فيلم «روما» للمكسيكي ألفونسو كوارون:
قصيدة بصرية عن الوطن والذاكرة والذكرى
فينيسيا ـ «القدس العربي» نسرين سيد أحمد:
يعود المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون إلى مهرجان
فينيسيا في دورته الخامسة والسبعين (29 آب/أغسطس إلى 8
أيلول/سبتمبر) بفيلمه «روما» (المشارك في المسابقة الرسمية
للمهرجان)، والفيلم عودة لكوارون ليس للمهرجان العريق فقط، ولكن
عودة أيضا إلى بلاده المكسيك وإلى لغتها، بعد غياب طويل.
يقدم كوارون في «روما» قصيدة بصرية بديعة بالأبيض
والأسود للحياة في أوائل السبعينيات في مدينته مكسيكو سيتي، وهو
فيلم يحتفي بتفاصيل الحياة وواقعها، ويدخلنا إلى عالم أسرة مكسيكية
ميسورة الحال، ولكن ربما الأهم من عالم تلك الأسرة هو عالم خادمتها
الشابة، التي تقيم في المنزل. عالمان صغيران، عالم الطبقة المتوسطة
وعالم خادمتها، يلتحمان ويمتزجان ويقدمان صورة نابضة بالحياة
والحنين والذكرى.
يمكننا القول إن «روما»، الذي يستمد اسمه من حي
روما ميسور الحال، الواقع في وسط العاصمة المكسيكية، هو أفضل أعمال
كوارون قاطبة منذ فيلمه «وأمك أيضا» (2001)، وواحد من أجمل الأفلام
التي شاهدتها في عامنا الحالي 2018. صيغت كل صورة والتفاتة وكل
اختلاجة وجه في الفيلم بسلاسة ودقة، لتقدم رؤية كوارون، الذي أخرج
الفيلم وصوره بنفسه إضافة إلى كتابة السيناريو. يمتد «روما» على
مدى ساعتين وربع الساعة، يصحبنا فيها كوارون إلى قلب مدينته
ميكسيكو سيتي، وكل ما يعتمل فيها في أوائل السبعينيات، ولا يغفل
البون الطبقي الشاسع بين ميسوري الحال فيها وطبقاتها الأقل مالا.
نرى الفقر والشوارع الموحلة، كما نرى الشوارع التي تحفها الأشجار
وتصطف فيها سيارات أنيقة. ونرى غضب الطلبة ومظاهراتهم، ونشهد
احتجاجات وأعمال شغب. لعلّ أحد أبلغ المشاهد في الفيلم يدور في
مستشفى في المدينة، حين يضرب زلزال مباغت المدينة، فتسقط كتل
خرسانية على الغرفة التي تستقبل الصغار حديثي الولادة قبل مغادرة
أمهاتهن للمشفى. تهرع الممرضات لإنقاذ الصغار من الزلزال، في مشهد
تعمه الفوضى. إنه مستقبل المكسيك، مصور في صغاره، الذي يضربه
الزلزال بينما يحار الكبار في إنقاذه.
لا يجمّل الفيلم الماضي ولا يدفع الحنين كوارون إلى
تزيين الذكريات، أو إلى التغافل عما يعتمل في البلاد. نستشعر بعض
السخرية الممتزجة ببعض الأسى في ذلك المشهد الذي توشك فيه صديقتان
ليلة رأس السنة عام 1971 على شرب نخب العام الجديد، لتدفع امرأة
عابرة اليد التي تحمل الكأس ليهوي مهشما بما يحمله من شراب. كأس
محطم ونخب مسكوب ينذران بعام فيه من التقلبات الأسرية والاضطرابات
في البلاد الكثير. يقدم كوارون في «روما» فيلما متأملا يبقى معنا
ويعتمل في فكرنا وذاكرتنا بعد الانتهاء من مشاهدته، فيلم نود أن
نشاهده بدلا من المرة مرات، للتأمل في جمالياته وللتأمل في صوره
التي تتكامل مكونة عالما كاملا.
