حين شاهدت «محمد» نجل الفنان الكبير محمود عبد العزيز منهارا يبكى
بحرقة لحظة تكريم والده فى الحفل الذى أقامته مؤسسة الأهرام يوم
الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي، أدركت على الفور أن أيام
«الساحر» باتت معدودة وأن حالته صارت حرجة بل متأخرة، بعد أن تمكن
المرض اللعين منه، ونهش دمه وعظامه قبل لحمه!
رحم الله هذا الفنان الجميل الذى كما عاش فى هدوء رحل فى هدوء، لم
ينشغل يوما عن فنه، ولم ينزلق نحو مهاترات أو مغامرات غير محسوبة،
وأثبت أن رهان المخرج الراحل الكبير « نور الدمرداش « الملقب بملك
الفيديو عليه، كان فى محله حين اكتشفه منذ ٣٧ عاما، وأسند له دور
البطولة فى مسلسل الدوامة جنبا إلى جنب مع النجوم الكبار محمود
ياسين ونيللى ويوسف فخر الدين وعلى الشريف ونادية الجندى ونعيمة
الصغير!
لقد شارك ابن حى الورديان بالإسكندرية وخريج كلية الزراعة هناك،
الكبار ونافسهم بل تفوق عليهم فى أعمال كثيرة منها العار والكيف
والساحر والكيت كات ورأفت الهجان وإعدام ميت والبريء واعطنى هذا
الدواء وغيرها، وطوال مشواره الفنى الطويل لم يقبل النجم الكبير
بديلاً عن البطولة، ولم تشُب سجله الفنى شائبة واحدة، وأتصور أنه
واحد من الفنانين القلائل الذين لم يندموا على عمل أو دور قدموه
لأنه كان يبحث عن الجودة قبل المادة!
وهو أيضا من الفنانين القلائل الذين لم يتجمدوا فى قالب واحد، حيث
قدم الكثير والكثير من الشخصيات التى تمثل أطيافا كثيرة فى المجتمع
المصري، ونجح فى إقناع جمهوره العريض بموهبته الفذة واختياراته
الموفقة، ولم يعتمد أبدا على وسامته التى تخلى عنها فى معظم
أعماله!
رحم الله الشيخ «حسني» فى فيلم «الكيت كات» عام ١٩٩١، ذلك الدور
الذى مثّل نقلة نوعية فى مشواره الفنى وأثبت أنه فنان من العيار
الثقيل، فحصد عنه جائزة أحسن ممثل بجدارة من عدة مهرجانات سينمائية
دولية، وكان موضع إشادة من كبار النقاد فى ذلك الوقت، كما استحق
نفس الجائزة عن جدارة فى أفلام القبطان والساحر وسوق المتعة
وإبراهيم الأبيض، الذى أدى فيه دورا جديدا تماما بتجسيده شخصية
زعيم العصابة المنحرف عبد الملك زرزور، وكان بحق اللص الذى سحر
الكاميرا قبل أن يسرقها من نجوم كثيرة فى أفلام كثيرة كالحفيد
والعار والكيف وجرى الوحوش والبريء وإعدام ميت والشقة من حق الزوجة
والجوع!
كان الفنان الراحل جنتل النجوم ونمس الأدوار المتميزة وملك
الصعاليك وجوكر السادة الرجال بذكائه المعهود وحسن نواياه وإخلاصه
لفنه، لذا لم يكن مستغربا أن يكون بطلا لأكثر من ٨٠ فيلما و٩
مسلسلات بخلاف المسرحيات وأشهرها خشب الورد!
كما كان صاحب الفضل فى اكتشاف أسماء لامعة من النجوم على رأسهم
الفنانة الكبيرة إلهام شاهين والفنان المحترم شريف منير عندما تحمس
له ورشحه لدور عمره فى فيلم الكيت كات وكذلك منة شلبى فى فيلم
الساحر!
وكان أيضا الرجل الشهم وصاحب صاحبه بجد، وفى هذا الصدد مازلت أذكر
موقفه النبيل مع صديقنا المشترك المصور الفوتوغرافى الرائع الراحل
فؤاد برهام عندما فقد ابنه الوحيد «محمد « فى حادث أليم فى منتصف
تسعينات القرن الماضي، وقتها لم يفارقه محمود طوال محنته بدءاً من
الجنازة وانتهاء بأيام العزاء، وإلى الآن مازلت أذكر مشهد دموعه
وهى تنساب بغزارة من خلف زجاج نظارته السوداء التى اعتاد ارتداءها
ليلا ونهارا، وحين سألته ذات مرة عن سبب ارتدائه الدائم لها وما
إذا كان ذلك يعكس حالة من الغرور أو التخفى ضحك ضحكته المميزة
وأجاب مازحاً: والله العظيم، تلاتة بالله العظيم عندى حساسية فى
عينى والأطباء هم الذين أمرونى بارتدائها وحرموا الناس من عيونى
الحلوة!
كما كانت له مواقف رائعة مع الفنان الكبير نور الشريف فى أزمته
المرضية، التى انتهت بوفاته فى شهر مايو من العام الماضي، ومن
منطلق هذه العلاقة الوثيقة كثيرا ما سافر محمود عبد العزيز خصيصا
إلى باريس لزيارة صديق عمره أثناء تلقيه العلاج هناك، وكان له دور
إيجابى فى عودة نور إلى بوسى بعد سنوات من انفصالهما وقبل وفاته
بـ٣ شهور بل أقام حفلا على شرفهما بمناسبة عودتهما، كما أقام هو
وزوجته الإعلامية المتميزة بوسى شلبى حفلا آخر لنور احتفالا بعيد
ميلاده الأخير قبل رحيله بأقل من ٢٠ يوما! والحقيقة أن العلاقة
القوية بين النجمين بدأت منذ سنوات طويلة تكللت بـ٩ أفلام مشتركة،
«ضاع العمر ياولدى والحفيد والعار وجرى الوحوش وابنتى والذئب
والصعاليك وإعدام طالب ثانوى والشياطين وليلة البيبى دول «.
