كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

عبقرية محمد خان في اللقطات الثرية

في رحيل مخرج كبير قدّم البيئة الشعبية كما لم يفعل مثله أحد

كوبنهاغن: محمد رُضا

عن رحيل

محمد خان..

ملك الشخصيات والتفاصيل الصغيرة

   
 
 
 
 

يترك فارس (محمود حميدة) أدهم بيه (عبد العزيز مخيون) في السيارة التي كان يقودها. يقول له «بردون يا أدهم بيه، فلوسك أهه، والعربية كمان». يغلق باب السيارة ويمضي دون أن يطفئ محركها فتمضي السيارة من دون سائق. أدهم بيه متهالك على مقعده لا يستطيع التحكم بالسيارة. يدير عجلتها فتخرج عن الطريق الريفي وتتقدم نحو الهاوية ثم تتوقف في اللحظة الأخيرة قبل أن تسقط من عل.

هذا مشهد من فيلم «فارس المدينة» للمخرج الراحل محمد خان. ليس ما يميّزه عن باقي مشاهد الفيلم سوى ذلك الدمج الدقيق بين الدراما، من حيث موقع المشهد في حكاية بدأت ولم تنته، وبين الخيط البادي من عنصر التشويق.

في حديث خاص مضى، لم يوافق محمد خان على أن أفلامه تنتمي إلى سينما معيّـنة، تشويقية أو بوليسية أو واقعية: «الموضوع يفرض نفسه بالضرورة. عندما أخرج فيلما لا أتصوّره منتميًا إلا إليّ. لكن إذا ما كنت تبحث عن التأثير المباشر فأعتقد أنني أقرب إلى السينما الإيطالية من سواها».

«فارس المدينة» (1991) كان من أفضل أعماله، لكن كل أعماله كانت تحتوي على ما هو جيد. مخرج لاقط للتفاصيل. لا يرى السينما على لون واحد، بصرف النظر عن ذلك اللون، وشخصياته كلها تستدعي الاهتمام ولديها ما تعكسه في إيجاز سواء أكانت بطولية أم لا.

مدينة نموذجية

لم يعد هناك الكثير مما لم يُـكتب ويُـطرح في سينما محمد خان. تناولته كتابات المحللين والنقاد من وجهات كثيرة وبعضها مباشرة بعد وفاته غير الموقوتة في السادس والعشرين من هذا الشهر. بعضهم وجده وريث السينما الواقعية لصلاح أبوسيف لكن الواقعية التي في أفلامه تختلف عن واقعية أبوسيف اختلافًا كبيرًا. وفي تحليلات أخرى هو المخرج الذي قدّم البيئة الشعبية كما لم يفعل مثله أحد، وعند بعض السينمائيين ومثقفي اليمين، هو من اعتاد تشويه الواقع المصري متعمدًا بسبب تصويره حكايات من بطولة أماكن شعبية وشخصيات هامشية.

رغم أن هناك نصيبًا من الصحة في معظم ما سبق، إلا أن الصفة الأهم لسينما محمد خان هي سينمائية محضة لا علاقة لها بما صوّره أو أوحى به. نجدها في فهمه لشروط الصورة الصحيحة ولإيقاع اللقطة داخل المشهد والمشهد داخل الفيلم. يعمل محمد خان على منوال أن الفيلم هو حالة فنية للتعبير عن المضمون وليس المضمون نفسه. ما يحدد الفارق المذكور هو كيف سيختار المخرج تصوير عمله لإبراز مضمونه. هذا الاختيار وقف وراء أعمال متعددة المعالجات. بالطبع هو ابن المدينة ويعرف كيف يصوّرها ويجيد كما فعل في «مستر كاراتيه» و«فارس المدينة» و«الحريف»، لكنه ابن المجتمع المصري ويعرف كيف يمنح مشاهديه فرصة الاطلاع عليه واقعيًا، كما في «مشوار عمر» و«عودة مواطن» و«سوبر ماركت». في الوقت ذاته هو صاحب المعالجة الحسّـاسة لشخصياته التي لا تشبهها شخصيات أخرى في أفلام سواه مثلما في «هند وكاميليا» و«خرج ولم يعد» و«زوجة رجل مهم». على كل ذلك، كل واحدة من هذه المجموعات تملك خصال المجموعة الأخرى. بالتالي أفضل أفلام المخرج (وليس من بينها ما هو رديء) هي تلك التي حوت كل تلك العناصر بمقادير مختلفة.

المدينة بالنسبة لمحمد خان هي نموذجية لتصوير العلاقة بين الناس وبين الناس والمجتمع ومن ثم بين المجتمع وتقاليده وتطلعات الإنسان للخروج من تلك التقاليد صوب حرية غير مؤطرة. في مطلع أكثر من فيلم، بينها فيلمه الأول «ضربة شمس» (1980) و«فارس المدينة» يلقي نظرة على المدينة من فوق. بخط مستقيم، يشبه خط قناص، يصوّب الكاميرا صوب الحياة العابقة تحته قبل أن ينتقل ببطله إلى الشوارع ذاتها.

عندما تسوح الكاميرا في شوارع المدينة، تنقل معالمها البشرية والمكانية بتلقائية ومن دون تعمد. الغاية منها هو المعايشة الواقعية عبر ربط الشخصية الرئيسية، نور الشريف في «ضربة شمس» وعايدة رياض ونجلاء فتحي في «أحلام هند وكاميليا» ومحمود حميدة في «فارس المدينة».
تفاصيل الحياة

ليس صدفة أن هذه الأفلام تحمل عناوين مزدوجة فـ«ضربة شمس» هي الضربة التي تصيب البعض حين ارتفاع الحرارة وضربة بطل الفيلم واسمه شمس. «أحلام هند وكاميليا» هو عن حلم امرأتين تعيشان في قاعة المدينة، وعندما تنجب إحداهما، تسميها أحلام وتقرر المرأتان رعايتها معًا فإذا بها تصبح أحلام المنتمية إلى هند وكامليليا. أما «فارس المدينة» فالبطل اسمه فارس، وهو فارس بحق. شهم وذو شخصية مهيبة يقبل على المخاطر وينجو منها.

لكن إذا ما كانت أعمال محمد خان (ومنها ما خرج إلى الريف مثل «خرج ولم يعد») أو إلى الساحل (كما «يوسف وزينب» الذي صوّره في جزر المالديف و«قبل زحمة الصيف»، فيلمه الأخير الذي صوّره في الإسكندرية) أو كان مشوارًا على الطريق (كما في «طائر على الطريق» الذي استوحى منه خان زاويته المفضلة في الصحف «مخرج على الطريق») دقيقة في لقطاتها التفصيلية (يد سعاد حسني في «موعد على العشاء» وهي تحاول الضغط على أحد أزرار المصعد محاطة بأبدان الرجال كما لو كانت يدها صرخة ضد القهر الذكوري) ومتشابكة الرموز (مظاهرة عابرة وراء ظهر بطلة «فتاة المصنع») إلا أن خان لم يتخل مطلقًا عن سينما فنية بسيطة إلا عندما حقق «أيام السادات» سنة 2001، ليس أنه تخلى عن الفن أو أن الفيلم لا يرتقي إلى مستوى أعماله الأخرى، لكنه نفّـذ فيلما مختلفًا من حيث أنه سيرة حياة شخصية حقيقية كان على المخرج معالجتها كعمل غير ذاتي قدر الإمكان.

في أعماله جميعًا (23 فيلما طويلاً) عنى بتشابك الشخصيات من دون افتعال خطوطها. دائما ما كان رقيقًا في رسم خطوطه المستقيمة أو الدائرية. تلك التي تربط ما بين شخصين يتواجهان، أو تلك التي تضع شخصيّـتين أخريين في تعامل متبادل (كشخصية الزوجة ميرڤت أمين وزوجها أحمد زكي في «زوجة رجل مهم») كما كان رقيقًا وعاطفيًا في حبه للمرأة. صور الرجل على أنه شقي وذو جوانب. أما المرأة فكانت طاهرة وجميلة وحالمة. لكن في عدد من أعماله يطفو حزن الوضع على الجميع: على كل أبطال «الحريف» (الفيلم الذي قيل عن عادل إمام بأنه ندم عليه لأنه لم يكن كوميديًا)، وعلى معظم شخصيات فيلم «مشوار عمر» (1986). في الواقع العلاقات المرسومة بين شخصيات «مشوار عمر» هي من أفضل ما رسم من علاقات في السينما المصرية، إذ تنقل كل شخصية من حال لآخر تبعًا للوضع الذي يفرضه غريمه، فالجلاد يتحوّل إلى ضحية والضحية إلى جلاد قبل العودة إلى الوضع السابق لكل منهما، وكل ذلك من دون مبالغات أو مشاهد مسرحية مفتعلة.

يطول الحديث في سينما محمد خان لأنها تستحق كل تفصيل يذكر فيها. أي مساحة لبحث فيها يدلف إلى عوالم وجوانب مختلفة تمتد من حرفته الفنية إلى أسلوبه السردي ومنهما إلى تعامله مع الشخصيات وموقعه من الحياة عبرها. لا يفرض الرأي بل يدع المشاهد يستخرج أكثر مما كان يعتقد ذلك المشاهد أنه سيخرج به.

الشرق الأوسط في

29.07.2016

 
 

محمد خان: خمسون عاماً من السينما خمسون عاماً من الحب والحياة

إبراهيم العريس

عندما عاش محمد خان، الراحل قبل أيام في القاهرة، بضع سنوات في بيروت خلال النصف الأول من سنوات الستين، لم يخمن أحد من الذين عرفوه في الأوساط السينمائية، مساعد مخرج عمل في شكل خاص مع فاروق عجرمة، أن ذلك الشاب النحيل والأسمر الذي غالباً ما يفضل النطق بالإنكليزية على العربية و «يزعم» أنه باكستاني الأصل مع أن الكل يعرفه مصرياً، سوف يصبح ذات يوم واحداً من أبرز المخرجين في البلد الذي ولد فيه وترعرع، وسيضن عليه بجنسيته حتى سنوات متقدمة من حياته: مصر. فالحال انه منذ بداية سنوات الثمانين، وبعد عودة محمد خان الى مصر، إثر إقامة في بريطانيا، تلت مرحلته البيروتية، بات خان وجهاً مميزاً بين وجوه ما سمي حينها بـ «الواقعية الجديدة» في السينما المصرية، تلك الواقعية التي كتيار ضم الى جانب خان، كلاً من الراحل عاطف الطيب وعلي بدرخان وخيري بشارة ثم داود عبدالسيد ورأفت الميهي وغيرهم، تمكن من أن يرث تيار الواقعيين المؤسسين لنهضة السينما المصرية الحقيقية، من كامل التلمساني الى يوسف شاهين ومن توفيق صالح إلى صلاح أبو سيف وهنري بركات.

ولادة شيء جديد

عند بدايات محمد خان كمخرج في مصر الثمانينات، بات واضحاً أن «شيئاً» جديداً قد انضم الى السينما المصرية، وليس فقط على صعيد المواضيع التي راحت تندد بعصر الانفتاح وخيبة آمال أجيال الثورة والسقوط المادي والأخلاقي العام، بل كذلك في مجال الأشكال السينمائية وأسلوب التعاطي مع المكان – غالباً ديكورات حقيقية -، كما أسلوب «التبديل الجذري» في استخدام الممثلين النجوم، بعيداً من ذلك التنميط في أدوارهم. وهكذا، كي لا تتوقف هنا إلا عند محمد خان، تحت إدارة هذا الأخير، تبدلت كلياً ملامح عادل إمام (في «الحريف») وسعاد حسني (في «موعد على العشاء») ونجلاء فتحي (في «أحلام هند وكاميليا) وحتى حسين فهمي... وكثر غيرهم من نجوم كان من الصعب تصوّر قبولهم بالخروج، في الأدوار التي راحوا يلعبونها، عن تنميطهم المعتاد.

والحقيقة أن ما من شيء كان يمكنه أن يضمن لمحمد خان الوصول الى تلك النتائج، باستثناء شخصيته القوية إضافة الى مهارته في كتابة سيناريوات بصرية لحكايات مستقاة من الشارع، من الحياة، وربما أحياناً من مرجعيات تاريخ السينما نفسه. ولعل في إمكاننا هنا أن نشير الى فنانين اثنين لعبا دوراً أساسياً في مساندة محمد خان، عبر قبول كل منهما، على رغم مكانته الراسخة، بأن يترك نفسه «عجينة» بين يدي محمد خان ومواضيعه: نور الشريف وأحمد زكي. فهذان الفنانان، الراحلان باكراً لاحقاً، فهما الجديد الذي جاء به محمد خان بعد دراسته اللندنية وإقامته في عاصمة الضباب التي أتاحت له مشاهدة مئات الأفلام – هو المعروف دائماً على أية حال بسينيفيليّته -. فهما أن مسعاه التجديدي يتلاءم مع طموحاتهما الفنية، ومع ما تحتاجه السينما المصرية لتنهض، وأن غضبه السياسي والاجتماعي على الأوضاع القائمة في مصر، ولا سيما على أوضاع السينما المصرية التي كانت، في عز زمن الانفتاح، تغرق أكثر وأكثر في ما سمي سينما المقاولات الانفتاحية. وهكذا ولدت حكاية كان لها أن تتواصل أكثر من ثلث قرن بعد ذلك: حكاية سينما محمد خان الغزيرة والمتنوعة.. انما المميزة غالباً.

غير أن الواقع يقتضي منا أن نبدأ حكاية سينما محمد خان في وقت أبكر من ذلك كثيراً. فمحمد خان الذي ولد العام 1942 لأب باكستاني مقيم في مصر وأم مصرية، وجد نفسه منذ فتوته يعيش في منزل يقع في جوار دار سينما شعبية. وكان من سمات هذه الجيرة أن الفتى الذي كانه محمد خان، كان قادراً على أن يسمع حوارات الأفلام المعروضة وموسيقاها وضجيجها. فاكتشف السينما وسحرها، من دون أن يخطر في باله أنه سيصبح جزءاً من هذا السحر يوماً. وصار من عاداته أن يشاهد أي فيلم جديد تعرضه الدار، في اليوم الأول، ثم يستمع الى حواراته طوال أسبوع بعد ذلك. هكذا نشأت البذرة السينمائية الأولى لديه. لكنه لم يعرها اهتماماً طوال سنوات تالية كان قد قرر خلالها أن يدرس الهندسة المعمارية في لندن. وهو ارتحل اليها أواسط الخمسينات بالفعل حيث التحق بكلية للهندسة. غير انه حدث له ذات يوم أن تعرف إلى شاب سويسري أخبره انه هنا لدراسة السينما. «هل السينما تدرس؟» سأل خان نفسه على الفور. وعادت اليه بذرة السينما المغروسة في فؤاده. وتبدلت حياته: ترك الهندسة ودرس السينما التي كان، على أية حال، لا يتوقف يوماً عن مشاهدة أفلامها.

من لندن الى القاهرة وبالعكس

بعد لندن، عاد محمد خان الى مصر حيث مارس بعض النشاطات السينمائية التقنية وانصرف الى قراءة ما يمكنه تحصيله من سيناريوات. وبدأ يكتب أفكاراً ومواضيع، ولكن حين داهمته حرب حزيران – يونيو – والهزيمة، فمنعتاه من الشروع في تنفيذها. وهنا توجه الى بيروت، ثم عاد مرة أخرى الى لندن، حيث استأنف دراسته السينمائية بنيّة أن يصبح مخرجاً وكاتب سيناريو هذه المرة. وهو أسس في لندن داراً للنشر ونشر كتابين ألّفهما أحدهما عن السينما التشيكوسلوفاكية التي كانت في ذروة «انشقاقيتها» في ذلك الحين، والثاني عن السينما المصرية. وإثر ذلك عاد الى مصر عام 1977 وقد بات مستقبله مرسوماً أمامه. وفور عودته، وفيما كان يحقق فيلماً قصيراً أولاً عنوانه «بطيخة»، كتب السيناريو الطويل الأول «ضربة شمس» الذي ما إن قرأه نور الشريف حتى قرر، لإعجابه به، ليس فقط أن يقوم بالدور الأول فيه، بل أن ينتجه أيضاً. وبهذا كان «ضربة شمس» في العام 1978، فيلم محمد خان الروائي الطويل الأول.

والحال أن هذا الفيلم، الذي يدور معظم أحداثه في شوارع القاهرة ووسط ضجيجها من خلال حكاية الحياة اليومية لمصور صحافي، احتوى على معظم العناصر التي ستشكل عالم محمد خان السينمائي: حركة الشارع وديناميته، التقطيع الموقّع في شكل أخّاذ، استخدام النجوم في أدوار «غير نجومية»، مواضيع تمر على الواقع الحياتي في مصر وغالباً بأشكال مواربة، وإنما راسخة تعرف عبرها كيف توصل رسالة الى المتفرج (الذكي غالباً، بالنظر الى ان أفلام محمد خان على رغم شعبيتها ونجاحها، لم تتمكن أبداً من أن تكون سينما جماهيرية. كانت أقرب الى أن تكون سينما النخبة الذكية الغاضبة)، وشخصيات منتزعة من الحياة نفسها، ناهيك بحوارات تتناقض تماماً مع تلك الرومانسية المؤمثلة التي كانت السينما المصرية معتادة عليها، أو الأخرى المؤدلجة التي طبعت السينما المثقفة. مهما يكن، فإن معظم أفلام محمد خان، حتى وإن كانت تغوص في واقعية جارحة، أتت تحن الى الرومانسية الغائبة الى درجة أن خان لم يفته في مقدمات بعض أفلامه أن يهدي تلك الأفلام الى ما تبقى من رومانسية ورومانسيين، متحسراً، حتى في صلب مواضيعه (كما في «زوجة رجل مهم»، أو «سوبر ماركت» أو «أحلام هند وكاميليا»...) على أكاذيب الأزمان الجميلة التي لن تعود... فهل كانت موجودة ذات يوم حقاً؟

ذلك سؤال لم يتوقف محمد خان لطرحه في أي من أفلامه. فهو أبداً لم يكن من أولئك المخرجين الذين يحبون في سينماهم أن ينظروا الى الوراء طويلاً.. ربما كان يلتفت بعض الشيء الى الماضي (في «أيام السادات» مثلاً)، لكن الحاضر هو همّه الأساس. وهو ضمن إطار هذا الحاضر، الذي يعيشه ويعرفه جيداً، بدا ماهراً في مهنته كحكواتي سينمائي من طراز رفيع. فسينماه سينما حكايات. وحكايات معاصرة من خلالها ينتقد الواقع، حتى وإن اقتبس موضوعه من رواية أجنبية («الرغبة» – 1980 – المقتبس عن رواية «غاتسبي العظيم» لسكوت فيتزجيرالد)، او من لعبة أسطورية («غرقانة» – 1993).

