كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

أبطاله يعكسون شيئا من ذاته ..

محمد خان: السينما ليست حدوتة بل مشاعر وأحاسيس

وتفاصيل وانفعالات ولحظات صدق

كتب - محمد جمال كساب

عن رحيل

محمد خان..

ملك الشخصيات والتفاصيل الصغيرة

   
 
 
 
 

ولد محمد حامد حسن خان فى حي غمرة بالقاهرة يوم 26 أكتوبر 1942 وتربي في حي السكاكيني والده باكستاني وأمه مصرية حصل علي الجنسيتين الباكستانية والبريطانية ترك دراسة الهندسة المعمارية بلندن ليتجه إلي عشقه للفن والسينما وفي عام 2014 حصل علي الجنسية المصرية بعد معاناة سنوات طويلة بقرار من الرئيس السابق عدلى منصور فى 23 مارس 2014 ورحل يوم الثلاثاء الماضي 26 يوليو 2016.

التحق خان بمعهد السينما في دفعته الأولي للدراسة في مدرسة لندن للعلوم السينمائية في الستينيات وتعرف هناك علي الموجة الجديدة في السينما الامريكية والفرنسية والإيطالية واليابانية وغيرها عمل هناك في بعض أفلام مخرج السينما العالمية هيتشكوك وتأثر بالمخرج الإيطالي أنطونيوني أول من أخرج سينما الديجيتال في مصرهو «كليفتى» وذهب إلي لبنان للعمل مساعدا للإخراج في عدة أفلام من 1964 إلي 1966 منها «الليالي الحلوة» و«الرهينة» و«انتربول في بيروت» و«مغامرات فلفلة» وتزوج من فتاة مصرية جميلة تعرف عليها بلندن أثناء ذهابها لدراسة اللغة الإنجليزية ثم تزوج من وسام سليمان وله ولدان حسن ونادين عاش فترة القومية العربية كما طال به العمر ليعاصر ثورتى 25 يناير و30 يونيه وقد كتب العديد من المؤلفات منها باللغة الانجليزية «مقدمة للسينما المصرية» وآخر عن السينما التشيكية.

إلى جانب العديد من سيناريوهات أفلامه ورفض العمل بالتليفزيون لأنه لم يستهوه وأنشأ شركة إنتاج باسم «الصحبة» مع زملائه المخرج عاطف الطيب والسيناريست بشير الديك والمونتيرة نادية شكري بهدف تقديم أفلام هادفة تعبر عن الناس لا تخضع لشروط السوق وسيطرة النجوم.

كما ظهر ممثلا في العديد من أعماله بأدوار صغيرة كنوع من المداعبة.

قضية الانتماء 

ظلت قضية الانتماء تشغل عقل ووجدان محمد خان في حياته وأعماله وهوجم بسببها لعدم حصوله علي الجنسية المصرية رغم أنه عاش وتربي في بلده مصر الذي عشقه بكل مافيه وتعلم في مدارسه واخلص له.

شعر بالجرح الغائر في أعماقه وكرامته دون أي ذنب اقترفه، علمه والده حب مصر والانتماء إليها قلبا ووجدانا وعلم أولاده الأمر نفسه وعبرت أفلامه عن هذا الحب الجارف.

ايد خان ثورتي 25 يناير و30 يونيه ومطالبهما المشروعة في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وهي المبادئ التي ظل يدافع عنها في أعماله وحتى آخر لحظة فى حياته.

الصراع السياسي والاجتماعى

كشفت أعماله عن الكثير من جوانب المرحلة الاجتماعية والسياسية والثقافية الراهنة وألقت بحجر في المياه الراكدة في محاولة للتغيير للأفضل حيث أثارت الكثير من الجدل بين الجمهور والنقاد والإعلاميين بجرأتها وصدقها وغوصها في أعماق الحياة بحثا عن الإنسان داعماً لحريته وكرامته رافعا عن كاهله الظلم والديكتاتورية التي تمارسها السلطة بمختلف اشكالها وأنواعها وشخصياته وأبطاله يدفعون الثمن في بحثهم عن الانتماء للإنسان، الأرض ، الوطن وقضاياه لكن القوي المسيطرة عليهم لا تسمح لهم بذلك ويغلب عليهم حالة الحزن والتمزق الوجودي وهي تحاول البحث عن اجابة لتساؤلاتها المتناقضة بمشاعرها وسلوكياتها في رحلتها الشاقة من أجل الحياة.

شخصيات خان متواجدة علي هامش المجتمع أو تبحث عن وجودها فيه يحاول فهمها ومعرفة الصحيح والخطأ في اسس الحياة نفسها دون ان يكون مصلحا اجتماعيا تشغلها الرغبة في الانتماء إلي العائلة أو القرية أو الوطن أو السلطة أو أي شيء تجهله أنها شخصيات ضالة تبحث عن طريقها في الحياة فأبطاله يعكسون شيئا من ذاته تظهر ولعه بالمدينة وشوارعها وأزقتها وحواريها والخروج بالتصوير في الشارع بعيداً عن الاماكن المغلقة.

انطونيونى الأب الروحى

استطاع محمد خان أن يخلق لنفسه أسلوبا ومنهجا مميزا في الإخراج متأثرا بأستاذه والأب الروحي المخرج الإيطالي العالمي الشهير انطونيوني الذي أدخله عالم الفن السابع وعلمه أن السينما ليست حدوتة بل مشاعر وأحاسيس وتفاصيل وانفعالات ولحظات صدق من خلال استخدام أدواته واحساسه القوي بالصورة وزوايا الكاميرا والقطع والمونتاج وامساك اللحظة بكل تفاصيلها الدقيقة ليبقي الزمن دلالة قوية في حياة الإنسان علمه انطونيوني كيف يختار موضوعاته التي تعبر عن الواقع والناس بصدق لماذا يختار هذا المشهد واللقطات البعيدة والقريبة والكادرات المختلفة للتصوير واحجام عدسات الكاميرا وألوانها وكيفية ترتيبها لتعطي التأثير المطلوب في سيمفونية موسيقية مبهرة.

الواقعية والتأثيرية 

مزج خان بين المدرسة الواقعية والتأثيرية في أفلامه بين التعاطف الحميم والتأمل المحايد من خلال عالمه الغني الذي يمتزج فيه البعدان الاجتماعي والوجودي في رحلته عبر الزمان والمكان فكاميراته تستطيع اقتناص أدق تفاصيل اللحظة باجوائها العميقة وشفافيتها وألمها وتسجيلها بحيوية وتلقائية لتظل خالدة معبرة بدلالاتها لتظهر علي الشاشة وتثير عقل المتلقي بلغة متميزة مباشرة وأخاذة.

وقد حرص خان علي اختيار ممثليه بعناية شديدة كي يناسبوا الشخصيات التي يجسدونها دون أي اعتبارات أخري حيث يدرسها جيدا بكل دقة في شكلها وملامحها وتركيبتها النفسية وصوتها واحساسها وتعبيراتها ونظراتها وملابسها سواء كانت امرأة أو رجلاً لينطلق بهم بانيا عالما سينمائياً جديدا.

قضايا أعماله

قدم محمد خان عشرات الأفلام التي تعكس نبض المجتمع لعدد من النجوم الكبار.

«البطيخة» 1978 حول رحلة موظف فقير يسعي لإسعاد أسرته.. و«ضربة شمس» سيناريو فايز غالي بطولة نور الشريف ونورا ويدور موضوعه البوليسي حول المطاردة العنيفة لمصور صحفي في شوارع القاهرة «وخرج ولم يعد» ليحيي الفخراني وليلي علوي ويتناول موضوع الهجرة من المدينة إلي القرية والمشاكل الموجودة فيهما.. و«فارس المدينة» بطولة محمود حميدة الذي يشبه محمد خان في مضمونه وفلسفته حيث البطل الذي يقوم ببيع كل ما يملك من أجل تسديد ديونه وهكذا فعل خان عندما اتجه للإنتاج لكي لا يخضع لشروط المنتجين والنجوم لكنه واجه مشاكل كثيرة في تسويق أعماله واضطر لبيع ممتلكاته لتسديد قروض البنوك.. و«زوجة رجل مهم» إدانة لبعض رجال الشرطة المصرية من خلال الضابط الذي يسئ استخدام السلطة ضد الناس..

و«يوسف وزينب» لفاروق الفيشاوي والمدرس المصري الذي يسافر للبحث عن فرصة عمل في جزر المالديف فيعشق إحدى بناتها الجميلات.

و«أيام السادات» بطولة النجم أحمد زكي الذي يرصد فيه حياة الرئيس السادات الشخصية والسياسية.

و«طائر علي الطريق» عن معاناة سائق الأجرة و«نصف أرنب».

يرصد مشاكل المال والسلطة والطموح و«الحريف» للنجم عادل إمام عن لاعب الكرة وهو من أنضج أعماله ومحطة هامة في حياته.

و«فتاة المصنع» لياسمين رئيس يتناول قصة حب لفتاة بسيطة ومعاناتها في العمل بالمصنع..

و«بنات وسط البلد» الذى يعكس صورة الفتاة التي تكدح وعمرها 16 سنة من أجل تحقيق أحلامها. وتثبت ذاتها.

و«الغرقانة» بطولة نبيلة عبيد يلمس جانب الدين من خلال معالجة الدجل والشعوذة. و«سوبر ماركت» عن التطرف والإرهاب. و«مستر كاراتيه» بطولة أحمد زكي، و«الرغبة» بطولة مديحة كامل و«الثأر» لمحمود ياسين ويسرا و«مشوار عمر» و«يوم حار جداً» و«كليفتي» و«قبل زحمة الصيف.».

يختار خان أسماء أفلامه بعناية شديدة لتصف أبطاله وتعبر عن الأحداث بدلالاتها المتعددة وأبطالها يعكسون شيئاً من ذاته.

شخصيات أفلامه

شخصيات أفلام خان متواجدة علي هامش المجتمع أو تبحث عن وجودها فيه منها «البطيخة» أول أعماله الروائية القصيرة عام 1972 نجد الموظف المطحون يبحث عن سعادة مزيفة يقدمها لزوجته وأولاده، نلمح بوادر الاهتمام بشوارع القاهرة ومحلاتها وإنسانها البسيط بأحلامه المهدرة.

وفي «طائر علي الطريق» نجد سائق السيارة الأجرة والذي يعاني ظروفاً صعبة جداً حيث سبث وأن عاشق خان نفس التجربة عندما عمل سائقا فى لندن أثناء دراسته للإنفاق علي نفسه ولاعب الكرة في «الحريف» 1983 والموظف في «خرج ولم يعد» 1984، ابن الطبقة الجديدة العائد من الغربة في «عودة مواطن»، ضابط المباحث في «زوجة رجل مهم».

المرأة في سينما خان

اهتم خان بالمرأة بشكل قوي في أفلامه التى تقاسمتها مع الرجل، لشعوره بأنها مظلومة ومقهورة نتاجا لتقاليد المجتمع العقيمة وقوانينه الظالمة التي تحد من حريتها وانطلاقها.

حيث التركيز علي قضاياها ونفسيتها ومعاناتها من ظروف الحياة القاسية ففي «هند وكاميليا» نجد الفتاتين وعلاقة الصداقة بينهما والفتاة الحالمة في «شقة مصر الجديدة».

ومناقشة الأحوال الاجتماعية للفتيات اللاتي ينتمين لشريحة متواضعة في «فتاة المصنع» بطولة ياسمين رئيس.

الوجوه الجديدة

اهتم خان بالممثل المناسب للشخصية بعيداً عن شروط النجومية والأبطال وقدم مجموعة من الفنانين الشباب في بداية حياتهم منهم أحمد زكي وفردوس عبدالحميد في «طائر علي الطريق»، محمود عبدالعزيز في «نصف أرنب»، نور الشريف ونورا في «ضربة شمس»، يحيي الفخراني وليلي علوي في «خرج ولم يعد» ونهلة سلامة في «الصرخة» وسعاد حسني في «موعد علي العشاء».

جوائز وتكريمات

شارك معظم أفلامه في العديد من المهرجانات الدولية وحصدت الجوائز والتكريمات فقد منح خان وسام الجمهورية من الطبقة الأولي ووسام الاستحقاق الوطني من الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.

و«لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان نانيت» لـ «طائر علي الطريق» 1982 الجائزة الفضية من مهرجان قرطاج 1984 لـ «خرج ولم يعد»، ونفس الجائزة من مهرجان دمشق 1987 عن «زوجة رجل مهم» والجائزة البرونزية لمهرجان فينسيا عام 1988 عن ««أحلام هند وكاميليا»، وجائزة مهرجان دبي 2013 عن «فتاة المصنع» وكرمه مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في نفس العام وجائزة الإخراج من مهرجان جمعية الفيلم عن فيلم «شقة مصر الجديدة» 2008.

النقاد يؤكدون: ناظر المدرسة الواقعية الجديدة

كتب - محمد نبيل

استقبل عشاق ومحبو السينما المصرية والعربية خبر وفاة المخرج الكبير محمد خان بالكثير من الحزن، حيث وافته المنية عن عمر يناهز 74 عاما بعد رحلة عطاء ممتدة، استطاع من خلالها أن يثرى السينما المصرية بعشرات الأفلام الخالدة، وأن يؤسس لتيار جديد يعتبر هو الأكثر تأثيرا على مدى تاريخ السينما المصرية المتواصل

ويعتبر المخرج الراحل أحد أهم مؤسسي مدرسة الواقعية الجديدة، والتي أنضم إليها عدد من زملائه ويعتبرها الكثير الأبرز من بين عدد محدود من الاتجاهات السينمائية المؤثرة، وفى مقدمتهم داود عبد السيد، عاطف الطيب، وخيرى بشارة وذلك عن طريق تغيير مسار اتجاهات السينما التي سادت في السبعينيات، التي لم تكن لترضى طموحهم بعد أن ترعرعوا في كنف المخرجين رواد الواقعية "القديمة" والتي كان صلاح أبو سيف أبرز فرسانها.

خان قدم عددا من الأفلام حاول من خلالها أن يسبح ضد التيار السائد، مستغلاً المكان على حساب شخصياته بصورة بديعة ميزت أسلوبه في السرد، ووضعته بمنأى عن أبناء جيله، ومجرد التفكير في المقارنة بين ما يمكن أن نطلق عليه الواقعية الجديدة والقديمة جائز من الناحية النظرية ولكنه ليس ممكنًا على الأرض، حيث الظروف لا تتطابق على كافة المستويات.

