كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"وِلْدي" لمحمد بن عطية:

اضطرابات الصورة

نديم جرجوره

كان السينمائي الدولي

الدورة الحادية والسبعون

   
 
 
 
 

يُشكِّل التحاق شبابٍ تونسيين بتنظيم "داعش"، أو بتنظيمات جهادية أخرى، سؤالاً جوهريًا في الوعي الثقافي التونسي. محاولاتٌ تبحث في أسباب الالتحاق، وفي الحالة الناشئة من الالتحاق ونتائجه المنعكسة في جوانب الاجتماع والنفس والعلاقات والتبدّلات؛ وهذه كلّها حاضرةٌ في أعمال صحافية وإعلامية، كما في دراسات وكتابات متنوّعة. 

الفنون المختلفة تؤدّي دورًا في هذا أيضًا، لكن المقاربة الفنية تبقى الأصعب في التوغّل داخل الوجدان الفرديّ للتحقّق من معنى الالتحاق وأهدافه، ومن العوالم التي يصنعها في بيئة المُلتحق ومحيطه. 

السينما تحديدًا غير مُتمكّنة من إنجاز مقاربة مُقنعة ـ جماليًا ودراميًا وفنيًا ـ للمسألة، لغاية الآن، على نقيض أفلامٍ قادرة على معالجة سينمائية أكثر تماسكًا وأمتن صُنعة (غالبًا) لموضوعي الهجرة غير الشرعية و"ثورة الياسمين". وإذْ يبدو التناول السينمائيّ للثورة أصعب، بسبب حيويته المستمرّة وأسئلته المعلّقة وإفرازاته الكثيرة والملتبسة والمعلّقة؛ فإنْ الاشتغال السينمائيّ الخاصّ بسؤال الهجرة غير الشرعية (رغم أن الهجرة هذه قائمة لغاية الآن، وإنْ في فترات متباعدة) يبدو أعمق وأجمل وأصدق، وأقدر على تبيانٍ ـ بصري وجمالي ـ لحقائق ووقائع. الأمثلة عديدة وحديثة الإنتاج، أبرزها "بنزين" (2018) لسارة عبيدي و"على كفّ عفريت" (2017) لكوثر بن هنيّة و"غدوة حي" (2016) للطفي عاشور و"تونس الليل" (2016) لإلياس بكّار (عشية الثورة وملامح بداياتها)، وغيرها.

الالتحاق بـ"داعش" ونتائجه وتأثيراته مسائل مطروحة في "زهرة حلب" (2016) لرضا الباهي، الذي يروي حكاية شابّ منتمٍ إلى طبقة اجتماعية متوسّطة، وابن والدين مُطلّقين، ينغمس والده في عالم الفنون، وتعمل والدته مُسعفةً. التحاقه بالتنظيم الجهاديّ في سورية سببٌ لقيام الأم برحلة محفوفة بالمخاطر والتساؤلات والقلق بحثًا عنه، وأملاً في استعادته من هذا الجحيم الأرضيّ. جديد السينما التونسية المرتكزة على الموضوع نفسه يتمثّل بـ"وِلْدي" (2018) لمحمد بن عطيّة: شابٌ يستعدّ لتقديم امتحانات البكالوريا، ويُقيم مع والدين منتميين إلى طبقة اجتماعية أقرب إلى المتوسّطة. لحظة الحدث الانقلابي مترافقة والأيام الأخيرة من وظيفة الأب المتقاعد، بينما الأم مُدرِّسة في مدينة بعيدة، ما يجعلها تُقيم بعيدًا عن المنزل أيامًا عديدة في الأسبوع.

المُقارنة بين الفيلمين ناتجةٌ من تشابه المادة المختارة، وبعض تفاصيل السياق، علمًا أن الأب في "وِلْدي" هو من يغامر بحثًا عن وحيده، متمنّيًا استعادته والنجاة به ومعه من اختبار دموي وعنيف كهذا. لكن المشترك الأبرز بينهما كامنٌ في عجزٍ سينمائي واضح عن مقاربة المسألة، وفقًا لما يتطلّبه إنجاز فيلمٍ سينمائيّ متكامل، يتناول موضوعًا حسّاسًا كهذا، وهو موضوع مفتوح على أسئلة أخرى أساسية: العلاقة العائلية والأبوية؛ ومفهوم العائلة ومصيرها في لحظة تحوّلات اجتماعية وسياسية واقتصادية جوهرية في البنيان الحياتي التونسي؛ وتنامي الإمكانيات المختلفة للجهاديين، التي تتيح لهم تواصلاً أسرع وأكثر أمنًا مع شبابٍ تائه بين ثورة فاشلة واضطراب اجتماعي وتمزّقات عائلية وأحلام مجهضة أو موؤودة، وانفصام قاسٍ بين رغبة في التحرّر الاجتماعي وقواعد محافظة وتقليدية. 

