كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أفلام فائقة بالجونة 2

جمال السينما رغم بؤس الحياة

بقلم: صفاء الليثي

مهرجان الجونة السينمائي

الدورة الثانية

   
 
 
 
 

أحيانا أفكر لماذا أفلامهم جميلة ، وأفلامنا بائسة، هل لأن حياتهم بتفاصيلها الصغيرة أجمل وأكثر اقترابا من الحياة، أفلام الجونة 2 تنفي تماما هذه الفكرة فممكن جدا أن نشاهد فيلما شديد الجمال يعبر بإنسانية عن حياة بائسة لبشر وضعتهم ظروف عامة في أوضاع قاسية.

أتوقف عند ثلاثة أفلام جميلة رغم بؤس حياة أبطالها، " المذنب " و"حرب باردة " و " يوم الدين".

هناك مقولة أعارضها تماما " السينما صورة" يقلل فيها من يرددهها من أهمية شريط الصوت ، الحوار والمؤثرات الصوتية، فيلم " المذنب " ينسف هذه الفكرة تماما فالصورة لتسعين بالمائة من زمن الفيلم لا تتغير على وجه البطل الذي يتلقى مكالمات استغاثة ، لا يتركه المخرج لينقل الينا ما يحدث على الطرف الآخر فقط نسمع صوت الطفلة المتصلة المستغيثة ثم أمها من مكان آخر ، نتعلق بمصير الأم المخطوفة ، والطفلة المتروكة وحيدة ، ثم يحدث الانقلاب الدرامي ليتبين أن الأب ليس المجرم ، بل يصطحب الأم الى المصحة فقد قتلت رضيعها وتوشك على ارتكاب جريمة أخرى ، سوء التفاهم هو دائما ما يوقع بطلنا في المشاكل وينتهي الفيلم وقد أدركنا أن مشكلته هو هي الأساس وليس مشكلة المتصلين. إنه في موقع لا يصح فيه التعامل بقلبه، بل عليه أن يجنب العواطف وأن يكون حازما ومحايدا ليتمكن من مساعدة طالبي الاستغاثة. المخرج جوستاف مولر صور فيلمه بموقع وحيد وممثل وحيد- إلا نادرا- وحقق وظيفة الفن في إحداث تأثير قوي لدى المشاهد وينجح في خلق تعاطفه مع هذا المذنب الإنسان مرهف الحس.

فيلم " حرب باردة " الذي حصل على جائزة سمير فريد لأفضل فيلم روائي طويل، وهي جائزة تمنحها جمعية نقاد السينما المصريين ، يعبر بسينما شديدة الجمال عن مأساة فنان بولندي، جمع الموسيقى والغناء الشعبي لفلاحي بولندا وكون مع زميلة له فرقة غنت على مسارح ، بدأ الفيلم عام 1949مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، وبضغوط من السلطة المنتصرة أجبروا على الغناء وخلفهم صورة ضخمة لستالين ، ومرة أخرى ستالين ولينين ، هناك الفنان ورجل الإدارة الموالئ للسلطة وفتاة موهوبة وقع الفنان في غرامها منذ اللحظة الأولى. اختار المخرج التعبير بالأسود والأبيض في صورة أبعاد الكادر (3-4) كما السينما القديمة ، بعيدا عن الشعارات والسينما الزاعقة ، أصاغ قصة حب بين هذا الفنان الذي هرب الى باريس وعاش في المنفى بينما استغل رجل السلطة حبيبته ويتزوجها، الفنان يعيش مع مثقفة وشاعرة باريسية تغار منها الفتاة القروية ، يحضرني تعبير شعبي مصري ( بطينه ولا غسيل البرك )

هذه الفتاة بجمالها الفطري الوحشي في مقابل تكلف الباريسية ، حين تخبرها بسبب الغيرة أنها لا تحس بشعرها ولا تفهمه تقول الشاعرة، انها ميتافور – استعارة- تترقص ساخرة القروية في الحمام وتردد مياتافور! ، معاناة الفنانين في المنفى تحدث مع الأنظمة الشمولية، حدثت مع مواطني المعسكر الاشتراكي سابقا وتحدث مع مثقفي العراق وسوريا حاليا، هنا في الفيلم البولندي تناول بديع من خلال قصة حب ، روميو وجولييت بمعالجة مختلفة تناسب أجواء الحروب. 

"يوم الدين"  الذي قدم حكاية قوية حقيقية عن بشاي المبتلي بالجذام ، وأوباما النوبي اليتيم ، في إطار رحلة بشاي ليصل إلى عائلته في جنوب مصر، يرافقه رغما عنه الصبي الذي لم يعرف صديقا غيره، في الرحلة حكايات مختلفة واحد منه أعتبره وحدة مشهدية فائقة الجمال حين يختلف مع المتسول، نصف الرجل الذي فقد نصفله السفلي في حادث، وبعد الشجار يتعاطف معهما ويصطحبهما حيث مأواهم مع قزم لا تنقصه الحكمة، ومريض يمتلك حسا فكاهيا، وعن طريق هؤلاء المنبوذين يصلوا الى معرفة اسم أوباما الحقيقي ويساعد بشاي في الوصول الى قريته. وحدة مشهدية أبدعها المخرج أبو بكر شوقي لتخرج بالفيلم من الخاص لحالة بشاي الى العام حيث منبوذين تضطرهم الظروف للعيش على الهامش، يتضامنون بكبرياء ويقاومون ويستمرون في الحياة.

لماذا بكيت ولماذا بكى كثيرون تأثرا بالفيلم، لماذا استمر البكاء حتى بعد انتهاء الفيلم، لماذا اكتفينا بمشاهدته ولم نشأ أن يعكر صفو احساسنا أي عمل بعده ؟ "يوم الدين" حقق ما حققه "حرب باردة" و"مذنب" في الوصول الى وجدان المشاهد قبل تمحيص عناصر فن السينما بداخله. فيلم سينما كبير لا يخلو من بعض الهنات ولكنه يترك أثرا ممتدا حتى بعد مشاهدته بزمن طويل. تميز الفيلم بأماكن تمثل مسحا لمصر، الصحراء يشقها شريط القطار، الريف بوحدته الصحية الفقيرة وترعته التي يستحم فيها البشر والحيوان، مدنه الصغيرة وأماكنه العشوائية التي يعيش فيها فقراء يتضامنون معا. قيادة المخرج لأبطال فيلمه وغالبيتهم من غير المحترفين أضفت على الفيلم مذاقا مختلفا وأبعده عن التحذلق الذي يلجأ إليه البعض ونلمسه داخل بعض الأفلام ، مثل اللجوء إلى ما يعرف بالإسقاط، أو الاستعارة في غير موضعها . 

الاستعارة أو الميتافور الذي سخرت منه بطلة "حرب باردة" هذا الميتافور الذي يقوم عليه فيلم السورية  سؤدد كعدان هو تماما ما يبعدني عن الفيلم الذي لم أتواصل معه ولم تنجح مخرجته في إيصال رسالتها حول من هم بلا ظلال بينما جنود السلطة ومعارضي الإسلام السياسي ظلهم ممتد. يمكن أن تكتب مقالا أو عمودا صحفيا عن هذه الفكرة ، ولكن أين السينما في فيلم طويل به تمثيل رديء وصورة فارغة بلا أي دلالات . هناك أشرار حتى النهاية – جنود الجيش – وملائكة حياتهم تعسة ، ومقاومة إسلامية أضفت عليهم شرعية وجعلتهم يحفرون قبورهم قبل العودة من التظاهر. الجوائز لم تعد دليلا على تميز الأفلام، غالبا هناك دوافع سياسية لتشجيع البعض ما دامت وجهة نظرهم متفقة مع ما يريده الغرب من مهاجمة النظام السوري وجيشه. على العكس من ذلك أثار المخرج السوري العائش بألمانيا تعاطفنا مع جنود الجيش الذي أسرهم جنود النصرة ، يسأله الجهادي لماذا التحقت بجيش الأسد فيرد الشاب منكسرا ( من أجل الراتب ) يبقي المخرج الكاميرا طويلا على وجوه الجنود ودموع أحدهم تنساب في صمت . طلال الديركي التحق بجماعة النصرة مخاطرا بحياته ليصورهم عن قرب، مجهود عظيم، جهاد لمناصرة الحق أسفر عن بحث مهم جدا عن كارثة هؤلاء العائشون في الماضي والذين يرتكبون جريمة كبرى في تنشئة أبنائهم على ممارسة العنف وتوجيههم إلى القتل بداية من دفع ابنه أسامة ليذبح بيده العصفور الصغير الذي أمسكه بيده، تشجيعه على الذبح والإشادة بفعله على أنه عمل بطولي. المخرج بمهارة كبيرة يتتبع الرجل مع أطفاله، ثم وهو يبطل أفعال الألغام ببدائية وصولا إلى قطع قدمه وتشوه وجهه. في جلساتهم يتضح أنهم منجذبون إلى النبي محمد والإسلام الذي يسمح له بالتمتع بأربع سيدات، أحدهم يقول أنه ينوي أن يتزوجهم في ليلة واحدة ، أربعة من الأخوات ، المتطوعات. لايقدم لنا المخرج الجانب الآخر نهائيا مركزا على موضوعه حول هذا الكابوس المرعب الذي هدد وطنه سوريا وجعله يعود – بعد التصوير – الى منفاه في برلين. يعود واليقين المحزن أن وطنه قد ضاع ولن يعود كما كان أبدا مع إصرار هؤلاء ( المجاهدين) أن الحرب مستمرة حتى إقامة دولة الخلافة العادلة ، يسأله الرجل- ممثلا المخرج- العادلة؟ باستنكار لا يفهمه المغيب الذي يردد آيات القرآن طبقا لفهمه الذي يدفعه الى القتل وإلى خوض معارك تنتهي بضياع قدمه وبموت أصدقائه وبضياع مستقبل أبنائه الذين يتصورون أنهم يلعبون. يشارك "عن الآباء والأبناء " مسابقة التسجيلي الطويل وأرشحه للجائزة الكبرى في هذا القسم.

تناولت المخرجة السورية سؤدد كعدان حالة آنية للسوريين الضائعين بين سلطة دكتاتورية وإسلاميين ، فجاء عملها سطحيا ومباشرا ، ضعيف فنيا وفشل في إحداث تعاطف المشاهدين مع أبطاله . وقدم المخرج البولندي بافل بافليكوفسكي في فيلمه " حرب باردة " عن حالة ماضية تمكن فيها من النظر عن بعد بعمق ابتعد فيه عن المباشرة بل من خلال قصة حب عبر عن مأساة العيش في ظل أنظمة شمولية وعن مأساة العيش بالمنفى، مكثفا الفكرة في استحالة العيش مع الحبيبة وفي صعوبة الاحتفاظ بالرغبة المشروعة الوحيدة في العيش معا في بلدهما.

