«خان»
يا بيه
كتب : شيماء سليم
فى حوار أجريته عام 2004 مع المخرج الكبير «محمد
خان»، (1942 – 2016)، قال إنه اكتشف أن علاقته بفن الدراما بدأت
عندما كان صبيًا فى المدرسة، خاصة فى حصة الإنشاء الشفهى، حيث كان
يسأل المدرس التلاميذ من منهم سوف يقوم بالكلام، فيهتف الجميع
مطالبين بالأفضل (خان يا بيه).. ملكة الحكى التى ميزت «خان» فى
فترة صباه نمت وتزايدت مع مرور السنين، ليكون من أفضل المخرجين
المتمتعين بهذه السمة. فأيًا كان نوع الفيلم الذى يقوم بإخراجه،
وقد قدم تقريبًا جميع النوعيات.. كان الحكى عنده هو الأصل
والأساس.. كان بحق يحترم ويعتنى ويقدس الحكاية.
لا يعتبر «محمد خان» من المخرجين الذين مروا بمراحل
فى حياتهم، فنقطة البداية عنده تشبه نقطة النهاية، لذلك لا يمكن
اعتبار أنه فى مرحلة ما تميز عن الأخرى، وطوال سنوات عمله التى
وصلت إلى 35 عامًا، من «ضربة شمس» فى 1980 وحتى «قبل زحمة الصيف»
فى 2015، سوف نجد أن الظروف كانت تتغير، سواء فى نوعية المنتجين،
شكل التقنيات، طبيعة المؤلفين، أو تجدد أجيال الممثلين.. إلا أسلوب
«خان» يظل كما هو ثابتًا وواحدًا، لذلك فمن الصعب مثلاً تعريف أى
فيلم قام بإخراجه على أنه فيلم «عادل إمام» أو «أحمد زكى»، بقدر ما
تُعرف هذه الأفلام بأنها أفلام «محمد خان».
ربما تكون براعته فى الحكى هى ما جعلت أفلامه قريبة
من الناس، فهدف أى متفرج عادى هو التمتع بالقصة التى يشاهدها فى
الفيلم، لذلك كان «خان» هو أكثر من تمتع من أبناء جيله بشعبية
وحضور وسط الناس العادية. وقد كنت أندهش دوما من أن أسرتى مثلا،
والتى لا يعمل أى منها فى المجال الفنى أو الثقافى، يعرفون
وينتظرون أفلام «محمد خان» بالتحديد! لم أكن أدرى لماذا، ولكنى
عرفت فيما بعد أن حكايات أفلامه كانت أحد الأسباب، والسبب الأهم
أنه كان من أقل المخرجين «تفزلكًا»، فالبساطة والسلاسة كانت الإطار
الأساسى لأفلامه حتى وإن كانت تحمل فى مضمونها أفكارًا كبيرة
ودراما ثقيلة.. إلا أنه أبدًا لم يضع ممثليه أمام الكاميرا ليقدموا
وصلات من النحيب والولولة، فالممثل عنده يكون حقيقيًا وطبيعيًا فى
أدائه دون أى افتعال أو انفعال زائد.. وإذا حاولنا أن نعرف سر
واقعية «خان»، وهى «التهمة» التى لاصقته وأبناء جيله، سنجد أنها
تجاوزت الفكرة والموضوع وكانت تكمن فى التفاصيل خاصة اختيار
الأماكن التى تجرى فيها الأحداث، فالأماكن كانت واقعية بالفعل من
المطابخ وغرف المعيشة وطرقات المنازل إلى أسواق الخضار والحوارى
والشوارع الواسعة.
الذكرى الثانية لرحيل «خان» فى 26 يوليو القادم..