يستحوذ كوارون علينا تماما منذ المشهد الافتتاحي
للفيلم: مياه تندفع في ما يشبه الموجات الهادئة على أرضية رخامية،
وينعكس فوق المياه ما يبدو كظل نافذة وطائرة تحلق. نُسائل أنفسنا
لبضع دقائق عن ماهية المكان والأرضية والمياه المنسابة، ثم ندرك أن
المياه هي مياه التنظيف في مدخل مسكن لأسرة من الطبقة المتوسطة.
أما من يقوم بالتنظيف فهي كليو (ياليتزا أباريثيو)، الخادمة الشابة
هادئة الملامح التي تعنى بأسرة ميسورة الحال، مكونة من الجدة والأم
صوفيا (مارينا دي تافيرا) وأربعة أطفال صغار، يثيرون الضجيج والضحك
والفوضى أينما حلوا. أما الأب، فيبدأ الفيلم به وهو شبه غائب عن
حياة الأسرة، يولي جل رعايته لسيارته الضخمة، ويبدي التذمر من كل
شيء في المنزل، إلى أن يغيب عن الأسرة تماما، فيما تصفه الزوجة
صوفيا للأبناء بأنه رحلة عمل إلى كيبيك في كندا البعيدة. لا نعرف
مباشرة سبب غياب الأب، ولكننا نرى الزوجة تخاطب خادمتها كليو وقد
غلبها الدمع «نحن النساء نبقى دوما بمفردنا». إنه منزل نسائي تماما
إذن، تدبر شأنه النساء، وتعنى به وبصغاره النساء، وتخوض معاركه
الصغيرة والكبيرة النساء.
تتمهل الكاميرا على المنزل الفسيح الحميمي في فوضاه
وصخبه، ويلفت كوارون انتباهنا منذ البدء إلى كليو، الخادمة
المقيمة، التي تبدو على صغر سنها وصمتها عمادا أساسيا في المنزل،
وهي التي تتولى المنزل بالتنظيف والترتيب وتولي الصغار الحب
والاهتمام. أما عن حياة كليو، فهي حياة متصلة ومنفصلة في آن عن
حياة مخدوميها. نراها تجلس مع الأسرة لمشاهدة التلفاز مساء ونرها
تشارك الأطفال الضحك والمرح، كما لو كانت فردا من الأسرة، ونرى
تعلق الأطفال بها كما لو كانت شقيقة أكبر أو أما بديلة. ولكن كليو
لها صداقاتها الخاصة وحياتها العاطفية الخاصة، ونراها حين ترافق
صديقها إلى السينما، أو حين تختلي به في لحظة حميمية.
كليو هي محور الفيلم وشخصيته الرئيسية، ينتصر لها
كوارون وينتصر لطبقتها ممن يحملون الطبقة المتوسطة الميسورة حملا.
لا نراها تتذمر من عبء العمل وندرك تمام الإدراك إنها تخلص كل
الإخلاص لهذه الأسرة وتحبها كما لو كانت أسرتها. وينتصر كوارون،
أيضا لأصول كليو العرقية، فهي من السكان الأصليين للمكسيك، ونراها
تتحدث بالإسبانية مع أفراد الأسرة، ولكنها حين تنفرد بأصدقائها
تتحدث لغتها الأصلية. كليو هي قلب المكسيك فعلا وقولا، هي من يمد
أبناء البلاد بالحب ويوليهم الرعاية. وعلى الرغم من أن كليو لها
ألمها الخاص، مثل البعد عن أمها في القرية البعيدة التي لا تزورها
إلا فيما ندر، ورغم أنها تواجه انكسار القلب وتحطم الحب والخذلان،
إلا أنها تبقى قوية صامدة لأن دورها في الحياة أن تبقى قوية داعمة
للآخرين.