نجح القائمون على مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الثانية في تجميع أجمل الأفلام مصريا وعربيا وعالميا، في برنامج تم صياغته بحيث يمكن الاستفادة من كل فعالياته ويبقى أننا كمشاركين علينا واجب المتابعة قدر استطاعتنا احتراما لجهد منظميه وهو ما يحرص عليه الجميع نقادا وسينمائيين.

مدونة الناقدة (دنيا الفيلم ) في

02.10.2018

 
 

ريم صالح: «الجمعية» ليس فيلما سياسيا.. ولا يسىء لصورة مصر

حوار ــ أحمد فاروق:

·        سكان «روض الفرج» جزء من عائلتى.. ومن المستحيل أن أتناول حياتهم بشكل مغرض

·        تحملت 70% من ميزانية الفيلم.. وحصلت على تمويل «الدوحة» قبل تدهور العلاقات مع القاهرة

أثار عرض فيلم «الجمعية»، ضمن فاعليات الدورة الثانية لمهرجان الجونة التى اختتمت الجمعة الماضية، العديد من علامات الاستفهام، فالفيلم الوثائقى الذى أخرجته ريم صالح اللبنانية من أم مصرية، تدور أحداثه فى حى روض الفرج، الذى يعد واحدا من أفقر الأحياء السكنية فى القاهرة، ومن خلال فكرة «الجمعية» التى يتجاوز بها الناس الكثير من مصاعب الحياة، تدخل المخرجة بالكاميرا هذا العالم الملىء بالحكايات.

«الشروق» التقت المخرجة ريم صالح، لتسألها عن سبب تقديم فيلم تدور أحداثه بمنطقة روض الفرج، وإلى أى مدى حصولها على تمويل قطرى، أثر على سياسة الفيلم، كما تتحدث خلال الحوار عن كيفية إقناع أهل المنطقة بتصوير تفاصيل حياتهم فى فيلم يجوب مهرجانات العالم.

تقول ريم صالح: ولدت لأب لبنانى وأم مصرية من منطقة «روض الفرج»، كانت مريضة فى آخر مرحلة من حياتها، قبل أن ترحل ليلة رأس السنة عام 2010، ولأنها غابت عن مصر فترة طويلة، كانت تحن دائما للمنطقة التى نشأت بها ــ روض الفرج ــ فطلبت منى أن أدفنها بالقاهرة، وبالفعل تم تنفيذ وصيتها، وأقمنا العزاء فى «روض الفرج»، وكانت هذه بداية التفكير فى الفيلم، خاصة بعد أن تعرفت على المكان، والناس، وتأثرت جدا بحالة التكاتف والتضامن بينهم.

خلال العام الذى رحلت فيه والدتى، كنت أتردد على القاهرة كثيرا، وعندما عرفت بفكرة «الجمعية» فى الأحياء الشعبية، أعجبت بها جدا، وطرحت على منتج صديق، أن يصور فيلما عنها، لأنها ظاهرة غير موجودة بهذه الكثافة فى أى مكان بالعالم، لكنه كان مشغولا، فقررت أن أخرج الفيلم.

والمقصود من «الجمعية» ليس فقط المعنى المباشر، حيث يجمع المشاركون فيها مبلغا محددا من المال ليحصل عليه شخص واحد كل شهر، ولكنها بوابة للدخول إلى هذا المجتمع، الذى يرفع شعار التضامن فى كل المناسبات مثل شهر رمضان والأعياد، والأفراح والأحزان.

·        كيف أقنعت أهل «روض الفرج» بتصوير حياتهم لمدة 6 سنوات فى فيلم.. وهل كانت الموافقة مقابل المال؟ 

ــ بدأت الفيلم من خلال شخصية «عادل» الذى كان ينظم جمعية تضم 10 أشخاص، هم كانوا الأساس الذى انطلقت منه التجربة، وبشكل عفوى، تتبعنا منهم 5 شخصيات فقط، ليس لشىء إلا لأنهم كانوا الأكثر تفاعلا، وأحبوا فكرة تواجدهم ضمن الفيلم أكثر من غيرهم.

وشخصية مثل «أم غريب» كانت متحمسة جدا، فكانت تدقق بتفاصيل أكثر من فريق العمل، كما أنها التى كانت تتصل بى، وتدعونى لتصوير كل حدث مرتبط بالجمعية، وهذه السيدة نموذج للمرأة المصرية الصبورة التى تحب أبناءها وتضحى بالكثير من أجلهم، واختارت أن يعرف الناس من خلال الفيلم ما تقوم به من أجل عائلتها.

أما فيما يتعلق بالمال، فالحقيقة أننى تعاملت مع كل من شارك بالفيلم باعتباره ضمن فريق العمل، وكانت هناك بالفعل مساعدات.

·        كيف قابلت الاتهامات التى تواجه الفيلم بأنه يتعمد تشويه صورة مصر؟

ــ لابد أن يعرف الجميع، أن الفقر ليس عيبا، ويجب ألا ينظر أحد للفيلم من منظور ضيق، وإنما يرى النظرة الأوسع للفيلم، بأن هناك أشخاصا تبذل مجهودا كبيرا حتى تتخطى الصعاب.

ولمن لا يعرف، أنا تعاملت مع الفيلم باعتبارى جزءا من مصر، وأن سكان روض الفرج من أهلى، وبالتالى من المستحيل أن أتناول حياتهم بشكل مغرض، أو أكون سببا فى تشويههم، كما أننى كنت أصور الفيلم من وجهة نظر والدتى التى كانت تحدثنى عن المكان طوال الوقت، فأنا اعتبرته تعزية لنفسى ولوالدتى، ولذلك أهديته لروحها على تتر النهاية، ولأن أهل روض الفرج ساعدونى على تجاوز محنة وفاة والدتى، رأيت فى هذا المكان جماليات كثيرة رغم بساطته.

ليس هذا فقط، وإنما يجب أن يعرف أصحاب هذه النظرة السلبية، أن الفيلم عندما عرض بعدد من المهرجانات فى أوروبا، كانت قراءة الجميع للفيلم إيجابية، فالكل يستوعب أن هذه طبقة موجود مثلها فى كل دول العالم، كما أن الجميع توقف عند الحرص على التكاتف والتضامن بين أهل «روض الفرج» رغم الفقر الذى يعانون منه، لأن هذا التعاون ليس موجودا عند مثل هذه الطبقة فى البلدان الأخرى.

·        ربما البعض يرى الفيلم من منظور سلبى لأنه أنتج بتمويل قطرى التى تسعى دائما لتشويه صورة مصر؟

ــ لم أقدم الفيلم بوجهة نظر سياسية على الاطلاق، فهذا الفيلم يمكن أن يكون فى أى زمان وفى أى مكان، وأعتبر التفكير بهذه الطريقة، هو حالة من التربص بالفيلم، فهذه اتهامات باطلة وليس لها أى مصداقية، لسببين، أن كل من يتابع السينما، يعرف أن هناك 3 صناديق فى الوطن العربى لتمويل السينما، وقد حصلت على دعم من الثلاثة.

وللعلم، لقد بدأت تصوير الفيلم لمدة 3 سنوات بدون تمويل، وعندما حصلت على التمويل من الدوحة، كان ذلك عام 2012، وقتها لم يكن هناك أزمة سياسية بين مصر وقطر، وبالتالى لا يمكن اتهامنا بأننا أداة.

كما أننى أحب توضيح، بأننى الممول الأول للفيلم، فميزانيته نحو 300 ألف دولار، تحملت منها نحو 70 %.

·        هل الفيلم تم تصويره بطريقة مشروعة بموافقات من الجهات الرسمية.. أم بطريقة ودية باتفاق ودى مع أهل المنطقة؟

ــ نعم الفيلم تم تصويره بشكل شرعى، حصلنا على موافقات للتصوير من الشخصيات التى ظهرت بالفيلم داخل منازلها، كما حصل فريق العمل على موافقات من الجهات المختصة، وأتذكر أننا فى نهاية التصوير كان فى حضور الشرطة.

الشروق المصرية في

02.10.2018

 
 

قراءة في أفلام الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي

عبدالكريم واكريم

تميزت الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي بالقيمة النوعية للأفلام المشاركة فيه، إذ تمكن جمهور المهرجان من مشاهدة أفضل ما أنتج عالميا في عروض أولى أو ثانية خصوصا في المنطقة العربية التي استطاع المهرجان احتكار العرض الأول لأفلام مهمة بها ومنها من فاز بجوائز في مهرجانات عالمية ككان وبرلين والبندقية ولوكارنو

"أرض متخيلة" فيلم مختلف

يذهب بنا مخرج فيلم “أرض متخلية” لسنغافوري إيوا سيوا هوا، الفائز بالنجمة الذهبية لمهرجان الجونة، في مسارات غير متوقعة ولا ننتظرها كمشاهدين مكسرا أفق انتظاراتنا وهادما إياها كليا، فهو في فيلمه هذا من تلك النوعية من المخرجين الذين يأخذون جنسا سينمائيا ليعيدوا صوغه بشكل مختلف واللعب فيه حسب مايمتلكونه من خلفيات غير تلك السينمائية التي يتمكنون منها جيدا، وإذا علمنا أن مخرجنا قادم من ميدان الفلسفة التي درسها لسنوات سنتفهم مسار فيلمه ونعشقه.

من المعتاد أننا حينما نجد أمامنا مفتشا للشرطة إضافة لاختفاء أشخاص ويبدأ التحقيق فنحن أما فيلم بوليسي كلاسيكي منبني على التشويق وبه كل الحبك البوليسية المعروفة، هنا المفتش موجود وبداية الحبكة حاضرة لكن لاشيء مما سيلي يشبه الأفلام البوليسية التقليدية. إذ سندخل مع الشرطي ثم في فلاشباك طويل مع المختفي في عالم أشبه بالكابوس فكلا الشخصين يعانيان من الأرق والمفتش في لحظة من الفيلم يصبح حلما للمختفي وتختلط الأوراق لكن المخرج يكون قد مرر رسالته التي أراد في قالب فني وجمالي مكنه من الحصول على الجائزة الكبرى(الفهد الذهبي) في مهرجان لوكارنو السينمائي المعروف بكونه مكتشف المواهب الكبيرة في السينما والذي عرف مولد وبدايات مخرجين عالميين كبار. فيلم يستحق أكثر من مشاهدة واحدة.

"الوريثتان" فيلم حميمي وإنساني

فيلم “الوريثتان” للمخرج الباراغوايي ماتشيلو مارتنيسي، الفائز بالنجمة البرونزية لمهرجان الجونة، يتميز بكونه مكتوب بشكل جيد، فكل تفصيلة فيه منسوجة بدقة وحرفية النساج الذي لاتفلته التفاصيل . لكن يظل التميز في شخصية تشيلا المكتوبة بروية وعمق، الكهلة سليلة عائلة أرستوقراطية ووريثة ديون وإفلاس عائلتها هي وتشيكيتا رفيقتها في المنزل وشريكتها في الإرث المنتمية لنفس العائلة، هذه الأخيرة التي كانت دائما كالوصية عليها والحامية لها بحكم شخصيتها القوية عكس تشيلا ذات النفسية الهشة والمهزوزة والشخصية الضعيفة، وسيظل الوضع على هذا الحال إلى أن تدخل تشيكيتا للسجن بتهمة الاحتيال فتبدأ شخصية تشيلا في التَّحول نتيجة خروجها القسري للواقع ونتيجة احتياجها المادي الذي أدى بها وبشكل غير مخطط له لتوصيل الجارات المُسٍنَّات في مشاويرهن في سيارتها القديمة المتهالكة مقابل أجر، الأمر الذي سيكون سببا في لقائها بشابة منطلقة تعيش حياتها بالطول والعرض والتي تقلب حياة تشيلا رأسا على عقب، وحين تخرج تشيكيتا من السجن وتعود للمنزل المشترك لن تجد حتما تشيلا التي تركتها بل شخصية أخرى مختلفة تماما.

