كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

‏”الجونة السينمائي” في دورته الثانية…

شحاذون ونبلاء!

(1)‏

عصام زكريا

مهرجان الجونة السينمائي

الدورة الثانية

   
 
 
 
 

عُقدت الدورة الثانية من مهرجان “الجونة” السينمائي الدولي خلال الفترة من 20 إلى 28 سبتمبر الماضي، حيث عرض حوالي ثمانون فيلما من مختلف الأنواع والأطوال، روائي، وثائقي، قصير، وتم تكريم ثلاثة من صناع الأفلام، المخرج المصري داود عبد السيد، و المنتجة التونسية درة بوشوشة، والممثل والمخرج الأمريكي سلفستر ستالوني، كما تم عقد “منصة الجونة” المخصصة لدعم مشاريع الشباب، وعدد من المحاضرات والندوات.

مع الدورة الثانية بدأت تتضح ملامح المهرجان وشخصيته. أهم هذه الملامح هي أنه مهرجان “فاخر” على عكس كل المهرجانات التي تقام في مصر بما فيها “القاهرة”. يدعو المهرجان “علية القوم” من الفنانين وأهل البيزنس والسياسيين، وعشرات من الإعلاميين والصحفيين للإقامة في أكبر فنادق منتجع “الجونة”، وهو أصلا منتجع للصفوة. ومن يلقي نظرة على فعاليات المهرجان دون سابق علم ربما يعتقد أنه مهرجان في ايطاليا أو اليونان. وهذا شيء جميل يحسب لصناع المهرجان أنهم يقدمون صورة مختلفة عن مصر الزحام والفقر والقبح والقذارة والتحرش والعنف.. مصر التي لم نعد نستطيع السير في شوارعها لا في السيارات ولا سيرا على الأقدام…ولكن هذا التباين الهائل يفرض نفسه، وهو ما أدى إلى اهتمام الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالفساتين والشورتات ومساحات الجسد العارية والخمور، غير مدركين أن هذا هو حال معظم المهرجانات السينمائية في العالم كله، سواء كانت في فرنسا أو المغرب  أو الإمارات أو زيمبابوي!

“الجونة” يهتم أيضا بالنجوم العالميين، وان كان الأغلبية الساحقة منهم أمريكان، وهو ما يعكس وجهة نظر العامة في معنى “العالمية”.. بالتأكيد هناك سينمائيون كبار من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى أفريقيا أهم من سلفستر ستالوني وبقية النجوم الأمريكان الذين احتفى بهم المهرجان، ولكن، كما ذكرت، الأولوية هنا هي تحقيق الدعاية المنشودة محليا وعالميا، واثبات قدرة المهرجان على دعوة “الأشهر” و”الألمع” وليس الأهم.

يدعو المهرجان أيضا بعض السينمائيين المهمين لإلقاء محاضرات على عادة كثير من المهرجانات العالمية اليوم. وهو أمر لم يعرفه مهرجان “القاهرة” مثلا حتى الآن، وهذه الأسماء والمحاضرات تستقطب عددا كبيرا من الشباب من محبي السينما أو الراغبين في تعلمها. هناك أيضا “منصة الجونة” التي تدعم المشاريع الجديدة بمبالغ كبيرة غير مسبوقة في أي مهرجان مصري، وهو ما يعني أن المهرجان، على طريقة “دبي” و”أبي ظبي” و”مراكش” من قبله، يحاول التوفيق بين الاهتمام بالسينما الشعبية ونجومها والسينما  الفنية والمستقلة والشباب.

يهتم المهرجان عامة بأفعل التفضيل على الطريقة “الخليجية”: الأول، والأكبر، والأكثر، ولكن أعتقد أن الاهتمام بجلب عدد من الأفلام التي فازت أو برزت في المهرجانات الكبرى الأخرى وتنظيم برامج استعادية لفناني السينما الكبار واختيار أعمال قوية للمسابقات الرسمية هو ما يبقى في الذاكرة وليس العرض العالمي أو العربي أو الأفريقي الأول، ولكن كما ذكرت هناك رغبة شديدة لدى صناع المهرجان في إثبات أنه أصبح مهرجانا “عالميا”. كذلك يتعلق الأمر بموضوع التغطية الإعلامية “العالمية” للمهرجان، حيث يشاع أن الصحافة السينمائية والنقاد لا يهتمون سوى بالمهرجانات التي تقدم العروض الأولى للأفلام، لأن وسائل الإعلام لا تهتم بالأفلام التي كُتب عنها من قبل. ربما يكون هذا صحيحا، ولكن لا أعتقد أن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية التي تكتب عن مهرجان يقام في مصر يعنيها في المقام الأول أن تكون الأفلام المعروضة جديدة، وأعتقد أن أولوياتها تنصب على البلد نفسه ودرجة تنظيم المهرجان واستقبال الجمهور المحلي له.

مجذومون و”عراة” على السجادة الحمراء

تناقض هائل لا يحل في “الجونة” كما في كل المهرجانات الكبيرة التي حضرتها. يحضر النجوم بـ”زفتهم” وسجاجيدهم الحمراء وملابسهم ومجوهراتهم وسياراتهم الفاخرة ومفاتنهم العارية.. نجم واحد أغنى من حي صغير أو حارة شعبية بأكملها، لكن الأفلام التي يعرضها المهرجان تدور غالبا عن البؤس البشري والمجاعات والمنبوذين، وفي الآونة الأخيرة، حين اختلطت الأنواع الروائية بالوثائقية، وحين باتت المهرجانات لا تفرق بين الروائي والوثائقي، وتضم في برامجها أفلاما روائية وثائقية يمثل فيها أشخاص يؤدون شخصياتهم الحقيقية، أو وثائقية خالصة ليس بها تمثيل، وفي الحالتين يتم دعوة شخصيات هذه الأفلام مثل صناع الأفلام والنجوم، يقيمون في الفنادق نفسها ويحضرون العروض وحفلات الافتتاح والختام ويسيرون على السجادة الحمراء، ويصعدون إلى المسرح مع فريق العمل ليحيوا الجمهور أو ليتسلموا جوائز التمثيل.

في “كان” و”برلين” و”فينيسيا” حصل بعض هؤلاء البسطاء على جوائز التمثيل في مسابقات تضم بعض كبار النجوم وجهابذة التمثيل في العالم. طفلة حرب من إفريقيا، وتاجر صفيح خردة من غجر المجر، ومهاجر غير شرعي من باكستان.

في “الجونة” بعد “كان” شارك فيلم “يوم الدين” للمخرج أبو بكر شوقي الذي يلعب بطولته مشوه بالجذام وطفل نوبي فقير وبعض المعوقين والمشوهين، وهؤلاء جاءوا بصحبة المخرج ليحضروا العرض الخاص ويسيروا على السجادة الحمراء ويلتقون بالصحفيين.

وفي “الجونة” بعد “برلين” شارك الفيلم الوثائقي “الجمعية” للمخرجة ريم صالح، وحضر للمهرجان اثنتان من شخصيات الفيلم من حي “روض الفرج” الفقير لتقيمان في الفندق مع النجمات وتجلسان بين كبار المدعوين في حفل الختام.