ومن الوقائع الطريفة أن اسم نور الشريف كان يسبق اسم محمود عبد
العزيز دائما فى فترة السبعينات، حتى تجمعا معًا فى فيلم «العار»،
الذى أنتج عام ١٩٨٢، وسبق اسم الشريف زميليه حسين فهمى ومحمود
بأفيش وتتر الفيلم، وسرعان ما انقلب الحال بعد سنوات، بعد تجمع
الثلاثى معًا للمرة الثانية، نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين
فهمى، فى فيلم «جرى الوحوش»، وكان الساحر وصل لقمة النجومية بعد
فيلم «الكيف» الذى أنتج عام ١٩٨٦، ما جعل المخرج الكبير على عبد
الخالق إلى كتابة أسمائهم بجوار بعضهم على الأفيش والتتر دون تدخل
من محمود أو غضب من نور، وهنا اسمحوا لى أن أستحضر ما قاله المخرج
على عبد الخالق لـ»اليوم السابع»: محمود عبد العزيز بالنسبة لى
ممثلى المفضل، فأنا أكتر مخرج قدم له أفلاما، بلغت حوالى ٨ أفلام،
أبرزها «العار» و»الكيف» و»جرى الوحوش» و»إعدام ميت»، ا على مدار
١٨ عاما، وكانت سعادتى كبيرة للغاية، لأننا نجحنا مع بعض، هو أضاف
لى كمخرج وله كممثل، وذكر على أنه هو الذى اكتشف الساحر محمود عبد
العزيز كفنان كوميدي، رغم تقديمه فى أدوار يغلب عليها طابع الدراما
والتراجيديا، وأن جميع الأفلام التى قدمها مع محمود كان هو مصدر
البهجة فيها، ورغم أن أدواره كلها كانت شديدة التراجيديا لما فيها
من تحولات مأساوية فى كثير من الأحيان مثل دوره مثلا فى «العار»
إلا أنه كان مصدر ابتسامة المشاهد فى هذه الأفلام !
وأضاف عبد الخالق أن محمود عبد العزيز يكاد يكون من وجهة نظره
الفنان الوحيد الذى يليق بنسبة ١٠٠٪ فى كل دور يقدمه، رغم اختلاف
هذه الأدوار شكلا ومضمونا عن بعضها، فمثلا دور الطبيب فى «العار»
كان مناسبا للغاية، وقدمه بحرفية شديدة، ودور البودى جارد فى فيلم
«النمس»، كان مناسبا جدا له، ودور متعهد الأفراح والحفلات فى
«الكيف»، أعتقد أنه الوحيد الذى يقدم هذا الدور بهذا الشكل، وكذلك
الابن العاق وضابط المخابرات، ويضيف عبد الخالق أن الذى ساعد
الساحر على هذا الأمر ويجعله يصلح لجميع الأدوار دون استثناء، هو
أداؤه التمثيلى العبقرى وشكله وتكوينه الجثمانى، ولذلك أطلق عليه
الجوكر، مشيرا إلى أنه يعتبر محمود عبد العزيز من أهم الممثلين فى
تاريخ السينما المصرية بمختلف عصورها، فكان عنصراً أساسياً فى نجاح
أفلامه، على حد قوله !
وأذكر أيضا علاقته القوية بالموسيقار الراحل عمار الشريعى الذى وضع
الموسيقى التصويرية لثلاثية رأفت الهجان، وكانت لفتة طيبة منه تجاه
صديقه حين أهداه جائزة «إنجازات فنان» التى منحه إياها مهرجان دبى
السينمائى قبل رحيله عام ٢٠١٢ .
لقد راهن على «الساحر» أيضا المخرج العبقرى الراحل وصديقى المحترم
يحيى العلمى حين أسند له دور البطولة فى مسلسل رأفت الهجان، أحد
أهم إبداعات أستاذنا الأديب الكبير وأحد النجوم المبدعين فى دار
الهلال «صالح مرسي»، الكل كان يعلم أن الزعيم عادل إمام هو المرشح
بقوة لبطولة المسلسل بعد نجاحه الكبير فى مسلسل الدموع فى عيون
وقحة، لكن خلافا شديدا حدث بين عادل وصالح بسبب تدخلات الأول فى
السيناريو، الأمر الذى رفضه تماما صالح مرسى فدخل فى معركة شرسة مع
الزعيم انتهت بإسناد الدور للفنان الراحل لينجح نجاحا مبهرا ويتألق
فى أجزائه الثلاثة، فى الوقت نفسه وجد «الساحر» نفسه طرفا فى معركة
سخيفة مع عادل إمام لتبدأ رحلة طويلة من القطيعة بل والحرب بينهما
على مدى ١٢ عاما حتى تم الجمع بينهما فى فرح ابنة الفنانة الراحلة
زهرة العلا والمخرج الكبير الراحل حسن الصيفى - قبل رحيله- وتم
تصفية الأجواء بينهما منذ ذلك اليوم.
لكن فترة الصفاء لم تدم طويلا، إذ تجدد الخلاف مرة أخرى بين عادل
ومحمود، وكان هذه المرة بسبب فيلم «حسن ومرقص»، الذى كان مقررا أن
يتقاسما بطولته فى أول عمل يجمعهما على مدار حياتهما الفنية، وعلى
الرغم من الاتفاق الذى تم بينهما إلا أنهما كانا على موعد مع خلاف
جديد، حيث أصر عادل إمام على وجود يوسف معاطي، بينما تمسك محمود
عبدالعزيز بوحيد حامد لتأليف الفيلم، وهو الأمر الذى رفضه الزعيم،
فقرر الاستعانة بالفنان عمر الشريف.
ويشهد شهر مايو من عام ٢٠١٢ مشهداً إنسانيا نبيلاً لهذا الفنان
صاحب القلب الأبيض، إذ لم يستطع الفنان الكبير محمود عبدالعزيز حبس
دموعه حزناً على زميل مهنته عادل إمام، بعد تأييد الحكم الصادر ضده
بالحبس، وقال فى كلمته خلال المؤتمر الصحفى الذى أقيم بنادى نقابة
المهن التمثيلية للتضامن مع “الزعيم”: نحن بصدد حرب ضد الحلم الذى
عشت أنا وعادل والفنانون جميعاً نحلم بتحقيقه».