بعض الأسئلة هذه حاضرٌ بمواربة في بنية النص السردي لـ"زهرة حلب". لكن الأسئلة نفسها تكاد تتوه في البنية الدرامية لـ"وِلْدي"، المُشارك في برنامج "نصف شهر المخرجين"، في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي. وإنْ لم يتمكّن الأول من ضبط إيقاعها الحكائيّ وترجمتها البصرية، فإن "وِلْدي" ينشغل أكثر في تقديمٍ طويل المدّة للشخصيات الـ3، ولركائز العلاقات بينها، ولمواقعها في البيئة المحيطة بها، قبل أن يطول زمن الرحلة والبحث والعودة الخائبة، من دون استناد إلى مقوّمات درامية وجمالية تحصّن الإطالة من فخّ الملل والتشرذم. وفي مقابل أداء محترف لهند صبري في دور الأم الباحثة عن ولدها في حربٍ لا علاقة لهما بها (زهرة حلب)، يمتلك محمد ظريف أدواته التعبيرية كممثل يُدرك تمامًا كيفية تقديم الشخصية، وكيفية التحوّل إلى مرايا متنوّعة لأحوال الشخصية وانفعالاتها وهواجسها وقلقها وانكساراتها وخيباتها (وِلْدي).

لن يكون "وِلْدي" أفضل، سينمائيًا وإنسانيًا وشفافية، من "نحبّك هادي"، أول روائي طويل للتونسي الشاب محمد بن عطيّة (1976). جديده يُشبه واقعًا يحاول سبر أغوار شيء منه: الارتباك والمتاهة والعجز عن فهم الراهن والتواصل معه. هذا ليس تبريرًا للتبسيط الحاصل في المعالجة الدرامية والتصوير السينمائي للمضمون وتفاعلاته وتناقضاته ومسارات حكاياته وأحداثه. المُقدَّم في "وِلْدي" غير مختلف أبدًا عما تُقدّمه ريبورتاجات وتحقيقات مُصوّرة تتناول الموضوع نفسه. الرحلة معروفة، وتكاد تُعرف نتائجها سلفًا. المتابعة السينمائية للمسار عادية جدًا، وغير ممتلكةٍ ما يُثير الرغبة في المتابعة أو التنبّه إلى جديدٍ يُمكن قوله في موضوع حيوي وفاعل ومؤثّر وآنيّ. 

"التفاؤل" المطروح كـ"نهاية سعيدة" (!) انعكاسٌ لرغبة في التنفّس، بدلاً من الإمعان في التقاط النبض الواقعي لليوميّ، وهو مغاير للتفاؤل والنهاية، وإنْ يكمن الهدف في قولٍ واضح: هؤلاء الشباب العمّال أمل غدٍ منتظَر (رياض، الوالد المفجوع، يلتقي شبابًا للعمل معهم في مصنع، فيتناولون طعام الغداء معًا، ثم ينظر إليهم بابتسامة وهم يأكلون ويضحكون).

الانفصال بين الوالدين متوقّع وطبيعي كأحد نتائج السياق الحكائيّ وتفاعلاته. رياض (محمد ظريف) عاجزٌ عن استعادة "الابن الضال"، والأم نزلي (منى الماجري) واقعةٌ في بؤس نظام معيشيّ، وهذا كلّه بعد أن يُعلَّق مصير الابن سامي (زكريا بن عايد) بين موتٍ متوهّم وانغماسٍ ملتبس في خيارٍ يبقى نتاج اضطرابات عديدة يُعانيها (وإنْ يظنّ البعض أنه مقتول في عملية انتحارية). 

لكن "ولْدي" أضعف من مقاربة اضطراب حالة عامة تُصيب الأفراد بتمزّقات خطرة، وتُعطّل الجماعة عن فعل الخروج من خرابها.

العربي الجديد اللندنية في

11.06.2018

 
 

"الحرب الباردة" أوبرا الحنين والحب المستحيل

أمير العمري

فيلم "الحرب الباردة" الفائز بجائزة أفضل إخراج في مهرجان كان السينمائي يمكن اعتباره قصة حب تدور في الزمن المستحيل بين اثنين محكوم عليهما بالفراق.

كان يمكن جدا أن يحصل فيلم “الحرب الباردة Cold War" لفنان السينما البولندي باول باوليكوفسكي على جائزة “السعفة الذهبية” في ختام الدورة الـ71 لمهرجان كان السينمائي، فالفيلم ينتمي لسينما التوهج الفني الذي يخرج عن المألوف، يتمرد على تقليدية السرد، يمزج بين الموسيقى والرقص والأوبرا وأسلوب الفيلم -نوار، وسينما الفن الخالص التي تعتمد على التعبير بالصورة والحركة والإيماءة والصوت والموسيقى، وتخلق إيقاعها الخاص من خلال العلاقات المتشابكة المعقدة المليئة بالمشاعر المضطربة بين شخصيات تمضي عبر السنين، في ذلك البحث المستحيل عن نقاط للتلاقي.