لا أحكي هذه المواقف لأنني أعارض أو أنتقد دعوة الأشخاص العاديين إلى المهرجانات، بالعكس. لقد خُلق الأدب والفنون من أجل هؤلاء، وهم المضمون الأساس لمعظم الأعمال الفنية، كذلك أدرك أن “البهرجة” والبذخ والشهوانية التي تتسم بها حياة النجوم هي جزء من طبيعة مهنتهم ومن الجاذبية والجماهيرية التي لا غنى عنها لصناعة السينما. ولكن عندما يكون المهرجان بفخامة “كان” أو “برلين” أو “الجونة”، فإن التناقض يكون هائلا بين النجوم الذين “يمثلون” البؤس ولا يعيشونه وهؤلاء البسطاء البؤساء الذين يشاركونهم السير على السجادة الحمراء والجلوس في المقاعد الأمامية لصناع الأفلام خلال حفل الختام.

عادة يقابل هؤلاء البسطاء بترحاب “مبالغ” فيه.. بابتسامات ومجاملات وعبارات مديح تعكس مدى الخجل الذي يشعر به المنظمون والجمهور وصناع الأفلام الآخرين. بعد عرض “يوم الدين” كانت الدموع تملأ عيون معظم النجوم الذين حضروا العرض، خاصة بعد صعود “أبطاله” المصابين بالجذام والمعاقين إلى المسرح بعد انتهاء الفيلم. مشهد مماثل تكرر بعد عرض “الجمعية”، حيث كانت القاعة تمتلئ بجمهور مدينة “الجونة” الأثرياء الذين شعروا بالحرج والعطف الشديد على شخصيات الفيلم الفقيرة التي تعاني كل المرارات من أجل البقاء أحياء.

من ناحية يسعد المرء بأن السينما وحدها هي التي تتيح لبشر على هذا القدر من التناقض أن يلتقوا ويتعارفوا ويتعاطفوا مع بعضهم البعض. في العادة لا يرى الأثرياء هؤلاء الفقراء في حياتهم العادية.. أو بمعنى أصح لا يفكرون فيهم. ولكن السينما بقدرتها الاستثنائية على التأثير والسيطرة على الحواس لا تترك للمشاهد فرصة لغض النظر أو التجاهل، وتجعله يدخل إلى حياة هؤلاء البؤساء بدلا من أن يكتفي بالفرجة عليها من الخارج.

من ناحية ثانية يدرك المرء أن هذا التأثير والتأثر سرعان ما يخبو بعد ساعات أو أيام، وأن المشاعر القوية التي تنتاب المشاهدين أثناء الفيلم ربما تلعب فقط دورا “تطهريا” يساعد المرء على التنفيس عن شعوره بالذنب، قبل أن يعود لممارسة حياته المعتادة في الصباح التالي، ومن ثم يعلم أن هذا الاندماج والتعاطف عمره قصير، من عمر زمن الفيلم، أو أيام المهرجان.

مرة أخرى يسعد المرء من رؤية المنبوذين والمهمشين يختلطون بالأثرياء وأصحاب النفوذ والسلطة عبر الشاشة أو فعاليات المهرجان، وان كان يتمنى لو أن هذا الاختلاط يدوم ويثمر مزيدا من التواصل والتكافل في عالم يزداد انقساما بين أغلبية تزداد فقرا، وأقلية تزداد ثراء.

أخيرا..أهم ما يبقى من أي مهرجان سينمائي هو الأفلام الجيدة التي تبقى في الذاكرة، وهذه الأفلام ستكون محور مقالي القادم بإذن الله.

موقع "بالأحمر" في

05.10.2018

 
 

"عيار ناري": جدل الثورة ينقذ فيلماً متواضعاً

محمد جابر

قبل أيام قليلة من عرضه بدور السينما التجارية في مصر، تسبب فيلم "عيار ناري"، باكورة أعمال المخرج كريم الشناوي، في جدلٍ كبير عند عرضه خارج المسابقة الرسمية في مهرجان "الجونة" السينمائي؛ حيث انصب النقاش في معظمه حول موقف الفيلم السياسي، وسرديته الملتبسة عن شاب لم يُقتَل في مظاهرات الثورة المصرية، ولكن تمّ ادعاء كونه شهيداً على يد قناصة الداخلية والأمن. 

المفاجأة أن هذا الجدل كان أقرب لطوق نجاة بالنسبة للفيلم، لأنه يجعل الأمر في دائرة رمادية من المواقف ووجهات النظر، وإذا كنت "مع أو ضد" الثورة. بينما ما وراء كل هذا هناك أمر أكبر بكثير، وهو أن الفيلم ضعيف جداً على مستوى الصناعة السينمائية، ومتواضع في كل عناصره ولغته وأداء أبطاله وإمكانيات مخرجه. 

يبدأ الفيلم بتأسيس شخصية "ياسين"، الطبيب في مصلحة الطب الشرعي، الذي يبدو يائساً جداً من حياته، ومخموراً طوال الوقت، ولكنه متمكّن من مهام عمله، وتبيان أسباب وفاة القتلى أصحاب الجثث التي تأتي إليه. تتطور الأحداث عند قدوم جثة "علاء"، الشاب الذي يدعي أهله أنه قُتِل على يد قناصة الداخلية في مظاهرات "لاظوغلي" (نوڤمبر/ تشرين الثاني 2011 في ذروة أحداث الثورة المصرية)، ولكن "ياسين" يكتشف، بعد تشريح الجثة، أن القتل حدث بسبب "عيار ناري من مسافة قريبة"، وعندما يكتب ذلك في تقريره، يُثَار جدلٌ كبيرٌ في التلفزيون والصحافة وبين الأهالي، ويتواطأ الجميع من أجل الدفع بـ"علاء" كشهيد، ومهاجمة "ياسين". 

"المشكلة الأساسية في هذا الجانب من فيلم "عيار ناري"، هي الكيفية التي يستعرض بها بعض الأحداث والتفاصيل بطريقة مزيفة"

قبل أي شيء، من حق أي شخص أن يقدم سرديته عن حدثٍ بضخامة الثورة المصرية. المشكلة الأساسية في هذا الجانب من فيلم "عيار ناري"، هي الكيفية التي يستعرض بها بعض الأحداث والتفاصيل بطريقة مزيفة، وتعارض أي وقائع حدثت حينها، تحديداً في تعامل السّلطة والمؤسسات الرسمية مع شهداء التظاهرات. فحبكة الفيلم الأساسية قائمة على أن "الطبيب" يقف في وجه "الدولة" كاملة (الطب الشرعي وبرامج التلفزيون والصحافة والناس) لينفي أن يكون "علاء" شهيداً، في حين يتواطأون لإثبات ذلك بكل الطرق، ويقيمون حملة ضده بسبب التقرير الذي ينفي حدوث القتل من مسافة بعيدة. بينما ما عايشناه جميعاً أن الدولة كلها في 2011، كانت تنفي وجود شهداء أو قناصة داخلية. وتتعامل مع ضحايا التظاهرات باعتبارهم "بلطجية" (كما يصل الفيلم حول شخصيَّة "علاء" في النهاية)، وبالتالي ليست المشكلة في السردية ومدى معارضتها للثورة، ولكن في أنه يقوم بالكامل على تعامل مزيف مع أحداث ووقائع قريبة جداً. 

وبعيداً حتى عن تلك الملاحظة التي تقلل من مصداقية تلقي الفيلم والحكاية والعالم الذي يدور فيه، فالأمر الأهم هو تواضع مستواه الفني؛ بداية من السيناريو، غير القادر على بناء فيلم جريمة مُحكم كما يقدم الفيلم نفسه، ويلجأ لحوار شديد المباشرة والتوعوية وأقرب للمقالات الصحافية على لسان كل الأبطال. 