وعند سؤاله عن سبب بكائه، أجاب حسبما نشرت صحيفة الوطن : السبب فى
هذا أنه وبعد هذا العمر وهذا المشوار الطويل فى الفن، يحكم على
عادل إمام بالسجن بتهمة من أبشع التهم، وهى تهمة “ازدراء الأديان”،
وأنا أضعف بكثير من أن أزدرى أو أتطاول على ديني.. صحيح أنه لم
توجه لى هذه التهمة، لكن الحكم الذى صدر على صديق عمرى هو حكم ضدى
أنا شخصياً!
وأضاف: أبكى لأن حلمنا الذى عشناه يحارب بشكل شرس، أبكى لأن الفن
والإبداع فى مصر يتعرضان لمؤامرة من أفراد ليست لهم هوية، أبكى
وأنا أرى التطاول المباشر على الفضائيات كل يوم من قبل “الذقون”
التى تريد أن تزهق حرياتنا وإبداعنا، وتريد اغتيال فنانينا، اليوم
بدأوا بأحد عمالقة الفن المصري، وغداً سيكون الدور عليّ أنا
وزملائي، أبكى لأننا بدلاً من أن نزيد الفن ازدهاراً نحارب
الإبداع، أبكى لأن هناك من يريد تخلف هذا المجتمع!
ومع دخول الفنان محمود عبدالعزيز المستشفى، ووصوله إلى حالة حرجة،
حرص عادل إمام على الاطمئنان على صحة محمود من خلال اتصال هاتفى مع
نجله محمد، وأبدى خلال المكالمة الرغبة فى زيارته، ولكن محمد اعتذر
له وأبلغه أن الزيارة ممنوعة عن والده تمامًا بأوامر من الأطباء.
أعود مرة ثانية إلى مسلسل رأفت الهجان الذى بدأ تصويره عام ١٩٨٧ فى
ستوديو ٥ بالتليفزيون المصري، وكنت وقتها شبه مقيم معهم فى
الاستوديو بموافقة المخرج يحيى العلمي؛ حتى أكتب عن كواليس المسلسل
كل أسبوع، ولاحظ محمود ذلك؛ حتى توقع أننى واحد من فريق العمل وقال
ذلك لأستاذى الراحل عبد النور خليل فى إحدى زياراته لدار الهلال،
وأذكر أن الساحر لم يدل بأحاديث صحفية فى تلك الفترة إلا لمجلة
المصور التى كثيرا ما كان يعتز بها وبمؤسسة دار الهلال العريقة، بل
إنه ليس من محبى الظهور الإعلامى إلا عندما يكون له مبرره!
المهم أن مسلسل رأفت الهجان نجح نجاحا مدويا بفضل تألق الساحر
محمود عبد العزيز ومعه باقة كبيرة من النجوم، يسرا و يوسف شعبان
ونبيل الحلفاوى وصلاح ذو الفقار وحسن حسنى، الفنان الكبير استعاد
ذكرياته مع مسلسل «رأفت الهجان»، وبرر عدم تكرار التجربة بقوله:
«عندما أقدم شخصية وتنجح لا أحاول أن أشتغلها مرة أخرى ورغم عشقى
للهجان إلا أننى أرهقت نفسى فى هذا العمل، وهذه الشخصية جعلتنى
مضطرب نفسيًا لفترة»!
وعلى الرغم من الألقاب الكثيرة التى أطلقت عليه خلال مشواره الفنى
بداية من الجنتل والجوكر والنمس والقبطان وأخيرا الغول؛ إلا أن
«الساحر» كان اللقب الذى التصق به والمحبب إليه منذ لعب بطولة فيلم
«الساحر « عام ٢٠٠١ مع النجمة الشابة « منة شلبى « والمخرج الراحل
رضوان الكاشف ! والساحر هو اختصار للقب ساحر السينما العربية التى
اعترفت بموهبته وقلدته الكثير من الجوائز والأوسمة من مختلف
المهرجانات الدولية والمحلية؛ حيث حصل على جائزة أحسن ممثل من
مهرجان دمشق السينمائى الدولي، ومهرجان الإسكندرية السينمائى عن
فيلم “الكيت كات” وجائزة أحسن ممثل من مهرجان زنزبار الدولى عن
فيلم “القبطان”، كما حصل على جائزة أحسن ممثل من مهرجان مسقط عن
فيلم “الساحر”، وجائزة أحسن ممثل من مهرجان القاهرة السينمائى
الدولى عن فيلم «سوق المتعة» !
لقد واجه محمود عبد العزيز شبح الموت فى أوائل تسعينات القرن
الماضي، لكنه نجا منه وانتصر عليه بفضل الله، عندما اكتشف الأطباء
وجود ندبة صغيرة فى الكبد، الأمر الذى أثار شكوكهم ومن ثم سافر
الساحر إلى باريس وخضع للفحص الطبى الدقيق وانتهت الأزمة بسلام
ليعود محمود أكثر نشاطا وحيوية، ثم كانت الصدفة العجيبة الغريبة فى
عام ٢٠١٣ حين انتشرت على المواقع الإلكترونية شائعة وفاته؛ ليتلقى
الفنان الكبير ونجله المنتج محمد العديد من المكالمات الهاتفيه
للاطمئنان عليه، وكان وراء الشائعة حالة اللبث التى حدثت نتيجة
تشابه فى الاسم مع فنان سودانى توفى بالفعل فى ذلك اليوم، الطريف
أن محمود واجه الشائعة بنوبة من الضحك!
وفى هذا السياق دعونى أتوقف عند تغريدته التى كتبها على صفحته
بموقع تويتر وقال فيها إن مسلسل راس الغول هو آخر أعماله! لعلها
مصادفة غريبة تحققت بالفعل!