بعيداً من الخطابية الكئيبة

لقد حقق محمد خان حتى رحيله المباغت، نحو 14 فيلماً، تتفاوت في قيمتها ونجاحاتها بين فيلم وآخر (إضافة الى ما ذكرناه أعلاه، حقق في شكل أساسي، «الثأر» (1980)، «طائر على الطريق» (1982)، «موعد على العشاء» (1982)، «نصف أرنب» (1982)، «الحرّيف» (1983)، «مشوار عمر» (1983)، «خرج ولم يعد» (1984)، «عودة مواطن» (1986)، «زوجة رجل مهم» (1988)، «أحلام هند وكاميليا» (1988)، «سوبر ماركت» (1990)، «فارس المدينة» (1991)، «مستر كاراتيه» (1992)، «يوم حار جداً» (1995)، «أيام السادات» (2001)، «كليفتي» (2004)، «بنات وسط البلد» (2005)، «في شقة مصر الجديدة» (2007)، «فتاة المصنع» (2014)، وفيلمه الأخير، للأسف، «قبل إجازة الصيف» (2016)”. ولعل اول ملاحظة تفرضها هذه الفيلموغرافيا، هي أن الثمانينات كانت مرحلة النشاط القصوى في إنتاج محمد خان.

لكنها كانت كذلك مرحلة التميز الأفضل في سينماه، حيث نلاحظ انه حقق خلالها بعض أقوى أفلامه، بل بعض الأفلام المميزة التي تعتبر اليوم أفلاماً – علامات، في تاريخ السينما المصرية، ونال عن معظمها جوائز من الصعب إحصاؤها. غير أن جوائز محمد خان الأساسية، في يقيننا، تكمن في انه باستثناء ثلاثة أو أربعة أعمال غير ذات قيمة حقيقية تضيف الى لائحة أفلامه، عرف دائماً كيف يبقي سينماه عند مستويات رفيعة، خالية من الخطابية مفعمة بالولع بالتفاصيل الصغيرة، تقف الى جانب المهمشين والضعفاء والأشياء الجميلة، تبدّي حب الحياة على الكآبة، ولا يفوتها أن تناصر المرأة («زوجة رجل مهم»، أو «أحلام هند وكاميليا» و «فتاة المصنع»، مثلاً) والبيئة («خرج ولم يعد» خاصة)، وتعرّج على بعض أهم القضايا التي تواجه المصريين، من الهجرة («عودة مواطن») الى الانهيار الأخلاقي – انما غير المدان لأنه ناتج من الظروف الاجتماعية – (كما في «سوبر ماركت» و «مشوار عمر»)، والعجز الاجتماعي عن تحقيق الأحلام الصغيرة («الحريف»).

محمد خان والأصدقاء:

عن الذين رحلوا والذين نخشى رحيلهم

كان من أبرز مزايا الراحل محمد خان الإنسانية، حرصه على أصدقائه ووفاؤه لهم. وهو إذ كان يمارس هواية الكتابة إضافة الى مهنته مخرجاً سينمائياً، لم تفته أن يكتب لهؤلاء الأصدقاء أو عنهم في مناسبات متنوعة. ولقد جمع الراحل عدداً كبيراً من تلك الكتابات في كتاب أصدره قبل شهور بعنوان «مخرج على الطريق»، اخترنا منه نصّين هنا، وجّه أحدهما الى صديق عمره الفنان أحمد زكي حين كان هذا على فراش المرض الذي سيودي به لاحقاً، وتناول في الثاني رحيل عدد من أقرب أصدقائه الى قلبه وعمله.

صديقي أحمد زكي... احرص على الحياة

... ربما تجمعنا أفلام مقبلة

هو «فارس» في «طائر على الطريق» (1980)، و»شكري» في «موعد على العشاء» (1981)، و»هشام» في «زوجة رجل مهم» (1987)، و»عيد» في «أحلام هند وكاميليا» (1988)، و»صلاح» في «مستر كاراتيه» (1993)، وأخيراً «أنور السادات» في «أيام السادات» (2000)... أفلام جمعتنا.. ممثل ومخرج يقدمان سوياً شخصيات متنوعة من سائق أجرة الى كوافير الى ضابط مباحث الى سمسار عملة الى سايس جراج الى رئيس دولة.

في كل هذه الأفلام كان طموحنا أن نقدم عالم كل شخصية بتفاصيل حياتها اليومية وانفعالاتها وإحباطاتها وأحلامها، وإذا كانت معظم هذه الشخصيات تبدأ من القاع وتصل الى القمة فهي تعكس ميول أحمد زكي في اختياراته للأدوار ممثلة كفاحه الشخصي الطويل من دبلوم صنايع «خراطة» الى معهد الفنون المسرحية الى أدوار ثانوية على المسرح الكوميدي وفي السينما والتلفزيون، الى جذب الأنظار الى موهبته في دور الأديب طه حسين في مسلسل «الأيام»، الى أن احتضنته موجة المخرجين الجدد في الثمانينات بواقعيتها لتدفعه مباشرة الى النجومية. طريق صعوده كان وعراً، مثّل حين انتزع منه بطولة فيلم «الكرنك»، وهو يصعد درجات السينما ثم صراعه لإنتاج «أيام السادات»، في مناخ سينما تكتفي بمغازلة الكوميديا السطحية تحت قناع الأفلام الشبابية.

ومثلما جمعتنا أفلام فرقتنا أفلام أخرى أخرجتها مثل «نص أرنب»، و»الحريف»، و»يوسف وزينب»، و»سوبر ماركت»، و»فارس المدينة»، اعتذر عنها إما لأنه لم يجد نفسه في الدور المعروض عليه أو تباعد في وجهات النظر.

وأنا وأحمد زكي يجمعنا برج واحد «العقرب»، فأنا من مواليد 26 أكتوبر، وهو من مواليد 18 نوفمبر، جمعتنا زمالة وصداقة فنية ناشئة عن إيمان كل منا بموهبة الآخر. وإن كنت قد قلت في مرة إنني لو كنت ممثلاً لأردت أن أكون مثل أحمد زكي رد عليها بأنه لو كان مخرجاً لأراد أن يكون مثلي.

ومثل حال كل الأصدقاء هناك أيام صفاء وأيام غضب.

اختلفنا في الأيام الأخيرة من تصوير «أحلام هند وكاميليا»، وتحول خلافنا الى حواديت في كواليس السينما الى أن تصافينا في حفل زفاف المصور كمال عبدالعزيز، واختلفنا مرة أخرى في بدايات مشروع «أيام السادات»، (خمس سنوات قبل تنفيذه) وتصافينا على متن طائرة تقلنا الى مهرجان في باريس، واختلفنا أثناء تصوير الفيلم، وواجهته بمقولة ألّفتها بأنه «ممثل موهوب ومنتج مرعوب»، رد عليها بأنه سيبحث عن شاعر ليرد بمقولة مقابلها. كلها خلافات فنية بحتة تزول مع الزمن والظروف، فأحمد زكي طاقة فنية مشحونة بالقلق، متقلبة المزاج يستغلها في تقمّصه للشخصيات التي يؤديها ويبهرنا بها، فإذا كنا العاملين في «أيام السادات»، نناديه بـ»أحمد» أيام التصوير الأولى، أصبحنا نناديه بـ»سيادة الرئيس» بقية التصوير.

فاجأني خبر مرض أحمد زكي، وأنا في مطار القاهرة في طريقي الى سويسرا ومع متابعة أخباره صدمت وانتابني حزن شديد وتذكرت قصة كنا نمزح كلما ذكرناها، وهي قصة المخرج الفرنسي «فرنسوا تروفو»، وخلافاته العديدة مع الممثل «أوسكار فيرنر»، أثناء عملهما في الفيلمين اللذين جمعهما: «جول وجيم» و»فهرنهايت 451»، وأن كليهما من مواليد برج العقرب وأنه حين مات أحدهما لحق به الآخر بعد ثلاثة أشهر بالضبط، لذا كانت رسالتي إلى أحمد زكي عقب عودتي هي «لا تمت. هناك أفلام ربما تجمعنا بعد».

رحلوا ولم يرحلوا!

كم من مرة منذ اندلاع ثورة 25 يناير تراودني ذكرى رفاق مشواري السينمائي الذين رحلوا عن دنيانا في عجلة، وكم أصابني الشعور بالحسرة لغيابهم وعدم معايشتهم لهذا الحدث العظيم.

من ضمنهم سامي السلاموني (1936-1991)، وهو ناقد ثورجي وقف دائماً في صف السينما الجادة التي تتحدى الأوضاع وتحارب الفساد وتتطور سينمائياً. ولم يبالغ المؤرخ السينمائي أحمد الحضري حين وصفه بـ «محايد نزيه مؤمن بالمبادئ الصحيحة التي يجب أن تتوافر في الناقد قبل أن يبدأ الكتابة، وبوجوب استقلاله تماماً عمن يكتب عنهم».

وطموحات سامي (ليسانس آداب قسم صحافة ودبلوم دراسات عليا في السيناريو والإخراج من المعهد العالي للسينما) لم تتوقف عند النقد والبرامج التلفزيونية المتخصصة بالفن السينمائي، فقد أخرج أكثر من فيلم تسجيلي يرصد فيه الحياة اليومية مثل «الصباح» و»القطار».

ثم يأتي صديقي وزميلي المخرج عاطف الطيب (1947-1995) الذي أبدى أديبنا العظيم نجيب محفوظ إعجابه الشديد به عقب مشاهدته «الحب فوق هضبة الهرم» المأخوذ عن إحدى قصصه. فعاطف ابن البلد قدم لنا «سواق الأتوبيس»، و»البريء»، و»ملف في الآداب»، و»ضد الحكومة»، أفلام تخزّن داخلها ثورة مكتومة في قلبه. لم تدم دقاته طويلاً ليلحق بـ25 يناير.

أما عاصم توفيق (1931-2001) فهو الثائر الهادئ المتأمّل الذي حفر بقلمه آهات مجتمعه منذ «القاهرة والناس» حتى ثلاثية تعاوننا «خرج ولم يعد»/ «عودة مواطن»/ «سوبر ماركت»، الى أن أصابه الاكتئاب الشديد عقب سقوط الاتحاد السوفياتي وفقد أمل ثورة تطالب بالعدالة الاجتماعية التي طالما حلم بها.

ومن بعده فقدنا أحمد زكي (1949-2005) الذي أرّخ كلاً من جمال عبدالناصر وأنور السادات على الشاشة، وكان يطمح في تجسيد المخلوع بطلعته الجوية لتبعه بالشيخ الشعراوي، لكنه في النهاية ختم مشواره الفني بعبدالحليم حافظ. أتوقّع لو عاش معنا ثورة 25 يناير أن يكون رجل الشارع في الميدان بوصفه الدور الذي أحمد سيسعى لتجسيده.

فوجود سامي وعاطف وعاصم وأحمد معي اليوم ولو في الخيال، يرسّخ صلابة مطالبنا بالحرية والحفاظ على كرامتنا وسعينا المستميت نحو العدالة الاجتماعية.

الحياة اللندنية في

29.07.2016

 
 

محمد خان و"زوجة رجل مهم"

خميس خياطي

رجل/امرأة، سجين/سجان

تتذكرون التفاصيل العديدة الموجودة في "خرج ولم يعد". وفي "عودة مواطن"... في فيلمه "زوجة رجل مهم" وبعد بضع دقائق من بداية العرض، بعد أن غنى عبد الحليم اكتشفنا أن الفتاة "منى" من عشاق هذا الفنان الرومانسي الذي وهب روحه "لمية النيل" وبعد أن رآها "هشام" وهي تبتاع "كاسيتا" صوتيا حتى تسجل عليه أغنية لعبد الحليم، قرر أن يحبها ويتزوجها... وإذ نحن في القطار معهما متجهين إلى القاهرة... يقطع المخرج على بعض التفاصيل التي تحمل التعبير الفني الصادق على شيئين لهما أهمية كبيرة في هذه المأساة. يقطع على حلق معلق في أذن "منى"... لقطة كبيرة لهذا الحلق... فيعرفنا بأن هذه الفتاة تحب الأشياء الجميلة، تهواها، تفنى فيها وتتغنى بها. ويعرفنا بأن هذا الشاب الجالس أمامها ببدلته الداكنة هو من ذاك الصنف الذي لا تفوت عليه صغيرة... هي طالبة غارقة في رومانسيتها وهو ضابط مباحث. "هي" من تمثيل ميرفت أمين "وهو" من تمثيل أحمد زكي... هي بيضاء البشرة جذابة وهو اسمر اللون... فما الذي يشد هذه الفتاة إلى هذا الرجل؟ إصراره. إنه من الطينة التي لا تقبل أن تفقد شيئا تريد الحصول عليه. كل شيء بين هذا الثنائي متكامل ومتناقض في آن، وحينما ندقق النظر في العلاقات القائمة بين منى وهشام، نكتشف أن التكامل ليس إلا وليد بعض اللًحظات التي يذوب فيها الوعي. أما الحقيقة فهي أن الرومانسية لا يمكن لها إلا أن تطحن من قبل واقعية السلطة والتسلط. فيختفي عبد الحليم بعد حركة أو اثنين ويبقى الواقع المر والشك العنيف كدلالة واضحة على عصر جديد... بين منى وهشام هامش من الإستلاب. هو وجد فيها فريسة تقبل بتقلباته وهي وجدت فيه السيد الذي يحكم ولا يقبل الجدال... وحينما لا يجد السًيد من يجادله فإن سلطته ستتفاقم وتتضخم وتنتفخ إلى أن يحصل لها مثلما حصل لأحدى شخصيات "معنى الحياة" من إخراج البريطاني "تيري غيليام" وجماعته... "تنغلق" وبالتالي فالموت هو الحد الفاصل بين السيد والمسود، بين العبد والسلطة. طيلة فيلم "زوجة رجل مهم" الذي كتب له السيناريو الصحفي الناقد ورئيس تحرير مجلة "صباح الخير" رؤوف توفيق، نشاهد عملية الاستلاب هذه التي في فقدان هويتهما كامرأة أولا وثانيا كانسانة. أولا المرأة: تصبح منى بعد زواجها مثل التحف التي لا تستعمل إلا لزينة المنزل، فتفقد شخصيتها ولا تقوى على مناهضة هشام حتى في المسائل الزوجية الصغيرة. أما كانسانة، فستجد نفسها معزولة عن أي كائن آخر. حتى جيرانها الذين كانت تلعب معهم الورق، عمل هشام على الإطاحة بهم... فمن هو هشام هذا؟ شاب لا نعرف عن أصله شيئا إلا أنه يعمل في مباحث الجيزة منذ 14 سنة. اتصالاته بعائلته تمر عبر التلفون. وحتى حينما تتصل به احدى قريباته طالبة منه أن يطلق سراح إبنها بعد إنتفاضة كانون الثاني (جانفي) 77، فإنه "يزعق" في وجهها ويلقنها درسا في الأمن والسلطة والدولة... هذا لا يعني أن هشام قاسي القلب. هناك أحيانا يلين فيها هذا القلب الجامد وهذه اللحظات هي لحظات مواقعة زوجته. فيصبح الجنس المساحة الوحيدة التي يجد فيها هذا البعبع أبعاده الإنسانية... إلا أن مثل هذه الحالات يجب أن تتصف باللا إنسانية، أن تكون على الصيغة التي جسدتها ليليا ناكافإني في فيلم "حارس الليل"... وكما هو متوقع في مثل هذه النماذج القصوى، يأتي القدر بخبطته. فيهوي هشام وتبقى إمرأته ساكنة القلب لا يمكن لها أن تساعده... فيجن جنونه. ومن رفيقة حياته وسجينة أهوائه، تصبح زوجته البؤرة التي تشهد على سقوطه، فيضاعف في إمتلاكه لها. السلطة العليا تنصلت منه لوفائه التام. وامرأته بقيت على حالتها لتسلطه الكامل... وأصبح الأفق مظلما. وفي هذه الحالة، تتوضح معالم الجنون (الضباط هم اللي بيحكموا العالم) ويصبح المنزل عبارة عن سجن صغير فيه حاكم ومحكوم. وحينما تتدخل العناصر الخارجية دفاعا عن المرأة المسكينة، لا يجد هشام مفرا من استعمال آلة نفوذه: المسدس. فيقتل أبا زوجته... وينتحر. وتبقى منى معلقة بين عالمين. خسرت ماضيها ومستقبلها. فيلم "زوجة رجل مهم" فيلم مهم بالدرجة الأولى، لأنه يعقد الصلة بين الرجولية والسلطة، بين التسلط والحاكم، بين المرأة والاستسلام. وعلى عادة محمد خان، الكاميرا دائما بالمرصاد للتغييرات الطفيفة، لا سيما وجل الأحداث الدامية تقع بين جدران الشقة... مما يعطي للمناخ العام مواصفات السجن. إلا أن هذا الفيلم الجديد والجاد يشكو من سلبية واحدة: الحوار. فكانك أمام فيلم تتصارع فيه الصورة مع شريط الصوت. فيقلل هذا الأخير من قوة الصورة وإيحاءاتها ويطرح أرضا ببعض الإبداعات الجمالية. بالرغم من هذه النواقص (الأساسية) يبقى فيلم "زوجة رجل مهم" فيلم مهم حقا.

الـ FaceBook في

29.07.2016

 
 

بالصور.. فنانون وسياسيون وإعلاميون في عزاء «خان وكامل»

كتب: سعيد خالد

أقيم مساء الجمعة، عزاء المخرج الراحل محمد خان ، والفنان الراحل محمد كامل ، بمسجد عمر مكرم.

وحرص عدد كبير من رجال السياسة والفنانين على تقديم واجب العزاء لأسرتي الراحليين.

تقدم المعزيين الكاتب حلمي النمنم وزير الثقافة، وحمدين صباحي، وجورج إسحاق، والمخرج خالد يوسف، ومن الفنانين يحيي الفخراني، ومحمود حميدة، ونبيل الحلفاوي، وعزت العلايلي، ورشوان توفيق، وسامح الصريطي، وأحمد ماهر، وهنا شيحة، ويسرا اللوزي.

كما حذر أيضًا الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين، والمخرج على عبدالخالق، والمخرج محمد النجار، ومدير التصويرسعيد شيمي، والمخرج مجدي الهواري، وزوجته الفنانه غادة عادل، والمخرج هادي الباجوري، وزوجته الفنانه ياسمين رئيس، والمخرجه كاملة أبو ذكري، والمخرجه ساندرا نشأت، والموسيقار هاني مهنى، والإعلامي جمال الشاعر، والدكتور محمد العدل، رئيس جبهة الابداع.

المصري اليوم في

29.07.2016

 

آخر وصايا «الحريف» لـ«مخرجى الصراصير والبلاعات»

المخرج الكبير يرحل بعد عامين فقط من حصوله على الجنسية المصرية.. ويترك إرثًا فنيًا خالدا

علا الشافعى

هناك فى حى الحسين العريق ولد المبدع محمد خان فى 26 أكتوبر 1942، وسط ذلك الحى تفتحت عيناه على أصوات الباعة، ووسط عمال وصناع الحرف الشعبية، ورائحة البخور التى تملأ الشوارع، اختار والده ذو الأصول الباكستانية ذلك الحى القديم وافتتح متجره الذى كان يبيع فيه الشاي، وتنقل مابين غمرة وشارع شريف بوسط القاهرة،واعتاد الطفل أن يستمع لحواديت الأم والجدة، وبات يراقب الصور المتلاحقة التى تأتيه وسط زحام وتداخل وجوه البشر.

