كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الإيراني فرهادي يغوص في الخفايا العائلية لبيئة إسبانية

إبراهيم العريس

كان السينمائي الدولي

الدورة الحادية والسبعون

   
 
 
 
 

في النهاية وبعد انتظار طويل وسجالات ومناكفات وتخمينات، أعلن مارتن سكورسيزي وكيت بلانشيت الافتتاح الصاخب للدورة الجديدة لمهرجان «كان» السينمائي، لافتين إلى أننا هنا أمام المهرجان الأكبر والأهم في حاضر السينما العالمية. ولئن كانت حفلة الافتتاح قد أعطت مرة أخرى ببهرجها وصخبها وأناقتها والتشديد الأمني من حولها، نغمة «الغلامور» التي تطغى عادة على هذا المهرجان وتجعله مهرجان نجوم قبل أي شيء آخر، فإن الخطب والمناخات التي سادت في أجواء الاحتفال العالمي الضخم بدت شيئاً مختلفاً إلى حد ما: فالأولوية هنا للقضايا الكبرى، ولا سيما للقضيتين الكبيرتين اللتين تشغلان عالم الفن السابع اليوم؛ غياب نتفلكس بعد حضورها المذهل في العام الفائت، والتحرش الجنسي الذي بات قضية القضايا! أما من ناحية الأفلام ذاتها، العنصر الأساس في المهرجان والذي يُنحى جانباً أمام الصخب الإعلامي، فها هو فيلم الإفتتاح يعطي الإشارة: فيلم إسباني من إخراج مبدع إيراني وتمثيل نجوم عالميين. فيلم يمكن القول إنه عن السينما بالنظر الى التحيات التي يوجهها مخرجه فيه إلى أساتذة سابقين له من هتشكوك إلى برغمان ومن فريتز لانغ إلى بيدرو المودوفار.

سينما تغتذي من ذاتها

إذاً مرة أخرى يأتي فيلم سينمائي معاصر وكلاسيكي في الوقت نفسه ليقول كم أن السينما قادرة على أن تنهل من ذاتها وكم أنها تصر على أن تكون فنا كوزموبوليتيا، وكم أن اللغة نفسها لا يمكنها أن تكون حاجزاً أمام الصورة حين تلعب دورها. قد يكون من حق نقاد كثر ألا يعتبروا «الكل يعرف» واحداً من أهم وأجمل أفلام أصغر فرهادي مفضلين عليه حيناً «عيد النار» وحيناً «بصدد إيللي» وطبعاً «انفصال»، ولكن من الصعب الاحتجاج- كما فعل البعض- على جعله فيلم الافتتاح. فهو بعد كل شيء فيلم سينمائي بامتياز منذ مشهده الأول في عليّة الكنيسة حيث الغبار والجرس والوعد بحدوث شيء غامض ما، إلى مشهده الأخير حين تدعو الأخت الكبرى في العائلة زوجها فرناندو كي تخبره بما تعرف عن الجريمة ومقترفيها داخل البيئة العائلية... فلا نسمع ما تقوله فيما تختفي الصورة تدريجياً وينتهي الفيلم. المشهدان صامتان وواعدان بحدوث أشياء لن نعرف عنها كثيرا لكننا نخمنها، انطلاقاً من حضورها «خارج الكادر» ونعرف أن هذه خاصية سينمائية اشتغل عليها فرهادي هنا بحذق مثالي. ولكن ليقدم ماذا من خلالها؟ مؤامرة عائلية؟ فيلماً سياحياً؟ أمثولة عن الإيمان والكفر؟ عملاً تشويقياً على طريقة هتشكوك؟ بورتريهات نسائية تبدو حينا مستقاة من عالم برغمان وحيناً من عوالم المودوفار؟

نظرة الغريب؟

شيء من هذا كله، في عمل سينمائي نجد فيه أمامنا من جديد مخرجا من خارج إسبانيا يلقي نظرة ما على عمق أعماقها الريفية، كما سبق أن فعل من قبله وودي آلان- من دون كبير نجاح- في «فيكي كريستينا برسلونا» (مع نفس النجمين اللذين يستخدمهما فرهادي هنا، الزوجين بينيلوبي كروز وخافيير بارديم)... وفي ظل أجواء تشبه ما كان صوّره المودوفار- بروعة- في «العودة»- ووسط غموض يدين كثيراً لأنطونيوني- في «المهنة مخبر»-. لكن فرهادي اشتغل على هذه الخلطة ليحقق عملاً يبدو في حبكته مشابهاً لحبكة «بصدد إيللي»: صبية تختفي بطريقة غامضة وسط احتفالية ما وفي الوقت الذي يتحول البحث عنها الى لعبة تشويقية تحبس الأنفاس، يكشف الحدث أخلاقيات المجتمع وتتوالى الخبطات واحدة تلو الأخرى وتسود البارانويا وينكشف التفكك العائلي... لكن هذا كله، وكما اعتادت الأمور أن تكون لدى فرهادي... يتطور بالتدريج بعد دقائق طويلة يستعرض فيها المخرج شخصياته وسط مناخ من التفاهم والسعادة حتى لحظة المأساة.

في هذه اللحظة بالتحديد، وبسببها، ينكشف هنا ليس فقط مقدار الهشاشة التي تعيشها الشخصيات، بل أكثر من هذا: مقدار خديعة الذات التي تعيشها هذه الأخير ومقدار إلحاح الماضي على أن يكون حاضرا دائما يعود من حيث لا يتوقع أحد، وحجم الأكاذيب التي نسيّج بها حياتنا معتقدين اننا محصنون دون انكشافها حتى لحظة نُجبر فيها على دفع الثمن. هنا في خلفية حكاية تبدأ كاحتفال عائلي بعرس تأتي الشخصية التي تلعبها بينيلوبي كروز (لاورا) من الأرجنتين حيث تعيش مع زوجها آليخادرو، تأتي برفقة ولديها بعد غياب عن عائلتها ولا سيما عن باكو، حبيب صباها، لتستعيد الأجواء العائلية التي باتت بعيدة في الماضي، لكن ابنتها تُختطف كما كان حدث لطفلة قبل ذلك بسنوات في منطقة غير بعيدة ( في أحد مشاهد الفيلم نرى يدا بقفاز تفطع مقالات صحفية من جرائد قديمة تتحدث عن تلك الجريمة ما يمهد لحدوث الجريمة الجديدة). صحيح اننا مع توقف العرس والشروع في البحث عن الفتاة ننتقل الى عوالم آغاثا كريستي و»من إقترفها؟». بيد أننا لا نلبث أن ننتقل إلى عوالم برغمان والأسرار العائلية، ولكن أيضاً إلى عوالم البارانويا على طريقة تشيخوف حيث تبدأ الظنون تحيط بالجميع. والبشاشة التي كانت تسود خلال الثلث الأول من الفيلم تتحول إلى تجهم وتبادل كراهيات. والعلاقات الزوجية تبدو بالتدريج وكأن ضربة صاعقة أصابتها ولا سيما بالنسبة إلى باكو الذي كانت حياته مغطاة بالسعادة مع زوجته الحسناء، وبالثراء مع كروم العنب التي يملكها ويحول منتوجها الى نبيذ يعتبر من خبرائه المحليين، فإذا بالماضي يزوره الآن بقسوة ولكن بشيء من السعادة الغامضة أيضاً. ولكن كذلك على الأرجح بالنسبة إلى لاورا نفسها التي بعدما كان الجميع يعتقد أنها تعيش في سعادة مع زوجها الثري في الأرجنتين تتكشف حقيقة أوضاع زوجها المفلس. فجأة لا يعود ثمة شيء من تلك السعادة. لكن الخبطات المسرحية ليست هنا فقط. هي حتى في صلب ماهية الشخصيات نفسها: من هو من؟ في الحقيقة. ولعل آية ذلك، السؤال الذي تطرحه الإبنة المخطوفة على أبيها وقد أدهشها أن باكو هو الذي أتى ليخلصها من خاطفيها...