الكثير يرون أن خان كان يحطم من خلال أعماله عددا من التابوهات التي كانت تخشى من قبله الأغلبية في الاقتراب منها، حيث يمتاز مشروعه منذ بدايته بالتطور الحاد من عمل لآخر، وأيضا بالخصوصية الشديدة التي يتفرد بها أبطال أعماله فى إطار تجارى وجماهيري مع إصراره على الاحتفاظ بكامل الجوانب الفنية قائمة.

وكان له بصمة سينمائية خاصة به، خلّدت أسماء فنانين عملوا تحت توجيهاته، فأخرج إلى المشاهد العربي أجمل أعمالهم مثل "الحريف" لعادل إمام، ورائعته "موعد على العشاء" لسندريللا الشاشة العربية سعاد حسني في فيلم جمعها مع العملاقين أحمد زكي وحسين فهمي، و"خرج ولم يعد" للفنان يحيى الفخراني، وعشرات الأفلام التي ترجمت الواقع المصري بأفراحه ونكساته، شموخه وانكساره، وما صاحب هذا الواقع من تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية، تعايش معها المواطن على اختلاف ثقافته.

ويعد "زوجة رجل مهم" من أهم أفلامه وأنجحها جماهيريا وفنيا، حيث احتل مركزاً متقدماً ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وقد جمعت القصة أحمد زكي (هشام) وميرفت أمين (منى) في العام 1988، وقدم من خلاله خان رصدا للكثير من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات، داخل أجواء درامية مليئة بالواقعية وكادرات مفعمة بالتفاصيل.

فالعقيد هشام ضابط في المباحث يبدو من الوهلة الأولى طيباً وودوداً، لكنه في الحقيقة غير سوي ومتسلط ويستغل سلطته كضابط شرطة بكل الأشكال، وفور إحالته للتقاعد، يتحول إلى وحش كاسر في المنزل لرفضه واقعه الجديد الخالي من الهيمنة والنفوذ، فيقدم على الانتحار بعد أن يقتل والد زوجته .

وبالنظر الى جماهيرية الفيلم، بين أفلام المخرج الراحل، نجد أن هناك ثمة وجاهة في كون العمل استطاع أن يقدم ما يحتاجه المشاهد فعلا وهو ما يعود الى صياغة مشاهد العمل مع المؤلف رءوف توفيق بشكل جذاب عن طريق سطحية رواية حياة ضابط شرطة وما يتداخل معها من تفاصيل تثير المشاعر وتحقق النجاح المراد.

الناقد أحمد شوقي يؤكد في كتابه "محظورات على الشاشة التابو في سينما جيل الثمانينيات" والذى صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، أن سينما خان تحمل الصورة الأكثر بروزا لسمات الحركة من الحبكات المختزلة وإعلاء قيمة الشخصية فوق الحدث والحضور الطاغي للمكان، وهذه الميزة تجبرنا على النظر بجدية شديدة لمشروع خان السينمائي حتى الأعمال التي لا يعتبرها المحللون ضمن قائمة أفضل أعماله.

ويضيف: "من الإنصاف البحثي ألا يتم التعامل مع الأعمال الأولى للمخرج بمعزل عن باقي مشروعه، وألا نقوم بالحكم سلبا على الضعف في بعض عناصرها، حيث إنها مجرد إرهاصات لمنهجية ستصقل في كل فيلم عن سابقه، وتجارب أولى لرجل وضع مع زملائه لبنة الحركة الفنية الأبرز في تاريخنا السينمائي". 

أما الناقدة ماجدة موريس فقد أكدت أن المخرج محمد خان لم يكن ليصنع هذا الاتجاه "سينما الواقعية الجديدة" في الثمانينيات، ولكنه شارك في أهم موجة مصرية لأكثر من 50 عاما، لأن واقعية صلاح أبو سيف وزملائه في الخمسينيات والستينيات كانت في الانتقال من الملكية للجمهورية والثورة، والانفتاح نسبيا علي المجتمع، واستطاع جيل خان أن يخلص السينما من سطوة المال التي لا تسعى إلا لجنيه عن طريق أفلام المقاولات

وقالت: بدأ خان الاتجاه الجديد أو ما يعرف بالواقعية الجديدة حيث إنه أول من أخرج في رفاق رحلته، ونضجت تجاربه شيئا فشيئا، حتى أصبح لها شخصية تميزها، ولكننا عند تناول هذه الحركة لا يمكن أن نفصل الجميع عنها وفى مقدمتهم عاطف الطيب، داود عبد السيد، رأفت الميهي، ورءوف توفيق وفايز غالى وغيرهم.

ورفضت الناقدة الكبيرة الاتهامات التي كانت توجه للفنان والمخرج الراحل حول عدم تحقيق أفلامه إيرادات كبيرة، مشيرة الى أن الدولة لم تكن تهتم بالفنون والسينما في فترة سطوعه بالقدر الكافي، وأغلقت الكثير من دور العرض، وسط تراجع الثقافة الجماهيرية، مؤكدة من جهة أخرى أن قيمة العمل الفني لا تقدر بالمال ولا تقاس بإيرادات شباك التذاكر.

انتصر فيها دائما .. معارك خان الفنية

كتب - حاتم جمال

38 عاماً من أول أفلامه الروائية الطويلة حتي وفاته قضاها المخرج الراحل محمد خان في صراعات ومعارك اشتبك فيها مع الجميع من أجل الفن ظل خان ممتطيا جواده «الكاميرا» يصول ويجول يخرج من معركة لأخري منتصرا مقدما أعمالا سطرتها ذاكرة السينما المصرية بحروف من نور..

ربما تكون المعركة الأساسية والأطول التي عاشها خان هي النظرة الرجعية في المجتمع الشرقي لذا كان من أوائل من كون جماعة الواقعية الجديدة لينزل بالكاميرا إلى الشارع ويصور ويرصد حال المجتمع وتأثير المتغيرات المختلفة عليه يرفض القهر والخضوع هذه المعركة التي أرهقته وظلت الوجع الذي لازمه طوال حياته وجسدتها معظم أعماله.

المقص

في منتصف عام 2011 عقب ثورة 25 يناير وقع خان علي بيان أصدره مجموعة من السينمائيين يطالبون بإلغاء الرقابة علي المصنفات الفنية وطالب بفتح حوار مع وزير الثقافة وقتها د.عماد أبو غازي لإلغاء الرقابة كخطوة نحو تطور الحالة السينمائية في مصر.

والمتتبع لأعمال خان يكتشف حجم المعارك التي خاضها مع الرقابة في كل عمل لعل ذروة الاصطدام بها كان في فيلم «زوجة رجل مهم» للسيناريست رءوف توفيق والذي أثار ضجة كبيرة بين المشاهدين والرقابة بسبب القضية حيث قال خان في أحد الحوارات معه: أن سيناريو الفيلم تم عرضه علي جهات أمنية وبعد أن تم تصويره عرض علي نفس الجهات لأن بطله ضابط شرطة ولكن ما أزعجني هنا أن الرقابة هي التي قامت بعرضه علي أمن الدولة وللعلم هذا الفيلم عرض عرضا خاصا لرئيس مباحث أمن الدولة وبعد العديد من المداولات حول انتفاضة يناير 1977 وطلب الأمن بعض التعديلات فقمت بحرق سيارة في العمل ليكون مواكباً لوجهة نظرهم في الأعمال التخريبية وأضاف أن أحد الحاضرين للعرض سأله هل الثلاجة الفارغة ترمز لمصر؟ فأصيب بانهيار عصبي - علي حد قوله.

ومن المعارك التي خاضها أيضا هو والسيناريست مصطفي محرم واستمرت اكثر من عشر سنوات لظهور فيلم «المسطول والقنبلة» الذي لم يخرج للنور فهذا الفيلم رفضته الرقابة أربع مرات مع أنه مأخوذ عن رواية للأديب نجيب محفوظ حيث رفض أول مرة من قبل وزارة الداخلية لأنه يتناول فساد النظام السابق وتزوير الانتخابات وظلم أمن الدولة فكتبه مصطفي محرم ليقوم بإخراجه سعيد مرزوق في أول نسخة وتم ترشيح عادل إمام لبطولته وقوبل بالرفض واعاد محرم كتابته للمرة الثانية ورشح للإخراج محمد فاضل وطلبت الرقابة حذف المشاهد الجنسية بين الرجال في السجون وإعادته للمرة الثالثة واعترضت الرقابة لوجود اسقاطات أمنية وسياسية علي الحاضر واعاده للمرة الرابعة بترشيح خان وحظي بالموافقة عقب ثورة 25 يناير وتم الاستقرار علي الأبطال آسر ياسين وروبي وسوسن بدر وكان جهاز السينما سيشرع في إنتاجه لكن تعثر المشروع ولم يخرج للنور الفيلم يدور حول التغريب في المعتقلات من خلال شاب مدمن خمر ليس له أي علاقة بالسياسة يتم القبض عليه كمنفذ لتفجير الأزهر عام 2005 ويخرج من المعقتل بطلاً.

الغريب أن الرقابة لم تكن حجر عثرة لعدم إكمال مشروعاته بل كانت سبباً في عدم عرض أفلامه في المهرجانات كما حدث في مهرجان مسقط عندما رفضت الرقابة الحكومية هناك اشتراك فيلمه الأخير «قبل زحمة الصيف» بالمهرجان وقد علق خان علي هذا قائلاً: وصلنى خبر رفض مهرجان مسقط السينمائي الدولي فيلمي قبل عدة أيام بناء علي رفض الرقابة الحكومية هناك لاحتوائه من وجهة نظرهم علي بعض المشاهد غير اللائقة مع أن العرف في المهرجانات الدولية عرض الأفلام دون الخضوع لأي رقابة وفيلمي أنا فخور به وكان يجب علي هيئة مهرجان مسقط مراعاة تاريخي الفني.

ويبدو أنه كان علي موعد مع نجومية وحدث أن طلب منه المنتج حسين القلا إخراج فيلم «رغبة متوحشة» لنادية الجندي اعترضت وقالت لا يمكن اشتغل مع مخرج الصراصير والشوارع لكنه علق علي هذا قائلاً: كنت سعيداً جدا عندما ذهب الفيلم للمخرج خيري بشارة.

فوائد البنوك

في فيلم «فارس المدينة» لمحمود حميدة أوجعه قلبه علي حد وصفه حيث قال «الفيلم ده وجع قلبي لأنني استدنت بسببه من البنك وانتهي الفيلم ليعرض بعد عام ونصف وهذا التأخير زاد من الفوائد وأصبحت مديوناً للبنك بمبلغ 115 ألف جنيه.

التطرف الفكري

ويبدو أن الحرية التي دائما ما كان ينادي بها كانت سبباً في صدام مع التطرف الفكري وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين فعندما أجازت الرقابة فيلم «المسطول والقنبلة» قال لو كان الإخوان في الحكم لما أجازته.

وفي فيلم «فتاة المصنع» قال خان عن هذا التطرف «المصنع الذي كنا نصور فيه لم يكن المصنع الذي ظهر في الفيلم فقد اخترنا مصنعا في دار السلام ولكن صاحب المصنع خاف من المنطقة لأنها منطقة سكنية وقرر نقلنا لمصنع يمتلكه أحد أقاربه بالخانكة وأثناء التصوير جاء شخص إخواني غالبا رئيس العمال وهدد صاحب المصنع بشكل مباشر بأنه في حالة تصوير الفيلم سيمنع البنات من العمل في المكان وبالفعل تركنا المصنع واستقر بنا المطاف في مصنع بالمنطقة الصناعية.

الديجيتال

دائما الفارس يتحلي بروح الإقدام وهي الروح الغالبة علي خان لذا فهو أول مخرج مصري يخرج عملاً كديجيتال في مصر من خلال فيلم «كليفتي» لباسم سمرة وقد أخذ قراراً بعدم عرضه في دور العرض مع أنه عرض في سينما الأوبرا التي كان يشرف عليها الناقد الراحل د. رفيق الصبان وقد برر خان وقتها رفضه للعرض في دور العرض بأنه فضل بيعه لقنوات ART وقد نجح الفيلم في تحقيق مكاسب مادية له.

قدما معا 6 أفلام .. حكايات النجاح والخصام بين خان وأحمد زكي

كتب - محمد سعد

"أحمد زكى ممثل نادر ولو كنت ممثلا كنت أتمنى أن أصبح مثله"

هكذا عبر المخرج الكبير الراحل محمد خان عن عشقه لأحمد زكي هذا المشخصاتي الذي لم ينافسه أحد في تربعه على قمة النجوم الذين جسدوا شخصياته على الشاشة الفضية زكى كان له نصيب الأسد من أفلام خان «6» أفلام كان من الممكن أن تزيد لولا الخلافات التي كانت تنشب بينهما أحيانا فكانت سببا في حرمان جمهورهما من الاستمتاع بمزيد من الأعمال .

وعنه قال أحمد زكي : "محمد خان رجل متميز، ولي رصيد معه من الأفلام وأكن له كل الحب والاحترام، وكنا نختلف كثيرا ولكن في النهاية العمل الذي يخرج يكون متميزاً وهذا الرجل مخرج رائع وأخرج أفلاماًِ رائعة .

طائر علي الطريق

"طائر على الطريق" كان أول فيلم يجمعهما وهو الفيلم الرابع لخان بينما كان زكي قد قدم عددا لابأس به من الأفلام وأصبح نجما يتهافت عليه المخرجون ، وقد بدأ محمد خان بهذا الفيلم مرحلة جديدة في سعيه لتقديم سينما مختلفة، فهو هنا يحاول كسر بعض التقاليد القديمة والمستهلكة للسينما المصرية، ويضعنا أمام أولى ثمرات بحثه الدائم عن شخصيات وأنماط جديدة للفيلم المصري .

يتحدث محمد خان عن هذا الفيلم، فيقول: "طائر على الطريق هو بدايتي أنا، الثلاثة السابقون كنت أبحث فيها عن شكل خاص. فكرة الفيلم جاءت حين تأملت سائقاً معيناً وأحسست به. منذ «ضربة شمس» وأنا أحب سينما الفرد، لكن هنا المضمون أقوى، أقصد فهماً وتأملاً أعمق للشخصية !