كان خان يملك ذاكرة فوتوغرافية يلتقط ويسجل كل ما تقع عليه عيناه فى الحى القديم سواء الجيران أو الوافدين من مريدي سيدنا الحسين ومحبيه، وأبدًا لم ينس وجهًا من الوجوه التى صادفها بمن فيهم الشغالة الصغيرة التى كانت تعمل عندهم وجاءت وافدة من الريف وتحديدًا إحدى قرى المنوفية كما روى لى فى أحد حواراته _( وهى الشخصية التى استدعاها فى واحد من أجمل أفلامه بل أفلام السينما المصرية والعربية على الاطلاق وهو أحلام هند وكاميليا).
كبر خان وسط هذا الحى العريق وكان يقطع الطريق من الحسين إلى منطقة وسط البلد يجوب الشوارع ويخزن صورا كثيرة، لوجوه ومواقف وأماكن ونماذج حية من لحم ودم تجدها حاضرة فى كل أفلامه منذ «ضربة شمس» وصولًا إلى «قبل زحمة الصيف
».

وبعد أن وصل إلى مرحلة الشباب، تشكل حلمه بالسفر إلى الخارج لاستكمال دراسته فى مجال الهندسة المعمارية، واختار لندن ليبدأ حلمًا جديدًا ومرحلة غيرت مستقبله تماما، وهناك اكتشف خان شغفه بتلك الصور المتحركة وفن السينما، وقرر فى لحظة حاسمة أن يتوقف عن دراسة الهندسة ويتجه إلى السينما، وفى نفس الفترة كان يعمل فى أحد محال بيع الجينز، وصارت حياته مقسمة ما بين العمل والدراسة وارتياد دور العرض لمشاهدة أحدث إنتاجات السينما العالمية. يتابع كافة أشكالها وأنواعها، ومع عودته إلى القاهرة كان يشعر بأن الحلم صار قريبًا وأن كل شىء حلم به سيتحقق، ولكن كانت سوق السينما فى وادٍ وكل ما يحلم به خان ورفقاؤه من شباب السينمائيين فى وادٍ آخر، والتقي طموح خان مع فنان واعد ونجم هو نور الشريف والذي ساعده وانتج له فيلم « ضربة شمس» ، 1980 والذي قام ببطولته ايضا وفي وقتها كان الفيلم تجربة جديدة ومختلفة عن كل مايقدم في السوق السينمائية ووقتها استغرب الكثيرون كيف اقنع هذا الشاب الجديد فنانة بحجم ليلي فوزي في ان تظهر في الفيلم دون ان تنطق كلمة واحدة .

ومن بعد هذه التجربة انطلق خان وزملاؤه الشباب وشكلوا معا موجة الواقعية الجديدة في السينما المصرية، كانوا يعملون باخلاص وحب حقيقي للمهنة مثل ( خان وداود عبدالسيد وخيري بشارة وعاطف الطيب وبشير الديك ومدير التصوير سعيد شيمى، والمونتيرة نادية شكري، وكثيرون)_ كان من الطبيعي ان يصيغ خان قصة ليقوم بشير الديك بتحويلها الي سيناريو يخرجه عاطف الطيب مثلما حدث في فيلم « سواق الاتوبيس « وكان من العادي جدا بالنسبة لهم ان يقتصد كل واحد فيهم من ماله الخاص لينتجوا فيلما لمحمد خان .

مثلما حدث في فيلمه المتميز « الحريف» والذي قدمه مع النجم عادل امام في واحد من أهم ادواره. . وواصل خان التألق وسط الكثير من «الاحباطات» والوجع، الاحباط من الهجوم الذي تلقاه هو زملاؤه من منتجي السينما وصناعها الذين كانوا يعملون بمنطق التجارة، حيث كان أقسي هجوم تعرضوا له هو وصفهم بمخرجي «الصراصير والبلاعات» وذلك لإصرارهم علي تقديم سينما حقيقية تعبر عن الواقع دون تزييف او تغييب للوعي والعقول، بل اصروا علي استكمال مشوارهم، الا ان خان وحده كان يملك وجعا خاصا وهو عدم حصوله علي الجنسية المصرية_ رغم انه معجون بمصر مهموم بكل مشاكلها، وظل هكذا يمنح مصر ابداعا وجوائز وهي تضن عليه بالجنسية والتى لم يحصل عليها الا منذ عامين فقط.

ولم يكن خان يعرف اليأس أبدًا لذلك كان يقول للمقربين منه :»ــ نصيحتى هى عدم اليأس، لا تيأس أبدا، كصانع للأفلام تأثرتُ بأفلام أنطونيونى، والتقيته فى لندن أثناء تصويره فيلم «blow up» فى إحدى المكتبات، كانت معه سكرتيرته، تابعتُه عندما نزل إلى الشارع، طرقتُ على زجاج سيارته، قلت له إننى معجب بأفلامه، فشكرنى. قابلته بعدها بسنوات طويلة فى مهرجان قرطاج، حيث عرض المهرجان لى فيلم «خرج ولم يعد»، سألت أنطونيونى فى قرطاج عن (آنّا) بطلة فيلمه «المغامرة» وأين اختفت، فقال لى: لا أعرف، سألته عن مقولته الشهيرة والصحيحة بأن كل مخرج فى الواقع لا يخرج سوى فيلم واحد فى حياته، ولكن بطرق وأشكال مختلفة، فقال معلّقا: «سيكون المخرج محظوظا حقا إذا أخرج فيلمين».

ــ ورغم اعجاب خان بالعديد من خريجي السينما المصرية ومنهم بركات وصلاح ابوسيف ويوسف شاهين وسعد عرفه وممدوح شكري ولكن شعاره كان التفرد وان يكون له اسلوب خاص، تميزه من اللقطة والكادر واداء الممثل كانت افلام خان تضج بالحياة، والعمق وتحمل روحا طفولية شقية مثله تماما مهما كان الموضوع الذي يناقشه - ( خرج ولم يعد، موعد على العشاء، عودة مواطن والحريف، أحلام هند وكاميليا سوبر ماركت)_ ورغم تركيز خان علي الطبقة المتوسطة وهمومها، الا انه ايضا اقترب من المهمشين وناقش قضايا الغلابة وصراعهم من اجل لقمة العيش .. واهم ما يميز سينما خان حالة الاختلاف التى يظهر بها الممثلون والفنانون معه، خان يعشق ممثليه ويجعلهم يتشربون روح النص وتفاصيله.. لذلك تجده يقول في أحد حواراته :»ان الفارق بين سعاد حسنى وفاتن حمامة هو الفارق بين الموهبة العفوية التى تجسدها سعاد والفنانة المحترفة التى تجسدها فاتن، ولكل طريقة ميزة معينة، أما أحمد زكى فهو عبقرى، ولم يملأ فراغه أحد حتى اليوم».

وفي حواره الذي اجراه مع ملحق الجمعة سابقا تحدث عن علاقته بالفنانة فاتن حمامة وانه كان يسعي لأن يجمعها مع سعاد حسنى في فيلم احلام هند وكاميليا وقال :»وقتها كنت أفكر فى الجمع بينها وبين فاتن حمامة، وكانت سعاد متحمسة جدا، وفاتن لم تعط ردا نهائيا، وأذكر أننى حينها التقيت سعاد فى نادى الجزيرة لنتحدث حول السيناريو، الا اننى فوجئت أنها تحمل وجهة نظر مغايرة تماما عما أراه فى العمل، وفى هذه اللحظة أيقنت أن الدور لن يكون لها، وقمت مع الناقد اللبنانى سمير نصرى بإرسال السيناريو الى نجلاء فتحى مع باقة ورد، وذهبت إليها بعد ذلك لأعرف رأيها، وفاجأتنى نجلاء بأن قابلتنى وقتها وهى ترتدى ملابس الشخصية ووجدت أنها تلبست روحها وقد كان. فإحساس الممثل بالشخصية يجب أن يكون متماهيا مع إحساس المخرج، وفى فيلمى «عودة مواطن» قمت بتغيير ممثل بعد أن صور 5 أيام، وهو محمود مسعود واستبدلته بالفنان احمد عبد العزيز، ورغم قسوة الواقعة، والمشاكل التى أثارتها وقتها مع النقابة إلا أننى أصررت، والممثل الذى يحب الدور يستطيع أن يمسك بكل اللحظات، فهو ليس مجرد ترديد لجمل الحوار، لذلك استبدلته لأنه لم يعطنى ما أريد، وأنا لا اقبل المواءمات فى تلك المنطقة أو فى عملى عموما».

هكذا كان يهتم بكل تفاصيل عمله بدءا باختيار المكان والشخصية ومن يجسدها وكيف يتماهي معها لذلك سيظل واحدا من المخرجين القلائل اصحاب الاسلوب الخاص وسينما الواقع التى تحتفي بالمكان والانسان وعلاقته بهذا المكان وستظل شخوصه حاضره في افلامه التى تصل الى 24 ، كان أبرزها أيام السادات وزوجة رجل مهم وخرج ولم يعد، وكان آخرها بداية هذا العام بفيلم «قبل زحمة الصيف» الذى قامت ببطولته الفنانة هنا شيحة، لن يستطيع احد منا ان ينسي «هشام» جسده العبقري احمد زكي في زوجة رجل مهم ، ومنى في نفس الفيلم جسدتها نجلاء فتحي والسادات لاحمد زكي ، نوال جسدتها سعاد حسنى في موعد علي العشاء وأميرة جسدتها نجلاء فتحي في سوبر ماركت ورمزي جسده ممدوح عبدالعليم في نفس الفيلم وغيرها من الشخصيات.

خان هو الوحيد من بين ابناء جيله الذي كان يملك روحا شابة جعلته يملك صداقات مع اجيال مختلفة، وهو ايضا من شكل نقلات حقيقية في السينما المصرية والعربية علي مستوى التكنيك والتطور، وهو ايضا اول من استخدم الكاميرا الديجتال في التصوير السينمائي بدلا من التصوير بالكاميرا 35 في تجربته بفيلم كليفتى. . خان هو الاب الروحي للكثيرين، تركهم ورحل فجأة تاركا صدمة كبيرة في الوسط السينمائي المصري والعربى.

أفلام خان

فيلم «ضربة شمس» الذى يعد أول أفلامه عام 1978 والذى قام ببطولته الفنان الراحل نور الشريف، فيلم الرغبة 1980 لنور الشريف أيضا مع مديحة كامل، الثأر عام 1980، وثلاثة أفلام عام 1982 «طائر على الطريق، موعد على العشاء، نصف أرنب». وفى عام 1983 قدم فيلم الحريف الذى قام ببطولته الفنان عادل إمام، ومشوار عمر 1985، خرج ولم يعد 1984، عودة مواطن 1986، وفيلمين عام 1988 «زوجة رجل مهم» و»أحلام هند وكاميليا». وفى تسعينيات القرن الماضى قدم خان أفلام «سوبرماركت» عام 1990، فارس المدينة 1991، «مستر كاراتيه» 1992، الغرقانة 1993، يوم حار جدا 1995. وفى بداية الألفية الجديدة قدم خان واحدا من أهم أفلام السيرة الذاتية لرؤساء مصر وهو فيلم «أيام السادات» للراحل أحمد زكى عام 2001، والذى أحدث نقلة نوعية فى تاريخ أفلام السير الذاتية، ثم توالت أعماله بفيلم «كليفتى عام 2004، ثم فيلم «بنات وسط البلد» 2005، «فى شقة مصر الجديدة»، ثم شارك فيلم «عشم» 2013، وفيلم «فتاة المصنع» للفنانة ياسمين رئيس وهانى عادل 2014، وأخيرا فيلم «قبل زحمة الصيف» الذى عرض بداية العام الحالى. شارك محمد خان أيضا بالتمثيل فى أفلام «العوامة» عام 1970، فيلم «بيبو وبشير» عام 2011، وأخيرا فيلم «عشم» عام 2013، وله كتاب مؤلف «مقدمة السينما المصرية».

الأهرام اليومي في

29.07.2016

 
 

وداعـــــاً "محمــــد خـــــان"

أعاد الشباب للسينما المصرية.. وزحمة الصيف آخر أفلامه

حسام حافظ

فقدت السينما المصرية المخرج الكبير محمد خان عن 74 عاما وهو واحد من عشاق السينما الكبار وعشاق مصر أيضا. التي ينتمي إليها بمولده في حي غمرة بالقاهرة في 26 أكتوبر عام 1942. تم باختياره العودة من لندن والحياة في مصر منذ عام 1978 حتي وفاته. وقد حصل علي الجنسية المصرية في مارس 2014 في عهد الرئيس عدلي منصور. 

أعاد محمد خان الشباب للسينما المصرية عندما قدم أول أفلامه الروائية الطويلة بعنوان "ضربة شمس" عام 1978 وخرج بالكاميرا إلي شوارع القاهرة مع مدير التصوير سعيد شيمي من بطولة نور الشريف ونورا وقد أصبحت لقطات هذا الفيلم وثائق تاريخية لشوارع وسط البلد وميدان التحرير ومحطة مترو حلوان القديم في باب اللوق. 

وكان لمحمد خان الفضل في ظهور تيار واقعية الثمانينات عندما كتب قصة فيلم "سواق الأتوبيس" الذي صنع شهرة مخرجه عاطف الطيب وكان بمثابة "القاطرة" التي سحبت وراءها جيل الثمانينات في السينما المصرية مثل خيري بشارة وداود عبدالسيد ورأفت الميهي وعاطف الطيب وبشير الديك وفايز غالي وغيرهم. 

قدم محمد خان 24 فيلما روائيا طويلا و14 فيلما قصيرا إلي جانب بعض الإعلانات والفيديو كليب. كما ظهر كممثل في بعض الأفلام مثل "العوامة 70" للمخرج خيري بشارة و"واحدة بواحدة" للمخرج نادر جلال و"ملك وكتابة" للمخرجة كاملة أبوذكري. 

أكثر ممثل عمل مع محمد خان كان النجم الراحل أحمد زكي الذي قام ببطولة 6 أفلام هي: "طائر علي الطريق" و"موعد علي العشاء" و"زوجة رجل مهم". 

كما عمل مع نور الشريف "ضربة شمس" و"الرغبة" ومحمود ياسين "الثأر" ومحمود عبدالعزيز "نصف أرنب" ويحيي الفخراني "خرج ولم يعد" و"عودة مواطن" وعادل إمام "الحريف" وعادل أدهم "سوبر ماركت" ومحمود حميدة "فارس المدينة" و"الغرقانة" و"يوم حار جدا" وسعاد حسني "موعد علي العشاء" ومديحة كامل "الرغبة" و"مشوار عمر" و"يوسف وزينب" وفردوس عبدالحميد "طائر علي الطريق" و"الحريف" وميرفت أمين "عودة مواطن" و"زوجة رجل مهم" و"أيام السادات" وعايدة رياض "أحلام هند وكاميليا" و"سوبر ماركت" و"فارس المدينة" و"شقة مصر الجديدة". 

آخر أفلام محمد خان "فتاة المصنع" و"قبل زحمة الصيف" منح من خلالها البطولة لياسمين رئيس "فتاة المصنع" وهنا شيحة "قبل زحمة الصيف" وعرضا في العديد من المهرجانات المصرية والعربية. كما كتبت له زوجته كاتبة السيناريو وسام سليمان أفلام "بنات وسط البلد" و"شقة مصر الجديدة" و"فتاة المصنع". 

الجمهورية المصرية في

29.07.2016

 
 

ثنائيات محمد خان.. رفاق مسيرته السينمائية الطويلة

محمد جابر

ضمن المسيرة الطويلة للمخرج الراحل محمد خان، هناك عدد من الفنانين الذين ارتبط بهم وارتبطوا به، وكانوا عنصراً دائماً في حياته وأفلامه، على المستوى الشخصي والعملي.

العين والنبض

في بداية مسيرته، كانت المونتيرة نادية شكري من أقنعته بالعودة إلى مصر، وصناعة الأفلام عوضاً عن البقاء في لندن، والعمل في استثمارات لا علاقة لها بالسينما، وحين عاد كان مدير التصوير سعيد الشيمي، أول من طرق بابه من أجل أن يبدأا الرحلة.

نادية شكري وسعيد الشيمي، هما عين “خان” ونبضه وإيقاعه، قامت نادية شكري بمونتاج كل أفلامه بلا استثناء (منذ ضربة شمس أواخر السبعينيات، حتى أيام السادات وكليفتي أوائل الألفية)، وبحسب تعبيره في أحد حواراته: “هي أكثر من يفهمه في الوجود، ولا يحتاج لأن يقول لها شيئاً حتى تلتقط ما يريده من كل لقطة”، ولم يوقف التعاون بينهما إلا مرضها، ثم وفاتها عام 2012.

أما سعيد الشيمي، فهو جزء أساسي من المغامرة كلها، مغامرة التصوير الخارجي، والنزول إلى الشارع، وحمل الكاميرا للجري وراء الممثلين، وصنع مشاهد ولحظات خالدة شديدة الارتباط بالمدينة، ورغم أن “خان” تعاون بعد ذلك مع مصورين آخرين بجماليات ووجهات نظر مختلفة ، إلا أن “العين” الأهم في مسيرته وأكثر من صور له أفلاماً كان الشيمي.

رفيق الدرب

في نهاية السبعينيات حين عاد خان إلى القاهرة، كان المخرج خيري بشارة من أقرب أصدقائه في الوسط السينمائي، والعلاقة الفريدة بينهما في الحياة اتصلت كذلك بالأفلام، ليظهر خان كممثل في أول أفلام بشارة، “العوامة رقم 70″، بينما ظهر بشارة في 10 أفلام كاملة لخان، أحياناً كضيف شرف في “موعد على العشاء”، “نص أرنب”، و “أحلام هند وكاميليا”. وأحياناً بدور حقيقي مؤثر في الأحداث في “زوجة رجل مهم”. وظلت تلك العلاقة قائمة حتى فيلم خان الأخير، “قبل زحمة الصيف” الذي ظهر فيه بشارة أيضاً.

ورغم كثافة ذلك الحضور في الأفلام وعلى الشاشة، إلا أن ذلك لا يعد إلا جزءاً من قوة العلاقة في الحياة الحقيقة، ومساهمة كل منهما في أفلام الآخر في أحيان كثيرة بشكل غير رسمي، سواء بالمشورة والرأي، أو المساعدة في أمور تقنية وإجرائية.

ممثل مهم

كان خان يحب تغيير ممثليه دائماً، أسماء قليلة للغاية تكررت بين فيلم وآخر، الاستثناء الوحيد الذي تكرر كثيراً وكان مرشحاً لبطولة المزيد هو أحمد زكي فقط، الذي كان بطلاً لستة من أفلام خان، بدءاً من “طائر على الطريق” و”موعد على العشاء”، مروراً بـ”زوجة رجل مهم” و”أحلام هند وكاميليا” و”مستر كارتيه”، ووصولاً إلى “أيام السادات”.

تلك الشراكة الطويلة في الأفلام منبعها الثقة والتفاهم، ثقة زكي” في أن “خان” سيخرجه بأحسن صورة، ولا نبالغ إن قلنا إن عددأً من أفضل أدوار زكي كانت مع خان، سواء من ناحية الصعوبة والخصوصية في فيلم “زوجة رجل مهم”، (الذي قال عنه روبرت دي نيرو أثناء عرضه في مهرجان موسكو سنة 1987، إنه أداء عظيم)، أو من ناحية الشهرة والتجسيد كأيام السادات الذي نجح تماماً. وبالنسبة لخان “كان زكي يستطيع التحول لأي صورة كانت، ولذلك أتخيله في أي فيلم”.