منحت لجنة التحكيم الدولية هذا الفيلم جائزة أفضل إخراج، ولا شك أنه كان يستحق أيضا جائزة أحسن ممثلة لبطلته المتفجرة الموهبة جوانا كوليغ، لكن ليس من المألوف الجمع بين جائزتين لفيلم واحد في المسابقة.

بعيدا عن حديث الجوائز وكلها تقديرية، نحن أمام فيلم لا يشبه غيره من الأفلام. صحيح أن مخرجه يصوره باستخدام نفس الأبعاد التقليدية القديمة للشاشة، أي بنسبة 1 إلى 1.37 بحيث بدا كما لو كانت الصورة محصورة في إطار شبه مربع وهو أسلوب مقصود لإضفاء طابع الفترة التي تدور خلالها الأحداث، كما أنها توحي بالضيق والفوبيا التي تعاني منها الشخصيات التي تتلصص عليها الكاميرا في لقطات مصورة من زوايا مرتفعة، أو من على مسافة. ويستخدم المخرج أيضا التصوير بالأبيض والأسود تماما على غرار فيلمه البديع السابق (“إيدا”Ida 2010).

يمكن اعتبار “الحرب الباردة” قصة حب تدور في الزمن المستحيل، بين اثنين محكوم عليهما بالفراق. طرفا القصة هما “فيكتور” و”زولا”. فيكتور موسيقار وعازف بارع على البيانو وعاشق لموسيقى الروك، وزولا مغنية شابة تصغره بنحو عشرين عاما تقيم في بلدة صغيرة في الريف البولندي. الزمن: أواخر الأربعينات أي في وقت كانت بولندا لا تزال تتعافى من مصائب الحرب العالمية الثانية. كانت الدنيا كلها مازالت بـ”الأبيض والأسود”، وجاءت السلطة الشيوعية الجديدة تبحث عن إرضاء ربيبتها موسكو والتقرّب إليها عبر الفن.

يذهب فيكتور التابع لمؤسسة رسمية تتبع بدورها الحزب الحاكم، يبحث عن المواهب الجديدة ويستلهم من الموسيقى الشعبية (أي الأغاني التي تغنيها الجماهير الكادحة في الريف)، وهناك في إحدى المدارس تقع عيناه على “زولا” ولا تفارقها أبدا منذ تلك اللحظة الخاصة جدا في تاريخه الشخصي. زولا موهوبة في الغناء دون شك. لكن فيكتور يريد منها أكثر من الغناء. يريد قلبها له وحده، ويريد أن يصنع منها نجمة في عالم الغناء. وهي تملك الموهبة ونزعة واضحة للتمرد وجمالا من نوع خاص. إنها رغم مظهرها الناعم، يردد الجميع أنها قتلت أباها. وستكشف زولا هذه الحكاية لفيكتور في ما بعد، عندما تخبره بأن القصة مبالغ فيها، فالأب لم يمت فقد قامت فقط بتلقينه درسا قاسيا عندما خلط بينها وبين أمها!

تمضي العلاقة العاطفية الملتهبة بين الاثنين، لكن هناك جبل من الثلج يقف في ما بينهما. ربما يكمن في الأصول الطبقية، في الميول الشخصية، في الرغبة الدفينة لدى فيكتور في “الخلق” و”التشكيل” و”استحضار الموهبة”، بينما تنزع زولا إلى الاستقلالية، تجنح إلى التمرد أي التحرر من كل قيد حتى لو كان قيد الحب.

ستمضي زولا مع فيكتور لتشق طريقها في عالم الموسيقى الأوروبي في الخمسينات. ستفلت معه من الحصار الذي تفرضه السلطة في بولندا على الفنانين، ترغب في تسخيرهم من أجل الدعاية السياسية. وفي بداية الفيلم مشاهد كثيرة تسجيلية لكل هذه الاستعراضات العسكرية والموسيقية الراقصة والمسرحيات الدعائية مع مزيج من المشاهد التي تستوحي من الأغاني والرقصات الشعبية. وخلال العلاقة المتوترة التي تدور بين الحب والفن ودسائس عالم السياسة، تذهب زولا مع فيكتور إلى يوغسلافيا وبرلين الشرقية ثم إلى باريس. في برلين تخطر لفيكتور فكرة اللجوء إلى الغرب، إلى باريس. يتفق مع زولا على أن تذهب معه لكنه ينتظر في الغابة دون أن تأتي. سيذهب وحده لكنه سيعثر عليها بعد سنوات في باريس. لقد تزوجت دبلوماسيا ظل مشغولا عنها دائما، وأصبحت من نجوم عالم أندية الموسيقى.. في عصر الروك.