في هذا الفيلم يلجأ محمد خان إلى عالم سائقي التاكسي، لينتقي منه شخصية فارس (أحمد زكي) .. شخصية تجسدت فيها صفات النقاء والتردد والخجل والجرأة والتواضع والاندفاع .. شخصية غير قادرة على الانتماء الشكلي، ورافضة لأية تشكيلات أو تكوينات جاهزة .. شخصية يعتمل في داخلها تكتل رهيب من القلق والألم والاكتئاب، رغم أنها لا تعاني من أية ضغوطات مادية في حياتها اليومية

فارس شاب منطلق يحب أن يملك ويعيش عالمه الخاص والمنفصل لممارسة حريته الشخصية. فهو غير متزوج، ويحاول أن لا يربط نفسه بأحد. لذا نراه يتهرب من الارتباط بسيدة متزوجة، متحججاً بتفادي أية مشاكل مع زوجها. لكنه يرتبط بعلاقة وجدانية عميقة بالفتاة البسيطة الذكية عصمت (آثار الحكيم). يلتقيان في أشياء كثيرة، إلا أنه يتردد كثيراً عندما تفاتحه في الزواج. بالرغم من أنه لا يجد نفسه إلا معها، إلا أن لديه شعورا بأنه مجرد طائر محلق ومنطلق بالنسبة لها، ورافض لأي شكل من أشكال القيود. هي فتاة تعيش الواقع وملتزمة به، وتريد أن تربطه بهذا الواقع، وهو لا يقبل هذا الارتباط باعتباره أحد القيود. لذا نراه يكتفي بأن تكون له الأخت الحنون والصديقة الوفية، ويظل على اتصال بها حتى بعد خطوبتها. ولكن، بالرغم من تمرد فارس على الواقع، إلا أنه يقع أسيراً له في النهاية. فهو موجود ويعيش هذا الواقع ، ولابد أن يخضع له مهما كانت درجة تمرده عليه، فقد (آن لهذا الفارس أن يترجل).

يتعرف فارس ـ بحكم عمله ـ على فوزية (فردوس عبد الحميد)، المرأة التي تعيش حياة زوجية أحادية الجانب وغير مخصبة مع الإقطاعي جاد (فريد شوقي). فيدفعه إحساس غريب، ويتحرك في داخله انجذاب خفي نحو هذه المرأة. ربما لمعرفة سر ذلك الحزن ومسحة الأسى التي تعلو جبينها، أو ربما للدخول فيما وراء تلك العيون التي تعكس كل تعاسة العالم. إن شيئاً ما يشده إلى هذه المرأة، وهو لا يعرفه في البداية، ولكنه يتحول فيما بعد إلى عشق مجنون تشاركه هي فيه، بعد مقاومة عابرة منها. أولاً، لأنها لا تستطيع مقاومة شخصية جريئة ومتمردة كشخصية فارس، وثانياً، لأنها وجدت في فارس نظيرها الحقيقي في عالم الرجال، والذي ـ حسب تصورها ـ سيخلصها من كل هذه التعاسة والهموم التي تعيشها .

تتطور العلاقة بين الاثنين بسرعة، وتثمر جنيناً في أحشاء فوزية، رغم معرفتهما بأن علاقتهما هذه تعتبر أمراً مستحيلاً في ظل وجود ذلك الزوج القاسي والشرس. ليجد فارس نفسه في موقف جديد عليه، يشده إلى أرض الواقع، ويجد نفسه سلبياً وعاجزاً عن القيام بأي تصرف إزاء طبيعة وضعه الجديد هذا. فنراه يذهب لأقرب الناس إلى قلبه ـ إلى عصمت ـ ليحكي لها عن همومه ويطلب منها المساعدة في محنته هذه. لكنه يجدها قد تغيرت كثيراً، وأصبحت خاضعة لواقع مجتمعها، عندما تتكلم عن هذا الواقع وتصفه كونه سجناً كبيراً من الصعب الخروج منه، والموت هو مصير كل من يحاول الخروج منه. يعيش فارس حالة من التردد والقلق والتحفز ، ويحاول مقاومة تلك القوى الخفية التي تشده للواقع. وعندما يتخلى عن سلبيته وتهربه من مواجهة الواقع، يكون كل شيء قد انتهى .. تكون نهاية فوزية بانتحارها، ونهاية فارس اللامنتمي تحت عجلة سيارة .

في المشهد الأخير ـ الذي كتبه بشير الديك ـ يؤكد تماماً على أن فارس يجب أن يموت، لأن طبيعته المتمردة تطلب المستحيل، عندما يريد من الإقطاعي أن يترك له زوجته. ويأتي هذا التأكيد عندما ينجو فارس من حادث التصادم بين سيارته والشاحنة ـ في لقطة ذكية تضاف لرصيد المخرج ـ لكنه بعد ذلك مباشرة يضيع في حادث آخر، وكأن هذا هو قدره المحتوم .

إن محمد خان بهذا الفيلم يرتقي أكثر بأسلوبه وفهمه لمفهوم وماهية السينما، متوصلاً إلى السينما التي تعبر عنه كفنان، وبعيداً عن ذوق ومزاج المتفرج الكسول والتقليدي .

موعد على العشاء

وقد كان للنجاح الكبير الذي حققه الفيلم والتفاهم الفني الذي حدث بين خان وزكي بالغ الأثر في تكرار التجربة بينهما في عدة أفلام أخرى بدأت في العام التالي مباشرة من خلال فيلم "موعد على العشاء" الذي شارك في بطولته سعاد حسني وحسين فهمي وقد استوحى خان قصة »موعد على العشاء« من خبر صغير فى صفحة الحوادث، وأهدى الفيلم لبطلة القصة الحقيقية "نوال"، حَوَّل خان هذه الحادثة الأليمة إلى أحد أكثر الأفلام رومانسية فى تاريخ السينما المصرية، واختار ممثليه بحرفية باهرة تدور أحداث الفيلم حول نوال، التي تجسدها سعاد حسني، وهي تعاني من إهمال زوجها عزت رجل الأعمال المعروف الذي يجسده حسين فهمي، والذي لا يبادلها العواطف والمشاعر، فتضيق بحياتها وتقرر الانفصال، وتقع بعد ذلك في حب شكري، الذي يجسده أحمد زكي، الذي يغرقها في بحر من العواطف، ولكن عزت يحاول التفريق بينهما، ويقوم بقتل شكري بسيارته حتى لا يتمكن من الزواج من نوال، وتقرر نوال الانتقام من عزت فتدعي له أنها عادت إلى حبه، وتدعوه للعشاء وتضع السم في الطعام الذي يحبه، وعندما يأكل عزت ويطلب من نوال مشاركته الطعام فتأكل نوال مقررة أن تموت بعد أن انتقمت من عزت الذي أكل هو الآخر من الطعام المسموم .

السيناريو البسيط، والتصوير التقدمى، و الممثلون الموهوبون، كانوا جميعًا خيوطًا فى يد محرك العرائس الأوحد محمد خان فى خلق قصة الحب المشئومة هذه.

زوجة رجل مهم 

ومثلما كان خبر صغير في صفحة الحوادث دافعا لخان أن يكتب «موعد على العشاء» كانت لكمة وجهت له من ضابط شرطة دافعة لكتابة فيلم "زوجة رجل مهم" فقد كشف المخرج الراحل محمد خان، عن أصعب موقف تعرض له، وهو تعدي ضابط شرطة عليه بالضرب أمام أبنائه .

وقال خان في لقاء تليفزيونى «كنت سايق العربية ومعايا أولادي الصغيرين، فجيت أدخل يمين فشاورت للعربية جمبي أنها تعدي، فشتمني شتيمة قذرة بدون داعي، فاتنرفزت جدًا وكسرت عليه، فنزل من العربية، ومن هيئته عرفت أنه بوليس».

أضاف خان «ضربني بوكس في صدري قدام أولادي، فقلت له: مش هسيبك، فأخدني على قسم بولاق الدكرور وطلع الكارنيه بتاعه، فاضطررت أقولهم إني إنجليزي، وجبت محاميا والموضوع كبر، وفي الآخر اعتذر لي كتابيًا

وكشف "خان" عن أن هذا الموقف هو الذي دفعه لإخراج فيلم "زوجة رجل مهم"، عام 1987 الذي يعد واحدا من أشهر أفلامه، وقال «وبعد ما اتعمل الفيلم ودخل مهرجان معمول في قاعة المؤتمرات، اللي كان ماسك أمن المكان ده نفس الظابط اللى ضربني، وأول ما شافني أخدني بالحضن، فقلت لمن كانوا هذا هو الرجل المهم "

وتكمن أهمية هذا الفيلم في ذلك السيناريو الجيد الذي كتبه السيناريست رءوف توفيق. حيث يتناول موضوعاً هاماً وجريئاً، ألا وهو مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد. والأفلام التي تناولت هذا الموضوع قليلة جداً، بل هي نادرة في السينما المصرية، وذلك لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للرقابة والنظام بشكل خاص. وحتى الأفلام القليلة التي فعلت ذلك تناولت السلطة من الناحية السياسية المباشرة، وأغفلت النواحي الاجتماعية والنفسية .. بعكس ما فعل المخرج محمد خان في فيلمه هذا. لذلك ففيلم وزوجة رجل مهم يتميز بأنه أبرز هذه النوعية من الأفلام، بل أهمها ، وذلك لابتعاده عن المباشرة في الطرح، وعدم لجوئه إلى الرمز في نفس الوقت .

يضعنا فيلم (زوجة رجل مهم) أمام شخصيتين متناقضتين تماماً، بالرغم من وجودهما تحت سقف بيت واحد، ويشتركان في حياة زوجية واحدة.. هي طالبة غارقة في رومانسيتها.. زوجها ضابط مباحث متسلط ومريض نفسياً. إذاً لابد من وجود قاسم مشترك يجمعهما ويشدهما لبعض، فما هو؟! يتحدث محمد خان في هذا الصدد، فيقول: (كنت أود أن أظهر بأن هذه المرأة ترتبط عاطفياً ـ وبشكل مخيف ـ بهذا الرجل.. إذاً هناك شيء ما يربط بينهما،شيء يقضي على وعي كل واحد منهما. كل هذا كان مكتوباً ولكني لم أجد الصيغة التي أمرر بها هذه النقطة) صحيح بأن محمد خان قد لمح لهذا الارتباط العاطفي فيما بينهما، وذلك في لقطة القبلة ذات الإيحاءات الصارخة التي طبعتها منى على خد هشام، إلا أن هذا لم يكن كافياً ولم يستطع توصيل الفكرة التي أرادها . ومع ذلك فهذا لا يمنع من استنتاج سبب آخر، وهو إن كليهما (الزوج والزوجة) قد وجد في الآخر مُراده.. هو وجد فيها فريسة سهلة يمكن أن ترضخ لسلطانه.. وهي وجدت فيه الرجل المهم الذي يحكم وتتحطم أمامه كل المصاعب والعقبات .

أحلام هند وكاميليا

كان فيلم "أحلام هند وكاميليا" الذي تم انتاجه عام 1988، وهو قصة وسيناريو محمد خان نفسه، الأكثر جدلا ضمن أفلام زكي وخان فقد أثار جدلا واسعا، وصلت إلى حد اتهام خان بـ"الإساءة لسمعة مصر" فقد اقترب الفيلم، من حياة الفقراء، مقدما صورة واقعية للمهمشين في المجتمع المصري، من خلال خادمتين تعملان تحت ضغط المدينة وقسوة الحياة فيها من أجل تحويل حياتهما للأفضل .

مستر كاراتيه

ورغم أن خان لا يقدم على أي عمل غير مقتنع به بنسة 100% إلا أن الأمر كان مختلفا في فيلم "مستر كاراتيه"انتاج 1993 الذي يعد من أكثر أفلامه مغازلة للجمهور وربما كان أكثرها تحقيقا للإيرادات في تدوينة له على الفيس بوك قال محمد خان »على إحدى القنوات الفضائية وجدت فيلمى مستر كاراتيه، الذي لم أكن شاهدته منذ زمن طويل، وبدأت أدقق في مشاهدتي بعين ناقدة وتذكرت مخاوفى من السيناريو حينذاك والحاجة إلى بعض المراجعة ولكن أحمد زكى كان متحمسا زيادة علي اللزوم وآل سبكي في لهفة لفيلم بطولة أحمد زكي فكان فيلم "مستر كاراتيه" .

ويروي خان أحد المواقف بينه وبين النمر الأسود قائلا «من ضمن مداعباتى لأحمد زكى ان وضعت سيارتى الميتسوبيشى فى الجراج فى مشهد يقوم فيه بغسل السيارات لأغيظه بعد ذلك بأنه غسل عربيتى .. كنا عيال فى الهزار

واستطرد بقوله «الملاحظ أن حي الزمالك هو المسيطر على الفيلم الجراج ومحل الفيديو - أصلا محل ترزى - والقهوة الضيقة وهي في الأصل تخدم بوابين المنطقة وموقف السيارات الذى لا يزال موجودا والحفرة الكبيرة تحت الكوبرى التى اصبحت اليوم مركز ساقية الصاوى للفنون .

وحتى الكوبرى خدم في تقديم أغنية «أيوه يا دنيا يا بنت الإيه»، التي كتب كلماتها سيد حجاب ولحنها في الأول حسين الإمام، ولم نتحمس للحنه فلحنها مرة أخرى العظيم كمال الطويل .

وأتذكر حين عرض الفيلم بالعيد في سينما ريفولي ومع الأغنية حيث يتكرر ظهورها مع تترات النهاية رقص الشباب الحاضر معها أمام الشاشة .

في عام 2001 كان فيلم "أيام السادات" الذي يعد آخر تعاون بين خان وزكي عن كتاب «البحث عن الذات» وكتاب سيدة من مصر، يكتب أحمد بهجت سيناريو وحوار فيلم أيام السادات ويقوم محمد خان بإخراجه ليجسد أحمد زكي شخصية السادات في أحد أصعب أدواره السينمائية على حد قوله، خاصة لأن الفيلم ليس سياسياً بالدرجة الأولى بقدر ما يسلط الضوء على حياة شخصية عامة، متتبعا مشوار حياة السادات من البداية وحتى وصوله لسدة الرئاسة في مصر، وذلك على مدار أربعين عاماً حافلة، ويعتبر الفيلم من قبل بعض نقاد السينما أحد العلامات في تاريخ السينما المصرية الحديثة. وقامت كل من منى زكي وميرفت أمين باداء شخصية جيهان السادات .

