كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

سباق السعفة الذهبية (2):

كوريدا يتألق.. بناهي يعود.. وجودار خارج التقييم

أحمد شوقي

كان السينمائي الدولي

الدورة الحادية والسبعون

   
 
 
 
 

تتواصل عروض مهرجان كان، ويتواصل ركض الجميع للحاق بأكبر عدد ممكن من الأفلام المعروضة في أقسام المهرجان المختلفة، وخصوصًا المسابقة الدولية التي نستمر في تحليل جميع أفلامها، بهدف نقل صورة صادقة قدر الإمكان عن الأعمال المتنافسة على أرفع جائزة سينمائية في العالم. المجموعة الثانية من المشاهدات تتضمن أفلام مخرجين كبار مثل جان لوك جودار وجعفر بناهي وهوريكازو كوريدا.

كتاب الصورة The Image Book – سويسرا/ فرنسا

مأزق كبير هو الكتابة عن فيلم جان لوك جودار الجديد، ليس فقط لأن الرجل صاحب الـ 87 عامًا أكبر من التفكير في نقده، ولكن لأن محتوى فيلمه عسير على التحليل لغياب المرجعية. هذا ليس فيلمًا اعتياديًا كي نفكر فيه ونقيمه بطريقة الأفلام. مزيج أقرب للمقال المصور video essay منه للفيلم: كم هائل من لقطات الأفلام الكلاسيكية ومواد الفيديو المعاصرة، تيار من الصور يدخلنا صانع الأفلام الأسطوري فيه، متلاعبًا بالألوان والحجم وطريقة القطع في كل لقطة، ومازجًا ذلك بتعليقات صوتية مستمرة يصعب الحكم عما كانت عميقة ذات بصيرة أو متحذلقة، فحتى من أحبوا "كتاب الصورة" يعترفون بأن عليهم مشاهدته أكثر من مرة كي يتمكنوا من الإلمام بكل الأفكار التي يطرحها جودار في عمله الجديد، والتي تترواح بين أفكار عمومية عن الإنسانية والصورة إلى أمور أكثر خصوصية ترتبط بما يُعرف بالربيع العربي وتبعاته، على طريقة جودار بالطبع.

من المستحيل إذن الإلمام بكل جوانب الفيلم أو حتى بمعظمها خلال مشاهدة واحدة داخل نسق مهرجان مزدحم مثل كان، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول مدى صحة قرار إدراج "كتاب الصورة" في المسابقة الرسمية للمهرجان. هذا فيلم من المستحيل وضعه في محل مقارنة مع باقي الأفلام في سياق تنافسي، ووجوده بكل ما يحمله صاحبه من تاريخ سيجبر أي لجنة تحكيم على اتخاذ مسار من اثنين: إما الانحناء أمام الاسم الكبير ومنحه جائزة من باب التقدير والانبهار، أو الاستجابة لاستحالة الإلمام بالفيلم من مشاهدة واحدة وتجاهله تمامًا، وفي الحالتين لا يمكن اعتبار القرار صحيًا بحال من الأحوال.

على العموما، آخر ما يمكن وضعه في الاعتبار عند الحديث عن جان لوك جودار هو الجوائز، فهو الرجل الذي غيّر شكل السينما العالمية لكنه لم ينل السعفة الذهبية والذي رفض لاحقًا استلام جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله. الإنجاز الفني والروح الشابة في هذا العمر هي الأهم عند الحديث عن الفيلم. لكن للأسباب نفسها نقول أن إدراج الفيلم في مسابقة كان بدلًا من منحه عرضًا خاصًا أو اختيار رسمي خارج المسابقة هو قرار خاطئ تمامًا.

التقييم: خارج التقييم

بنات الشمس Daughters of The Sun – فرنسا

مع نزول تترات النهاية لفيلم الفرنسية إيفا حسّون في عرضه الصحفي صاح صحفي إيطالي متهمًا الفيلم بالتزييف واللا أخلاقية، ليرد عليه آخر فرنسي بأن يصمت قبل أن يبدأ في وصلة تصفيق حماسي شاركه فيها جانب من الحضور. في الفارق بين الموقفين يكمن المأزق الفني ـ والأخلاقي ربما ـ في تقديم هذا النوع من الأفلام.

مخرجة فرنسية تصنع فيلمًا عن مقاتلات البشمركة الكرديات، فتأتي بنجمة إيرانية هربت من بلادها لتعيش في فرنسا (جولشفته فرحاني) وتصوّر فيلمها في جورجيا على الطريقة الأمريكية، فتكون النتيجة عملًا لا يُرضى سوى من لا يعرف شيئًا عن المنطقة، أو من يسعى للحزمة التي صارت معتادة حاليًا لكسب ود الصوابيين: قضية سياسية وبعد نسوي وتمييع لكل شيء، وليذهب الفن للجحيم.

"بنات الشمس" هو بلا منازع أسوأ فيلم عُرض في مسابقة كان حتى الآن، بمسافة بعيدة عن أقرب منافسيه على هذا الباب الضيق، وهذا تقييم غير نابع مع التلفيق والسطحية على صعيد المضمون فحسب، يل يأتي أساسًا من أساسيات صناعة الفيلم الذي يفشل حتى في الإقناع كفيلم حربي تشويقي تجاري

يكفي إنه خلال اللحظة الأكثر خطورة في الحكاية (هروب الأسيرات الكرديات اللاتي ستتحولن مقاتلات لاحقًا من معسكر داعش محل أسرهن)، يتنكرن بارتداء النقاب ويفترض أن يهربهن داعشي متعاون مقابل المال. هذا الداعشي يقطع الحاجز الأمني ثم يتوقف ليتركهن يقطعن المسافة حتى الحاجز الكردي على أقدامهن بينما توشك إحداهن على وضع طفلها، لتصلن بصعوبة بالغة للحاجز فتخلعن النقاب فورًا بينما نرى بأعيننا الحاجز الداعشي يشاهد ما حدث. فماذا سيحدث للداعشي الذي تم كشف تعاونه في التوّ واللحظة؟ ولماذا لم ينزلهن عند الحاجز الكردي طالما كل شيء يقع أمام جميع الأعين؟

الإجابة بالطبع هي أن المخرجة المستشرقة تريد هذه اللحظة المؤثرة على طريقة الستينيات، تريد أن تساعد البطلة رفيقتها على عبور الحاجز بين المعسكرين بينما تعد معها عدد الخطوات المتبقة، تريد مشهدًا كان من الوارد أن يؤثر في الجمهور قبل نصف قرن لا في عام 2018 في أكبر مسابقة سينمائية في العالم!

المؤسف إننا لن نندهش أبدًا لو وجدنا الفيلم ينال جائزة في نهاية المهرجان، فخطابه هو الرائج عالميًا، والمهرجان حشد 82 من المخرجات والممثلات النساء للسير سويًا على السجادة الحمراء قبل عرضه، فلنأمل أن تتمتع لجنة كيت بلانشيت بنفس شجاعة بيدرو ألمودوفار الذي لم يتردد العام الماضي في منح السعفة الذهبية لفيلم "المربع" لأنه ـ حسب تعبيره ـ يقف في وجه ديكتاتورية الصواب السياسي.

التقييم: * من خمس نجمات

ثلاثة وجوه 3 Faces – إيران

الفيلم الطويل الرابع الذي يقدمه المخرج الإيراني جعفر بناهي منذ وضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعه من السفر والإخراج لمدة 20 سنة بسبب مواقفه السياسية. انتهت الإقامة الجبرية والمنع من العمل، وصار بناهي يتحرك ويصور بحرية في بلده، لكنه لا يزال ممنوعًا من السفر، ورغم سعي إدارة كان لضمان وجوده في المهرجان لم تفلح المحاولات، ليُترك مقعده خاليًا يحمل اسمه في العرض الأول كالمعتاد.

هذه المرحلة ضاعفت من شهرة جعفر بناهي وشعبيته بين المهرجانات الكبرى، وجعلته ينال دب برلين الذهبي عن فيلمه السابق "تاكسي"، لكنها بالتأكيد أسوأ مراحله فنيًا لمن يعرف أفلامه السابقة، ففي أفلامه الثلاثة خلال المنع صار الخطاب السياسي الصارخ سائدًا وتخلى بناهي عن الحس الإنساني الذي ميّز أفلامه القديمة.

أخيرًا وبعد ثلاثة إحباطات، يأتي بناهي بفيلم جميل وإنساني بحق. "ثلاثة وجوه" هو درس في استخدام أبسط الأدوات السينمائية في صنع عمل رقيق ومؤثر دون أن يتخلى عن طرح أفكار عميقة حول الذكورية في المجتمع والثقافة الإيرانية وسوء وضع المرأة خصوصًا منها من أن تمارس الفن أو تسعى لممارسته، بدون أي حديث مباشر عن القضية، وبالطبع دون كتيبة قتالية نسائية تهتف للحرية والنسوية!