لدى أصغر فرهادي الذي يبدع هنا، كعادته، في إدارة ممثليه، كما في «إدارة متفرجيه» كما قد يقول هتشكوك، إذ يحبس أنفاسهم طوال ما يقرب من ساعة يدور خلالها الجزء الأساسي من الحكاية (ولكن هل تراهم سيتنفسون الصعداء بعد ذلك؟ سؤال مشروع بالنظر إلى أن «الجميع يعرفون» هو من الأفلام المقلقة التي لا تُنسى بسهولة، وبالنظر الى ان العائلة التي صورها الفيلم هنا يمكن أن توجد في كل مكان وفي أي مكان بسعاداتها الهشة وأكاذيبها الغامضة وماضيها الذي يعود دائما، أفلم نقل أول هذا الكلام أننا أمام فيلم كوزموبوليتي بامتياز؟ وألم نستعد فيلما شديد الإيرانية لفرهادي هو «»بصدد إيللي» في حديثنا عنه؟). والحال ان هذا الفيلميكشف ما لدى فرهادي من قدرة على استخدام الصورة بشكل انسيابي (مشهد العرس الذي خدم في تحديد الشخصيات) لكنه يتميز عن كثر غيره من كلاسيكيي هذا النوع بقدرته أيضا على جعل صورته إيحائية أكثر منها تفسيرية: نظرة من هنا، إشارة من هناك، تبادل نظرات يقطع بعده تاركا لمتفرجه أن يعيد إختراع المشهد، وصولا الى جعل تلك الإيحائية خاتمة للفيلم. وهو بهذا يغوص في جوهر السينما كصورة، وربما يتخلص في طريقه من عبئين كان من شأنهما أن يكبلا مخرجاً أجنبياً آخر يعمل في بيئة غير بيئته: عبء اللغة التي ما عادت مهمة بالنسبة اليه على رغم الإفراط في استخدامها؛ وعبء نجومية أبطاله الذين عرف في نهاية الأمر كيف يسيطر عليهم وحتى في بيئتهم نفسها. وليس هذا بالأمر الهيّن كما نعرف. فهل تكون السعفة الذهبية في انتظاره؟ بصراحة قد لا يكون الفيلم في حد ذاته جديراً بها تماماً... ولكن ربما تكون لمكافأة الجهود المزدوجة التي بذلها في عمل لا شك في أنه كان من أصعب ما حقق حتى الآن.

####

وصل ستون إلى طهران فهل يصل جعفر باناهي إلى «كان»؟

ندى الأزهري

تبدأ الحكاية في طهران، ولا نعرف كيف ستنتهي هذه الأيام في «كان» في الجنوب الفرنسي. هذا إذا كان سيقيّض لها أن تصل الى تلك المدينة الساحرة، فالبداية كانت على أي حال في مهرجان فجر السينمائي الذي أقيم قبل فترة في العاصمة الإيرانية ليتمكن من تجميع عدد من سينمائيي العالم. وكان من بينهم أوليفر ستون أيضاً حتى وإن كان لحكايتنا اسم إيراني كما سنرى بعد قليل! فنحن سنبدأ هنا بالمدعو الأميركي الذي استقطب كل الأضواء ومعظم الأحاديث، في طهران تماماً كما نتوقع أن يستقطب زميله الإيراني جعفر باناهي الأضواء وبعض الأحاديث في المهرجان الفرنسي.

صحيح أن الممثل الفرنسي السبعيني جان بيار ليو ومخرج الأفلام الوثائقية الأشهر الكمبودي ريتي بان والمصورة والمخرجة الوثائقية الأولى في ايطاليا والتي كتب لها بازوليني نصوص أفلامها التسعينية الإيطالية سيسيليا مانييني... كانوا كذلك ضيوفاً خاصين في دولة الملالي، لكن ستون كان النجم حقاً بخاصة انه تفرّد بالإشادة بحرارة الإيرانيين وحسن ضيافتهم واستقبالهم المدهش، السينما إذا بالفعل «تتحدث لغة واحدة» كما استنتج. إنما على ما يبدو لغته هو فقط. فقد اعترف أنه لا يعرف شيئاً يذكر عن السينما الإيرانية، وكي لا يقع في الإحراج أعلن في مؤتمر صحافي نظمه له المهرجان أنه شاهد حوالي دزينة من الأفلام الإيرانية لكنه لا يذكر عناوينها ولا أسماء صانعيها! لذلك- تابع ضاحكاً- من المستحسن عدم سؤالي عنها! تساءل عمن يكون «هذا» حين سئل عن جوائز المخرج الإيراني أصغر فرهادي! أما عندما أثيرت قضية جعفر بناهي فقد علّق سمعت «عنها» ويقصد هذه السينمائية! ثمّ بعد أن قيل له أنه «هو» وليست «هي»، رد بأنه مع الحرية وضد القيود، وأن «الأمن الوطني» ذريعة دائماً للمنع حتى في الولايات المتحدة وأنه توجد اليوم الرقابة الاقتصادية التي تمنع السينمائي أيضاً من تحقيق فيلمه إن لم يتناسب مع المطلوب.

ما نعرفه عن صعوبة اختراق السوق الأميركية أكده حديث ستون فأميركا «فخورة جداً بنفسها وبسينماها وغالبية الأميركيين لا يحبون قراءة الترجمة وهم منعزلون ولا جواز سفر لديهم حتى...»، لا حظّ للأفلام الأجنبية إذا بدخول أميركا؛ «فالأفلام الفرنسية لم تتمكن من هذا، كيف بالإيرانية؟!» تساءل ستون الذي تحدث كذلك عن السينما المملة وسينما المهرجانات وأن على صانع الفيلم أن يجعله ممتعاً وجذاباً ومتوتراً أقصى ما يستطيع.

وحين أثيرت مسألة تأثير السياسة في الجوائز في بلد كالولايات المتحدة قال ستون أنه ليس خبيراً في الأمر، «ولكن هناك الكثير من التأثير السياسي». لا بد للسياسة أن تدس بأنفها مع مخرج من نوعية ستون، هو الذي حقق أفلاماً وثائقية عن شخصيات عامة مثل بوتين وكاسترو وتشافيز و... نتنياهو. ستون ينتبه جيداً للترجمة، وحسّه السياسي كان يقظاً جداً خلال المؤتمر، فهو لحظ فوراً أن المترجم أسقط (سهواً؟) اسم الأخير في الترجمة، فذكّره: «نتيناهو» أيضاً! وكي لا يصدم قال صنعت فيلماً عن عرفات كذلك! وأنه قد يفكر يوماً بعمل فيلم عن شخصية سياسية إيرانية. فانجاز الفيلم الوثائقي هو استراحة من صنع الروائي واستجمام بالنسبة إلى ستون وإصغاء للناس الحقيقيين، وحروب المنطقة تستأهل فيلماً وثائقياً لا روائياً كي يحيط بها. هاجم المخرج الأميركي السياسة الأميركية في العراق وغيرها فهي تمارس «التخريب الخلّاق» في العالم!