وقتها انتشرت شائعة اعتزاله الفن مستندة إلى تغريدته، الأمر الذى
اضطره وابنه محمد أن يوضحا الأمر، وبخفة ظله المعهودة اعترف أنه
«مُحدث تويتر « و كان يعنى بكلمة آخر « أحدث « حيث كتب يقول : إنتو
مسكتو فى كلمة آخر؟ أنا مش ح اعتزل. قصدى أحدث، اصبروا عليا شوية
فى تويتر لسه فى الأول، راس الغول لا يمكن يعتزل!
لكن سبحان الله .. صدقت تغريدته وكان «راس الغول» آخر أعماله
بالفعل!
ومن غرائب المصادفات أيضاً أن يصطحب الساحر أسرته المكونة من زوجته
بوسى شلبى وابنيه محمد وكريم فور انتهائه من تصوير مسلسل رأس الغول
فى رحلة استجمام إلى باريس، استمرت حوالى شهرين وكأنه كان يودع
الحياة مع أقرب أحبائه، وبعد عودته من هناك، اكتشف وجود ورم بلثته
فعاد إلى باريس مرة أخرى وقيل إن الأطباء ارتكبوا خطأ فادحا حين
قاموا باسئصال الورم، الأمر الذى أصابه بمضاعفات قاتلة أودت بحياته
بعد صراع عنيد مع المرض! وبمناسبة الحديث عن نجله الأكبر محمد الذى
اتخذ طريق الإنتاج على الرغم من تخرجه فى معهد التمثيل بتقدير
ممتاز، بينما فضل نجله الأصغر كريم أن يسير على درب أبيه، وهو الذى
ورث عنه خفة الظل والكثير من الملامح، رد الفنان الراحل على من
اتهموه بأنه واحد من الفنانين الذين فرضوا أبناءهم على الساحة
الفنية قائلاً فى تصريحات تليفزيونية إنه يشفق على أبنائه محمد
وكريم من العمل فى الوسط الفني؛ لأنه يعرف جيدًا أن هذه المهنة
مرهقة ولا ينجح فيها أحد بسهولة. وشدد أيضا على أنه لم يفرض أبناءه
على أحد، ولو فعلها مرة لن يستطيع أن يستمر فى ذلك!
رحم الله نجمنا الكبير الذى أثرى حياتنا الفنية بالكثير من الأعمال
الناجحة، وكان واحدا من فرسان التمثيل العظام .. وفى النهاية أقول
وداعا ساحر السينما العربية وجنتلها وغولها!
محمود عبد العزيز .. الضاحك الباكى
بقلم - نجوان عبداللطيف
فى دار الأوبرا المصرية فى حفل الرائع على الحجار وصلنى عبر
الإنترنت خبر وفاة محمود عبد العزيز.. الفنان.. نعم هو يستحق هذا
للقب بامتياز.. ليس كل من يمثل فنانا ولا كل من غنى فنان ولا من
لحن ولا من كتب ولا من رسم.. الفنانون قلائل ومن بينهم محمود
عبدالعزيز، هو واحد من هؤلاء الذين يؤثرون فى وجداننا، بل يشكلون
هذا الوجدان. ليس للمصريين فقط ولكن كل العرب. فى التسعينيات كنت
فى زيارة للمملكة المغربية، وحاولت أن أحدد مواعيد للقاء بعض
الشخصيات المهمة قال لى صديق مغربى: كل المواعيد ستبدأ بعد
الانتهاء من عرض مسلسل رأفت الهجان.. تصورت أنه يبالغ أو أنه
يجاملنى كمصرية.
فى موعد عرض المسلسل قررت التسوق فى وسط مدينة الرباط، فوجئت
بالشوارع شبه خالية إلى درجة صعوبة إيجاد سيارة تاكسى، وأنا أسأل
شابا مغربيا متعجلا عن الطريق لشارع محمد الخامس قال لى بعد أن
أدرك من لهجتى أننى مصرية: أجلى مشوارك بعد انتهاء مسلسل الهجان.
صحيح أن المسلسل كان له تأثير كبير فى مصر، لكنى أبدًا لم أتصور
ذات التأثير وربما أكثر على الشعوب العربية التى يذاع فيها
المسلسل، أذكر سؤال المغربيات عن محمود عبدالعزيز.. كانوا متيمين
بأدائه كانوا يتحدثون عنه وكأنه هو البطل الحقيقى رفعت الجمال،
قالت لى إحداهن إن مسلسل الهجان غفر لمصر اتفاقية الصلح المنفرد مع
إسرائيل! إلى هذا الحد نجح الهجان فى إذابة بعض من الجليد الذى نشأ
بين مصر وعالمها العربى بسبب اتفاقية السلام التى وقعها السادات مع
العدو الإسرائيلى. وأعاد لجهاز المخابرات وضعه وهيبته لدى الجميع
بعد كشف بعض الممارسات غير السليمة من رئيسه السابق صلاح نصر والذى
أعفى من منصبه بسببها وحوكم عليها.
مسلسل الهجان كان الضوء الكاشف للدور الوطنى المهم الذى لعبته
المخابرات المصرية ضد العدو الإسرائيلى، فى حرب الاستنزاف وحرب١٩٧٣
وخلق وعيا لدى الأجيال الجديدة بقدرات المصريين التى تأثرت بثقافة
السلام المزيف لتعرف أن «إسرائيل عدو الأمس واليوم والغد».