وقد استحقت الممثلة أنا برون عن أدائها المبهر لدور تشيلا جائزة أفضل ممثلة بمهرجان برلين السينمائي، وفاز الفيلم في نفس المهرجان بجائزة “ألفيرد باور” وجائزة “الفيربيسي” التي يمنحها (اتحاد نقاد السينما الدولي) بمهرجان برلين أيضا. فيلم حميمي ذو لمسة إنسانية لا تخطئها العين السينفيلية أبدا

"الرجل الذي فاجأ العالم" ..إرث السينما والأدب الروسيين

أبدا لاتُخيب ظننا الأفلام القادمة من أوروبا الشرقية عموما ومن روسيا على الخصوص، بلد السينمائيين الكبار والسينما العريقة والمتميزة والمختلفة. وقد كان ذلك حال فيلم"  الرجل الذي فاجأ الجميع"، الذي نال تنويها مستحقا من لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الروائي الطويل بمهرجان الجونة السينمائي.  إذ جعلنا المخرجان ألكسي شوبوف وناتاليا ميركولوفا نعيش لحظات من السينما الحقيقية والمتشبعة أيضا بإرث الحكي الجميل الموروث عن السينما والأدب الروسيين، وأي سينما هي تلك، وأي أدب أفضل من الأدب الروسي الكبير.

يحكي لنا المخرجان في فيلمهما هذا قصة رجل في الأربعينيات من عمره يشتغل كحارس غابوي ويقطن بإحدى القرى السيبيرية النائية ويعيش حياة سعيدة مع زوجته وابنه وأب زوجته العجوز الخَرِف، في انتظار أن تلد الزوجة الحاملة مولودا جديدا، إلى أن يعلم أنه مريض بالسرطان وأنه في مراحله الأخيرة وأن أيامه في الحياة أصبحت معدودة، وبعد كل المحاولات مع الأطباء ورغم أن التحليلات قطعت الشك باليقين، تصر زوجته أن تذهب به أخيرا عند مشعودة لترقيه لكن لا فائدة، هذه المشعوة نفسها هي التي ستروي للمريض قصة إوزة ذكر طارده الموت فتَنَكَّر بين الإوزَّات الأنثى فلم يعرفه الموت وتاه عنه. من هذه النقطة في الحكي والسرد الفيلمي سينقلب الفيلم رأسا على عقب ونجد أنفسنا مع شخصية من تلك الشخوص التي لايمكن أن يرسمها ويحيكها بتلك الدقة والحب سوى مبدعون متمرسون، وأحداث لايتخيلها سوى من تمرس على الحكي وعرف دروبه، إذ سيقرر إيغور المريض ومن لحظة سماعه القصة من العجوز المشعوذة التي اعترفت له بقلة حيلتها وهي تحتسي قنينة من الفودكا، أن يتنكر في زي امرأة الأمر الذي سيخلق المتاعب له ولأسرته كلها، خصوصا أن محيطهما جد محافظ ولايقبل أن يتحول رجل لأنثى في قرية تعتز بذكوريتها.

رغم أني حكيت جزءا من القصة وبعضا من أحداثها فإن مايُرى على الشاشة لايُحكى بل يجب مشاهدته بلغة الصورة وبلاغتها. على العموم فشخصية إغور ومنذ تحوُّلها إلى أنثى ستُضرب عن الكلام وفي نفس الوقت ستُصٍرُّ على عدم التراجع عن قرارها رغم كل محاولات من يحيطون به لإثنائه عما أقدم عليه، إذ ستطرده الزوجة في بادئ الأمر من المنزل ثم سيتعرض للضرب والمهانة من قِبَل أهل القرية الذين سيطالبونه بالرحيل، ليأتيه ابنه البالغ من العمر قرابة العشر سنوات أو يزيد طالبا منه أن يخرج من مخبئه ليخبر الناس أنه رجل، لكن لاجدوى من المحاولة.

التمثيل بالفيلم جيد خصوصا فيما يخص يفجيني تسيغانوف في دور إيغور المريض بالسرطان، بحيث استطاع هذا الممثل التحول من مرحلة المرض الأولى التي كانت فيها الشخصية تعاني لكن بشكل يتقبله الكل حولها رغم تعاطفهم معها، ثم كيف سينقلب لشخصية أخرى تماما بعد أن يصير أنثى وكأننا أخذنا ممثلا وجئنا بممثل آخر.

الفيلم مكتوب بشكل جيد الأمر الذي يجعل ذلك يظهر بجلاء على الشاشة فلا خواءات درامية هنالك وكل مشهد موضوع بعناية في مكانه بشكل يجعل تسلسل الأحداث وبناء الشخصيات يصل قمة الإتقان، هاته الأخيرة التي كتبت بدقة وبإحساس إنساني كبير خصوصا شخصية إيغور وشخصية زوجته، دون نسيان شخصية أب الزوجة الذي نراه في البداية يُشرِفُ على الخَرَفِ والعتَه إلى درجة أن ابنته تقول لإيغون أن أباها أصبح عالة عليهم، لكن هذه الشخصية ستنقلب تماما بدورها حينما يبدو لها أن كل الأمور قد تغيرت من حولها خصوصا في المنزل حيث سيساعد ابنته في أعباء المنزل بغسل الصحون والقيام بأشياء أخرى، ثم سينبري بعد ذلك للدفاع عن إيغور في وجه من سيعتدون عليه من سكان القرية بشهره السلاح في وجوههم وتهديدهم حتى ينصرفوا. بعض الأفلام تشكل حالات جميلة ومختلفة وفيلمنا هذا من تلك الأفلام.

"يوم الدين" حدث سينمائي عربي

يمكن القول وبدون تحفظ بأن فيلم "يوم الدين" للمخرج المصري الشاب أبو بكر شوقي ، الفائز بجائزتي "سينما من أجل الإنسانية" و جائزة أفضل فيلم عربي بمهرجان الجونة، من أهم ما أنتج عربيا خلال السنوات الماضية ، ومما يجعله مختلفا ابتعاد مخرجه عن الادعاء الشكلاني المبالغ فيه والذي يسقط فيه البعض، وإنسانيته التي لاتخلو منها لقطة أو مشهد من الفيلم، على العموم فهو فيلم جد حميمي وجد صادق ، نظرا لأن المخرج انطلق من تجربة حياتية حقيقية ونسج حولها حكايته البسيطة والعميقة إنسانيا في نفس الآن.

اعتمد المخرج في فيلمه هذا على ممثلين هواة أو على الأصح غير ممثلين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة وفي أدوار رئيسية، مدعما إياهم بممثلين محترفين في أدوار ثانوية لكن أساسية ولايستغني السرد المحبوك بدقة وحرفية وعشق عنها.

حينما نتجرأ على القول بأن وجهة نظر المخرج السينمائي تكمن في الزوايا التي يضع فيها كاميراه وحجم اللقطات التي يختارها فإن هذا الكلام ينطبق بشدة على فيلم "يوم الدين"، فبقدر ما يتماهى أبوبكر شوقي مع شخوصه ويتبنى قضاياها من خلال مشاهد تلتصق فيها الكاميرا في لقطات مقربة بالشخصيتين الرئيسيتين في لحظات الفرح والانطلاق والحنين والحيرة، فإنه يفضل في لحظات الحزن المكثف أن يبعد كاميراه ويصور هاتين الشخصيتين في لقطات عامة تبتلع فيها الصحراء الشخصيات لنراها كمشاهدين كخيالات هلامية والأصفر الصحراوي يحيط بها ويُشيِّئها، جاعلا مسافة بيننا وبينها ومانعا عنا كمشاهدين التماهي الفج معها، وهو حينما يفعل ذلك فلِيُطَلِّقَ الميلودراما المبتزة للعواطف والتي تغري بها مثل هاته التيمات.

من يشاهد فيلم "يوم الدين" ولديه عين سينفيلية سيعلم أنه أمام مولد مخرج مهم قادم بقوة وسيقول كلماته في القادم من الأفلام، وما التصفيقات الطويلة والتهليلات التي نبعت من جنبات مسرح الجونة في نهاية عرض الفيلم سوى دليل على أن أبوبكر شوقي قد ربح رهانه الفني بفيلمه الجميل هذا الذي سيسيل كثيرا من المداد حوله مستقبلا.

دوغمان” فيلم بسيط وعميق

تميز فيلم “دوغمان” للمخرج الإيطالي ماتيو غاروني الذي عرض ضمن العروض الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي خارج المسابقة، بكونه فيلما بسيطا وعميقا في آن واحد، وتتجلى بساطته في كونه يرتكز على قصة ليس فيها افتعال وأحداث تُحكى بشكل خطي لا يكسره أي شائب، فيما يتجلى عمقه في غوصه في أعماق النفس البشرية بشكل يذكرنا مثلا بشخوص دويستيوفسكي، خصوصا الشخصية الرئيسة لوتشيو مربي الكلاب ، هاته الشخصية التي أداها الممثل مارشيلو فونتي بحرفية وعمق كبيرين استحق عنهما جائزة أفضل ممثل خلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، كوننا نقرأ كل معاناة هذه الشخصية في تعابير وجه الممثل وعلى جسده الضئيل المنهك، إذ هي من تلك الشخصيات السلبية التي تتلقى الضربات باستمرار ولا تَردُّ عليها، لكن لوتشينو سينفجر في النهاية ويرد الاعتبار لنفسه رغم أن نفسيته لايبدو أنها قد ارتدت لسَوِيَّتها بل ازدادت تعقيدا ومعاناة.

ويقول ماتيو غاروني عن سبب اختياره لمارتشيلو فونتي لأداء الشخصية الرئيسية لفيلمه : “إنه يمتلك وجها من تلك الوجوه القديمة الطراز، ولديه نظرة تتميز بالحنان والعطف والإنسانية، ويعرف كيف يمثل بعينيه، رأيت فيه شبيها لباستر كيتون، ولا أظن أن ممثلا آخر كان ليلعب الدور أفضل منه، إنه يجسد آخر تجليات البراءة”. ويمكن لي أن أؤكد هذا إذ أن مارتشيلو فونتي الذي حضر مع الفيلم للجونة وتفاعل بعفوية مع جمهور المهرجان يبدو أنه يمتلك كل هذه الصفات.

