تكون السبب الرئيسي لكي تُمنح المرأة الفرص، وليس لكونها امرأة. النساء يجب أن نمنحهن الفرص، لأنهن موهوبات، وليس لكونهن نساءً. استوقفني بإعجاب هذا التصريح لسيدة السينما التونسية، وانحزت إليه، لأنه في تقديري الاستناد إليه هو ما سيجعل النساء يقدمن المختلف، إنه تفكير يعني المساواة الحقيقية، وينفي منح الفرص من باب التعاطف والجنوسة (الجندر) وفقط.

استرعي انتباهي أيضاً تصريح ألي ديركس، مؤسسة ومديرة مهرجان إديفا، من عام ١٩٨٩، إذ قالت إنه حتى في هوليوود فإن تمثيل النساء قليل جدا مقارنة بالرجال، كما أن المرأة لا تترأس أيا من المهرجانات الدولية العريقة ذات المكانة الكبيرة، يجب أن نفكر في مثل هذه التفاصيل، لو أردنا تغيير وضعية المرأة.

كواليس انتقاد ريم والجمعية

أتوقف، أيضاً، عند كلمات المخرجة اللبنانية المصرية ريم صالح التي قالت إنها تعرضت للتنمر، وواجهت ظروفًا صعبة أثناء عملها على فيلم الجمعية، مضيفة أنه تم انتقادها بسببه، حيث قامت فيه بسرد قصص حقيقية من منظور المرأة.

في تقديري أن الانتقاد الذي تعرضت له ريم صالح لم يكن بسبب كونها امرأة، ولا بسبب أن الفيلم يتناول قصص حقيقية من منظور المرأة، ولكن هجوم البعض- وإن لم يعترف كتابة بذلك- كان سببه كما دار في الكواليس أن ريم مخرجة لبنانية تقوم بصناعة فيلم عن نساء مصريات فقيرات، وتصورهن في حي فقير جدا. لم يكن الكثير يعلم أن والدة ريم مصرية، كانت التساؤل المطروح: لماذا تأتي مخرجة لبنانية لتتحدث عن الفقيرات في مصر؟!.

هذه الحقيقة كانت وراء كثير من الانتقاد التي واجهت فيلم الجمعية.

أعتقد أن الهجوم خفت وطأته بعد معرفة أصولها المصرية، ولذلك اختلف استقبال الفيلم عند عرضه في مهرجان الجونة السينمائي الثاني.

مضاعفة جوائز المنصة!

من بين الأخبار التي لفتت نظري، أيضاً، مضاعفة جوائز منصة الجونة لتصل أكثر من ١٥٠ ألف دولار أمريكي للمشاريع في مرحلة التطوير، وما بعد الإنتاج، وإن كنت أذكر وجود تصريح آخر لمدير المهرجان انتشال التميمي لـXinhua يذكر فيه أن الجوائز بلغت قيمتها ١٧٥ ألف دولار.

لماذا لفت الخبر نظري؟ لأنه بين الكواليس كان فيه ترديد وأقاويل عن تخفيض ميزانية المهرجان، أو نقص في التمويل، ومخاوف مستقبلية من اللحاق بمهرجانات أخرى خليجية أغلقت أبوابها. فلو كان هذا صحيحا، ولو وضعنا ذلك الافتراض بوجود صعوبات مالية في مواجهة حقيقة ملموسة عن مضاعفة قيمة جوائز المنصة التي تسهم بشكل مهم في إنجاز مشاريع سينمائية، فهذا له دلالة مهمة لا بد أن تُوضع في الاعتبار عند تقييم المهرجان.

عن السجادة الحمراء

عن حكاية السجادة الحمراء وصور النجوم التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي أعجبني رد عمرو منسي، المدير التنفيذي للمهرجان، بأن هذه المواقع لا ترى الصورة الكاملة، فبجانب السجادة الحمراء هناك ورش عمل وندوات وأفلام بعضها كان كامل العدد، خصوصا الأفلام القصيرة.

السجادة الحمراء واحدة من أهم عوامل الدعاية والترويج والجذب الجماهيري للمهرجان. لماذا يدعو أي مهرجان في العالم النجوم والنجمات؟!