في بناء متأرجح، يحدث اللقاء. ثم الفراق. وتبدو زولا معذبة في تمزقها الداخلي. ويبدو فيكتور أسيرا لذاته الغاضبة التي لم تجد الراحة في المنفى الاختياري قط. زولا المتقلبة تقرر فجأة العودة إلى بولندا رغم ما تتمتع به في باريس من نجاح. إنها تبدو كما لو كانت تهرب من فيكتور. وفيكتور لا يمكنه أن يفهم كيف يمكن لها أن تفعل. لكن مع مضي السنين سيعقد هو أيضا اتفاقا للعودة ولكن سيتعيّن عليه أن يدفع الثمن.

إنه الحب المستحيل في حقبة مليئة بالاضطرابات، بالقلق، بغياب الحدود الواضحة بين الذات والعالم، فما هو العالم، وما موقعنا منه بالضبط؟ ليس من الممكن القول إن ما نسقطه من تساؤلات حول الفيلم هنا هي تساؤلات واضحة كل الوضوح بين ثنايا الفيلم، فسيناريو باوليكوفسكي يتعمد إحاطة الموضوع وشخوصه بأكبر قدر من الغموض، فلا نستطيع أن نتبيّن سر الأزمة القائمة أو سبب ذلك الجدار الثلجي البارد الذي فرض نفسه بين فيكتور وزولا.. وهل “الحرب الباردة” هي فعلا القائمة، الحرب المستمرة طوال الوقت بين الاثنين.

هناك قدر من الغموض الدرامي المثير الساحر والضبابية التي تخفي أي تفسير للدوافع التي اعتاد عليها المتفرج، لتلك اللقاءات والافتراقات الممتدة عبر نحو عقدين من الزمان ويحدث الانتقال في الزمن أحيانا داخل اللقطة الواحدة والمشهد الواحد، وأحيانا من خلال فواصل من اللقطات السوداء يستخدمها باوليكوفسكي بين المقاطع المختلفة، مع التعليق عن هذا الشجن الحزين من خلال الموسيقى والأغاني التي تنتمي إلى الفترة. إن شريط الصوت في “الحرب الباردة” يصلح وحده عملا فنيا خلابا قائما بذاته. ولا شك أنه اقتضى الكثير من البحث والتدقيق في تراث عهد كامل ثم إعادة توليفه في سياق بصري شديد الجاذبية.

في الفيلم اهتمام كبير بالتكوين، بتوزيع الكتل والضوء، بالتركيز على اللقطات القريبة، ثم الابتعاد عنها فجأة إلى اللقطات العامة.. مع رصد “زولا” من كل زاوية. إنها في بؤرة الصورة وبؤرة الفيلم، ويشعر المتفرج رغم ابتعاد الفيلم عن المبالغات العاطفية، بالرغبة في معرفة سرّ أزمتها وتمزقها ولماذا قررت أن تدمر قصة حبها على نحو ما فعلت، وكيف أقدمت على العودة إلى بلادها وهي تعلم أنها لن تكون حرة كما كانت في باريس، وما سرّ تلك الروح المعذبة القلقة التي يخفي جمالها الخاص، جرحا داخليا عميقا.

ولعل ما يجعل من شخصية زولا العصب الحقيقي الذي يدور الفيلم من حوله، الأداء الرفيع للممثلة جوانا كوليغ صاحبة الموهبة الخاصة في الغناء والتمثيل. إنها تبدو بحركتها الدائمة، بقلقها وتوترها واقترابها ثم ابتعادها البطلة الوحيدة المعذبة في أوبرا الحب المستحيل.

باول باوليكوفسكي يهدي فيلمه إلى والديه اللذين عاشا تلك الفترة. وهو يطلق على الشخصيتين الرئيسيتين اسمي والديه أي فيكتور وزولا. لكن باوليكوفسكي الآن في الثانية والستين من عمره، وقد جاء للإقامة في لندن منذ أن كان في الرابعة عشرة، وقد تعلم صنع الأفلام من دون أن يدرس السينما، بل من خلال تصوير الأفلام التسجيلية التي بدأ في إخراجها في أوائل التسعينات. ورغم أنه أخرج أفلاما يمكن اعتبارها “بريطانية” أو “أوروبية” إلا أن شهرته الكبيرة تحققت مع فيلمه البولندي الأول الكبير “إيدا” الذي مضى ليحصل على الأوسكار، ثم “الحرب الباردة” الذي نال جائزة الإخراج في كان.