الفيلم يبدأ بفيديو مصور بأبعاد الهواتف الرقمية لفتاة تتحدث للممثلة الشهيرة بهناز جعفري (تلعب شخصيتها الحقيقية) التي لم تستجب لرسائلها كي تقنع أهلها بجعلها تترك القرية وتحترف التمثيل، ثم تقوم الفتاة بشنق نفسها أمام الكاميرا. يصل الفيديو للمخرج جعفر بناهي (يلعب شخصيته أيضًا) لينقل الرسالة لجعفري التي تترك تصوير مسلسل وتهرع معه للقرية الجبلية التي تنتمي إليها الفتاة بحثًا عن الحقيقة وراء هذا الفيديو.

هنا تتداخل ثلاثة أبعاد: البعد التشويقي حول حقيقة محتوى الفيديو (بناهي عرض على جعفري من فترة سيناريو حول الانتحار مما يجعلها تشك في كون الأمر خدعة)، البعد الإنساني حول الممثلة التي تشعر بالذنب تجاه فتاة لا تعرفها، والبعد الاجتماعي المتمثل في الرحلة التي يقطعها المخرج والممثلة في القرى الجبلية الناطقة بالتركية، وفيها يستعرض بناهي بدهاء شديد حال المرأة عبر ثلاث شخصيات هم الوجوه التي يشير لها العنوان: جعفري والفتاة المنتحرة وشهرزاد، نجمة قديمة من سينما ما قبل الثورة الإسلامية تعيش في الجبال متوارية عن الأعين ومسقطة من كل حسابات التاريخ.

بين الشخصيات الثلاثة واللقاءات العابرة المكتوبة بكثير من الحنكة ـ وقليل من الحميمية للأسف ـ يقدم بناهي فيلمًا يستحق المشاهدة ويتحمل أكثر من قراءة، يمكن اعتباره أول فيلم حقيقي يقدمه في المرحلة التي بدأها بعمل أطلق عليه بنفسه "هذا ليس فيلمًا".

التقييم: ***ونصف من خمس نجمات

سعيد مثل لازارو Happy As Lazzaro – إيطاليا

مفاجأة من العيار الثقيل تقدمها الإيطالية أليس رورواتشر لمشاهدي فيلمها الجديد "سعيد مثل لازارو"، الذي ينقسم إلى جزأين كل منهما مدته ساعة، يختلفان كليًا في كل شيء ما عدا البطل لازارو، الشاب القروي الهادئ البريء الذي يصدق كل من حوله وينفذ طلباتهم مهما بدت غريبة.

في النصف الأول نحن أمام حكاية إيطالية كلاسيكية، نظن للوهلة الأولى إنها في زمن سحيق قبل أن تكشف التفاصيل لاحقًا أن الأقرب هو كونها خلال ثمانينيات القرن العشرين، حيث تمتلك ماركيزة متجبرة مزرعة للتبغ، وتجبر العاملين فيها على العمل فيما يشبه العبودية في ظل عدم وعيهم بحقوقهم، بينما تعاني من شغب ابنها الذي تربطه شبه صداقة وشبه استغلال مع الفتى لازارو.

كل شيء ينقلب مع انتصاف الفيلم، وبالتحديد مع تعرض البطل لحادث يعود منه لنشعر معه بوجود شيء ما خاطئ، قبل أن نكتشف تدريجيًا ما جرى: لازارو أفاق من غفوته دون أن يتغير بينما مر الزمن على باقي الشخصيات حتى بلغنا العصر الحالي، ليحمل هذا الانعطاف الدرامي غير المألوف الفيلم لقلب عوالم الواقعية السحرية، التي لا تتوقف عند حد الانتقال بل تستمر في الكثير من تفاصيل الجزء الثاني ومشاهده المؤثرة.

"سعيد مثل لازارو" يقدم تحية واضحة للبراءة ممثلة في بطل الفيلم، الذي يقف دائمًا بنبله وإنسانيته في وجه أي حكم يمكن أن نأخذه على العالم المحيط به، بل ويجبر من حوله على أن يكونوا أكثر إنسانية استجابةً لما يفعله، قبل أن تأتي النهاية برأي أكثر سوداوية. الفيلم يقدم أيضًا تحية للطبقة العاملة الإيطالية بل وفقراء البلد ومهمشيها الذين صار الخروج عن القانون أمرًا إجباريًا عليهم إن أرادوا الحياة، بينما نعرف من أين أتوا وكيف كانوا يعملون بجد ويتعرضون للاستغلال، بما في ذلك من رأي مُعلن.

غير أن التفاوت الكبير بين نصفي الفيلم يُمكن أن يؤخذ على المخرجة أو يقلل التعاطي مع فيلمها، فبينما وجد البعض ـ ومنهم كاتب السطور ـ الجزء الثاني أكثر حيوية ومغامرة ومتعة عكس ركود الجزء الأول وخلوه من عناصر الجذب اللاحقة، يشيد البعض بتماسك النصف الأول على مستوى الدراما والعالم الفيلمي على العكس من النصف الثاني الذي يسير بقدر أكبر من الحرية التي يصعب فهم بوصلتها بشكل كامل.

لكن يبقى فيلم المخرجة الإيطالية الشابة عملًا مختلفًا عن باقي أفلام المسابقة، يستحق التأمل والتحليل، مع إشادة خاصة ببطله أدريانو تارديولو الذي طرح اسمه ضمن المؤهلين لجوائز التمثيل، وبالتصوير المتميز على خام 16 ملليمتر، والفيلم بشكل عام قد تتحمس له بعض لجان التحكيم وتفضله في جوائزها.

التقييم: *** من خمس نجمات

سارقو المتاجر Shoplifters – اليابان

لو كان هناك مخرج وحيد في القارة الآسيوية يمكن وصفه بالتخصص في تقديم الدراما العائلية بصورة مدهشة سيكون الياباني هوريكازو كوريدا، الذي يفاجئنا في كل مرة بقدرته على تناول ديناميات العلاقات داخل الأسرة بصورة مختلفة، يبلغ قمتها ربما في "سارقو المتاجر" الذي عُرض في منتصف المسابقة بالضبط (الفيلم الحادي عشر من 21 فيلمًا) ليجاور البولندي "حرب باردة" في صدارة الأفضل حتى الآن.

من اللحظة الأولى يجعلنا كوريدا نشارك شخصياته مشاعرها: أب وابنه في متجر يتحركان معًا بشكل محكم ليسرقا بضعة بضائع لا تساوي الكثير، لكنها تضمن العشاء لأسرتهما، وفي طريق العودة يعثران على طفلة رقيقة تكاد تتجمد بردًا يأخذاها لقضاء الليلة في منزلهما وعندما يكتشفان كدمات وحروق في جسدها يقرران إبقائها معهم فلا تعود لوالديها اللذين لم يكترثا حتى بما يكفي لتقديم بلاغ رسمي حول اختفاء الابنة.

يكتمل عقد الأسرة التي تعيش في بيت بالغ الفقر بوصول الفتاة ليصير العدد ستة: الأب وزوجته وأخته والطفل والجدة، والفتاة الجديدة معه. لينطلق كوريدا ـ بهدوء شديد وحميمية لا تقاوَم ـ بإيقاعنا تباعًا في حب هذه المجموعة من البشر الذين يمارسون سرقة المتاجر بشكل مستمر، ويمتلكون دفئًا ساحرًا يحكم العلاقات بينهم، دون شروط أو أحكام. لكننا نشعر بأن هذه الحالة مجرد هدنة يستحيل أن تدوم، فما يفعلونه هو قدر كبير من التلاعب لا ينفي طبيعة العالم القاسي الذي يعيشون فيه.

مع الهفوة المتوقعة تنقلب الأمور تمامًا باكتشاف حقائق مخيفة عن الأسرة، لا تقلل ـ رغم قسوتها ـ حبنا لأفرادها، بل تطرح أسئلة عميقة حول معنى الأسرة ككيان، وماهي الأبوة وهل هي أمر بيولوجي بحت أم لا، بل وعن مفهوم الجريمة وهل من الممكن أن تكون أحيانًا فعلًا مقبولًا. لينتهي الفيلم بفصلٍ قاسٍ لكنه رائع، وضع الفيلم فورًا ضمن التصنيف الأول لأفلام مسابقة كان 71.

