"يوم
الدين".. فيلم مصري مرشح لأكثر من جائزة في مهرجان كان
إلهام رحيم
مهرجان كان السينمائي الدولي يعلن عن اختيار فيلم
"يوم الدين" للمشاركة كممثل عن مصر في المسابقة الرسمية للدورة 71.
القاهرة – يرى بعض النقاد والمتابعين للشأن
السينمائي المصري أن مشاركة الفيلم المصري “يوم الدين” في مهرجان
كان السينمائي الحادي والسبعين، سيجعله مرشحا لجائزتي السعفة
الذهبية، كأحسن الأفلام والكاميرا الذهبية المخصّصة للعمل الأول
المشارك في المسابقة الرسمية، على اعتبار أن مضمون الفيلم يحمل
رسالة إنسانية بالغة الأهمية عن وباء “الجذام” المعروف بصعوبة
تقبله اجتماعيا.
ويمثل الفيلم أول معول لهدم “تابوه” أو مُحرم الخوف
والرعب من هؤلاء المرضى، وقد يكون الخطوة الأولى لعودتهم للاندماج
في المجتمع بعد سنوات من العزلة لأسباب طبية، تلك العودة التي
يساندهم فيها المؤلف والمخرج أبوبكر شوقي والمنتجة دينا إمام
والفنان سيد رجب والمنتج محمد حفظي.
مرآة المجتمع
يصنف “يوم الدين” كأحد أفلام السينما المستقلة التي
بدأت في مصر منذ عشرة أعوام، وهي أفلام قليلة التكاليف، الهدف منها
الخروج من سيطرة المنتجين التقليديين الذين يتعاملون مع السينما
كصناعة لها بعد تجاري يساوي في قيمته وأهميته البعد الفني، وربما
يزيد.
هذا هو التحدي الكبير أمام مخرج ومؤلف الفيلم
أبوبكر شوقي، أن ينقل للجمهور العريض القصص التي ظل يعايشها عن
قرب، بل والتصاق يكاد يكون تاما بأصحابها في مستعمرة الجذام بمنطقة
أبوزعبل في شمال القاهرة، وهي مستعمرة (مركز إيواء) بناها الملك
فؤاد الأول قبل مئة عام على مساحة 262 فدانا، وخصّصت لاستقبال مرضى
الجذام ليقيموا فيها بصورة كاملة، فتحوّلت مع الوقت إلى عالم خاص
بهم، وأصبحت بمن فيها منبوذة، ومرعبة لكثرة من يتردّدون عليها من
المرضى، لأن مرضهم شديد العدوى.
أبوبكر شوقي: تكمن صعوبة الفيلم في إزالة رهبة
مشاهدة مرضى الجذام على الشاشة
وغامر شوقي، باقتحام هذا العالم واختلط بأهله وجعل
توصيل صوتهم وصورتهم قضيته السينمائية، وفي حدود إمكانياته قدّم
أيضا منذ عشرة أعوام فيلمه التسجيلي القصير بعنوان “المستعمرة”،
وهو العمل الذي اعترف بعض صناع السينما بالرهبة من مشاهدته.
وكان من شجاعة المخرج والمؤلف الإصرار على تحويل
الفيلم التسجيلي الذي لم يلق الحفاوة المستحقة إلى فيلم روائي
طويل، حيث قرّرت المنتجة دينا إمام المشاركة فيه بخبرتها في هذا
المجال.
واهتمام طاقم الفيلم بقضية هؤلاء وحقّهم في الحياة،
جعلهم يتمكنون من تصوير الفيلم في حدود الإمكانيات اللائقة وليست
فقط المتاحة، وأصروا أن يكون العمل بانوراما إنسانية ترصد واقع
المستعمرة وأهلها وأطبائها وتتجاوزه.
والفيلم الذي لم يعرض بعد يروي قصة رجل قبطي اسمه
بشاي يخرج من المستعمرة، بعد أربعين عاما تركه فيها أهله داخلها،
بصحبة طفل يتيم مُتعاف من المرض أيضا ومعهما حمار، وسيلتهما للتنقل
بين المحافظات التي تحكي الكثير من الخبايا والمفارقات.
وأكدت أحلام سعدالدين مديرة مستشفى الجذام، أن
المستعمرة خالية من المرض بعد اكتشاف العلاج النوعي لبكتيريا
الجذام الذي يتناوله المريض ثم يعود لبيته بعد تماثله للشفاء،
ليتردّد على المستعمرة فقط لأجل الحصول على العلاج أو إجراء
التحاليل.
