قبل زحمة الصيف.. رسالة “خان” الأخيرة للكبار فقط
ياسمين عادل فؤاد – التقرير
في قرية سياحية بعيدة تقع بالساحل الشمالي، تدور أحداث فيلم “قبل
زحمة الصيف”، هناك حيث الهدوء التام والعزلة التي تُغري بارتكاب
الخطيئة، في تلك البُقعة من الأرض وفي ذلك التوقيت الذي يسبق زحام
الصيف المٌعتاد وضوضاءه نشهد أحداث الفيلم.
ذلك الفيلم الذي كان آخر ما منحه إلينا “خان”، صاحب البصمة الواضحة
بعالم الواقعية السحرية، وخير من قرأ النساء فعبَّر عنهن، ورسم
حكاياتهن بتفاصيلها الكثيرة والمتداخلة على الشاشة، بدقة وإتقان
أذهل النساء أنفسهن.
وبالرغم من الجدل الكبير الذي أثاره العمل من قبل حتى صدوره، أولًا
بسبب صورة هنا شيحة بالمايوه، وثانيًا بسبب بعض المقاطع التي ظهرت
بتريلر الفيلم، بالإضافة لكونه للكبار فقط، وهو ما لم نعتده من
سينما خان من قبل، التي لطالما كانت للجميع، إلا أن كل ذلك لم
يتسبب في إحداث حالة نفور من العمل، ذلك لأن وحدهم من تربوا على
أعمال خان يثقون برؤيته ويعلمون أن لديه دومًا ما يقوله ويُصوره،
فيستحق المشاهدة.
فيلم مصري إنتاج 2016، ﺇﺧﺮاﺝ: محمد خان، وفكرته؛ إذ صرح بأن فكرة
العمل جاءته بينما كان مع زوجته وحدهما بأحد القرى السياحية، فإذا
به يُفكر فيما يُمكن أن يفعله الإنسان حين يجد نفسه وحيدًا بمكان
كهذا!
وهو ما جعله يتجه لغادة شهبندر، لتقوم بتأليف العمل وكتابة
السيناريو الخاص به ذلك لأنها قريبة من تلك الطبقة بطلة الحكاية،
لتقوم غادة بكتابة العمل بالفعل باللغة الإنجليزية قبل أن تتم
ترجمته للعربية، ويتم بعدها الاستعانة بنورا الشيخ من أجل تطعيم
الحوار ببعض الإضافات.
أما بطولة الفيلم فلعدد محدود من النجوم هم ماجد الكدواني، هنا
شيحة، أحمد داود، هاني المتناوي، لانا مشتاق، بالاشتراك مع خيرى
بشارة وسلوى محمد علي.
العرض والتوزيع
عُرض الفيلم لأول مرة بأكتوبر 2015 في مهرجان دبي، حيث تنافس على
الجوائز ضمن فئة “المهر الطويل” إلا أنه لم يفُز بأي جائزة، كما
عُرض ليلة ختام الدورة الخامسة من مهرجان الأقصر للأفلام
الأفريقية، ونافس الفيلم خلالها ضمن مسابقة الأفلام الطويلة.
أما عن أول عرض له بالسينمات فكان في أبريل 2016، وإن كان لسوء
الحظ سُرعان ما أزاحه فيلم هيبتا من العرض بالسينما نتيجة للإقبال
الشديد على الثاني وضَعف الإقبال على الأول، حتى أن إيرادات الفيلم
لم تتجاوز الـ500 ألف جنيه رغم كل عوامل الجذب التي توفرت به.
وقد تفاوتت الآراء النقدية التي حظى بها الفيلم بين من وجدوا لفيلم
ضعيفًا فنيًا، ذلك لأنه من نوعية الدراما التي ليس بها حبكة ولا
نهاية أو ذروة للأحداث، هو فقط يستعرض لمحة من حياة الأبطال، قبل
أن يستمروا بحياتهم كأن شيئًا لم يكن، وكأننا لم نشهد شيئًاK
بينما وجد آخرون أن العمل جيدًا على مستوى الإخراج والإيقاع، يعيبه
أنه لا يُناقش قضية بعينها.
قصة الفيلم
يحكي الفيلم عن شريحة من المجتمع المصري، هؤلاء من يذهبون للقرى
السياحية من أجل قضاء العطلات والانفصال عن عالم الواقع بعض الوقت،
حيث نشهد:
هالة
امرأة جميلة بأواخر الثلاثينات، مُطلقة حديثًا ولديها ابن وابنة
بسِن المراهقة، تعمل كمترجمة، لكنها تُقرر الهرب من كل الأعباء
التي تُثقل كاهلها والذهاب للساحل للاسترخاء ومقابلة رجل ما تجمعها
به علاقة خفية.