التقييم: **** من خمس نجمات

موقع "في الفن" في

14.05.2018

 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان السينمائي 7: الصين تعوّض غياب هوليوود عن أسواق السينما العالمية

نشاط دؤوب لـ«المجلس السعودي للأفلام»

كان: محمد رُضا

ما بين النشاط الذي يقوم به «المجلس السعودي للأفلام» الذي يدعو إلى التباهي بسبب ذلك الإيمان والفعل المستشري بين مسؤوليه وموظفيه، وبين عرض مهرجان «كان» للفيلم الأميركي الضخم «صولو: حكاية من ستارز وورز» علاقة غير متوقعة.

ففي حين يقوم المجلس باستقبال مئات الوافدين كل يوم من عرب وأجانب يدفعهم الفضول لمعرفة المزيد عن المجلس وعن السوق السينمائية في المملكة، والآمال المعقودة على المواهب المحلية، يستعد المهرجان لعرض «صولو» في الخامس عشر من هذا الشهر.

نقطة المقارنة بين الجانبين المتباعدين تكمن في أن الندوات التي تقام يومياً في المركز الذي اتخذه المجلس مكاناً لنشاطاته بحضور لفيف مهم من المتابعين والمهتمين، تتحدث عن تلك النهضة الكبيرة التي بدأت البلاد تشهدها في نطاق العروض السينمائية. تلك العروض التي تضمنت حتى الآن، وستتضمن مستقبلاً، إنتاجات هوليوود الكبيرة مثل «صولو» وما سبقه من أفلام مماثلة بدأت بفيلم «بلاك بانثر» وتواصلت مع «أفنجرز: حرب أبدية».

المسألة المثارة في الندوة التي عقدت داخل المركز يوم أول من أمس، هي إذا ما كان من المجدي اعتماد السوق السعودية على الإنتاجات الهوليوودية الكبيرة وحدها. في ذهن المتسائلين غياب الأفلام السعودية والأفلام الأوروبية وحتى الأفلام الأميركية المستقلة.

المخرج عبد الله بن عيّـاف ذكر في معرض ردّه على هذا التساؤل المهم، بأن السوق تحتاج إلى وقت لكي تتمتع بالتنوع المنشود: «بالنسبة للسينما السعودية ذاتها، فإنّ المسألة تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تتواصل عجلة الإنتاج بما يكفي الحاجة المطلوبة. لكن العجلة انطلقت ولن تتأخر كثيراً».

المخرجة هيفاء المنصور كانت ضد فكرة أن هناك ما يكفي من إنتاجات هوليوودية. شرحت فقالت: «السينما الأميركية مهمّـة في هذه المرحلة وستبقى كذلك. ما يجعلها مهمة في هذه المرحلة هو أن السوق السعودية تحتاج إليها للإقلاع، ولا أحد يريد صالات خاوية أو أفلاماً لا يشاهدها أحد».

وجهتا النظر هنا صائبتان: الانطلاقة لا يمكن لها أن تتم بأفلام فنية من تلك التي تعرضها المهرجانات الدولية، لكن مستقبل العروض لا بد أن يحتوي، في وقت لاحق غير بعيد وبالتدرج المريح، أفلاماً من خارج القالب المعتاد، حتى وإن تم تخصيص صالة واحدة في كل مجمّـع لعرض مثل تلك الأفلام النوعية.

السبب هنا هو أن السعودية إذ تخطو صوب مجال كبير وصوب عصر الصورة وأبعادها المتطورة تحتاج إلى أن توعز للهواة والسينمائيين الشبان الحالمين بالعمل في السينما على نحو أو آخر بأن هناك سينمات أخرى لا بد من النظر إليها. سينمات لا تزخر بالنجاح الضخم الذي تحققه أفلام الترفيه، لكنها الرئة الصحيحة ثقافياً وفنياً والمنوال الذي لم تغب عنه الشمس إلى اليوم.

- صولو يجول

في الوقت الذي تحتاج السوق السعودية إلى الأفلام التي يؤمّها الجمهور العريض، لا يحتاج مهرجان «كان» إلى أي منها. لكنّها موجودة ولو بمعدل فيلم واحد كل سنة. ففي كل عام يقوم «كان» باختيار فيلم غايته ليست فنية على الإطلاق بغاية عرضه لجمهوره. هذا العام هو فيلم «صولو: حكاية من ستار وورز»، الغصن الجديد من شجرة «ستار وورز» التي ستنمو بجانب الحكايات المتوالية من المسلسل الأصلي لتبدأ حياتها المنفصلة المتمحورة حول الشخصية التي لعبها هاريسون فورد في زمانه ويلعبها الآن ألدن إرنريش.

في وقت مضى، كان لا يمكن لهذا المهرجان، أو سواه، التفكير بعرض فيلم أميركي من إنتاج هوليوودي نمطي من هذا النوع. المجال كان مفتوحاً لمواهب صارمة في اختياراتها الفنية مثل كن اتشيكاوا، وأكيرا كوروساوا، وجيري تشاتزبيرغ، وإنغمار برغمن، ومايكل أنجلو أنطونيوني، وألفرد هيتشكوك، وآلان رنوار، والكثير جداً سواهم.

الذي حدث هو أنّ العالم تغير وانبثق عنه جيل يتعامل بثقافته الحالية مع الصورة والكلمة. لذلك؛ حتى الأفلام الفنية باتت - أكثر من أي وقت مضى - سلعة تجارية لا غطاء لها. عليها أن تربح الجمهور والجوائز، أو أحدهما على الأقل.

وفي هوليوود ذاتها الحديث لا يختلف عما سبق هنا. الكلمة هناك هي أنّ المهرجانات الأوروبية لم تعد ذات أهمية قصوى. هي لم تكن كذلك بالنسبة للسينما الأميركية لأنّها كثيراً ما حرمت من الجوائز الأولى تشجيعاً للسينما القادمة من خارج الولايات المتحدة، حتى ولو استحق الفيلم الجائزة الأولى أو إحدى جوائزها. لكن في السنوات الأخيرة ازداد التباعد بين هوليوود والمهرجانات الأوروبية الأولى، وفي المقدّمة «كان»، باستثناء ما يتم عرضه من أعمال مستقلة (هذا العام لدينا فيلمان من نوعهما «بلاكسكلاب» لسبايك لي و«تحت البحيرة الفضية» لديفيد روبرت ميتشل).

بالنسبة لهذا المهرجان تحديداً، فإن البعض هناك يعتقد أن سنواته الذهبية هي تلك التي مضت وأنه، لأسباب ورد ذكرها في هذه التقارير من قبل ومن بينها منهجه في اختيار الأفلام المبيعة سلفاً إلى شركات التوزيع أو المنتجة كلياً أو جزئياً من قِـبل شركات فرنسية، سيمر بفترة عصيبة.

- الصين تبتلع

هذا لا يتبدى هنا إلا من خلال عنصر واحد. خلو المهرجان من النجوم المصاحبة لأفلام لها إلا فيما قل وندر. الجمهور ما زال يملأ الصالات. رئيس المهرجان ما زال يبتسم ومديره العام ما زال نشطاً لكن بعض الصحافة تشكو من أن الممثلين والممثلات الأوروبيين والآسيويين لا يكفون للتعويض عن غياب النجوم الأميركيين.

كذلك، لا يتبدّى هنا عنصر القلق أو الشعور بالتراجع والهوان حتى وإن لم نعد نسمع بصفقات كبيرة تتم في رحى السوق السينمائية القائمة. بالمقارنة مع سنوات هذه السوق الشاسعة الأولى، فإنه بدا الملتقى الأكبر بين أمثاله. المكان الذي يهبّ إليه كل من لديه عمل منجز، بصرف النظر عن حجمه أو مشروع يبحث له عن تمويل. إلى حد كبير هذا ما زال على حاله، لكن الصفقات، حتى الآن وبحكم السنوات القليلة الماضية، باتت قليلة ومتباعدة.

الصورة الكاملة لما يجري تتبرع بها بعض الحقائق التي لم يجر نقضها حتى الآن. تحديداً، الصفقات الغائبة هي التي تتعلق بإنتاجات كبيرة يجري الإعداد لها. تلك الأفلام التاريخية التي كانت إعلاناتها تملأ صفحات المجلات اليومية هنا، أو تلك التي كانت ترضّـع بالنجوم الجدد والقدامى على حد سواء.

تخبرني المنتجة مونيكا بلرادي التي أودعت قبل وصولها إلى «كان» 100 مليون دولار لاستثمارها عبر شركتها المسماة «أمبي»، بأن الهيام السابق بالأفلام الكبيرة («وبعضها بدأ كبيراً ولم يكن كبيراً» كما تقول) انتهى، والبديل؟: «هناك عودة للأفلام ذات الميزانيات المتوسطة والحكايات العاطفية البسيطة. هذه هي المحرك الفعلي هذه الأيام للسينمات الأوروبية، وهي الأقدر على الاستمرار في اعتقادي».