رحل رأفت الهجان. والشيخ حسنى فى (الكيت كات) وسمير فى (الشقة من
حق الزوجة) ومنصور فى (الساحر) والدكتورعادل فى (العار) والضابط
توفيق شركس فى (البرىء). والجاسوس منصور ورجل المخابرات عزالدين فى
إعدام ميت. والعديد من الشخصيات فيما يقرب من ٩٠ فيلما. استطاع فى
كل عمل أن يقدم لنا شخصية مختلفة، كان أهم ما يميز أداءه مصريته،
لا تملك إلا أن تصدق أن سمير الموظف فى الصباح وسائق التاكسى بعد
الظهر فى فيلم الشقة من حق الزوجة، هو الذى يرقص على أغنية زحمة
يادنيا زحمة، وهو الذى يلقى فى وجه حماته بالغسيل فى مشهد من أحلى
مشاهد الكوميديا على الشاشة الفضية، وأن توفيق شركس هو ضابط الشرطة
المصرى الذى يعيش تناقضا حادا بين شخصيته الوديعة الرقيقة مع أسرته
وشخصيته الأخرى القاسية المستبدة فى المعتقل. ولا هذا الطبيب عادل
الذى ترك نفسه لتيار المال الحرام فى العار ولم يجد أمامه إلا
السخرية من ضياع كل شيء بالغناء (والملاحة والملاحة وحبيبتى ملو
الطراحة)، أما الشيخ حسنى الضرير الذى يقود الموتوسكيل فى مشهد هو
من روائع السينما المصرية هو هذا المواطن البسيط الفقير ولكنه أبدا
ليس بالشخص العادى، محمود عبدالعزيز قادر على أن ينسيك أنك تشاهد
عملا فنيا - مجرد تمثيل- بل يجعلك تنتقل من أمام الشاشة للشارع أو
الحارة لتلتقى بمواطن مصرى من دم ولحم، محمود عبدالعزيز هو واحد من
هؤلاء الذين كانوا ومازالوا – رغم رحيلهم - قادرين على إدخال
البهجة إلى قلوبنا بالفن الجميل، حتى ولو كانوا ينقلون الواقع
المر.
كثير من هؤلاء لم يأخذوا حقهم ومنهم محمود عبدالعزيز، رغم النجومية
وحب الناس ولكنه أبدا لم يعامل بما يستحق من الدولة، بعض المقربين
منه قالوا إنه مر باكتئاب بسبب ضعف الأعمال التى تعرض عليه، وقضى
بالفعل أوقاتًا طويلة بلا عمل، لأنه لا يحب أن يقدم الغث، ولأنه
محب لجمهوره وفنه إلى درجة التفانى. كم كان هذا مؤلمًا للعظيم
محمود عبدالعزيز كان يحلم بالكثير الذى يستطيع أن يقدمه ولكنه عاجز
عن تحقيقه كان الضاحك الباكى.
تقاطعت أفكارى عن محمود عبدالعزيز مع صوت القدير على الحجار وهو
يصدح بكلمات العظيم عبدالرحمن الأبنودى
كل الجروح ليها دوى
ياطير.. يا حايم.. ف الهوى
اطوى الجناح على الجراح
واضحـك..
ويلا.. نطير سوى
أنا مش هبيع الصدق ب الأكاذيب
ولا قولش للحمل الوديع.. يا ديب
ولا قولش للديب.. يا أعز حبيب
والصدق مهما.. عزّ
ف.. الأزمه.. مش.. ههتز
ساعات يكون
كــــــــــتّم الأنين
أصــــــــــــد ق
الصدق هو عنوان أى فنان على الحجار والأبنودى ومحمود عبدالعزيز.
كان حزينًا رغم قدرته اللا محدودة على إضفاء البهجة على الآخرين،
يصعب عليه كثيرًا أن يقبل عملا لا يرضيه بالكامل، وهو الذى لم
يتردد لحظة عن قبول العمل مع مخرجين لازالوا فى بداياتهم لقناعته
بموهبتهم وبالعمل المقدمين عليه، كما قبل بحدس الفنان أن تكون
أمامه بطلات شابات لم تخطُ بعد خطواتها الأولى فى عالم الفن، فكانت
منة شلبى فى الساحر ووفاء صادق فى القبطان، وغيرهن كثيرات.
ربما لم يشعر محمود عبدالعزيز بتقدير الآخرين له بما يستحق ولكنه
كان متعففًا عن الطلب أو الشكوى كان (كتم الأنين أصدق)، مع أنه
بالفعل واحد من الكبار تحقق ذلك بعد وفاته، جهاز المخابرات العامة
المصرية ينعيه فى صحيفة الأهرام، فى سابقة لم تحدث من قبل وذلك
لدوره الوطنى، كما تصدر خبر وفاته نشرات أخبار الفضائيات العربية
والصحف، وفى صحيفتين من أشهر الصحف الفرنسية احتل خبر رحيله مساحة
ليست بالصغيرة.. (صحيفة ليموند) قالت إنه صاحب الوجه الضاحك
المتميز بخفة الدم والبساطة فى التعبير، وأشارت إلى فيلمه العظيم
الكيت كات.
أما صحيفة ليبرالسيون وصفته بأيقونة السينما المصرية، وأشارت إلى
فيلميه الكيت كات للمخرج داود عبدالسيد والساحر للمخرج الراحل
رضوان الكاشف باعتبارهما من أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية.
كثيرون من الكبار يعيشون بيننا لا نعطيهم ما يستحقون مع أنهم قدموا
الكثير دون أن ينتظروا المقابل. تداخلت أفكارى بين محمود عبدالعزيز
وبين صوت الحجار، والحجار واحد أيضًا من الكبار موهبة وقدرة
واحترامًا للفن واجتهادًا فى اختيار الكلمة واللحن يحمل هموم الوطن
فى قلبه، من يعطيه حقه هو وآخرين من الفنانين والمبدعين والعلماء
هم ملح هذه الأرض.. هم الذين جعلوها حلوة الحلوات. يغنى الحجار:
اللى بنى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى
وعشان كده مصر يا ولاد مصر ياولاد حلوة الحلوات
بحلم يا صاحبى وأنا وأنا لسه بأحبى
بدنيا تانية ومصر جنة يا صاحبى
وآجى أحقق الحلم
ألقى الموج عالى عالى عالى عالى طاح بى
ونعود سوا نطوى الأنين بالحنين
ونعود سوا نطوى الأنين بالحنين
وعشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات.