يرجع ماتيو غاروني في فيلمه هذا لأجواء مشابهة لفيلمه”غومورا”، أجواء العنف والمخدرات والشخوص الهامشية، وحتى الفضاءات التي يختارها توحي بتلك الهامشية المطلقة والبعد عن المركز “السَّوِي” والمُرفَّه.

على العموم فإننا نجد في فيلم “دوغمان “أجواء طبعت مسارات كبار المخرجين الإيطاليين وميزت السينما الإيطالية عن غيرها من السينمات، فحتى والمخرج يغرق ويغرقنا مع شخصية لوتشينو السلبية التي تعاني رغم حبها للناس وللحيوانات إلى درجة يغامر فيها بإنقاذ حياة كلبة رغم مايكتسي ذلك من مخاطر، فإنه لاينسى أن يضع لمسات من الكوميديا في مسار حكيه يخفف بها من ثقل التيمة وقساوتها.

المُذنِب”: تشويق في فضاء داخلي

بفيلمه الروائي الطويل الأول “المذنب”، الذي عرض ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، استطاع المخرج الدنماركي تحقيق التحدي بصنع فيلم يعتمد كثيرا على المؤثرات الصوتية والكلام وقوة أداء ممثل أساسي وحيد حمل ثقل الفيلم على ظهره طيلة لحظات الفيلم.

تدور كل أحداث فيلم “المذنب” في فضاء داخلي، رغم أن كل الأحداث التي صاغها المخرج بشكل تشويقي لاهث كانت تحدث في الخارج في جو ممطر، والتي جعلنا المخرج نعيش معها كمشاهدين صحبة الشخصية الرئيسية وهو شرطي يعيش مشاكل في عمله وتم تنقيله للعمل المكتبي لتلقي مكالمات المواطنين الذين يجدون أنفسهم في مشاكل، وإذا به يجد نفسه أمام مكالمة تقلب مسار اهتمامه وتجعله يركز معها دون غيرها كون صاحبتها تشتكي من تعرضها لخطر داهم لتتطور الأحداث بعد ذلك في مسار غير متوقع.

وكان تحدي المخرج الدنماركي في فيلمه هذا هو كيف أن يمسك بخيوط السرد والتشويق دون أن ينقل كاميراته للخارج، وقد نجح في ذلك بشكل كبير متفوقا في جعل فيلمه من بين تلك الأفلام التي تدور في فضاء مغلق واحد ويكون الكلام والحوار هو نقطة قوتها الكبرى.

"يوم أضعت ظلي" و"ريح رباني" الإيديولوجيا المبطنة في قالب فني

إذا كان فيلم "يوم أضعت ظلي" للمخرجة السورية سؤدد كعدان الذي عُرض ضمن مسابقة الفيلم الروائي الطويل بمهرجان الجونة مقبولا فنيا بصفة عامة  فإن خطابه الإديولوجي والسياسي يجعلنا نطرح عدة تساؤلات .

لكن رغم كل شيء يشفع للمخرجة سؤدد كعدان الفائزة بجائزة “لويجي دي لاورينتيس” للعمل الأول بمهرجان البندقية، كونها اشتغلت في فيلمها بأسلوب فني ضاع أو كاد مع هذا الخطاب إيديولوجي.

ينبني الفيلم على فكرة فنية تتمحور على كون من يهبون نفسهم للنضال ولايعودون يخافون من “القوة الغاشمة” للنظام ومن “قمعه” يفقدون ظلهم في انتظار أن “يستشهدوا”. وهكذا نرى جلال منذ بداية الفيلم غير مكترث بالعسكر ولا برشاشاتهم ويخاطبهم بدون رهبة ولا خوف هو الفاقد لظله، ليتم اغتياله بعد ذلك ، لتفقد حبيبته بدوره ظلها وهي تحمل جثته بين يديها، أما سناء الشخصية المحورية في الفيلم والتي تورطت في معمعة هذا الصراع بدون رغبة منها وهي تأمل فقط في الحصول على قنينة غاز من أجل طبخ الطعام لطفلها فتكون آخر من يفقد ظله في الفيلم لتتخلص من الخوف الذي طاردها طيلة لحظاته ومنذ البداية، ونجد بالفيلم حوارا يلخص هذه الفكرة حينما يقول جلال لسناء أن “مايحدث لنا عكس ما حدث في هيروشيما، حيث لم يعد بالمدينة سوى ظلال للناس الذين اختفوا فيما نحن تختفي ظلالنا”.

طبعا يمكن استشفاف الطابع الشبه فنطازي للفيلم ونوع من الواقعية السحرية التي تتخلله مع مشاهد شاعرية تدع فيها المخرجة الشابة لكاميراتها العنان لتمسح بحنان على جذع الأشجار والطبيعة عموما، وكأننا بها متأثرة بأسلوب طاركوفسكي في هذا السياق، فيما تلجأ في لحظات أخرى تطغى فيها الأعصاب التشنجة لاستعمال كاميرا محمولة على الكتف ذات حركات عصبية وغير ثابتة.

أما الفيلم الجديد لمرزاق علواش فجاء مخيبا للآمال المعلقة على مخرج كبير وعلى مساره المتميز، فهو فيلم بدون عمق فني وبشخصيات تبدو كرطونية وتمثيل متذبذب، لاشيء أعطانا إياه علواش في هذا الفيلم كي نتشبث به كمحبين لأفلامه السابقة. وسأعيد ما كتبته أكثر من مرة والذي ينطبق على فيلم علواش "ريح رباني"، بأن بعض المخرجين العرب حين يتناولون قضايا تتعلق بالتطرف الديني وبالجماعات الإسلامية لايدعون إديولوجيتهم خارج ماهو إبداعي الأمر الذي يجعلهم يصورون شخوصا ليس لها علاقة بالواقع وأحداثا سطحية قد يكون ما يحبل به الواقع اليومي أغنى كثيرا منها.  إن لم يحب المخرج أو الروائي شخوصه وحاول إصدار أحكام عليها فإنها تأتي فجة وسطحية وغير ذات عمق، وهذا ينطبق على فيلم علواش الجديد لأنه يبدو أنه كره شخصية الفتاة الانتحارية والمتطرفة دينيا وأوحى للممثلة التي أدت دورها أن تلعب بالكيفية التي لعبت بها الدور والتي نفرت كل من شاهد الفيلم من هذا الدور ومن الفيلم كله.

أتذكر كيف كتبتُ عن فيلم "التائب" الذي تدور أحداثه عن راجع من حضن الحركات المتطرفة في مقال نقدي وفي مسار كتابتي عن مسيرة علواش كاملة وكيف أني أبديت إعجابي بالفيلم لأن مخرجه لم يسقط في تلك النمطية التي يسقط فيها مخرجون آخرون وهم يتناولون مثل هاته التيمات، لكن اليوم أقول لمرزاق علواش عذرا لم يعجبني فيلمك الجديد، وأنا في انتظار إبداعاتك القادمة، لأني أعلم أنك مخرج كبير ولكل جواد كبوة.

على العموم فقد أتاح مهرجان الجونة في دورته الثانية فرصة للجمهور والمتتبعين لمشاهدة وجبة جد دسمة من أهم ما أنتج عالميا هذه السنة، وبهذا يكرس الجونة السينمائي نفسه كموعد سينمائي لامحيد عنه في المنطقة

موقع "أويما 20" في

03.10.2018

 
 

أبيض وأسود

يوم الدين

بقلم : حسام حافظ

يستطيع الجمهور المصري مشاهدة فيلم "يوم الدين" في دور العرض حاليا وهو الفيلم الروائي الأول للمخرج أبوبكر شوقي والذي اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" هذا العام وحصل علي جائزة فرانسوا شاليه كما اختارته لجنة نقابة السينمائيين لتمثيل مصر في مسابقة أوسكار أحسن فيلم أجنبي "غير ناطق بالانجليزية". 

ويبدو أن هذا الاحتفال الكبير بالفيلم رفع سقف توقعات البعض والحقيقة ان فيلم "يوم الدين" واحد من الأفلام البسيطة التي تعتمد علي قصة انسانية خالية من الغموض يستطيع المشاهد العادي متابعتها دون ملل والمخرج أبوبكر شوقي هو نفسه كاتب القصة والسيناريو وقد كان يذهب مع والده الطبيب إلي مستعمرة مرضي الجذام بالقليوبية والتي قدم عنها فيلم تخرجه في معهد السينما ثم سافر مع والدته النمساوية واستكمل دراسته في نيويورك. 

تدور قصة الفيلم حول تجربة واحدة في حياة "بشاي" مريض الجذام بعد أن تم شفاؤه وأصبح يعمل في التنقيب عن المتروكات الصالحة للاستخدام في مقلب القمامة وبعد أن ماتت زوجته يقرر العودة إلي قريته بقنا والبحث عن أسرته ووالده الذي تركه وهو طفل علي باب المستعمرة ووعده بأنه سيزوره ولكنه لم يعد إليه مرة أخري طوال 30 عاما.. والفيلم- باختصار- يتحدث عن رحلة بشاي مع الطفل أوباما اليتيم.. تبدأ من مستعمرة الجذام وتنتهي في قنا ونعرف من الرحلة ان يوم الدين هو يوم القيامة الذي يتساوي فيه الجميع المرضي والأصحاء. 

خصوصية فيلم "يوم الدين" تأتي من تفرد الشخصية الرئيسية "بشاي" فهو ليس فقط من المهمشين المنبوذين بسبب المرض ولكنه علي هامش الهامش وفي قاع القاع من المجتمع وتأتي الخصوصية أيضا من البيئة التي تدور خلالها أحداث الفيلم والرحلة العجيبة بوسائل مواصلات مختلفة تبدأ بالعربة الكارو التي يجرها الحمار "حربي" والمعدية والسيارة والقطار ويقابل "بشاي" أناسا أشرارا وأناسا طيبين ولا يفقد أمله في الحياة أبدا ولا حلمه بالعودة لأهله ويرمي كل المعوقات وعوامل الاحباط وراء ظهره من أجل الوصول إلي هدفه. 

يستحق فيلم "يوم الدين" الاحترام والتقدير لأنه يقدم من خلال تجربة انسانية واحدة رؤية لرحلة الانسان في حياته ويخرج من حالة فردية فريدة يكاد يكون ليس لها مثيل إلي الحالة العامة التي يجب أن يكون عليها كل انسان لأن غريزة حب البقاء هي أولي غرائز البشر ومن أجل البقاء يجب أن يقاوم الانسان كل عوامل الموت والفناء وأن يقبل الحياة كما وجدها في الواقع وليس كما يتخيلها في عقله ويتعامل مع الآخرين كما هم في الحقيقة وليس كما يتمناهم في خياله. من هذه اللحظة فقط يستطيع الانسان تحقيق أحلامه مهما كانت صعبة ومهما كانت مستحيلة وعندما يعود بشاي وأوباما إلي المستعمرة مرة أخري ستكون لهما مع الحياة حكاية جديدة.. أهم من الحكاية التي شاهدناها في "يوم الدين". 