قاص ماهر

كان محمد خان مطور قصة جيداً، ولكنه يحتاج دوماً لكاتب سيناريو إلى جانبه، لذلك فإن الكثير من أفلامه كان هو صاحب فكرتها أو قصتها، ولذلك أيضاً فالشراكة مع الكتاب ضمن أسماء محدودة ولكنهم “رفاق” على الطريق، أولهم وأهمهم بشير الديك، الذي كتب أو شارك في كتابة 6 من أفلامه على رأسها “الحريف” و”موعد على العشاء”.

كذلك عاصم توفيق، الذي أعطى أفلامه بصمة خاصة مرتبطة بالواقع الاجتماعي في “خرج ولم يعد”، “عودة مواطن” و”أحلام هند وكاميليا”. وروؤف توفيق في “مشوار عمر”، “زوجة رجل مهم” و”مستر كارتيه”.

بينما كانت زوجته وكاتبة السيناريو وسام سليمان، رفيقة دربه الأخيرة، حيث كتبت له 3 من آخر 4 أفلام أخرجها، “بنات وسط البلد”، “شقة مصر الجديدة” و”فتاة المصنع”.

سينماتوغراف في

29.07.2016

 
 

«محمد خان».. بهجة الاختلاف بحب

إيهاب الملاح

لم يكن من السهل استيعاب أن صديقا وفنانا ومخرجا كبيرا بقيمة محمد خان قد فارق دنيانا، ليس لعدم تقبل فكرة الموت فى ذاتها، فكلنا إلى زوال، وإنما فى «الفقد» فى الإحساس المؤلم الرهيب بأن عزيزا لديك قد فارق الدنيا، ولن تراه ثانية. لم يكن محمد خان «صديق عمر» بالمعنى الزمنى، لكنه كان إنسانا يغمرك شعور مبهج بأنك تعرفه منذ سنين، خصوصا إذا تبسم فى وجهك وخاطبك قائلا«إزيك يا واد»، هنا تعلم بأنه قد استراح لك واعتبرك من المقربين.

بالتأكيد كان محمد خان وطوال رحلته مع الحياة والسينما والناس، منذ أعلن عن نفسه كمخرج سينمائى سنة 1978 فى فيلم «ضربة شمس»، ملء السمع والبصر، حضوره الإنسانى والفنى باذخ وواسع المجال، وليس من أبناء جيلى ولا الأجيال السابقة ولا التالية من لم يتوقف عند فيلم أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر من أفلامه، احتلت مكانها فى القلب والروح، استفزت أسئلة وطرحت استفهامات عن قدرة هذا الفن العظيم «السينما» فى أن يرينا عن أنفسنا وعن العالم ما لا نعرفه ولا نراه.

من ينسى فيلم «الحريف»، وصوت «نهجان» عادل إمام يتردد كخلفية مربكة ومثيرة للخيال، من منا لم يقارن بين شخصية الحريف ولاعب كرة شراب «حقيقى»، كنا نتابعه فى الدورات الرمضانية ومباريات الأسفلت بمتعة وفضول وشغف.

«أحلام هند وكاميليا» وتفاصيل كنا نظن أننا سننساها بمجرد انتهاء مشاهدتنا للفيلم فنكتشف أن كل تفصيلة قد رسخت فى الذاكرة ولم تغب رغم كل هذه السنوات، وهل ننسى صوت الممثل الراحل عثمان عبدالمنعم وهو يقول بصوته الأجش المميز «عايزين برنجان النهارده يا كمولة»!

عندما كنت أشاهد هذه الأفلام وأنا صغير، لم أكن أعلم أن وراءها مخرج «مايسترو» يقود ويوجه وينشط خلايا الإبداع والتمثيل لدى فريق الممثلين الذين يتعامل معهم ويقودهم، لم أكن أعلم أن هناك رؤية ودلالة مقصودة لكل تفصيلة وزاوية كاميرا وتحكم فى إضاءة لإبراز أثر معين. فيما بعد، وحينما نمت المعرفة والقراءات، ومحاولات للفهم والتفسير، أدركت لماذا احتل محمد خان هذه المكانة، ولماذا كانت سمعته دائما تسبقه كواحد من أهم وأبرز ما اصطلح على تسميته بتيار الواقعية الجديدة فى السينما المصرية.

فى السنوات الخمس الأخيرة، وعندما بدأت ألتقى بمحمد خان فى مناسبات مختلفة، وتنعقد أواصر علاقة صداقة طيبة ووديعة، بدأت تتكشف لى جوانب أخرى من هذا الرجل الذى يبتسم وجهه دائما ابتسامة طفولية ماكرة لكنها دوما جميلة ومقبولة.

وحينما كنا نحتفل معه بصدور كتابه الجميل الممتع «مخرج على الطريق»، العام الماضى، اكتشفت قدرته الرهيبة فى الحكى وسرد الوقائع بخفة ظل وانطلاق لا تملك معه إلا أن تتابعه بتركيزك كله، تقريبا وفى كل لقاء جمعه بعشاق أفلامه وفنه كان يفتح خزانة الذكريات والأسرار ويتدفق فى الحكى عن رحلته الطويلة مع السينما، القاسم المشترك فى هذه اللقاءات جميعا قدرة المخرج القدير على الحكى والسرد المتدفق، تتخللها قفشاته ومداعباته المحببة التى كان يتجاوب معها الحاضرون بشدة.

فى هذه الأمسية الجميلة، التى قرأت فيها أجزاء من كتابه على الحضور، كان سعيدا غاية السعادة، فرحا كطفل صغير تكرمه المدرسة فى حضور أولياء الأمور والطلاب، جاء بقلم ذهبى جديد كى يوقع الكتاب، قال لى إن تأليف كتاب أمر مختلف عن إخراج فيلم، لكن فى كل الأحوال يتهيب جمهوره ويقدر أن كل ما يكتبه أو يخرجه يجب أن يكون لائقا وجديرا بمتلقيه، هكذا كان الرجل فى كلامه وسلوكه وحديثه وفنه وكل شىء.

كان كتاب «مخرج على الطريق» (صدر عن دار الكتب خان بالقاهرة 2015)، وعلى مدى صفحاته التى تقترب من الـ600، رسالة حب، قدم خان فيها ما يشبه «الخلاصة» لمشوار طويل مع السينما، عشقا وصناعة وإخراجا، حصادا لتجربة عريضة وممتدة مع هوى الفن السابع، درسا عمليا بين يدى عشاقها ومحبيها عن ما وراء الكواليس، أو «ما وراء الكاميرا ــ تجربتى مع السينما»، وربما يرى فيها البعض سيرة مولع «حقيقى» بالسينما. عبر عشرات المقالات تناول فيها قضايا وموضوعات كلها عن السينما؛ همومها وأوجاعها، حنين السنوات البعيدة، ذكريات لندن، مما سجله خلال أكثر من خمسة وعشرين عاما على صفحات الجرائد العربية والمصرية والمواقع الإلكترونية؛ الحياة اللندنية، القبس الكويتية، الدستور الأصلى المصرية، وجريدة التحرير المصرية.

هذا الكتاب الذى كان فيما يبدو رسالة خان «الأخيرة» على الورق وليس الشاشة، ولذا فقد كان بحماسة شاب فى العشرين من عمره يجوب المكتبات ويسافر خارج مصر مستجيبا لدعوات استضافته للحديث عن الكتاب ومناقشة جمهوره (حل ضيفا على معرض أبوظبى الأخير لتوقيع الكتاب ومناقشته فى واحدة من ندواته وفاعلياته المهمة).

أحببت محمد خان قبل أن أعرفه مباشرة، أحببته من شغف صديقى محمود عبدالشكور به وبأفلامه، الذى تقريبا لم يترك فيلما لمحمد خان لم يشاهده عدة مرات ويكتب عنه ويحلل مشاهده. قرأت كل ما كتبه محمود عن محمد خان، حكى لى كثيرا عن فنيات وجماليات أفلامه بحماس شديد ومحبة غامرة، وعندما تعرف إليه والتقاه فى بيته أكثر من مرة، قال لى: «أحب هذا الرجل.. فنان مبدع وطفل كبير». صحيح لم يكن خان من المقبلين على التعرف على الناس بسرعة ولا من المتواصلين اجتماعيا من مجرد لقاء أول أو حتى ثان، لكنه كان يحب البشر ويحمل طاقة ود وتعاطف وتفهم غير محدودة، سخريته ناعمة وقاتلة، ذكاؤه مرعب وإن بدت نظرات عينيه مستكينة ووادعة، وبسمته الجميلة مرتسمة على وجهه البشوش لا تعلم إن كانت ابتسامة رضا وسرورا أم ابتسامة شجن وأسى وسخرية مريرة من كل شىء.

وأنا أقرأ سطور ما كتبه محمود عن خان، وهى سطور كثيرة وغزيرة، تقرأ الأفلام، تحلل المشاهد، تكشف الحرفية والصنعة والموهبة فى بناء الصورة وإنتاج الدلالة، قلت فى نفسى إن هذا الرجل كان يتمنى أن يقرأ هذه الكلمات عنه، سيكون خان سعيدا بكل ما كتبه محمود عنه، خاصة هذا الكتاب الذى أتصور أنه أهم وأجمل وأمتع ما كتب عن خان وأفلامه.

عندما كتب محمود مقالا نقديا عن فيلمه الأخير «قبل زحمة الصيف»، وكان له رأى سلبى فى الفيلم، كتب له محمد خان بمحبة صادقة «آن لنا أن نختلف بحب».. يا له من شخص جميل وغريب! «آن لنا أن نختلف بحب» جملة عبقرية أعتبرها مفتاحا لفهم هذا الرجل ودعوة أيضا.. من الممكن أن يكون اختلافنا بحب ورُقىّ أيضا، إذا كانت دفة القيادة تقدر قيمة الاختلاف، وأن يكون اختلافنا بحب والله، والدليل، أكبر دليل، محمد خان نفسه، عليه رحمة الله.. عليه رحمة الله.

رحم الله المخرج الكبير.. وعوض جمهوره وعشاق فنه عنه خيرا..

الشروق المصرية في

29.07.2016

 
 

المخرج محمد خان.. عاشق السينما الواقعية

عدي فاضل خليل

محمد خان مخرج سينمائي باكستاني حصل على الجنسية المصرية عام 2014، يعتبر من رواد المدرسة الواقعية في السينما، قدم أفلاما متميزة حصل بفضلها على جوائز كثيرة، وجمعته بالراحل أحمد زكي مسيرة فنية توجت بأفلام بارزة بينها “زوجة رجل مهم”.

ولد محمد خان في مصر بحي السكاكيني الشعبي في القاهرة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، ولم يحصل على الجنسية المصرية إلا قبل وفاته بسنتين، وبالضبط عام 2014 بقرار رئاسي.

سافر محمد خان إلى إنجلترا عام 1956 لدراسة الهندسة المعمارية، لكنه التقى هناك بصديق سويسري يدرس السينما، فأثر على محمد خان الذي ترك الهندسة وانطلق يدرس السينما، وأنهى دراسته عام 1963.

رجع محمد خان إلى القاهرة ودخل في تجارب سينمائية حيث عمل بقسم السيناريو في شركة إنتاج سينمائي تحت إشراف المخرج صلاح أبو سيف، ثم ما لبث أن غادر إلى لبنان وعمل مساعد مخرج.

غير أنه مرة أخرى فضل العودة إلى إنجلترا وأنشأ دار نشر وأصدر كتابين عن السينما المصرية والتشيكية. وفي 1977 عاد إلى القاهرة وقدم فيلم “ضربة شمس” عام 1978.

أنجز محمد خان 24 فيلما طويلا شكلت علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، ومن بينها فيلم “زوجة رجل مهم” رفقة أحمد زكي وميرفت أمين، حيث يحكي قصة ضابط أمن لا يترك فرصة تمر دون أن ينتهك فيها حقوق الإنسان، مما شكل معاناة لزوجته ومحيطه، قبل أن تنقلب الأوضاع ويقال من منصبه ويعيش المأساة.

وبرفقة أحمد زكي أيضا قدم فيلم “أيام السادات” الذي يحكي قصة حياة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات منذ أيامه الأولى وحتى حادثة اغتياله عام 1981 في المنصة أثناء الاحتفالات بنصر 6 أكتوبر.

كما قدم خان أفلاما بينها “الحريف”، و”فتاة المصنع”، و”خرج ولم يعد”، و”طائر على الطريق”، و”أحلام هند وكاميليا”. وبفضل تنوع المواضيع التي عالجها في أفلامه وقربها من هموم المواطن البسيط، اعتبر محمد خان من رواد الواقعية في السينما.

وكان آخر أفلامه قبل وفاته “قبل زحمة الصيف”. وظهر كممثل في مشاهد قليلة ببعض الأفلام المصرية، مثل “ملك وكتابة” من إخراج كاملة أبو ذكري، و”بيبو وبشير” من إخراج مريم أبو عوف. فاز محمد خان خلال مسيرته الفنية الطويلة بعدة جوائز، بينها جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013، وذلك عن فيلم “فتاة المصنع”.

وشارك محمد خان كعضو لجنة تحكيم في كثير من المهرجانات الدولية، كما تم تكريمه عام 2008 من طرف المهرجان المصري القومي 14 للسينما. ظل خان يشرح أن “الفن وسيلة تعبير الفنان عن وجهة نظره في كل شيء، ويمكن للفنان أن يقول ما يريده من خلال أعماله، وهنا تكون الرسالة أوضح”.

وكان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعد لإصدار كتيب عن “سينما محمد خان” لإصداره بمناسبة تكريمه في دورة نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

توفي محمد خان في فجر الثلاثاء 26 يوليو/تموز 2016 جراء أزمة قلبية مفاجئة نقل على إثرها إلى المستشفى.

الصدى نت العراقية في

29.07.2016

 
 

متاعب ''خان'' في التصوير بشوارع القاهرة.. انفعال واشتباك وتَعلّم

كتب - محمد مهدي:

لم يكن يخفي على الجميع شغف المخرج "محمد خان" للتصوير في الأماكن الحقيقية لأحداث أفلامه، كان من يعمل معه يدرك أن التواجد في الشوارع والميادين سمة أساسية في سينما "خان"، لأنه يميل إلى إضفاء روح واقعية لأعماله، غير أن الأمر لم يخلُ من المتاعب، لأن الشارع دائمًا ما يحمل الكثير، وفي تقريرنا التالي نرصد أبرز الصعوبات التي واجهت المخرج الكبير على مدار تاريخه السينمائي.

ضربة شمس

في تجربته السينمائية الأولى، واجه "خان" عدة صعوبات، من بينها تلك الليلة التي اضطر فيها إلى إعادة التصوير مرة أخرى، بسبب طفل. كان المخرج الكبير يقف بين مساعديه "مصطفى جمال الدين" و"عبدالحليم النحاس"، في محطة كوتسيكا بحلوان، موضحًا لهما رؤيته لتصوير المشهد، حيث أشار لهما بحاجته لظهور قطار المترو خلال التصوير. لم يكن يدري أن طفلا ينصت له باهتمام ويعد خطة للمشاركة في الحدث.

بعد الانتهاء من التحضير لتصوير المشهد، علمّ "خان" أن القطار القادم هو الأخير، وجه فريق العمل للاستعداد، ظهرت مقدمة القطار، صرخ المخرج "أكشن"، دارت الكاميرات، قبل أن يظهر فجأة الطفل متدليًا من باب القطار، ملوحًا بيديه أمام الكاميرا. مرت اللحظة سريعًا، وسط صدمة من "خان" وصناع الفيلم، وخيبة أمل لأنه سيضطر إلى إعادة التصوير في اليوم التالي. يقول خان إنه علم من هذا الموقف عدم الحديث عن عمله أمام المارة.

نص أرنب

داخل أحد المنازل، اختبئ الفنان "محمود عبدالعزيز" و"سعيد صالح" ومن خلفهما "خان"، استعدادًا لتصوير مشهد في فيلم "نص أرنب" بأحد الميادين العامة، كان المخرج الشاب -حينذاك- يعتمد على مفاجأة الجمهور بظهور أبطال فيلمه في الشوارع، ليتمكن من تصوير المشاهد قبل أن يفهم المارة ما جرى ويتجمعون حول النجوم.

عند اللحظة المتفق عليها، انطلق "سعيد صالح" أولًا ومن ورائه "محمود عبدالعزيز" الذي يطارده في أحداث الفيلم، تتحرك الكاميرا بخفة معهما، وبجوارهما "خان" يهرول من أجل السيطرة على أي موقف طارئ خلال التصوير، ليرى فجأة أحد المواطنين يقترب من الكاميرا، انقض عليه سريعًا دون أن يشعر بنفسه، أمسك الرجل من ملابسه، وأبعده عن زاوية التصوير، وهو يعتذر له في الوقت نفسه. يتذكر "خان" الموقف في كتابه "مخرج على الطريق"، مشيرًا إلى أنه كان من المستحيل إعادة تصوير المشهد من جديد.

فيلم الثأر

في عام 1982؛ كان "خان" منشغلًا بتصوير فيلمه الجديد "الثأر"، ومنهمك في الإعداد للمشاهد التي سيتم تصويرها في الميادين والشوارع، حتى جاء موعد تصوير مشهد مطاردة بطل العمل "محمود ياسين" لأحد الأشخاص، وبعد ساعات من التجهيز، اقترب منه مدير التصوير "سعيد الشيمي" مخبرًا إياه بإمكانية البدء.

وجه "خان" بطله للوقوف أمام الكاميرا، تأكد من تكوين الكادر، أمر ببدء التصوير، تحرك "محمود ياسين" وفق السيناريو المكتوب، فيما يتابع المخرج عن كثب كافة التفاصيل، قبل أن يقترب أحد المارة من الكاميرا، ينظر إليها وابتسامة عريضة تعلو وجهه، ثم يستكمل طريقة كأن شيئا لم يكن، لينفجر "خان" صارخًا في الرجل "مش هتظهر في الفيلم، وهامنتج الحتة اللي طلعت فيها".

موقع مصراوي في

29.07.2016

 
 

نادية لطفى ناعية "خان وكامل": "الموت محدش يقدر يوقفه"

كتب العباس السكرى

نعت النجمة الكبيرة نادية لطفى، وفاة المخرج محمد خان، والفنان محمد كامل، واصفة إياهما بـقولها: "من أفضل من عملا بالفن"، وعلقّت: "خان فنان سينمائى له حس خاص فى كل مشهد يقدمه، وفلسفة يعرفها الجميع، ومحمد كامل من الفنانين المحترمين الذين اجتهدوا فى حياتهم كثيرا". وأضافت نادية لطفى فى تصريحات لـ"اليوم السابع": "الموت قدر ومحدش يقدر يوقفه، لكن يحق لنا أن نحزن كثيرا على فراقهما". كان المخرج محمد خان قد وافته المنية يوم الثلاثاء الماضى، وفى نفس اليوم أيضا رحل الفنان محمد كامل، بعد مسيرة فنية حافلة بالأعمال المهمة تركها الراحلان

اليوم السابع المصرية في

30.07.2016

 
 

مع خان ...عدوك ليس ابن "كارك"

منال بركات

لأنه فنان مختلف عن السائد جاء وداعه أيضا غير تقليدي، التقي فيه الأحباء والأصدقاء والمعارف ..الأعمار متفاوتة.. نجوم مجتمع من أطياف متعددة ، ولكن السمة الغالبة التي كشف عنها أغلب الحاضرون أنه كان محبوبا علي الإطلاق،إنه المبدع محمد خان الذي رحل عنا الثلاثاء الماضي في مفاجئة غير سارة .