ببساطة لكي يسيروا على السجادة الحمراء، يوقعون على الأوتوجرافات للمعجبين والمعجبات الذين يأتون من الفجر، وينامون بجوار سور السجادة الحمراء غير مبالين بالتعب والإرهاق وشمس الصيف الحارقة في كثير من المهرجانات، في انتظار تبختر نجومهم على السجادة الحمراء، والفوز برؤيتهم عن قرب، ولمس أيديهم أحياناً، بينما الكاميرات تلتقط لهم صورا جذابة مغرية مثيرة تفتح أبواباً واسعة لأحاديث المعجبين.

على السجادة الحمراء في كل مهرجانات العالم خصوصا العريق والراقي منها تسير النجمات بأفخر وأجمل الثياب، ويتبارين في المنافسة، ويصاحب ذلك أزياء لا مثيل لها في الجمال والعري أيضاً.

فلماذا يتحول الأمر إلى الانتقاد والسخرية عندما يتكرر الأمر في مهرجان مصري ناجح، وأثبت نجاحه بقوة من دورته الأولى؟! الغريب أنه من المفترض أن تمتدح قدرة المهرجان على تجميع هذه الكوكبة من النجوم والنجمات وقدرته على جذبهم لفعالياته وأحداثه، فأغلب هؤلاء النجوم كانوا يغيبون عن مهرجان القاهرة، وكنا لا نري بعضهم إلا في مهرجانات خليجية.

الأمر الآخر، صحيح أن السجادة الحمراء وجاذبيتها له تأثير قوي ودور كبير في الترويج للمهرجان وجذب الأنظار، لكن على الناس ألا تتجمد- كالجوعى- أمام الملابس القصيرة والعارية علي السجادة الحمراء، وتتجاوز ذلك بحثاً عما وراء البريق والأضواء.

فهناك عشرات من الأفلام الجميلة كانت تعرض بالقاعات، وحلقات نقاش، ومحاولات للمساهمة في إنجاز مشاريع سينمائية جديدة.

عن الجمهور والأهم!

طرح أحد الزملاء في مقاله- بالنشرة اليومية أيضاً- فكرة تفتح نقاشاً عن أهمية حضور الجمهور من عدمه، طارحاً تساؤلا: هل الجمهور كل شيء؟، ثم مجيباً بأن هذه القناعة لم تعد ملائمة للعصر.

وفي تساؤل آخر بمنتصف المقال يفترض أنه لو الجمهور ظل يشاهد كل فيلم، فهل يعني هذا أن المهرجان- أي مهرجان- لم يحقق أهدافه؟

ثم يرد بأن: الإجابة في تلك الحالة ليست نعم، وليست لا. لكنها مرتبطة بتحديد أهداف المهرجان.

هنا أطرح أنا تساؤلاً لأن الأمر لا يتعلق فقط بالجونة، ولكنه ينطبق على مهرجانات أخرى تقام علي أرض مصر وفي مقدمتها مهرجان القاهرة الذي شهدت قاعاته غياب الجمهور في السنوات التي أعقبت دورة سمير فريد، ومهرجان الإسكندرية الذي قام أحد الحاضرين بتصوير قاعة العرض والفيلم شغال من دون وجود مشاهد واحد يجلس بقاعة العرض.

طيب إذا كانت عروض الأفلام لا يحضرها إلا بضع عشرات، أو خمسات، أو حتى بعض الآحاد، وأن الأهم يتحدد وفق أجندة كل مهرجان، فلماذا إذن يقرر كل مهرجان اختيار عدد كبير من الأفلام، التي تقوم على اختيارها لجان للمشاهدة والنقاش وحسم أمر الاختيار، وطبعاً بميزانيات؟!

ثم لماذا يسافر بعض المسؤولين من كثير من المهرجانات لحضور مهرجانات دولية عريقة لمشاهدة الأفلام والاختيار من بينها ما يناسب فعالياته؟!

ولماذا يصرف على النجوم، وعلى شراء حقوق عرض هذه الأفلام؟ لماذا يصرف أموالاً على الكتالوج الذي يتضمن نبذات عن الأفلام وصناعها، وهذا الكتالوج يتكلف الكثير في الطباعة والإعداد وأجور من يكتبون فصوله وأجزاءه وترجمته؟! لماذا تصدر عن كثير من المهرجانات نشرة يومية تتناول الأفلام، وصناعها، وحكايتها؟!