وحتى ولو كانت هى الذكرى الثانية بعد الألف فلا يمكن أبدا أن ننساه
أو ننسى أفلامه.. لأنه ببساطة «خان يا بيه».>
####
أحمد رشوان: حياتى تغيرت بسببه
كتب : شيماء سليم
كم من الأشخاص يدخلون حياتنا بشكل عابر أو دائم ولكن كم من الأشخاص
يتركون بداخلنا ذاك الأثر الذى لا يزول بكثرة السنين ولا تتجاوزه
الأيام.. منذ 28 عامًا قام «أحمد رشوان» وكان شابًا فى مقتبل العمر
يدرس الحقوق ويهوى الصحافة بإجراء حوار مع المخرج الكبير «محمد
خان» الذى نصحه بأن يلتحق بمعهد السينما لتتغير حياة «رشوان» إلى
الأبد بعد هذا اللقاء. ولتبدأ صداقة قوية بين الاثنين..مما يدفع
«رشوان» لاحقا للبدء فى صناعة فيلم وثائقى حول علاقته بهذا المُعلم
أو الـ«Mentor»
بلغة الأساطير.. للأسف لن يتمكن «خان» من مشاهدة هذا الفيلم لأن
حياته على أرض الواقع انتهت ولكن وجوده فى قلوب من تأثروا به مازال
قائمًا ولن يمحوه الموت.
التقينا المخرج «أحمد رشوان» ليحدثنا عن فيلمه «خان..المُعلم».
>كيف
بدأ تفكيرك فى صناعة هذا الفيلم؟
-
هذا المشروع بدأ فى حياة «محمد خان» فقد قررت صناعة هذا الفيلم منذ
عشر سنوات وكأى مشروع سينمائى ينشط أحيانا ويخمد أحيانا إلا أنه
وقبل وفاة «خان» بشهر تقريبًا نشط المشروع من جديد وبدأت فى تنفيذه
وقد تصادف أن أقيمت ندوة تحدث فيها «خان» عن علاقتى به وتحدثت أنا
أيضًا عن هذه العلاقة التى بدأت منذ 28 سنة.
>
وكيف كان استقباله لفكرة عمل فيلم عنه؟
-
رد فعله كان بأدائه الجميل المعتاد يضحك ويقول «هتعمل فيلم طيب
ورينى شطارتك وأكيد طبعًا هتطلع عينى معاك».
>
ما طبيعة السرد فى الفيلم؟
-
الفيلم يتضمن عدة محطات منها زملاؤه الذين عملوا معه مثل المصور
«سعيد شيمى» والكاتب «بشير الديك» وكذلك علاقتى الخاصة به من خلال
عملى معه فى بعض أفلامه كمساعد مخرج أو سفرنا سويا فى العديد من
المهرجانات. وأيضًا تسجيلات قديمة لحوارات أجريتها معه، وكذلك
تسجيلات لشرائط كاسيت كان يرسلها «خان» وهو خارج مصر لـ«سعيد شيمى»
وغيرها من المواد التى كانت متوافرة عندى أو عند آخرين أو حصلت
عليها من «خان» نفسه قبل سنوات.. منها استمارات اختيارات الممثلين
فى بعض أفلامه وأوراق خاصة بتحضير أفلامه أو ما نطلق عليه (ديكوباج
– أى تقطيع المشاهد للقطات).
>
اخترت أن يكون عنوان الفيلم «خان.. المُعلم» لماذا؟
-
لأن العلاقة التى يجسدها الفيلم بينى وبينه هى علاقة الأستاذ
والتلميذ وهى الأساس فى الفيلم والأمر لا ينطبق علىّ وحدى ولكن
أيضًا على تلاميذ آخرين لـ«خان» فى مجالات مختلفة فى صناعة
السينما، فقد كان مكتشفًا لمواهب وراء الكاميرا أكثر من المواهب
التى اكتشفها أمام الكاميرا.. حيث كان يذهب دائمًا لمشاهدة أفلام
(مشاريع التخرج) لطلبة معهد السينما ويكتشف من خلالها الموهبين فى
مختلف العناصر سواء التصوير أو الإخراج أو غيرهما.
