محمد خان: خمسون عاماً من السينما خمسون عاماً من الحب والحياة
إبراهيم العريس
عندما عاش محمد خان، الراحل قبل أيام في القاهرة، بضع سنوات في
بيروت خلال النصف الأول من سنوات الستين، لم يخمن أحد من الذين
عرفوه في الأوساط السينمائية، مساعد مخرج عمل في شكل خاص مع فاروق
عجرمة، أن ذلك الشاب النحيل والأسمر الذي غالباً ما يفضل النطق
بالإنكليزية على العربية و «يزعم» أنه باكستاني الأصل مع أن الكل
يعرفه مصرياً، سوف يصبح ذات يوم واحداً من أبرز المخرجين في البلد
الذي ولد فيه وترعرع، وسيضن عليه بجنسيته حتى سنوات متقدمة من
حياته: مصر. فالحال انه منذ بداية سنوات الثمانين، وبعد عودة محمد
خان الى مصر، إثر إقامة في بريطانيا، تلت مرحلته البيروتية، بات
خان وجهاً مميزاً بين وجوه ما سمي حينها بـ «الواقعية الجديدة» في
السينما المصرية، تلك الواقعية التي كتيار ضم الى جانب خان، كلاً
من الراحل عاطف الطيب وعلي بدرخان وخيري بشارة ثم داود عبدالسيد
ورأفت الميهي وغيرهم، تمكن من أن يرث تيار الواقعيين المؤسسين
لنهضة السينما المصرية الحقيقية، من كامل التلمساني الى يوسف شاهين
ومن توفيق صالح إلى صلاح أبو سيف وهنري بركات.
ولادة شيء جديد
عند بدايات محمد خان كمخرج في مصر الثمانينات، بات واضحاً أن
«شيئاً» جديداً قد انضم الى السينما المصرية، وليس فقط على صعيد
المواضيع التي راحت تندد بعصر الانفتاح وخيبة آمال أجيال الثورة
والسقوط المادي والأخلاقي العام، بل كذلك في مجال الأشكال
السينمائية وأسلوب التعاطي مع المكان – غالباً ديكورات حقيقية -،
كما أسلوب «التبديل الجذري» في استخدام الممثلين النجوم، بعيداً من
ذلك التنميط في أدوارهم. وهكذا، كي لا تتوقف هنا إلا عند محمد خان،
تحت إدارة هذا الأخير، تبدلت كلياً ملامح عادل إمام (في «الحريف»)
وسعاد حسني (في «موعد على العشاء») ونجلاء فتحي (في «أحلام هند
وكاميليا) وحتى حسين فهمي... وكثر غيرهم من نجوم كان من الصعب
تصوّر قبولهم بالخروج، في الأدوار التي راحوا يلعبونها، عن تنميطهم
المعتاد.
والحقيقة أن ما من شيء كان يمكنه أن يضمن لمحمد خان الوصول الى تلك
النتائج، باستثناء شخصيته القوية إضافة الى مهارته في كتابة
سيناريوات بصرية لحكايات مستقاة من الشارع، من الحياة، وربما
أحياناً من مرجعيات تاريخ السينما نفسه. ولعل في إمكاننا هنا أن
نشير الى فنانين اثنين لعبا دوراً أساسياً في مساندة محمد خان، عبر
قبول كل منهما، على رغم مكانته الراسخة، بأن يترك نفسه «عجينة» بين
يدي محمد خان ومواضيعه: نور الشريف وأحمد زكي. فهذان الفنانان،
الراحلان باكراً لاحقاً، فهما الجديد الذي جاء به محمد خان بعد
دراسته اللندنية وإقامته في عاصمة الضباب التي أتاحت له مشاهدة
مئات الأفلام – هو المعروف دائماً على أية حال بسينيفيليّته -.
فهما أن مسعاه التجديدي يتلاءم مع طموحاتهما الفنية، ومع ما تحتاجه
السينما المصرية لتنهض، وأن غضبه السياسي والاجتماعي على الأوضاع
القائمة في مصر، ولا سيما على أوضاع السينما المصرية التي كانت، في
عز زمن الانفتاح، تغرق أكثر وأكثر في ما سمي سينما المقاولات
الانفتاحية. وهكذا ولدت حكاية كان لها أن تتواصل أكثر من ثلث قرن
بعد ذلك: حكاية سينما محمد خان الغزيرة والمتنوعة.. انما المميزة
غالباً.