رزق شحاتة.. كاتم أسرار «الساحر» يكشف عن وصيته
للمصريين: «خلوا بالكو من بلدكو»
حوار: نورا حسين
أسرار مهمة لا يعرفها الكثيرون عن حياة «الساحر» محمود عبدالعزيز
يكشفها لـ»المصور» صديقه المقرب وكاتم أسراره المقيم فى العاصمة
الفرنسية «باريس»، رزق شحاته، والتى كان الراحل يقيم فيها كثيرا مع
عائلته، ويتمتع بدائرة واسعة من الأصدقاء هناك.. فإلى نص الحوار:
·
متى بدأت علاقتك بالفنان الراحل؟
«قبل أى كلام ممكن أقوله عن صديقى وحبيبى الفنان الراحل محمود
عبدالعزيز، أطلب منكم الدعاء له بالرحمة والمغفرة، فمهما قلت عنه
لن أوفيه حقه، فقد تعرفت عليه منذ ٢٠ عاما، عن طريق صديق مشترك
بيننا فى فرنسا حيث أقيم هناك، وعندما تعرفت عليه وجدت فيه ملامح
الإنسانية التى لم أرها فى مخلوق سواه، لذلك لم نفترق أبدا وظللت
طوال الـ٢٠ عاما الماضية الصديق المقرب له من فرنسا.
·
وهل كان يحب السفر لفرنسا كثيرا؟
نعم كان يحب فرنسا جدا، فكان يأتى إلينا مرتين كل عام، مرة فى فصل
الصيف، وأخرى فى الشتاء، لأنه كان يعتبر فرنسا بلده الثانى منذ أول
مرة جاء إليها لعمل عملية جراحية فى البنكرياس، فهو يعشق جو فرنسا،
وكان يهوى جمع «الأنتيكات» والتحف الفرنسية، ومنها موبيليا لويس
السادس عشر ونابليون الثالث ويهوى أيضا جمع الانتيكات من سرفيسات
الأطباق من ماركة سيفر المعروفة وكان دائما يأخذنى إلى «دوفيل» على
البحر فى المكان الذى صور فيه المخرج هتشكوك فيلم «الطيور».
·
وما الجوانب الإنسانية التى لمستها فيه؟
كان إنسانا طيبا وصادقا ومتواضعا، لن أنسى أنه وقف معى فى أزمة
كبيرة مررت بها منذ ٩ سنوات، ولم يتركنى إلا عندما أطمئن أن الأزمة
مرت بسلام، فهو رجل حق وحمل كثيرا من هموم المصريين فى الخارج، كما
كانت شخصية محمود عبدالعزيز شخصية عصبية، لكنها كانت تخفى وراءها
أطيب قلب عرفته فى حياتي.
·
محمود عبدالعزيز كان معروفا فى الوسط الفنى بأنه أكثر الفنانين
تواضعا.. هل هذا حقيقي؟
أنا أحدثك عن عبدالعزيز الإنسان حتى بعيدا عن الوسط الفني، لن
تصدقى إذا قلت لكِ إنه كثيرا ما كان يترك عزومات فى أكبر مطاعم
باريس ويقولى «خدنى عندك نفسى فى طبق فول وحتة جبنة بيضا».
·
وما الذى تتذكره من ذكريات وكواليس فنية حكاها لك؟
مشهد الطشت والهدوم اللى رماها على القديرة نعيمة الصغير فى فيلم
«الشقة من حق الزوجة»، هذا المشهد لم يكن مكتوبا فى سيناريو
الفيلم، لكنه فعله بتلقائيته الكوميدية، لذلك رحب جدا مخرج الفيلم
عمر عبدالعزيز بالمشهد وأضافه على السيناريو.
·
وماهى أقرب الأعمال الفنية لقلب الراحل؟
«الشيخ حسنى» فى فيلم «الكيت كات» هو أكثر الأعمال الفنية قربا إلى
قلبه، فكان يحكى كثيرا عن الشيخ حسنى وعن المواقف الكوميدية «اللى»
حدثت أثناء تصوير الفيلم، وكنت عندما أقول له إنه «مافيش» فنان فى
مصر يقدر يقدم الشيخ حسنى غيرك، كان يسعد كثيرا بذلك.
·
وماذا عن آخر مكالمة تليفونية بينكما.. وهل طلب منك شيئا؟
الحقيقة أنه بعد تدهور حالته الصحية بهذا الشكل، كان لا يستطيع
الكلام، ولكننى كنت أحادث زوجته بشكل مستمر، وللأسف فى الأيام
الأخيرة كنت أسمع صوته يتألم وأنا مع زوجته على الهاتف، فكنت أغلق
الخط، وأقوم بتشغيل مسلسل «رأفت الهجان» على الحلقة الأولى فى
المشهد الذى يبكى فيه من الألم فى حضن الفنانة يسرا، وفى المكالمة
الأخيرة طلب منى دواء أرسلته له من فرنسا قبل وفاته بليلة، ولكنه
للأسف رحل سريعا وتركنا نعيش على ذكراه ولم يتناول الدواء، كان
نفسى أساعد فى شفائه.
·
فى رأيك.. ما الخطوة الفنية التى اعتبرتها نقلة جديدة فى حياته؟
عبدالعزيز كان يعتبر فيلم «العار» نقلة جديدة فى مشواره، خاصة لأنه
ترك الرومانسى وانتقل إلى الأعمال الكوميدية، فكانت قالبا جديدا
يحبه، وبالفعل امتاز فى تقديم الكوميديا، لأنه شخصية مرحة جدا فى
الحقيقة.
·
والشىء الذى كان يسعده كثيرًا؟
جلوسه مع أصحابه، كان يحب أن يجمع أصدقاءه حوله، ونقوم بإلقاء
النكات والضحك الهستيرى عليها، أيضا كان يسعد كثيرا عندما كنا نجلس
على مقهى فى باريس ويأتى العرب وينادون عليه هاتفين «رأفت الهجان»
(بتعطيش الجيم) ويطلبون التصوير معه، وكان يصل عدد من يريدون
التصوير معه فى المرة الواحدة إلى ٥٠ معجبا، ويتركنا ويقف للتصوير
رغم مرضه وتعبه، إلا أنه كان من المستحيل أن يحرج أحد معجبيه.