المنتج البريطاني ديفيد باتسيك يجد في الوضع الحالي قدرة أكبر على الاستمرار صوب وضع متوازن وطويل الأمد: «نعم، كانت هناك في السنوات السابقة عقوداً ضخمة حولتها الصحف كما أذكر إلى عناوين كبيرة. وهذا مهم بالفعل، لكن غيابه في هذه السنة حتى الآن، أو حتى غيابه في الأعوام القليلة السابقة يترك تأثيراً إيجابياً على السوق من ناحية أنه يتيح للأفلام الأوروبية التي معظمها يعمل بميزانيات قليلة أو متوسطة مجالاً للنشاط».

في هذا الوقت، فإن الصينيين هم الذين يبدون اكتراثاً أعلى بعقد الصفقات المجزية. لا يدفعون عشرات الملايين لقاء الفيلم الواحد، لكن تواجدهم في «كان» أصبح لازماً. في الواقع تشتري الشركات الصينية كل ما تراه على شاشات المسابقة أو معظمه وواحد من أوائل العروض التي أبرمتها هذا العام كان مع الفيلم الإسباني «الجميع يعلم» الذي افتتح المهرجان، وهذا اشترته شركة «هيشو إنترتينمنت». وقامت شركة «توربو» بشراء فيلم تيري جيليام «الرجل الذي قتل دون كيشوت» حتى من قبل عروضه الرسمية هنا.

والعمليات التي تقوم بها الصين (باتت بالنسبة للسينمات المتوسطة أكبر شأناً من السوق الأميركية حالياً) لا تشمل ما يعرض هنا، بل تأتينا الأنباء من الخارج: شركة «سويت شارم بيكتشرز» ابتاعت مؤخراً كل حقوق الفيلم المقبل «مدينة الأكاذيب» الذي يقود بطولته جوني دب. وشركة باسم «فيجن فيلم إنترتينمنت» استحوذت على حقوق الفيلم المقبل لنتالي بورتمن «فوكس لوكس».

هذا ما يعيدنا إلى ما يقع في الديار السعودية. صحيح أنّ هواة السينما الجادة عليهم الانتظار بعض الشيء قبل أن تتوفر نية شركات التوزيع عرض ما يرغبون، إلا أن المملكة ذاتها لا تتريث في سعيها لاستكمال الدائرة الكاملة للصناعة.

العروض التجارية والاكثار من افتتاح الصالات ما هو إلا حلقة واحدة. إطلاق المواهب السينمائية المحلية ودعمها حلقة أخرى. الثالثة، كما أعلن عنها مدير إدارة «الهيئة العامة للثقافة» أحمد المزيَـد، هي تشجيع شركات الإنتاج على التصوير في المملكة وذلك بتوفير الفرصة لاسترجاع 35 في المائة من ميزانية أي فيلم يتم تصويره في المملكة. هذا من شأنه جذب الشركات الأجنبية التي قد يكون لديها ما يمكن تصويره في أرجاء المملكة، وهذا هو واحد من الأسباب التي يشهد فيه «المجلس السعودي للأفلام» هذا الاهتمام والإقبال عليه.

- نظرة على بعض عروض «كان»

> حرب باردة | Cold War

إخراج: بافل بافليكوفسكي

المسابقة | بولندا.

موسيقي - عاطفي في فترة ما بعد الحرب

«حرب باردة» هو كالفيلم السابق: «صيف»، في ثلاث خصائص أساسية: عن فترة شيوعية سابقة، مصوّر بالأبيض والأسود، ويدور حول موسيقى الفترة مع مزيج عاطفي.

ما يختلف عنه هو أن شخصياته خيالية، بالتالي لا ضرورة للتساؤل عمّا إذا كان ما نراه حدث فعلاً أم لا. وأنّه لا يعمد إلى النوستالجيا، بل يمنح المحيط السياسي لفترة أحداثه (الأربعينات) وجودها الحي. لذلك؛ هو فيلم أفضل تكويناً وتنفيذاً ورسالته هي في الوقت ذاته واضحة وموحية. إنما، وعلى الرغم من أن الفيلم ليس بيوغرافياً على الإطلاق، إلا أن بافليكوفسكي استوحى حكايته مما حدث مع والديه اللذين كانا من الموسيقيين الحالمين بعهد أفضل تأخر حدوثه.

يبدأ الفيلم في حقبة متأخرة من الأربعينات في بولندا. الحرب العالمية انتهت. الناس تتنفس وتحاول ترتيب حياتها على وضع جديد. وضع تسود فيه الحدود الجديدة في أكثر من مكان. بطل الفيلم شاب اسمه (أيضاً) فيكتور (توماش كوت) مؤلف موسيقي مشهود له بالموهبة الذي يطوف في أنحاء البلاد بصحبة صديقته إرينا (أغاتا كوليشا) بحثاً عن موهبة جديدة تؤمّن له ما تحتاج إليه موسيقاه من ثقافة فولكلورية. بعد حين يجد ما يبحث عنه في شخص فنانة اسمها زولا (جوانا كوليغ). بطبيعة الحال، في مثل هذه المناسبات، فإن إرينا لديها موقف سلبي من زولا، لكن فيكتور يريدها أن تقود الفرقة الموسيقية التي يقوم بتأسيها.

بعد حين، وعلى الرغم من أن فيكتور ومجموعته لا ينوون الغناء بمعزل عن حب الوطن ونظامه الاشتراكي، فإن النظام الشيوعي يطلب من فيكتور أن يضمّن حفلته المزمعة أغاني ثورية. واحدة، على الأقل، في مديح ستالين وأخرى في مديح المزارعين والفلاحين (قتل منهم ستالين في روسيا بضع مئات الألوف). لكن ليس هناك من بطولات مطلقة. السلطة تتمنى يعني تطلب وتطلب يعني تأمر. فيكتور يقبل لكن إرينا ترفض. في شكل مفاجئ بعد قليل سيقترح فيكتور على زولا الهرب إلى ألمانيا ومنها إلى برلين الغربية.

يفتقد الفيلم إلى توليفة متكاملة. النصف الأول منه، إذا جاز التعبير، سهل المنال، أخف إيقاعاً من دون أن يكون هزيلاً ويدور حول الفن ورجاله ونسائه، والاستماع إلى الموسيقى والمشاركة فيها. لكن، ومن دون سحب سوداء تمهد للنقلة (كل الفيلم متميّـز بلونه الشاحب) نجد أنفسنا في رحى نصف ثانٍ سيدور حول التسلل من بولندا إلى سواها بغاية الوصول إلى ألمانيا والعيش في الغرب. الأحداث لا تنتهي بوصولهما، بل تستمر وقد تباعدا، ثم التقيا، ثم تباعدا من جديد.

كل ذلك منفّـذ بحنين المخرج الممتزج بنقده. هناك علاقة حب وكره مع ذلك الماضي. ألم يشعر به بافليكوفسكي وينقله ليعيش داخل شخصياته ومن ثم في شخصياتنا نحن. مشهدياً، هناك بعض تاركوفسكي متمثل في تلك المشاهد المتأنية والمتأملة، لكن بافليكوفسكي (الذي حقق قبل ثلاثة أعوام فيلمه الممتاز «آيدا») لديه باعه الطويل وطريقته الخاصّـة في السرد والتكوين العام؛ لذلك من المفاجئ إلى حد اعترافه الضمني بتأثير مخرج عاصره، زمنياً، كتاركوفسكي.

> فتيات الشمس | Girls of the Sun

إخراج: إيڤا أوسون

المسابقة | فرنسا.

دراما حول كرديات وإيزيديات ضد {داعش}

ربما بدا المشروع فعلاً مهماً للمخرجة الفرنسية إيڤا أوسون التي تقدم هنا فيلمها الثاني. وهو لو أُحسن إخراجه لكان ذلك بالفعل. ما لدينا هو فيلم أفكار وطموحات غير منجزة تتواصل مع القضية المطروحة جيداً، لكن ليس طويلاً. بين كل حين وآخر ترتفع النبرة وتهبط من دون ضرورة. تنبري المشاهد تحت غطاء من الحوارات والمشاهد التقليدية. في النهاية يستهلك الفيلم فرصته ويأوي بها بعيداً.