يمكن أن أطرح عددا آخر من لماذا، لكني أكتفي بهذا القدر لأقول إنه يتوقف الرد على نظرتنا للسينما. هل ننظر للأفلام التي تجلبها المهرجانات على أنها ترفيه وتسليه، أم أنها تلعب دوراً مهماً في نشر الوعي والتثقيف الجماهيري؟

إجابتنا عن ذلك السؤال هي التي تحدد مدى حرص البعض على وصول الأفلام للجمهور من عدمه؟ منظمو أي مهرجان عريق في العالم يهمهم وصول الأفلام للجمهور، ولذلك يقدمون دعما ومغرياتٍ لجمهورهم المحلي ليقبل بشغف على القاعات. ويقفون أمام شباك التذاكر أحياناً منذ الفجر، ليضمنوا الحصول على تذكرة أحد الأفلام.

أيضاً، المهرجانات الدولية العريقة رغم أنها تسهم في دعم وتمويل بعض الأفلام، لكنها مهتمة بالجمهور جداً، ولذلك تقوم بترجمة الأفلام، جميع الأفلام إلى لغتها المحلية، من دون خجل أو احتقار لتلك اللغة، ومن دون ترديد عبارات لازم الناس تتعلم اللغة الإنجليزية؟ منظمو هذه المهرجانات لا يتعالون على لغتهم القومية، ولا يتعالون على الجمهور، ولذلك يحققون أمجادهم التي يصعب تحقيقها في مصر، وكانت الدورة الوحيدة الاستثناء من مهرجان القاهرة التي كانت القاعات شبه ممتلئة وعدد آخر كامل العدد هي دورة سمير فريد.

عندما يصرف مهرجان سينمائي- أي مهرجان سينمائي- مبالغ مالية طائلة على جلب الأفلام وعرضها، ثم لا يحضرها الجمهور، أو حتي يحضرها من دون أن يفهم مضمونها لأنها بلغة لا يتكلمها أو صعبة عليه، فهذا المهرجان لم يحقق مكسباً، وفي تقديري أعتبره قد أنفق أموالا من أجل الاستعراض والبرستيج، ولم يخدم الثقافة السينمائية بشكل حقيقي.

الخلاصة: أي مهرجان شايف إن الجمهور مش أساسي، ومش مهم، وهناك أهم منه، كدعم المخرجين والصناعة، وأن يكون نقطة التقاء.. طيب ما يعمل هذه اللقاءات من دون ما يستجلب الأفلام ويصرف عليها ليعرضها، وعليه أن يوفر فلوسه ويوجهها لدعم السينمائيين وساعتها يمكن أن ينتج عددا غير قليل من الأفلام!

عرض الأفلام على الجمهور لا يقل عن دعم صناعة السينما.

المعضلة الحقيقية التي تواجه السينمائيين ليست فقط الإنتاج، لأن هناك جهات دعم متنوعة دوليا، رغم أن بعض الجهات العربية أغلقت أبوابها، وهناك أناس تبتكر أساليب في الحصول علي دعم المشاهدين.

لكن لو الفيلم تم إنتاجه ولم يعرض، فهذه كارثة حقيقية، وقاتلة لبعض الفنانين، وكأن الفيلم لم ينتج، وسوف يتوقف عن العمل.

فكون المهرجان منصة عرض هذه ميزة كبيرة على مستويين، ليس فقط الجمهور، ولكن أيضاً لصناع الأفلام.

موقع "مصراوي" في

02.10.2018

 
 

مهرجان الجونة السينمائي: تنشيط السياحة أم دعاية للمدينة؟

إيهاب محمود

مساء الجمعة، 28 سبتمبر الماضي، اختتمت فعاليات مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية، وهو المهرجان الذي أطلقته عائلة ساويرس ممثلة في رجلي الأعمال المصريين نجيب وسميح ساويرس، تنشيطًا للسياحة وإثراءً للثقافة. غير أن المهرجان لم يمر بسلام، سواء في دورته الأولى العام الماضي، أو خلال الدورة الحالية، إذ هاجمه الكثيرون العام الماضي بسبب اجتذابه لقطاع عريض من الفنانين والمنتجين الذين فضلوه على مهرجان القاهرة السينمائي الشهير عالميًا وبعضهم فضل عرض أفلامه فيه بدلًا من عرضها بالقاهرة السينمائي. وخلال دورة هذا العام ثار جدل كبير ليس من المتوقع أن ينتهي سريعًا، بسبب اتهامات لعائلة ساويرس وأشخاص آخرين بسرقة فكرة المهرجان وإهدار حقوق الملكية الفكرية في تظاهر مزيف بالاهتمام بالثقافة والفن.