للحكاية جانب آخر

هذا عن أوليفر ستون، فماذا عن جعفر بناهي، صاحب حكايتنا الأصلية والأهم هنا؟

بناهي الذي يشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان «كان» الذي افتتح أعماله قبل أيام، ما زال نظرياً على الأقل ممنوعاً من صنع الأفلام في إيران على الرغم من أنه لا قرار حقاً أو حكم صدر بذلك وأنه صنع أربعة أفلام لغاية اليوم رغم المنع، وما زال يقال أنه تحت الإقامة الإجبارية على الرغم من أنه يتنقل كما يشاء في بلده، وما زال ممنوعاً من مغادرة البلد على الرغم من...

حين التقيت به في دعوة خاصة، كان يبدو منشرحاً وسألته إن كان ممنوعاً من الحوار مع الصحافة، فردّ مبتسماً «على كل ليس ممكناً لي إجراء أي مقابلة أو الإدلاء بأي تصريح الآن»! مدير مهرجان «كان»، حيث سيعرض فيلمه. حظّر عليه الإدلاء بأية تصريحات أو عرض الفيلم على أي كان قبل المهرجان. أيضاً أضاف أن هذا قد يؤثر في مداولات كانت تجري في بلده للسماح له بمرافقة فيلمه إلى «كان»! أقاويل تتردد هنا وهناك حول بناهي دائماً، هو مبتهج بكل ما يحيط بشخصيته من اهتمام. ناقد سينمائي إيراني معروف أخبرني أنه حين سمع بمشاركة فيلم بناهي في «كان» اتصل به ليهنئه «بالفوز»! بالطبع قبل أن يحصل فهو بنظره متوقع وما يتوقعه كذلك أن بناهي لن يذهب إلى كان حتى لو سُمح له فهذا سيقضي على الهالة المحيطة به وعلى منافع عدة أخرى... ثمة الكثير مما يقال ولا ينشر، «حالة جعفر بناهي هي فخّ محكم، يقول لي، لا نجرؤ على انتقاده وانتقاد أفلامه الأخيرة علناً كي لا يقال أننا ندعم النظام ونؤيد موقفه من بناهي».

لقد كسب صاحب «الدائرة» الكثير في هذه الفترة على ما يبدو وفيلمه «تاكسي» جلب له أكثر من مائتي ألف يورو وهذا مبلغ كبير جداً في إيران. «مهرجان «كان» منح بناهي البطولة ووضعه مربك فلا قرار محكمة في حالته ويمكنه صنع فيلم في تلك الحالة فهو لا يصنع شيئاً غير قانوني أنه في منطقة «رمادية» يقول لي الناقد. لكنه لا يستطيع المغادرة هذا مؤكد. وصحافة النظام تواجه كل هذا بالصمت باستثناء صحيفة «كيهان» الموالية للسلطات العليا والتي هاجمت مهرجان كان منذ أُعلن انه سيفتتح دورته بفيلم للإيراني أصغر فرهادي ويشرك فيلم جعفر باناهي في المسابقة.

استفزاز متواصل

المهرجان يستفز النظام الإيراني حتى مع أصغر فرهادي... ولكن ماذا عن صاحب الافتتاح فرهادي؟ «فرهادي ليس إيرانياً اليوم. هو الآن عالمي يعتبر الناقد». أمرٌ جيد أم لا للسينما الإيرانية؟ «لا ليس جيداً لأنه إيراني ولكن سينماه لم تعد إيرانية، سيتمكن قريباً من عمل فيلم في الولايات المتحدة. لا أحد لديه مشكلة لصنع أفلام هنا هذا فقط في عقول الغربيين والنظام يفضّل القول أنهم تحت الضغط وأنهم على الرغم من هذا يصنعون أفلاماً. طالما أن الأوروبيين في كان وبرلين يعملون على هذا فستستمر اللعبة من أجل الجوائز!».

أما الراحل عباس كيارستمي «الذي لم نكتشفه إلا متأخرين» كما يقول الناقد، فكل التكريم له، فهو سينمائي كان يبحث عن آفاق جديدة. في نشاط أقيم حول كتاب صدر عن المخرج الفنان «السينما الأخرى، مقالات وحوارات عن ومع عباس كيارستمي» لعماد حسيني، جرى الحديث عن «الاكتشاف المتأخر لكيارستمي في الغرب»، وقال المخرج الإيراني ومدير المهرجان رضا مير كريمي: «علّمنا كيارستمي أن أبطال الأفلام يمكنهم أن يكونوا شخصيات عادية جداً، لا حاجة إلى الذهاب بعيداً، يكفي النظر حولنا».

####

أفلام من «كان»

«صولو: حكاية حرب النجوم»

إخراج: رون هوارد - تمثيل: آلدين إهرنريتش، إميلي كلارك

> عندما أُعلن قبل شهور عن أن هذا الفيلم سيعرض في الدورة الجديدة لمهرجان «كان» ليكون واحدة من «مفاجآته» الكبرى، وضع كثر أيديهم على قلوبهم خشية أن يُفتتح المهرجان به، ما يضفي على الدورة نكهة «غير مستحبة». لكن الأمور انتهت بعرض «صولو» خارج المسابقة عرضاً خاصاً كعمل مثير للفضول يعطي السينما الجماهيرية مكانة متواضعة في أكبر مهرجان في العالم. وهكذا صار الحديث يدور فقط عما يحمله الفيلم. وتبين أنه سيكون نوعاً من التوليف بين أحداث عديدة مستقاة من السلسلة نفسها، ناهيك بأن فيه أحداثاً تحصل تاريخياً قبل أحداث آخر نسختين من الفيلم، بل حتى قبل أحداث النسخة الأولى الأشهر والأقوى التي أطلقت السلسلة في العام 1977. وهذا كل ما عُرف على أي حال في انتظار العرض الكاني.

«أسود الكوكلاكس كلان»

إخراج: سبايك لي - تمثيل: جون دافيد واشنطن، لاورا هارير

لم يغفر سبايك لي لأهل «كان» كونهم لم يتوجوا فيلمه «إفعل الشيء المناسب» بالسعفة الذهبية في العام 1989 وها هو الآن يحاول أن يثأر بفيلم حاول فيه ان يعود الى موضوع العنصرية الأميركية البيضاء ضد الأميركيين من أصل أفريقي، وذلك عبر موضوع لا شك في أنه سيحمل الكثير من التشويق والدلالات بالنظر الى حبكته الغريبة التي تتحدث عن شاب أسود عرف كيف يتسلل الى داخل إحدى حلقات عصابة الكوكلاكس كلان التي كانت تقود التمييز العنصري القاتل ضد السود. ومن طريق هذه الشخصية الجريئة يتمكن الفيلم من معايشة هذه العصابة وأفكارها البائسة، من الداخل متابعاً إياها وهي تعيش حياتها تحت الأقنعة حتى اللحظة التي يُكتشف فيها أمر الشاب المتسلل.

«الصيف»

إخراج: كيريل سيريبريكانوف - تمثيل: تيو يو وآخرين

خلال سنوات الثمانين من القرن العشرين وعشية شفافية الرئيس الروسي غورباتشيف، انطلقت على نطاق واسع في العالم نهضة موسيقية تمزج بين الروك والبوب آتية من مدينة لينينغراد لتعم العالم صاخبة واعدة بفصول صيف موسيقية سوفياتية مدهشة. يومها كانت تلك الموسيقى تبدو وكأنها الجملة الاعتراضية الأقوى في الواقع السوفياتي المزري. وكان النجم الأشهر في تلك الظاهرة المغني فيكتور تسوي. واليوم ها هو هذا الفيلم يعود الى تلك الظاهرة في قالب روائي يدور من حول فصول أساسية، ومعروفة على نطاق العالم كله اليوم، من سيرة تسوي، الذي سيرحل بحادث سيارة في صيف 1990 من دون ان يعايش حصاد ما زرعه هو والمتمردون من أمثاله. أما الفصل المرويّ هنا من سيرة تسوي فيدور في العام 1981 حين كان توقّع الأحداث المقبلة مستحيلاً وكان لا يزال على الموسيقيين المنشقين مجابهة جمود بريجنيفي كان يبدو أبدياً.