يفتح الفيلم بصوت من الذكريات. صاحب الصوت هو امرأة فرنسية اسمها ماتيلدا (إيمانويل بركوت) سبق لها وأن خبرت أجواء الحروب في الشرق الأوسط كصحافية، وخسرت إحدى عينيها خلال تغطيتها حرب حمص، والآن تضع على تلك العين عصبة وتنبري لتغطية سعي قوّة من المحاربات النساء، بقيادة الكردية باهار (الإيرانية غولدشفته فرحاني) التي تعلم ما لا يعلمه الآخرون من دون أن ندري السبب. كما لو أن سرد الفيلم من خلال الذاكرة لا يكفي كـ«كليشيه» ها هو «الفلاشباك» يدخل السياق السردي بدوره. لقطة جانبية لباهار وهي تنظر بعيداً و… ننتقل إلى الماضي؛ فباهار كانت أسيرة لدى {داعش} وهي فقدت التواصل مع ابنها الصغير إثر اقتحام قوات «داعش» القرية الكردية التي تعيش فيها.

في «فلاشباك» آخر، نلمّ بالتفاصيل: القوات تقتحم. الزوج يُـقتل. الصبي يُقبض عليه. شقيقتها تُغتصب وباهار تصرخ متوسلة أن ينال منها الأشرار عوض أختها. بعد كل فلاشباك نعود إلى الزمن الحالي بالطبع، لكن القليل من تلك العلاقة يترك أثره. كان يكفي حوار صغير هنا أو هناك للإلمام بالقصة الخلفية، لكن هذا ما ارتأته المخرجة التي شاركت في كتابة السيناريو.

في الزمن الحاضر تقود باهار القوّة النسائية لتحقيق المعجزات المتوخاة (والفيلم يمنحهن الفرصة) وهي قوّة مشتركة بين كرديات وإيزيديات مندفعة للقتال والذود والانتقام وبحث باهار عن إبنها المخطوف.

المسألة أبعد من سوء استخدام مشاهد الاستعادة؛ لأن الفيلم يبدأ بتعليق من الذاكرة لشخصية ودخول ماضي شخصية أخرى عبر تلك المشاهد. منطقياً، لا يمكن لأحد منا أن يتذكر ما لم يمر به شخصياً. الأسوأ من ذلك موسيقى يقصد منها التحفيز، لكنها تتحول من «النوتة» الأولى إلى مصدر إزعاج مضجٍّ.

الشرق الأوسط في

14.05.2018

 
 

"الأبديون" لزهانغ ـ كي: توهان الخلاص

كانّ ــ نديم جرجوره

يتوسّع "الأبديون" للصيني جيا زهانغ ـ كي في كشف تفاصيل صغيرة موزّعة على هامش الحبكة الدرامية الأصلية. تنفتح التفاصيل على لحظات ومغامرات ومفارقات، يُمكن تحرير النصّ منها لانعدام الحاجة الدرامية والسردية إليها، رغم أن تبريرًا لاستخدامها يُفيد بتأكيدها التوهان الذي تعيشه تشياو (زهاو تاو) بُعيد خروجها من السجن، المُقيمة فيه 5 أعوام بتهمة حيازتها مسدّسًا من دون رخصة، وبتهمة إطلاق الرصاص منه، وإنْ في الهواء.

في 141 دقيقة، يتابع "الأبديون" ـ المُشارك في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" ـ رحلة امرأة عاشقة، تحاول إنقاذ والدها من قسوة الخيبة الناتجة من إقفال منجم يعمل فيه، وتسعى إلى عيش حياة هائنة مع حبيبها بِنْ (لِيَاو فان)، المتورّط في أعمال "غير شرعية". إطلاق الرصاص ناتجٌ من اعتداء شبابٍ على بِنْ، فيُلقى القبض عليهما، لكن بِنْ يخرج من السجن بعد عامٍ واحد فقط، ويختفي عن تشياو نهائيًا. 

الجزء الأول سردٌ عاديٌّ لوقائع تُقدٍّم، في نحو 65 دقيقة، شخصيات وحالات وعلاقات ومآزق. وإذْ يُعتبر خروج تشياو من السجن بداية جزء آخر مختلف تمامًا عن سابقه، جماليًا وبصريًا وإنسانيًا، فإن لتأسيس الجزء هذا جذرًا متمثّلاً في اغتيال صديق بِنْ ومدرّبه وسيّده في عالم الجريمة. 

الأهمّ كامنٌ في تحوّل الجزء الثاني إلى لوحاتٍ تمزج جمال طبيعة مفتوحة على ألوان وأمطار وعمارة وأنهارٍ وحكاياتٍ متعلّقة بالبلد وتبدّلاته، بتوهان امرأة مُصابة بانفضاض الحبيب عنها، قبل أن تستعيده لنوعٍ من تصفية المعلَّق بينهما. وعندما يُصاب بعطبٍ صحيّ، تُنجده فتُبقيه إلى جانبها كمحاولة إضافية لإنقاذه من خرابه الجسدي وتمزّقه الروحي وألمه الذاتيّ. ومع أنّ إطالة زمن الجزء الثاني دقائق كثيرة، وتضمينه قصصًا وشخصيات عابرة، إلا أن جوهر المسألة يكمن في إمعانٍ بصري في تفكيك شخصية تشياو ومصائبها، قبل اغتسالها من قهرها بمواجهة مُسبِّب قهرها هذا، واستعادته إياه، و"منعه من الموت" كي يعيش الألم و"يُدرك معناه وقسوته".

####

"صيف" و"حرب باردة" في "كانّ 71": سطوة الموسيقى

كان ـ نديم جرجوره

تحتلّ الموسيقى وعوالمها المختلفة مكانةً أساسية في فيلمين مشاركين في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي. فهي، بحضورها البارز، تعكس شيئًا من وقائع السياسة والانشقاق الصداميّ غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، من دون توغّل عميق في تفاصيل "الحرب الباردة" الناشئة بسببها. وهي، بتحوّلها إلى نواة درامية متكاملة، تقول حراكًا فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا في بلدٍ يتململ ناسه من شدّة البطش والانغلاق، ويعثر بعض شبابه ـ في أنماطٍ موسيقية وغنائية "غربيّة" ـ ملاذًا من موتٍ، ومنفذًا لعيشٍ، وتحريضًا على إبداع. 

بالإضافة إلى هذا، تختار الموسيقى (والغناء والتأليف والشعر والتأمّل، إلخ.) أزمنةً لفعل سينمائي يُحاكي الواقع والتاريخ والحقائق، أو لبوحٍ يخرج من المعروف إلى ما هو أرحب وأهمّ: الحبّ وإفرازاته وتأثيراته.

مُشترك آخر يُضاف إلى الموسيقى وزمن الأحداث، في فيلمي "صيف" لكيريل سيريبْرينيكوف و"حرب باردة" لبافل بافليكوفسكي، المتنَافِسَين ـ مع 19 فيلمًا آخر ـ على "السعفة الذهبية": الجغرافيا. فالأول حاصلٌ في روسيا بداية ثمانينيات القرن الـ20، والثاني يتّخذ من بولندا، نهاية أربعينيات القرن نفسه، منطلقًا لشغلٍ سينمائي مستندٍ إلى ثنائية الأسود والأبيض، وإلى توليف يُضفي مناخًا مأساويًا على لُبّ النصّ الأصليّ. الجغرافيا مهمّة، إنْ يُنظر إليها كمكان لحدثٍ لن يُحوّلها المكان والحدث إلى شخصية درامية وجمالية، رغم أن لقطات مختلفة تعكس جوانب باهرة من حضورها العفوي في التسلسل السرديّ.

وإذْ يرتكز "صيف" على وقائع حقيقية مرتبطة بموسيقى "روك" روسية زمن "التشدّد البريجنفيّ"، بناء على مذكرات إحدى المُشاركات في الحدث والشاهدات عليه، فإن "حرب باردة" يوحي باقترابه الحادّ من وقائع وحقائق، مستمدّة من قسوة النزاع القائم بين شرقٍ سوفييتي وغربٍ أميركي على أرضٍ أوروبية. وقائع "صيف" تبدو غريبة لشدّة حيويتها والمصائر الصادمة لشخصيات قليلة فيها؛ والمتخيّل السينمائي في "حرب باردة" يظهر أشدّ حقيقيةً من الواقع. كأن اللعبة متوافق عليها سلفًا، لكن من دون أي توافق مسبق بين المُخرِجَين، باستثناء ما يُمكن للمتخيّل البصري أن يُنتجه في أمكنة وأمزجة وبيئات وأنماط تفكير مختلفة.

التوليف المعتَمَد في "حرب باردة" (تقطيع المتتاليات البصرية إلى فقرات تنفصل عن بعضها البعض بلحظات معتمة لا مشاهد فيها ولا أحداث) يكاد يكون جانبًا آخر لمقاطع تشبه الـ"فيديو كليب" في "صيف"، مع اعتماد كبيرٍ على مغزى الصورة وجمالياتها السينمائية، وعلى حسّ السخرية المريرة التي يتمتّع بها كيريل سيريبْرينيكوف في مقاربته لحظة مفصلية في التاريخ الحديث لبلده.