في فيلم أيام السادات حذف خان مشهدًا كاملاً لأحمد زكى وميرفت أمين، قبل نهاية الفيلم وفي حديقة المنزل، حيث يسرد السادات انجازاته لزوجته وعلق المخرج على ذلك قائلا «شعرت أن المشهد لا يضيف أى معلومات لم يتم سردها من قبل في الفيلم وبالرغم أن أحد بنود تعاقدي لإخراج الفيلم تمنع المنتج وهو أحمد زكى من حضور المونتاج، وهذا منعا لأي تدخل إلا ان بعد فترة تنازلت عن هذا البند تعاطفا مع مشاعر أحمد، وكم ندمت على ذلك للصراعات والتشنجات من أحمد مع كل حذف، خاصة هذا المشهد فالممثل لا يهمه إيقاع الفيلم قدر اهتمامه بأدائه ولكن لم أتراجع، وتم بالفعل حذف المشهد.

وبالرغم من علاقة الصداقة القوية التي كانت تربط بين الراحلين محمد خان وأحمد زكى، إلا أنهما كانا مثل القط والفأر في بلاتوهات التصوير، حيث كان الأول دائمًا ينتقده في تمثيل مشاهده، وأنه غير موفق في أدائه، وهذا الأمر كاد يتسبب في إصابة النجم الراحل أحمد زكى بالجنون فأثناء تصوير فيلم "أيام السادات" علق المخرج محمد خان على أداء أحمد زكى في مشهد في الفيلم، أمام المتواجدين داخل الاستوديو، وهو ما جعل زكي يشتعل غضبا وركض خلف خان بالسكين، وكاد يقتله .

لقاءات لم تتم

روى المخرج الراحل محمد خان، موقفا حدث له مع الفنان أحمد زكى بسبب فيلم "الحريف"، وقال إن أحمد زكى كان من المقرر أن يؤدى بطولة الفيلم، لكن تم استبداله بعادل إمام وأضاف خان: «الفيلم كان لأحمد زكى في البداية، وكان وقتها صغيرا ووشه سمح وعايز أخربشه شوية وأعمله استايل شعر منكوش وكده، علشان الدور، وفى مرة جالى بشعره مظبوط قوى، ووقتها قلت لعاطف الطيب نغيره، واتفقنا فعلاً مع عادل إمام، وقلت لأحمد زكى: إحنا جبنا عادل إمام فقال لى طيب ماشي .

وتابع خان: «أحمد زكى بعدها سابنى ودخل الحمام، وبعدين قال لى إنه كان بيشتمنى في الحمام بعد ما غيرته وجبت عادل إمام !!

فارس المدينة

أما فيلم "فارس المدينة" إنتاج 1993، أحد الأفلام المهمة في تاريخ المخرج الراحل محمد خان، لدرجة أن اسم الفيلم أصبح لقبا يُطلق على خان نظرا لولعه بالمدينة القاهرة وتأثيراتها في أفلامه .

الفيلم له قصة طريفة حكاها خان في كتابه "مخرج على الطريق" يقول خان :

المرشح الأول لبطولة الفيلم كان أحمد زكي، أحد أكثر الوجوه التي ظهرت في أفلامه ، و منذ أن تعاون مع زكي في فيلم "طائر على الطريق" كان لا يرى غيره بطلا لأفلامه، لكن زكي لم يؤد الفيلم، رغم أنه تعاقد عليه بالفعل .

الفيلم أدى دور البطولة فيه محمود حميدة للمرة الأولى، بجانب حسن حسني وعايدة رياض وعبد العزيز مخيون، وكان يتناول قصة "فارس" الذي كون ثروة بوسائل غير مشروعة، ويعيش حياة مدمرة .

السبب كما يحكي خان كان اختفاء الممثل الأسمر قبل بدء التصوير، وهي طريقة اعتذار ضمنية معروفة في الوسط الفني، كما يشرح خان، فأسند المخرج دور بطولة الفيلم لمحمود عبد العزيز.

وافق عبد العزيز على أداء الفيلم، لكنه طلب مهلة لبدء التصوير لانشغاله في عمل آخر هذا الأمر رفضه خان وقرر بدء التصوير في الموعد المحدد لـ"فارس المدينة"، لذلك غامر وأعطى الفيلم للممثل الصاعد الذي لم يقم بدور بطولة من قبل محمود حميدة كل هذه تفاصيل تبدو عادية في عالم الفن، كما أن خان سردها تحت عنوان "البدلاء" .

"الحركة" التي فعلها خان من أجل "إغاظة" أو الرد على النجمين اللذين أهملا الفيلم كانت من خلال "الأفيش"، كيف؟، كتب اسم محمود حميدة على الأفيش فوق اسم الفيلم كأنه ممثل مخضرم أو نجم شباك، ثم تعمد أن يكتب بين اسم البطل واسم الفيلم حرف "هو"، وبالتالي سيقرأ الناس الأفيش هكذا: "محمود حميدة هو فارس المدينة

ما فعله خان لم يخف على أحد، وأولهم أحمد زكي، فبعد أن أعلن عن الفيلم في الشوارع والميادين، كان المخرج في زيارة للمنتج حسين القلا، وهناك قابل أحمد زكي الذي قال له مازحا "بنبرة غيرة ساخرة": "بقه.. هوا.. فارس المدينة؟.

الرجل الذى أحب مصر فأحبه المصريون

كتب - محمود الرفاعي

"متفائل بمصر، والسيسى أمامه تحديات كبيرة" هكذا وصف المخرج الراحل محمد خان، حال مصر تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، خان الذى عشق مصر منذ نعومة أظفاره وانتظر اكثر من 70 عاماً ليحصل على جنسيتها ليثبت للجميع عشقه لمصر.

تشكل وعي خان السياسي في الحقبة الناصرية وتأثر بالقومية العربية ومع هذا لم يكن محباً للزعيم جمال عبدالناصر وفضل في بداياته الابتعاد عن الملعب السياسي في السينما مفضلاً رصد تفاصيل الواقع الاجتماعي والثقافي والمعيشي للمجتمع المصري وخاصة الطبقتين الوسطي والدنيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وعندما بدأ بطرح آرائه السياسية في الأعمال انتقد فترة الانفتاح وهاجمها في أكثر من عمل مع أنه محب للسادات فكان يقدم هذه الأعمال من باب انتقاد الذات للوصول للكمال.

ويعد فيلم «زوجة رجل مهم» أبرز الأمثلة علي ذلك عندما انتقد أداء رجال الشرطة قبل وبعد أحداث يناير 1977 وتحايل أكثر من مرة علي الرقابة لتمرير هذا العمل الذي عرض على أمن الدولة قبل أن يعرض للجمهور.

وانتقد الأداء الحكومي في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات في فيلم «خرج ولم يعد» بل ألقي الضوء علي سلبيات الانفتاح في الحريف وخاصة مشهد النهاية عندما تاجر في السيارات والمتتبع لسينما خان يكتشف أنه يلقي الضوء علي المهمشين سواء في الطبقة العليا أو الدنيا من المجتمع فنجد هذا جلياً في فيلم «الحريف وأحلام هند وكاميليا وفتاة المصنع» من طرح أحلام البسطاء علي عكس آخر أفلامه «قبل زحمة الصيف» الذي يرصد الطبقة العليا وتأثيرها السلبي علي المجتمع.

خان ظل مبتعداً عن الحديث في السياسة وإعلان آرائه بشكل مباشر وكان يكتفي بما يقدمه في السينما إلا أنه مع اندلاع ثورة 25 يناير خرج عن صمته وراح يفصح بانطباعاته عن رؤساء مصر فقد تناول حياة الزعيم جمال عبدالناصر وعلاقته به حيث قال والدى كان شريكا فى تجارة مع مصطفى كاظم شقيق زوجة جمال عبد الناصر، فكان ناصر يدعونا فى الاحتفالات، كان لدَىَ صورة مع السادات في إحدي هذه الحفلات كنت ساعتها في الثالثة عشرة من عمرى، أقف في الصف الثالث، والسادات فى الصف الأول، وبعدها بسنوات قدمت فيلمًا أدافع فيه عن هذا الرجل.

أضاف:" لم أكن أحب ناصر، وأرفض انفتاح السادات ولكن عندما كنت أحضِر لفيلم «أيام السادات» تغيرت نظرتي عنه بعض الشيء لقربى من الشخصية، كشخصية درامية، كما أن التاريخ يبرِئ ساحته فى كثير من المواقف، أما الفيلم فعندما صنعته كان خارج تقييمي للشخصية سياسيا، بعيدًا عن حبى أو كراهيتي له.

وعن مرحلة تكوينه السياسي خلال مرحلة عبد الناصر، قال:" كنت أنا وجيلي منذ بداية مرحلة شبابنا ننعم بالفكر الاشتراكي، وأصبحنا مدافعين عنه نظرا للظروف التي نشأنا فيها، وأعتقد أن الفنان بشكل عام لا بد أن يكون اشتراكيا، فالفنان لا بد أن يعبِّر عن العدالة الاجتماعية، وجميع أبناء جيلى عبروا عنها فى كل أفلامهم بداية من أول فيلم لكل منا.

اما عن معركته وتعايشه مع الرئيس السابق محمد أنور السادات، بعيداً عن ما قدمه في أفلامه منتقداً الانفتاح فكان خان من أشد المولعين بالزعيم الراحل، وهو أول من ناشد بأهمية تقديم فيلم سينمائي عنه لكي يسرد فيه أمجاده وبطولاته

حيث قال" السادات كان فنانا وكان ذا دم خفيف وعاشقاً للفن لانه كان بداخله فنان، حزنت كثيرا لموقف العرب ضده بعد حرب اكتوبر، فمع توقيعه لاتفاقية السلام لم يكن يريد انقسام العرب، فالرجل كان ذكىاً للغاية ودافع عن مصلحة بلده وارضه، وياريت كان العرب قد وافقوه فى آرائه".

اما عن مبارك، وفترة حكمه الذي اهتم فيها بإظهار المهمشين فلم يتكلم خان عنه كثيرا الا انه رفض تماما فكرة تقديم فيلم سينمائي عنه، قائلا لم تكن له مميزات لكي نقدم عنه فيلما يوثق مشوار حياته، ويعد المخرج الراحل من أوائل الناس الذين وقفوا مع ثورة 25 يناير فرغم عدم حصوله آنذاك على الجنسية المصرية ولكنه كان يشعر من داخله ان مصر بلده وحبه الأول.

خان كان دائما خائفاً على الثورة المصرية من انهيارها، قال جملته الشهيرة :" أؤمن أنه ما زال الوقت مبكرا لتقديم فيلم عن الثورة المصرية، لأنه سيصبح فيلما غير ناضج، خاصة أن الثورة لم تكتمل وتحتاج إلى سنوات طويلة حتى تتم وتحقق مطالبها الفعلية، فالثورات تحتاج إلى سنوات.

وعن صعود الاخوان للحكم ومحاولتهم لسرقة الثورة، كان لخان رأي أيضا قال فيه :" لقد تم خداعنا والثورة لم تتم إلى الآن، وتمت سرقتها منا ومن هذا الجيل لأن تلك الثورة لم يكن لها رأس، وكانت ثورة الـ25 من يناير عاطفية وعفوية وبلا خبرة سياسية، رغم أنها كانت ثورة شعبية كان من الممكن أن تنجح وتحقق مطالبها لكن يستحيل الآن تكرارها، ولو حدث ذلك ستكون هناك مجازر ودم يسيل لأنه وقتها لم يكن أحد يتوقع قيام الثورة أما الآن فهم مستعدون لها ولقيامها وسيواجهونها بمنتهى العنف ليطفئوها.

خان كان من اشد الرافضين لحكم الاخوان وخرج في مظاهرات ضدهم، وهو نادر الخروج من منزله، مع حكم الاخوان لم يخف خان من بطشهم وقال :" أعيش في حالة سوداء، الواحد كان حاسس باكتئاب".

اما الرئيس الذى شعر خان بأنه صاحب فضل عليه فهو الرئيس عدلي منصور، الذى منحه الجنسية المصرية بعد ان رفض ان يمنحها له 4 رؤساء ولذلك كان لديه حلم كبير بأن مصر تتحول على أيدي عدلي منصور وبعده السيسي.

ومع مجئ عبد الفتاح السيسي لحكم مصر، كان خان من أوائل الشخصيات العامة التي توسم فيه الخير مصر، كان متفائلاً لتحركاته للغاية، مؤكدا على انه امام تحديات كبيرة لو استطاع ان يجتازها سيدخل قلوب المصريين من أوسع أبوابها.

محمد خان .. صائد الجوائز

كتب - محمد سعد

حصدت أفلام المخرج الكبير الراحل محمد خان معظم الجوائز في كل المهرجانات التي شارك فيها فقد كان مجرد وجود اسمه على تيتر أي فيلم سببا قويا أن يحصل هذا الفيلم على جائزة أو أكثر حتى استحق لقب "صائد الجوائز" .

فقد نال فيلمه الأول «ضربة شمس» الذي قام ببطولته النجم الراحل نور الشريف ونورا جائزة تقديرية ذهبية عن الإخراج الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في دورته الأولى، وجائزة العمل الأول من جمعية الفيلم، وجائزة الدولة التقديرية .

تدور قصة الفيلم التي كتبها خان أيضا حول المصور الصحفي «شمس» الذي يعمل فى إحدى المجلات، وتربطه قصة حب مع سلوي، التي تعمل موظفة وتشجعه دائمًا على النجاح، وتستمر الأحداث ويُدعى شمس لتصوير حفل زفاف، وبالصدفة يلتقط صورة لقصاصة ورق تحترق عليها كلمات تبدو غامضة، تقوده هذه الكلمات إلى عصابة تتزعمها امرأة تهرب الآثار للخارج، تبدأ مطاردة العصابة لشمس بعد أن كشف سرها، وتتوالى الأحداث.

أما فيلم "طائر على الطريق" بطولة أحمد زكي وفريد شوقي وآثار الحكيم فقد حصل علي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1981، جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان جمعية الفيلم 1982، جائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما 1981، الجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية 1981.

في عام 1982 حصل فيلمه "نص أرنب" بطولة محمود عبد العزيز وهالة صدقي ويحيي الفخراني وسعيد صالح على الجائزة الأولى (مناصفة مع العار) في مهرجان القاهرة الدولي ، قصة وسيناريو وحوار وإخراج محمد خان .