ومع أن الوجوم كان يسود طقس العزاء الذي انعقد مساء أمس – الجمعة -  بجامع عمر مكرم إلا أن الحديث السائد في هذا الجمع والذي كان يتخلل فترات التي يتوقف خلالها المقرئ كان يدور حول هذا الفنان المحب للجميع خاصة بين الأجيال الشابة من السينمائيين الذين حرصوا علي تأدية واجب العزاء بكل حزن وآسي لرحيل أستاذهم.

وهنا تأكد لي خطأ المقولة السائدة .."عدوك ابن كارك" فخان كان عاشقا ومحبا للأجيال الصاعدة من شباب الفنانين بل كان يشعر بمأساتهم لأنهم جاءوا في زمن صعب، ولا يتردد في مد يد العون إليهم أو يبخل عليهم  بالنصيحة ودائما وأبدا تجده محاطا في كل ملتقي بالشباب كأنه يمنحهم الطمأنينة وهم يتبادلون معه الخبرات. لم يشعر بالقلق من الأجيال الجديدة بل كان يخاطبهم بوصفه مثلهم شابا في السبعين من عمره، ويبحث عن مشاكلهم ويناقشها في أفلامه ، فقدم "بنات وسط البلد" و"شقة مصر الجديدة "و"فتاة المصنع" وآخر أعماله "قبل زحمه الصيف"، فأطلق عليه الشباب محب الحياة.

وهو ما أسرت به السيدة  مونيكا زوجة المخرج خيري بشارة إلي بقولها كان منزل محمد خان لا يخلو من الأجيال الشابة من السينمائيين ليل نهار.

وها هو المونتير تامر عزت يذكر صديقه المخرج سعد هنداوي أن محمد خان هو من عرفه عليه، وأن خان كان السبب في معرفته بكثيرين من جيل شباب السينمائيين كالصديقة العزيزة المخرجة هالة جلال والمخرجة المتميزة هالة خليل بالإضافة للسيناريست الصديق سامي حسام والمخرجين المبدعين هاني خليفة  اسلام العزازي وعادل أديب، وكان خان شخصيا يخرج فقرة عن عدد الافلام التي تم انتاجها في تاريخ السينما.

عشرات القصص أسردها الحاضرون في العزاء وكأن عزاءهم أنه سعيد بتلك الصداقات التي ساهم بشكل أو بآخر في تكوينها وهي الذكرى التي خلفها بعده إلي جانب أعماله فالذكرى العطرة هي خير خلف في زمن عز فيه الصديق الصدوق.

بوابة أخبار اليوم المصرية في

30.07.2016

 
 

فيديو.. عزاء «خان» بحضور «فتاة المصنع» وغياب «الحريف وزوجة رجل مهم»

هالة قنديل

صورة تحمل ملامح الشباب يرفع فيها يديه أمام وجهه صانعاً ثلاثة أضلاع تشكل لقطة أمام باب قاعة مناسبات مسجد عمر مكرم بالتحرير، وبخط عريض كُتب تحتها "عزاء خان".

شارك العشرات من نجوم الفن المصري في عزاء المخرج الراحل محمد خان صانع العديد من أيقونات السينما المصرية مثل أفلام :"الحريف" و"زوجة رجل مهم" و"ضربة شمس" وآخرها "قبل زحمة الصيف".

حضر نجوم الجيل الذي عمل مع "خان" مؤخرا في آخر ثلاثة أفلام صنعها وعلى رأسهم ياسمين رئيس وغادة عادل وهنا شيحة، بينما غاب عادل إمام وميرفت أمين اللذان عملا معه في أفلام الحريف وزوجة رجل مهم.

حرص العديد من نجوم الفن على حضور العزاء ومنهم يحيى الفخراني والفنان محود حميدة وأشرف زكي نقيب الممثلين ونبيل الحلفاوي ومدير التصوير رمسيس مرزوق، ولطفي لبيب، وأحمد عبد العزيز، والفنانة رجاء حسين، وأحمد رزق أحمد صيام والفنان محمود حميدة والمخرج علي عبد الخالق والإعلامية ريم ماجد، والفنان رشوان توفيق، والموسيقار هاني مهنى والإعلامي جمال الشاعر وسامح الصريطي، والمؤلف مدحت العدل، والفنان عزت العلايلي، والمخرجتان كاملة أبو ذكري وساندرا نشأت، والفنانة يسرا اللوزي.

ومن السياسيين حمدين صباحي و جورج إسحق، كما شارك المهندس ابراهيم المعلم مالك دار الشروق، وعماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق.

ووقفت ابنة المخرج محمد خان تتلقى العزاء مرتدية قميصا أبيضا بعكس السائد من وجوب ارتداء الأسود في العزاءات

https://www.youtube.com/watch?v=2gxPnAsHU34

الشروق المصرية في

30.07.2016

 
 

محمد خان.. مصري رغم أنف الجميع

كتب: سحر عزازى

"أنا مصري رغم أنف الجميع" جملة قالها الراحل محمد خان بعد رفض الدولة منحه الجنسية المصرية، علي الرغم من مولده في القاهرة عام 1942، لأم مصرية وأب باكستاني، وانتماءه لأرض هذا البلد بفعل نشأته وتكوينه وثقافته، مما جعل عدد من المثقفين ينادوا بمنحه الجنسية تكريماً لدوره وما قدمه من أعمال سينمائية استطاعت تترك بصمة فضلاً عن أنها من أهم الأيقونات في تاريخ السينما المصرية، ولكن لم تستجب جميع الأنظمة التي عاصرها إلي أن لبي الرئيس السابق عدلي منصور ندائه، بمنحه الجنسية قبل عامين فقط، وبعد تجاوزه الـ70 من عمره، ليفارق الحياة مصرياً رغم أنف الجميع.

تسبب تأخر الجنسية في جرح داخلي لدي "خان"، ودخل في صراع مع عدد من النجمات اللاتي رفعن شعار السينما النظيفة، ووصفهن الراحل بالمغيبات، لعدم فهمهن لرسالة الفن، بجانب رفض مهرجان مسقط لفيلمه "قبل زحمة الصيف"، وخلافه مع دنيا سمير غانم، بسبب فيديو فيلم "فتاة المصنع".وتعرض "خان" للضرب علي يد أحد رجال الشرطة، أمام أبنائه أثناء قيادته لسيارته، بعد أن تطاول عليه بالسباب، واصطحبه إلي القسم، واضطر أن يبرز جنسيته الإنجليزية لعدم حصوله علي الجنسية.ولم يكن خان وحيدًا أثناء معاناته من أجل الحصول الجنسية المصرية، في البلد التي ولد وتربى في أحيائها الشعبية، فهناك الكثير من الفنانين والعاملين بالوسط الفني دعموه في مطلبه بالحصول على الجنسية، ومنهم الفنان عزت العلايلي، والمنتج محمد العدل، ووزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي.

الوطن المصرية في

30.07.2016

 
 

محمد خان :

مظاهرات يناير 77 انتفاضة شعبية رغم أنف السادات وچيهان وأحمد زكى

كتب : فاتن الحديدي

محمد خان.. كثيرون قد لا يعرفون أن «ميمى» هو الاسم الذى كان يناديه به الأصدقاء والمقربون، فيضحك «محمد خان» ضحكته النابعة من قلب مفعم بالطيبة الذى يظهر فى أفلامه التى تتميز  بخاصية المتعة السينمائية عبر نفس الخلطة الساحرة التى تمزج الواقعية بالرومانسية ومحاولة إيجاد مساحة للحب والحلم رغم الواقع الصعب.. 

محمد خان، يلتقط الشخصية التى غالباً ما تستوقفه من الشارع ليعيد صياغتها وتطويرها فى مخيلته، محملاً إياها إسقاطات وإيحاءات وأبعادًا إنسانية واجتماعية عميقة، وإضافة الرؤية والفكر الخاص به ويساعده فى ذلك عشقه للأماكن الطبيعية..  وجسد  عشقه لشوارع القاهرة من خلال متابعته لمغامرات بطله الصحفى فى أول أفلامه «ضربة شمس»، لدرجة أنه أصر على تصوير مشهد كامل ومعقد فى مطعم قريب من سينما مترو، بالرغم من استعداد المنتج لبناء نفس المقهى فى الاستوديو «قلت لا سأصور هناك حيث كنت أذهب وأتناول العشاء مع والدى ونذهب إلى السينما، لقد عنى ذلك شيئا مهمًا بالنسبة لى أنا أحب المدينة، لقد ولدت ونشأت فى وسط المدينة، وأحب أن أصور فى الأماكن التى أتذكرها، أو التى كنت قد زرتها».

وقد ولد خان فى القاهرة  لأب باكستانى  بريطانى يعمل كتاجر شاى  وأم إيطالية الأصل ومصرية النشأة وليس كما هو متداول وشائع أنه من أصل مصرى .

يؤكد هذا عندما قال خان: «أشكر أبى الذى لم يحاول أن يعلمنى حتى لغته. وأشكر أمى الإيطالية الأصل وكانت تحمل الجنسية المصرية قبل زواجها من والدى... وكنت ابنهما الوحيد. حببونى فى بلدى «مصر» من الرضاعة».

كانوا يصدّقوننى

فى مذكرات خان التى كان يكتبها من حين لآخر الكثير من تفاصيل حياته الثرية التى عاشها:
«
أنا فردٌ وحيد فى العائلة. لا أشقاء لى. مكثتُ فى  حى السكاكينى حتى سنّ السابعة أو الثامنة. فى حقبة الخمسينيات،  قررنا الانتقال إلى مكان آخر. وصلنا إلى أرض شريف التى تقع فى وسط البلاد إلى جانب العتبة. كنتُ هناك أمام احتمالين لمشاهدة الأفلام: «الصيفى»، حيث كنتُ أرى رءوساً كثيرة من غير أن أرى الشاشة، وسينما «برادى». كان يوم الاثنين موعداً مع فيلمين جديدين، أيّ أربع دفعات من الأفلام فى الشهر الواحد. كما شاهدتُ أفلاماً خارج الصيفى أيضاً. 4 أو 5 حداً أدنى أسبوعياً. حينها كنتُ فى الثامنة، أو تقريباً فى العاشرة. السينما أمرٌ شبيه بالتدخين
.

طالما هربتُ من المدرسة! صودف، فى مرحلة التعليم الثانوى، أنّ مدرّس اللغة الفرنسية كان عاشقاً للسينما، حدّ أنه منحنى الإذن مراراً للهروب من حصّته التى تسبق استراحة الظهيرة، من أجل مشاهدة فيلم! كنتُ أشاهد الفيلم وأهرع إليه أخبره ما جرى. أما فى صفّ «الإنشاء الشفهى»، فطالما ألّفت لزملائى قصصاً من وحى الخيال على أنها أفلام شاهدتها. كنت أشاهد الأفلام الهوليوودية بطبيعة الحال، والإنجليزية، والمصرية فى أحيان. ثم رحتُ أهتمّ بالسينما الإيطالية. أضف أنّ السينما الفرنسية كانت أيضاً حاضرة. مصر آنذاك، كانت مجالاً رحباً للسينما المتخصصة. السينما كانت «الإنترتينمنت» الوحيد. لا التليفزيون ولا الراديو، ولا أى شيء آخر. سافرتُ إلى لندن فى سنّ السابعة عشرة. هناك، تغيّر كلّ شيء. اكتشفتُ السينما من غير زاوية. حدث ذلك بين العامين 1959 و1960، قبل «الموجة الجديدة» فى فرنسا. تبدّل فى تلك الحقبة مفهوم السينما. شاهدتُ أنطونيونى، وتروفو، وغودار، وشابرول، وملفيل، وساتياجيت راى. وجدتُ أنّ ثمة شيئاً ما يُسمّى الإخراج. لم أعرف قبل ذلك سوى التمثيل. افتقدتُ الوعى الكافى لأدرك ماهية الإخراج. حتى المجلات المتخصصة فى مصر، كانت تتطرّق للفنانين والفنانات.سافرتُ بغرض دراسة الهندسة. ذات مرّة، سألتُ شاباً سريلانكياً يشاركنى المنزل: «ماذا تفعل؟». أجابنى: «أدرسُ السينما». «أدرس السينما» هذه، غيَّرت حياتي! اكتشفت أنّه ثمة مكان تُدرَّس فيه السينما. أعنى هنا، «لندن سكول أوف فيلم تكنيك». كانت المدرسة الوحيدة فى إنجلترا، عبارة عن شقتين فى سوق خضر.

«خلى بالك إحنا اللى ينسانا منفتكرهوش أبدًا». «فتاة المصنع»

لا يسعك وأنت تشاهد فيلمًا لـ(محمد خان) إلا أن تكون على يقين من أنه أحب أنثى جعلته يعلم خبايا النساء ولا يستبعد أن تكون والدته ! «لطالما اتخذ من صفوف النساء وطنًا له».

شخصية الأنثى فى أعمال «خان» ذات طابع مميز، تجمع بين الواقع والطموح، بين الحب والانتقام، وتتسم طريقته بالسهل الممتنع، فى نظرة تفصيلية لبطلات الراحل محمد خان، نجدهن شخصيات بسيطة، لا يملكن تعقيدات الصراعات الداخلية. كل ما يأملنه فى الحياة هو العيش بسلام مع الحبيب المنتظر. خاضت بطلات خان رحلة البحث عن الحب وسط صراعات مجتمعية، استطاع بعضهن التمرد عليها، وفشل البعض الآخر فى ذلك. معا سنتعرف على بطلات أشهر أفلامه اللاتى ناضلن من أجل حقهن فى الحب والحياة. ودائمًا ما تجد خان يربط ما بين لحظات الميلاد وبدايات بطلاته.. كمصدر قوة تستمد منه البطلة قوتها.. وذلك ما حدث للسيدة «فى محطة مصر» وجارة «هيام».. فالميلاد فى حد ذاته هو خطوة نحو المجهول.. كجنين يخطو أولى خطواته نحو الحياة.. تمامًا مثل بطلاته، يرتدين الفساتين عند مقابلة أحبائهن.. تطير أطراف «جونلاتهن».. وتجد دائمًا ذلك الفستان الأبيض.. إما عروسان يلحقان بقطارهما ويسبقان «نجوى» حين يساعدها «يحيى» أخيرًا على اللحاق بقطارها الذى كان دائمًا ما يفوتها «فى شقة مصر الجديدة».. أو ذلك الفستان الأبيض الذى ارتدته «هيام» ليجعلها تكاد تطير «فتاة المصنع». ما يجعل شخصيات خان أقرب ما تكون إلى الواقع، هو الألم المجاور للحظات السعادة.. ما يجعلك بالتحديد تردد بعد كل لحظة نشوة مفرحة.. «خير اللهم اجعله خير

واستطاع المخرج محمد خان أن يعبر عن معاناة الزوجة والمطلقة والأرملة والخادمة وفتاة المصنع وعاملات محلات وسط المدينة والفتاة القادمة من الأقاليم إلى المدينة. «ليس معيبا أن نحب النساء، هذا ما دفعنى للحديث عن همومهن الداخلية بهدوء فى أفلامى، أروى التجربة الإنسانية النسائية بسلاسة وبساطة وانسيابية فى أفلام مثل «أحلام هند وكاميليا» و«سوبر ماركت» و«موعد على العشاء» و«شقة مصر الجديدة» و«فتاة المصنع»، خان عبر عن المرأة بكل تفاصيلها وفئاتها من الوديعة للرومانسية للمتمردة للريفية والمتحررة وغيرهن، بالإضافة لأن الست كانت أصل الحدوتة ومش على هامشها».

يعلم خان جيدًا أهمية الأيادى والأحضان عندما ترى «عايدة» أم «هيام» وهى تضم زوجها معتذرة، فيقبل اعتذارها فى صمت مقربًا إياها أكثر فى دفء.. ونظرات الأعين والكلمات غير المنطوقة وعض الشفاه.. فينثرها كغبار جنيات سحرى فى مشاهده.. فجعل من أفلامه.. ساعتين من الزمن قادرتين على استيعاب حيوات العديد من النساء.. يعلم جيدًا أن مع كل تجربة هناك شئ لا يعود.. كإيشارب «هيام» الذى تتركه لتقوم برقصة وداع لـ«هيام» القديمة.. وإيشارب «نجوى» الذى يفارق يدها من نافذة القطار.. ذهاب بلا عودة علاقة بالحرية.. فلطالما ترك لك محمد خان الحرية فى التخيل.. وأن يطلق لك العنان لتطلقه. وكان شديد الوضوح فى المشهد الختامى لـ«فتاة المصنع» وهيام ترقص بقوة وتحد لا رقصة طير مذبوح، هذه القوة الكامنة فى روح نساء خان نراها تنطلق فى نظرات «سعاد حسنى» «فيلم موعد على العشاء» وثباتها وهى تتناول وجبة قاتلة بعدما وضعت فيها السم لطليقها «حسين فهمى»، هزمت غروره وتجبره ولم تتزحزح لحظة عن قرارها وإن كان سينهى حياته. إن نموذج المرأة الذى قدمه خان فى أفلامه كان مهما ومحركا للأحداث، خاصة فى فيلم «خرج ولم يعد»، وفيلم «مشوار عمر». كما أن خان كان يعمل مع مونتيرة واحدة هى نادية شكرى، حيث كان يؤمن بقدرات المرأة ومهاراتها، واتضح ذلك من شراكته مع زوجته الكاتبة وسام سليمان فى أكثر من عمل.

وكان خان أول من تنبأ بالتفاوت الطبقى وتقزّم الطبقة الوسطى فى «سوبر ماركت». الطبقة المتوسطة التى تآكلت مع سياسات الانفتاح الاقتصادى، فكأن خان يصرخ متمردا عليها من خلال عبارة ممدوح عبدالعليم إلى الطبيب الانفتاحى الذى حول مهنة الرحمة إلى استثمار لا يقدر عليه إلا السادة من طبقة الـ %2.

انحياز خان للمستضعفين ممن سحقتهم الحياة لم يكن فقط من خلال الطبقات المهمشة، ففى الحريف سنجد «فارس» لاعب الكرة الشغوف بحب الساحرة المستديرة، لم يحالفه الحظ ليكون ضمن نادٍ مصنف لكنه لا يتخلى عن ولعه حتى وإن أدى به هذا الولع لخسارة زوجته وطفله، وحينما يذعن لقوانين الحياة ومنطقها لا يستسلم بسهولة وكان ألق النصر فى مباراة اعتزاله تحت الكوبرى بمثابة فوز على الحياة نفسها التى عاندته طويلا لكنه ابتسم لها ساخرا وهو يهزم اللاعب الشاب المتغطرس، وكأنه يعلنها عالية مدوية «أنا ملك الشارع والكرة الشراب.. أنا الحريف حتى من دون مربع أخضر».

يقول خان: «عشقى لمدينة القاهرة يرجع إلى أن حياتى كلها قضيتها فى القاهرة، ولم يكن لدينا سيارة، فكنت أذهب إلى مدرستى فى حدائق القبة بالأتوبيس، وكان أبى يأخذنى كل يوم جمعة لحلاقة شعرى ثم نذهب لمشاهدة فيلم فى سينما مترو بالذات، وبعدها كان يأخذنى لتناول الغداء فى أحد المحال ثم نعبر الشارع لكى نشترى من محل الأمريكين قطعة من الكيك لكى نأخذها لأمى، فكما ترون، حياتى كلها بمدينة القاهرة».