«تحت البحيرة الفضية»

إخراج: دافيد روبرت ميتشل - تمثيل: توفيرغريس، أندرو غارفيلد

قبل أربعة أعوام كان مخرج هذا الفيلم قد أدهش أهل كان بفيلمه الأول «يتبع» وها هو الآن يتابع مسيرته بفيلم يقال عنه أنه سيعيد الاعتبار الى السينما الأميركية الغائبة الى حد ما عن المهرجان الفرنسي. موضوع الفيلم يدور من حول شاب لا يبالي بشيء ولا هدف له في الحياة يجد نفسه ذات يوم وعلى رغم أنفه، متورطاً في التحقيق الجنائي من حول جارة حسناء له كان قد وقع في غرامها فبل اختفائها الغامض. وهنا إذ يجول في لوس أنجيليس طولاً وعرضاً باحثاً عن أي مؤشر أو علامة، يكتشف الشاب ان المسألة أكبر كثيراً من أن تكون حكاية إختفاء فتاة. هي مسألة مؤامرة ضخمة يتورط فيها أثرياء ومشاهير وعدد من كبار النجوم في تلك المدينة.

الحياة اللندنية في

11.05.2018

 
 

"يوم الدين"أوديسة مصرية تقتحم مهرجان كان

أمير العمري

المخرج المصري أبوبكر شوق ينال فرصة ذهبية من خلال اشتراكه بفيلمه الروائي الطويل الأول "يوم الدين" في مسابقة مهرجان كان الـ71، حيث يتسابق مع عدد من كبار السينمائيين في العالم.

الهروب من دار الأيتام

اختير الفيلم المصري “يوم الدين” للمخرج أبي بكر شوقي الذي عرض الخميس، ضمن مهرجان كان السينمائي في دورته الـ71، أولا للعرض ضمن تظاهرة “نظرة ما” المخصّصة عادة للتجارب السينمائية الأولى والثانية لمخرجيها، إلاّ أن تيري فريمو المدير الفني للمهرجان تحمس للفيلم وأبدى إعجابه الشديد به، فقرّر ضمّه للمسابقة الرسمية جنبا إلى جنب مع الفيلم الجديد للمخرج الفرنسي جان لوك غودار.

سوف نظلم الفيلم كثيرا إذا ما قارناه بغيره من الأفلام الكبيرة التي سبق أن نالت فرصة التسابق على “السعفة الذهبية”، لكننا سنظلم المهرجان أيضا إذا ما اعتبرنا الفيلم أقل من التنافس، بل كثيرا ما شاركت أفلام في المسابقة دون أن ترقى لمستوى “يوم الدين” فقط لكون النقاد الفرنسيين مهووسين بها لأسباب تخصهم ولا تبدو مفهومة عند كاتب هذا المقال، كما هو شأن أفلام المخرجة اليابانية متواضعة المستوى ناوومي كواسي التي لا تتميز بالجرأة الأسلوبية أو باقتحام المناطق الفلسفية والفكرية المعقدة.

لكنها ترضي نزعة تميل إلى إبراز وجود أفلام المخرجات (النساء) في المسابقة، وهو ما رفض الخضوع له تيري فريمو هذا العام، وأكد أن اختيار أفلام المسابقة جاء على أساس المستوى الفني وحده وليس خضوعا لما سماه “التمييز الإيجابي”، أي ضمان حضور أكبر عدد من أفلام المخرجات.

بداية الرحلة

قد لا يكون فيلم “يوم الدين” عملا كبيرا مركبا يطمح إلى التغيير “الثوري” في الشكل والبحث عن أسلوب خاص يثير إعجاب النقاد، كما كان الحال بالنسبة للفيلم الأول للمخرج المجري لازلونيمتش “ابن شاؤول” الذي نال الجائزة الكبرى للجنة التحكيم قبل 3 سنوات في كان، ولكن علينا ألاّ ننسى أن الفيلم المجري كان يعيد تناول موضوع الهولوكوست، بأسلوب خاص متميز في استخدام الكاميرا، ومعروف أن “الهولوكوست” يثير دائما الكثير من الاهتمام من جانب النقد والصحافة الغربية عموما، وربما لو كان الفيلم يتناول مثلا موضوعا آخر، لما وجد كل ما وجده من حفاوة وصولا إلى الحصول على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي.

يعتمد فيلم “يوم الدين” على سيناريو كتبه أبوبكر شوقي من داخل تجربته الشخصية التي تتمثل في الاقتراب من عالم المصابين بمرض الجذام الجلدي الذي يترك آثارا لا تزول من التشوهات العضلية والجلدية، فقد سبق أن أخرج شوقي فيلما تسجيليا قصيرا عن الموضوع نفسه، والتقى أثناء بحثه بالرجل الذي سيجعله بطل فيلمه هذا، وهو راضي جمال الذي يقوم بدور “بشاي”، وهو رجل في الأربعين من عمره، أمي لا يعرف القراءة والكتابة، تركه أبوه وهو طفل صغير أمام باب مصحة لمرضى الجذام توجد في مكان ما في الصحراء قرب القاهرة، فألحق بها.

بشاي ذلك القبطي البائس المشوه، يفتش في تلال القمامة الموجودة في الجبل القريب، ينتقي من بينها ما يصلح، والمصحة هنا مكان لعزل المصابين بالمرض الذي ينظر إليه حسب المعتقد الشعبي باعتباره لعنة من لعنات السماء، وهم يبقون عليهم حتى بعد أن يكونوا قد تجاوزوا المرض وإن بقيت آثاره كما في حالة بشاي.

لدى بشاي عربة يجرها حمار يطلق عليه اسم “حربي”، بعد أن تموت زوجته المجذومة مثله في المصحة يقرر بشاي مغادرتها ويتجه جنوبا إلى الصعيد المصري بحثا عن أسرته أو من بقي منها على قيد الحياة في قرية بالقرب من مدينة قنا لم يعد يتذكر أي شيء عنها، يريد أساسا العثور على أبيه، لكي يفهم لماذا تخلى عنه كل تلك السنين ولم يعد -كما وعده- لكي يعيده إلى كنف الأسرة بعد أن شفي من المرض اللعين. ويصحب بشاي في رحلته صبيا مسلما نوبيا في العاشرة من عمره يسمونه “أوباما”، كان قد فر من دار للأيتام وهو بدوره لا يعرف شيئا عمّا حدث لأسرته.

وخلال تلك الرحلة، وعلى الطريق، تقع أحداث وأحداث، ويتعرّض بشاي ورفيقه في الرحلة للكثير من المواقف الصعبة، تتعطل العربة، يحاول أوباما إصلاح عجلتها فيصاب ويسقط، يحملونه إلى المستشفى، يهرع بشاي معه، وعندما يحاول العودة يقبض عليه ضابط يشك في نواياه ولا يعجبه شكل وجهه المشوّه ويوضع في السجن مع رجل من الإسلاميين المتشدّدين، لكن الاثنان يهربان، ويلتحق أوباما برفيقه، لكن بعد أن يكون اللصوص قد سرقوا ما لدى بشاي من مال قليل، ثم يموت الحمار، ويصبح على الاثنين شق طريقهما نحو الجنوب تارة في عربة لشحن القش، وتارة في قطار من قطارات الصعيد المهترئة العتيقة، حيث يتعرّض بشاي للضرب والإهانة.