كاتب وناقد سينمائي مصري

العرب اللندنية في

10.06.2018

 
 

"شجرة الكمثرى البرية" لجيلان: عمق أدبي

محمد هاشم عبد السلام

عقب عرض فيلم "شجرة الكمثرى البرية" في المُسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي، توقّع كثيرون فوزه بجائزة "السعفة الذهبية"، فينضم مخرجه نوري بيلج جيلان (1959) إلى قائمة المخرجين الحاصلين على الجائزة الأولى هذه أكثر من مرة. لكن لجنة التحكيم، برئاسة الأسترالية كايت بلانشيت، خيَّبت الآمال، إذْ لم ينل الفيلم ومخرجه أي جائزة، رغم جدارته واستحقاقه جائزة واحدة على الأقل، نظرًا إلى مستواه الفني الرفيع. 

كما في أعمال كثيرة سابقة له، تحضر الروح الأدبية بشدّة في جديد نوري بيلج جيلان. المخرج غير مُتكلّف نهائيًا في علاقته بالأدب، إذْ يتضح ـ مع كلّ جديد له ـ الارتباط الشديد لأعماله به. هو نفسه لا يتبرّأ من هذه العلاقة، ومن تأثّره بأنطون تشيخوف. في "شجرة الكُمثرى البرية"، يتجلّى تأثّره به بوضوح وصراحة، إذ إن بطله سنان (أيدين دوجو ديميركول)، الروائي الناشئ، يُحاول شقّ طريقه الأدبي، وطبع أول أعماله. ورغم هذا التناول الصريح، لم يطغَ الأدبيّ على السينمائيّ. فجيلان حرفيّ في المزج بين الأدبيّ والتشكيليّ والسينمائي. إنه مُخرج يُفكّر ويكتب أدبيًا، ويتخيّل بصريًا، ثم يُبدع ويُنفِّذ سينمائيًا. 

بخلاف التأثير التشيخوفي على أعماله، البارز في حوار فيلمه الأخير على نحو لافت، يُمكن التأكيد على أن حبكة "شجرة الكمثرى البرية" جنحت كثيرًا نحو أعمال فيودور دوستويفسكي، نظرًا إلى العلاقة القائمة بين سنان ووالده، والقريبة من التكوين البنائي لـ"الإخوة كرمازوف". أما شخصية سنان بحدّ ذاتها، فتستدعي إلى الذهن إحدى الروايات الصغيرة والمبكرة لدوستويفسكي، "نيتوشكا نيزفانوفا"، وتحديدًا شخصية زوج الأم يافيموف، الذي يُعاني عقدة نقص مُدَمِّرة، مَرَدّها بالأساس شعوره بأنه أعظم عازف كمان، وإدراكه لاحقًا أنه لا شيء. يستدعي سنان تلك الشخصية بكل عُمقها الأدبي، وطموحاتها ونرجسيتها وانكساراتها وخيباتها. وعلى هذا الوتر، ينسج جيلان فيلمه، وفي ذهنه مقولة دوستويفسكي في رسائله: "أفضل طريقة لسحق إنسان وتعذيبه بوحشية، إعطاء عمله خاصية انعدام الجدوى إلى حدّ العبث". 

هذا هو الموضوع الأكثر هيمنة على "شجرة الكُمثرى البرية": انعدام الجدوى إلى حدّ العبث. طبعًا ليست هناك لحظات صراع درامية كبرى، بل انتفاء المآسي والفواجع وانعدام أي ميلودرامية، رغم ما يتّقد تحت السطح من فوران هائل يجيش في صدور الشخصيات الأساسية، وعلى رأسها سنان، المتخرِّج حديثًا من "كلية الدراسات الأدبية"، والعائد ـ في بداية الفيلم ـ إلى بلدته الريفية "تشان"، حيث تعيش أسرته. 

في الفيلم، أيضًا، تيمات عديدة ومعروفة عند جيلان: التوترات الأسرية، والتناقض بين العادات الريفية والحضرية، والصدق مع النفس والآخرين، وشقّ الفرد لمساره في الحياة، ومعرفة المرء ما يريده ومدى صوابيته وتحمل مسؤوليته. بالإضافة إلى مُشكلات وجودية واجتماعية ودينية وسياسية. هذه المفردات كلّها وغيرها أيضًا، تناولها "شجرة الكمثرى البرية" بعمق، وتطرّق لها الحوار بتفصيلٍ دقيق، لكن من دون تحذلق أو تثاقف أو إثقال أو تعقيدٍ على المُشاهِد، بل بضربات فرشاة مُجرّدة هنا وهناك من فنان مُتمكّن. أصاب جيلان أهدافه بكلّ سحر وذكاء، وإنْ لم تخلُ ضرباته من نبرات ضمنية مُحمّلة بالسخرية المريرة، وربما بالتهكُّم الجارح. 