غير أن الواقع يقتضي منا أن نبدأ حكاية سينما محمد خان في وقت أبكر
من ذلك كثيراً. فمحمد خان الذي ولد العام 1942 لأب باكستاني مقيم
في مصر وأم مصرية، وجد نفسه منذ فتوته يعيش في منزل يقع في جوار
دار سينما شعبية. وكان من سمات هذه الجيرة أن الفتى الذي كانه محمد
خان، كان قادراً على أن يسمع حوارات الأفلام المعروضة وموسيقاها
وضجيجها. فاكتشف السينما وسحرها، من دون أن يخطر في باله أنه سيصبح
جزءاً من هذا السحر يوماً. وصار من عاداته أن يشاهد أي فيلم جديد
تعرضه الدار، في اليوم الأول، ثم يستمع الى حواراته طوال أسبوع بعد
ذلك. هكذا نشأت البذرة السينمائية الأولى لديه. لكنه لم يعرها
اهتماماً طوال سنوات تالية كان قد قرر خلالها أن يدرس الهندسة
المعمارية في لندن. وهو ارتحل اليها أواسط الخمسينات بالفعل حيث
التحق بكلية للهندسة. غير انه حدث له ذات يوم أن تعرف إلى شاب
سويسري أخبره انه هنا لدراسة السينما. «هل السينما تدرس؟» سأل خان
نفسه على الفور. وعادت اليه بذرة السينما المغروسة في فؤاده.
وتبدلت حياته: ترك الهندسة ودرس السينما التي كان، على أية حال، لا
يتوقف يوماً عن مشاهدة أفلامها.
من لندن الى القاهرة وبالعكس
بعد لندن، عاد محمد خان الى مصر حيث مارس بعض النشاطات السينمائية
التقنية وانصرف الى قراءة ما يمكنه تحصيله من سيناريوات. وبدأ يكتب
أفكاراً ومواضيع، ولكن حين داهمته حرب حزيران – يونيو – والهزيمة،
فمنعتاه من الشروع في تنفيذها. وهنا توجه الى بيروت، ثم عاد مرة
أخرى الى لندن، حيث استأنف دراسته السينمائية بنيّة أن يصبح مخرجاً
وكاتب سيناريو هذه المرة. وهو أسس في لندن داراً للنشر ونشر كتابين
ألّفهما أحدهما عن السينما التشيكوسلوفاكية التي كانت في ذروة
«انشقاقيتها» في ذلك الحين، والثاني عن السينما المصرية. وإثر ذلك
عاد الى مصر عام 1977 وقد بات مستقبله مرسوماً أمامه. وفور عودته،
وفيما كان يحقق فيلماً قصيراً أولاً عنوانه «بطيخة»، كتب السيناريو
الطويل الأول «ضربة شمس» الذي ما إن قرأه نور الشريف حتى قرر،
لإعجابه به، ليس فقط أن يقوم بالدور الأول فيه، بل أن ينتجه أيضاً.
وبهذا كان «ضربة شمس» في العام 1978، فيلم محمد خان الروائي الطويل
الأول.
والحال أن هذا الفيلم، الذي يدور معظم أحداثه في شوارع القاهرة
ووسط ضجيجها من خلال حكاية الحياة اليومية لمصور صحافي، احتوى على
معظم العناصر التي ستشكل عالم محمد خان السينمائي: حركة الشارع
وديناميته، التقطيع الموقّع في شكل أخّاذ، استخدام النجوم في أدوار
«غير نجومية»، مواضيع تمر على الواقع الحياتي في مصر وغالباً
بأشكال مواربة، وإنما راسخة تعرف عبرها كيف توصل رسالة الى المتفرج
(الذكي غالباً، بالنظر الى ان أفلام محمد خان على رغم شعبيتها
ونجاحها، لم تتمكن أبداً من أن تكون سينما جماهيرية. كانت أقرب الى
أن تكون سينما النخبة الذكية الغاضبة)، وشخصيات منتزعة من الحياة
نفسها، ناهيك بحوارات تتناقض تماماً مع تلك الرومانسية المؤمثلة
التي كانت السينما المصرية معتادة عليها، أو الأخرى المؤدلجة التي
طبعت السينما المثقفة. مهما يكن، فإن معظم أفلام محمد خان، حتى وإن
كانت تغوص في واقعية جارحة، أتت تحن الى الرومانسية الغائبة الى
درجة أن خان لم يفته في مقدمات بعض أفلامه أن يهدي تلك الأفلام الى
ما تبقى من رومانسية ورومانسيين، متحسراً، حتى في صلب مواضيعه (كما
في «زوجة رجل مهم»، أو «سوبر ماركت» أو «أحلام هند وكاميليا»...)