يستعيد "صيف" حكاية لقاء غير متوقّع بين 3 شبانٍ يطمحون إلى إيجاد معنى آخر للموسيقى في زمنٍ سوفياتي قامع. الاستناد إلى مذكّرات ناتاليا نومنكو أساسيٌّ في إعادة تشكيل مسارٍ حياتي لأفراد قلائل، بعضهم غير مالكٍ لمعطيات مؤكّدة تتعلّق بسيرته. مايك نومنكو (رومان بيليك) وحبيبته/ زوجته ناتاشا (إيرينا ستارشنبوم) يلتقيان فيكتور تسوي (تيو يوو)، فتبدأ بينهم علاقة تتوزّع على التأليف والتلحين والتساؤلات والإعجاب والحب والارتباطات، في مسار سريع ينتهي مطلع التسعينيات، مع مقتل فيكتور في حادث سيارة.

ويعود "حرب باردة" إلى أعوام الخروج من خراب العالم، في النصف الثاني من الأربعينيات الفائتة، متوغّلاً في أحواله عبر قصّة حب بين الشابّة زُوْلا (جوانا كوليغ) وفيكتور (توماس كوت)، وعبر انغماسٍ في الغناء الشعبي لفرقة بولندية مؤلّفة من صبايا وشبانٍ منبوذين لكنهم يمتلكون مواهب في الغناء والموسيقى والرقص، قبل أن يستغلّ النظام القامع (التابع للاتحاد السوفييتي حينها) النجاح الكبير للفرقة، في الترويج الغنائي والدعائي له بأصوات بريئة لأفرادٍ مهمّشين.

السياسيّ شبه غائب عن المشهد المباشر في "صيف"، على نقيض حضوره شبه المباشر في "حرب باردة". فالمباشر يمنع السياسي من احتلال الصورة الخاصّة بانشغال شبانٍ في موسيقى الـ"روك" المقبلة إليهم من "غربٍ رأسمالي عدوٍ"، بينما شبه المباشر متوافقٌ والمسارات المضطربة والمعلّقة والملتبسة للثنائي زوْلا وفيكتور، في علاقتهما المتوترة، وفي حبهما المشتعل والمتخبّط في أوهام وفراغات وحيوية وتناقضات، وفي بحثهما ـ معًا، أو كلّ واحد منهما على حدة ـ عن معنى العيش والحياة، وعن معنى الموسيقى والكلمة، وعن معنى الهجرة والانقلاب أو الخضوع. القمع السوفياتي حاضرٌ في "صيف" عبر أفراد يمثّلون سلطة وفرضًا لنظام وسلوك؛ والقمع السوفياتي نفسه، وإنْ عبر نظام تابع، حاضرٌ في "حرب باردة" يبحث أناسها/ شخصيات الفيلم عن أنفسهم في قلب الغليان المنبثق من صدام "قاسٍ" و"بارد" بين مفهومين متناقضين للغاية عن الحياة والعيش والتفكير والسلوك.

للحبّ أيضًا مكانه في الفيلمين، إنْ بقوة وتصادم وشغف وحماسة مفتوحة على أقصى الممكن (حرب باردة)، أو بهدوء ممزوج بشغف آخر مرتبط بالموسيقى والغناء والعزف (صيف). الحبّ الأول مُتَبَادل بين طرفين اثنين فقط، يجدان نفسيهما في معمعة الانقلابات والتسلّط والمواجهة، بينما يحافظ الحبّ الثاني على نقاء شعريّ وصفاء انفعالي وقلق وجودي، تنتهي كلّها بموت غالبية الفاعلين فيه.

فيلمان يخرجان من عمق الموسيقى إلى مشاعر وانقلابات ورغبات، ويحاولان رسم ملامح عالمٍ يستمر في الأفول لغاية الآن.

####

"دونباس" لسيرغي لوزنيتسا: تداعيات حرب

محمد هاشم عبد السلام

افتُتِح قسم "نظرة ما" في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائيالدولي بالفيلم الروائي "دونباس" (2018) للأوكراني المعروف سيرغي لوزنيتسا، المُشارك في المُسابقة الرسمية الخاصّة بالدورة السابقة للمهرجان نفسه بـ"وديع" (2017)، أو "امرأة رقيقة" بحسب العنوان الفرنسي، من دون الفوز بأية جائزة، وإنْ حصل على إعجاب كثيرين.

يُصوِّر "دونباس" (Donbass)، في ساعتين اثنتين، الحرب في شرق أوكرانيا، وتحديدًا في منطقة "دونباس"، المُتاخمة للحدود مع روسيا، حيث لا نعلم الكثير عما يجري هناك إلا من خلال الأخبار وبعض الأفلام الوثائقية، وهذا ليس كافيًا بالطبع لنقل الصورة كاملة. حاول لوزنيتسا أن ينقل ـ في أكثر من مُستوى، وبطريقة شبه بانورامية ـ ما حصل في الواقع هناك، منذ أعوام قليلة، بين القوات الحكومية الأوكرانية والمليشيات الأوكرانية المدعومة من روسيا، التي تحمل السلاح وتعتمد أساليب إجرامية مختلفة، كي تنفصل عن الدولة الأوكرانية وتُقيم دولة مستقلّة على الأراضي التي استولت عليها، غير عابئة بتمزيق البلد وتشتيت أهله.

صحيح أن الحرب وضعت أوزارها. لكن الهدوء القابل للانفجار في أية لحظة يبقى سيّد الموقف. ورغم أن أحداث الفيلم تعود إلى عامي 2014 و2015، أي فترة المعارك، إلاّ أنّ "دونباس" ليس مشغولاً بالحرب بحدّ ذاتها، بقدر انهماكه في رصد آثارها المُتنوّعة على شرائح مُختلفة من المُواطنين. أحداث الفيلم تتيح لنا أن نلمس كيف أن الحياة دائمًا على حافة الخطر، وأن الموت المجاني قريب في كلّ لحظة. الفساد والإذلال والابتزاز، سمات يومية لمواطني تلك المنطقة المنكوبة، والأوضاع المعيشية لكثيرين منهم في غاية البؤس والانحدار. المَشاهد التي صَوَّرت أفرادًا يعيشون في الملجأ، مع افتقارهم إلى أبسط حقوقهم وحاجاتهم، كالماء والطعام والكهرباء والتدفئة، تُعتَبر الأكثر إثارةً للألم، فهي لا تقلّ مأساوية عن مَشاهد الزيف والاحتيال والفاشية، ومُصادرة مُمتلكات الأفراد، أو ابتزازهم ماديًا.

بثّ الرعب في نفوس السكان أمر لا يغفله أحدٌ، خاصة أن المشهد الافتتاحي يبدأ بإعداد مجموعة "كومبارس" لتأدية مشهد انفجار مزيَّف، وهلع الناس وفرارهم. ومع نهاية الفيلم، يعود المُخرج إلى المشهد نفسه، مُطوِّرًا إياه على نحو دموي، مع تحوّل الـ"كومبارس" إلى قتلى فعليًا. لكن، هل كان قتلهم مُتعمَّدًا؟ 

التنكيل بالمُعارضين، أو من يُطلَق عليهم صفة الخونة، أي أفراد الجيش أو الموالين لهم، أمور مُسلّم بها. يتجلّى هذا في مشهد طويل يُعذَّب خلاله أحد الجنود على أيدي أفراد المُجتمع أنفسهم، بعد وقوعه أسيرًا لدى القوات الانفصالية. 

صحيحٌ أن غالبية القصص ترصد كلّ ما هو سلبي وقاتم ومرير، لكنها لا تخلو من مواقف عديدة، أو جُمل حوارية كثيرة تغلب عليها الطرافة أو السُخرية، وتقترب نبرتها المريرة من السوداوية.

في أفلام سيرغي لوزنيتسا، الوثائقية والروائية، وكلّها إنسانية الطابع وإن غلبتها السياسة، تتعدّد التقنيات الإخراجية وتتنوّع، حتى داخل الفيلم الواحد. هو، بالتأكيد، مُخرج أسلوبي، يسهل لمس أساليبه الإخراجية المُتميّزة في كلّ فيلم. بروز أسلوبيته واحترافيته لا يعني أنه يُولي الاهتمام الأكبر للأسلوب، ولا أنه يتعمَّد جذب الانتباه إلى أساليبه وتقنياته الإخراجية المُتباينة، ولا حتى التعبير عن نفسه ومهارته وتمَكُّنه. على عكس ذلك، فإنّ الأسلوب في أفلامه يهدف دائمًا إلى خدمة المواضيع المطروحة، ويُثريها ويُعَمِّقها ويكسر عنها ملل السرد التقليدي والإغراق في ما هو سياسي، من دون الاستمتاع بما هو فني وجمالي.