الشخصيات فقيرة ومسطحة، لا نعرف أي شيء عن الصحافية (بطلة الفيلم) أو عن الأبطال المساندين، والعُمق الوحيد الذي حاول السيناريو منحه لشخصية "ياسين" عن طريق علاقته بأبيه كان غير مفهومٍ بالكامل، ولا يتناسب مع معطيات الشخصية. فكيف لشخص يتحدث طوال الوقت عن أن ما يهمه هو "الحقيقة" ألا يرغب في مجرد الاستماع لأبيه (الذي يظهر في مشهد واحد كشخص شديد اللطف) عن اتهاماته بالفساد كوزير سقط مع نظام مبارك؟ وكيف يبنى اهتمامه أصلاً بالقضية كلها؟ وكيف تتراص المشاهد دون أي منطق أو زمن محكوم (بعض الأحداث تجري في أيام، وبعضها الآخر في أشهر) باتجاه "كشف نهاية"، يدركه البطل فجأة دون أي مقدمات محكمة؟ وكيف تبدأ الأم في سرد ما حدث (وتحكي ما نراه أمامنا على الشاشة) بشكل أقرب للمسلسلات التلفزيونية في التسعينيات؟ دون مبالغة، لا توجد أي نقطة مضيئة أو ملفتة في سيناريو هيثم دبور، ولم يهتم بحبكة أو تطوير حوار، بقدر ما راهن، ربما، على الطرح السياسي المثير لجدل ما. 

على الجانب الآخر، لم ينقذ كريم الشناوي السيناريو في أي موضع، فعوضاً عن أن كل مشاهد الفيلم حوارية (بين شخصين فقط على الأغلب) هي دون أي "دراما" أو أحداث تتحرك ونتفاعل معها كمشاهدين، فكذلك رؤية الشناوي البصرية لم تضف أكثر من تنفيذ الحوار بـ"قطعات" متبادلة بين الممثلين، واقتصرت إضافاته على تصوير بعض الحوارات كمشاهد خارجي في شوارع وسط البلد، دون أن يستفيد أبداً من وجود مدير تصوير بقيمة عبد السلام موسى، ولا من ديكور جيد (هو الميزة الوحيدة في الفيلم تقريباً) لعلي حسام. والأهم أنه لم يستطع قيادة بعض من أفضل ممثلي مصر خلال تلك المرحلة لأداء ينقذ الفيلم أو الحوار من فخ الركاكة والافتعال والمقالية؛ بداية من بطل الفيلم، أحمد الفيشاوي، الذي يقدم أداءً جامداً ومتخشباً وبنبرة صوت غير مفهومة، وروبي التي تظهر كثيراً دون أي حضور أو تأثير حقيقي للشخصية (ماذا سيحدث إن حذفت واكتفينا بأن التسريبات حدثت للجرائد؟!)، وعارفة عبد الرسول التي ظهرت بأداء تقليدي صار معتاداً منها، وأحمد مالك في مشهد واحد باهت جداً. الوحيد ربما الذي اجتهد لتقديم دور حقيقي هو محمد ممدوح، ولكن انفعالاته تشابهت في بعض اللحظات مع شخصيته في فيلم "تراب الماس" (الذي عرض قبل أسابيع قليلة)، وارتبك أيضاً بين تقديمه كـ"شخص شرير" وعدو للمشاهد لمدة ساعة ونصف، ثم الرغبة في تنزيهه بمشهد الـ"تويست" الختامي المرتبك. لتكون المحصلة فيلماً متواضعاً جداً على كل المستويات، أكثر تواضعاً من حَصر الخلاف حول موقفه من الثورة.

العربي الجديد اللندنية في

06.10.2018

 
 

"هذا هو الحب".. في الجونة السينمائى الثاني

أمل الجمل

"أرجو أن تعذروني علي لغتي الإنجليزية السيئة. لكن ما أريد أن أقوله هو أنني سعيدة بحضوركم لمشاهدة فيلمي، الذي أتمني أن يعجبكم. إنه عن الحب. عن أفراد عائلتي".. بابتسامة جميلة وروح متواضعة نطقت المخرجة الفرنسية كلير بُرجيه بتلك الكلمات القليلة قبيل عرض فيلمها الروائي الأول الطويل "حب حقيقي" كما في عنوانه الإنجليزي Real Love أو "هذا هو الحب" كما في العنوان الأصلي الفرنسي "C’est Ca l’amour" والذي عُرض بقسم "أيام فينيسيا" بالمهرجان الإيطالي العريق، ونال جائزة أفض فيلم بذلك القسم. لكني شاهدته بإحدى قاعات "سي سينما" في اليوم السابق علي الختام من مهرجان الجونة السينمائي الثاني من ٢٠ - ٢٨ سبتمبر الماضي إذ عُرض بالقسم الرسمي خارج المسابقة.
أسلوبية السرد

يعتمد أسلوب السرد في سيناريو الفيلم علي المزج بين الوثائقي بالروائي بشكل غامض وملتبس لكنه مشغولة بجمالية سردية إبداعية تلقائية حتى يكاد المرء لا يُدرك أو قد لا ينتبه لتلك الاعترافات الواقعية من أصحابها.

كتبت المخرجة السيناريو بنفسها، ووفق تصريحها أن الشريط عن عائلتها. بعد المشاهدة يتضح للمرء أنه ليس فقط عن عائلتها، لكنه يتضمن تجارب آخرين، قد تبدو تلك التجارب والاعترافات القصيرة هامشية لكنها تعمق الأشياء وتكمل شذرات اللوحة الإنسانية لصانعة العمل، فتكتمل فسيفساء سينمائية نشعر معها أنها تصلح للتعبير عن عائلات كثيرة.

في ٩٨ دقيقة، فقط، نعيش تجربة ذاتية، شديدة الخصوصية، والصدق، والحميمية جعلت كثير ممن كانوا بقاعة العرض السينمائي يتأثرون وتدمع عيونهم. تجربة تشي تفاصيلها بأنه يصعب كثيرا أن يكتب رجل هذه التجربة المشحونة بالعواطف والتفاصيل المرهفة في حساسيتها. عندما هبطت التترات وأضاءت أنوار القاعة نهضت من موقعي للخروج سريعاً، لا أريد لأحد أن يكسر تلك الحالة النفسية والذهنية الجميلة التي منحني الفيلم إياها، فلمحت على اليسار وأنا في طريقي إلي الباب الزميلة العزيزة هدى إبراهيم تبتسم بتأثر شديد هي الأخرى قائلة: "متى نصنع أفلاماً بمثل هذا الجمال؟"

منابع للجمال

والجمال هنا منبعه قدرة وحساسية المخرجة في رصد مشاعر الوحدة القاسية، والفقدان لمن نحب، الفقدان الناجم عن قرارهم بالرحيل وتجربة حياة أخرى بعيدا عنا. الجمال منبعه قدرتها على رصد التوتر - خصوصا عند الأب والطفلة - الناجم عن تلك المشاعر بالفقدان، حساسيتها في رصد مشاعر التوتر وهي تتحرك في شتى الاتجاهات المؤلمة والعشوائية والمؤذية أحياناً، التوتر الذي يتم تنفيسه لا إرادياً بطريقة جارحة للأقربين منا في بعض الأوقات، التوتر الذي يدفعنا لارتكاب الحماقات ضد أرواحنا قبل الآخرين، التوتر الذي - مع افتقاد الخبرة - قد يجعلنا لا ندرك تلاعب الآخرين بمشاعرنا، فيُوقعنا في شباك التجارب التي تترك ندوباً علي الروح.