الخلفية السياسية

فى «زوجة رجل المهم» والذى يهديه إلى روح حليم كما أهدى فتاة المصنع لسعاد حسنى، سوف نجد أمرين مهمين الأول هو تلك المسحة الرومانسية الشائعة وعلى نحو مباشر فى الفيلمين رغم اختلاف العالمين، فرجل مهم يحمل اسم الرجل الذى يعبر عن الخلفية السياسية فى 18 و19 يناير فى مصر، والتى كانت تعبيرا بدورها عن واقع سياسى يتمثل فى القهر والفقر ومع ذلك فقد كان هذا الفيلم عن المرأة أكثر منه عن الرجل الذى يكشف عن واقع من القهر السياسى أكثر منه قهرا ذكوريا كسمة بعض أفلام أخرى لمثقفين اخرين كما أسلفنا.

و«فتاة المصنع» أيضا عن المرأة فى خلفية سياسية مرتبكة يبحث فيها المواطن رجل وامرأة عن العيش والحرية والكرامة الاجتماعية وهو شعار 25 يناير الذى يتجلى فى مظاهرة وحيدة داخل السياق، بينما نرى بطلات الفيلم مشغولات بمشاهدة فاترينة لملابس داخلية حريمى ليصبح حلمهن البسيط جدا أصغر بكثير من واقع المظاهرات المعبرة عن ثورة تم إجهاضها فيما بعد لتعود ريما لعادتها القديمة.وعلى الجانب الآخر يشترك الفيلمان فى مساحة الحلم الرومانسى البحت والمجهض فى الحالتين، ففى الأول يصبح موت حليم رمزا لانكسار حلم لجيل بأكمله حين تودع جنازته معها أياماً خوالى جميلة بينما يظلل صوت سعاد حسنى فى الثانى أحلام بطلاته المترعة بالشقاوة والبحث عن الآخر فى سن الواحدة والعشرين، حيث حلم السندريلا المتوهج لدى كل فتاة بفتى الأحلام كما فى الروايات الرومانسية الكلاسيكية أو حتى فى الأساطير.

أما فيلم «أيام السادات» فواحد من الأعمال البارزة التى قدمها خان فى مسيرته، وقدم خلاله، عبر الممثل العملاق أحمد زكى، وثيقة سينمائية تجسد أهم الملامح الرئيسية فى حياة السادات، منذ بداية اشتغاله بالسياسة، مرورا بوصوله لمقعد الرئاسة، وانتهاء باغتياله فى 6 أكتوبر 1981. وأثبت خان، مع كاتب الفيلم رءوف توفيق، أن الحدث كان «انتفاضة شعبية» ولم يكن «انتفاضة حرامية» كما كان السادات يكرر دائما. ووقتها  انتصر على رغبة جيهان السادات وعند أحمد زكى وأصر على أنها انتفاضة شعبية.

فيلم «أحلام هند وكاميليا» فيلم جمع بين المخرج محمد خان والفنان محمد كامل عام 1988 اللذين توفتهما المنية اليوم الثلاثاء 26 يوليو 2016  الماضى .ومحمد كامل فنان موهوب شامل يستطيع أن يؤدى الأدوار المركبة ليختاره المخرج محمد خان ليلعب دور «سيد» أخو «كامليا» التى تجسدها الفنان نجلاء فتحى، فى أحداث فيلم «أحلام هند وكامليا» الذى أخرجه وساهم فى كتابة قصته محمد خان. ويطرح محمد خان من خلاله رؤية فنية اجتماعية صادقة وواقعية جداً لمدينة القاهرة، وليكشف فيه عن حياة الناس البسطاء والمسحوقين وصراعهم من أجل حياة أفضل تحت وطأة مجتمع المدينة الكبيرة.

محمد خان كان يعمل على فيلمه الذى لم يشأ القدر لاستكماله وهو «بنات روزا» وكان أيضا بطولة نسائية ويناقش قضايا النساء.

كانت آخر كلمات «ميمى» التى  كتبها فى مفكرته: «كلما اقترب قطار العمر من المحطة الأخيرة، كلما ظهرت معالم التوجسات وإعادة الحسابات وتحولت الرحلة إلى رحلة ذكريات مارة بأحداث ولحظات وشخصيات وتجارب وتساؤلات، وفى حالتى بالطبع تتطرق لأفلام ربما فى حاجة إلى إعادة تقييمها على الرغم من أنها أصبحت بمثابة هويتى الشخصية».

تزوج محمد خان عدة مرات، الأولى من سيدة خارج الوسط الفنى وأنجب ابنته المخرجة السينمائية نادين خان مخرجة فيلم «هرج ومرج» الذى نال جوائز فى مهرجانات دولية، ثم من نهلة سلامة، وأخيرًا من المؤلفة وسام سليمان كاتبة السيناريو لفيلميه «بنات وسط البلد» و«فى شقة مصر الجديدة».>

مجلة روز اليوسف في

30.07.2016

 
 

محمد خان

كمال رمزي

تماما يشبه أفلامه. يتسلل، رقيقا ناعما، ليسكن قلبك وعقلك.. ملامح وجهة شفافة، تعبر بدقة عما يعتمل فى أعماقه. انفعالاته صادقة، يقظة، غنية. تتبدى بوضوح فى لمعان عيونه المنتبهة دائما، المستجيبة لكل مؤثر خارجى، تتحول نظرته، سريعا، من الكدر، الغضب، إلى السلوى، الرضاء.. تسعده النكتة، يعشقها، يدرك عمق مغزاها، ينتشى بقدراتها على الاختزال، التكثيف، إبراز المفارقات.. ما إن تنفرج أساريره بسماعها حتى يرد بواحدة أخرى، أشد سخونة. يلقيها منتشيا، ضاحكا، ناقلا قبسا من البهجة.. نشاطه الحركى، بدنا وروحا، يعبر عن عشق للحياة.

يستيقظ فجرا، تراه خارجا من بوابة فندق الشام بدمشق، تقابله، حاملا لجرائد ومجلات الصباح، متجها إلى أحد مقاهى وهران بالجزائر. يقف طويلا أمام تماثيل مدينة «أوجسبرج» فى ألمانيا.. يسير، فى الشوارع على غير هدى، كما لو أن مخالطة الناس هدف فى حد ذاته.

لا يجلس وحيدا أبدا، بجانبه، على المقهى أو قاعة الاستقبال، بعض من يعرفه أو لا يعرفه، تتصاعد، حرارة المناقشات. يخوضها بحماس، قد تتحول إلى خلافات، ترتفع فيها الأصوات، تنتهى ويتخللها، ضحكات تفيض بالبهجة.

قلما يرتدى الملابس الفاخرة، يتحاشى البزات الكاملة، يتجنب رابطات العنق، لا يرصع أساور قمصانه بأزرار مذهبة.. عادة، يدشن الفانلة أو «التى شيرت»، المريح، فوقه جاكتة بسيطة، بنطال واسح مريح. إنه بسيط، يوحى بالألفة، يبتعد تماما عن التأنق الشكلى التافه.

مثلما يشبه أفلامه، أفلامه أيضا تتطابق معه.. تعرف أنها من إخراجه حتى لو لم تكن ممهورة بتوقيعه.. الشوارع، زحام الطرقات، حركة الحياة، الناس، البنايات المتوسطة والمتواضعة، المقاهى، الكبارى، المشاحنات، اللقاءات العابرة، تنوع الوجوه، ما بين الأطفال العواجيز، ما بين السعداء والحزانى.. كلها، من مفردات سينما محمد خان.

منذ أول أفلامه الروائية «ضربة شمس» ١٩٨٠، انطلق نور الشريف، بدراجته البخارية، فى شوارع القاهرة، طريدا ومطاردا، منتقلا من صراع لمواجهة.. بالتالى، اعتبر امتدادا، بمذاق عصرى، حداثى، لسينما كمال الشيخ، حيث التوتر، الجريمة، التحقيق، تصفية الحساب.

توالت أفلامه، تعمق بعدها الاجتماعى، مع «عودة مواطن» ١٩٨٦، بسيناريو لماح كتبه عاصم توفيق، راصدا فيه، التغيرات الأخلاقية، ذات الطابع السلبى، التى أحدثتها سنوات الانفتاح. العائد، يحيى الفخرانى، يجد أفراد أسرته، سكان الفيللا القديمة، المتداعية، تفرقوا، نفسانيا على الأقل، ما جعله يشرع فى مغادرة الوطن، مرة أخرى.

مع النابه، الموهوب، عاصم توفيق، يقدم «سوبر ماركت» ١٩٩٠، الأقرب لهجائية، تنتقد مجتمعا، أصبح كل شىء فيه، حتى الحب، بين الأب والابنة، الزوج والزوجة، قابلا للبيع والشراء، كما لو أننا نعيش فى «سوبر ماركت» كبير.

النبض السياسى، النقدى، الصائب، تتزايد وتيرته، يصل لذروته، فى «زوجة رجل مهم» الذى كتبه، بفهم إنسانى، رءوف توفيق.

محمد خان، فى هذه الأفلام، وغيرها، مثل «الحريف» ١٩٨٣، الذى كتبه بشير الديك، لا يتوغل فى شوارع القاهرة، وساحاتها الشعبية وحسب، بل يلتفت بقوة إلى العاديين من الناس، بأشواقهم، متاعبهم، متلمسا، قدرتهم على الصمود والبقاء.. يصل هذا التوجه إلى قمته، فى «أحلام هند وكاميليا» ١٩٨٨، بطابعه الشديد الخصوصية، بتفاصيله النفسية، بلحظات البهجة المنتزعة من قلب حياة ضنينة قاسية.. إنه، كما معظم أعماله، لا يشبه إلا محمد خان.

الشروق المصرية في

31.07.2016

 
 

طارق الشناوي عن محمد خان: كان يعمل ضد قانون السوق

كتب: بسام رمضان

أكد الناقد السينمائي طارق الشناوي أن المخرج الراحل محمد خان كان لديه شكل ولون فني في أعماله، وكان دائما يتجنب الاقبال الجماهيري على لون بعينه ويبتكر طريقته الخاصة وبتكلفة عالية وفي أماكن حقيقية يفضل القيام بالتصوير.

وأوضح «الشناوي»، خلال لقائه في برنامج «هنا العاصمة» المذاع على قناة «سي بي سي»، أنه دائمًا كان يرجح الاستمرارية وعدم التوقف عن صناعة السينما مهما كانت الظروف والمعوقات، حتى في فترات انتشار أفلام المقاولات كان يؤمن أنه يستطيع الاستمرار وإخراج أفلام نظيفة وفقا لرؤيته.

واستكمل: «ده كان نابع من حبه للسينما ورغبته أن صناعتها تفضل مستمرة تحت أي ظروف، كان أكتر إنسان مش بس مخرج عرفته بيتفرج على أفلام بشغف مستمر».

وعبر قائلًا: «كان ديمًا يقولي آكتر حاجة بتمناها إني أفضل لحد ما أموت بروح اتفرج على أفلام حتى لو تعبت أمشي على كرسي واروح اتفرج على أفلام ولو مش قادر اتحرك خالص عندي المكتبة هقعد اتفرج فالبيت».

المصري اليوم في

31.07.2016

 
 

اهداء الي روح المبدع محمد خان

رامي قدري

يبدو للبعض ان "فارس" في فيلم " الحريف " انه شخص فشل في كل جوانب الحياة فلم يستطع ان يكون نجم كرة قدم مشهور بالصورة التي نعرفها عن نجوم كرة القدم ولم يستطيع ان يصبح زوج او اب ناجح او عامل في مصنع ناجح برغم مهارته في كرة القدم وحبه لزوجته واتقانه لعمله بشهادة صاحب المصنع كما قال له : "انا عارف انك احسن صنايعي عندنا في المصنع بس دماغك مش في الشغل دماغك في حاجة تانية " .. فارس الذي يبدو عاق لوالده وهو ليس كذلك " مبتزورش ابوك ليه نسيته ولا مستعر منه " ؟! كما قالها والده في احد المشاهد .. هذا التناقض والتضاد في شخصية فارس يبرز المعني ويوضحه فهو عكس ما يبدو دائما .. هو محب لزوجته الذي انفصل عنها ولكنه يبدو عكس ذلك ..يساعد كل من حوله قدر المستطاع رغم احتياجه المادي .. يساعد جاره " عبد الله " نجاح الموجي ويساعد "كابتن مورو" ويساعد ابيه" ماديا رغم احتياجه للمال ........ هو يقدر صاحب كل موهبة حتي بعيدا عن كرة القدم ..فنراه يسأل زوجه ابيه " نرجس" : " لسة بترقصي زي زمان يا نرجس .. انا سامع انك لما كنتي بترقصي في بلد كنتي بتوقفيها علي رجل " !! "لو وعدتيني انك هترقصي هجبهولك تشوفيه " مشيرا الي ابنه فهو يحب الحياة وصاحب الموهبة لانه حريف هو الاخر .. ولكنه متمرد حتي في لحظات حزنه علي وفاة امه يذهب ليتحدي الموت في احضان جارته المومس ويستمع الي اغنية فيروز بصوت مرتفع متحديا حتي حزنه علي امه .. انه يبدو كالاطفال في تمردهم علي الحياة لانها كثيرا غير منصفة ...

فارس كان من الممكن ان يكون نجم مصر الاول كما قالها له صديقه "شعبان " : " لو مكنتش سيبت النادي كان زمانك نجم مصر"

اذا فارس ليس فاشل ولكنه متمرد علي كل ما هو مفروض عليه يحب الحياة ويحب ان يتحدي كل مفروض .. يعيش بأخلاق الفرسان فنراه يحذر حتي خصمه " عبد الله محمود " من" رزق "سمسارالملاعب ويقول له : " ده اول ماتش ليك مع رزق؟! .. طب خلي بالك " ..فارس الذي يعرف جيدا كيف يكسب اي مباراة حتي خارج الملعب بطريقته الخاصة .. نراه في احد المشاهد يذهب مع صديقه شعبان الي احد البارات فيعجب بالفتاة الاجنبية التي ترقص وهو لا يجيد الرقص .. هو لا يجيد الحديث اليها بلغتها او حتي الرقص ولكنه لعب بالكرة الصغيرة ليبهرها ويبهر صديقه فهو يحب ان يتحدي اي شيء ويعرف جيدا كيف يهزمه ولكن رغم ذلك يبدو انه لم ينجح في شيء:)

" انا هلعب مع الخسران "

الجملة دي لخصت شخصية "فارس" البطل الذي ينحاز للفريق الخاسر ليواجه التحدي الاكبر فيجد متعته في ذلك .. عليه ان يثبت دائما لنفسه وللأخرين انه الحريف برغم ما يبدو عليه من انه "فشل " في تحقيق اي شيء .. من وجهة نظري فارس نجح ان يكون حقا " فارس " وانتصر لكل موهوب لم ينل حظه من الشهرة والمجد في شكلهم المعتاد .. ولكنه يبقي صاحب لقب #‏الحريف

" ماتش الوداع "

مشهد الفينال يتسأل المشاهد كيف لفارس ان يقبل عرض السفر والعمل مع شعبان الذي يمثل له النقيض لطبيعة شخصيته .. فارس الشخصية الحالمة يشبه موسيقي الفيلم للمبدع هاني شنودة لحن " الشوارع حواديت " الذي نري في غرفته صورة لعبد الحليم حافظ .. برغم انه شخص حالم فهو مدرك لواقع المجتمع الذي يعيش فيه .. ماتش الوداع كان بمثابة ان يثبت انه الحريف واللاعب الافضل في زمن لا يقدر الموهبة .. استطاع ان يجعل الجمهور يلتف حوله من كل مكان في مشهد مهيب وبعد ان كسب التحدي اقر ان " زمن اللعب راح " لا اري ان هذه هزيمة علي قدر ماهو ادراك للواقع الذي يعيش فيه .. فهناك فرق بين الحقيقة والواقع .. ربما قرر هذه المرة ان يتمرد علي فارس نفسه فهو حقق النصر في "ماتش الوداع " لينتصر لذاته .. ولكنه برغم ذلك اقر ان " زمن اللعب راح ".

Mohamed Khan

اهداء الي روح المبدع محمد خان

رامي قدري

الـ FaceBook في

31.07.2016

 
 

احترف الغوص بالكاميرا تحت القاع

محمد خان.. عاشق السينما المهموم بالبسطاء

القاهرة: «الخليج»

رحل محمد خان، الإنسان الذي عاش حياته متفائلاً، لم يعرف اليأس، محباً لكل شيء حوله: الحياة، وبالتأكيد السينما، عاشقاً لمصر وترابها، وهو الذي ظل 71 عاماً، من عمره البالغ 73 عاماً، يجاهد للحصول على الجنسية المصرية، ليعلن للدنيا كلها أنه مصري. رحل الفنان، مهندس السينما المصرية، «فارس المدينة» الذي جعل من الكاميرا مجهراً يرصد ما تحت السطح، ويغوص إلى قاع القاهرة مدينته التي عشقها. ولد محمد حامد حسن خان في 24 أكتوبر/‏‏تشرين الأول من عام 1942، لأب من أصل باكستاني، وأم مصرية، تلقى تعليمه في القاهرة حتى حصوله على «البكالوريا»، وفي 1956 سافر إلى إنجلترا لدراسة الهندسة المعمارية، إلا أنه التقى صدفة شاباً سويسريا يدرس السينما هناك، وذهب معه إلى مدرسة الفنون، فأحب من خلالها السينما، فقرر أن يترك الهندسة ويلتحق بمعهد السينما في لندن، غير أن دراسته في المعهد اقتصرت فقط على الاحتكاك بالآلات ومعرفته التقنية السينمائية، أما مدرسته الحقيقية فكانت من خلال تعرفه إلى السينما العالمية في الستينات، ومشاهدته عدداً كبيراً من الأفلام، ثم تلمذته على يد المخرج صلاح أبو سيف

عاش خان سبع سنوات في إنجلترا، حصل خلالها على الجنسية البريطانية، بعد أن أنهى دراسته في معهد السينما في العام 1963، عاد إلى القاهرة وعمل في شركة «فيلمنتاج» (الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي)، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، وذلك في قسم القراءة والسيناريو مع رأفت الميهي، ومصطفى محرم، وغيرهما.

لم يستمر في العمل بهذا القسم أكثر من عام واحد، سافر بعده إلى لبنان ليعمل مساعد مخرج مع وديع فارس ويوسف معلوف وفاروق عجرمة، وغيرهم، وبعد عامين هناك، سافر مرة أخرى إلى إنجلترا، وهناك أصدر كتابين، الأول عن السينما المصرية، والثاني عن السينما التشيكية، وكتب بضع مقالات عن السينما في بعض الدوريات السينمائية هناك، وفي عام 1977 عاد إلى مصر وأخرج فيلماً قصيراً، قبل أن يخرج أول أفلامه الروائية الطويلة «ضربة شمس».

يُعدّ محمد خان رائد تيار الواقعية الجديدة، بعد صلاح أبو سيف، برصيد 24 فيلماً، كتب سيناريوهات 12 منها، وشارك في ثلاثة منها بالتمثيل، إضافة إلى كتابين هما «مقدمة السينما المصرية» و«مخرج على الطريق»، وخان هو أحد أهم مخرجي السينما المصرية والعربية في الثلاثين سنة الأخيرة، والأكثر شهرة في القائمة التي ضمت الكثيرين من جيله والأجيال التالية له، فضلاً عن شهرته عربياً.