رموز القصة

في قنا يضطر بشاي لاستجداء المارة، لكنه يصطدم بشحّاذ محترف مقطوع الساقين، ينهره في البداية ثم يرأف لحاله ويساعده ويعرفه على رفقته من المشوّهين والعاجزين مثله، ويكتشف بشاي أن في الدنيا أناسا مثله، ملفوظين من المجتمع، يؤمنون بأن العدالة والمساواة ستتحقّقان لهم فقط في “يوم الدين” أي يوم القيامة، وهي الفكرة التي تجعلهم يستمرون في الحياة، يسهرون ويتسامرون ويضحكون ويجدون متعة في الحياة رغم كل ما فيها من شقاء، بل ورغم إدراكهم بأنهم لن يصبحوا أبدا مقبولين من جانب المجتمع الكبير.

ما الذي سيحدث خلال هذه الرحلة وما الذي سيحدث عندما يلتقي بشاي بوالده العاجز في النهاية، وكيف سيكتشف أوباما أن اسمه الأصلي محمد عبدالرازق، وأن أهله هلكوا في تلك القرية النوبية ولم يعد له أحد في الدنيا الآن غير بشاي؟

لا يهم، فالمهم أن سيناريو شوقي يريد أن ينتصر للحياة على الموت، يشيع الأمل والتفاؤل في قلب شخصياته المهمشة الضعيفة، يجعل من عالم الضعفاء مرادفا رمزيا لطبقات كاملة تم استبعادها من الصورة الاجتماعية، أي أهملت وأصبح ينظر إليها باعتبارها عالة أو عاهة في جبين المجتمع.

وعلى الرغم من الطابع الخفيف للفيلم، وميله إلى الفكاهة في الكثير من المشاهد، إلاّ أنه يتضمن أيضا الكثير من النقد السياسي المستتر: اللعب على التناقضات بين المسلمين والمسيحيين خاصة في مشهد الصلاة داخل المسجد، والسخرية من نظام التعليم الفاشل الذي ينتج أطفالا لا يعرفون شيئا عن العالم، وهجاء البيروقراطية المصرية، والإشارة الرمزية إلى انهيار المنظومة الرسمية للدولة في المشهد الذي نرى فيه كيف تهدّمت دار الأيتام التي قضى فيها أوباما سنوات حياته الأولى قبل أن يهرب ويلجأ الى مصحة المجذومين، أو يعيش بالقرب منها، وكيف هجرها الموظفون بعد أن تركوا سجلات النزلاء السابقين من الأطفال اليتامى، بل إن فكرة “المعزل” الذي يشبه السجن، والمتمثل في مصحة الجذام التي تضم أناسا لم يعودوا مرضى ولم يعد هناك خطر من إطلاقهم وإعادة تأهيلهم اجتماعيا، يرمز على نحو ما، للفكرة الفاشية التي تحرص على “تنظيف المجتمع من الفائض البشري عديم الفائدة”!

البناء في الفيلم هو بناء تقليدي يندرج ضمن ما يعرف بـ”أفلام الطريق”، مع مشهدين أو ثلاثة تقطع السرد من خلال ما يراه بشاي في أحلامه، تارة يتذكر كيف تركه أبوه وهو طفل ووعده بالعودة إليه، وتارة أخرى نراه مرتعبا وهو يرى يد رجل تمتد إليه تريد أن تتحسّس وجهه الذي يخفيه عادة بقطعة من القماش الخفيف موصولة بقبعة بدائية من القش صنعها له أوباما.

معالم الإخراج

أبوبكر شوقي: في قصة الفيلم وملامح الشخصية الكثير مما وقع للبطل في الواقع

من حيث الإخراج يثبت أبوبكر شوقي أن لديه إحساسا قويا بالصورة، يعرف كيف يحقّق مستوى رفيعا من الجماليات سواء في مشاهد الصحراء أو تلك التي تجري على ضفاف نهر النيل، وهي مشاهد بديعة عموما، وكذلك في المشاهد الليلية التي تتحرّك فيها الكاميرا بشكل حر داخل الحارات الضيقة الملتوية في القرية الصعيدية، أو تلك التي يجوس خلالها أوباما بين الآثار الفرعونية المتناثرة هنا وهناك.

يتوقف أوباما أمام قبة صخرية مرتفعة منحوتة في الجبل، ويسأل بشاي: هل هذا هو الهرم؟ ولكن أين الهرمان الآخران؟ ثم يتطلع إلى منحوتات في الصخر، يقول له بشاي إنها مقبرة أحد ملوك الفراعنة وزوجته، وعندما يلمس أوباما نقوشا فرعونية على أحد الجدران يوبخه بشاي ويدعوه إلى تركها، فهي “آثار قديمة”.

إنه يدرك قيمة الأثر وأهمية التاريخ، لكنه لا يعرف شيئا عنه كما يعترف لأوباما عندما يريده أن يطلعه على المزيد، ولعل الصورة المتميزة للفيلم تعود أساسا إلى تعاون المخرج مع مدير التصوير البارع فيديريكو سيسكا صاحب التجربة الطويلة في العمل مع عدد من السينمائيين الموهوبين، فهو يقتنص الكثير من اللقطات الصعبة خاصة في التصوير الخارجي في المواقع الطبيعية. وينبغي أيضا الإشادة بالموسيقى الشجية التي صنعت جوا تعبيريا يلف بالصورة في المشاهد التي تعكس شعور البطلين بالغربة عن العالم، وهي الموسيقى التي كتبها وأبدعها عمر فاضل الذي نجح في تجنب الاستطراد والتكرار.

إلاّ أن العامل الأكثر بروزا والذي سيبقى طويلا في ذاكرة كل من يشاهد الفيلم، فهو يتمثل في تلك التجربة الفريدة في التعامل مع مريض الجذام السابق راضي جمال الذي أسند إليه أبوبكر شوقي دور بشاي، وقام بتدريبه على الأداء بحيث بلغ هذا المستوى الرائع من التلقائية والإحساس بالموقف وبالموضوع عموما، بحيث بدا الحوار كما لو كان مرتجلا أو على الأقل ساهم هو فيه على نحو ما.

ويقول المخرج إن في قصة الفيلم وملامح الشخصية الكثير ممّا وقع لبطله في الواقع، وبدا أيضا أن الممثل الصغير غير المحترف أحمد عبدالحفيظ في دور أوباما يتمتع هو الآخر بحضور كبير، كما يتميز أداء الاثنين معا بالانسجام والتجانس المدهش.

يوم الدين” أوديسة مصرية مؤثرة في فيلم لا يشبه غيره من الأفلام، يخوض بطلا هذه الأوديسة رحلة طويلة مليئة بالأمل، يشوبها حزن دفين ينعكس طول الوقت على وجه بشاي الذي كان يتعيّن عليه أن يدفع الثمن مرتين، الأولى عندما تخلى عنه أبوه وتركه مقطوع الصلة بالأسرة وظل كذلك لثلاثين عاما أو أكثر، يجتر شعوره بالمرارة، ومرة ثانية عندما وجد نفسه منبوذا من الآخرين الذين ينفرون من منظر وجهه المشوّه.