الجمهورية المصرية في

03.10.2018

 
 

المخرج أبو بكر شوقى لـ«الأهرام»:

«يوم الدين» لا يتناول الدين بشكل عام وإنما يعتبره جزءا من حياة الناس

حوار أجراه ــ محمود موسى

«يوم الدين» للمخرج الشاب أبو بكر شوقى أحد الافلام المهمة التى ظهرت فى الاعوام الأخيرة نظرا لما حققه من حالة إنسانية رائعة وبقدر تناول موضوعه لعدد من القضايا بجرأة تتسم بالذكاء كانت الإشادات، فالفيلم شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائى فى مايو الماضى ليكون المخرج الثالث عالميا الذى يشارك بعمل أول فى هذه المسابقة بعد ستيفن سبيلبرج والمجرى لازالو نيميس ثم شارك فى مسابقة مهرجان «الجونة» ونال ومخرجه عددا من الجوائز منها جائزة أفضل فيلم عربى وجائزة الجمهور لسينما من أجل الانسانية. وبعيدا عن الجوائز يظل الفيلم حالة إنسانية رغم خلوه من أى نجوم وهذا فى حد ذاته انتصار للموضوع فى مواجهة السوق السينمائية التجارية المعتمدة على النجوم بعيدا عن الاهتمام بتقديم افكار ومواضيع ذات بعد إنسانى واخلاقى.

التقينا مخرج الفيلم «أبو بكر شوقى» وكان معه هذا الحوار:

·        أنت خريج الجامعة الأمريكية ودرست فى الولايات المتحدة وجزء من ثقافتك نمساوى فما الذى جعلك تذهب للفقراء ومرضى الجزام؟

حرصت عائلتى على تربيتى على ألا تكون عينى مقفولة ، فوالدتى النمساوية التى تعيش فى مصر منذ 40 عاما وتتحدث العربية شجعتنى، وجدى النمساوى كان دائما يقول لى: لا تنس بداياتك مهما حققت من نجاح، ووالدى طبيب ناجح دائم التشجيع لى ولا أنسى أبدا لقاء العائلة يوم الأربعاء فأنا مصرى وأعشق هذا البلد.

·        من من النجوم رفض فكرة الفيلم؟

يضحك .. لن استطيع ان اقول لك من رفض ولكن أقدر أقول كانت هناك صعوبات كثيرة حتى خرج الفيلم الى النور من عدم وجود تمويل، وفكرة الفيلم عن مرض الجزام صعب ان تجعل منها فيلما يشاهده الجمهور، ورغم الاحباطات كان عندى اصرار على ان استمر لانى ادرك اننى أمام تحد كبير وهو تقديم فيلم ضد المفاهيم التى يعرفها الناس سواء عن بطله او موضوعه.

·        لكن من رفض الفيلم؟

الحمد لله انه فيه كثيرون رفضوه لأن البدائل كانت افضل، وانا مؤمن بمقولة «ما منعك الا ليعطيك» وكل من شاركوا فى الفيلم رغم عدم نجوميتهم وعدم خبرتهم فإنهم اعطونى اداء متميزا والحمد لله.. كل حاجة سلبية حصلت فى الفيلم كان وراءها خير وحكمة لمصلحة الفيلم.

·        اشعر انك متدين؟

انا مؤمن ان الله له حكمة فى كل شيء وان الله هو الخير ودائما اقول. الحمد لله.

·        أنت أقرب الى الصوفية؟

لست متصوفا.انا مؤمن بالله وما يهمنى ان الناس تكون جيدة، بعضها مع بعض، إنسانيا ، والناس تسألنى لماذا بطل الفيلم مسيحى وانت ابو بكر, انا بالنسبة لى هذا لا يهم لأن من سيحاسبنا هو الله وحده. وانا احاسبك فقط على طريقة تعاملك معى.

·        «ما منعك الا ليعطيك».. هل يمكن تطبيقها على ما حصل من فيلمك؟

أعلم ان سكة السينما طويلة وتحتاج لنفس طويل ولابد ان تمر على مراحل كثيرة حتى تتاح لك فرصة.. انا درست فى الجامعة الامريكية ثم معهد السينما وكان من السهل أن أشتغل بالطريقة التقليدية واعمل مساعد اخراج الى ان تأتى فرصة ولكنى سافرت لاستكمال دراسة السينما فى كلية تيش للفنون فى جامعة نيويورك رغم ادراكى ان الاخراج ليس بالشهادات فإما مخرجا جيدا وإما لا وإنما الشهادة والدراسة فى امريكا جعلتنى افتح عينى على افكار اخرى ومنحتنى فرصاً كبيرة فى ان اعمل افلاما قصيرة سيئة وهذه التجربة افادتنى فى اننى تدربت جيدا لانه »مافيش حد بيصحى الصبح بيقول انا مخرج جبار.. يضحك: حتى شكسبير مؤكد اول اعماله لم تكن عظيمة فمن الضرورى الكاتب يتدرب كثيرا وفى صناعة السينما اذا اتت فرصة للمخرج ولم يحقق بها ما يطمح المنتج إليه تكون فرصة عمله صعبة بعد ذلك ومن هنا اقول اننى فشلت فى افلام كثيرة لكى اصل الى «يوم الدين»

·        متى شعرت بالاحباط فى اثناء التصوير؟

عندما كنا نصور فى احد الاماكن وبعد ان اتفقت مع رجل فاقد القدمين وقمت بتدريبه فوجئت به يوم التصوير يقول لى انه لن يأتى وهذا احبطنى وجاء اهل المنطقة وقالوا لى انهم يعرفون رجلا فاقد قدميه وقابلته وطلب قراءة السيناريو حتى لا يكون هناك استغلال وبعد قراءة مشهدين وافق على الفور إنه ياسر العيوطى.. هذا الرجل كان «حاجة حلوة» وكلهم فى الحقيقة اسعدونى.

·        هل الفشل قادك الى النجاح الكبير فى «يوم الدين»؟

الحمد لله الناس ترى أن «يوم الدين» حقق نجاحا كبيرا رغم انه اول عمل ولكنهم لا يعرفون ان لى اكثر من 14 سنة أحاول أتعلم وأدرس وأعمل افلاما فاشلة ، واعتقد أن الانسان لو لم يفشل فى حياته فلن ينجح، المهم جدا بعد الفشل كيف تعود بإصرار وتحد وعزيمة ان تكمل وتحقق حلمك.

·        هل النجاح الذى حققه «يوم الدين» من مشاركة فى مهرجان «كان» وحصوله على جوائز من مهرجان «الجونة» وطلب مهرجانات كثيرة عرضه أعطاك ثقة؟

الحمد لله .. ولكن النجاح الكبير تأتى معه ضغوطات اخرى اكبر ، وماحدث اكد لى اننا كفريق عمل «كنا صح» وان النظرية التى عملنا بها كانت صحيحة رغم مخاطرة الفيلم والفكرة وحتى اسم الفيلم الذى حاول البعض تغييره حتى آخر لحظة والرقابة لم تعترض، «ولكن فيه ناس قالوا ازاى تعمل اسقاطات دينية وحاجات كده، وانا اقول لهم لازم تشاهدوا الفيلم فليس له دخل بالدين وانما قصة انسانية ومن هنا شعرت ان المجازفة والمخاطرة نجحت».

·        شاهدت الفيلم وأرى أنه عن مصر وأحوالها وليس عن مرض الجزام وحده.. هل تتفق معى فى الرأى؟

هو فيلم عنا .. كنت اريد أن اقدم صورة بطريقة مختلفة ، انا عارف ان احنا حساسين وعندنا فوبيا من فكرة تشويه صورة مصر والحقيقة هذا الكلام يضايقنى لأننى احب بلدى ومصريتى فوق كل شيء وانا ذهبت إلى «كان» باسم مصر واشارك فى كل مكان باسم وطنى وهذا شرف كبير ومن خلال تربيتى وحرص اهلى على ان اعرف كل شيء عن بلدى ، وانا سعيت ان اقدم فيلماً عن مصر بطريقة مختلفة واستغرب من الخوف المستمر من فكرة تشويه صورة مصر مع ان الفيلم اليابانى الذى حصل على سعفة «كان» لم يجعل اليابانيين يقولون انه شوه صورة اليابان وإنه اظهرهم انهم لصوص ولا الايطاليون قالوا إن الفيلم يظهر الايطاليين على انهم فقراء ولصوص.

(فى اثناء الحوار دخل علينا النجم خالد الصاوى وهنأ أبا بكر على فيلمه وقال له انت مخرج مشرف).

ثم اكمل ابو بكر حديثه: من سيشاهد الفيلم سيرى مصر بطريقة مختلفة وتناولى مرض الجزام ليس تعميما او ان عمل البطل فى القمامة له معنى اخر، «احنا مطلعين أماكن محدش صورها من قبل اما حلوة وطبيعية ومحدش شاف مصر من اتجاه الصعيد وصورنا هرم ميدوم والناس سألونى فين الهرم ده قلت موجود فى بنى سويف ومصر ليست القاهرة واحنا فعلا بلد كبير جدا وفيه تنوع كبير و سمعت مرة مقولة حلوة هى ان مصر مستنية حد يصورها» وهناك مقولة للأديب نجيب محفوظ تقول إن وطن المرء ليس مكان ولادته ولكنه المكان الذى تنتهى فيه كل محاولاته للهروب. وانا احب مصر وعايشها بحلوها ومرها.

·        فى رأيك لماذا يتخوف البعض من الأعمال التى تحصل على تمويل أجنبى؟

اعتقد أن هذا يرجع فى نظريتنا الى ان العالم يريد تشويهنا وهذا مفهوم خاطئ «محدش» فاضى لينا وهذا الامر لا يشغلنى طالما واثق من انتمائى وحبى لبلدى وانا اريد أن اعمل افلاما بطريقتى من غير تدخلات وضغوطات واعتقد انى استطعت أن اقنع الناس انى عملت فيلما اقنعهم ولو عرضت عليهم فكرة غريبة هذا يسهل الانتاج».

·        هل «يوم الدين» شعارك وهو الدفاع عن القضايا الانسانية؟

اعتقد ان اى فيلم فكرته انسانية من الافلام القوية التى تجذب المشاهدة فى مكان فى العالم فانا اتمنى ان الافلام المصرية يكون لها وجود فى كل العالم.

·        وهل فيلم يوم الدين حقق ذلك؟

الحمد لله، فعندما عرض الفيلم فى مسابقة مهرجان «كان» استقبل استقبالا كبيرا وايضا فى مهرجان الجونة.

·        هل عرض الفيلم فى مهرجان «كان» يسهل دخولك المنافسة على الاوسكار؟

يعطينا ثقلا أكبر لأن عرضه فى مهرجان كبير يعطى ثقة والفترة المقبلة نحتاج الى حملة دعاية كبيرة لأن المنافسة على الاوسكار شديدة للغاية.