كان مهموماً بقضايا البسطاء والطبقة الفقيرة، وتفاصيل حياتهم، فتناول همومهم ومشاكلهم وأحلامهم، ليصبح أحد أبرز الذين جددوا وغيروا في السينما المصرية، شكلاً وموضوعاً.

والمتأمل مسيرته السينمائية، لن يجد بين أفلامه فيلماً يشبه الآخر، وبمجرد مشاهدة جزء من مشهد لأي من أفلامه، يمكن بسهولة معرفة أننا أمام سينما محمد خان، بصمته واضحة في كل ما يقدمه، فهو صاحب كادر سينمائي مميز، لا يسمح لك بالرؤية خارج إطاره، فترى العالم من منظوره هو شخصياً، ومع كل فيلم جديد له، يدخل النقاد والمتخصصون والجمهور في جدل ونقاش حول الفكرة التي يطرحها، والشكل السينمائي والرؤية التي رسمها، ومهما كان الخلاف بينهم، فإن الجميع يجمع على احترام هذه السينما؛ لأنها تخاطب العقل وتجعله يعيش حالة مختلفة.

للمرأة نصيب كبير من الاهتمام في سينما محمد خان، الذي حاول أن يؤرخ لمسيرتها الاجتماعية وتغيراتها بواسطة الكاميرا، نرى ذلك في «زوجة رجل مهم» لميرفت أمين، و«أحلام هند وكاميليا» لنجلاء فتحي وعايدة رياض، ثم «سوبر ماركت» لنجلاء فتحي أيضاً، و«بنات وسط البلد» لمنة شلبي وهند صبري، و«شقة مصر الجديدة» لغادة عادل، و«فتاة المصنع» لياسمين رئيس، حتى فيلمه الأخير «قبل زحمة الصيف»، الذي استكمل به رحلة البحث عن حرية المرأة المسلوبة منها، كما كان يراها تبحث عنها ولا تجدها إلا نادراً.

كذلك كان للتفاوت الطبقي نصيب كبير في سينماه، عرض له في أفلام «أحلام هند وكاميليا» و«مستر كاراتيه» و«سوبر ماركت» و«فتاة المصنع»، كما حرص على أن تكون أعماله مزجاً جميلاً بين الواقعية والتأثيرية، في بناء درامي مفتوح يعتمد على الفقرات، بدلاً من «وصفة» البداية والوسط والنهاية.وكمخرج، كان يلعب خان دوراً مزدوجاً، ليكون في قلب الحدث وخارجه معاً، متوحد مع الشخصية ومراقب موضوعي لها في آن واحد، وربما هذا ما جعله يصرح للناقد السينمائي أحمد يوسف، في حواره معه الذي نشره في كتابه عن خان بعنوان «ذاكرة سينمائية تتحدى النسيان»، إذ قال فيه: «أعتقد أن الإخراج ليس مجرد حرفة وليس مجرد معرفة، لذلك لا أتصور أنني أقوم بتدريس مادة «الإخراج» لأعلم الطلبة كيف يخرجون الأفلام، يمكن أن تكون المادة هي «التذوق السينمائي»، نشاهد أفلاماً ونناقش لماذا استخدم المخرج هذه التقنية أو تلك». 

وأضاف: «الإخراج خبرة حياتية داخل عالم السينما، والعالم الحقيقي على السواء، إنها الخبرة التي تنضج مع التقدم في العمر وازدياد تجارب الحياة.. هناك تفاصيل صغيرة من الحياة تقفز إلى ذهني خلال تصويري المشهد».

كوّن محمد خان مع عدد من مبدعي جيله، منهم الكاتب بشير الديك، والمصور سعيد شيمي، والمونتيرة نادية شكري، والمخرجون عاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد؛ جماعة سينمائية أطلق عليها «جماعة أفلام الصحبة»، لإنتاج أفلام تقدم جديداً، الفيلم الوحيد الذي قامت الجماعة بإنتاجه هو «الحريف» من إخراج محمد خان، سيناريو وحوار بشير الديك، تصوير سعيد شيمي، ومونتاج نادية شكري، وسيرتبط هذا الرباعي بتقديم العديد من الأعمال فيما بعد.

بلغ عدد الأفلام التي قدمها خان للسينما المصرية 24 فيلماً، أغلبها من علامات السينما المصرية وأهم أفلامها تاريخياً، قدم أول أفلامه «ضربة شمس» من بطولة نور الشريف، الذي قدّم معه فيلم «الرغبة» 1980، وهو العام نفسه الذي أخرج فيه فيلم «الثأر».

وفي 1982 قدم ثلاثة أفلام هي: «طائر على الطريق»، «موعد على العشاء»، «نصف أرنب»، وفي عام 1983 أخرج «الحريف» للفنان عادل إمام، وفي 1984 «خرج ولم يعد» ليحيى الفخراني، و«مشوار عمر» 1985، ليعود ويقدم مع يحيى الفخراني في العام 1986 «عودة مواطن».

وفي 1988 قدم أحد أهم أفلامه «زوجة رجل مهم»، و«أحلام هند وكاميليا»، وكلاهما من بطولة أحمد زكي، وفي تسعينات القرن الماضي قدم «سوبر ماركت 1990»، «فارس المدينة1991»، «مستر كاراتيه 1992»، «الغرقانة 1993»، «يوم حار جداً 1995».

في بداية هذه الألفية، وتحديداً في عام 2001، قدم واحداً من أهم أفلام السيرة الذاتية، هو فيلم «أيام السادات» للراحل أحمد زكي، ثم توالت أعماله بفيلم «كليفتي 2004»، ثم «بنات وسط البلد» 2005، وبعده «في شقة مصر الجديدة» 2007، حتى «فتاة المصنع» في 2014، وأخيراً «قبل زحمة الصيف» الذي عرض بداية هذا العام.

الخليج الإماراتية في

31.07.2016

 
 

جميلات سينما محمد خان وكيف أعاد اكتشافهن

رامي وفا

تعوَّدنا أن تكون نظرة الرجل العربي للأنثى نظرة كلاسيكية محدودة، نظرة ورثناها شعرًا ونثرًا، أدبًا وسينما، نظرة اجتماعية ضيقة اخترعت لنا مهنة (الخاطبة) التي تعرض على العريس الراغب في الزواج صور العذارى فيختار منها، وكأن الأنثى ما هي إلا صورتها، حتى أن مقاييس جمال الأنثى في عين الرجل العربي في الغالب مُحدَّدة مسبقُا ومتشابهة عند معظم الرجال، أنا أعتبرها نظرة نزارية (نسبة إلى نزار قباني) خالصة، ليس لأن نزار قباني صاحبها الأول، لكن لأنه أكثر من أفصح عنها، وعبر عنها بدقة حتى رغمًا عن إرادته، فالمرأة عيناها من البللور، شفاهها فاكهة، جسمها كنز يطمع الكل به، وهي في النهاية لها قدسية تجعل العشاق يقفون صفوفًا في محرابها، أو يُجنّ الرجال بها من فرط جمالِها، حتى في دفاع الرجل العربي عن المرأة نجد نظرته قاصرة، وكأنه يدافع عنها ويدين أنوثتها في ذات الوقت، هكذا فُرِّغت المرأة العربية من نفسِها لسنين طوال،  قليلون هم من تمرَّدوا على السرب وحلقُّوا بعيدًا مع الأنثى .. بالطبع محمد خان واحد من أهمهم.

نظرة محمد خان للأنثى مختلفة كثيرا، فهو يرى الأنثى في كل حالاتها، يحب جمالها الفطري العادي، لذلك تظهر معه في أجمل حالاتها، يرى فيها ما لم يره أحد قبله، يحب جمال وجهها المزغَّب بالنمَش (على حد تعبير الشاعر مريد البرغوثي)، يحب جرأتها وخجلها، قوتها وضعفها، حتى في دفاعِه عنها لا يفعل شيئًا سوى أن يتركها تدافع عن نفسها، يحررك من نظرتك الضيقة لها، لا يستجدي تعاطفك معها في كل الأحوال، فهي تستحق الإعجاب أكثر مما تستحق التعاطف، تستحق حياة أفضل والأهم أنها قادرة على أن تحققها بدون خُطب بليغة ودفاعات طويلة عنها من قبل الذَكر العربي الذي لا يراها أصلًا.

خان عمل مع كثيرٍ جدًا من جميلات السينما، رُبَّما بعضهم لم يكن جميلًا جدًا قبله، لكنهم جميعًا ظهروا معه في صورة جديدة، وكأنه أعاد خلقهم شكلًا ومضمونًا، وأدخلهم في مناطق فنية جديدة عليهم وعلينا، خان تعامل مع نجمات أكثر من جيل،  وفي كل مرة كان يثبت أن الجمال مستمر لا ينتهي حتى لو لم نكتشفه من قبل، عمل مع سعاد حسني، ميرفت أمين، نجلاء فتحي ،فردوس عبد الحميد، مديحة كامل، ليلى علوي، شريهان، لوسي، عايدة رياض مرورًا بمنى زكي، منة شلبي، هند صبري، غادة عادل، ياسمين رئيس وهنا شيحة، كل هؤلاء أخرج منهن خان طاقات غير متوقعة، بعضهن كان العمل مع خان بالنسبة لهن خروجًا وحيدًا عن المألوف وطفرة فنية بكل المقاييس، وبالطبع لأن جميلات شارع محمد خان لا يتسع لهم مقال واحد فسأكتفي بالحديث عن خمسة منهن:

1-   ليلى علوي 1984

الفتاة رقيقة الجمال التي ظهرت على الساحة قبل العمل مع خان بسنوات قليلة، مظهرها أرستقراطي (وهو الدور الذي ما زالت تلعبه إلى الآن)، فاتنة، تجيد الرقص والاستعراضات، فتاة تناسب جدًا أدوار المحبوبة النمطية، لكن أن يخرج بها خان من هذه النمطية إلى أن تلعب دور فتاة ريفية تُدعى (خيرية – خوخة) في فيلم "خرج ولم يعُد".. هذا ما كان مفاجئًا لها ولنا لكن ليس للمخرج الذي يرى في الأنثى ما لا نراه نحن، فها هي مقنعة جدًا وهي تقوم بحلب البقرة، وتزغيط البط، وتحميم الحمار، صادقة جدًا بلا مكياج تقريبًا وبربطة إيشارب ريفية، وبضفيرة في غاية الجمال، متمكنة من اللهجة الفلاحي، حتى في دَلَعِها ورقتها فهو دلع فطري غير مبتذل، فكأن خان في (خرج ولم يعد) لا يخرج بك من القاهرة للريف، ولكنه يتحرك بك من الحاضر للماضي، ويعود بك للجنة الفطرية القديمة، فلا تستطيع إلا أن تصدق حوّاءه الجميلة وهي تقول "بس اوعى تعمل زيه وتسيب الجنة" ليرد عطية " المفروض الأبناء ميكرروش أخطاء الآباء .. معقول الجنة تبقى في إيديا وأسيبها؟ ".

2- لوسي 1993

تأخرت معرفتي بجمال لوسي كثيرًا، ذلك لأني لم أرَ فيلم "فارس المدينة" إلا قريبًا، وقبلها كانت لوسي بالنسبة لي في كل أحوالِها ليست جميلة جدًا، ليست رقيقة، يصعب التعاطف معها في معظم أدوارها، كما أني أراها راقصة صاخبة وأحيانًا مزعجة، لكن عندما رأيت الممرضة هُدى في (فارس المدينة) شعرت وكأن خان استطاع أن يخرج منها ما كانت تخبئه، أو أن ما كانت أنوثتها ترفض أن تقوله سابقًا قررت أن تبوح به كاملًا مع خان، صحيح أنها قدمت دورًا رائعًا قبل ذلك بعامين في فيلم "البحث عن سيد مرزوق" مع داوود عبد السيد، إلا أن دورها هناك لم يكن غريبًا عليها، لم يُعد خلقها كما فعل خان ببراعة في "فارس المدينة" ليبرز لنا جميلة جديدة لم نتخطَّى حواسنا في معرفتها من قبل، فـ(هدى) الممرضة لا تشبه لوسي التى عرفناها قبل ذلك أو بعده، وكأن لوسي لم تلعب هذا الدور من الأساس .. الدور هو من لعبها وغيَّرها شكلًا ومضمونًا.

3-   ياسمين رئيس 2014

في بداية فيلم "فتاة المصنع" يهدي خان الفيلم لذكرى واحدة من أجمل جميلاته (سعاد حسني)، وعندما تُهدي فيلمًا للسندريللا فلا بد أن بطلته على الأقل لها خصوصية جمالية فريدة من نوعِها، لذلك أعتقد أن خان لم يختر وجهًا معروفًا جدًا لنا من قبل، لكي يعطيه خصوصيته الجمالية من الوهلة الأولى، فهو مخلوق جديد أمامَك بلا انطباعات كثيرة مسبقة، ثم يُسمَّي جميلته (هيام) وقد جعلنا نهيم بها فعلًا، ما قدمه لنا خان في شخص (هيام) يصعب وصفه، فهي طوال الفيلم داخل وخارج اللعبة في آنٍ واحد، داخل حارتِها وبيتِها الضيق في منطقتها الشعبية، وخارجهما تمامًا بجمالها غير المألوف، منغمسة في واقعها المرير الصعب كفتاة من طبقة فقيرة ومتمرِّدة عليه بسِحر وفتنة الأميرات، تقف في بلكون شقتها المعلق بها الثوم والبصل، لكنها ترتدي فستان فرح أبيض تبدو به ملاكًا، حتى أن هذه المفارقة لم تكن فقط على مستوى الشكل والحركة، إنما أيضًا ها هي تحب المهندس صلاح وتتعلق به ثم ترقص رقصة بديعة في فرَحِه مع عروس آخر .. هيام هي كل شيء ونقيضه.. منحها خان من روح كل أنثى عرفها، فظهرت كساحرة عظيمة في ظروف متواضعة جدًا.

4- عايدة رياض 1988، 1990

راقصة في الفرقة القومية للفنون الشعبية، لها ملامح وجرأة الفتاة الشعبية، قدرة على تقديم أدوارًا مختلفة ومتنوعة، تلك القدرة التي لم يستغلها المخرجون كما يجب، حُصرت عايدة رياض في عدد من الأدوار المتشابهة، عادةً كانت تظهر كسنِّيدة للبطلة مثلها مثل كثيرات وكثيرين ممن فرضت رؤية المنتجين والمخرجين القاصرة عليهم أدوارًا ثانية وثالثة طوال حياتهم، لكن محمد خان يستطيع إعادة تشكيل الممثل وإظهاره في أفضل حالاتِه، لذا اختارها لتكون بطلة "أحلام هند وكاميليا" أمام نجلاء فتحي وأحمد زكي، وهو الدور الذي يعتبره الكثيرون، أنه الدور الأفضل في مسيرتها، تعمل (هند) كخادمة في البيوت، تقابل صديقتها في الشقاء (كاميليا) من حين لآخر، وتتكون صداقة فريدة بينهم .. صداقة المستضعفين في الأرض، ثم يأتي بها خان ثانية في فيلم "سوبر ماركت" لكن ليست كبطلة أولى هذه المرة، رُبَّما لم تظهر إلا مرات معدودة على الشاشة، لكنها كباليرينا محترفة تمشي في كل مشاهدها كأنها في عرضٍ مباشر على المسرح، مما يعطي الإيحاء بأنها فراشة خفيفة، هنا استطاع خان أن يجعل من راقصة شعبية باليرينا حقيقية.. هكذا رأي محمد خان في جميلته عايدة رياض ما لم تره هي في نفسها أبدًا وبالطبع عمل معها ثالثة في "فارس المدينة" ثم أخيرًا في "شقة مصر الجديدة" ليسمِّيها (حياة القلوب) كما رآها قبل ذلك بعشرين عامًا تقريبًا.

5- غادة عادل 2007

طوال مسيرة غادة عادل الفنية كانت تقدَّم غالبًا كفتاة مَرِحة خفيفة، لا تحتاج أدوارها لكثيرٍ من التمثيل، فهي في الغالب تظهر على طبيعتها بلا تجديد في أدائها، مُجرَّد مؤديَّة جيدة ولا تستطيع التعويل عليها في أدوارٍ أكبر من ذلك، لكن خان الحرِّيف استطاع في فيلم "في شقة مصرالجديدة" أن يرى غادة عادل كفتاة صعيدية من (المنيا) تسافر لزحام القاهرة باحثةً عن معلِّمتها في مدرستها القديمة تُدعى (تهاني) وهي في حقيقة الأمر هربت للقاهرة بحثًا عن حقيقة الحُب في الحياة، وهنا أحتار جدًا كيف اختار خان غادة عادل لدورٍ كهذا، كيف انتقاها من وسط كل نجمات جيلها الذين يبدون بلا شك للوهلة الأولى أفضل منها كثيرًا في هذا الدور، كيف تصوَّر أن تلك الفتاة (الروشة) دائمًا.. لديها من القدرات التمثيلية والشكلية ما يجعلها فتاة صعيدية خجولة، بريئة وساذجة على نحوٍ كبير، منعدمة الثقة في نفسها تقريبًا، لكن خان قد فعلها، وظهرت غادة عادل للمرة الوحيدة تقريبًا في مسيرتها بثوبٍ مختلف جدًا عنها، لقد عشقت هذه ال(نجوى) في الفيلم، أحببت ملابسها، طريقة حديثها، طريقتها في تناول الطعام، توترها السريع، نظرتها البريئة الفَطنة، ووجهها الدافئ جدًا عكس المعتاد، حتى صوتها في هذا الفيلم بدا لي مختلفًا، وكأنها لم تكن (غادة عادل ) التي نعرفها يومًا.. هكذا اخترقها خان .. أخرج طاقاتها التمثيلية والأنثوية المخبَّأة، فلا تملُك إلا أن تذوب في حب (نجوى) وفي حب خان الذي أعاد تشكيلها تقريبًا من اللاشيء.

كنت أتمنى أن يتسع المقال للحديث عن السندريللا، ونجلاء فتحي، ومديحة كامل، وفردوس عبد الحميد وغيرهم .. لكني في كل الأحوال أشعر أن كلامي قاصر وأن من الأفضل لنا جميعًا أن نشاهد أو نعيد مشاهدة مسيرة محمد خان منذ بدايتها، وأن نمعن النظر في مسيرات بطلاته وكيف اختلف معنى أنوثتهن معه كما اختلفت أداورهن، وكيف استطاع أن يخرج منهن بما يريد هو وبما أردن هن ولو لم يدرين .. رحمك الله يا خان .. وأسعدنا بسينماك وبجميلات شارعك.

عين على السينما في

01.08.2016

 
 

جائزة فاتن لـ محمد خان تتسلّمها عائلته من مهرجان القاهرة

بقلم محمد حجازي

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كان بادر منذ أسابيع إلى الإعلان عن منح جائزة فاتن حمامة التقديرية إلى المخرج محمد خان، يومها ردَّ خان المعروف بدماثته وطيبته وقال: إن منحي جائزة تقديرية تحمل اسم الفنانة الكبيرة فاتن حمامة شرف كبير لي في حد ذاته. أضاف: إن تكريمي من مهرجان عريق بقيمة وقدر مهرجان القاهرة السينمائي شرف آخر.