هنا، تتناول المخرجة الاضطرابات التي أحاطت بعائلتها عندما قررت والدتها فجأة عدم إكمال الحياة مع الوالد، متخذة قرار بالابتعاد لبعض الوقت عن البيت. رغم محاولات الزوج لإرضائها، كان القرار حاسماً صارما، وبدا أن لاشيء سوف يثنيها عن عزمها. فنسمع الزوج يقول لها برقة واستعطاف: "خذي وقتك. استريحي من كل هذا الضغط، أعيدي التفكير. سنكون في انتظارك. إننا نحبك."

تفهم الجانب السيكولوجي

فجأة، بين عشية وضحاها يجد الزوج نفسه مسئولا عن نفسه، وبيته، والأخطر عن ابنتيه اللتين لم يكن يُدرك مدي الحرية التي منحتها لهما الأم ليتحملا المسؤولية، تلك الحرية التي أفزعته، وجعلته قلقاً متوترا بل مذعوراً؛ فإحداهما شابة مستقلة تبدو مشاكلها أقل، لكن الثانية لا تزال علي أعتاب المراهقة، وتنزلق بسهولة لغواية فتاة تسحبها إلي أرض التلامس والقبلات كأنه تعويض عن غياب الأم المفاجئ. إنها زميلة لها في الفصل لكن تبدو أكثر منها خبرة ومرواغة، ولاحقاً تعترف أنها كانت تتسلي، وتريد قضاء وقت ممتع ليس أكثر، بينما الابنة المراهقة تتعلق بها، خصوصا أن ذلك حدث في لحظة اختفاء الأم بحنانها ودفئها ورعايتها رغم أنها كانت تمنحهما استقلالا كبيراً.

جانب كبير من نجاح أسلوبية السرد بفيلم "هذا هو الحب" هو قدرة مؤلفته كلير بُرجيه على إدراك الجانب النفسي للشخصيات، بتصرفاتها وتقلباتها، ومشاعرها، وتطويرها وتنميتها كل وفق طبيعتها، ووفق احتياجاتها العاطفية التي تقود أية تصرفات معينة. فعندما يُضَّيق الأب الخناق علي طفلته خوفاً عليها، نتفهم لماذا تضع له ابنته في الشاي مادة مخدرة أخذتها من أحد الشباب المدعوين في حفل عيد ميلاد أختها. بقلب قاس غير متردد تضع قطعة المخدر بأكملها، فتزيد نبضات قلب الأب، ويتعرق، ونشعر أنه أصبح في حاله صحية خطيرة. الابنة ترتعب وتتصل هاتفيا بأختها وتعترف بذلك. رغبتها في أذية الأب كان مقصدها استعادة الأم واهتمامها ورعايتها، تلك الأم التي اختارت حياة جديدة وشريكاً جديداً.

قد تبدو الحكاية عادية في سردها وتفاصيلها ربما باستثناء تفاصيل قليلة، كجريمة الابنة، واعتراف الزوج في بروفة إحدى المسرحيات - الجماعية التي تنهض علي مشاركة أعضائها - أنه يحب زوجته وأنه كان يتعامل معها بشكل سيء، وأنه وافق علي أداء هذا الدور لكي يقول لها أنه يحبها. الزوجة موجودة في أجواء هذه البروفات وتسمع كلمات الزوج بدون تأثر.

العنوان الفرنسي

لكن، ومع ذلك، والمؤكد أنه فيلم مختلف ومؤثر، بتصويره، بزوايا الكاميرا التي تعتمد على لقطات مقربة للوجوه فتلتقط دخائلهم بشكل لافت في جماله وشفافيته، خصوصا نظرات الطفلة في لقطات عديدة، نظرات تعبر عن ممثلة موهوبة تماهت مع الشخصية وأدركت حالتها النفسية تماماً. أما الأب والذي قام بدوره الممثل والمخرج والمؤلف البلجيكي بولي لانرز والذي يستحق جائزة عن رقته وصدق مشاعره التي نتواصل معها عبر نظراته وحركات جسده القليلة، رغم قلة الحوار في أجزاء عديدة ومفاصل عاطفية غير قليلة، فالعيون كانت تقول أشياء كثيرة عن الحب من دون كلمات.

وأخيراً، أري أن العنوان الفرنسي أفضل من الإنجليزي وأكثر قوة تعبيرية، فالعنوان الإنجليزي جاء مجرداً من أداه التعريف، وكأنه أي حب، كما أن العنوان ليس به ميزة أو خصوصية ما. أما العنوان الفرنسي "هذا هو الحب" فيُمكن القول أنه يحتمل مستويين من التعبير؛ في مستواه الأول يعبر عن شخصية الأب وتفانيه، ومحاولاته مع زوجته كي يقول لها أنه يحبها، وأنه كان مخطئ في التعامل معها، وأنه نادم، وهو ما يُؤكده بجميع تصرفاته مع بناته، وفي محاولاته للحفاظ علي بيته، وفي ذات الوقت استعادة حبيبته، وعدم استسلامه.

وفي مستواه الثاني الأبعد والأكثر عمقاً، والذي يطرح - عبر أحداثه وتطور شخصياته - تساؤلاً ضمنياً غير منطوق؛ هل الحب هو أن يبقي الزوجين معاً ليكملا حياتهما رغم أن أحدهما لم يعد قادرا على مواصلة هذه الشراكة، ويرغب في البدء مع شريك آخر جديد ينجذب إليه ويتجاوب معه، بكل توابع ذلك من تأثير - حتى وإن كان غير مقصود - على الأبناء والبنات؟!

هل التضحية هنا تحمل هذا المعني من الحب؟ أم أن الحب هو عدم الأنانية وتحمل الفقدان، والسماح للآخر بأن يسلك الطريق الذي اختاره، وإعادة بناء وترتيب حياتنا بشكل جديد مهما تحملنا من ألم ومعاناة؟ أيهما يكون هو الحب الذي يجب أن يكون؟!

موقع "مصراوي" في

06.10.2018

 
 

روبرت ريدفورد و... المسدس: نوستالجيا الذاكرة

نديم جرجوره

تمضي أيامٌ قليلة على إعلانه رغبته في اعتزال التمثيل، قبل أن يعود عن قراره هذا، المتَّخَذ كمحاولة للتفرّغ للإخراج. السينمائيّ الأميركي، متنوّع الاهتمامات الثقافية والجمالية والسياسية، يريد لحظة صفاء مع ذاته، فيعثر عليها في إكمال سيرة مهنيّة تنبض بعناوين ومواقف واشتغالات، ما يجعله يتراجع عن قرار اعتزال التمثيل. يقول إن "العجوز والمسدس" (2018) لديفيد لووري (1980) سيكون آخر إطلالة تمثيلية له، لكنه يبوح لاحقًا بما يشي بندمٍ على إعلانه هذا. لذا، يكمن الأهمّ في حضوره التمثيلي أمام كاميرا لووري، في فيلمٍ عابقٍ بنوستالجيا مبطّنة لسنين مديدة من عمله التمثيلي، وبأداء يؤكّد، مجدّدًا، جاذبيته المنبثقة من علاقة وطيدة وجميلة بينه وبين الكاميرا السينمائية. نوستالجيا تستعيد، ببعض الصُور السينمائية، مقتطفات من سيرة السينمائيّ الأميركي المُشبَع بالحياة إلى درجة الشغف الواضح بالذهاب فيها إلى الأبعد من كلّ شيء، وتُعيد رسم ملامح شخصياتٍ عديدة له في أزمنة أميركية مختلفة، سينمائيًا وحياتيًا وسياسيًا واجتماعيًا. 

