«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي: داكوتا
جونسون: يهمني أولاً أن يكون دوري بمثابة فرصة لتأكيد موهبتي
واثقة من خطواتها وسعيدة بحضور المهرجان الإيطالي للمرة الأولى
فينيسيا: محمد رُضـا
دور داكوتا جونسون في فيلم «سوسبيريا» ليس دوراً
هيّناً بالمرّة. ليس لأنّها لا تحبّ أفلام الرّعب كثيراً فقط، بل
لأن مشاهد الرّقص كانت متعبة وطويلة. تؤدّي في هذا الفيلم المشترك
بمسابقة مهرجان فنيسيا، دور فتاة أميركية بريئة تصل إلى أكاديمية
لتعليم رقص الباليه في برلين المنقسمة على نفسها. تُقبل وتبدأ
دورات التدريب وتنجح بالتدريج في تبوؤ القيادة بالنسبة لاستعراض
سيجري تقديمه.
لكن الأكاديمية ليست سوى غطاء لما هو مخفي وما على
القارئ إلّا أن يسعى لمشاهدة الفيلم لمعرفة ما هو. أمّا الآن فإن
اللقاء مع بطلة الفيلم سيتشعب ما بين «سوسبيريا» و«ظلال من
الرّمادي» ورأيها في مسيرتها الفنية وكيف نشأت وفي فمها ملعقة
التمثيل.
ذلك أنّها ابنة الممثل دون جونسون والممثلة ميلاني
غريفيث. جدتها ليست سوى تيبي هدرن، نجمة الستينات التي لعبت بطولة
فيلم رعب آخر آنذاك هو «طيور» لسيد التشويق ألفرد هيتشكوك. داكوتا
ولدت في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1989 ومثّلت مع
والدتها لأول مرة في «مجنون في ألاباما». ثم توارت نحو عشر سنوات
قبل أن تعود ممثلة محترفة بفيلم «سوشال نتوورك» سنة 2010.
·
من السهل أن يتخيّل المرء صعوبة تنفيذ مشاهد رقص
الباليه بالنسبة لأي ممثلة؟ هل كانت تلك المشاهد صعبة بالفعل؟
-
لم تكن سهلة. اشتغلنا على تصميمها بعناية من ثمّ التدرب عليها
لفترة شهرين تقريباً. كان هناك فنانون حقيقيون يعرفون تفاصيل رقص
الباليه وساعدونا كثيراً. أقصد أنا والممثلات الأخريات أيضاً.
·
لا بد أنّ نصيبك من هذه التدريبات كان أكبر، كونك
بطلة الفيلم.
-
صحيح. ومع الاعتراف بأنّ كل الاستعراضات التي قدّمناها كانت صعبة
إلّا أنّ ما قمت به كان أساسيا. أخبرني لوكا (غواداغنينو المخرج)
بأنّ ضبط التفاصيل ليس خياراً بل ضرورة، وسعيت بجدّية بالغة أن
أنجح في هذا الدور لأنّني مؤمنة به وبالسيناريو وأحببت العمل مع
لوكا كثيراً. أحياناً كنت أكمل التدريبات لوحدي، لكنّني شعرت
بالثّقة أكثر مع وجود مدربين ومدربات.
·
أعتقد أن خلفيتك الفنية لم تتضمن الرّقص. أي نوع من
الرقص.
-
لا. أتيت عبر فن مختلف لأنّني كنت عارضة أزياء، وهو أمر مختلف
تماماً عن رقص الباليه أو أي رقص آخر.
·
والداك ممثّلان معروفان، أي دور لهما في توجهك
للتمثيل؟ هل اتخذت هذا القرار تبعاً لذلك؟
-
لم أتخذ القرار تبعاً لرغبتهما في أن أصبح ممثلة. لقد تركا الخيار
لي واتخذته من تلقاء نفسي. لكنّهما ساعداني في التوجيه الفني. كذلك
في رفع معنوياتي في البداية. كنت أتخيّل، بسذاجة إلى حد كبير، أنّ
الوصول إلى البطولة هو أمر سريع لأنّني ممثلة جيدة كما أخبرني كل
من عملت معهم. لكنّ الفرص لا تتوالى من تلقاء نفسها. والدي أخبرني
عن بداياته وكم كانت صعبة وكيف كان عليه التحلي بالصبر وانتظار كل
فرصة على حدة ومحاولة بناء شيء على أساسها. ووالدتي لها حكايات
شبيهة. ليس هناك شيء سهل في التمثيل أو في السينما عموماً. في أي
حقل.