يأمل سنان في جمع ما يكفي من المال لنشر كتابه الأول، الذي يجمع بين المقالات والقصص القصيرة. في الحقيقة، هو نفسه لا يعرف كُنه الكتاب بالضبط، إذْ يقول عنه: "أرغب في كتابة ميتا ـ رواية ذاتية غريبة". أي أنه يجمع بين أكثر من نوع أدبي: الرواية الذاتية، والرواية الغرائبية، والميتا ـ رواية التي لا تستند ـ من بدايتها إلى نهايتها ـ على الخيال، بل تَردّ القارئ إلى الواقع أو المؤلّف، أو إلى موضوع خارج السياق، ثم تُعيدُه مجدّدًا إلى الأجواء أو السياق؛ وغير هذا من ضروب الميتا ـ رواية أو الميتا ـ مسرح، كروايتي "لو أن مسافرًا في ليلة شتاء" للإيطالي إيتالو كالفينو و"مدينة الزجاج" للأميركي بول أوستر، أو مسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للإيطالي لويجي بيرانديللو. المُثير للانتباه أن العمل ـ الجامع هذه الأنواع كلّها، بالإضافة إلى المقالة والقصة القصيرة، الذي يُدشِّن به سنان انطلاقته الأدبية متمنّيًا لها النجاح ـ مُستوحى من كراهيته المُضمرة لمنطقته وسُكانها. 

مُشكلة سنان لا تقتصر على طموحه الأدبي فقط، أو على موهبته أو عدمها، أو على افتقاره للمال اللازم لنشر كتابه الأول، أو على ماهية الكتاب. مُشكلته الأساسية كامنةٌ في شخصيته بحدّ ذاتها، إذْ أنها بالغة التركيب والتعقيد، وغير مُتصالحة مع الأسرة والمجتمع، ولا مع نفسها أساسًا. شخصية تائهة وضائعة، يزيد من عُمق ضياعها علاقتها الشائكة بإدريس (مراد سمشير)، مُدمن القمار والغارق في الديون، الذي أفقر أسرته (زوجته وابنته معتادتان على الانقطاع المُستمر للكهرباء لعدم دفع الفواتير، وعلى الحاجة الدائمة إلى الطعام في المنزل)، والحالم بوهم البئر في بلدتهم. تلك العلاقة المُلتبسة انعكاسية، وإنْ على نحو غير واضح. اللغز فيها يكمن في التكهن بأي واحد منهما انعكاس لعالم الآخر، أو بمن صار قرينًا للآخر وعالمه. فهل أدرك الأب باكرًا أن انهيار عالمه سينعكس على مُستقبل سنان وحياته؟ أم أن سنان هو من أدرك أنه صورة والده، وأنه مُنزلق لا محالة إلى المصير نفسه، رغم مُحاولاته وطموحاته؟ 

بدءًا من الأحاديث اليومية العادية، وانتقالاً إلى الكلام الأخلاقي والديني والفلسفي، فإن "شجرة الكُمثرى البرية" درس شديد البلاغة في كيفية رسم الشخصيات وأبعادها النفسية. لا الشخصيات الرئيسية فقط، بل الثانوية أيضًا. ولأن نوري بيلج جيلان مُولع بالحوار وكتابته، وهو على قدر بالغ التمكُّن من كتابته، جاء حوار فيلمه درسًا في كيفية صوغ مُفردات الحوار، أو وضع الجُمل الحوارية على ألسنة الشخصيات. علمًا انه أكسب الشخصيات الثانوية أيضًا حوارًا عميقًا وذا مصداقية، إلى درجة ارتقائها إلى مرتبة الشخصيات الرئيسية. 

كما أنّ الفيلم برمّته درسٌ سينمائيّ فيما يتعلّق بكيفية تكوين أو تشكيل الكادر السينمائي. من الشائع القول إنه يسهل التحكّم في الفيلم عامة وبتكويناته خاصة، إن تكن غالبية مَشاهِده مُصَوَّرة في الاستديو؛ في حين أن المُعضلة الكبرى كامنةٌ في التصوير الخارجي، أي تحدّي الطبيعة. في "شجرة الكُمثرى البرية"، يصعب كثيرًا لمس الفارق بين التصويرين الداخلي والخارجي وتكويناتهما. فالإحكام والإبداع والجمال أمورٌ سائدة ومُشتركة بينهما. هذا من الدروس البليغة لنوري بيلج جيلان، بالإضافة إلى دروسٍ أخرى تظهر في سياق الفيلم، ومنها مثلاً أنه رغم طول مدّته (188 دقيقة) فهو ليس بطيئًا ولا مُملاًّ أبدًا. 