وتؤكّد التقارير الطبية أنه ومنذ تعافي المريض يصبح
غير مُعد لأحد، وبالتبعية لم يعد هناك منطق للرعب من المرضى
ونبذهم، إذا علمنا أن الموجودين داخل المستعمرة أشخاص متعافون
تماما، اعتاد بعضهم الحياة بعيدا عن الناس، والبعض الآخر يعالج من
الآثار الظاهرية للمرض.
نحن إذن أمام كذبة كبيرة، بل جريمة في حق مرضى لا
ذنب لهم إلاّ المرض الذي أصبح مثل أي مرض جلدي يحتاج الرعاية
والعلاج، وبين ستة أشهر إلى عام يعود المريض لحالته الطبيعية، وإذا
كانت هناك آثار لتشوّهات، فلا بد أن يتم احتواء أصحابها ومساندتهم
ليشعروا بقبولهم، هذه رسالة الفيلم الرئيسية.
ولم يكتف أبوبكر شوقي بتناول الفكرة بصورة سينمائية
قوية، بل أصر أن يكون بطل الفيلم أحد المتعافين، وهو راضي جمال،
المريض الذي يحمل وجهه كل أثار المرض الحقيقية ويقابل بها أهله في
الفيلم بكل واقعية في مشاهد فنية قوية، لا سيما شقيقه الذي يقوم
بدوره الممثل محمد عبدالعظيم ووالده الفنان سيد رجب، وهو حلقة
الوصل بين الجمهور والعمل لما يتمتع به من شعبية قد تدفع الجمهور
لمشاهدة فيلم فني مستقل.
وجمع صناع الفيلم مبلغا ماليا عبر موقع “كيك
ستارتر” للتمويل الجماعي، قبل أن يقرّر المسؤولون عن مهرجان الجونة
السينمائي في دورته الأولى الماضية مساعدة الفيلم بما يسمى “منحة
العمل قيد التنفيذ”.
وانضم محمد حفظي كمنتج، لتمويل مراحل ما بعد
الإنتاج، ولحقت به شركة “وايلد بانش” الفرنسية، وهي إحدى أكبر
شركات التوزيع في العالم، وأعلنت حصولها على حقوق المبيعات الدولية
للفيلم.
وتبقى الجائزة الأهم لشوقي، المخرج والمؤلف الذي
تفرّغ لأكثر من ست سنوات ليخرج الفيلم للنور، والمنتجة دينا إمام
التي شاركته الحلم أن يتم اعتبار العمل جسرا يقام للمرة الأولى بين
سينما الديجيتال أو المستقلة والجمهور العريض، فمن المؤلم أن يحمل
العمل رسالة إنسانية واجتماعية ولا يجد من يشاهده.
مضمون ورسالة
استفاد أبوبكر شوقي، من دراسته في كلية العلوم
السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة، ثم سفره للولايات المتحدة
لدراسة السينما في “نيويورك فيلم أكاديمي”، وهناك ساهم في عدد من
الأفلام التسجيلية والقصيرة، بالتعليق الصوتي والتمثيل والكتابة
والتصوير والإنتاج والدعم الفني، وأحدثها المسلسل الأميركي “البرج
الوشيك”
the looming tower
الذي عمل كمستشار للغة العربية به.
وقدم فيلما وثائقيا بعنوان “جمعة الشهيد” كمصوّر
ومنتج ومؤلف واكتفى بالكتابة للفيلم الروائي القصير “الطريق إلى
إيطاليا”، لكنه عاد للجمع بين الإنتاج والتأليف والإخراج في الفيلم
التسجيلي “أشياء سمعتها يوم الأربعاء”، وله فيلم روائي قصير قام
بتأليفه وإخراجه بعنوان “العودة”.
ويقول شوقي عن فيلمه الجديد “يوم الدين” “دون
الجمهور يفقد الفيلم مضمونه ورسالته وقيمته كعمل يريد للمنبوذين أن
يعودوا كبشر عاديين، وتكمن الصعوبة في ضرورة إزالة رهبة مشاهدة
أصحاب مرض الجذام على الشاشة”. وحلم أبوبكر شوقي إنساني، ويمكنه
تحقيق الكثير من الجوائز العالمية والمحلية، لكن تبقى الجائزة
الكبرى في يد الجمهور الذي لا بد من إيصال العمل له حتى لو بالمجان
وبكافة الوسائل المتاحة.
وعن ذلك يقول مخرج ومؤلف الفيلم “إذا لمس العمل
قلوب الناس وظهرت الحقائق العلمية والقصص الإنسانية المأخوذة من
الواقع، لن نستخدم مرة أخرى مصطلح مستعمرة الجذام، وسوف تتحوّل إلى
مستشفى مثل كل المستشفيات، ولن نصرخ رعبا في وجه مرضاه أو نقذف بهم
بكل قسوة خارج حياتنا التي قد يصبحون جزءا منها بفضل فيلم سينمائي
واقعي”. |