·
عندما كنت صغيرة محاطة بأبوين ممثلين وجدتك هي تيبي
هدرن، بطلة فيلم «الطيور» لألفرد هيتشكوك، هل شعرت بأنّك محاطة
بعائلة من الفنانين أو أنّ ذلك الإدراك يأتي لاحقاً وأنت شابة؟
-
نعم شعرت بذلك وأنا ما زلت صغيرة. كان مستحيلاً ألا يكون الجو في
البيت غير مرتبط برغبتي المبكرة في أن أصبح ممثلة.
·
هل زرت مواقع تصوير كثيرة؟
-
بالطبع. معظم أوقات عطلتي قضيتها متنقلة إمّا مع والدتي أو مع
والدي إلى مواقع التصوير. هذا زاد من رغبتي في أن أمثّل. وضعت ذلك
نصب عيني منذ ذلك الحين.
·
أعود إلى «سوسبيريا»... هل شاهدت الفيلم السابق؟
-
نعم. شاهدته وأخافني لأنّي في الحقيقة لا أحبّ أفلام الرّعب ولا
أشاهدها. أعرف عنها لكنّني لا أعرفها، إذا كنت تفهم ما أقصد. لكن
كان علي أن أشاهد نسخة (داريو) أرجنتو لكي أتأكد من أن الفيلم
الجديد مختلف.
·
كيف تتأكدين من ذلك؟
-
كنت قرأت سيناريو النسخة الحالية قبل أن أشاهد الفيلم السّابق وكنت
أخشى أن يكون السيناريو الحالي مجرد اقتباس كامل للفيلم السابق،
لكنّني لاحظت الاختلافات الكثيرة بين الفيلمين. حقيقة أنّ
«سوسبيريا» أخافني، أعتقد أنّها شهادة على نجاحه، لكن كما أعرف
أنّك رأيت، يختلف الفيلمان عن بعضهما البعض كثيراً.
·
عندما تقولين ذلك يتراءى لي أنّك أشحت النظر عن بعض
المشاهد التي وردت في الفيلم الأول مثل مشهد موت سارا عندما سقطت
في وسط الأسلاك وكلّما حاولت الخلاص منها وجدت نفسها محاطة بها.
-
هو بالفعل مشهد مخيف وخرجت من الفيلم معجبة به وبالمخرج وأنوي
مشاهدة المزيد من أفلامه إذا ما سنحت لي الفرصة. لكن، وكما قلت لك،
كانت سعادتي كبيرة في أنّي شخصياً لا أتعرض لمشاد عنيفة كالتي
تتعرض لها شخصيات أخرى في الفيلم الحديث.
·
لكن إذا ما كانت أفلام الرعب غير مريحة لك، لماذا
قبلت تمثيل هذا الفيلم؟
-
لأن «سوسبيريا» بالكاد فيلم رعب. نعم فيه أجواء من هذا النوع،
لكنّه يدور حول شخصية فتاة تحبّ الرّقص وتكتشف نفسها من جديد في
بيئة فنية. أعتبره فيلماً فنياً وليس فيلم رعب على الرّغم من وجود
مشاهد مخيفة أو هكذا يمكن للبعض النظر إليها.
·
مثلت ثلاث حلقات من فيلم
Shades of Grey
وهي ثلاثة أفلام ذات مشاهد عاطفية ساخنة. لكن أحد
زملائي قال لي إنّك فتاة محافظة أساساً، وهذا ما أعتقد، يعني أنّ
تمثيل تلك المشاهد كان أصعب مما يعتقد البعض. هل هذا صحيح؟
-
نعم صحيح. أنا فتاة محافظة. ليس بالمعنى الصارم للكلمة لكني بمعنى
أنني لست من النوع المتحرر كثيراً. لا أعتبر نفسي نموذجية لمثل هذه
الأدوار ولا أنوي القيام بها لمجرد اللهو. لذلك كانت أصعب مما
توقعت.
·
من الصعب على الجمهور أن يعرف إذا ما كان تمثيل مثل
هذه المشاهد أمرا صعبا…
-
معظم المشاهدين يعتقدون أنّ هذه المشاهد سهلة وعادية. هي بالتأكيد
ليست كذلك بالنسبة لي. وبعض المشاهد كانت أصعب من سواها. أفكّر في
أحد مشاهد الجزء الثالث عندما رُبطت يداي وقدماي ووضعت عصبة على
عينيّ. اكتشفت سريعاً أنّه مهما اعتقدت أنّي جاهزة لتمثيل هذا
المشهد إلّا أنّ وقت التصوير هو شيء آخر غير سار بالمرة. طبعاً ليس
هناك شيء حقيقي على الإطلاق بالنسبة للمشاهد الجنسية. كل شيء مفتعل
ويجري بالتواري ولو بدا غير ذلك، لكنّ الصّعوبة تكمن في كيف يمكن
أن تمثّل أنك مستمتع بينما أنت أبعد ما تكون مستمتعاً على الإطلاق.