والدرس الأكبر مرتبطٌ أساسًا بكلّ ما هو بصريّ. لذلك، تمّ اعتماد وصف تكوين الكادر بـ"التشكيلي". إذْ يندر جدًا أن تجد في كادر خارجي أو داخلي خللاً ما، أو انتفاءً لجمالية تكوين معيّن، أو انعدام تكوينٍ لافت للانتباه. تستوي في ذلك مشاهد الصيف، حيث يغلب التصوير أثناء الشفق، ومشاهد الشتاء، حيث البرد القارص وهطول الثلج وسيادة السُحب الرمادية الداكنة، أو توزيع الإضاءة وثراء الألوان في المَشاهِد الداخلية. 

هذه الكادرات تُعتَبر فعليًا لوحات فنية لا تقلُ جمالاً عما أبدعه فنانون انطباعيون تحديدًا، كإدوارد مانيه وكلود مونيه وفان غوغ وبول سيزان. مع التكوينات التشكيلية للفيلم، يكاد المُشاهد يلمس على الشاشة عناصر الطبيعة كلّها، بألوانها المُختلفة: أوراقٌ وأشجارٌ ورياحٌ وسُحبٌ وثلوجٌ وضوء. تنبهر العين لفرط الجمال المرصود والتناسق المُحكم. كأن جيلان يتحكَّم بالطبيعة، ويُطَوِّعُها كما يشاء. إلى ذلك، لا تغفل العين عن مدى تناسق أزياء الشخصيات، وخلقها لسيمفونية من الاتساق اللونيّ والتناغم البصري مع ما حولها في الكادرات. 

يصعب على المُشَاهِد ـ مع بعض التحفّظ على طول مدّة الفيلم، وبعض الثرثرة أحيانًا ـ أن تفارقه شخصية سنان المُتضخّمة الذات والتائهة والمُتخبّطة؛ وأيضًا شخصية الأب بإحباطها وانسحاقها وعدميتها. كما يصعب نسيان مواقف وجُمل حوارية استطرادية. وقبل هذا كله، هناك الجماليات المشهدية، التي تفنّن السينمائي التركي في تكوينها مع مُصوّره الأثير جوخان تيريياكي. 

أمثلةٌ على ذلك: مشهد الحبيبة الخاضعة لمؤسّسة الزواج التقليدية، والقُبلة المتحوّلة إلى عضّة لشفتيّ الحبيب (سنان). تَعَرُّف سنان على الأديب، ومشهد مُلاحقته له بعد انقلاب المُحادثة بينهما كلّيًا، من دون أن تخلو من أسئلة أدبية وفلسفية عميقة. مَشاهد الضباب الكثيف وهطول الثلج، بجمالياتها المتنوعة. المشاهد المُتخيّلة والأحلام، كمشهد طفلٍ يُغطّيه النمل الذي يسير على وجهه ويدخل فمه وأنفه، أو مشهد الانتحار على غُصن شجرة الكُمثرى. هناك أيضًا أحد أقوى مشاهد الفيلم وسينما جيلان كلّها، حيث البئر وتساقط الثلوج وحلم الأب بالانتحار، وهو حلم مُتخيّل لسنان. هذه كلّها وغيرها ستبقى طويلاً في الذاكرة، لروعتها وفنّيتها.

العربي الجديد اللندنية في

13.06.2018

 
 

قلب الجمهور لا يقوى على تحمّل عنف "فون ترايير"

يارا نحلة

حذّرنا المخرج الدنماركي لارس فون ترايير، أثناء تصوير فيلمه الأخير The House That Jack Built، أنه سيكون أكثر أفلامه عنفاً. إن تحذيراً من هذا النوع لا بدّ من اتخاذه على محمل الجدّ، فصاحب فيلم Antichrist معروف بقدرته على الاستفاضة بمشاهد ملطخة بالدماء والعنف.

فمن شاهد Antichrist ما كان ليتخيل أن المخرج سيتجرأ، من بعده، على رفع مستوى العنف الذي أرساه بمشاهدٍ دموية تصل إلى حدّ التعذيب الذاتي وبتر الأعضاء التناسلية. لكن في مهرجان "كانّ"، حيث عرض الفيلم مؤخراً، نجح فون ترايير مرة جديدة بالتفوق على نفسه وتجاوز توقعات الجمهور. أما النتيجة، فكانت خروج مائة مشاهد من صالة العرض قبل انتهاء الفيلم، وذلك لعجزهم عن إحتمال مشاهد الفيلم القاسية.

أوصاف عديدة استخدمها المشاهدون لوصف الفيلم منها "مقرف"، "منحطّ" و"مثير للغثيان". حتى إن أحد النقّاد غرّد بأنه كان "من الأفضل لو أن هذا الفيلم لم يصنع". كتبت صحيفة The Telegraph بأن الفيلم هو عبارة عن "ساعتين ونصف الساعة من البورنو الحافل بالتعذيب"، وعلّقتThe Guardian بأنه "مصيبة شنيعة وباعثة للإنهاك والغضب". حتى أن أحد الصحافيين سأله، بعد إنتهاء الفيلم، إن كان يتناول أدويته.