تدور أحداثه حول «سراج» الذي صرف شيكًا بمبلغ نصف مليون جنيه من البنك لشركة المقاولات ومعه صديقته كوثر، يطمع الموظف يوسف والنشال رفاعي في الاستيلاء على الحقيبة التي بها المبلغ، ويختطفاها، حيث يصلان إلى مكان مهجور لكنهما يكتشفان خلو الحقيبة من النقود، يتفقان على البحث عن الحقيبة الأصلية، ويقتل سراج كوثر، ثم يعيش في أحد الفنادق ومعه النقود، يدفعون له فتاة ثرية لأخذ النقود منه تتم المواجهة يموت الجميع، ويُلقى يوسف بالحقيبة وبها المال نصف أرنب في البحر

ويعد فيلم "الحريف" نقلة نوعية في أعمال الفنان عادل إمام حيث ابتعد تماما عن الكوميديا في هذا الفيلم الذي شاركته البطولة فردوس عبد الحميد وحصل الفيلم على جائزة أفضل إخراج من جمعية الفيلم 1985، الجائزة الثانية في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الثالث 1983، شهادة تقديرية في مهرجان برلين الدولي 1983، كما عرض داخل المسابقة الرسمية في مهرجان موسكو الدولي عام 1983 .

تدور قصة الفيلم حول «فارس» الذي يعمل بمصنع أحذية ويقيم بغرفة على سطح أحد المنازل برفقة زوجته دلال وابنه الصغير، ورغم حبهما الشديد لبعضهما بعضًا ينفصل عن زوجته بسبب هوايته المفضلة وهي ممارسة كرة القدم في الشوارع والساحات الشعبية مقابل المراهنات، حيث يفصل من عمله لإهماله الشديد، يحاول فارس العودة لزوجته لكنها ترفض ذلك، فيعرض عليه صديق قديم يمتلك معرضًا للسيارات العمل معه، فيوافق فارس ويعود لزوجته دلال ويواصلان حياتهما معًا لتربية ابنهم .

وخلال تصوير الفيلم لم يستعن المخرج محمد خان بمهندس ديكور أو منسق مناظر لرغبته التركيز على واقعية المكان وما حوله .

أما فيلم "عودة مواطن" بطولة يحيي الفخراني وميرفت أمين وشريف منير فقد شارك في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بإسبانيا 1986، وعرض خارج المسابقة في مهرجان كان الدولي 1987

بينما حصد فيلم "خرج ولم يعد" الذي قام ببطولته يحيي الفخراني وفريد شوقي وليلى علوي عدداً كبيراً من الجوائز فقد حصل على جائزة التانيت الفضي وجائزة أفضل ممثل يحيى الفخراني في مهرجان قرطاج الدولي 1984، الجائزة الخامسة في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الرابع 1984، وشارك في مهرجانات ستراسبورج بفرنسا 1985، ومهرجان السينما العربية في باريس 1985، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بإسبانيا 1985
شارك فيلم "مشوار عمر" بطولة فاروق الفيشاوي وممدوح عبد العليم ومديحة كامل في مهرجان السينما العربية في باريس 1986
.

ومن أهم أفلام خان فيلم "زوجة رجل مهم" الذي حصل على جائزة السيف الفضي وجائزة أفضل ممثل أحمد زكي وجائزة النادي السينمائي الطلابي في مهرجان دمشق الدولي 1987، شارك كفيلم افتتاح وداخل المسابقة في مهرجان موسكو الدولي 1987، عرض في سوق مهرجان كان الدولي 1987، شارك في مهرجان ستراسبورج بفرنسا 1987، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بإسبانيا 1987، ومهرجان مونتريال بكندا 1987، عرض على هامش المسابقة الرسمية في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1987، ومهرجان القاهرة الدولي 1987.

حقق فيلم "أحلام هند وكاميليا" الذي قامت ببطولته نجلاء فتحي وأحمد زكي ومحمد كامل وعايدة رياض نجاحا كبيرا حيث حصلت نجلاء فتحي على جائزة أفضل ممثلة من مهرجان طشقند الدولي بالاتحاد السوفييتي 1988، وشارك في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بإسبانيا 1988.

«في شقة مصر الجديدة" بطولة غادة عادل وخالد النبوي حصل على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي 2007،جائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحفيين في مهرجان مسقط السينمائي 2008، جائزة أحسن مخرج وأحسن ممثلة غادة عادل في مهرجان المركز الكاثوليكي 2008، شارك في مهرجان دبي السينمائي 2007، ومهرجان بالم سبرينجز ومهرجان سان رفايل بالولايات المتحدة 2008. مثل مصر في مسابقة الأوسكار للفيلم الأجنبى 2008 ولكنه لم يتم قبوله للترشح للجائزة .

تدور أحداث الفيلم حول نجوي "غادة عادل" التي تعيش في المنيا وتذهب إلى القاهرة في رحلة مدرسية وتنتهز الفرصة لتبحث عن تهاني مدرستها الأولي التي علمتها الموسيقي والتي تعيش في شقة بمصر الجديدة ولكنها تفاجأ بأن مدرستها رحلت من الشقة وتجد في الشقة يحيى «خالد أبو النجا» وفي نهاية الفيلم تأتي رسالة إلى نجوى من معلمتها تهاني وفي اللحظة الأخيرة تتخلى نجوى عن سماع الرسالة من أجل الحب الذي هو الأول في حياتها .

أما فيلم "فتاة المصنع" بطولة ياسمين رئيس وهاني عادل والذي تدور أحداثه حول هيام، وهي فتاة في الحادى والعشرين ربيعا، تعمل كغيرها من بنات حيها الفقير في مصنع ملابس، تتفتح روحها ومشاعرها بانجذابها لتجربة حب تعيشها كرحلة ومغامرة بدون أن تدري أنها تقف وحيدة أمام مجتمع يخاف من الحب ويخبئ رأسه في رمال تقاليده البالية القاسية .

وإضافة إلى ترشيح فتاة المصنع لتمثيل السينما المصرية في النسخة الـ 87 من جوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، فقد جمع الفيلم 15 جائزة سينمائية من أنحاء العالم، بداية من مهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر 2013 الذي شهد عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة، حيث نال جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسكي) للأفلام العربية الروائية الطويلة، إضافة إلى فوز بطلته ياسمين رئيس بـجائزة أفضل ممثلة. ثم حصل الفيلم في يوليو 2014 على شهادة تقدير خاصة من مهرجان "ميد فيلم" في روما، حيث كان فتاة المصنع هو فيلم افتتاح المهرجان .

كما فازت بطلة الفيلم ياسمين رئيس بـجائزة أفضل ممثلة في مهرجان "مالمو" للسينما العربية في السويد، وحصلت مؤلفته وسام سليمان على جائزة أفضل سيناريو من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا في المغرب .

وفي ختام موسم مهرجانات 2014، سيطر «فتاة المصنع» على الجوائز الأربع الرئيسية في المهرجان القومي الثامن عشر للسينما المصرية، الذي اختتم فعالياته بإعادة عرض الفيلم تقديرا له، حيث حصل الفيلم على الجائزة الأولى في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، إضافة إلى جائزة الإخراج، جائزة السيناريو وجائزة التمثيل نساء .

ثم حصد الفيلم 6 جوائز جديدة في الدورة الـ 41 من مهرجان جمعية الفيلم للسينما المصرية، حيث حصل المخرج محمد خان على جائزة التميز في الإخراج، وحصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، إضافة إلى جائزة ممثلة الدور الأول للنجمة ياسمين رئيس، وجائزة ممثلة الدور الثاني للفنانة سلوى خطاب، كما حصلت مؤلفة الفيلم وسام سليمان على جائزة أحسن سيناريو، وذهبت جائزة أحسن مونتاج لـدينا فاروق .

شارك فيلم "قبل زحمة الصيف" آخر أفلام المخرج الراحل محمد خان ، في مهرجان دبي السينمائي الدولي الفيلم بطولة هنا شيحا وماجد الكدواني وأحمد داود

كما عرض ضمن فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في أواخر شهر مارس الماضي، وذلك ضمن المسابقة الرسمية للفيلم المصرى وشارك في الدورة الـ19 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة في المغرب، أحد أبرز المهرجانات السينمائية في القارة السمراء، وذلك للمنافسة على جائزة الأفلام الروائية الطويلة والتي كانت تحتوي على 15 فيلمًا من 12 دولة إفريقية .

فنان كبير وحملة ظالمة:

محمد خان أكثر « مصرية » من الذين يهاجمونه!!

بقلم : رجاء النقاش

منذ سنوات تعرض المخرج الفنان محمد خان لحملة خفية من الاتهام والتجريح تقول إنه من أصل باكستاني، ولا يجوز له أن يمثل مصر في المهرجانات الدولية، فتمثيله لمصر في هذه المهرجانات باطل!

وفي الأسابيع الأخيرة تجددت الحملة مرة أخري وإن كان فرسانها في هذه المرة مختلفين.

وفي حياتنا الثقافية والفنية ظاهرة عجيب نعاني منها اليوم.. ومنذ عشرات السنين.

فكلما ظهر فنان جديد مبدع يحبه الناس ويتحمسون له.. بدأت الغيوم تنتشر وتتجمع لتوجيه الاتهامات إلي هذا الفنان وتعكير صفو نجاحه وإقبال الناس علي فنه الجميل.

ولم يسلم من هذه الغيوم الداكنة حتي العمالقة الكبار في الثقافة والفن.

طه حسين كتب عنه أحدهم كتابا لايزال في الأسواق حتي اليوم يقول فيه: إن طه حسين عميل للصهيونية والاستعمار الفرنسي.

وعبدالوهاب كتبوا عنه إنه حرامي وسارق ألحان وليس عنده أصالة فنية من أي نوع.

ونجيب محفوظ العظيم قالوا عنه إنه أخذ جائزة نوبل من تل أبيب في إسرائيل ولم يأخذها من ستكهولم في السويد!

وأم كلثوم قالوا عنها إنها موضة قديمة.

ولكن هؤلاء الكبار والعمالقة استطاعوا بنبوغهم ومحبة الناس لهم أن يسحقوا هذه الاتهامات السخيفة والظالمة.

وليس من الغريب أن يتعرض «محمد خان» لمثل هذه الحملة وهو يصعد - فيلما بعد فيلم - إلي القمة الفنية التي يستحقها بموهبته وأصالته.

ولا أظن أن محمد خان بحاجة إلي من يدافع عنه لأنه يملك «محاميا» بليغا هو فنه الجميل ويملك محامين آخرين أشد بلاغة هم: جمهوره ونقاده الفنيون الذين يعرفون قيمته وقدره.

ولكن الذين يهاجمون «محمد خان» الآن هم الذين يستحقون أن نوجه إليهم بعض الضربات «بالقلم».. «الرصاص»!!

إن هؤلاء الذين يهاجمون هذا الفنان الكبير لم يقرأوا تاريخ مصر، ولا يعرفون شيئاً عن شخصية مصر.

ولو أنهم قرأوا وفهموا لأدركوا أن «محمد خان» أكثر مصرية منهم.. رغم أن والده باكستاني وآباءهم مصريون!

فتاريخ مصر يقول لنا بوضوح وقوة:

إن «المصرية» ليست صفة يكتسبها الإنسان بشهادة الميلاد فقط، ولكنها تحتاج إلي شهادة أخري أهم وأبقي هي شهادة الحب والعطاء والعمل المخلص الأصيل.

وهذه الشهادة الأخيرة هي التي تعترف بها مصر وخاصة في ميدان الثقافة والفن قبل أي ميدان آخر.

وعندما نتابع سلسلة تاريخنا الأدبي والفني المعاصر، سوف نجد فيه كثيرا من الأسماء التي لمعت في سماء مصر وأصحابها من أصول غير مصرية.

أحمد شوقي أمير شعراء عصره من أصل تركي.

وبيرم التونسي صاحب أجمل الأغاني، وأجمل الكلمات في حب مصر.. هو من أب تونسي مهاجر إلي الإسكندرية.

عباس العقاد، أحد أمراء العقل العربي في العصر الحديث، من أصل كردي.

يحيي حقي صاحب «قنديل أم هاشم» وعاشق «السيدة زينب» وأحد الفنانين الذين عبروا عن الشخصية المصرية تعبيرا بالغ الصدق والعمق والجمال..

... يحيي حقي من أصل تركي.

وأحمد رامي مبدع أغاني أم كلثوم الكبيرة والجميلة من أصل ألباني.

هؤلاء جميعا وغيرهم رغم أصولهم غير المصرية، أحبوا مصر وأحبتهم مصر، وهم جزء من تاريخها الأصيل، وإذا «حذفنا» هذه الأسماء من تاريخنا المعاصر، فإن هذا التاريخ سوف يفقد أجمل صفحاته وأكثرها قوة وأصالة.

وما هي قيمة تاريخنا الثقافي والفني في العصر الحديث إذا حذفنا منه أسماء شوقي وبيرم التونسي والعقاد ورامي ويحيي حقي؟

إننا لو فعلنا ذلك سوف نكون مثل الذي يهدم الأهرام الثلاثة ومعها أبو الهول ومعبد الكرنك في الأقصر، بضربة واحدة.

ولست أدري لماذا نرفض أن يقوم الإرهابيون بمحاولات لتدمير آثارنا وتشويهها، ونسكت علي الإرهاب الآخر الذي يريد القضاء علي الموهبة في بلادنا بحجة أن أصحابها ليسوا من أصول مصرية؟

كيف نقبل مثل هذا الكلام الذي يرفضه عقل مصر وقلبها؟

إن مصر في موقعها الحضاري والجغرافي والتاريخي كانت علي مر العصور مكانا تلتقي فيه الموهبة الكبيرة في كل ميدان ومجال، وكان نابليون يقول عن مصر: «إنها رقبة العالم.. إنها أهم بلد في الدنيا».

هل أخذ نابليون «رشوة» من المصريين ليقول عن بلدهم هذا الكلام؟

إن الذين يرددون الاتهام ضد عباقرة مصر وفنانيها الموهوبين لم يقرأوا كلام نابليون، ولو قرأوه فلن يفهموه.

إن مصر لم تأخذ مكانتها فى حضارة العالم، إلا لأنها فتحت صدرها على مر التاريخ لكل الثقافات الإنسانية، ولم تتردد مصر يوما فى أن تستقبل المواهب الكبيرة وتخلطها بترابها ونيلها فيخرج من هذا الخليط ذهب خالص له بريق يخطف الأبصار.