في "دونباس"، تبنّى سيرغي لوزنيتسا أكثر من تقنية فنية، بدءًا من البنية غير الخطية، بل الدائرية إلى حد بعيد، بالعودة إلى مشهد البداية ثانيةً في نهاية الفيلم. ونظرًا إلى أنّ دراما الفيلم قائمة على قصص قصيرة مُنفصلة ومُتّصلة في وقتٍ واحد، ومُترابطة موضوعيًا، فإنه اعتمد، في انتقاله من واحدة إلى أخرى، على شخصيات ومواقف وبناء داخلي لكلّ قصة. ثم أنّ كل واحدة من القصص الـ13 تدور في منطقة مُغايرة، وتنقل وجهة نظر مُختلفة، من دون استخدام تقنياتٍ كالإظلام المفاجئ أو التدريجي. ذلك أن بنية الفيلم مرتكزة على تقنية المُونتاج أساسًا، التي وظّفَها المُخرج داخل القصص نفسها، من دون الإفراط في استخدامها. هذه التقنية، موظَّفة أيضًا بطرق مُختلفة. لذا، فإن المُونتاج سلس، وأحيانًا يكون مُفاجئًا أو سريعًا.

لهذا كله، ولمسائل التصوير بالكاميرا المحمولة أو الثابتة، واختيار المواقع الداخلية أو الخارجية، وقوة القصص وتنوعها واختلاف مُستوياتها السردية، خرج الفيلم على نحو مُتميز للغاية، سرديًا وتقنيًا وبصريًا؛ رغم أن سيرغي لوزنيتسا لم يهتم كثيرًا بتعميق الشخصيات، نظرًا إلى طبيعة الفيلم وبنائه شديد الخصوصية. وهذا ليس عيبًا، بقدر ما هو خيار فني. فرؤية المُخرج تبحث عمّا هو مُغاير.

في "دونباس"، ليس هناك بطل أو أبطال، أو شخصيات يتمحور حولها الفيلم، الذي يمتلك مسحة ملحُوظة تقترب به، في غير مكان، من البناء التسجيلي، وأحيانًا الريبورتاج الصحافي. 

باختصار، إنه قطعة فنية رائعة ومُمتعة، رغم الصعوبة التي تكتنف الأحداث، نظرًا إلى عدم إلمام المُشاهِد بالخلفيات السياسية والاجتماعية العميقة لما حدث ويحدث في أوكرانيا.

####

عراقيات حملن السلاح بوجه "داعش"

في فيلم بمهرجان كان

قالت بطلة فيلم (غيرلز أوف ذا صن)، وهو فيلم حربي نسوي يعبر عن روح العصر في مهرجان كان السينمائي الذي تهيمن عليه قضية حقوق المرأة: "كانوا يرتعدون خوفاً عندما يسمعون أصواتنا النسائية".

والفيلم مبني على قصة حقيقية لعراقيات حملن السلاح في وجه تنظيم "داعش" الإرهابي بعد فرارهن من الأسر. ويحكي عن كتيبة من النساء تقود هجوماً على عناصر "داعش" في حين يفضل أشقاؤهن القتال في انتظار الضربات الجوية الأميركية. والسبب في خوف أعدائهن منهن، هو اعتقادهم أن قتلهم بيد امرأة يحرمهم من دخول الجنة شهداء.

وتتبع قصة المخرجة الفرنسية إيفا أوسون الصحافية ماتيلدا المزروعة وسط المقاتلات، والتي تستمع لقصة قائدتهن بهار التي تلعب دورها كلشيفته فراهاني، بطلة فيلم (بايرتس أوف ذا كاريبيان).

وعرض الفيلم في مهرجان كان وسط تصفيق حاد مساء السبت، بعد أن قادت الممثلة كيت بلانشيت مظاهرة ضمت ممثلات ومخرجات ومنتجات على البساط الأحمر، تأييداً لحملة للدفاع عن حقوق المرأة بعد فضائح استغلال جنسي هزت صناعة السينما العام الماضي.

والفيلم، على الرغم من عدم وضوح المكان الذي تدور فيه أحداثه، مستلهم من هجوم تنظيم "داعش" على الأيزيديين في سنجار شمال العراق عام 2014، عندما قتل المتشددون الرجال وتبادلوا النساء والفتيات سبايا. وشخصية ماتيلدا تعد تجسيداً لشخصية الصحافية الأميركية ماري كولفن، التي قتلت في سورية عام 2012.

لكن بعض النقاد انتقدوا الفيلم، فقالت مجلة فارايتي إنه "حسن النية لكنه مفعم بالشعارات وموصول بالقنوات الدمعية"، وكتب بيتر برادشو من صحيفة "غارديان" يقول عن الفيلم إنه "مؤثر وصريح ويركز على القوة البدنية".

والفيلم ينافس على جائزة السعفة الذهبية التي ستمنح يوم 19 مايو/ أيار.

العربي الجديد اللندنية في

14.05.2018

 
 

خالد محمود يكتب من «كان»:

 «Girl».. إلهام المتحولين سينمائيا

-الفيلم نظرة خاصة لإرادة فتاة ولدت فى جسد صبى.. والمخرج يحقق حلمه فى أول أعماله ويمنح شخصياته فرصة الأداء الرائع

ذات صباح عام 2009، قرأ المخرج البلجيكى لوكاس دونت «26 عاما» مقالا فى جريدة بلجيكية عن فتاة صغيرة، ولدت فى جسد صبى، لم تكن تريد شيئا أكثر من أن تصبح راقصة باليه، ودهشته القصة على الفور وظل يفكر فى كيفية تنفيذها، كان يجد هذه الفتاة بالنسبة له مثالا للشجاعة وقال لنفسه: إذا قمت بعمل أول فيلم روائى طويل يكون عنها».

وبالفعل حول لوكاس الحلم إلى حقيقة، بعد أن سار وراء احساسه بأن دراما تلك الفتاة الملهمة تستحق أن تتسلل لوجدان الجمهور عبر الشاشة.. وقدم فيلمه «فتاة» أو «Girl» الذى عرض فى مسابقة نظرة خاصة، التى باتت تحمل العديد من الأفلام المهمة، التى لا تقل عن أفلام المسابقة الرسمية ان لم تكن تتفوق عليها فى بعض الأحيان.

فى فيلم «فتاة» نرى «لارا» تبلغ من العمر 15 عاما، تحلم بأن تصبح راقصة باليه ونجمة. بدعم من والدها، وتسعى بكل قوة وإرادة فى تدريباتها للوصول لهدفها حتى وإن كان هناك بعض المعاناة، لكن هذا الجسد الذى ينمو كجسد صبى لا ينحنى بسهولة أمام الانضباط والسلوك الذى تفرضه لارا، لأنها ولدت فتى.

الفيلم يحمل عنوانا مباشرا وتلك هى الاشارة الاولى المميزة من المخرج والمثيرة للاهتمام، والميزة الاخرى هى جرأته فى معالجة موضوع صعب كالذى نحن بصدده، والذى منح شخصياته فرصة أداء رائع برع فيه الممثلون وهذه هى الميزة الثالثة للمخرج لوكاس دونت، فهو دائما ما يصنع من المواهب نجوما مثلما قدم فى فيلمنا فيكتور بولستر.

رحلة بطلتنا أو بطلنا كانت مليئة بالتحديات، فهى تذهب دائما للطبيب بحثا عن علاج يخلصها من الذكورة، لتنمو كأنثى، يمنحها الطبيب الأمل، لكن المسألة تسير ببطء وتشعر بالقلق تجاه متاعب تدريبات الباليه، ثم تجىء النهاية التى صفق لها جمهور المهرجان طويلا، حيث قررت بطلتنا التخلص من «العضو الذكرى» بجسدها لتصبح بالفعل «Girl».. تلك النهاية بلا شك واحدة من أكثر النهايات جدلا وحديثا كبيرا لدى عرض الفيلم بشكل عام بالعالم.

الفيلم بالفعل يشكل حالة سينمائية متقنة وخالصة الابداع كفيلة بتحقيقه النجاح. وهو يعكس روح مهرجان كان فى اختياراته، والى أى مدى تعكس القصص الإنسانية حتى لو كانت «استكشاف الجنس»، مذاقا خاصا للسينما ومجالا رحبا للتألق.