·        هل يهمك النجاح الجماهيرى؟

اتمنى أن لا ينسينى النجاح ان أسير وسط الناس وأن يكون هدفى تقديم اعمال يشاهدها الجمهور بعيدا عن تصنيف «هذا فيلم جماهيرى أو مهرجانات» فالفيلم فيلم يصنع للناس واتمنى أن تكون كل افلامنا المصرية حلوة.

رسالة أمل

فيلم «يوم الدين» تدور أحداِثه حول بشاى وهو رجل شفى من مرض الجزام ولكنه مازال يحمل آثار المرض بجسده ويعيش فى مستعمرة لم يغادرها يوما .. وبعد وفاة زوجته يقرر بشاى ان ينطلق فى رحلة فى قلب مصر بحثا عن جذوره فيغادر على حماره بصحبة اوباما الصبى النوبى اليتيم الذى يرفض مفارقته اينما ذهب ويكتشفا سويا الحياة بكل ما فيها ويبحثان عن الانتماء والانسانية.

وفى مقدمة كتالوج الفيلم كتب المخرج شرحا لعنوان «يوم الدين» ومما جاء فيه: «على الرغم من أن فيلم يوم الدين لا يتناول الدين بشكل عام إلا أنه يظل جزءا لا يتجزأ من حياة الناس، فى يوم الدين ووفقا لما يؤمن به الناس سيتساوى الجميع وتتم محاسبتهم على أفعالهم وليس مظهرهم وهو ما يركز عليه الفيلم وكأنه رسالة لكل منبوذ لا يجد له مكانا فى المجتمع ويتطلع لذلك اليوم الذى سيتساوى فيه مع من هم أفضل منه مظهرا أو حالا بصرف النظر عن مستوى تدين الناس فى مصر، فإن فكرة فيلم «يوم الدين» تعد مصدر راحة وأمل بالنسبة لهم وحافزا يساعدهم على أن يعيشوا أيامهم ببعض التفاؤل».

الأهرام اليومي في

03.10.2018

 
 

ما بعد الأفلام الوثائقية

محمد هشام عبيه

كيف تطوَّرت صناعة «الوثائقيات» لتصل إلى «التسجيل الحى» لأعمار وأحوال البشر والبلدان؟

حسنًا، الانطباع الأول الذى سيأتيك عندما يتناهى إلى أذنك مصطلح «فيلم وثائقى»، أنه سيكون مجموعة من اللقاءات مع مختصين، وعدة لقطات تعبيرية فنية، وربما بعض مقاطع الفيديو النادرة القديمة التى تستحضر حدثًا ما.

قد تكون على حق، لكن الحقيقة أن الأفلام الوثائقية لم تعد كذلك.

ربما ليست صدفةً أن يُعرض خلال مهرجان الجونة السينمائى (الدورة الثانية)، فيلمان عربيان بارزان خلال مسابقة الأفلام الوثائقية، الأول هو «الجمعية» للبنانية- المصرية ريم صالح، والثانى هو «عن الآباء والأبناء» للسورى طلال ديركى، وكلا الفيلمَين يتبع منهجًا مشتركًا فى بناء الأحداث، وهو ما يمكن وصفه بـ«المعايشة الكلية» مع الأبطال، الذين هم أشخاص حقيقيون وليسوا ممثلين محترفين بطبيعة الحال.

صعوبة هذا المنهج فى بناء الفيلم أن المخرج، الذى يكون فى الأغلب هو نفسه واضع السيناريو، يمتلك نقطة البداية فى الفيلم، لكنه لا يملك قط لحظة النهاية. ذلك أنه هنا يقوم بتصوير «القدر» إن صح التعبير، ولا أحد بطبيعة الحال يمتلك قراءة القدر أو المستقبل، ربما نستطيع فعل ذلك فى الأفلام الروائية، لكن فى هذه النوعية من الأفلام الوثائقية فإن الأمر «مستحيل» كليةً، خصوصًا أن التطورات الدرامية التى تحدث فى الأفلام الوثائقية الواقعية، غالبًا ما تكون أكثر خيالًا مما يحدث فى الأفلام الروائية.

فى «الجمعية» مثلًا تنطلق ريم صالح من نقطة واقعية ساخنة، تزور حى روض الفرج الشعبى فى وسط القاهرة، لترصد كيف تغيَّرت «الجمعية»، ذلك الاختراع المصرى التكافلى الفذ، من واقع الناس الصعب والمؤلم وسط ظروف معيشية واقتصادية قاسية، بطلتها الرئيسية هى سيدة مصرية مذهلة تدعى «أم غريب»، نراها تمتلك سمات القيادة، وتشترك هى وزوجها «الشيخ عادل»، فى إدارة جمعية تضم كل سكان الحى تقريبًا، وتنقل هذا المنهج الاقتصادى الشعبى إلى الأطفال الصغار، فنجدهم يدخرون بدورهم جنيهًا واحدًا يوميًّا من أجل أن يقبض أحدهم فى بداية كل شهر 500 جنيه كاملة، قد تساعده فى شراء ملابس جديدة أو فى تسديد مصاريف المدرسة، أو قد تذهب بهم بعيدًا مثلما فعلت الطفلة «دنيا» عندما قررت أن تجرى عملية ختان لنفسها دون علم والدها!

«دنيا» وهى تحكى وقائع تفاصيل الختان، تبدو متحمسة، وشغوفة، ثمة انتصار داخلى بأنها فعلت أمرًا ما من مالها الخاص وهى لم تبلغ العاشرة من عمرها بعد، حتى ولو كان هذا الفعل «جريمة» بحق نفسها وأنوثتها. هنا يأخد «الجمعية» منحى آخر، إذ لم يعد يرصد ما فعلته الجمعية فى الناس، وإنما ما الذى يتغيَّر فيهم مع مرور الزمن.

«دنيا» مثلًا بسبب انفصال والدها عن والدتها، تجد نفسها مضطرة إلى أن تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة. «أم غريب»، بطلتنا الشجاعة التى اعتادت على أن تواجه صعوبات الحياة بالعمل والمرح وإلقاء الدعابات والرضا بالمصير، تجد نفسها بعد بدء تصوير الفيلم بست سنوات كاملة (الفيلم بدأ تصويره فى أبريل 2011 وانتهى فى منتصف 2017)، قد تركت حى روض الفرج المحبب لديها، وطلقها زوجها الذى دخل فجأة فى حالة من «الدروشة» ووهب نفسه للمسجد والصلاة لا لأسرته والحياة، لتفقد «أم غريب» عالمها الأثير كله مرة واحدة. ونراها فى مشهد حزين فى نهاية الفيلم وهى تربِّى مجموعة من الدجاج فى عشة بإمبابة برفقة ابنها الذى تزوج مرتَين استنادًا فقط إلى «فلوس الجمعية»، وكلتا الزيجتَين جرَت فى وقائع احتفال صاخب، ضمت إحداهما راقصة شعبية.

لم تصور ريم صالح الفيلم بطبيعة الحال طول ست سنوات متصلة، لكنها خلال زياراتها المتعددة إلى روض الفرج بامتداد هذه السنوات، قامت بتصوير 400 ساعة كاملة من وقائع الحياة المذهلة للناس فى روض الفرج -قبل أن تستخلص منها لاحقًا 79 دقيقة فقط- مات فيها بعض شخصيات الفيلم، وعادت فيها شابة إلى زوجها الذى طلقها، مرتَين، قبل أن يطلقها للمرة الثالثة، لتعيش وحدها برفقة ثلاثة من أبنائها فى ظلال «الجمعية»، وباتت فيها «أم غريب» حزينة منكسرة القلب، وقد فقدت رفيق عمرها دون أن تفهم سببًا لذلك.

تظهر بعض مشاهد الفيلم وفيها شىء من قصدية التصوير بطبيعة الحال، لكن كل الحوارات هى من صنع الشخصيات دون تدخُّل المخرجة، كما فى ذلك كل المصائر التى آل إليها الأبطال، ليبدو «الجمعية» أكثر من مجرد فيلم عن الأثرَين الاجتماعى والاقتصادى للتكافل بين المصريين، وإنما لوحة حية تستعرض ما جرى لهم فى ست سنوات.

أما فى «عن الآباء والأبناء»، فإن المخرج السورى -المقيم بألمانيا- طلال ديركى، يختار أن يودع زوجته وطفله فى برلين ذات يوم، ليعود إلى وطنه فى مغامرة جسورة. سيكون رفيقًا لـ«أبو أسامة»، أحد أبرز قيادات «جبهة النصرة» فى شمال سوريا. ليس رفيقًا فى المعارك الحربية فحسب، وإنما داخل منزله، لنرى عن قرب مرحلة «تربية الأبناء» وصناعة المتطرفين الصغار.

استغرق الأمر بعض الوقت ليثق «أبو أسامة» فى «طلال»، كان على الأخير أن لا يتحدث فقط عن إيمانه بمعانٍ جهادية كبرى، مثل «الخلافة» و«محاربة الطواغيت» وما إلى ذلك، ليقنعه بأنه «منهم» وليس من «الآخرين»، وإنما كان عليه أيضًا أن يقتل الإنسان فى داخله وهو يصور بكاميرته، «أبو أسامة» وهو يصطاد أحدهم ببندقية قناص، وهو يراه يعلم أبناءه الذكور (8 أطفال فى أعمار صغيرة متباينة)، مبادئ الجهاد المسلح، ولعل نتيجة ذلك كانت مذهلة، إذ إنه بات لدينا ربما أول وثيقة مصورة من الداخل عن كيف يتم تشويه روح الأطفال وزرع الكراهية وحب الموت بداخلهم بين أوساط الجماعات المتشددة.

ذروة دراما «عن الآباء والأبناء»، القدرية بطبيعة الحال، تتجلى فى إصابة «أبو أسامة» إصابة عنيفة خلال واحدة من المعارك فى سوريا، الأمر الذى يستدعى بتر إحدى ساقَيه، يبدو المشهد قاسيًا على أبنائه، والدهم المؤمن بالجهاد، بات قعيدًا، يتألم من فرط الألم، يستقبلونه فى أول يوم له بالمنزل بعد الواقعة بالعويل والبكاء والصراخ، ثمة كيان ضخم انهار أمام عيونهم.

لكن «أبو أسامة» لا يترك لنفسه فرصة لمراجعة النفس، أما وقد بات عاجزًا، يرسل أبناءه الذين وصلوا إلى سن العاشرة إلى «معسكرات تدريبية جهادية»، نراهم يحملون السلاح ويتعلمون ضرب الرصاص، ويرتدون ملابس مموهة، قبل أن نرى «أسامة» نجله الكبير الذى سمى بهذا الاسم تيمنًا بأسامة بن لادن، كما هو واضح، يلتحق بجماعة جهادية وقد أصبح مقاتلًا محترفًا، بينما يعود شقيقه الأصغر إلى قريته الصغيرة البدائية مجددًا، لأنه فشل فى تعلم قواعد القتال بسبب «شروده الدائم». يذهب «أسامة» إلى مصير مجهول، بينما يعود شقيقه ليلتحق بالمدرسة الابتدائية فى بلدته، وفى مكانه مستندًا إلى عكاز يبدو الأب «أبو أسامة» مصممًا على أن يستكمل أبناؤه مسيرته.