والملاحظ أن فكرة مهرجان الجونة لم تأتِ فعلًا تنشيطًا للسياحة أو اهتمامًا بالسينما، فمن المعروف أن آل ساويرس يسيطرون على قرى ومنتجعات وفنادق الجونة، وهي مدينتهم، وإقامة مهرجان يحضره غالبية الفنانين المصريين والعرب هو دعاية ممتازة للمدينة التي تمتلكها نظريًا الدولة المصرية، وعمليًا واقتصاديًا عائلة ساويرس!

كما أن اهتمام العائلة بالسينما كان مجاله ليس إقامة مهرجان لها بالجونة، لكن دعم مهرجان القاهرة السينمائي، الذي يعد واحدًا من أهم المهرجانات السينمائية في العالم، ويحظى باهتمام، أو دعنا نقول يحظى باعتراف دولي. أيضًا من المفترض في المهرجانات الكبيرة أن تسمح للجمهور بمشاهدة الأفلام ومتابعة عروض المهرجان، كما يحدث مثلا في مهرجان القاهرة، لكن في الجونة البعيدة عن القاهرة ساعات طويلة، والتي تُصنف كمدينة للأثرياء، أو مكان لا يمكن للعامة أن يتجاوزوا أسواره، لا يوجد سوى أبناء الطبقة الأرستقراطية فقط، تمامًا كما يحدث في العاصمة الإدارية الجديدة التي لن يدخلها سوى الأثرياء وأصحاب المناصب الحكومية الرفيعة وكبار المسؤولين. هنا سيبدو أي مجال بشأن اهتمام بفن أو ثقافة محض كلام خائب لا غرض منه سوى إطلاق الشعارات فقط.

المهرجان لا يمكن وصفه بالممتاز، كما يحلو لعائلة ساويرس والمؤمنين بها أن يقولوا، ولا يمكن وصفه بالفاشل أيضًا، فهو مهرجان عادي، ويمكن ببعض التدقيق، وفي سياق توتر العلاقة بين آل ساويرس والنظام السياسي المصري، أن ننظر للمهرجان على أنه تحدٍ للدولة المصرية التي لا تقدر على تنظيم مهرجان القاهرة السينمائي كما يفعل آل ساويرس، الذين ينفقون بسخاء، في الوقت الذي يعاني فيه مهرجان القاهرة من التمويل وضعف الإمكانات على مستويات متعددة.

خضر وساويرس والملكية الفكرية

لكن حدثًا واحدًا هزّ المهرجان تمامًا، عندما نشر المخرج والمنتج المصري خضر محمد خضر، منذ أيام، عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فيديو يقول فيه إن فكرة مهرجان الجونة السينمائي سُرقت منه من جانب الفنانة بشرى ومنظم الحفلات عمرو منسي وكذلك كمال زادة.

وروى خضر أنه في يناير 2016 أسس مع الفنانة بشرى وكمال زادة شركة إنتاج سينمائي بدعم من نجيب ساويرس، وفي مارس اقترح على الفنانة بشرى إقامة مهرجان في الجونة، وطلب مقابلة نجيب ساويرس، الذي رحب بالفكرة وطلب إنشاء شركة لتنظيم المهرجان والإشراف عليه. وتأسست شركة "Gff" ودخل مع الثلاثي عمرو منسي منفردًا بنسبة 30%، وبسبب مشكلات بين خضر ومنسي، واستغلالًا للعلاقة الممتازة بين عمرو منسي وسميح ساويرس، تأسست شركة أخرى باسم مختلف هو "The Festival" بأسهم 38% لعمرو منسي، 38% للفنانة بشرى، 24% لكمال زادة، وبالتالي أصبح خضر محمد خضر خارج الحسابات تمامًا. ورفع خضر قضية لكن خسرها، ليقدم استئنافًا مُنتظرًا صدور الحكم النهائي.