ولكن كوارون ينأى بنفسه عن تقديم العظات الاجتماعية
أو الخطب السياسية. هو يقدم لنا الحياة بكل زخمها وتناقضاتها
وتشابكاتها، ويقدم مظاهر الحياة المختلفة في البلاد ويتركنا لنتأمل
ونخرج بحكمنا الخاص. هو فيلم شخصي للغاية يبنيه كوارون على ذكرياته
وحياته في صباه ولكنه أيضا فيلم إنساني تأملي النزعة والتوجه، تحمل
مشاهده الصغيرة الكثير من العمق والمغزى بدون أن تنطق شفاهة
بالكثير: حذاء رب الأسرة الأنيق حين يتسخ بغائط كلب الأسرة،
السيارة الأمريكية الفورد غالاكسي التي لا يتسع لها مدخل المنزل،
تلك المرأة الأمريكية المتأنقة التي جاءت إلى ضيعة في المكسيك
للصيد والقنص. كلها التفاتات صغيرة تحمل تعليقات اجتماعية وسياسية.
نرى صديق كليو، الذي فرّ من تحمل مسؤوليته كأب للجنين الذي تحمله،
يتدرب على فنون القتال برعاية الشرطة والجيش، ليصبح أحد رجال
الشرطة الذين يقمعون الطلبة في مظاهرات دامية عام 1971. الرجل
والأب المتهرب من المسؤولية يصبح أداة للقمع في يد السلطة.
حياة كليو وحياة مخدومتها صوفيا تقولان الكثير عن
المجتمع، ولكننا نرى ما يدور في حياتهما كما نرى الموج في أحد
مشاهد الفيلم. يبدأ البحر حنونا صديقا يسبح الأطفال في مياهه
وترقبهم عن بعد وترقب كليو التي لا تجيد العوم، ولكن الموج يشتد
ويكاد يفتك بالصغار لولا تدخل كليو التي تغامر بحياتها لإنقاذهم.
موجات هي الحياة، بعضها يترفق بنا وبعضها يكاد
يغرقنا، وهكذا تستمر الحياة كما يرسمها كـــوارون في «روما» تسير
أحيانا بتدفق مياه التنظيف التي يستهل بها الفيلم، تلك المياه
العذبة التي تغسل الأدران، ولكنها قد تصبح عنيفة مدمرة أحيانا أخرى
تكاد أن تفتك بنا، ولكنها دوما تستمر رغم الألم والفقد والمعاناة.
####
«سيسترز
براذرز» فيلم كوميدي يجسد القتل بلا رحمة
البندقية – رويترز:
شهد مهرجان البندقية السينمائي في دورته الحالية
العرض الأول لفيلم « سيسترز براذرز» الكوميدي الذي ينتمي لفئة
أفلام «الويسترن».
والفيلم الذي يعرض مشاهد قتل لعدد كبير من رعاة
البقر هو أول فيلم باللغة الإنكليزية للمخرج الفرنسي جاك أوديار
وتدور قصته حول أشقاء يتعاقدون على قتل أحد المنقبين عن الذهب
لحساب متعقب آخر له فشل في قتله.
وفي مشهد رئيسي في الفيلم يتحدث أحد أبطاله عن
رغبته في فتح متجر بعد اعتزال مهنة القتل.
وتحدث جون ريلي، أحد منتجي الفيلم والذي قام فيه
أيضا بدور، إلى الصحافيين قائلا «في الخمسينات من القرن التاسع عشر
عشنا هذه النوعية من الأزمة في أمريكا، وهي ذات الحياة التي نعيشها
اليوم».
وأضاف خلال مؤتمر صحافي «أسسنا الغرب على مقتل كل
الهنود… وجرى تأسيس مجتمع يكاد ينعدم فيه القانون».
وتابع قائلا «كانت الغلبة للقوي على حساب الضعيف.
لكن هذه ليست خطة مستدامة من أجل المستقبل. هذه خطة لتدمير الذات.
أعتقد أن هذه هي إحدى النقاط المهمة التي يثيرها الفيلم… هذا يجعل
الفيلم وثيق الصلة بذلك الموضوع: إلى أين نحن ذاهبون؟».
أما مخرج الفيلم أوديار فقال إنه رغم كل الوحشية
التي يعرضها هذا الفيلم فإنه في «مجمله عن الحب ولا شيء غير ذلك».
وأضاف «القصة عن العودة للوطن… لذا فهو فيلم يزخر
بالتفاؤل».
وينافس «سيسترز براذرز» ضمن 21 فيلما على جائزة
الأسد الذهبي التي سيعلن الفائز بها في ختام مهرجان البندقية
السينمائي في الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري. |