بجانب المخاطرة الكبرى فى احتمالية اكتشاف أمر طلال ديركى، فإن مخرج «عن الآباء والأبناء» غامر بحياته فعليًّا من أجل 99 دقيقة هى عمر الفيلم الذى استغرق تصويرها عامَين ونصف العام، زار فيها الشمال السورى الملتهب لثمانى مرات، لكن النتيجة كان مذهلة وموجعة واستحقت بحق الفوز بجائزة فى المهرجان.

هكذا فإن «الجمعية» و«عن الآباء والأبناء»، يُعيدان تعريف «الفيلم الوثائقى» مجددًا، ليصبح ليس مجرد سرد تقليدى لوقائع جَرَت، وإنما «تسجيل حى» لما يحدث للبشر والبلدان عبر السنين، وما تفعله الأقدار فى مصائرنا، مهما عظمت أو صغرت هذه الأقدار، فكانت ذات مرة حربًا مدمرة، أو مجرد «جمعية» لناس بسطاء، لم يكن غرضهم سوى توفير قليل من الأموال فى زمن صعب وقاس، لكن الأقدار كان لها رأى آخر.

المقال المصرية في

03.10.2018

 
 

الممثل الفلسطيني كامل الباشا:

فيلمي الجديد لن يواجه مشاكل "القضية رقم 23"..و"الجونة السينمائي" يوازي المهرجانات العالمية

محمد علوش

- هذه أسباب موافقتي على المشاركة في "السهام المارقة"

- البعض يستخدم قضايا وطنية لتصفية حسابات شخصية

- انتظروني في مهرجان "شرم الشيخ للمسرح" الدورة المقبلة

- "يوم الدين" فيلم عظيم وأتمنى نجاحه في الأوسكار

الممثل الفلسطيني كامل الباشا، الحاصل على جائزة التمثيل من مهرجان "فينسيا" عن فيلمه "القضية رقم 23" العام الماضي، يكشف في حواره مع "بوابة الأهرام" أسباب المضايقات التي تعرض لها الفيلم وقت عرضه، كما يتحدث عن اختياره رئيسًا للجنة تحكيم الأفلام القصيرة لمهرجان "الجونة السينمائي" في دورته الأخيرة، ويكشف أيضا أسباب موافقته على المشاركة في مسلسل "السهام المارقة" رمضان الماضي.

·        ما سر غيابك عن مهرجان "الجونة" العام الماضي رغم مشاركة فيلمك "القضية رقم 23"؟

غيابي العام الماضي جاء لارتباطي بإخراج عمل مسرحي كان من المقرر له المشاركة في مهرجان للمسرح مطلع أكتوبر أي بعد أيام من انتهاء الدورة الأولى لمهرجان "الجونة".

·        وماذا يمثل لك العودة للمهرجان هذا العام بصفتك رئيسا للجنة تحكيم الفيلم القصير؟

أعتبر أن هذا جزء من المسئوليات التي أصبحت أتحملها بعد فوزي بجائزة أحسن ممثل من مهرجان "فينسيا" عن فيلم "القضية رقم 23"، وهو تكليف ومهمة صعبة من دون شك، وتشريف لي أيضا، حيث بت مطلوبا من المهرجانات العربية، والأمر متعب ولكنه ممتع.

·        وهل مستوى التنظيم في مهرجان "الجونة" يوازي المهرجانات العالمية؟

هو لا يوازي فقط ولكنه أفضل، بالكوادر التي تعمل بالمهرجان هي كوادر محترفة ومدربة، ولا أعلم متى تم تدريبها؟ فأسلوب التعامل مع الناس راق جدا، بدءا من البواب وحتى رئيس المهرجان نفسه، الكل يتعامل بنفس الأسلوب المهذب، كما أن البرنامج منظم بشكل كبير يمكنك من التنقل ورؤية أكثر من فيلم في يوم واحد، ومن دون مبالغة توجد تسهيلات أفضل من أي مهرجان آخر حضرته في الفترة الأخيرة.

·        لماذا لم تشارك في أي عمل مصري رغم نجاحك الكبير في "القضية رقم 23"؟

لأن ما عرض علي من أعمال لم يقترب من طموحاتي الفنية، خصوصا بعد حصولي على جائزة أفضل ممثل في "فينسيا"، ولكن أتمنى المشاركة في الفترة المقبلة في عمل مثل "السهام المارقة".

·        وما هي أسباب موافقتك على المشاركة في "السهام المارقة"؟

النص بشكل أساسي، والعنصر الثاني هو محمود كامل مخرج العمل، لأنه كمخرج رأيت له فيلما وأعجبت به كثيرا، وشخصيا تعرفت عليه في تونس وأصبح هناك انسجام كبير بيننا، فالنص القوي مع المخرج القوي، ساعد على خروح عمل مهم ومتميز جدا، وأنا شخصيا أعتز باشتراكي فيه.

·        بالعودة للوراء قليلا.. ما تعليقك على مطالبات المقاطعة التي طالت فيلم "القضية رقم 23"؟

لجان المقاطعة العربية في البيان الذي طالبت فيه بمقاطعة الفيلم هي نفسها كتبت أن معايير المقاطعة لا تنطبق على هذا الفيلم، ولكن لأن مخرجه هو زياد دويري الذي قدم فيلما في عام 2012 بمشاركة ممثلين إسرائليين وتم تصوير بعض من مشاهده في تل أبيب، أرادوا تأديبه بهذا المعنى، وهذا الحوار أنا لا أتخيله حوارا حضاريا أو إنسانيا، وكل المضايقات التي تعرض لها زياد بعد فيلمه المشار إليه وبعد خمس سنوات هي مضايقات ليس لها معنى، ولكن يبدو أن هناك البعض الذي يستخدم قضايا وطنية لتصفية حسابات شخصية، وهذا أمر مؤسف، ولكنهم في النهاية هم من ساعدوا في تسويق الفيلم.

·        وقت عرض الفيلم في "الجونة" العام الماضي اعترض إعلامي فلسطيني على محتواه.. ما تعليقك؟

الجواب على هذا الادعاء هو الفيلم نفسه، لأنه ذكر "أيلول" والمذابح التي ارتكبت في حق الفلسطينيين، وعدم تصويره لهذه المذابح يأتي من كون الموضوع لبنانيا، والمشروع لبناني، والشخصية الرئيسية وبطل العمل "طوني حنا" الذي جسده الفنان عادل كرم، وهو الشخصية المركزية للفيلم والذي يكره الفلسطيني، ما نريد تقديمه هو فيلم يطرح سؤالا: لماذا يكره لبناني فلسطين؟ فكيف أضع مأساة الفلسطيني؟! وإذا حللنا الفيلم بعيدا عن الانحياز السياسي لطرف ضد آخر، يجب علينا قول أن هذا الفيلم يحاول حل المشكلة وهو البعد الإنساني العميق للعمل وهو المعنى الذي وصل عند المتفرج الياباني وقت عرض العمل هناك، فهو لا يحاول نصر طرف على حساب آخر، والتوازن فيه عال جدا، والصراع هنا بين حق وحق، وليس بين حق وباطل، والناس التي رأت غير ذلك، هم ناس لديهم موقف مسبق وقبل مشاهدتهم للفيلم لمجرد أن مخرجه زياد دويري.

·        هل تتوقع نفس المشكلة التي مر بها زياد دويري أن تواجه مؤيد عليان مخرج فيلمك الأخير "التقارير حول سارة وسليم"؟

هذه إشكالية نواجهها من لجان المقاطعة والتي تضع معايير لمقاطعة الأعمال الفنية، لأنهم ليس لهم علاقة بالفن، ولا يفهموا فيه، كما أنهم لا يشاهدون أي أفلام سينمائية، فعلى أي أساس وضعوا هذه المعايير؟ نحن نعيش في الأرض المحتلة ومضطرون للاحتكاك المباشر يوميا مع كل المؤسسات الإسرائيلية، وعندما نأتي بممثلين داعمين لقضيتي وحقي، هو أمر يخدم القضية الفلسطينية، لأنهما شاركا في فيلم من إنتاج فلسطيني خالص، وموضوعه يخصنا، ولا أتخيل أن ما حدث مع زياد ممكن حدوثه مع مؤيد، لأن زياد إنسان حاد وانفعالي، وفي بعض الأحيان ردوده مبالغ فيها، لكن مؤيد إنسان هادئ ويحل الأمور بطريقة عقلانية، كما أننا نعيش في فلسطين مع من هم مع المقاطعة أو ضدها بشكل مباشر ويومي، والحوار مستمر، ولا أتمنى أن تتم مهاجمة الفيلم، وإذا جاء قرار بالمنع من لجنة المقاطعة بجامعة الدول العربية، فالخاسر هنا هو المشاهد العربي، وليس الفيلم الذي سيحصد دعاية مجانية تساعد على حصده للإيرادات، وكل ما أطلبه منهم هو أن يشاهدوا المنتج النهائي للفيلم وأن يحكموا عليه إن كان يضر فلسطين والقضية أم لا؟!

·        لماذا غبت مؤخرا عن المشاركة في مهرجانات المسرح المصرية رغم مشاركاتك الماضية؟

كان هناك اتصال مع مهرجان شرم الشيخ للمسرح في الدورة الماضية، واعتذرت أيضا لبعض الارتباطات، ولكنني سأكون متواجدا في الدورة المقبلة بإذن الله، فأنا يشرفني ويسعدني المشاركة في كل مهرجانات المسرح العربية، وكانت لي تجارب سابقة في عضوية لجنة تحكيم مهرجان الهيئة العربية للمسرح، ومعظم مهرجانات سوريا والأردن والخليج والعراق، كما أن عرضي المسرحي "قصص تحت الاحتلال" حصد الجائزة الأولى من مهرجان المسرح التجريبي في عام 2003.

·        هل تابعت أي أفلام مصرية في الفترة الأخيرة؟

ضيق الوقت هو السبب في عدم مشاهدتي فيلم "شيخ جاكسون" عندما عرض في تونس لارتباط موعده ببرنامج آخر، ولكنني أحاول التواصل مع المخرجين كي يرسلون لي الأفلام لمشاهدتها، وسعدت جدا بمشاهدة فيلم "يوم الدين" لأنه عمل عظيم، وأتمنى له كل النجاح في منافسته بالأوسكار.

بوابة الأهرام في

03.10.2018

 
 

فيلم «يوم الدين» حالة مختلفة فى السينما المصرية

إعداد: علاء عادل

استطاع فيلم «يوم الدين»، أن يجذب الانتباه إليه قبل عرضه بمصر، بعد مشاركته فى مهرجان «كان» السينمائى، وحصوله على جائزة Francois chalais ليكون أول فيلم مصرى يشارك فى هذه المسابقة منذ ٦ سنوات، كما منح مهرجان الجونة السينمائى فى دورته الثانية مخرج الفيلم أبوبكر شوقى جائزة فارايتى كأفضل موهبة عربية فى الشرق الأوسط، وحصل على جائزتين فى ختام المهرجان، الأولى نجمة الجونة كأفضل فيلم فى مسابقة «سينما من أجل الإنسانية»، والثانية نجمة الجونة فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، بجانب اختيار الفيلم لتمثيل مصر فى جائزة الأوسكار العالمية، وطرح الفيلم بدور العرض السينمائية فى محافظة المنيا مسقط رأس بطل الفيلم، ليكون له السبق فى أن يكون أول عمل فنى يتم طرحه فى الصعيد قبل العاصمة.