روبرت ريدفورد، المحتفل بعيد ميلاده الـ82 في 18 أغسطس/ آب 2018، يؤدّي دور سارق مصارف أميركي يُدعى فوريست تاكر (1920 ـ 2004)، مُلهِم الصحافي الأميركي ديفيد غران (1967) لكتابة مقالة عنه بالعنوان نفسه (العجوز والمسدس)، منشورة في "نيويوركر" في 27 يناير/ كانون الثاني 2003. عجوز يسرق المصارف أكثر من 60 عامًا. يحتاط كثيرًا كي لا يُسجن، ومع هذا يُسجن، وهروبه من سجونٍ مختلفة مرّات عديدة لن تقلّ أهمية وإثارة للمخيّلة عن عمليات السرقة نفسها. المبالغ المسروقة في كلّ مرة قليلة. 

السرقة مهنة أو هواية؟ لا الحكاية الأصلية تؤكّد أو تنفي إحداهما، ولا الفيلم أيضًا، المعروض خارج المسابقة الرسمية للدورة الثانية (20 ـ 28 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان الجونة السينمائيّ". فالأهمّ كامنٌ في شخصية فوريست تاكر، وفي مغامراته وعالمه وانفعالاته، وفي قدرته الساحرة (التي يُزيدها روبرت ريدفورد بهاءً في أدائه) على العشق وحبّ الحياة وعيشها في جوانبها كلّها. 

لن يخرج "العجوز والمسدس" لديفيد لووري عن البناء العاديّ للحبكة ومساراتها. لن يكون باهرًا أو مغايرًا لمألوف الحكايات التي تُشبه تلك الحكاية: لص وشرطة ومطاردات، وما يتخلّل هذا كلّه من تفاصيل جانبية تكشف شيئًا من إيجابيات الشخصية الأساسية. لكن المُثير لمتعة المُشاهدة يتوزّع على مسائل عديدة: البناء العاديّ نفسه مصنوع بشفافية وهدوء يتناسبان وبساطة حكاية فوريست تاكر ومغامراته، فيغيب كلّ ما يُمكن أن يحول دون التنبّه إلى خفّة دمه وأناقته في الارتباط العاطفي وبساطة أساليبه في السرقة (وهي أحيانًا تدفع إلى الضحك لسخريتها)؛ الأداء الجميل لروبرت ريدفورد في الجوانب كلّها التي تصنع شخصية تاكر نفسه؛ سلاسة السرد (سيناريو لووري) والتوليف (ليزا زينو شورغن) والتصوير (جو أندرسن) وغيرها، المُوظَّفة في التقاط حسّ المغامرة بكاملها، بما يحرّض على التورّط الفعلي في مسارات السرد وعوامله ومناخه الإنساني وانفعالاته. 

لن يؤدّي التمعّن في "العجوز والمسدس" إلى اكتشاف جديدٍ يُذهل، أو إلى مُغايرٍ يؤثِّر. فالذهول والتأثّر متأتيان من رفاهية الانصراف المطلق إلى العالم الذي يصنعه ديفيد لووري بمعيّة روبرت ريدفورد: إخراجٌ يمنح متعة التبصّر في الكيان البشري لفوريست تاكر وما يُظهره سلوكه من جوانب وانفعالات ورؤى؛ وتمثيلٌ يبدو عاديًّا لشدّة حِرفيته وجمالية الحِرفية تلك، لكنه ينكشف كإضافةٍ نوعيّة على كيفية صنع سينما شفّافة تمزج الرومانسية بالمغامرة والسرقة، وتخلط بين التحقيق البوليسي والسخرية المبطّنة والحذرة في ممارسة فعلٍ جُرميّ. 

الموظّفون المعرّضون لسرقات فوريست تاكر يُجمعون على أناقته وخفّة دمّه وبساطته وهدوئه وكلامه المعسول، واهتمامه بهم للحظات هي نفسها مدّة تنفيذ السرقة. هذه صفات يُمكن تخيّلها عن شخصية غير معروفة كثيرًا. لكنها صفات تتألّق بجمالياتها مع أداء روبرت ريدفورد أثناء سرقاته، وخلال ارتباطه بالعجوز "جوهرة" (Jewel)، التي تجد في سيسي سبايسك (1949) أجمل تقديمٍ سينمائيّ لها. معًا (جوهرة وتاكر) سيُكملان صورة رومانسية عن معنى العيش على الحدود الأخيرة للحياة، وعن مغزى ابتكار الأجمل أيضًا. 

في "العجوز والمسدس"، يبدو روبرت ريدفورد كأنه يقول بصوتٍ، منخفض أو عالٍ: "لن يكون هناك أجمل من جعل الكاميرا تتدرّب، أكثر فأكثر، على كيفية التقاط سحر الجاذبيّة فيّ، وسرّها".

العربي الجديد اللندنية في

08.10.2018

 
 

فيلم «تاريخ الحُبّ» للسلوفينية سونيا بروسنك:

الرهان على الصورة البصرية يكفي

عدنان حسين أحمد

الجونة : اشتملت مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي على 15 فيلما روائيا من بلدان مختلفة مثل، روسيا، فرنسا، المملكة المتحدة، إيطاليا، سلوفينيا، مصر، سوريا، فلسطين وغيرها من بلدان العالم المعروفة. ومن بين الأفلام المهمة بصريا هو فيلم «تاريخ الحب» للمخرجة السلوفينية سونيا بروسنك، الذي يتمحور تحديدا حول العلاقات العائلية، وإذا تعدّاها قليلا فإنه لا يخرج عن إطار العلاقة العاطفية التي ظلت غامضة، ومغلّفة بالأسرار بين قائد الأوكسترا إيريك «كريستوفر يونر» والمغنية الأوبرالية التي لعبت دور الأم وجسّدته الممثلة «زيتا فوسكو». ووفق هذه الرؤية الإخراجية ينبغي للمتلقي أن يصوغ القصة السينمائية لهذا الفيلم، الذي بدا فضفاضا ومُربكا بعض الشيء، ويحتاج إلى جهدٍ كبير للملمة الوقائع والأحداث التي بدت هي الأخرى تدور في الفلَكين الواقعي والرمزي، وربما تتعداهما إلى المنحى التجريدي المموّه في معظم الأحيان.

تسعى إيفا «دوروتيا نادرا» ذات السبعة عشر عاما لأن تتعامل مع حزنها على فقدان والدتها في حادث سير لم تتكشّف أسبابه، والدوافع التي أفضت إليه. واللافت للنظر أن إيفا لم تكن تعرف عن والدتها الشيء الكثير، لكنها ما إن تستلم الطرد البريدي الذي وصل متأخرا حتى تقرر متابعة إيريك، القائد الأوركسترالي الذي كان مرتبطا بعلاقة عاطفية مع أمها المتزوجة من مربّي النحل «ماتيا فاستل» الذي يعيش مع أفراد العائلة الثلاثة في العاصمة السلوفينية لوبيانا.

الصورة البصرية

يبدو أن هدف بروسنك هو إنجاز فيلم روائي طويل يراهن على الصورة البصرية، ولا يعوّل كثيرا على الحوار أو القصة السينمائية بمعناها الأوسع. وقد لعبت الطبيعة السلوفينية الجميلة دورا كبيرا في تأكيد هذا الرهان البصري، الذي يتمثل بالحدائق النضرة، والغابات المكتظة، والأنهار المتدفقة وحتى أحواض السباحة التي تشكِّل مدخلا مهما للولوج إلى إيفا، بوصفها مولعة بالسباحة والغوص، ليس بالمعنى الواقعي فقط وإنما بالمعنى المجازي، لأنها ستأخذنا في رحلة استقصائية تتبّع فيها شخصية الغريم إيريك الذي لا تتكشف شخصيته بسهولة. لقد ماتت الأم في حادث سيارة، لكننا لم نعرف التفاصيل الكامنة وراء هذا الحادث، تُرى هل وقع الحادث بفعل فاعل؟ أم أنها أقدمت على الانتحار لأسباب تتعلق بالخيانة الزوجية أو تأنيب الضمير؟ كل الاحتمالات تظل واردة ومفتوحة لكن الشيء الأكثر أهمية هو انغماس إيفا في حياة أمها بطريقة غريبة يتداخل فيها الواقع بالحلم.