ونعود لتفاصيل فصول العمل التى شارك فى كتابتها دونت مع أنجيلو تيجسينس، حيث انتقلت لارا (بولستر) مع والدها الفرنكوفونى، ماتياس (أريهيه ورثالتر)، وشقيقها الطفل (أوليفر بودارت) إلى مدينة جديدة، حيث يمكنها الدراسة فى واحدة من أشهر أكاديميات الرقص فى بلجيكا. فى الوقت نفسه تستعد لانتقالها الآخر، حيث إنها ولدت فى جسد صبى، وكل من حولها يدعمها، من والدها وعائلتها إلى الأطباء والناس فى مدرستها الجديدة التى تدرس باللغة الهولندية لتجاوز كل اللحظات المحرجة، وباتت معارك لارا هى إلى حد كبير المعارك النفسية الداخلية، الخاصة بهويتها الجنسية، والجسدية بالاضافة إلى الصراعات البدنية الخارجية

المستمرة والمؤلمة للغاية لتصبح راقصة مدربة تدريبا عاليا فى مثل هذا العمر، فهناك الصراع الجسدى اليومى، حيث يجب عليها أن تكافح أى علامات قد تجعلها تبدو كصبى للآخرين ولها، لمحاولة مواكبة برنامج التدريب البدنى الصارم المطلوب لتصبح نجم باليه، والذى اعتمد على لغة الجسد والصورة بدلا من الحوار، وفى لحظات إنسانية رائعة نرى الطبيب يؤكد لها مخاوفه من اجراء العملية ويقول «من المهم ألا ننسى انك تعيشين الان»، وهو الأمر الذى يؤدى فى النهاية إلى جعلها تتحرك بشكل صعب للغاية للتعرف على فتى لطيف يعيش فى نفس المبنى السكنى، ويبدأ الإحساس باليأس يتسلل اليها، عندما تبدأ لارا بالشك فى أن الهرمونات التى تتناولها لا تعمل، ويقول والدها فى لحظة انسانية اخرى «هى تريد أن تكون امرأة على الفور».

النتيجة التى توصل إليها الفيلم دراماتيكية إلى درجة أنها تحتاج إلى مشاعر جمهور متصالح مع ما حدث حتى تكون صادقة فى استقبالها على أرض الواقع، فقد كنا أمام حسرة قلب على ازمة فتاة، وأمل قاسٍ للحل، وهذا هو التوازن المعقد للحياة.

أداء البطل كان ذا احترافية كبيرة، خاصة فى مرحلة التعامل مع النفس وتقرير المصير، وأيضا التعبير الدرامى بالوجه خلال اداء الرقصات المعقدة، والاستمتاع البصرى بها كحالة تناغم وهو ما يحسب للمخرج فى أول أعماله الروائية الطويلة والمرشح لجائزة الكاميرا الذهبية وقد أكد «هناك الكثير من الأشياء التى ألهمتنى لتنفيذ هذا العمل لكن فى الحقيقة أكبر إلهام كان من المتحولين الشباب الذين التقيت بهم من أجل كتابة السيناريو لهذا الفيلم، فهم جميعا يتحدون المعايير فى مجتمعنا ويختارون الصيغة المناسبة لأنفسهم.

الشروق المصرية في

14.05.2018

 
 

بالفيديو.. جودار يفضح قطر والثورات العربية في مهرجان كان

هشام لاشين

نظمت إدارة مهرجان كان السينمائي مؤتمرا صحفيا عبر تطبيق الفيس تايم مع المخرج السويسري الفرنسي الكبير جان لوك جودار حول فيلمه "كتاب الصورة Le livre d'image”، وهو الفيلم الذي فجر الكثير من التساؤلات حول موقفه من ثورات الربيع العربي، وتصوراته لدور قطر وأمريكا في كل ما يحدث من فوضى بالمنطقة.

جودار -الذي غاب عن مهرجان كان منذ عام 2004  رغم حصوله “أخيراً” عن فيلم (وداعا للغة) على جائزة لجنة التحكيم عام 2014 مناصفة مع المخرج الكندي الشاب كزافييه دولان- لم يأت أيضا هذا العام، لكنه صرح عبر المؤتمر: "في التلفزيون كما على فيس بوك، لا نتعلم شيئاً، لذلك أشاهد التلفزيون دون صوت".

في فيلم جودار "كتاب الصورة" لقطات من الأفلام والأخبار والرسوم واللوحات التشكيلية، والمواد الوثائقية والروائية من العالم العربي، خصوصا بعض الأفلام المصرية القديمة وصولا لأحدث الأفلام للجيل الجديد من المخرجين، مثل المغربي فوزي بن سعيد والتونسية ليلى بوزيدن، مع أصوات هتافات دون صورة من نوعية "ارحل" للمتظاهرين التونسيين خلال الثورة.. ثم غناء الهادي الجويني وأم كلثوم.

ووجه جودار نقدا لما سمي "بالربيع العربي"، واصفا ثواره بـ"عشاق الوطن الذين كانوا يتطلعون للموت من أجله، ثم اكتشفوا أن قتله أسهل!".

ويدور جزء من أحداث الفيلم في إمارة خليجية خيالية أطلق عليها اسم (إمارة دوفة)، في إشارة إلى الدوحة، حيث يظهرها كإمارة صغيرة الحجم يحلم رئيس وزرائها، الأمير بن خدّام، بأن يجعل منها زعيمة "مملكة العرب السعيدة"، وحين يفشل في بلوغ مآربه يلجأ إلى تدبير ثورة زائفة لزعزعة الأوضاع القائمة، بمساعدة المجرم الأبيض الكبير الذي لم يكن للمجرمين الصغار أن يرتكبوا فظائعهم دون مباركته، في إشارة إلى أمريكا، كما يقول في الفيلم.

بوابة العين الإماراتية في

14.05.2018

 
 

سلمى حايك تعلق على الاحتجاجات النسائية في "كان السينمائي" وسقوط هارفي وينشتاين

كتبت- بوسي عبد الجواد

قالت الممثلة الأمريكية سلمى حايك، وهى من الناشطات المناهضات للتحرش الجنسى في صناعة السينما، إنها صُدمت لمعرفة عدد النساء اللواتي تعرضن للإساءة من قبل المنتج السينمائي الأمريكي هارفي وينشتاين في مقابلة خاصة مع مجلة "فارايتي" الأمريكية.

وجاء ذلك بعد يوم واحد من انضمامها لعشرات من صناع السينما من النساء ومن بينهن جين فوندا وكيت بلانشيت فى مظاهرة فى مهرجان كان السينمائى لدعم النضال من أجل حصول النساء على حقوقهن، كما تحدثت أيضا عن التغييرات التي حدثت منذ ذلك الحين في هوليوود.

وخلال المحادثة التي أدارها رامين سيتوده من مجلة فارايتي ، تحدثت حايك عن قوة حركةMe Too المناهضة للتحرش الجنسي، والتجربة "الهادفة" للمشاركة في مسيرة السجادة الحمراء ليلة السبت في كان السينمائي ، حيث انضمت إلى 81 امرأة أخرى في صناعة السينما ، بما في ذلك رئيس لجنة تحكيم كان الممثلة الاسترالية كيت بلانشيت، وكريستين ستيوارت، وباتي جينكيز، لتسليط الضوء على عدم المساواة بين الجنسين في الأفلام.

وقالت حايك: "أنا شخصياً، بصفتي امرأة وجزء من هذا المجتمع ، وتعرضت للتحرش الجنسي من جانب واينشتاين، شاركت في المسيرة.. الذي اعتبرها خطوة مهمة في صناعة السينما".

وكانت حايك قد نشرت مقالة رأي العام الماضي وصفت فيها تحرش وينشتاين الجنسي تجاهها ، وكان وينشتاين قد اصدر بيانا نفي فيه تلك المزاعم ، في حين أنه لم يستجب لعشرات من النساء الأخريات اللواتي تقدمن قصصًا عن سوء السلوك الجنسي وإساءة أثناء العمل على أفلامه.

وبالنظر إلى الطريقة التي حفزت بها الحركة الرجال والنساء للعمل من أجل التوصل إلى حل مشترك ، قالت: "إنه أمر مثير ، لأنه شيء نقوم به معًا".

وقد نصحت النساء الشابات العاملات في السينما بإيجاد طريقة لتوجيه إحباطاتهن بشأن عدم المساواة والتحرش الجنسي في مكان العمل من خلال اتخاذ "ما يمكن أن يصبح غضبا وسخطًا وإذلالًا وتحويل ذلك إلى إنتاجية.

وتمثل قضية المساواة مسألة مستمرة طوال مهرجان السينما الذى يعد أول مهرجان يقام منذ ظهور ادعاءات التحرش ضد بعض من نجوم هوليوود البارزين العام الماضى.

الوفد المصرية في

14.05.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)