عن مشاركة الفيلم فى المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائى وردود الأفعال حول الفيلم تحدثت «الوفـد» مع صناع العمل.

راضى جمال: العمل ليس قصة حياتى.. والتمثيل كان بالنسبة لى حلماً بعد أن عاش سنوات عمره كله فى مستعمرة بإحدى قرى محافظة المنيا، أصبح راضى جمال، أحد أحاديث مواقع التواصل الاجتماعى، ووصلت شهرته إلى مدينة «كان» فى فرنسا، ونشرت صورته فى أعرق المجلات العالمية، بعد حصول فيلم «يوم الدين» على إحدى جوائز مهرجان «كان» السينمائى، ليتحول راضى جمال من شخص منبوذ من المجتمع إلى نجم سينمائى تطارده عدسات المصورين؛ للتحدث عن بطولة أول أفلامه.

يقول «راضى»: لم أكن أتوقع كل هذا النجاح، وسوف أحقق حلمى بالعمل كممثل، ولكن هذا الحلم الآن أصبح حقيقة، وسوف أستمر بالعمل كممثل.

التقت «الوفـد» راضى جمال، وتحدث عن حياته فى مستعمرة الجذام منذ 24 عاماً، وكيف كانت رحلته فى عالم التمثيل، وحقيقة منعه من السفر لفرنسا وغيرها من الأمور..

·        هل كنت تتوقع كل هذا النجاح؟

- لم أتوقع كل ما حدث لى، ولا كنت أتخيل أن يحدث ولو جزءاً صغيراً منه، وأدين بالفضل فى هذا إلى أبوبكر شوقى، مخرج العمل، ودينا إمام المنتجة.

·        كيف جاءت مشاركتك فى العمل؟

- عن طريق أحد أقاربى يدعى «ميلاد»، عرَّفنى على المخرج أبوبكر شوقى الذى أعجب بى، بعد هذه الجلسة، وقرر أن أعمل معه، بعد أن علم مدى حبى للتمثيل.

·        هل واجهت صعوبة فى تصوير العمل؟

- فى بداية التصوير فقط؛ حيث كان يوجد أشخاص لا يريدون أن يرونى ممثلاً، ولكن إصرار المخرج والمنتج على وجودى جعلنى استمر.

·        كيف كنت تؤدى تقديم المشاهد؟

- أنا لا أعرف القراءة والكتابة، لذلك كان يتم تحفيظى المشهد قبل تصويره، ليظهر بهذا الشكل على الشاشة.

·        هل قصة الفيلم تعبر عن سيرتك الذاتية؟

- قصة الفيلم واقعية، ولكنها لا تدور حول تجربتى، فهى تشبه الكثيرين ممن

يعيشون فى المستعمرة.

·        ماذا كنت تعمل داخل المستعمرة؟

- كنت أبيع الشاى والقهوة والمياه الغازية للمرضى والعاملين هناك.

·        هل ستواصل فى تلك المهنة؟

- سوف أفتح مشروعاً كبيراً خارج المستعمرة، يجانب احترافى التمثيل.

·        ما المهن الأخرى الموجودة داخل المستعمرة؟

- نعمل فى الأرض الخاصة بالمستعمرة مقابل 500 جنيه فى الشهر.

·        لكن هذا المبلغ زهيد لحياة كريمة؟

- البركة فى فاعلى الخير الذين يساعدوننا على قدر المستطاع.

·        هل أنت متزوج؟

- تزوجت مرتين الأولى استمرت 10 سنوات، وتوفيت فى حادث ومعها ابنتى، والثانية طلقتها بعد سنة زواجاً، وأعيش بمفردى.

·        كيف يتم الزواج داخل المستعمرة؟

- مرض الجذام غير معدٍ، فهو ليس «إيدز»، وأرحم من السرطان، فنحن نتزوج ونعيش حياتنا على طبيعتها، وأبناؤنا يكونون طبيعيين، ونعيش فى قرية تدعى أبوصفيح فى المنيا.

·        ما شعورك وأنت تسير على السجادة الحمراء فى مهرجان الجونة؟

- كنت أشعر بسعادة كبيرة، خاصة أن جميع النجوم صافحونى، وأعجبوا بتمثيلى.

·        هل تقبل أن تجسد أدواراً فى السينما يسخرون منك فيها؟

- بالطبع، لا لن أقبل تلك النوعية من الأخبار؛ لأن هذا الفنان ليس أفضل منى.

·        لماذا تم منعك من السفر إلى فرنسا؟

- لم يتم منعى، ولكن بعد أن ذهبت إلى المطار اكتشفوا أن التأشيرة بها شىء خاطئ، فتم إلغاء سفرى أنا وأحمد، البطل المشارك معى فى الفيلم، وليس للحكومة يد فيما حدث مثل ما قال البعض، لأنها لو كانت تريد أن ترفض لما أخرجت لى من البداية جواز سفر.

دينا إمام:

لا نتحدث عن المرض.. وتكلفة الفيلم وصلت ٣٠٠ ألف دولار قبل التعويم

أكدت المنتجة دينا إمام، أن فيلم «يوم الدين» هو أول أفلامها فى مجال الإنتاج، وأن السبب فى خوض تلك التجربة هو المخرج أبوبكر شوقى، الذى عرض عليها الفكرة وتحمست لها، خاصة أنه سبق أن قدمها من قبل من خلال فيلم تسجيلى منذ ١٠ سنوات فى مشروع التخرج الخاص به من معهد السينما.

 وأضافت: الفيلم لا يتحدث عن المرض بقدر ما هو يتناول حياة بنى آدم مختلف يتعامل معه كل من حوله بشكل مختلف، فهو ليس مريضاً بالجذام بل تم شفاؤه منه، ولكن حدث له تشوهات من المرض، فكنت أريد تقديم فيلم يجمعنا كشعب، ويناقش أصل الإنسان، وكيف يمكن أن نستيقظ كل يوم الصبح نتعامل مع بعضنا بشكل جيد حتى لو كان يسبب لى أذى.

وأشارت إلى أن الإنسان قام ببناء حضارات مختلفة تستمتع بها البشرية كلها، فلماذا لا نستطيع التعامل مع بعضنا بشكل جيد.

 وأوضحت دينا إمام، أن الفيلم لا يتحدث عن العنصرية؛ لأن البطل نفسه فى الفيلم لا يشعر بالظلم مما حدث له، ومتقبل الأمر بشكل جيد، لذلك لا تستطيع أن نقول إن العنصرية كانت مفتاح خروج الفيلم لمهرجانات خارجية، فنحن لم نحاول أن نسوء سمعة مصر.

وقالت «دينا»، إنَّ ميزانية الفيلم وصلت إلى ٣٠٠ ألف دولار قبل التعويم، كانت عبارة عن منح من أماكن مختلفة، وليس من مصدر واحد، وفى النهاية نحن غير مهتمين بالإيرادات على قدر نجاح الفيلم ويراه الجمهور.

وأعربت دينا إمام عن سعادتها بحصول الفيلم علي جائزتين ضمن فعاليات الدورة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي، وقالت: هذه الجوائز التي حصل عليها الفيلم حتي الآن عبارة عن رسائل قوية لكل من يسخر من هؤلاء لأن لهم حق في الحياة، مثل اي انسان عادي.

وواصلت حديثها قائلة: الفيلم حتي الآن حقق ايرادات جيدة منذ طرحه، ومازال امامه محطات في مهرجانات عالمية اخري، و أتمني ان يحقق نفس النجاح، وأن تصل الرسالة الإنسانية التي نريد قولها من خلال الفيلم، وكما سبق وقلت من قبل اننا لا نتحدث عن عنصرية او ابطال منبوذين من المجتمع، بل شخصيات راضية عن حياتها، واختار بإرادته العودة الي المستعمرة لاستكمال حياته فيها.

أبوبكر شوقى:

الفيلم أبهر جمهور «كان» ولم يسئ لسمعة مصر

أعرب المخرج أبوبكر شوقى عن سعادته بحصول فيلمه على جائزتين فى مهرجان الجونة السينمائى.

وأكد «شوقى»، أنه كان يوجد عدد كبير من الناس كانوا رافضين ظهور راضى جمال كبطل لفيلم «يوم الدين»، وذلك بسبب مرضه، فسخر عدد كبير من التجربة ومن وجوده، ولكن ذلك الكلام جعل التحدى أكبر وإصرارى عليه زاد، وحصولى على هاتين الجائزتين هو أكبر رد عليهم؛ لأن الفيلم الجيد ليس بوسامة بطله فقط.

وأضاف: راضى ليس مريضاً بالجذام بل تم شفاؤه منه، لذلك فهو غير معدٍ، ولكن لديه تشوهات من المرض، وأنه يوجد مرحلة من المرض تسبب العدوى فيقوم المستشفى بعزلهم لفترة معينة؛ حتى يتم تخطى المريض تلك المرحلة، ليستكمل علاجه مع الأشخاص العاديين، ولكن يترك أثراً على المريض يصل إلى التشوهات، لذلك لم أكن أشعر بالخوف من التعامل مع راضى.

وأشار «شوقى» إلى أنه مرَّ بعدد من الصعوبات أثناء تصوير الفيلم خاصة بالبيروقراطية واستخراج التصاريح الخاصة بتصوير العمل من جهات مختلفة، وكان يجب أن أوضح فى كل مرحلة أنى أقدم عملاً روائياً وليس وثائقياً عن مرض الجذام.

وعن وجود أحد المشاهد الخاصة بدار الأيتام وعدم واقعيته قال: بالعكس المشهد واقعى جداً، وأنا سبق أن دخلت إحدى المصالح الحكومية المهجورة التى بها الأوراق ما زالت موجودة ومرتبة بالتاريخ، بالرغم من عدم وجود موظفين.

وأوضح «أبوبكر»، أن الفيلم لا يشوه صورة مصر أمام العالم، وهذه الفكرة غير موجودة إلا فى مصر، وعندما عُرض العمل فى مهرجان «كان» انبهر الجميع بالفيلم، ولم يتحدث أحد عن تشويه صورة مصر، وفى المهرجانات العالمية يهتمون بوجود فيلم جيد وليس موضوعات تسىء للبلاد.

وأنهى حديثه قائلاً: أنا «تعبت» جداً فى هذا الفيلم، وشرف كبير لى الحصول على جائزتين فى مهرجان الجونة السينمائى، وهذا يعنى أن الفيلم قد وصل للجمهور، وهذا ما كنت أريده أن يصل للناس.

الشروق المصرية في

03.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)