هدف بروسنك هو إنجاز فيلم روائي طويل يراهن على الصورة البصرية، ولا يعوّل كثيرا على الحوار أو القصة السينمائية بمعناها الأوسع.

عبر ملاحقة إيفا لإيريك نستمتع بجماليات الموسيقى، خصوصا أن الفيلم في ثلثه الأول يكاد يكون خاليا من المؤثرات الصوتية، ولعل من المفيد التنبيه إلى أن الفيلم مقسّم، شعوريا أو لاشعوريا، إلى قسمين أساسيين، الأول أرضي ودليلنا هنا هو حضور الحشرات الأرضية مثل النمل الذي رأينا بعضه يدبّ على ذراع إيفا وعُنُقها. أما القسم الثاني فهو سماوي وحجتنا في ذلك سماع سقسقة العصافير وهديل الطيور وسواها من المخلوقات الأخرى، التي تعمدت المخرجة إسكاتها في بداية الفيلم وكأنها تريد من متابعيها أن يركِّزوا على ثيمة الموت وما يتشظى عنها من تداعيات خطيرة تنجم عما سيقدم عليه أحد أفراد الأسرة كالأب الذي رأيناه منزويا ومعزولا عن الحياة الاجتماعية أو البنت التي تركت أحواض السباحة وبدأت تلاحق المايسترو الذي تعتقد أنه متلبّس بالحادث أو الأخ غريغور الذي بدا لنا الأكثر ترشيحا للأخذ بثأر أمه الراحلة.

قصة سيريالية

يتعزز الخطاب البصري إلى أبعد مدى حين تلاحق إيفا غريمها في منزله ثم تتسلل من حديقة الدار إلى الغابة، ومنها إلى النهر بعد أن تمرّ بأحد شوارع المدينة المكتظة ليلا، التي تنيرها شاشات الهواتف النقالة. ربما تكون مشاهد السباحة في النهر وعبوره إلى الضفة الأخرى من أجمل مشاهد الفيلم وأكثرها جذبا لعيون المتلقين، حيث يسبحان في النهر تارة، ويعبرانه تارة أخرى لنكتشف أن غريغور يلاحق الاثنين معا، وحين يجد إيريك مُجهدا على الجانب الآخر من النهر يسدّ فمه وأنفه بقبضته القوية ولا يتركه إلاّ جثة هامدة، ثم يسحبه إلى النهر ويسلّمه لمجرى التيار النهري الذي يأخذه لمسافة قصيرة ثم تسحبه إيفا وتحاول إنقاذ حياته، لكن غريغور يمنعها من إسعافه، ومع ذلك يكحّ إيريك ويعود إلى الحياة من جديد في مشهد سيريالي لا يحدث إلاّ في أدب العبث واللامعقول. ومع ذلك لا تمنحنا القصة السينمائية أي مفتاح نلج من خلاله إلى حادثة السير، وموت الأم بهذه الطريقة المروعة.

سكونية الملامح

كثير من النقاد والمتابعين الذي شاهدوا الفيلم لم يثنوا على أداء الممثلة «دوروتيا نادرا» لأن ملامح وجهها لم تتغيّر في معظم المشاهد الطويلة التي أدّتها، بدون أن يأخذوا بنظر الاعتبار هيمنة الصورة على الحوار وطبيعة الفيلم الاستقصائية والتأملية في آنٍ معا. دوروتيا حاضرة في المشهد السينمائي السلوفيني منذ عام 2013 حين سجلت أول ظهور لها في فيلم Class enemy ثم واصلت تألقها في ستة أفلام أخرى مثل «مثابرة» و «بارون كوديلّي»، و«أنت تعرف أنني أحبك» فهي ممثلة مطواعة، وقادرة على التماهي بأدوارها، لكن بعض المخرجين يُلزمون أبطالهم بمسارات محددة تقيّدهم إلى حدٍ كبير، وهذا ما حدث بالضبط لدوروتيا في فيلم «تاريخ الحب» ولكن هذا التقييد لم يمنعها في حقيقة الأمر من استثمار الدور وتعزيزه ببعض المشاعر المحرّكة التي تمنحه بعضا من التنويع والمغايرة، خصوصا أن هناك تماسا مباشرا مع شخصيات متعددة مثل الأب في المزرعة، والأخت الصغيرة في الدار، وبعض الأصدقاء في حوض السباحة وسواها من المَشاهد المتنوعة التي يمكن أن تغيّر إيقاع الفيلم و«رتمه» الذي بدا للبعض رتيبا بسبب سكونية الملامح.

كثير من االمتابعين الذي شاهدوا الفيلم لم يثنوا على أداء الممثلة «دوروتيا نادرا» لأن ملامح وجهها لم تتغيّر في معظم المشاهد الطويلة التي أدّتها.

السرد اللاخطّي

ربما يحتاج المتلقي إلى العودة لفيلم المخرجة الأول وهو «الشجرة» الذي يُعتبر قصة واحدة لكنها مرصودة من ثلاث زوايا في ثلاثة فصول متتابعة تكشف صانعة الفيلم من خلالها عن الموقف المأساوي لأسرة مكونة من ثلاثة أشخاص تجد نفسها في ظرف لا تُحسد عليه نتيجة لحادث. وفي هذا الفيلم تبرع المخرجة في الحفاظ على السرد اللاخطي للموقف الدرامي المتصاعد الذي يجعل المُشاهد في حالة من التوتر الدائم بسبب اللقطات الكلوستروفوبية المأخوذة في الأماكن الضيقة أو المقفلة الأمر الذي يقودنا إلى رمزية أماكن التصوير في «تاريخ الحب» التي لا تخلو من الخطورة أو تولّد الإحساس بالضيق رغم انفتاحها اللامحدود وكأن المكان نفسه يضيق بشخصياته الثلاث الرئيسة التي كانت تتنازع على ضفة النهر المتدفق. لا بد من الإشارة إلى شخصية إيريك التي جسّدها الفنان النرويجي كريستوفر يونر، صاحب التجربة التمثيلية الطويلة نسبيا إذا ما قورن بدوروتيا التي ناصفته دور البطولة، فقد اشترك خلال رحلته الفنية بأكثر من أربعين فيلما روائيا طويلا، أبرزها «الموجة» و«العائد» وقد تألق فيها جميعا وظل مستقرا في ذاكرة مشاهديه. كان دور إيريك منوّعا وثريا بالوقائع الغامضة التي لم تتكشف كليا، لكنها أماطت اللثام عن أدائه المعبِّر طوال مدة الفيلم التي بلغت 105 دقائق.