>
هل وجدت أن صناعة فيلم عن شخص قريب منك مسألة صعبة؟
-
بالعكس فالأفضل بالنسبة لى أن أحقق أفلامًا عن شخصيات أعرفها ولها
تأثير خاص عليّ وإن كانت الصعوبة تكمن فى اقترابى الشديد منه
وتخيلى طوال الوقت لرأيه إن كان شاهد الفيلم، ومع ذلك فتأثرى
الشديد به هو ما دفعنى لصناعة هذا الفيلم فقد كان لـ«خان» تأثير
كبير لكل من حوله وخاصة الأجيال الأصغر منه والتى كان يجيد التعامل
معها واحتوائها وتكوين صداقات معها وأعتقد أن السبب فى ذلك أن
«خان» كمخرج كان معياره الصدق، ولذلك كان دائم الرغبة فى التعرف
والاقتراب من الناس، لذلك استطاع مثلا بعد أن عبر الستين عامًا أن
ينفذ أفلامًا مع وعن الشباب مثل «بنات وسط البلد» وغيره.
>
وما أكثر إحساس شعرت به وأنت تنفذ الفيلم؟
-
كنت كلما أتعمق فى الفيلم أشعر وكأننى أعيد اكتشاف «خان» من جديد
والأجمل أن الشباب الذين عملوا معى فى الفيلم ولم يقتربوا من «خان»
على المستوى الشخصى كانوا يكتشفونه أيضًا معي، فهناك العديد من
الأشياء التى توضح فلسفة «خان» فى الحياة والعمل، فكرة أنه لا ييأس
أبدًا ولديه دائمًا القدرة على التفكير فى (التالي) فلم يكن يوقفه
شيء. أيضًا كيف كانت السينما تمثل الجزء الأكبر من حياته ليس فقط
صناعة الأفلام ولكن أيضًا الاهتمام بهذا الفن من قراءة وكتابة
ومشاهدة ومتابعة مهرجانات محلية وعالمية.. أيضًا بالنسبة للجانب
الشخصى كيف كان مقبلا ومحبًا للحياة، يحب الأكل والمشى والسفر.
>
وما هو أكثر شىء كان يؤرقه؟
-
كان أكثر ما يؤرق حياته هو تأخر حصوله على الجنسية المصرية والتى
لم يحصل عليها إلا عام 2014 أى قبل رحيله بعامين فقط..رغم أنه أبدا
لم يمثل أى من الجنسيتين اللتين كان يحملهما (الإنجليزية
والباكستانية) فى أى مهرجان، كان دائمًا يُعرف فى المهرجانات سواء
فى تكريمه أو عضويته لأى لجنة تحكيم أو مشاركة أفلامه على أنه يمثل
مصر.
>
ما أكثر المواقف التى لن تنساها بينك وبين«خان»؟
-
من أغرب الأشياء التى حدثت مثلا أننى دومًا أعتبر «محمد خان» هو
الأب الروحى لى وفى عام 1995 التقى بوالدى الحقيقى مرة واحدة فى
بيتنا فى الإسكندرية ويومها تحدثا معا وضحكا كثيرا وبعد هذا اللقاء
ظل كل منهما يطمئن على الثانى بانتظام –من خلالي- لكنهما لم يلتقيا
ولم يتحدثا معًا غير هذه المرة وتشاء الأقدار أن بعد وفاة «خان» بـ
27 يومًا فقط توفى والد.
>
العرض الأول للفيلم كان فى باريس منذ عدة أيام متى يعرض فى مصر؟
-
أنتظر أن يعرض فى مصر فى أحد المهرجانات وللأسف لن نعرضه فى
الذكرى، فالأستاذ «سعيد شيمى» سوف يقوم بإحياء ذكرى «خان» فى مركز
الهناجر بالأوبرا فى الفترة من 2 إلى 6 أغسطس من خلال معرض يضم
العديد من الصور بالإضافة لكتاب عن علاقة «خان» وشيمى وهو الأول فى
ثلاثة أجزاء يقوم بكتابتها الأستاذ «سعيد شيمى» يعرض من خلالها
رسائلهم المتبادلة فى الفترة من 1959 وحتى 1978 وهى السنوات التى
عاشها «خان» خارج مصر فى انجلترا ولبنان وكيف كانت تلك السنوات
شاقة فى حياة «خان» حيث كان يبحث فيها عن عمل وكان يعانى من أجل
محاولة صناعة أفلام سينمائية فى مصر.> |