ما بين معترض ومؤيد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والميديا ما نشره خضر، خاصة وأنه جاء مع إعلان آل ساويرس عن حضور الممثل العالمي سيلفستر ستالون لتكريمه خلال المهرجان، حيث فسره البعض بأنه جاء متأخرًا عامين كاملين، وتساءلوا مندهشين: "لماذا صمت عامين وجاء ليتحدث الآن؟ هل تذكر للتوّ ما جرى معه؟"، في حين عبر البعض الآخر عن اقتناعهم أن الأمر مرّ بهدوء بين خضر وساويرس، لكن ما حققه مهرجان الجونة من جذب لفناني مصر والعرب، وتكريمه لفنانين عالميين أيضًا، حرّك شيئًا في نفس خضر الذي نشر فيديو أثار جدلًا واسعًا وأثر سلبًا على المهرجان بشكل واضح. المؤكد هنا أن لخضر حق ملكية فكرية، لأنه صاحب الفكرة بالأساس، وتم طرده عمليًا خارج المهرجان، وربما ليس من حقه قانونًا أي تعويضات أو مستحقات مالية، لكن يبقى له حق أدبي، كما طالب هو. وهذا ما يقتنع به غالبية المتابعين للمهرجان وللأزمة بين خضر وساويرس.

سيلفستر ستالون

كان مشهد صعود النجم العالمي سيلفستر ستالون للمسرح لتكريمه على مجمل أعماله هو المشهد الأبرز في مهرجان الجونة، فهي المرة الأولى للرجل في مصر، وما حققه في مسيرته يجعل وجوده في مصر حدثًا استثنائيًا، ويمنح أيضًا الجهة التي استقدمته بهاءً لافتًا.

بدا ستالون سعيدًا، ووجه كلماته للجمهور قائلًا: "من الرائع أن أتواجد هنا، إن هوليوود لا تختلف عن مصر في السحر، وعندما تذكر اسم مصر يأتي لذهنك ذلك المجد والتاريخ الرائعان، كما أن لذلك نفحة رومانسية. لم آتِ إلى مصر من قبل، ولكني سأعود".

الجوائز

فاز الفيلم المصري "يوم الدين" مناصفة مع فيلم "يوم آخر من الحياة" بجائزة سينما من أجل الإنسانية، وقدمها المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو. ومن بين 23 فيلما روائيا قصيرا، منحت لجنة التحكيم جائزتها لفيلم "ما تعلاش عن الحاجب" للمخرج تامر عشري، مخرج فيلم "فوتو كوبي" الذي حصد جوائز عديدة منذ عرضه وحتى الآن. وفازت المخرجة التونسية كوثر بن هنية بجائزة نجمة الجونة البرونزية عن فيلمها "بطيخ الشيخ"، وذهبت جائزة نجمة الجونة الفضية للمخرج ريموند ريبا دوتيز من الفلبين عن فيلمه "حكم"، وذهبت الجائزة الذهبية للمخرجة أونيتا أون زاجا عن فيلمها "أغنيتنا للحرب" وتسلمها بدلًا منها المخرج أمير رمسيس.

وفيما يخص مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، حصل فيلم "عن الآباء والأبناء" للمخرج السوري طلال ديركي على جائزة نجمة الجونة لأفضل فيلم وثائقي عربي طويل، واقتنص الفيلم أيضًا جائزة نجمة الجونة الفضية للفيلم الوثائقي الطويل.

وفاز فيلم aquarela بجائزة نجمة الجونة الذهبية للفيلم الوثائقي الطويل، بينما حصد فيلم "المرجوحة" من لبنان إخراج سيريل عريس جائزة نجمة الجونة البرونزية للفيلم الوثائقي الطويل.

وحصد فيلم "أرض متخيلة" من سنغافورة للمخرجة إيوا سيوا هوا جائزة نجمة الجونة الذهبية للفيلم الروائي الطويل، بينما حصل فيلم "راي وليز" من المملكة المتحدة للمخرج ريتشارد بيلينجهام على جائزة نجمة الجونة الفضية للفيلم الروائي الطويل، وفاز فيلم "الوريثتان" من باراغواي للمخرج مارسيلو مارتينيسي بجائزة نجمة الجونة البرونزية للفيلم الروائي الطويل.

وقدمت الفنانة التونسية هند صبري جائزة أفضل ممثل في المهرجان وذهبت إلى الفنان محمد ظريف عن دوره بفيلم "ولدي" من تونس للمخرج محمد بن عطية، في حين فازت الممثلة جوانا كوليغ بجائزة أفضل ممثلة عن دورها بفيلم "حرب باردة".

وكان فيلم "يوم الدين" من أبرز الأعمال المشاركة في المهرجان، فقد فاز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل عربي، كما حصد جائزة سينما من أجل الإنسانية التي يختارها الجمهور، مناصفة مع فيلم "يوم آخر من الحياة". 