يعدّ الفيلم في مجمله تحفة بصرية لجهة التصوير الذي أبدع فيه المصور السينمائي ميتا ليتشن، الذي سبق له أن تألق في أفلام عديدة نذكر منها «لم نذهب إلى فينيسيا من قبل» و«ارتجال» و«أنا أمثّل إذن أنا موجود» وسواها من الروائع البصرية التي يصعب نسيانها لأهمية التصوير وجمالياته التي تستفز المُشاهد على الدوام وتحثه على الاستمتاع. وإذا كان المخرج يدفن الفيلم، كما يُقال دائما، فإن المونتير يعيد إحياء الفيلم ويبث فيه الحياة من جديد عبر التقنية المونتاجية وهذا ما فعلته المونتيرة فريدا إيغيم ميكائيلسن. وفي الختام يمكن القول باطمئنان كبير أن المخرجة سونيا بروسنك ستكون واحدة من الأسماء الإخراجية المعروفة على الصعيد الأوروبي، وربما تكون واحدة من المخرجات العالميات اللواتي يُشار إليهن بالبنان كلما زاد رصيدها في هذا النمط من الأفلام الإشكالية الغامضة، التي تراهن على الصورة، ولا تعير وزنا للحوار أو القصة السينمائية إلى حد ما، فالسينما صورة قبل أن تكون كلاما أدبيا يمكن العثور عليه في القصص والروايات والأنماط السردية الأخرى.

القدس العربي اللندنية في

08.10.2018

 
 

الأفلام الأجنبية أكثر سويّة من الأفلام العربية

قراءة نقدية في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لمهرجان الجونة الثاني

عدنان حسين أحمد

يلعب المبرمجون في المهرجانات السينمائية دوراً أساسياً في انتقاء الأفلام المهمة التي تتوفر على سويّة فنية عالية تمنح المُشاهد فرصاً جديّة لتحقيق المتعة والفائدة في آنٍ معاً، وربما تقوم بعض الأفلام بتغيّير ذائقة المتلقين والارتقاء بها إلى مستويات عالية جداً تجعل من المُشاهد المحترف رقماً صعباً في عملية التلقّي بحيث يوازي المُرسِل والرسالة البصرية، ولا يكتمل هذا المثلث إلاّ بضلعه الثالث الذي نقيس بواسطته نجاح الفيلم أو إخفاقه أو تأرجحه في المنطقة الوسطى بين النجاح والفشل.

وبغية تقييم الدورة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي لابد لنا أن نتوقف عند مسابقة الأفلام الروائية حصراً لأنها تُعطينا أنموذجاً لبقية الأفلام التي انضوت تحت مسابقتي الأفلام الوثائقية الطويلة، والأفلام الروائية القصيرة، وربما تتعداها إلى الأفلام التي ظلت خارج المسابقة لكنها جذبت جمهوراً كبيراً من المتلقين وكانت الأفلام الأكثر مشاهدة طوال أيام المهرجان الذي انطلق في العشرين من أيلول الماضي وطوى صفحته الختامية في الثامن والعشرين منه.

اختار مبرمجو المهرجان والقائمون عليه 15 فيلماً لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة من إنتاج عام 2018 ، عشرة منها أجنبية والخمسة الباقيات من بلدان عربية مختلفة. ولو تأملنا هذه الأفلام جيداً لوجدنا أن الأجنبية منها تتناول موضوعات إنسانية حسّاسة، كما تنفرد بمستوياتها الفنية والتقنية العالية في التصوير، والمؤثرات الصوتية والبصرية، ومعالجة الثيمات، والأداء المبهر للشخصيات، ناهيك عن الرؤية الإخراجية المرهفة لصنّاع الأفلام. دعونا نتتبع الأفلام بحسب الجوائز التي أسندت إليها، ففيلم"أرض مُتخيلة" للمخرج السنغافوري إيوا سيوا هوا خطف الجائزة الذهبية في مهرجان الجونة وذلك لثيمته المبتكرة التي تثير سؤال الهجرة بطريقة لاذعة مفادها: هل أن المهاجر الذي يترك بلده الأصلي يقف عارياً في مهب الريح؟ وهل أن كرامته الإنسانية عرضة للانتهاك حينما يلوذ ببلد آخر لا يضمن الحريات الشخصية، واشتراطات العيش الكريم؟ بين اختفاء وانج، عامل البناء الصيني، والمحقق لوك الذي يقتفي أثره تكمن قصة الأرض المتخيلة التي حصد مخرجها جائزة "الفهد الذهبي" في مهرجان لوكارنو عام 2018.

أُسندت الجائزة الفضية لمهرجان الجونة لفيلم "راي وليز" للمخرج البريطاني ريتشارد بيلينغهام الذي ركّز على والديه، مستبطناً طبيعة علاقتهما، وتأثيرها عليه وعلى شقيقه الأصغر كطفلين يعيشان في شقة بائسة في ضواحي مدينة بيرمنغهام المهمّشة. توُّج هذا الفيلم بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان لوركانو هذا العام لكنهم أهملوا الأداء المبهر للفنانة إيلا سميث التي تألقت بدور الأم وأمسكت بأحداث درامية مهمة ستظل عالقة في ذاكرة المتلقين لسنواتٍ طوال. سبق أن شاهدنا إيلا بأدوار متوهجة في أفلام مثيرة مثل "ساندريلا" و "الأصوات" وغيرها من الأفلام الروائية المتقنة في الأساليب، والثيمات، والمقاربات الفنية. أما الجائزة البرونزية فقد ذهبت إلى فيلم "الوريثتان" لمارسيلو مارتنيسي الذي يدور حول امرأتين تنحدران من عائلتين ارستقراطيتين في مدينة أسنوسيون البارغوانية وتعيشان معاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وحينما يتدهور وضعهما المادي تبيعان جزءاً مهماً من إرثهما وتدخل تشيكيتا السجن بتهمة الاحتيال، أما تشيلا فتقودها المصادفة لتعمل سائقة تاكسي لتكتشف حياة جديدة جديرة بأن تُعاش خصوصاً بعد أن تتعرف على أنجي وترتبط معها بعلاقة حميمة. سبق لهذا الفيلم أن نال جائزة "الدب الفضي" في مهرجان برلين السينمائي لهذا العام

لم يمر فيلم "حرب باردة" للمخرج البولندي بافل بافليكوفسكي مرور الكرام لأنه ينطوي على مفاجآت عديدة سواء في الثيمة التي تتلون وتتصاعد على مدار الفيلم الذي بلغت مدته 84 دقيقة أو على صعيد الأداء المدهش لكلا الفنانين اللذين تناصفا دور البطولة وهما يوانا كوليج التي حصدت جائزة أفضل ممثلة وتوماس كوت الذي لعب دوره بإتقان شديد يُغبَط عليه حقاً

حظي فيلم "الرجل الذي فاجأ الجميع" للروسية ناتاليا ميركولوفا وألكسي شوبوف على تنويه من لجنة التحكيم علماً بأن ثيمته الجريئة والحساسة تحتاج لوحدها جائزة منفصلة، كما أن المقاربة الفنية للمخرج كانت سلسة، ومعبرة، وشديدة التأثير بحيث تدفع المشاهد لأن يتعاطف مع الشخصية الرئيسة التي أداها يفغيني تيسغانوف التي كانت مثار إعجاب الجميع بغض النظر عن المصير المؤلم الذي آل إليه في نهاية المطاف، وقد اضطر لتغيير هويته كي يتفادى مواجهة الموت القادم لكنه فاجأنا جميعاً حينما تبين أنه غير مصاب بالسرطان.