وقد قرأت منذ أيام كلمات كتبتها وغنتها الممثلة الأمريكية المعروفة "شيرلى تمبل" تقول فيها: "يقولون إن مصر أم الدنيا.. ونحن نقول إن مصر هى كل الدنيا". وهذه الكلمات الجميلة ليست فنا يقوم على الخيال والمبالغة، ولكنها حقيقة تكاد تكون جزءا من حقائق العلم الثابتة... فمصر هى الدنيا كلها، لأن الكثيرين وفدوا إليها من كل أنحاء العالم واستقروا فيها وأحبوها وأعطوها كل حياتهم فأضافوا إليها وجعلوا من خريطتها الإنسانية أكبر بكثير من خريطتها الجغرافية.

ونحن عندما نمشى فى أجمل مدن مصر وهى مدينة الإسكندرية ونحب أن نتذكر أصل هذه المدينة فسوف نعرف أن الإسكندر المقدونى هو الذى بناها وأعطاها اسمه سنة 332 قبل الميلاد، فهل معنى ذلك أن الإسكندرية الجميلة ليست مدينة مصرية؟ وهل نطالب بهدمها لأن الذى بناها هو قائد عسكرى من جزيرة "مقدونيا" فى اليونان؟!

إن هذا الكلام لا يعدو أن يكون نوعا من الهزل، وسوء الفهم، بل وسوء النية أيضا.

ونعود إلى موضوعنا الأصلى وهو هذا الاتهام السخيف للفنان محمد خان بأنه غير مصرى.

ومن الناحية الواقعية، نقول إن محمد خان إذا كان أبوه باكستانيا فأمه مصرية، وقد ولد فى مصر وعاش فيها وتنفس هواءها وشرب من ماء نيلها وأكل خبزها وشعر بأفراحها وأحزانها، مثله فى ذلك مثل جميع المصريين.

ونبغ محمد خان عندما نضج وأصبح مخرجا من مخرجى الصف الأول فى جيله، وتميز بأنه صاحب أفكار بديعة ورؤية عميقة للواقع والإنسان والحياة فى مصر، فانعكس ذلك على أفلامه الرائعة، ومنها "أحلام هند وكاميليا" ويكفى أن نذكر هذا الفيلم الذى أخرجه وكتب قصته محمد خان لنعرف - إذا كنا منصفين - إنه قصيدة سينمائية بديعة عن أحلام الإنسان المصرى البسيط وهمومه ومتاعبه، وضنى قلبه بحثا عن الأمن والسعادة.

وأفلام محمد كلها مليئة بهذا الفهم العميق لمصر ومشاكلها وهذه الرؤية الإنسانية الشاعرية لأحلامها وكفاحها من أجل الحرية والعدالة.

وبهذا الجهد الفنى الكبير المتصل يكون محمد خان قد أعطى لمصر أكثر ألف مرة مما أعطاه الذين يهاجمونه وآباؤهم مصريون!

وبذلك يكون محمد خان أكثر مصرية من هؤلاء، وأعز فى عين مصر منهم جميعا.

لقد بنى هذا الفنان تاريخا كبيرا من الفن الأصيل، أما هم فلم يفعلوا أكثر من أن يقذفوا الناس بالطوب والحجارة.

وسبب هذه الحملة واضح ولا يخفى على أصحاب الضمائر المخلصة.

إنها ليست حملة على محمد خان بل هى حملة على الفن الناجح الأصيل، لحساب الفن التافه السطحى، ولو كان محمد خان ممن يقدمون هذا الفن الرخيص لوجد بين من يهاجمونه الآن أنصاراً يدافعون عنه ويضعونه فوق الرءوس.

ولكن محمد خان فنان كبير، يعرف أن الفن تصوير صادق للحياة، ونقد للواقع حتى يتغير هذا الواقع ويتحول إلى واقع أجمل.

ومثل هذا الفن الرفيع لا يرضى أصحاب الأذواق السطحية الذين يريدون من السينما أن تكون رقصة وجسدا عاريا وإثارة لا معنى لها ولا قيمة.

وهؤلاء الذين يهاجمون هذا الفنان الكبير لا يحبون الفن الرفيع ولا يتحملونه لأنه فن يحتاج إلى جهد لفهمه وتذوقه.. وهم سطحيون، ودعاة للسطحية، وأنصار للذين يريدون للسينما أن تكون تجارة وشطارة ... بل ودعارة فى بعض الأحيان.

وسوف يبقى محمد خان بفنه الأصيل رغم هجوم هؤلاء الذين لا نعرف لهم جنسية ولا أصلا فى الفن والثقافة.

سوف يبقى الفنان الكبيرة... ويذهبون هم كما تتبدد الغيوم أمام أشعة الشمس الساطعة.

الكواكب العدد 2167 - بتاريخ 9/2/1993

عادل إمام في فيلم مصري شجاع .. الحريف

بقلم : حسن شاه

شاهدت فيلم «الحريف» للمخرج محمد خان لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي في فبراير الماضي وكان الحريف هو أحد فيلمين مصريين عرضا خارج المسابقة في أحد اقسام المهرجان اطلق عليه اسم «بانوراما البحر الأبيض المتوسط» أما الفيلم الثاني فكان فيلم «الافوكاتو» ولسوء حظ الحريف ومحمد خان في ذلك الوقت أن الضجة التي أثيرت في الصحافة حول فيلم «الافوكاتو» بدأت وهذا الفيلم ومخرجه رأفت الميهي في ألمانيا فقد صدر حكم القضاء المصري بوقف عرض الافوكاتو في إحدي دور العرض بالصعيد في نفس الوقت الذي تحددت فيه جلسة لنظر القضية المرفوعة ضد الفيلم ومخرجه وبعض ابطاله في القاهرة بأعتبار أن موضوع الفيلم يسيء إلي مهنة المحاماة وإلي القضاء وانتشر الخبر بين أعضاء الوفود السينمائية في برلين وعلق في اللوحة الرئيسية للمهرجان وتجمع النقاد العرب وأرسلوا برقيات إلي المسئولين في مصر احتجاجاً علي الاتجاه إلي منع عرض الفيلم.

وهكذا بسبب مشكلة الافوكاتو اتجهت انظار النقاد خاصة العرب الموجودين في المهرجان إليه ولم يلتفتوا كثيرا إلي الفيلم المصري الآخر «الحريف» حتي عندما عاد النقاد المصريون والعرب إلي بلادهم كانت ضجة فيلم «الافوكاتو» قد وصلت إلي قمتها وهكذا خيم الصمت عن عرض فيلم «الحريف في برلين».

لكنني كنت من النقاد القلائل الذين لفت نظرهم بشدة فيلم الحريف وكنت قد حضرت عرضه في قاعة «الأم تسو» ببرلين وخرجت من قاعة العرض التي إزدحمت بالمتفرجين الألمان وأنا اشعر بإنني سعيدة بعرضه أمام الاجانب وإن كنت علي يقين من أن معظم المتفرجين الأوروبيين لم يفهموا تلك اللمسات المصرية الخالصة التي جعلت للفيلم مذاقا خاصا بالنسبة لكل من يعيش علي أرض مصر في هذه الفترة التي تغلي بالتغييرات الاجتماعية وبالفروق الهائلة بين الطبقات وتيار الفساد الذي أصبحت مقاومته تحتاج إلي بطولة يومية من الإنسان المصري العادي وكان هذا هو نفس رأي الصديق والكاتب المصري اللامع عبدالحكيم قاسم الذي يعيش في برلين منذ عشر سنوات والذي أصبحت مؤلفاته في الرواية والقصة القصيرة قاسما مشتركا في كل المكتبات العامة في الدول الأوروبية الكبري في أوروبا والذي ترجمت أعماله إلي معظم اللغات الأوروبية.

فقد اتفق معي في الرأي وهو الذي يرصد المجتمع المصري عن طريق زياراته المتتابعة لمصر ومن خلال رؤية بعيدة فاحصة يري فيها الصورة المصرية من مكانه البعيد في أوروبا أكثر وضوحا وعمقا أن فيلم الحريف هو دراما مصرية بالغة الحزن خالية من زيف الميلودراما ومبالغاتها تحكي قصة الإنسان المصري المسحوق الذي تحولت حياته إلي معاناة هائلة فهو يحارب في كل الاتجاهات حتي لا يغرق في طوفان المدينة الكبيرة التي تبتلع الناس وتضيع في دوامتها الواسعة أحلام البسطاء وتنتهي بهم إلي الانحراف.. أن الفيلم يقدم العالم الخلفي للقاهرة ليس عالم البريق والاضواء والفيللات الفاخرة وشقق التمليك والسيارات الفارهة ورجال ونساء مجتمع الاستثمار وإنما يصور عالم الرجال والنساء الذين يعيشون علي الفقر ويزحمون الحارات ويسكنون فوق الاسطح في حجرات الغسيل يؤرقهم في نفس الوقت مشاهد الثراء الفاحش الذي ظهر علي طبقات مجهولة العمل والهوية.

وقد اختار كل من المخرج محمد خان وكاتب السيناريو والحوار بشير الديك شخصية بطل الفيلم الذي قام بدوره في تميز شديد عادل إمام اختيار دقيقا ورسما شخصيته بذكاء شديد ووظفا كل جزئية من حياته حتي مكان سكنه في حجرة فقيرة فوق سطوح عمارة كبيرة للكشف عن الاحباط الذي كان يعيش فيه حتي وصلت به الأزمة إلي القمة فالانحدار...

والبطل كما ظهر في الفيلم يشتغل عاملا في ورشة احذية صاحبها واحد من هؤلاء الصنايعية الشطار الذين تحولوا إلي أصحاب عمل وهو شخص متسلط سوقي بلا مشاعر دائم التأنيب للبطل علي اهتماماته خارج الورشة لكن البطل يحلم بأن يرتفع بمستوي معيشته وأن يكون إنسانا له مكانته في الحياة فهو رياضي ممتاز والفيلم يشير إلي إشادات سريعة مبتورة إلي أنه كان عضوا في فريق كرة القدم بأحد النوادي الكبيرة وفصل لاسباب لم يدخل الفيلم في تفاصيلها وإن كانت الاشارة إليها تفسر كيف تحول لاعب الكرة في ناد كبير إلي مجرد لاعب للكرة الشراب في أزقة القاهرة وحواريها.. وإن كان قد احتل مكان اللاعب الأول في هذه اللعبة الشعبية حتي اصبح يطلق عليه لقب «الحريف».

والفيلم يكشف عن هذه الدنيا الغريبة للعبة الكرة الشراب في الحواري والأراضي الخلاء والملاعب المهجورة والقري الصغيرة ويصور عشاقها وجماهيرها وسماسرتها وأبطالها الذين يحترفون اللعب بالفلوس وبطل الفيلم عادل إمام أو الحريف يتعاقد علي اللعب مع متعهد مباريات كرة شراب أعرج «عبدالله فرغلي» يمارس عليه انواعا من الضغوط حتي يقاسمه الجنيهات القليلة التي يكسبها من المباريات والتي يتنقل من أجل الحصول عليها من زقاق لآخر ومن حي لحي من قرية لأخري وفي ذهنه طبعا أن هذه الجنيهات هي فرصته الوحيدة لزيادة دخله في مواجهة متطلبات الحياة لكن الأهم من المكسب أن هذه المباريات التي يتجمع لمشاهدتها مئات من عشاق اللعبة الشعبية هي فرصته الوحيدة للشعور بأنه إنسان مختلف بأنه أكبر من مجرد عامل في ورشة أحذية فهو يسمع الهتاف باسمه والتصفيق من أجله فيشعر بالتفوق علي كل الظروف المحيطة التي تواجهه أن ملعب الكرة الشراب هو المكان الوحيد الذي يشعر فيه بأهميته أما خارج الملعب فالفشل يلاحقه في كل مكان .. في ورشة الأحذية التي يحاول أن يتمرد فيها علي تسلط صاحبها فينتهي الأمر به إلي الطرد وفي علاقته بمطلقته فردوس عبدالحميد التي هجرته رغم الحب والابن الذي بينهما لأنه لا يمكن الاعتماد عليه وحتي في علاقته بزميلته في العمل التي تحبه «زيزي مصطفي» والتي ينتهي بها الأمر إلي الارتباط بعامل جديد بعد يأسها منه حتي في مكان سكنه في حجرة بائسة علي سطح عمارة كبيرة فأن الإحساس بالهوان يطارده علي صورة ضابط بوليس يؤمن إيمانا لا يسانده دليل علي أنه المجرم الذي قتل إحدي ساكنات العمارة فهو لا يكف عن مطاردته بالشبهات والاستجوابات.

وهكذا ينسج السيناريو كل الخيوط التي تشعرك بأن البطل واقع في عش هائل للعنكبوت تلتف خيوطه الواهية القاسية حوله في انتظار أن تقبل الفريسة لتلتهمه وتصل الفريسة إلي المكان الذي يقيم فيه البطل ممثلة في زميل قديم يدخل الحارة راكبا مرسيدس فاخرة آخر موديل.. ويدهش الحريف فهو يعرف أن زميله لم يفلح عمره في شيء فمن أين أتته هذه الألوف التي تجري بلا حساب بين يديه؟! ويضحك الزميل القديم من بلاهة صديقه ويدعوه ليعمل معه في التهريب وأعمال أخري مشبوهة أنه ساعتها سوف يركب «الخنزيرة» وينتقل من حجرته الجرداء فوق سطح العمارة إلي قلب العمارة ذاتها .. ساعتها لن يطارده ضابط الشرطة باعتباره أكثر سكان العمارة محلا للريبة ساعتها سوف تعود إليه زوجته والابن اللذان اضاعهما منه الفقر.

أن براعة الفيلم تنبع من أنه لا يروي حدوتة مسلية وإنما هو ينسج مواقف إنسانية يغزلها واحدة فوق أخري بحيث يكتشف المتفرج في النهاية قسوة الصورة اللإنسانية التي يعيشها البطل بلا مبالغة أو صراخ أو أحداث دامية لكل الأحلام غير المحققة.. وكل مشاعر الحب مذبوحة وحتي مصدر الفخر الوحيد لقب حريف الكرة الشراب يصبح مهددا فقد ظهر لاعب جديد أكثر شبابا وفتوة وقدرة علي اجتذاب فلوس السمسار وهتاف الجماهير..