وعودة البطلين إلى موطنهما الأصلي لن تسفر غالبا سوى عن المزيد من الإحساس بالغربة، لذلك تصبح الصحبة التي يوفّرها عالم المنبوذين أفضل من التيه في الوطن الافتراضي.

كاتب وناقد سينمائي مصري

العرب اللندنية في

11.05.2018

 
 

السينما العربية... في سباق السعفة من الخمسينات

يسودها حضور سعودي وغياب إماراتي

كان (فرنسا): محمد رُضـا

عند مدخل صالة ديبوسي في كل يوم عند الساعة السادسة والنصف مساءً يبدأ حشد النقاد والصحافيين الآتين لمشاهدة فيلم المسابقة بالتجمع عند الرصيف. مساحة صغيرة مزعجة للمارين كونها ليست أكثر من رقعة من الرصيف؛ ما يعني أن العابرين مضطرون للمشي في الشارع لكي يتقدموا إلى حيث يقصدون.

وهي مزعجة أكثر إذا ما كانت الشمس قوية لأن الواقفين بانتظار أن تُـفتح أبواب الصالة يشعرون بالحر حتى ولو ارتدوا قمصاناً قصيرة الأكمام. ومزعجة أكثر وأكثر إذا ما كانت ممطرة. لا سقف ولا مظلات كافية تقي الأبدان من الماء الهاطل.

على ذلك، هناك من يقصد هذا المكان ويقف منتظراً فتح البوابات قبل ساعة أو أكثر لسببين: الأول لديه تصوّر (أو ربما وهم) أن عليه أن يكون من أوائل الداخلين لكي يجلس في المكان المعتاد بالنسبة إليه.

الثاني هو أن مواعيد تُضرب هناك والأصدقاء يلتقون كما لو كانوا في مقهى بلا كراسي.

«ماذا شاهدت اليوم من الأفلام؟»

السؤال التقليدي الأول وبناءً على جوابه ينطلق الثاني «وهل أعجبك؟». ويليهما نقاشات غير حادة تتخللها ضحكات قبل الانتقال إلى موضوعات أخرى تشمل السفر إلى مهرجان لاحق، وشؤون العمل وذكريات الأيام التي مضت وصولاً، كما نقول في لبنان، إلى «إيجار البيت».

القمر المفتقد

يستقي المرء من هذه الأحاديث اليومية نسخة غير رسمية من مشاغل النقاد والسينمائيين. هناك محاور عدة، لكنها ليست كثيرة. وهي تختلف من عام إلى آخر. بعضها عربي الصلة. مثلاً الحديث عن هذا الانفتاح السعودي ومستجداته والآمال المعلقة عليه، مثل عودة المخرج الدنماركي لارس فون تراير إلى «كان» بعد مقاطعة المهرجان له منذ أن تحدث عن النازية بإعجاب. كذلك، تناهى إلى سمعي الحديث عن التغييرات التي وقعت في برامج العروض الرسمية بحيث لا تترك المجال لهواة التغريدات إفساد متعة السينمائيين عبر تغريداتهم التي عادة ما تكون ساخرة أو سلبية.

لكن المحور الأكثر ترداداً هذا العام هو الغياب الملحوظ للوفد الإماراتي الذي كان يمثّـل مهرجان دبي. أجانب يسألون وعرب يجيبون، لكن إذا ما كانت الأسئلة واضحة (وهي من نوع «لماذا تم إلغاء مهرجان دبي هذه السنة؟»)، فإن الإجابات مبهمة، ليس بالاختيار، بل لتعدد الروايات ولعدم وضوح الصورة.

هناك من يعتقد أن هناك أزمة مالية تقف وراءه، ومن يعتبر أن دورته الأخيرة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ستكون آخر دوراته، في حين يؤكد آخرون ما ورد في الإعلام الرسمي للإدارة الجديدة من أن الدورة الخامسة عشرة ستقام فعلاً في‫ عام 2019.

مهما كان الحال، فإن الجميع يشعر بغياب المركز الإعلامي للمهرجان الذي كان يُقام في «قرية المهرجان» والذي كان بيتاً للفيف كبير من الإعلاميين العرب وغير العرب يؤمونه كل يوم للبحث والنقاش.

بين كل المراكز العربية الأخرى (مصرية، لبنانية، مغربية، تونسية، جزائرية) كان المركز الإماراتي أكبرها وأكثرها ازدحاماً كل يوم. لم يقصّـر أي من الأفراد الذين نظموه وأشرفوا عليه أو عملوا فيه حيال أي مسألة إعلامية أو ثقافية أو فنية. أقاموا مؤتمرات. وزّعوا منشورات ترويجية، تباحثوا مع وفود أجنبية تنوي حضور الدورة المقبلة وشاهدوا الأفلام لاختيارها، وكانوا دائماً يختارون ما يؤمّن شغف الجمهور في دبي ويوطد سمعته في الخارج.

هذا تأجل، لكن ليس من قبل أن يخوض التجربة الآن مركز إعلامي سعودي مماثل يحضر رسمياً للمرّة الأولى، ويتبلور سريعاً كأحد أهم مراكز الدول المشتركة في المهرجان.

هذا النوع من الحضور العربي يتوسم لا مجرد التواجد المكاني في احتفاء كبير كاحتفاء «كان»، بل أيضاً الحضور كحالة إعلان وتمهيد إعلامي واجتماعي للخطط الجارية لتوسيع رقعة المبادرة التي أقدمت عليها المملكة مؤخراً بما يحوّل السوق السعودية (الذي يبلغ عدد قاطنيه أكثر من 33 مليون فرد) إلى نشاط متعدد الجوانب والفوائد.

تاريخ من المشاركات

على الصعيد الآخر، يتميّـز المهرجان الفرنسي هذا العام بتعدد المشاركات الفيلمية العربية. هناك فيلم واحد على الأقل حين تلقي نظرتك على أي قسم من أقسام المهرجان الرئيسية. فيلمان في المسابقة الأولى («يوم الدين» لأبو بكر شوقي و«كفر ناحوم» لنادين لبكي) وفيلمان في مسابقة «نظرة ما». («صوفيا» للمغربية مريم بن مبارك و«قماشتي المفضلة» للسورية غايا جيجي) ثم فيلم في قسم «أسبوع النقاد» («يوم زواج» للجزائري إلياس بلقادر). في قسم «نصف شهر المخرجين» نجد فيلماً واحداً («ولدي» للتونسي محمد بن عطية). هذا عدا عن العروض الموازية والخاصة، وتلك التي تنتمي إلى عروض لأفلام قصيرة، ومن بينها يوم يعرض فيه مخرجون سعوديون تسعة أفلام في احتفاء تشجيعي خاص.

هناك من يقول إن هذا الاشتراك ضعيف بالمقارنة مع حجم الأفلام المعروضة رسمياً (نحو 64 فيلماً وعلى نحو غير رسمي في السوق والعروض الخاصة (قرابة 300 فيلم). لكن الواقع هو أن المسألة ليست بالضرورة عددية تتعلق بكم فيلماً عربياً استطاع الوصول إلى الشاشات الرسمية، بل بحقيقة أن بعضها يتنافس داخل المسابقة الرسمية والبعض الآخر في جوار هذه المسابقة رسمياً.

وجود فيلمين عربيين متنافسين في الدورة ذاتها كما الحال هذا العام مع «كفر ناحوم» لنادين لبكي و«يوم الدين» لأبو بكر شوقي أمر يشبه الحصان المجنح في ندرته. هذا التنافس بين فيلمين عربيين في عام واحد حدث مرتين فقط من قبل. لكنه لم يحدث بين فيلمين كل من بلد مختلف.