إن مشاهد العنف والتعذيب مبرّرة في سياق فيلم الرعب السايكولوجي الذي يتتبع قصة قاتل متسلسل هو جاك (يلعب دوره الممثل مات ديلون)، الذي يبتكر طرقاً مروعة لقتل ضحاياه وتشويههم على مدى 12 عاماً. لكن فون ترايير لم يكن بحاجة لموضوعٍ كهذا كي يعبّر من خلاله عن ميوله السوداوية التي تلامس ميدان السادو-مازوشية. فهو عرف في أفلامه السابقة بأسلوبه الدرامي القاسي والباعث على الميلانكوليا والاضطراب، الذي يتجلّى في "ثلاثية الإكتئاب".

كما يُزعم أن عروض فيلم Antichrist شهدت هي الأخرى انسحاب الجمهور من صالات العرض، بالإضافة إلى حالات إغماء وقيء. أما عن فيلمه الجديد، فقد قال المخرج بأنه "يحتفي بفكرةٍ مفادها أن الحياة شريرة ولا روح لها". وكأنه كان يستبق ردّات الفعل الحانقة، أورد فون ترايير في الملاحظات المعدّة للصحافيين، بشيءٍ يشبه التبرير: "لقد أمضيت سنواتٍ طويلة في صنع أفلام عن نساء طيبات. اليوم، صنعت فيلماً عن رجلٍ سيئ".

أما أثناء كتابته للفيلم، فقد أشار المخرج إلى أنه يمرّ في أوقاتٍ عصيبة بسبب صراعه مع الإكتئاب، ما جعله يمضي أشهراً في سريره من أجل كتابة السيناريو، هذا بالإضافة إلى معاناته من الإدمان على الكحول. فوصف فترة التصوير بأنها "كانت حافلة بالقلق والإفراط بالشرب".

لكن بصرف النظر عن أسلوب فون ترايير السينمائي وفلسفته السوداوية، فهو لطالما كان محباً للجدل وجاذباً له. فخلال مشاركته الأخيرة في مهرجان "كانّ" في العام 2011، أطلق دعابة حول تعاطفه مع هتلر، ما أدّى إلى إدراجه ضمن خانة "الأشخاص غير المرحّب بهم"، واستبعاده عن المهرجان لمدّة سبع سنوات.

وحين عاد فون تراير إلى "كانّ"، رُحب به بمغادرة جماعية لصالة العرض. إلا أن المخرج المشاكس، الذي تقصّد على الأغلب إثارة ردّة الفعل هذه، لم يشعر بأي حرج أو إنزعاج، بل "بالراحة القصوى" بحسب ما صرّح في مقابلة مع Cineuropa. حتى أنه يخشى "ألا يكون الجمهور قد كرهه بالقدر الكافي".

إلا أن لإنسحاب الجمهور من الفيلم بعداً أخلاقياً يتعدّى الصدمة النفسية أو عدم القدرة على تحمّل مشاهد العنف الصارخة. فالجمهور المتمثّل بمجتمع كانّ "الراقي" أراد بحركته هذه التعبير عن موقفٍ أخلاقي وفكري رافض للعنف كممارسة سينمائية وفنية. إنها "أناقة" "كانّ" في مقابل "شناعة" فون ترايير وأساليبه غير المتوافقة مع النظم الأخلاقية لمجتمع البرج العاجي، من نكاته النازية إلى مزاعم ممارسته التحرّش الجنسي.

فالعنف ليس بالأمر الجديد على السينما. لكن، ما كان ينظر إليه كجمالية فنية، أصبح اليوم يقابل بحاجبين مقطبين. فون ترايير نفسه إعتاد المنافسة على الجوائز القيمة للمهرجان، أما اليوم فهو كاللاعب الذي يجلس على مقعد الإحتياط، ليعرض فيلمه على هامش المهرجان دون المشاركة في المنافسة.

ليست هذه الحادثة سوى مؤشر على إتجاه الشرطة الأخلاقية إلى مزيدٍ من الرقابة السينمائية. لو كان لهذه الموجة الأخلاقية أن تضرب الوسط السينمائي خلال عقودٍ سابقة، ما كنّا لنشهد على رائعة A Clockwork Orange لستانلي كيوبرك، وما كنّا لنرى إبداع كوينتن ترنتينو أو عبقرية مارتن سكورسيزي. بإختصار، كان قسم كبير من السينما سيختفي لو أن المجتمعات السينمائية السابقة قد تبنّت قواعد عصرنا الصارمة. "لقد نكّل بجثث الأطفال فيما كنّا نجلس بملابسنا الرسمية"، اشتكى أحد الصحافيين الذي يحيا في عالمٍ غير ذلك الذي تغزو نشراته الإخبارية جثث أطفال حقيقية.

المدن الإلكترونية في

13.06.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)