·
في زمن مضى كانت هذه الأفلام مقصداً لممثلات
الإغراء، كما كانوا يسمون مارلين مونرو أو صوفيا لورين في إيطاليا
أو جين مانفسيلد. لكن ما تقومين به مختلف.
-
مختلف كثيراً. لكن هل ترى ممثلات جيّدات كاللواتي ذكرت أسماءهن؟
هذه الأدوار ليست لي لكنّي أقدر تلك الأفلام الكوميدية والعاطفية
لأنّها كانت مسلية وهي بالفعل صنعت نجومها على أساس ما فيها من
أدوار. قل لي إذا كنت على خطأ حين أقول إنها كانت للترفيه العام
الذي لا يذهب إلى حدود قصوى.
·
كانت كذلك بالفعل نتيجة اختلاف الأزمنة، كما أرى.
هل تكترثين لنوعية الفيلم من نواح فنية معينة؟ أو هل تعتقدين أنّ
هذه الثلاثية التي وجدت رواجاً كبيراً في السوق تحمل قيمة فنية ما؟
-
لا. ليس هذا ما أفكر فيه عندما أشاهد فيلما انتهيت من تمثيله. لا
أفكر فيما إذا كان عملاً فنياً كبيراً أو لا. أعتقد أنّني لم أمثل
بعد فيلماً رديئاً، وهذا ربما ليس عن تخطيط مسبق بقدر ما هو ناتج
عن ثقة بالمشاريع التي تعرض عليّ. أنا ممثلة وكممثلة يهمني أولاً
أن يكون الدور الذي أقوم به بمثابة فرصة لتأكيد مهارتي وموهبتي.
وأن يمنحني نافذة أطلّ منها على الجمهور.
لذلك نعم أكترث لنوعية الفيلم لكنّ ثقتي بالمشروع
وبالدور الذي أقوم به تأتيان بالمرتبة الأولى.
·
بعض الأفلام التي تقومين بها تؤثر عليك أكثر من
سواها. هل هذا صحيح؟
-
النجاح هو الذي يترك تأثيراً أكبر. إذا لم ينجح الفيلم بين
المشاهدين لا أشعر بأنني أنجزت شيئا يذكر على الرّغم من إيماني
بالعمل.
·
هل تشاهدين أفلامك فيما بعد؟
-
أشاهدها مرّة واحدة وأنساها بعد ذلك.
·
هل تشاهدين أفلام سواك من الممثلين أو الممثلات؟
-
أشاهد الكثير من الأفلام ولا أهتم بمن يقوم ببطولتها. الحقيقة هي
أنّني في أيام كثيرة أعيش وحيدة. أنتهي من فيلم وأستعد لآخر، ولكن
هناك شهر أو أكثر بين الفيلمين. خلال هذه الفترة أشاهد الكثير من
الأفلام وأقرأ الكثير من الكتب أيضاً. أنا قارئة شغوفة.
·
«سوسبيريا»
يتيح لك حضور مهرجان عالمي أول مثل فنيسيا. أود لو أعرف منك كيف
تنظرين إلى هذا الحدث مقارنة مع مهرجانات أميركية توجهت إليها؟ كيف
تشعرين حيال جمهور عالمي وفي مواجهة نحو ألف صحافي وناقد؟
-
سؤالك سهل وصعب. سهل، لأنّي أعرف تماماً كم أنا مستمتعة بوجودي في
مهرجان فينيسيا وبعرض الفيلم واستقباله. أنظر إلى هذا المهرجان كما
لو كان قمّة المناسبات، ربما لجانب الأوسكار أو الغولدن غلوبس أو
على مسافة قريبة منهما. لكن من الصّعب وصف شعوري وأنا في هذا
المحيط من الجمهور ومن النّقاد. في أميركا تعلم أنّك أمام أهل
البيت وتقدر ترحيب الجمهور بك. في إيطاليا وربما في مهرجانات أخرى
تجد نفسك أمام جمهور بثقافة مختلفة وإذا ما أحبّ الفيلم الذي تقوم
بتمثيله وهو من ثقافة مختلفة، فإنّ ذلك يضاعف السّعادة التي تشعر
بها. أنا الآن في وضع المستمتع بوجوده هنا، وسأحمل ذكريات عديدة
حين أعود. |