وبالرغم من أنها تبدو لنا امرأة مُتحررة تفعل ما يحلو لها دون أن
تخاف من القيل والقال، إلا أنه وبالتدقيق بما يقبع وراء تصرفاتها
وردود أفعالها، نجدها غير سعيدة أو مُستقرة، ما يجعلها تبحث عن
حلول بديلة غير وسريعة من أجل معاودة الشعور بالاستقرار وتجاوز
محنات الحياة التي تمر بها.
يحيي
طبيب يُحب الحياة بوهجها وصخبها، لديه نهم خاص بالأكل والجنس،
بالرغم من تقدمه بالسن الذي يجعله يكتفي بالمُشاهدة، فيتابع الحياة
بنظارته المُكبرة، مُتمنيًا المشاركة لكنه يعلم أن الوقت قد مضى،
لتتحول نظارته المكبرة مع الوقت إلى قطعة مُكملة له، تُعينه على
مُجاراة الحياة.
دكتور يحيي لديه مشكلات مهمة بعمله، لكنه يتعامل معها بخفة أو
رُبما استخفاف، واثقًا من أنها ستنقضي، وبقدر ما يبدو قويًا وغير
آبهًا، إلا أن ضعفه وخوفه يتجلى واضحًا حين تطرده زوجته من الشاليه
مثلاً رافضةً الاستمرار معه فيبكي كطفل لا يعرف أين يذهب وماذا
يفعل، ليس بوسعه سوى أن يطلب منها السماح.
ماجدة
زوجة دكتور يحيي، امرأة من طبقة أرستقراطية، تعلم كل عيوب زوجها،
تلك العيوب التي لا يمكن التهاون معها أو تجاوزها بدون عمل وقفة
صارمة من أجل تصحيح الوضع أو الانفصال، لكنها على ذلك تُكمل الحياة
معه من جهة حفاظًا على الوجاهة الاجتماعية، ومن أخرى لأنها ترى
زوجها كطفل صغير لا يُحسن التصرف، لتصبح هي أمه التي تُعيد توجيهه
تارةً أو تقبله على عيبه تارةً أخرى.
وبقدر ما تبدو صارمة معه، وقوية إلا أنها بينها وبين نفسها تشعر
بالوحدة والتعاسة، وأن تلك الحياة التي تحياها ليست ما تمنته
لنفسها، وعلى ذلك تستمر بها، تحت شعار أن كل الرجال هكذا، وأنها
ليست حالة فردية بل كُتبت على كل من طالتهم مرحلة المراهقة
المتأخرة التي يمر بها الرجال بعد الخمسين.
جمعة
شاب صعيدي، انتهى من التجنيد، وشاء القدر أن يعمل بالقرية السياحية
في خدمة المُصطافين المتواجدين بدلاً من أخيه الذي تزوج لتوه، كي
يستطيع أخوه أن يحظى بأجازة زواج لبعض الوقت، وهناك في هذا المكان
تتفتح عين جمعة على عالم غير العالم، وحياة رُبما لم يكن يعلم
بأنها قد تتواجد فعلاً خارج الأفلام والشاشات الصغيرة التي يرى
الحياة من خلفها.
بعين جمعة نرى معه كل الشخصيات الأخرى، يستغربها دون أن يُحاول
تقييمها، رُبما لأن كل هذا أكبر من قُدرته على الاستيعاب، وعلى ذلك
نراه كيف يتطلع لتلك الحياة، وهؤلاء لأشخاص، خاصةً المرأة
الثلاثينية التي تُحسن الاهتمام بنفسها وجمالها قبل أن يتقدم بها
العُمر، وإن كانت تطلعاته بالنهاية لا تتجاوز عالم الأحلام.
كل هؤلاء يتناولهم الفيلم، على مدار 4 أيام قبل أن يزدحم الساحل
بالمصطافين، فنشاهد لمحةً من حياتهم، مقطع عرضي لكيف يقضوون
حياتهم، دون الخوض في تفاصيل، أو منح القصة أبعادًا أثقل مما تحمل.
الإخراج
قبل زحمة الصيف هو آخر أعمال المُخرج الراحل محمد خان، والذي وإن
كان لا يُشبه باق أعماله من حيث درجة العُمق، أو الطبقة التي يتحدث
عنها، إلا أنه يحمل جزءًا من روحه، وقدرته الثاقبة على تصوير
الواقع كما هو عليه دون إضافات مُبهرة، أو تجميل.
يتناول حياة أشخاص قليلين، فيضعهم تحت الضوء لبعض الوقت، لنتعرف
عليهم قبل أن نتركهم، تمامًا كما التقيناهم، بنفس المتاهة
الحياتية، دون تقدم أو تأخر.