على أكاذيب الأزمان الجميلة التي لن تعود... فهل كانت موجودة ذات
يوم حقاً؟
ذلك سؤال لم يتوقف محمد خان لطرحه في أي من أفلامه. فهو أبداً لم
يكن من أولئك المخرجين الذين يحبون في سينماهم أن ينظروا الى
الوراء طويلاً.. ربما كان يلتفت بعض الشيء الى الماضي (في «أيام
السادات» مثلاً)، لكن الحاضر هو همّه الأساس. وهو ضمن إطار هذا
الحاضر، الذي يعيشه ويعرفه جيداً، بدا ماهراً في مهنته كحكواتي
سينمائي من طراز رفيع. فسينماه سينما حكايات. وحكايات معاصرة من
خلالها ينتقد الواقع، حتى وإن اقتبس موضوعه من رواية أجنبية
(«الرغبة» – 1980 – المقتبس عن رواية «غاتسبي العظيم» لسكوت
فيتزجيرالد)، او من لعبة أسطورية («غرقانة» – 1993).
بعيداً من الخطابية الكئيبة
لقد حقق محمد خان حتى رحيله المباغت، نحو 14 فيلماً، تتفاوت في
قيمتها ونجاحاتها بين فيلم وآخر (إضافة الى ما ذكرناه أعلاه، حقق
في شكل أساسي، «الثأر» (1980)، «طائر على الطريق» (1982)، «موعد
على العشاء» (1982)، «نصف أرنب» (1982)، «الحرّيف» (1983)، «مشوار
عمر» (1983)، «خرج ولم يعد» (1984)، «عودة مواطن» (1986)، «زوجة
رجل مهم» (1988)، «أحلام هند وكاميليا» (1988)، «سوبر ماركت»
(1990)، «فارس المدينة» (1991)، «مستر كاراتيه» (1992)، «يوم حار
جداً» (1995)، «أيام السادات» (2001)، «كليفتي» (2004)، «بنات وسط
البلد» (2005)، «في شقة مصر الجديدة» (2007)، «فتاة المصنع»
(2014)، وفيلمه الأخير، للأسف، «قبل إجازة الصيف» (2016)”. ولعل
اول ملاحظة تفرضها هذه الفيلموغرافيا، هي أن الثمانينات كانت مرحلة
النشاط القصوى في إنتاج محمد خان.
لكنها كانت كذلك مرحلة التميز الأفضل في سينماه، حيث نلاحظ انه حقق
خلالها بعض أقوى أفلامه، بل بعض الأفلام المميزة التي تعتبر اليوم
أفلاماً – علامات، في تاريخ السينما المصرية، ونال عن معظمها جوائز
من الصعب إحصاؤها. غير أن جوائز محمد خان الأساسية، في يقيننا،
تكمن في انه باستثناء ثلاثة أو أربعة أعمال غير ذات قيمة حقيقية
تضيف الى لائحة أفلامه، عرف دائماً كيف يبقي سينماه عند مستويات
رفيعة، خالية من الخطابية مفعمة بالولع بالتفاصيل الصغيرة، تقف الى
جانب المهمشين والضعفاء والأشياء الجميلة، تبدّي حب الحياة على
الكآبة، ولا يفوتها أن تناصر المرأة («زوجة رجل مهم»، أو «أحلام
هند وكاميليا» و «فتاة المصنع»، مثلاً) والبيئة («خرج ولم يعد»
خاصة)، وتعرّج على بعض أهم القضايا التي تواجه المصريين، من الهجرة
(«عودة مواطن») الى الانهيار الأخلاقي – انما غير المدان لأنه ناتج
من الظروف الاجتماعية – (كما في «سوبر ماركت» و «مشوار عمر»)،
والعجز الاجتماعي عن تحقيق الأحلام الصغيرة («الحريف»).