في عام 1952 قام يوسف شاهين بعرض فيلمه المبكر «ابن النيل» بطولة شكري سرحان، وفاتن حمامة، ويحيى شاهين، وفي المقابل، عرض أحمد بدر خان فيلمه العاطفي «ليلة غرام» مع مريم فخر الدين، وجمال فارس، وزينب صدقي.

بعد عامين تواجه يوسف شاهين مع صلاح أبو سيف. الأول عبر «صراع في الوادي» (مع عمر الشريف وفاتن حمامة أيضاً) والثاني عرض «الوحش» مع أنور وجدي وسامية جمال.

هناك أفلام مصرية أخرى تم عرضها في تاريخ مهرجان كان، كثير منها ليوسف شاهين (الذي نال جائزة تقديرية عن جل أعماله، لكنه لم يفز بالسعفة عن فيلم معين) وسابقاً لكمال الشيخ وصلاح أبو سيف (مرة أخرى).

أما لبنان، فتمثل داخل المسابقة بفيلمين لجورج نصر، هما «إلى أين» (1957) و«الغريب الصغير» (1962).

غني عن القول إن السعفة الذهبية لم تمنح لأي فيلم من هذه المذكورة والوحيدة التي إنتاج عربي كامل وقعت في الدورة الثامنة والعشرين سنة 1975 عندما اختطفها الجزائري محمد لخضر حامينا عن «وقائع أيام الجمر».

«يوم الدين»، الذي عُـرض يوم أول من أمس (الأربعاء)، جاء مذهلاً في حد ذاته (نقده أدناه): دراما واقعية مؤلمة وجيدة الصنعة في الوقت ذاته. أما فيلم نادين لبكي «كفر ناحوم» فلا نعرف عنه شيئاً حتى الآن وعروضه ستقع في الأيام الأخيرة من المهرجان. قد يأتي بدوره جيداً ومفاجئاً وهذا لن يكون غريباً على مخرجة قدّمت سابقاً ما يليق بمكانتها وما تمثله لسينما لبنانية موجودة رغم حصار الظروف.

####

شاشة الناقد

نظرة حزينة على أقصى المهمّشين يوم الدين

• إخراج: أبو بكر شوقي

دراما | مصر – 2018

القسم: المسابقة الرسمية

تقييم

في مشهد يقع قبل منتصف الفيلم، ينهض الصبي المكنّـى بأوباما ليرقص على ألحان أغنية شعبية. الموسيقى آتية من راديو والصوت المستخدم في اللحظات الأولى معادل لما يصدر من صوت المذياع، خفيف وغير مجسّم. لكن المخرج أبو بكر شوقي يختار نقل الصوت من مصدره الأساسي إلى مكساح صوتي مسجل في الاستوديو يتمتع بالحضور الكامل والمجسد. نقلة غير طبيعية وتنقل المشاهد من الخيال المرئي إلى الواقع المفاجئ.

من حسن الحظ أن المشهد لا يستمر إلا للحظات، ينتهي أثره هذا بانتهائه (إذا ما انتبه أحد إليه). ما يبقى هو 92 دقيقة من العمل الرصين القائم على سلسلة أحداث يستمد كل منها قوّته من طبيعته وبيئته والحقائق الخفية حيناً والواضحة حيناً التي تغمر العمل ككل.

بيشاي (راضي جمال) مصري قبطي أصيب صغيراً بمرض الجذام، وما زال جسده يحمل علامات المرض الفارقة رغم أنه شُـفي منه. وجهه مشوّه وأصابع أطرافه مقوّسة. في الخلفية التي ترد على لسان بيشاي، أن والده وضعه طفلاً عند باب المصحة في ريف ليس بعيداً عن القاهرة، ثم هرول عائداً إلى السيارة المنتظرة وهو يعده بأن يعود إليه ويستعيده.

ترعرع بيشاي على هذا الوضع ونتعرّف عليه في مطلع الفيلم وهو يعمل مع حماره (أول ما نسمعه في الفيلم نهيق الحمار) في جمع ما قد يجده يستحق البيع في منطقة صحراوية تطمرها النفايات. وهناك ذلك الصبي أوباما (أحمد عبد العزيز) الذي يشفق عليه. صبي يتيم لا يعرف شيئاً عن ماضيه. على عكس بيشاي ليس لديه تاريخ يرويه. وعندما يقرر بيشاي أن يرحل عن البيئة التي تأويه ليعود إلى قريته البعيدة في جنوب الصعيد المصري يتبعه أوباما ويلتحق به.

الفيلم إذن رحلة من موقع موحش تمر بمواقع موحشة أكثر. هناك الصحراء شبه القاحلة وسكك القطارات القديمة وتجمعات المشوّهين والمعاقين والكثير من السعي للوصول رغم كل الصعاب. لكن هناك أيضاً جمال لدى بعض الشخصيات. في الأساس يستند الفيلم إلى شخصيتين رئيسيّـتين يحملان الفيلم وجوهره بلا عناء ظاهر. شخصان لا يمكن لأحدهما، بعد حين، أن يعيش بعيداً عن الآخر. بيشاي يعامل الصبي كابنه، والصبي يعامله كأبيه. هذا مسيحي والآخر مسلم. والمسيحي مضطر في بعض المواقف إلى الادعاء بأنه مسلم. أولاً في مشهد حبسه في زنزانة يشاركه فيها متدين مسلم (قد يكون إخوانياً)، وثانياً عندما يضطر إلى التظاهر بأنه مسلم ويقوم بالصلاة في مسجد مع جموع المصلين.

الشخصيات الأخرى تتوزع ومعظمها يكشف عن طيبته ودرجة مثلى من الإنسانية. هناك استثناءات (بعض الساخرين وجابي تذاكر في قطار وحرامي يكاد يهرب بالغلة)، لكن الغالبية تندفع صوب هاتين الشخصيتين لتقديم جل ما تستطيع للمساعدة.

لا يفوت المخرج، في عمله الأول هذا، أن ينصرف عن السياسة قولاً وفعلاً من دون أن تنصرف السياسة عنه. الفيلم بحد ذاته عن وضع لمعوزين من أدنى مستويات التهميش. لم يسبق لمخرج روائي آخر أن عمد إلى تقديم من هم أكثر تهميشاً من شخصيات هذا الفيلم، الرئيسية منها والمساندة. هذا بحد ذاته نقد لوضع في بلد لا يزال يحاول معالجة مشكلاته المتكاثرة من دون أن يحل الكثير من بداياتها. والفيلم يسخر من «البيروقراطية المصرية العظيمة»، لكنه يقدّر نتائجها. يصوّر المتدين المسلم ذا الرؤية المحدودة، لكن لولاه لما استطاع بيشاي الهرب من السجن.

من المشهد الأول، عندما تفتح الكاميرا (تصوير الأرجنتيني فدريكو سيسكا) على أفق عريض من الأرض المطمورة بالتراب الباهت والنفايات المترامية، إلى المشهد الأخير عندما يقف بيشاي وأوباما بمحاذاة صحراء أخرى ليعودا من حيث أتيا، تتوالى صور مدقعة كحالهما. المخرج أبو بكر شوقي، الذي وُلد من أب مصري وأم أسترالية ودرس السينما في نيويورك واختار، عمداً، تحقيق هذا الفيلم ليكون عمله السينمائي الأول، لم يكن أمامه سوى أن يلائم الحال الفردي بالحال الجماعي المتمثل في تلك الطبيعة القاحلة.