لا أحد يشكك في أهمية الأفلام الفائزة ولكن هذا لا يعني أن بقية الأفلام سيئة فـ "الحاصدون" للمخرج الجنوب أفريقي إتيين كالوس هو فيلم من طراز رفيع يناقش ثقافة الأقلية الأفريقية ذات الأصول البيضاء التي بدأ يتناقص عددها بشكل كبير لكنها ما تزال مهووسة بقيم القوة، والرجولة، ونبذ الآخر حتى وإن كان من أبناء جلدتهم كما حصل مع "يانو" الذي رفض أن يستقبل الغريب ويجعل منه أخاً له بسبب سلوكه الشخصي الذي يعتبره شائناً ومعيباً. وولو قُدِّر لهذا الفيلم أن يُعرض في أي مهرجان أوروبي لنال عدداً من الجوائز المهمة على صعيد التصوير، والتمثيل، والسيناريو، والإخراج. وهذا الأمر ينسحب على "تاريخ الحُب" للمخرجة السلوفينية سونيا بروسنك، و "تومباد" للهندي راهي أنيل برافي وأديش براساد، و "فات الأوان أن نموت صغاراً" للتشيلي دومينغا سوتومايور، و "هل تتذكر؟" للإيطالي فاليريو مييلي، وهي أفلام مميزة تستحق الإشادة والتكريم.

أما الأفلام العربية الخمسة فهي ضعيفة باستثناء "يوم الدين" للمخرج المصري أبو بكر شوقي الذي توِّج بنجمة الجونة لأفضل فيلم روائي عربي لا يخلو من الفكاهة، والمواقف الكوميدية الطريفة. وعلى الرغم من فجائعية أجوائه إلا أن الفيلم ظل مشبعاً بروح الأمل. وحينما يعود (بشاي) المواطن المصري المصاب بمرض الجذام إلى أهله وذويه يقرر العودة إلى المستعمرة لأنه يعرف أناسها جيداً ولا يتمنى فراقهم رغم شظف العيش، وقسوة الحياة بين جدرانها.

انحسرت الأفلام العربية الروائية في معالجة ثيمتي الحرب والإرهاب كما هو الحال في فيلم "يوم فقدت ظلي" للسورية سؤدد كعدان التي بنت فيلمها على فكرة ضياع الظل في أوقات الحروب والكوارث، وفيلم "مفكّ" للفلسطيني بسام الجرباوي الذي يدخل فيه "زياد" السجن لمدة خمسة عشر عاماً وحينما يُخلى سبيله يحاول التكيّف مع عالمه الجديد الذي تغيّر كثيراً. أما الفيلم التونسي "ولْدي" لمحمد عطية فيتمحور حول ثيمة الإرهاب التي يجسدها من خلال أب يبحث عن ابنه في المناطق السورية التي تنشط فيها خلايا داعش الإرهابية. وفي السياق ذاته يتعاطى الجزائري مرزاق علواش مع شاب وشابة تربطهما علاقة قوية ثم يُكلفان بالقيام بعمل مسلّح ضد معمل لتكرير البترول في الصحراء الجزائرية حيث يلاقيان مصيرهما المحتوم. ومع ذلك فقد نال الفنان التونسي محمد ظريف جائزة أحسن ممثل تثميناً لبراعته في تجسيد دور الأب المفجوع بابنه الذي يذهب إلى الموت بقدميه.

لم نكن نرى هذا النمط من الأفلام النوعية لولا الجهود الكبيرة التي بذلها المبرمجون، ولجنة تصفية الأفلام، والأفراد الذين اقترحوا عرضها في الدورة الثانية مهرجان الجونة السينمائي الذي يتألق عاماً بعد عام.

####

كلاكيت: ثلاثة مخرجين كبار

علاء المفرجي

اختار مهرجان الجونة في دورته الأخيرة الاحتفاء بثلاثة مخرجين عالميين ، وكانت خطوة موفقة من حيث أهمية هؤلاء المخرجون، حيث تم الاختيار وفق رؤية متفحصة لدور هؤلاء وحجم انجازاتهم، والأهم تأثيرهم الكبير على الأجيال اللاحقة .. فاسماء مثل فيديركو فيلليني، وانغمار برغمان، ويوسف شاهين، أسهموا بشكل كبير في صنع مجد السينما ، ويكفي مايقوله المخرج وودي ألن إنه هو وكل المخرجين أبناء لثانية ونصف، وهو هنا يشير الى أحد أفلام فيلليني.. أما برغمان فيكفي أن أفلامه جميعها أصبحت من كلاسيكيات السينما، فيما اعتبر يوسف شاهين المخرج الذي الأكثر حداثة بين مخرجي جيله.

واختار المهرجان فعاليات مختلفة للاحتفاء بهم، واختارت لهم أفلاماً تمّ عرضها لجمهور المهرجان، خاصة من الجيل الذي لم يتسنى له مشاهدتها.

فقد اختارت للمخرج برغمان أفلام "برسونا" الذي انتج عام 1966 من إخراجه وتأليفه ويعد أحد أهم الأفلام وأكثرها تأثيراً في السينما الحديثة. يحمل عنوان الفيلم (Persona) معنيين، الأول كلمة لاتينية تعني قناع والثاني نظرية لعالم النفس كارل يونغ.

كان الفيلم ثورياً على مستوى الأسلوب وامتاز باستخدام اللقطات القريبة. كان برغمان يولي أهمية كبير للوجه، وقد اختار الممثلة ليف أولمان خصيصاً بسبب ملامحها. وهو يقول: "الوجه البشري مادة عظيمة للسينما. فهو يحوي كل شيء". اعتبر بعض الباحثين أن أسلوب الفيلم ما بعد الحداثي هو رد فعل على طريقة السرد الواقعية. ظهرت في الفيلم مشاهد تثير الاستغراب والاستنكار مثل مشهد دخول "إليزابت" غرفة نوم "ألما"، فليس واضحاً إذا ما كانت "ألما" تحلم أو أن "إليزابت" تمشي أثناء النوم. ومشاهد أخرى مماثلة كانت كأنها أحلام أو كوابيس.

أما الفيلم الآخر فهو فيلم التوت البري من تأليفه وإخراجه وهو عن رجل عجوز يحاول استرجاع ذكرياته. يؤدي الأدوار في الفيلم مجموعة من الممثلين ارتبطوا بأفلام برغمان مثل بيبي أندرسون، أنغريد تولين، جونير بيورستراند وفي دور صغير ماكس فون سايد. فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي، كما تم ترشيحه لجائزة الأوسكار عن أفضل سيناريو.

ومن أفلام فيلليني فيلم" ثمانية ونصف" والذي جاءت تسميته وفقاً لتسلسل المخرج في إخراج افلامه وليس من وقائع قصة الفيلم.

فقد أخرج فيلليني قبل هذا الفيلم سبعة أفلام روائية طويلة وفيلماً واحداً قصيراً فشكل فيلمه الجديد "ثمانية ونصف" المنتج عام 1963 حاصل جمع أفلامه المنجزة.

وأدى الممثل الإيطالي مارشيللو ماستروياني في الفيلم دور مخرج سينمائي ناجح ومشهور في طريقه لإخراج فيلم جديد، ولكنه يعاني من عجز في ايجاد الأفكار الابداعية عند شروعه بإخراج الفيلم, في ذات الوقت الذي تتداخل فيه علاقته السيئة بزوجته مع علاقة اخرى يعاني منها مع عشيقته. وكذلك فيلم روما الذي انتج عام 1972

أما المخرج يوسف شاهين فقد اختير له فيلم (المهاجر) أثار ضجة عند نزوله فيدور العرض السينمائية حتى إنه منع من العرض وذلك لتناول الفيلم قصة مأخوذة عن حياة أحد الأنبياء يوسف .

يتميز الفيلم بضخامة الأنتاج والأخراج المميز ليوسيف شاهين. كما أن الفيلم شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي.

وقد رفع يوسف شاهين دعوى قضائية لعرض الفيلم والتي حُكِمَ لِصالِحِه فيها بعد عرض فيلمه المصير الذي قام بكتابته وإخراجه ردّاَ على منع فيلم المهاجر.

المدى العراقية في

10.10.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)