محمد خان والأصدقاء:
عن الذين رحلوا والذين نخشى رحيلهم
كان من أبرز مزايا الراحل محمد خان الإنسانية، حرصه على أصدقائه
ووفاؤه لهم. وهو إذ كان يمارس هواية الكتابة إضافة الى مهنته
مخرجاً سينمائياً، لم تفته أن يكتب لهؤلاء الأصدقاء أو عنهم في
مناسبات متنوعة. ولقد جمع الراحل عدداً كبيراً من تلك الكتابات في
كتاب أصدره قبل شهور بعنوان «مخرج على الطريق»، اخترنا منه نصّين
هنا، وجّه أحدهما الى صديق عمره الفنان أحمد زكي حين كان هذا على
فراش المرض الذي سيودي به لاحقاً، وتناول في الثاني رحيل عدد من
أقرب أصدقائه الى قلبه وعمله.
صديقي أحمد زكي... احرص على الحياة
... ربما تجمعنا أفلام مقبلة
هو «فارس» في «طائر على الطريق» (1980)، و»شكري» في «موعد على
العشاء» (1981)، و»هشام» في «زوجة رجل مهم» (1987)، و»عيد» في
«أحلام هند وكاميليا» (1988)، و»صلاح» في «مستر كاراتيه» (1993)،
وأخيراً «أنور السادات» في «أيام السادات» (2000)... أفلام
جمعتنا.. ممثل ومخرج يقدمان سوياً شخصيات متنوعة من سائق أجرة الى
كوافير الى ضابط مباحث الى سمسار عملة الى سايس جراج الى رئيس
دولة.
في كل هذه الأفلام كان طموحنا أن نقدم عالم كل شخصية بتفاصيل
حياتها اليومية وانفعالاتها وإحباطاتها وأحلامها، وإذا كانت معظم
هذه الشخصيات تبدأ من القاع وتصل الى القمة فهي تعكس ميول أحمد زكي
في اختياراته للأدوار ممثلة كفاحه الشخصي الطويل من دبلوم صنايع
«خراطة» الى معهد الفنون المسرحية الى أدوار ثانوية على المسرح
الكوميدي وفي السينما والتلفزيون، الى جذب الأنظار الى موهبته في
دور الأديب طه حسين في مسلسل «الأيام»، الى أن احتضنته موجة
المخرجين الجدد في الثمانينات بواقعيتها لتدفعه مباشرة الى
النجومية. طريق صعوده كان وعراً، مثّل حين انتزع منه بطولة فيلم
«الكرنك»، وهو يصعد درجات السينما ثم صراعه لإنتاج «أيام السادات»،
في مناخ سينما تكتفي بمغازلة الكوميديا السطحية تحت قناع الأفلام
الشبابية.
ومثلما جمعتنا أفلام فرقتنا أفلام أخرى أخرجتها مثل «نص أرنب»،
و»الحريف»، و»يوسف وزينب»، و»سوبر ماركت»، و»فارس المدينة»، اعتذر
عنها إما لأنه لم يجد نفسه في الدور المعروض عليه أو تباعد في
وجهات النظر.
وأنا وأحمد زكي يجمعنا برج واحد «العقرب»، فأنا من مواليد 26
أكتوبر، وهو من مواليد 18 نوفمبر، جمعتنا زمالة وصداقة فنية ناشئة
عن إيمان كل منا بموهبة الآخر. وإن كنت قد قلت في مرة إنني لو كنت
ممثلاً لأردت أن أكون مثل أحمد زكي رد عليها بأنه لو كان مخرجاً
لأراد أن يكون مثلي.
ومثل حال كل الأصدقاء هناك أيام صفاء وأيام غضب.
اختلفنا في الأيام الأخيرة من تصوير «أحلام هند وكاميليا»، وتحول
خلافنا الى حواديت في كواليس السينما الى أن تصافينا في حفل زفاف
المصور كمال عبدالعزيز، واختلفنا مرة أخرى في بدايات مشروع «أيام
السادات»، (خمس سنوات قبل تنفيذه) وتصافينا على متن طائرة تقلنا
الى مهرجان في باريس، واختلفنا أثناء تصوير الفيلم، وواجهته بمقولة
ألّفتها بأنه «ممثل موهوب ومنتج مرعوب»، رد عليها بأنه سيبحث عن
شاعر ليرد بمقولة مقابلها. كلها خلافات فنية بحتة تزول مع الزمن
والظروف، فأحمد زكي طاقة فنية مشحونة بالقلق، متقلبة المزاج
يستغلها في تقمّصه للشخصيات التي يؤديها ويبهرنا بها، فإذا كنا
العاملين في «أيام السادات»، نناديه بـ»أحمد» أيام التصوير الأولى،
أصبحنا نناديه بـ»سيادة الرئيس» بقية التصوير.