·
هل كنت معه عندما سافر إلى المغرب لتكريمه منذ سنتين؟
نعم كنت معه، ولأول مرة فى التاريخ يحدث ما حدث معه، كان عبدالعزيز
هناك لتكريمه فى مهرجان الدخلة جنوب المغرب، وعند نزولنا إلى هناك
خرجت المدينة بأكملها لاستقباله والاحتفال به، ولأول مرة فى تاريخ
مهرجان سينمائى عند دخوله تم عزف موسيقى «رأفت الهجان» والنشيد
الوطنى المصري، وقتها لم أنس دموع فرحته وسعادته الكبيرة بما حدث.
·
هل كان يتحدث معك عن وضع الفن الآن.. وهل كان معجبًا بموهبة أحد من
جيل الشباب؟
كان حزينا جدا على الأوضاع الفنية الحالية، ولن أنسى حزنه الشديد
والفضيحة التى تسبب لنا فيها بعض الفنانين فى مهرجان «كان» بعد
ثورة ٢٥ يناير، وكان معجبا جدا بالفنان الشاب مصطفى أبو سريع الذى
كان يشاركه فى مسلسل رأس الغول، وكان دائما يقول إنه موهبة صاعدة
وتوقع له مستقبلا فنيا كبيرا.
·
وماذا كان يقول عن مصر؟
كان يحب مصر كثيرا، وكان يدعو للرئيس عبدالفتاح السيسي، وبالفعل
أقمنا مظاهرة فى باريس لمساندة السيسي، وشارك معنا هو وأولاده محمد
وكريم، رغم أنه كان مريضا، كان دائم القلق على حال مصر والمصريين
وكثيرا يدخل فى اكتئاب عندما يشعر بأى خطورة على مصر.
·
وماذا عن وصيته الأخيرة؟
محمود كان عاشقًا لبلده، وآخر جملة أوصى بها للمصريين هى كان سيوصى
الشعب المصرى «خلوا بالكوا من بلدكوا».
·
من كان الأقرب إلى قلبه من أفراد عائلته؟
كان يحب حفيدته ابنة كريم، كان دائما يحكى عنها، وكانت روح قلبه
والقريبة منه جدا.
·
متى كانت آخر مرة قابلت فيها «الساحر»؟
عندما كان فى زيارته الأخيرة إلى باريس منذ شهر بالضبط، لإجراء
عملية جراحية، وكان سعيدا بشفائه نسبيا من الألم، وفاجأنى بتقديم
هدية لزوجتى؛ بمناسبة عيد ميلادها، وبعدها عاد إلى مصر ودخل إلى
المستشفى مرة أخرى بعد أن تدهورت حالته الصحية ولم يخرج منها إلا
بعد وفاته.
«نعى»
على غير العادة
بقلم: أحمد أيوب
«ننعى بمزيد من الحزن والأسى الفنان الكبير محمود عبد العزيز الذى
أثرى بفنه العديد من الإبداعات والذى جسد بصدق بطولات أبناء الوطن
عبر إخلاصه وقدرته العظيمة»..
هذا نصا نعى جهاز المخابرات العامة للفنان الراحل محمد عبدالعزيز
نعى على غير العادة لفنان غيرعادى
لم يفعلها جهاز المخابرات العامة من قبل، لكن مع فنان بحجم ووطنية
رأفت الهجان لا مانع أن يخالف هذا الجهاز الوطنى عرفه الذى سار
عليه، وأن يخرج عن المعتاد لينعيه ويعلن على الجميع كم كان هذا
الفنان وطنيًا مخلصًا، لم يبع بلده ولم يتخل عنها
القصة عند جهاز المخابرات ليست فنان كبير فقدناه، وإنما رجل قدم
لبلده ما لم يقدمه كثيرون، أدى رسالته بضمير وإخلاص وطنى وبكل
تواضع وحب جعل أجيالا متعاقبة تعرف معنى التضحية وتعيش روح الفداء
من أجل الوطن، فعلى مدى ثلاثة أجزاء جسد فيها دور رجل المخابرات
رأفت الهجان أبدع محمود عبدالعزيز لدرجة جعلته نموذجا يقلده الشباب
ويفتن بدوره أغلب المصريين
عبد العزيز قدم لمصر فى مسلسل الهجان ما لم يقدمه آخرون يرسمون
أنفسهم وكأنهم أبطال وأصحاب فضل على مصر، ورغم ذلك لم يزايد
عبدالعزيز على بلده ولم يتاجر بدوره، وهذا وحده يكفى لاحترامه.
نعى المخابرات العامة يحمل ألف رسالة فى كلمات معدودة، وأول
الرسائل أن جهاز المخابرات العامة يعرف الفضل، لا ينكر الجميل بل
يعرف كيف يحفظه لأهله أحياء وأمواتًا.
الرسالة الثانية كانت للجميع بأن التكريم واجب للأبطال، كل من خدم
وطنه، كل من ضحى من أجل مصر، كل من قدم جهدا أو ساهم فى عمل لصالح
مصر، ومحمود عبدالعزيز واحد من الأبطال الذين يستحقون التكريم.
الرسالة الثالثة التى حملها نعى المخابرات لرأفت الهجان، أن مصر لا
تنسى أبناءها المخلصين، طالما أنهم لم ينسوا فضلها عليهم.
الرسالة الرابعة، أن الفنان يمكن ألا يقل دوره عن فدائية رجال
الجيش فى المعارك الحربية، وبنفس المنطق فالدولة ومؤسساتها الوطنية
تتعامل معهم بنفس درجة احترامها وتقديرها لشهداء الوطن وأبطاله، إن
مافعله جهاز المخابرات مع الراحل المبدع محمود عبد العزيز يؤكد
بالفعل أننا أمام مؤسسة محترمة ويطمئننا أن الوطن لايهدر حق
المخلصين من أبنائه، وعلى الجميع أن يعى هذا المعنى ويطمئن.