وكعادة خان نجده يهتم بالتفاصيل سواء المعروضة على الشاشة أو فيما
خلفها، حتى أنه أصر على إقامة معسكر للممثلين أثناء تصوير العمل،
لمدة شهر كامل، لا يتحدثون فيه إلا عن شخصيات العمل، وما يحدث لهم
لا عن حياتهم الحقيقية.
من ضمن التفاصيل الأخرى التي اهتم بها خان كان إصراره على أن يظهر
أحمد داوود ببشرته السمراء الحقيقة، دون أي مساحيق تجميل لتتناسب
مع حقيقة كونه صعيديًا وقادمًا من التجنيد، كذلك طلب خان من ماجد
الكدواني ألا يُصفف شعره، وأن يظهر به على طبيعته، فقط يُبلله
بالماء ثم يُصففه بيده.
التصوير لـ”ڤيكتور كريدي”
أحد إيجابيات العمل كان الصورة التي خرج عليها الفيلم، وما بها من
جمال وألوان تفتح النِفس على ممارسة الحياة، وقد تم تصوير الفيلم
وفقًا لترتيب الأحداث، وليس وفقًا لاستعدادات الديكور خاصةً وأن
خان كعادته لم يلجأ لديكور مصطنع، بل توجه للقرية السياحية واختار
شاليهات حقيقية تم التصوير داخلها، في حين جاءت معظم المشاهد
خارجية تحمل الكثير من الكادرات الإيجابية والممتعة بصريًا.
التمثيل
بالرغم من عدم نجاح الفيلم جماهيريًا أو فنيًا بالقَدر المتوقع
لعمل من إخراج محمد خان، إلا أنه وبلا شك نقطة مهمة بحياة من
قدموه، بدايةً من هنا شيحة التي أثبتت نفسها لأول مرة بعالم
السينما بشكل مُختلف وعريض.
وبغض النظر عن وصف دورها بالجرئ فهي ودون شك قد أظهرت للمنتجين
قُدرات لم تُقدمها بأي فيلم آخر، حيث بات من الواضح أن لديها طاقات
فنية ومساحة من النضج يجب أن يتم استثمارها جيدًا، وهو ما بدأت
“هنا” تفعله بالسنوات الأخيرة ولكن بعالم الدراما.
هناك كذلك أحمد داوود الذي قدم دورًا جديدًا لم يقترب منه من قبل،
عساه ينقله لمنطقة أعلى، أما ماجد الكدواني فهو كعادته يأتي
بتمثيله الهاديء والمُتزن فيضع بصمته بوضوح وقوة، لافتًا الانتباه،
ومانحًا دوره درجة من الُعمق أياً كان قدر بساطة الشخصية التي
يلعبها.
ولعل أسوأ ما جاء على صعيد التمثيل بالفيلم هو الوجه الجديد هانى
المتناوى الذي لعب دور عشيق هنا شيحة، حيث جاء حضوره مُستفزًا وغير
مُقنعًا لأن يكون هذا الرجل هو الذي تكسر من أجله امرأة كهالة كل
تابوهات المجتمع فتخاطر بسُمعتها وسُمعة أبنائها من أجله!
الموسيقى التصويرية
الموسيقى من تأليف ليال وطفة، المعروفة بموسيقاها الساحرة،
والتعبيرية بامتياز، لهذا كان تواجدها نقطة إيجابية بالفيلم
وإضافةً له.
السيناريو
هو أضعف حلقة بالفيلم، إذ جاء ركيكًا، ما جعل الفيلم لا يعرف كيف
يترك أثرًا بنفس المشاهد بعد الانتهاء منه.
الأزياء
نجحت الستايلست نيرة الدهشوري في الاهتمام بالتفاصيل فيما يتعلق
بالملابس، تصفيفات الشعر، والإكسسوار وخاصةً فيما يتعلق بالشخصية
التي تؤديها هنا شيحة، حيث المرأة التي أوشكت على الدخول
بالأربعينات لهذا تجدها في اهتمام دائم بنفسها، مُحاولةً منها
التألق واستمرار عيش دور الشباب.
فيلم لن يكون أعظم ما شاهدته عيناك لخان، بل ورُبما حملت له مشاعر
مُتناقضة تجمع بين الرضا وعدم الشعور بالشبع الفني في الوقت نفسه،
ذلك لأنه وبقدر ما يقع في منطقة جديدة خارج دائرة خان الحميمية
والبسيطة، يظل داخل نفس الكادر كثير التفاصيل، حيث العدسة المُكبرة
التي ترصد كل شيء، لهذا كان من المنطقي ألا يلائم هذا العمل إلا
عدد محدود من المشاهدين، عساه مع الوقت يجد طريقه إلى قطاع أعرض من
الجمهور. |