مع مدير تصوير لديه رؤية أجنبية لمعالجة أوضاع ومعاني الفيلم، توصّل شوقي إلى خلق مناطق بصرية مؤلفة من لقطات حسنة الأحجام. لكنه المسؤول، وقد كتب السيناريو بنفسه وأسند بطولته إلى ضحية مرض الجذام الفعلي راضي جمال الذي لم يمثل دوراً من قبل، عن سلاسة الإيقاع وعن تلك المعالجة التي تبقى على حافة الحالات المستعرضة. تناوله ليس ميلودرامياً على الإطلاق، بل يصب في عمق دراما لها مواطن ساخرة وسوداوية ودائماً إنسانية، لكنها ليست مطلقاً كوميدية. يحيط بالفيلم جو حزين نابع من واقعه بجدارة.

التحدي الأكبر بالنسبة إليه هو - بطبيعة الحال - خلق ممثل من رجل يعيش الحالة ويكتنزها بطبيعة الحال، لكن التمثيل والتعبير عنها ليسا من الأمور التلقائية بالضرورة. ما على الشاشة هو نتيجة ذلك التحدي وهي لا تحتاج إلى تقييم صارم لأنها تأتي طبيعية المنشأ والأداء.

«يوم الدين» ليس فيلماً عن التديّـن ولا حتى عن وحدة اجتماعية بين المسلمين والمسيحيين في مصر. ليس فيلماً وعظياً ولا يحاول أن يتفوّه برسالته، بل يبقيها في إطار الصورة ذاتها. هناك حديث عابر عن يوم الحساب، حيث الجنة تنتظر الصالحين لكن الصورة لا ترغب في تفعيل ما تحويه بحيث تتحوّل، كعادة الكثير من الأفلام المصرية والعربية عموماً، إلى مدرسة لتعليم العمل الصحيح والواجبات الأخلاقية.

####

أخبار وتيارات من داخل «كان» وخارجه

> أرنولد شوارتزنيغر يتمسك بماضيه في فيلم أكشن جديد ولو عبر دور مساند؛ إذ تم هنا الإعلان عن أنه سيقوم بدور رئيسي في فيلم بعنوان Kung Fury أمام مايكل فاسبيندر وليزا غونزاليس... تلك التي لعبت البطولة النسائية في «بايبي درايفر».

> على غراره يواصل الممثل جان - كلود فان دام مساعيه لتبوأ مكانة خسرها منذ أن ضل طريقه في التسعينات. هذا العام يوفر للسوق فيلمين جديدين من طولته هما «حب كامل» (Full Love) و«بديل» (Double).

> بعد سنوات من العناء استطاع المخرج تيري جيليام تحقيق فيلمه الجديد «الرجل الذي قتل دون كيشوت» وعاد بسببه إلى «كان» ليعرضه داخل المسابقة. لكن ما أن أرخى الستار على جزء من متاعبه المادية التي جعلت المشروع يتأخر طوال عقود حتى فوجئ بمبادرة إحدى شركات التوزيع الصينية (توربو فيلمز) بشراء حقوق عرضه في الصين.

> هناك بضعة أفلام دينية الموضوع والحبكة معروضة هذا العام في دائرة «كان» الأوسع. من بينها فيلم فيم فندرز التسجيلي «البابا فرنسيس: رجل عند وعده». فيلمان آخران أحدهما أميركي عنوانه «لقاء مع الله» والثاني «يبارك الله السبل المكسورة». كذلك نجد في الإعلانات واحداً عن فيلم «أستطيع التخيل فقط» الذي كان من بين «التوب تن» الأميركي في الشهر الماضي.

>... وعلى ذكر التوب تن «أفنجرز: حرب أبدية» يقود هذا الأسبوع (للأسبوع الثاني) النجاحات في أميركا الشمالية. وهو جمع حتى الآن 1.17 مليار دولار عالمياً.

> الآن، وقد قررت أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في لوس أنجليس قطع تذكرتي سفر بلا عودة لاثنين من أعضائها ثبتت عليهما تهماً جنسية، هما بل كوسبي ورومان بولانسكي، وذلك أسوة بهارفي ونستين، تتحدث هوليوود عمن قد يكون السينمائي المقبل على قائمة المطرودين: كيفن سبايسي أو كايسي أفلك؟ وماذا عن المخرجين برت راتنر وجيمس توباك... ثم هل يصل الموسى إلى ذقن وودي ألن؟

####

الوقفة بمليون دولار

> من راقب حفل افتتاح الدورة الـ71 من مهرجان «كان» السينمائي لأول مرّة، ودائماً ما هناك أول مرّة لكل منا، ربما شعر بالدهشة من فخامة الحفل بأسره خارج وداخل الصالة. أي بدءاً من وصول الضيوف حتى نهاية حفل التقديم ذاته.

> يمشي الفرد الواحد (وكل وفد يتألف من اثنين إلى ستة أشخاص) متمهلاً من بداية البساط الأحمر. موظفون متخصصون يستقبلون الوفد ويسيرون بهم إلى قرب منتصف البساط. يتوقف الوفد هناك مواجهاً مجموعة المصوّرين الفوتوغرافيين المصطفين على الجانب الأيسر أولاً. وبإشارة من الموظف يتقدم الوفد قليلاً ليستدير يميناً، هذه المرّة، لحفلة تصوير أخرى من قبل المصوّرين على الجانب الآخر.

> ثم يصعدون السلم العريض والطويل وهناك، كما حدث مع امرأة ارتدت حذاءً بكعب طوله نصف متر، من يسقط أمام المصوّرين والخلق أجمعين. عند أعلى السلم يستقبلهم رئيس المهرجان ومديره العام ويقومان بأخذ صورة تذكارية مع الجميع قبل أن يدلفوا إلى داخل القاعة.

> هذا يحدث كل ليلة مع كل فيلم، لكن حفل الافتتاح يبقى أكثر شمولية وحضوراً؛ لأنه افتتاح للدورة يؤمه كل الضيوف المتعوب على جلبهم والمصروف على إقامتهم. والاستعراض الكبير ضروري للمهرجان لكي يشعر بأنه ما زال سيداً بين أترابه وضرورياً للضيوف، خصوصاً إذا ما اقترنوا بفيلم معروض رسمياً.

> خذ منتجاً ومخرجاً وممثلين، اثنان لديهما فيلم افتتاح، أو ثلاثة ممثلين كما حدث يوم الثلاثاء الماضي، وحلل حسابياً ما تمثله تلك الوقفة عند أعلى السلم وأمام عدسات المصوّرين. إنها وقفة بمليون دولار وليس هناك من مغالاة. فالدعاية تبدأ من هنا. هي التمهيد للعروض المختلفة يواكبها الشعور الذي لا يقدّر بالمال الذي يغامر هؤلاء بأنهم مُـقّدرون ومعززون وهناك جمهور حاشد و200 مصوّر يبرهنون على ذلك. بعض الابتسامات زائفة بطبيعة الحال، لكن من يكترث طالما هي موجودة.

> النقاد في الصالة الأخرى الذي يتابعون هذه الحيثيات لحين بداية الفيلم، والجمهور الذي جاء ليشاهد كيف تبدو جوليان مور وقد تجاوزت الأربعين، أو بينيلوبي كروز وقد ازدادت مع السن جمالاً، هم الوحيدون الذين لا يستفيدون من هذا الحفل. ما أن يبدأ الفيلم حتى يذوب الناقد في الفيلم، وما أن يدخل آخر «نجم» من الباب الرئيسي حتى يبدأ الجمهور الحاشد بالانصراف.

الشرق الأوسط في

11.05.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)