وهكذا لم يعد هناك مبرر لتماسك الحريف ومقاومته لتيار الفساد الممثل في صديق الطفولة اللص المهرب أن التيار يجرف الحريف مع ألوف من اصحاب الإيمان الضعيف فينطلق في اللقطة الأخيرة في السيارة الفارهة مع المهرب في طريق طويل مجهول.. إن كل عناصر هذا الفيلم التي تشمل التأليف والإخراج والتصوير «سعيد شيمي» والمونتاج «نادية شكري» والأداء «عادل إمام وفردوس عبدالحميد» دليل علي أن السينما المصرية مازالت بخيروأن هناك مخرجين شبان شجعان أمثال محمد خان يستطيعون أن يكسروا القاعدة التقليدية فيقدمون افلاما شجاعة تستحق الاحترام والتقدير.

الكواكب العدد 1726 28 أغسطس 1984

في سينما محمد خان..

القاهرة وثائق وشوارعها حواديت

كتب - د. حسن عطية

لا يشكل المكان بالنسبة لأى منا مجرد شوارع مر بها ، ومحلات تعامل معها ، وأجواء يتنسم عبقها ، وبشر يتذكر أحاديثهم ، بل هو فضاء تغوص فيه الروح حتى تسكنه ، وتلتقط فيه الذاكرة ما تختزنه وتعيد تذكره مؤكدة على اتصالها الدائم به ، ورصد هذا المكان سينمائيا يحول الفيلم فيما بعد إلى وثيقة تاريخية تقدم لعشاق السينما والتاريخ معا ما يساعدهم على تحليل مجتمعها المصور بالصورة والصوت ، إلى جانب الاستمتاع بقيم الفيلم الجمالية ، وأحيانا الحنين لرؤية الماضى متجسدا على الشاشة البيضاء .

هكذا كانت القاهرة الخديوية المستقرة بوسط البلد لمحمد خان ، يغادرها إلى لندن للدراسة ، أو لبيروت للعمل ، لكنه يعود إليها عاشقا لشوارعها وناسها ، لا يأبه بعدم امتلاكه للجنسية المصرية ، بسبب جنسية والده الباكستانية ، وإن حصل على هذه الجنسية المصرية قبيل رحيله بعامين فقط ، فقد أدرك منذ نعومة أظافره ، وفى دفء حضن أمه المصرية أنه يمتلك الهوية المصرية ، وأنه يذوب عشقا فى ترابها المشبع بتاريخ ممتد فى عمق الحضارة ، وأن أفلامه هى التى تمنحه جنسيته المصرية ، فهو ابن بار لها ولم يستطع يوما رؤيتها كما رآها الشاعر "أحمد عبد المعطى حجازى" فى مطلع شبابه فى خمسينيات القرن الماضى (مدينة بلا قلب) ، بل غمر ذاته بتاريخها وحاضرها ليراها كما رآها مؤخرا الشاعر "سيد حجاب" فى أغنية "على الحجار" (هنا القاهرة) "الساحرة ، الساخرة ، الصابرة ، الثائرة" .

القاهرة.. الصبر والتمرد

القاهرة عند "محمد خان" هى هذا المزيج الرائع للصبر والتمرد معا ، وهى الوجود الذى تتصور أنك أمسكته بيديك فور رؤيتها ، ثم سرعان ما تكتشف أنك لم تعرفها بعد ، هى الغموض الذى عليك أن تجهد ذاتك كى تكشف حقيقتها ، وهى المسالمة التى عليك أن تفتش فى أعماقها التاريخية والراهنة لترى أنها كالعنقاء قادرة دوما على الانتفاض كالعنقاء ، وهى التى استقرت بوجدان "خان" ورأى أن عليه واجب توثيق عالمها فى أفلامه ، فصنع أفلاما تحولت على امتداد ما يقرب من أربعة عقود إلى وثائق سينمائية شديدة التميز ، فصور بعين ناقد عاشق أحوالها ، عبر بطله الأثير عنده ، وهو عادة بطل متحرر من القيود المجتمعية ، متمرد على الأنظمة التى تكبل حركته الشخصية فى الحياة ، وبخاصة فكرة الزواج كمؤسسة ، غير أن دخوله فى التجربة الدرامية مع العاصمة تمنح وعيه النضج ، كاشفة له أنه ابن العاصمة ، إما أن يموت بشرف على طرقاتها ، أو يرنو بعينيه نحو نصر قريب لها

شمس .. خان

بدأ "خان" مشواره السينمائى مع قاهرته ، بفيلم (ضربة شمس) 1978 ، الذى كتب قصته مستوحيا فكرته من فيلم الإيطالي "مايكل أنجلو أنطونيونى" (انفجار) 1966 ، والذى يعنى عنوانه تكبير الصورة ، وهذا التكبير الذى قام به بطل الفيلم المصور الفوتوغرافي لصورة التقطها لعاشقين فى حديقة عامة ، جعلته يكتشف جريمة قتل ، تدخله فى تجربة درامية خطرة ، وهو تقريبا نفس ما قامت عليه قصة "خان" التى كتب لها السيناريو والحوار "فايز غالى" فى الفيلم الذى حمل اسم بطله "شمس" الجوال بدراجته البخارية فى شوارع القاهرة ، دون أن يمسك بأسرارها ، فيبدو الغموض جليا للمشاهد منذ تتراته الأولى ، وعبر شخصياته وحدثه الدرامي المؤسس بدوره على صورة فوتوغرافية تكشف عن جريمة قتل ، ويبنى الفيلم على غموض حادثة القتل هذه وما يستتبعها من محاولات لطمس الحقيقة ، وكذلك على رؤية "خان" للقاهرة ، فيبدأ الفيلم بمشهد مضبب لشوارع وسط العاصمة ، تظهر التترات فيه على واقع بلا ملامح ، ثم تتضح رويدا رويدا كاشفة عن جزء من شارع رمسيس ، لتتوجه الكاميرا إلى نافذة مغلقة لشقة فى إحدى العمارات ، سرعان ما ننتقل لداخلها دون أن تنسى الكاميرا لحظة أن القاهرة تحيا خارجها ، وأن زحام العاصمة متجل فى صور لحافلات مزدحمة بجماهير السبعينيات ، معلقة على حوائط غرفة بطل الفيلم المصور الصحفي "شمس" (نور الشريف) المنطلق فى الحياة بحريته الفردية والمتهرب من الارتباط بالزواج من صديقته الموظفة "سلوى" جدتها الفنانة نورا واللذان نراهما يستعدان للخروج بعد سويعات من لقاء حميمي بينهما ، وينقلنا الفيلم من الصورة الفوتوغرافية لسيارة (الأوتوبيس) المزدحمة بالبشر ، لصورة سينمائية لحافلة مشابهة تسير فعلا فى الشارع ، تتقاطع مع دخول "شمس" وصديقته على دراجة الأول البخارية يمرقان فى شوارع العاصمة فى لقطات سريعة ومتعاقبة (فوتومونتاج) تستعرض وسط العاصمة زمنذاك ، فيبدو فى عمق إحدى اللقطات ملصق إعلانى (بوستر) لفيلم (قاهر الظلام) المنتج عام 1978 تأكيدا على زمنية الوقائع ، متحركان من شارع رمسيس إلى ميدان التحرير لشارع محمد محمود ، حيث تهبط "سلوى" متوجهة لعملها ، فيعود "شمس" بدراجته عبر شارع الشيخ ريحان متوقفا لحظات لحين مرور قطار حلوان الذى سيلعب دورا هاما فى الفيلم ، والذى كان يتحرك فوق الأرض زمنذاك ، واصلا لمحطته الأخيرة بميدان باب اللوق ، قبل أن يهبط تحت الأرض فيما بعد متصلا بمسار آخر يصل به للمرج ، ثم يستكمل "شمس" مساره مرورا بشارع شريف ليصل إلى صالة بلياردو كائنة بشارع 26 يوليو أمام دار القضاء العالي ، يلتقي فيها بصديقه ضابط الشرطة "مراد" جسده الفنان أسامة عباس وتبدو فى العمق صورة السادات إلى جانب عبد الناصر ، حيث كان العرف وقتذاك وضع صورة الرئيس الحالى والراحل إلى جوار بعضهما

الحريف بطل قاهري

هذه المشاهد ليست مجانية ، بقدر ما تلعب دورا دراميا فى الفيلم وزمنه الداخلي ، وتحوله فى نفس الوقت لوثيقة تاريخية عن زمن إنتاجه ، كما هى الحال مع فيلمه (الحريف) 1983 والذى يجسد "عادل إمام" بقدراته الخاصة نفس ملامح بطل "خان" القاهرى المفضل ، فقير ومتمرد طلق زوجته أم ابنه لأنه لا يقدر على الحياة الاجتماعية المستقرة ، يعمل في ورشة تصنيع أحذية بشارع الفلكى بباب اللوق ، ويقيم فى إحدى شقق أسطح عمارة مطلة على أول شارع رمسيس ، ويعمل لاعب كرة بالشوارع القريبة بمقابل مادى ، فى مراهنات البسطاء ، وتتجول الكاميرا به وحوله فى الشوارع الضيقة الموجودة بحى معروف ، وفى الخلفية أغنية (الشوارع حواديت) لصلاح جاهين وهانى شنودة ، واصلة إلى كوبرى 6 أكتوبر ، بالمساحات التى نشأت تحته ، واستغلها أبناء الحى للعب الكورة ، قبل أن تستولى عليها اليوم الجراجات الرسمية وغير الرسمية ، وتتعدد صور القاهرة الصباحية المليئة بالحيوية والمسائية المثيرة للتأمل .

وسط القاهرة

"فارس" آخر يقدمه "خان" فى فيلمه (طائر على الطريق) الذى كتب قصته مع "بشير الديك" ، وكتب الأخير السيناريو والحوار له ، فبطله سائق الأجرة يحب صديقته "" (آثار الحكيم) : لكنه يتهرب من الزواج بها ، ويقيم علاقة مع زوجة شابة (فردوس عبد الحميد) تعاطف معها فى البداية ثم تورط فى حبها ، ورغم أن عمله على الطريقين الزراعي والصحراوى بين القاهرة والإسكندرية ، غير أن "خان" لا يتركه يمر بالقاهرة دون أن يحركه بسيارته بوسط البلد ، متعللا بتوصيل المرأة التى دخل معها تجربة الحب تذهب بزوجها لعيادة فى عمارة اللواء بشارع شريف ، حيث معالم الثمانينيات واضحة جلية على الشارع ومحلاته وناسه ، حيث يمكنك ببساطة التعرف على أزياء هذه الحقبة وموضاتها والتى لم تكن تعرف بعد لا حجاب ولا نقاب ولا زى أفغانستاني

الثمانينيات في مشوار عمر

من محل مصوغات بشارع طلعت حرب تنطلق أحداث فيلم (مشوار عمر) 1985 ، الذى كتبه "خان" مع السيناريست "رءوف توفيق" ، تنطلق فى شوارع القاهرة الصباحية ، مع بطل "خان" بعد أن صعد من القاع مع الانفتاح الاقتصادى ليصير بورجوازيا لا يقدر قيمة ما صار يمتلكه ، دون أن يفقد ملامحه الأساسية : متمرد على التقاليد ، عاشق للحياة ، محب للسيارات الفخمة ، يطوف بها أنحاء القاهرة برعونة أحيانا ، يدخله الفيلم تجربة درامية حادة بقذفه خارج العاصمة ، حينما يرسله والده إلى طنطا لتسليم علبة مجوهرات ، فيسلمه الطريق الزراعي لمغامرات تهز شعوره المتعالي بذاته ، والمتماهى مع سيارته الفخمة حينما تغتصب منه ، وتكشف كاميرا الفيلم الذكية عن تحول المجتمع من نمط إنتاجى إلى نمط استهلاكى يثير الحقد لدى فقراء القرى تجاه أبناء العاصمة منعدمى الشعور بالمسئولية والمتعلقين بحلم الثراء السريع

المرأة فى شوارع العاصمة 

تنقل سينما "خان" فى السنوات الأخيرة البطولة من الرجال إلى النساء ، وسكن نموذجه البطولة جسد الأنثى ، متقدما فى (زوجة رجل مهم ) ليصبح النموذج المقابل لممثل السلطة المتفاخر بسطوته ، وتصعد (أحلام هند وكاميليا) باحثة عن فضاءات تتحقق فيها ، وتكشف (بنات وسط البلد) عن معاناة الفتاة المصرية وسط مجتمع ذكورى ظالم ، وتفتش فتاة (فى شقة بمصر الجديدة) عن حلمها القديم الفرح ، وتتمزق (فتاة المصنع) تحت ماكينة الحياة اليومية الباطشة بالفقراء ، وفى كل هذه الأعمال لا تغيب شوارع العاصمة عن سينما "خان" ويوثق ببراعة المتغيرات المجتمعية التى طرأت على مدينة لا تستطيع أن تدعي أنها بلا قلب ، لأنك حتما ستقع فى هواها وتعشق صباحاتها وأمسياتها ولياليها العاشقة للحياة .

ضحى بالماديات من أجل أفلام هادفة ..

مخرجون أحبوه وساروا على دربه

كتب - عمرو محيي الدين

استطاع المخرج الراحل محمد خان أن يترك أثرا كبيرا فى نفوس المخرجين الشباب سواء ممن تعاونوا معه أو من شاهدوا أفلامه وتعلموا منه.. وكانت المخرجة كاملة أبوذكرى من أوائل المخرجين الذين تأثروا بأعمال محمد خان واستفادت من نصائحه فى أعمالها .. أبوذكرى وشباب المخرجين أكدوا على عظمة محمد خان وتأثيره فى صناعة السينما.

ساندي في ملك وكتابة

تحكى المخرجة كاملة أبوذكرى عن أستاذها محمد خان فتقول: هناك 3 أساتذة تربيت على أعمالهم واقتربت منهم أولهم محمد خان ثم عاطف الطيب وخيرى بشارة، ولولا إعجابى بأفلام محمد خان ما قررت أن أخوض تجربة الإخراج حيث إن أعماله هى التى حفزتنى وشجعتنى ودفعتنى إلى حب الفن، وأذكر أننى تعرفت على المخرج محمد خان عندما كنت مساعد مخرج فى فيلم " سنة أولى نصب" وأذكر وقتها أنى ذهبت إليه وقلت له إن فكرة الفيلم لا تروق لى وكذلك إخراج العمل لم يكن مرضيا بالنسبة لى فقال : كل ما عليك الآن أن تعملى وتكتسبى الخبرة وتثبتي كفاءتك، ومزح معى، حتى أن كلماته مازالت تتردد فى أذنى قائلا: لو كان إخراج "سنة أولى نصب" لا يروق لك عليك أن تغيرى بطاقتك واكتبى فى خانة العمل مخرج بدلا من مساعد مخرج».