فاجأني خبر مرض أحمد زكي، وأنا في مطار القاهرة في طريقي الى
سويسرا ومع متابعة أخباره صدمت وانتابني حزن شديد وتذكرت قصة كنا
نمزح كلما ذكرناها، وهي قصة المخرج الفرنسي «فرنسوا تروفو»،
وخلافاته العديدة مع الممثل «أوسكار فيرنر»، أثناء عملهما في
الفيلمين اللذين جمعهما: «جول وجيم» و»فهرنهايت 451»، وأن كليهما
من مواليد برج العقرب وأنه حين مات أحدهما لحق به الآخر بعد ثلاثة
أشهر بالضبط، لذا كانت رسالتي إلى أحمد زكي عقب عودتي هي «لا تمت.
هناك أفلام ربما تجمعنا بعد».
رحلوا ولم يرحلوا!
كم من مرة منذ اندلاع ثورة 25 يناير تراودني ذكرى رفاق مشواري
السينمائي الذين رحلوا عن دنيانا في عجلة، وكم أصابني الشعور
بالحسرة لغيابهم وعدم معايشتهم لهذا الحدث العظيم.
من ضمنهم سامي السلاموني (1936-1991)، وهو ناقد ثورجي وقف دائماً
في صف السينما الجادة التي تتحدى الأوضاع وتحارب الفساد وتتطور
سينمائياً. ولم يبالغ المؤرخ السينمائي أحمد الحضري حين وصفه بـ
«محايد نزيه مؤمن بالمبادئ الصحيحة التي يجب أن تتوافر في الناقد
قبل أن يبدأ الكتابة، وبوجوب استقلاله تماماً عمن يكتب عنهم».
وطموحات سامي (ليسانس آداب قسم صحافة ودبلوم دراسات عليا في
السيناريو والإخراج من المعهد العالي للسينما) لم تتوقف عند النقد
والبرامج التلفزيونية المتخصصة بالفن السينمائي، فقد أخرج أكثر من
فيلم تسجيلي يرصد فيه الحياة اليومية مثل «الصباح» و»القطار».
ثم يأتي صديقي وزميلي المخرج عاطف الطيب (1947-1995) الذي أبدى
أديبنا العظيم نجيب محفوظ إعجابه الشديد به عقب مشاهدته «الحب فوق
هضبة الهرم» المأخوذ عن إحدى قصصه. فعاطف ابن البلد قدم لنا «سواق
الأتوبيس»، و»البريء»، و»ملف في الآداب»، و»ضد الحكومة»، أفلام
تخزّن داخلها ثورة مكتومة في قلبه. لم تدم دقاته طويلاً ليلحق بـ25
يناير.
أما عاصم توفيق (1931-2001) فهو الثائر الهادئ المتأمّل الذي حفر
بقلمه آهات مجتمعه منذ «القاهرة والناس» حتى ثلاثية تعاوننا «خرج
ولم يعد»/ «عودة مواطن»/ «سوبر ماركت»، الى أن أصابه الاكتئاب
الشديد عقب سقوط الاتحاد السوفياتي وفقد أمل ثورة تطالب بالعدالة
الاجتماعية التي طالما حلم بها.
ومن بعده فقدنا أحمد زكي (1949-2005) الذي أرّخ كلاً من جمال
عبدالناصر وأنور السادات على الشاشة، وكان يطمح في تجسيد المخلوع
بطلعته الجوية لتبعه بالشيخ الشعراوي، لكنه في النهاية ختم مشواره
الفني بعبدالحليم حافظ. أتوقّع لو عاش معنا ثورة 25 يناير أن يكون
رجل الشارع في الميدان بوصفه الدور الذي أحمد سيسعى لتجسيده.
فوجود سامي وعاطف وعاصم وأحمد معي اليوم ولو في الخيال، يرسّخ
صلابة مطالبنا بالحرية والحفاظ على كرامتنا وسعينا المستميت نحو
العدالة الاجتماعية. |