المدن الإلكترونية في

02.10.2018

 
 

مخرج مصري شاب يتهم الفنانة بشرى بالنصب وسرقة فكرة إطلاق مهرجان الجونة السينمائي

فايزة هنداوي

القاهرة – «القدس العربي» : قبل ختام مهرجان الجونة بساعات فجر المخرج الشاب محمد خضر، وصاحب إحدى شركات الدعايا والإعلان، مفاجأة كبيرة، حيث اتهم كلا من عمرو منسي والفنانة بشرى بسرقة فكرته لعمل مهرجان الجونة، كما اتهمهما بالنصب والاحتيال وإهدار كافة حقوقه الأدبية والمادية والمعنوية دون وجه حق، رغم ما بدر منه من معاملة حسنة وموافقة على جميع شروطهما.

بدأت الحكاية، حسبما كشف خضر، في فيديو نشره عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك» عندما أراد مقابلة مع نجيب ساويرس، فلجأ الى بشرى، كي تساعده في ذلك، بحكم معرفتها بساويرس، فأصرت أن تعرف سبب المقابلة، وما هي الفكرة، التي يريد أن يعرضها على ساويرس، وبحسن نية كشف لها عن فكرته كاملة، وبالفعل أبلغت ساويرس، وذهبت معه الى مكتبه، كي يعرضوا الفكرة بتفاصيلها عليه، والذي رحب جدًا بالفكرة بمجرد أن قرأ 3 صفحات فقط من خطة العمل الموضوعة، والتي كتبها خضر بأكملها.

ولكنه اشترط عليهم عمل شركة خاصة تحمل إسم المهرجانGFF) ) كما سماها خضر، بعيدًا عن شركتهم، التي أسسها كل من خضر وكمال زاده وبشرى، ودفع لهم مبلغا كي يساعدهم على البدء في تأسيسها، وبالفعل قاموا بعمل كل متطلبات انشاء الشركة.

وإذا ببشرى تقترح عليه وجود شخص يدعى عمرو منسي، الذي كان يجهله في البداية بحجة أنه مقرب من عائلة ساويرس وعلى دراية بتنظيم المهرجانات، حيث ينظم لهم مهرجان الاسكواش كل عام، فوافق وذهبوا لمقابلته واتفقوا على النسب المقررة بينهم وتراجعت بشرى وطالبته بأن يكون منسي ذا النصيب الأكبر، ووافق ولم يعترض.

يواصل خضر حديثه في الفيديو، مشيرا إلى أنه بعد شهور فوجئ بهم يسحبون منه حقه وقللوا من نسبته المتفق عليها، وتم تخفيض كل صلاحياته، وأخذها بدلا منه عمرو منسي بالكامل، وتم ابلاغه أنه سيكون شريكا صامتا، ليس له الحق في ابداء رأيه في ما يخص المهرجان، وكذا تخفيض نسبته الى 10 %، وزيادة نسبة كل من عمرو وبشرى وكمال زاده.

ومع ذلك لم يعترض ووافق على هذا، وتمر الشهور ويتفاجأ بإبلاغه أنهم قرروا الغاء الشركة تمامًا وإنشاء شركة أخرى بنسب مختلفة، لأن سميح ساويرس رفض أن يكون إسم الشركةGFF) ) لأن حرف جي خاص بالجونة فقط.

وذهب معهم بالفعل ومضوا عقود إغلاق الشركة وذهب لمنزله بعدما أوهموه أنه بعد أسبوع سيخبروه بموعد آخر لامضاء عقود الشركة الجديدة.

وتمر السنة دون أي جديد، حتى أرادوا أن يصارحوه أنهم استغنوا عنه تمامًا، وأنهم أنشأوا شركة ثلاثية بينهم دونه، وجاء اعترافهم له خشية أن يعرف أجلًا أو عاجلًا بحقيقة الأمر، وهنا انفعل وبدأت المشاحنات، وقام برفع قضية ضدهم، إلا أنه تم تأجيلها أكثر من مرة لأن عنوان بشرى لم يستدل عليه، حيث أنها تسكن في عنوان آخر غير المذكور في البطاقة الشخصية لها، والى الآن لم يستطع الحصول على حقه، وما آلمه أكثر هو أن لا أحد منهم ذكر اسمه نهائيا، وكل ما حدث أن بشرى نسبت الفكرة بأكملها لنفسها وكأن شيئا لم يكن، وكأنهم لم يعرفوه بتاتًا.

القدس العربي اللندنية في

02.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)