وتضيف أبو ذكرى: عندما بدأت تصوير فيلم " ملك وكتابة" كان هناك حاجة إلى شخص ليقوم بتجسيد دور مخرج فى سياق الأحداث، وتبادر إلي ذهني منذ البداية من المخرج محمد خان الذى وافق فى التو على المشاركة، لتشجيعى ودفعي، وعلى المستوى الإنساني كان إنسانا مرحا جدا يضفى البهجة ويعكس طاقة إيجابية على كل من حوله، والبعض يتخيل أن خان شخص عصبى، لكن فى الحقيقة أن المخرج الكبير محمد خان يحمل داخله طفلا كبيرا، وأتصور أن المخرجين كانوا فى حالة اطمئنان على صناعة السينما فى وجود المخرج محمد خان.

تتابع أبو ذكرى: كنت تشعر بـ "مصرية" أعماله السينمائية وكم هى قريبة من المواطن، كان يدخل إلى تفاصيل الشخصيات بشكل كبير جدا، فتجد الخادمة أو سائق التاكسى أو ضابط الشرطة، كلها شخصيات نسجها وأخرجها بشكل قريب جدا من الواقع، وكان ذلك جليا فى أفلام "عودة مواطن".. و" زوجة رجل مهم" و" أحلام هند وكاميليا" ؟ ونصف أرنب" و"طائر على الطريق" وغيرها، مع العلم أن هناك أفلاما كثيرة قدمها ولا تعرض على شاشة التليفزيون بشكل كبير رغم أهميتها فى تاريخ السينما، كان خان حاملا لهموم الناس لذلك كان مختلفا ومميزا، وأذكر أن الجنسية المصرية ظلت حلما يراوده كثيرا، وكنت أقول له دائما إنك تستحقها لأنك اقتربت من واقع المصريين، رغم أنه كان قادرا علي صنع أعمال فى أوروبا، تدر أموالا كبيرة لكنه فضل المشاركة فى صناعة السينما فى مصر.

وتضيف: ثلاثى أضواء الإخراج هم خيرى بشارة وعاطف الطيب ومحمد خان عملوا فى ظروف صعبة، وأنفقوا من أموالهم حبا فى صناعة السينما، حتى أن محمد خان تغاضى عن الإخراج التليفزيونى وأعرض عنه رافضا الإغراءات المادية وذلك لإيمانه الشديد بأهمية السينما وتاريخها وبريقها، وأعترف أنني أفتقد هذه القوة فكلنا نبحث عن المادة بجانب المحتوى الجيد، أما خان كل ما يهمه تقديم عمل يرضيه ويشبع قناعته بصرف النظر عن الماديات، ونتيجة صدقه الشديد نافست أفلامه فى المهرجانات العالمية وحازت على جوائز كبيرة، وأذكر مثلا فيلم " زوجة رجل مهم" الذي حاز على جوائز كبيرة فى مهرجان برلين،وحتى آخر أيامه استطاع أن يقدم أفلاما تؤرخ للواقع مثل " فتاة المصنع" و"قبل زحمة الصيف" .

واختتمت أبوذكرى كلامها بالدعاء لخان أن يتغمده الله برحمته قائله، إن أعمال خان تجعله خالدا وباقيا بيننا.

أفلام تنافسية

فيما يؤكد أحمد خالد موسى مخرج مسلسل «الميزان» أن محمد خان قيمة كبيرة، وفى الوقت الذى تراجعت فيه السينما واتجه المخرجون إلى الأعمال الدرامية، ظل يعمل ويخرج ويقدم أفلاما تنافسية قوية، كان آخرها " فتاة المصنع" و"قبل زحمة الصيف" ، وأعتبر أن محمد خان وداود عبدالسيد ورأفت الميهى من العباقرة، وقد استقبلت خبر وفاته بحزن شديد لأنه أحد أساتذة جيل كبير من المخرجين حتى لو لم يعملوا معه، وأعتقد أنه قدم رسالته بصدق شديد قبل أن يتوفى وكان يحلم بعمل سينمائى ضخم حتى آخر أيامه.

ويضيف موسى: عندما كنت أشاهد أفلامه وأنا صغير، كان يجذبنى في أعماله الواقعية الشديدة.. " كل شىء حقيقى أوى" ... بالإضافة إلى نقل الورق المكتوب وتحويله إلي حكاية ممتعة أمام الكاميرا فهو عبقرى فى جذب المشاهد للأحداث وتشويقه لها، بالإضافة إلى ذلك فإن أعماله لا تموت، ومهما شاهدتها لا تسأم منها، ونحن كمخرجين شباب نجتهد ونحاول أن نحقق النجاح الذى خلفه محمد خان فى تاريخ الفن.

عبقرية المكان

ويحكى محمد عبدالرحمن حماقى المخرج المنفذ لمسلسل أفراح القبة الذى تعاون مع محمد خان كمساعد مخرج فى فيلم فى شقة مصر الجديدة فيقول: تعاونت مع خان كمساعد مخرج فى فيلم في "شقة مصر الجديدة"، وتجربة محمد خان فيه تستحق التقدير، لأنه أصر أن يخرج عملا ذا قيمة ومغزى فى زمن تحول فيه الفيلم المصري إلى أداة للتجارة.

وأظهر خان عبقرية كبيرة فى فيلم فى "شقة مصر الجديدة" عندما أظهر معنى الحب والإخلاص بكل تفاصيله، من خلال حدوتة غادة عادل التى تبحث عن مدرستها القديمة من خلال أحداث الفيلم، ورغم أن مدرستها التى تبحث عنها غائبة طوال الأحداث الا أن خان استطاع أن يشعر الجمهور بأنها حاضرة وموجودة بشكل جميل وكأنها رمز الحب والوفاء، ورغم أن أحداث الفيلم كانت بطيئة إلا أنك لا تشعر بالملل، أذكر أن خان كان يقول إنه يمكن أن يخرج نفس العمل عشرات المرات بأشكال مختلفة تماما، لقد كان طاقة فنية كبيرة، استطاع خان أيضا فى فيلمه " زوجة رجل مهم" توظيف أغاني عبد الحليم حافظ في رسم شخصيات العمل بشكل بارع جدا، رحم الله محمد خان فقد تعلمت منه الكثير وواقعيته علمتنى الكثير فى أعمالى التى أقدمها.

خان والسادات... وأنا

كتبت - هبة عادل

لا ولن أنسي أبداً.. تلك الليلة الصيفية البديعة ولا أصدق أنه قد مر عليها 15 عاماً حيث جلست في دار العرض بأحد المولات أكثر من ساعتين من الاستمتاع الراقي بواحد من أهم أفلام السينما المصرية الحديثة.. وأنا اتابع فيلم «أيام السادات» ولما كنت وقتئذ لم التحق بعد بمجلتي الموقرة «الكواكب» فلم تتسن لي فرصة الكتابة عن هذا الفيلم وبمجرد سماعي لخبر وفاة مخرجه الكبير الراحل محمدخان صباح الثلاثاء الماضي وقع على الخبر كالصاعقة وكأنه قد أتى ليجثم علي مركز الذكريات الجميلة والدافئة فى حياتي لا أكثر، لأجدنى منطلقة لأسطر مقالي هذا .. وذاك الفيلم الذي اجتمع فيه عملاقان لن يتكررا في تاريخ الفن هما أحمد زكي ومحمد خان رحمهما الله لإنتاج هذه الدرة الخالدة «أيام السادات» وذلك مع عناصر أخري عديدة لا تقل بالطبع ألقا وجودة وامتيازا عنها.

فإذا ما توقفنا عند الماكيير الشهير محمد عشوب الذي استطاع بمهارة فائقة تحويل شكل أحمد زكي إلي نسخة تكاد تكون مطابقة لملامح ومظهر الزعيم محمد أنور السادات حتي أننا في بعض المشاهد أو حتي الصور الفوتوغرافية لا نستطيع التمييز بينهما ولأنني قررت قبل الكتابة أن اشاهد الفيلم مجددا لمتابعة كافة تفاصيله فقد لمست حرص المخرج محمد خان في كتابته لتتر البداية ووضع محمد عشوب تحت اسم «فنان الماكياج» وليس مجرد ماكيير عادي.. إلي هذا المدي لم يترك تفصيلة ولو صغيرة إلا واعتني بها.

ثم نجد اختياره الأكثر من موفق للنجمة الشابة مني زكي في لعب دور السيدة الجميلة جيهان السادات في مرحلة شبابها المبكر ثم لقطة التحول المبهرة التي صنعها «خان» في تغييرها عبر تغيير صورة فوتوغرافية من مني زكي إلي النجمة الكبيرة ميرفت أمين وقد ألقي الفيلم طوال الوقت بكيفية وجود هذه العلاقة القوية بين السادات وزوجته وكيف أنه يحدثها طوال الوقت في شئون السياسة والحكم والهم السياسي والوطني كزوجة وحبيبة وشريكة مخلصة لرحلة الكفاح الطويلة منذ كان ضابطا صغيرا وحتي وصوله إلي سدة الحكم هذا البعد الإنساني والعاطفي الذي حرص الفيلم ومخرجه علي وجوده كخط مواز للأحداث السياسية الجافة حتي لا يترك للمشاهد لحظة يخرج فيها عن الإيقاع العام لأحداث الفيلم.

ثم نجد كيف أن «خان» انتقل بنا في تنوع بديع بين المشاهد الملونة ومشاهد الأبيض والأسود.. بين الجديد والقديم... بين الروائى الحي والوثائقي الذي استخدمه حيث كان الأمر يتطلب ذلك في مشاهد مثل تذكر السادات لنفسه وهو طفل في القرية يحفظ القرآن الكريم في الكُتاب والمشاهد التسجيلية لحريق القاهرة وجنازة عبدالناصر وحكاية مشاهد من خطبة الألماني هتلر إبان الحرب العالمية الثانية وخروج الملك فاروق من مصر وحرب 1956 وبيان ثورة يوليو 1952 وسط فرحة الشعب المصري... إلخ

كما نلاحظ أيضا كيف كان يصور مشاهد الرئيس الراحل عبدالناصر من الخلف ولا يظهر وجه الفنان الذي قام بدوره .. حتي يظل التركيز الذهني فقط في بطل العمل المحوري أحمد زكي أو السادات نفسه دون الخروج ولو للحظة مقارنة بين شكل الفنان الذي يلعب عبدالناصر والرئيس الحقيقي أو حتي بينه وبين أحمد زكي نفسه والذي كان قد لعب من قبل دور عبدالناصر في فيلم «ناصر 56» أما إذا تحدثنا عن بعض أهم الأدوار الأخري التي لعبها باقي أبطال العمل وكيف راعي فيها «خان» الاختيار الدقيق حتي في الأدوار التي لم تستعرق أكثر من مشهد علي الشاشة مثل دور النجم الشاب آنذاك أحمد السقا في دور شقيق السادات أو دور الفنانة إسعاد يونس وهي تؤدي شخصية الإعلامية همت مصطفي وقد أجادت تقليدها إلي حد بعيد كذلك نري دور الفنان مخلص بحيري في أداء شخصية الكاتب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل صاحب الدور البارز في حياة الزعيم جمال عبدالناصر السياسية بل ومصر كلها آنذاك ولا ننسي بالطبع أن نشير إلي أن هيكل العظيم كان واحداً من نخبة كتاب مصر الذين شاركوا بكتبهم في إنتاج هذا العمل...حيث نجد علي تتر النهاية أكثر من 15 اسما لكبار كتاب مصر ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر مع حفظ الألقاب.. أحمد بهاء الدين - محمد حسنين هيكل - موسي صبري - رشاد كامل - عادل حمودة وكيف صاغ كل هذا بإبداع كبير السيناريست والكاتب الكبير أحمد بهجت ليخرج لنا «خان» من خلال هذه العناصر الجمالية المنصهرة بعناية في بوتقة رائعة تحفته بل درته الفنية البديعة في «أيام السادات» تاريخ مصر السياسي والإنساني والفني ولا يمكن أن يفوتني ختاما.. كما اختتم الفيلم بواحدة من أهم المشاهد علي النحو السينمائي والتاريخي أيضا.. حيث الزيارة التاريخية للسادات للكنيست الإسرائيلي والتي يقول عنها أنا مستعد أن أذهب إلي آخر العالم وستدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول إنني مستعد أن أذهب إلي بيتهم إلي الكنيست ذاته.. وهناك يلقي خطابه الشهير وقد حرصت علي نقل أهم أجزائه في رأيي والتي يدعو فيها إلي السلام قائلاً تبصوت جلل فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل شجعوا قيادتكم علي نضال السلام ويا أيتها الأم الثكلى ويا أيتها الزوجة المترملة ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب يا كل ضحايا الحروب املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام ..املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام.

اجعلوا الانشودة تعيش وتثمر اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال وإرادة من الله إني أردد مع زكريا قوله أحبوا الحق والسلام واستلهم آيات الله العزيز الحكيم حين قال «قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسي وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» صدق الله العظيم.

وصفق اعضاء الكنيست وبكيت أنا في دار العرض بكاء لن أنسي طعم دموعه وكلما أعيد هذا الفيلم علي شاشة التليفزيون حتى ولو شارف علي الانتهاء أجلس لاتابع كلمات هذا الخطاب القادر أن يستدعي دموعي ويهز وجداني ويسترجع دقات قلبي حتي لحظتنا هذه لاسيما عندما تأتي هذه الكلمات علي خلفية الموسيقي «الرهيبة» لصاحبها المبدع الموسيقار الكبير ياسر عبدالرحمن .. وهذا كله يدل علي أن الفن الراقي والصادق يعيش ويبقي ويظل حيا مؤثرا مهما رحل صناعه وأحمد الله رغم قسوة المناسبة التي اكتب فيها هذا المقال أن واتتني هذه الفرصة للكتابة عن هذا الفيلم بتوقيع الكبير محمد خان وأهدي لروحه سطوري هذه وليرحمنا الله جميعا.

الكواكب المصرية في

08.08.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)