الملك.. محمود عبدالعزيز
بقلم: أكرم السعدنى
فى مطلع الثمانينيات كان «اللوكيشن» هو ملتقى عدد كبير من مبدعى
مصر، منهم «الملك» فريد شوقى الذى اجتمعت حوله كل أجيال دولة
الفنون وفى اللوكيشن كان اللقاء اليومى من العاشرة مساء وحتى طلوع
الفجر، ذات يوم كان العم صلاح السعدنى ومعه إبراهيم عبد الرازق
وعبد الله فرغلى وسعيد صالح ووسطهم فريد شوقى.. سألوه يا ملك
دلوقتى «فلان الفلانى» بيمثل ١٥ فيلمًا فى السنة من بين الـ٦٠
فيلمًا اللى بتنتجها السينما فى مصر ..فرد الملك آه يا حياتى.
السؤال فين بقى؟ !.. ثم عاد العم صلاح ليسأل فلان ده هو اللى هيبقى
الملك بعدك !!ضحك الفنان الأجمل فى دنيا الفنون وقال.. لا لا لا ما
ينفعش خالص.. فقال السعدنى طب سمى مين الملك اللى بعدك..
بدون تفكير قال الملك اللى بعدى هو محمود عبد العزيز.. وأما
الأسباب الفنية التى عددها الملك فريد شوقى فكلنا نعلمها ولكن
الأسباب الإنسانية استغرقت من الملك وقتا طويلًا وهو يعدد مزايا
هذا النجم الذى غزا قلوب عشاق دولة الفن فى مصر وانطلق إلى عالمنا
العربى ..بالمناسبة حتى لا يفهمنى أحد خطأ «فلان الفلانى» هو نجم
بزغ ثم انطفأ إشعاعه وهو الآن أحد الثائرين الناشطين المتفلسفين
وهى مهنة من لا مهنة له وأخونا إياه سوف تكون له معنا وقفة سنقول
فيها ما يمكن لقانون النشر أن يسمح به.. المهم سنعود إلى أجمل من
قابلته فى رحلة الحياة عمى وتاج الرأس محمود عبد العزيز الإنسان
الذى لا يمكن أن تختلف معه أو حوله تربى فى الإسكندرية مدينة السحر
وأكاديمية الجمال فاكتسب منها خصائص المدينة فهو كما بحرها لا حدود
لمشاعره النبيلة أما أعماقه فهى خزانة لكنوز الصفات البشرية التى
لا تتوفر سوى لعباد الله الذين خصهم باحتواء كل البشر وبمحبة الناس
حيث البساطة بلا ادعاء والشهامة بغير إعلان والرجولة كما ينبغى لها
أن تكون.. عرفت محمود عبدالعزيز فى العام ١٩٨١ وشاهدته للمرة
الأولى فى منزل الرائع السكندرى الجميل النبيل بهجت قمر ذلك لأن
أهل الإسكندرية شىء ما يشدهم ويجمعهم فى رباط مقدس هو ذلك السحر
القادم من أعماق البحر ..وكان محمود يعتبر بهجت قمر هو «حاضن
المبكى» وليس «حائط المبكى» كلما شعر أحد من أهل الفن المقربين
لبهجت بالإحساس والحاجة إلى البكاء وتفريغ الشحنات السلبية ذهب إلى
هناك هكذا كانت تفعل معالى زايد الجميلة الجريئة وهكذا وجدت هناك
محمود عبد العزيز فى أول مرة يقع بصرى عليه ومنذ ذلك اليوم لم
أبتعد عن الفنان الكبير العظيم العطاء الذى ينطبق عليه السهل
الممتنع المتسع واليوم لا أدرى كيف أنعى هذا الإنسان والفنان الذى
كان منبعًا للبهجة والسعادة طوال حياته.. وعلى نفس هذا المنوال سوف
نحكى حكايات وقصص محمود عبدالعزيز ونواصل الكتابة عن صاحب البهجة
فى دولة الفنون، الرجل الوحيد والفنان النادر الذى اختاره فريد
شوقى ليحمل من بعده اللقب الأعظم فى دولة الفنون «الملك» نعم ذهب
محمود عبد العزيز بجسده وكلنا سوف نذهب ولكن ما أجمل أن تترك خلفك
ذكرى يتداولها الناس فيندهشون ويضحكون ويتعلمون ويفكرون وهم
يترحمون عليك أيها الضاحك المبكى ..الشهم الجدع الوفى ..لقد تابعت
اليوم مشهد الوداع الأخير فوجدت الغالى النفيس حسين فهمى يحبس
دموعه ومشاعره حتى خرج الجثمان الذى كان يحمل أجمل روح.. فإذا
بحسين فهمى ينهار لفراق أحد أجمل زملاء العمر وجدت محمود حميدة.
وكان أقرب الناس إلى قلب محمود عبد العزيز وهو الوحيد الذى كان
مسموحا له من ناحية» حميدة «بأن يتجاوز فى الهزار وفى المزاح وكان
عبد العزيز وحميدة وكأنهما توأم روح رغم فارق العمر ..وجدت حميدة
وأعماق الأسى الرهيب تشع من كيانه بأكمله.. لم أقترب منه واحترمت
لحظة حزن عميقة سوف تعيش داخله مع الزمن.. لم يفتح حميدة فمه بكلمة
واحدة وانطلق ليسبق الموكب إلى الإسكندرية يوارى صديق العمر ولمحت
أحدهم وهو من الموهومين.. فداخله وهم أعظم بكثير من موهبته.. هذا
العالمى اتجه إلى كل كاميرا وتكلم فى كل ميكرفون.. ذلك لأنه لا
يفوت فرصة إلا، واستغلها فى صالح الإعلان لنفسه..
كان كل أعضاء النقابة هناك ليس لكونهم مسئولين عن المهنة خدميا
..ولكن لأنهم فى الحقيقة تأثروا بإشعاع هذا الكائن النادر التكرار
محمود عبد العزيز رأيت أشرف زكى وهو يغالب دموعه وسامح الصريطى
محاولا تنظيم الأمور حتى لا تحدث مأساة بسبب الاندفاع الشديد
وتكالب الافندية المصورين وأصحاب كاميرات الفيديو الخاصة
بالفضائيات وكان أبو داود يقف فى حالة ذهول غير مصدق بأن نجم
الليالى والملحمة الأجمل فى ليالى بهجت قمر وسمير خفاجى قد غادر
دنيانا.
وإلى العدد القادم |