منذ أيام أعلن المهرجان ان الجائزة ستمنح إلى عائلة المخرج خان بعد مفاجأة وفاته التي صدمت الجميع، وكانت ردود فعل رائعة سجلت في حقّه من قبل سينمائيين عديدين عرفوه أو عملوا معه فقالت يسرا: انه يوم حزين للفن المصري، ووصفه الكاتب مدحت العدل بأنه أعظم من قدّموا مصر في أفلامهم، والعبارة الأخيرة رائعة لأنها تعبّر تماماً عن حقيقة أفلام خان التي قدّمت مصر كأروع ما تكون.

هذا الوفاء في التعاطي مع خان ليس جديداً. فللرجل في وجدان الفنانين المصريين كل التقدير، حتى الراحل أحمد زكي الذي اختلف معه مرة بقوة قال عنه: «ما فيش مخرج زيو بيعمل أفلام محبوبة وقريبة من القلب وصادقة. الراجل مصري حتى النخاع، وما هواش عايز حد يعترف بمصريته» (منح الجنسية قبل عامين).

والواقع أن النقّاد المصريين هم الذين قادوا حملة لإعادة الاعتبار إلى خان ويعود إليهم الفضل في إقناع السلطات بالتعجيل في منحه هذا الشرف، وهو الذي لم يتوقف عن ضخ الساحة السينمائية بالأفلام لأنه يحب السينما، ويحب الجمهور ويحب البلد الذي انتمى إليه متحمّلاً توصيفه: بالمخرج الباكستاني.

أيضاً كلامنا عنه نوع من الوفاء لشخصية متينة صادقة مبدعة، وعندما إلتقيناه مؤخراً في مهرجان دبي السينمائي الدولي كانت بيننا جلسة طويلة حول سينماه وحال السينما العربية، وكان واضحاً في موقفه:

«والله لو إنتبه العرب إلى هذا الفن ودعموه لتغيّرت صورتهم عند كل شعوب الأرض، لكنهم يتحدثون عن السينما كثيراً، ويدعمونها بالفتات».

تحدثنا عن علاقته بـ أحمد زكي فوصفه بأنه ممثل خطير، ولن يجود التاريخ بمثله في المدى المنظور، لأن الكبار لا يولدون كل يوم، كما قال، وعن خلافه معه أفاد بأنهما إثنان من المجانين، وواجب أن يتواجها لأن أفكارنا تختلف لكن بروحية واحدة. هذا هو المهم.

خان لحق بزميله عاطف الطيب الثاني في مجموعة الموجة الجديدة في السينما المصرية المعاصرة، عاطف الذي ردّد دائماً بأنه حاسس بأنه لن يعيش طويلاً وهو ما حصل فعلاً وقتله قلبه البريء والراقي والمحب والقادر على فعل كل شيء بالطريقة الرائعة تماماً كما هي الحال مع خان.

ببساطة عقد الموجة الجديدة إنفرط تماماً. لأن حبّات العقد الباقية ليست ضمن النشاط السينمائي الحالي في القاهرة، فأين صاحب «إعدام ميت» علي عبد الخالق؟ وأين من وثقت به الراحلة فاتن حمامة وصوّرت بإدارته «يوم حلو يوم مر»: خيري بشارة الذي ما عدنا سمعنا بأنه يعمل في السينما؟ فهل انطوت الصورة الإيجابية لهذه الظاهرة المتميّزة في تاريخ السينما الحديث مع كل تأثيراتها الإيجابية؟

مع غياب خان الذي لم يستكن لظروف اقتصادية، أو لواقع فني، أو لرغبة حتى عند المنتجين للتعاطي مع مخرجين شباب، وتابع من دون توقف، وبقي في الساحة إثنان: داود عبد السيد، وشريف عرفة، وكان على اللائحة الحديثة اسم خالد يوسف، الذي إنسحب تماماً من السينما إلى السياسة، إلى مجلس الشعب، وترك مناخ السينما وهو صاحب «هي فوضى» الذي أكمله بعد رحيل المخرج الكبير يوسف شاهين، و«العاصفة» الذي كان باباً على سينما جديدة سرعان ما توقفت عن النفس.

رحيل خان يوضع في خانة الخسارة الجسيمة للسينما المصرية الحديثة.

رحيل ثقيل، ولن تنطوي فترة قصيرة حتى تبيّن مدى الضرر الذي أصاب السينما من بعده، وهو الذي لم يقنط، ولم يتكاسل، ولم يتوقف، حتى أنه عمل في سينما الڤيديو الرخيصة الإنتاج فقط ليستمر. رحمه الله.

اللواء اللبنانية في

01.08.2016

 
 

رسالة من هند صبري إلى «الطفل» محمد خان

كتبرؤوف حسام

وجهت الفنانة هند صبري عبر حسابها الشخصي علي موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» رسالة للراحل المخرج الكبير محمد خانالذي توفي الأسبوع الماضي إثر أزمه صحية حادة قالت فيها إن «محمد خان اسم كبير يثير هيبة ورهبة»

وتابعت «أي ممثل شاب يحلم بالعمل مع محمد خان، مع مخرج قدم للسينما المصرية والعربية أعمالاً مهمة... لما اتصل بيه محمد خانيعرض عليه فيلم بنات وسط البلد أصابني الذعر من شخصية يقال عنها إنها عنيفة أحيانا ومتقلبة أحيانًا» لكنها أردفت: «وجدته طفلاً كبيرًا بكل مقومات الطفل خفة الدم والضحك والحساسية».

وأنهت هند  رسالتها: «وداعًا، لكنك تركت لنا الكثير يا أستاذ ولأن الأطفال لا يحبون النسيان فانأ أعلم أنك لا تحبه أيضا وأنت لا تنسي..  تلميذتك هند صبري».

موقع (اتفرج) المصري في

01.08.2016

 
 

الملامح الإنسانية لسينما محمد خان..

علامات التميز الفني في أفلامه المهمة

كمال القاضي

فقدت الحياة الثقافية مؤخرا أحد الكبار، وهو الكاتب السينمائي، مؤلفا وناقد، والمخرج القدير محمد خان الذي يستحق أن نتريث عند انتاجه بالدرس والتأمل. وتقدم (الكلمة) هنا هذا المقال التأبيني عن جانب من جوانب إبداعه المتعددة، يكشف عن غنى مسيرته الإبداعية، وقدرته على لمس كل ما هو جوهري في الفن والحياة.

من فيلم «ضربة شمس» بدأت رحلة محمد خان في عالم السينما. كان الاكتشاف للفنان نور الشريف الذي أسند إليه مهمة الإخراج، وراهن عليه وهو لا يزال مخرجا مغمورا حديث العهد بصناعة السينما وإبداعها. لكن موهبته شجعت نور على إنتاج الفيلم، والمجازفة باسمه ومستقبله، وبالفعل كان حدس النجم والبطل في محله، فقد نجح فيلمه نجاحاً سمح باستمرار مسيرته مع المخرج الواعد وامتدادها إلى سنوات طويلة من التألق والإنجاز.

لم يتميز محمد خان فنياً وسينمائياً لأنه عكف على الدراسة الأكاديمية في لندن لعدة سنوات وحصل على المزيد من العلم والفكر في الإطار الذي يصقل موهبته الفطرية فحسب، وإنما جاء تميزه لتحرره من القوالب التقليدية للغة السينمائية المعتمدة على فكرة الوعظ والإرشاد، وتلقين الدروس وتقديم القدوة الحسنة، والحرص على النهايات السعيدة الدائمة، مهما كانت زوايا التناول، وإشكاليات الطرح وأنماط البشر والشخصيات المقدمة في البناء الدرامي.

لقد تمرد محمد خان على أشكال التسامح المطلق والنموذجية المستفزة في عرض القضايا الاجتماعية والسياسية، وعمد إلى النفاذ داخل عمق الإنسان، واكتشاف جوهره قبل الحكم عليه ظاهرياً، فكانت فلسفته التي ترجمت الكثير من أفكاره دون إدعاء وبمنتهى البساطة، وشكلت مكونات لوحاته الفنية المتباينة والمتعددة التي اقتربت اقتراباً فعلياً من هويات الأشخاص وثقافتهم، ودرجات وعيهم، مع وضع الاعتبار الأهم لكونهم آدميين من لحم ودم، نتوقع منهم الخطأ والشر كما نتوقع الخير والصواب. ومن يتأمل أغلب أبطال محمد خان وشخصياته في معظم أفلامه، يرى انه يركز على الجوانب الإنسانية والنوازع الأصيلة للشخصيات.

في فيلم «ضربة شمس» باكورة أعماله، لم يكن مشغولاً بالجانب البوليسي المثير، بقدر انشغاله بما تنطوي عليه شخصية المجرم من صفات وخصال نفسية، تقوده إلى هاوية الجريمة، وفي هذا الفيلم تحديداً قدم النموذج الأوضح للشخصية السايكوباتية، التي جسدتها بشكل منقطع النظير الفنانة ليلى فوزي في أهم أدوارها وأكثرها اختلافاً. فضلاً عن اعتنائه ببقية الشخصيات الأخرى، ووضعها في الأطر الملائمة لها، بما يفيد الفكرة العامة ويفضي إلى النتيجة المرجوة من الفيلم ككل، وهو ما تحقق بالفعل، حيث شاهدنا نمطاً مغايراً من عصابات تهريب الآثار ومحترفي القتل.

ومثلما جاءت البداية ناضجة ومبهرة، ظلت المسيرة على المستوى نفسه من الإتقان والجودة والحس المرهف بالمشكلات والقضايا الكبرى، ففي فيلم «خرج ولم يعد» ليحيى الفخراني وليلى علوي كان المحور الأساسي هو قضية الانفجار السكاني، وما ترتب عليها من تبعات الاختناق داخل العاصمة القاهرة، وفشل العلاقة العاطفية بين البطل والبطلة، نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية. لقد حول المخرج الراحل الكبير القضية الفردية إلى قضية عامة باعتبارها نموذجاً لحالات متعددة واختار خان الخروج إلى الريف حلاً مثالياً للأزمة، ليس أزمة الزواج فحسب، وإنما أزمات كثيرة أوردها بشكل ضمني، وأشار إلى بعضها كالزحام والضوضاء والفوضى، وفي ذلك استخدم الأغنية الشهيرة لأحمد عدوية «زحمة يا دنيا زحمة» كمعادل فني لوصف الحالة العشوائية المجتمعية، التي فرضت على البطل العزلة والخروج بعيداً عن محيطة الأصلي.

وفي «أحلام هند وكاميليا» قدم محمد خان شريحة اجتماعية مهمشة متمثلة في الخادمة وابنتها وصديقتها والزوج، وكلهم ممن دهسهم قطار الحياة، فصاروا ضحايا وباتت أمانيهم الكبرى مختزلة في الحصول على المال والخلاص من الفقر المدقع الذي صار عنوانهم وهويتهم. ويعد هذا الفيلم من العلامات في مشوار نجلاء فتحي وأحمد زكي وعايدة رياض. ولا يمكن الحديث عن مشوار المبدع محمد خان دون ذكر فيلمه الأميز «موعد على العشاء» بطولة سعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي أيضاً، وهو من النوعية الإنسانية ذاتها التي ميزت أعماله وجعلتها فارقة في المعنى والمذاق. يتناول الفيلم العلاقة القسرية المركبة بين زوجين مختلفين في كل شيء إلى الحد الذي يقلب حياتهما جحيماً، ويصعّب على الزوجة قدرتها على التكيف معه، واختيارها الموت بديلاً اضطرارياً، بعد فشلها في الفرار من الزوج المستبد حتى بعد حصولها على الطلاق. هنا يلفت المخرج النظر إلى أهمية الحرية كقيمة إنسانية لا يعوضها شيء آخر، ويرمز في الحالة الفنية إلى الحياة في عمومها، فليست العلاقة المستحيلة بين الزوج والزوجة هي المعضلة الوحيدة، بل هي فقط مجرد مثال لفقدان الحرية كمقوم أساسي من مقومات البقاء وأسبابه الرئيسية.

وقد تُشبه حالة الأسر التي وقعت فيها سعاد حسني في فيلم «موعد على العشاء» حالة الأسيرة ميرفت أمين في فيلم «زوجة رجل مهم» مع ضابط أمن الدولة أحمد زكي، الرجل المتسلط المتجبر الذي يمارس وظيفته خارج إطار القانون، ويغتال أحلام الزوجة الرومانسية، معتبراً ذلك منتهى الانضباط وأن هيبته الشخصية من هيبة القانون. فكانت النتيجة الفصل من الخدمة وفقدان المنصب والانتحار، كخاتمة تليق به وبغروره. وبهذا يؤكد محمد خان مرة أخرى على القيمة الأسمى وهي الحرية، وفي ثنايا الفيلم يأتي صوت عبد الحليم حافظ كقيمة مضافة، وسلوى لكل معذب ومشجون عاش معاناة البطلة، أو كان له مثل تجربتها.

قدم الراحل أيضاً السيرة الذاتية للرئيس «السادات» في فيلم يحمل اسمه وكعادته في التجارب السينمائية الكبرى استعان بأحمد زكي، صديقه وبطله المفضل، فكان من فرط نجاح الفيلم أن أصبح قياس التجربة السياسية والإنسانية للسادات مرتبطا لدى العامة بالحالة الدرامية التي قدمها الفيلم، والتي جاءت على نحو إيجابي للغاية فساهمت في رفع أسهم السادات، وزيادة شعبيته، وهو سر من أسرار السينما وتأثيرها السحري.

أعمال كثيرة قدمها المخرج الراحل محمد خان تحق مناقشتها وتجدر بالاهتمام كأفلامه «شقة مصر الجديدة» و«الغرقانة» و«الحريف» و«طائر على الطريق» و«سوبر ماركت» و«فارس المدينة» و«فتاة المصنع» وآخر أفلامه «قبل زحمة الصيف». لكن جانباً آخر من إبداعه يستوجب التنويه وهو الكتابة، فقد كتب خان قصة 12 فيلماً وصدر له كتابان، الأول عن السينما المصرية، والثاني عن السينما التشيكية، وظل معتداً بموهبته ككاتب إلى أن رحل عن 74 عاماً مخلفا تراثا سينمائيا وإبداعيا وفكريا مهماً.

مجلة الكلمة اللندنية في

01.08.2016

 
 

بالصور .. الحوار الأخير لـ"محمد خان" اليوم في "اتفرج يا سلام"

محمد يوسف الشريف

تعرض القناة الثانية بالتليفزيون المصري في العاشرة والنصف من مساء اليوم الإثنين، الحوار المصور الأخير الذي انفرد به برنامج "اتفرج يا سلام" مع المخرج الراحل محمد خان.

ونجح الناقد السينمائي مجدي الطيب معد البرنامج في إقناعه بالنزول ضيفًا على الحلقة الشهرية الخاصة التي تحمل اسم "كنوز من زمن الرموز"، والحديث مع الناقد أحمد شوقي عن فيلمه الروائي القصير "البطيخة" (10 دقائق)، الذي أخرجه قبل ست سنوات من فيلمه الروائي الطويل "ضربة شمس".

واستعان فيه بالموهبتين الجديدتين: المصور"سعيد شيمى"، والمونتير "أحمد متولى"، ويمكن من خلال رصد وقراءة تجربته في ذلك الفيلم التعرف إلى البذرة الأولى لعالمه، سواء من حيث اختيار الموضوع أو الأسلوب والقطعات وتوظيف شريطي الصوت والصورة. والأهم اهتمامه بالتفاصيل، وانطلاق الكاميرا في الشوارع لترصد ملامح القاهرة 1972.

بوابة الأهرام في

01.08.2016

 
 

«قبل زحمة الصيف» في تونس تكريما لـ«خان»

كتبنور الدين محمد

قررت شركة MAD Solution المسؤولة عن توزيع آخر أفلام الراحل المخرج محمد خان، أن تقوم بإطلاق برنامج لعروض أفلام خان في مختلف الدول العربية.

حيث من المقرر أن تبدأ هذه العروض بعرض فيلم «قبل زحمة الصيف» بقاعة البر ناص بتونس.

 يذكر أن الفيلم  بطولته ماجد الكدواني، هنا شيحة، أحمد داود لانا مشتاق وهاني المتناوي ومن تأليف غادة شهبندر ونورا الشيخ.

جدير بالذكر أن المخرج الكبير محمد خان توفي عن عمر ناهز 72 عاما، وسط حزن كبير في مجال الوسط الفني، تاركًا وراءه أعمال سطر بها تاريخ في مجال السينما المصرية.

موقع (اتفرج) المصري في

02.08.2016

 
 

محمد خان .. المرأه في أفلامه تبحث عن الحب والرجل يتحدي هزيمته

ماجدة خيرالله

عندما ينسحب فنان فجأة من علي مسرح الحياة، تتزاحم الصور والذكريات في رأسك عن كثير من التفاصيل والحكايات التي جمعتك به، وكثير من المواقف التي سمعتها أو قرأتها عنه، كانت المرة الأولي التي التقيت فيها بالمخرج الراحل محمد خان، عندما استضافته الزميلة حنان شومان التي كانت تتدرب  مثلي في »آخر ساعة»، وكنا نتقاسم مكتبا متواضعا في الدور الثاني قريبا من الأرشيف.

جاء في موعده وعلي وجهه ابتسامة عريضة، وتسبقه روحه المرحة، وأحلامه الكبيرة، وطموحاته التي لاحدود لها، ويومها تصورت أنه مخرج يحلم مثل غيره أن توافق سعاد حسني علي أن تلعب بطولة أحد أفلامه، فكل مخرج جديد كان يحلم بذلك، ويعتقد أن العبور إلي المجد والشهرة يجب أن يبدأ بسعاد حسني، فقد كانت حلم كل فنان شاب أو مخضرم، وكان يحكي عن مشروعه معها »موعد علي العشاء» ولسبب ما، كنت أعتقد أن المشروع لن يتم، فقد كنت أدري مثل غيري كم هي مترددة، ويمكن أن تخذله وتتراجع عن المشروع في آخر وقت، ولكنها لم تفعل، وبعد عدة أشهر من هذا اللقاء كنا نشاهد الفيلم الذي جمع بين سعاد حسني، وأحمد زكي، وحسين فهمي، وكان أحد أهم أفلام سنوات الثمانينيات، وأتذكر أن الناقد الراحل أحمد صالح لم يعجبه الفيلم، واتهمه بأنه مأخوذ من فيلم أجنبي دون أن يذكر أو يؤكد ذلك، ولكن كان دليله الوحيد أن هناك مشاهد في الفيلم تتساقط فيها الأمطار بغزارة، وأن الأجواء المصرية لاتعرف تلك الأمطار!! ولكن هذا الرأي الذي ردده في كتاباته وفي برنامجه التليفزيوني »زووم» لم ينل أبدا من قيمة فيلم »موعد علي العشاء»، لأنه كان هناك اتجاه آخر في النقد ينحاز للفيلم ويمنحه القيمة التي يستحقها، ويبدو أن محمد خان لم يكن من هذا النوع الذي يلقي بالاً للحروب الصغيرة، ولا يدعها تهزم طموحه أو تقلل منها، ورغم نجاحاته الكبيرة إلا أن مسيرته الفنية كانت تضم أيضا الكثير من الإخفاقات، مثل فيلم »الرغبة» المأخوذ عن رواية جاتسبي العظيم، التي كان قد قدمها في فيلم أمريكي روبرت ريد فورد، وميا فارو أما النسخة المصرية فكانت من بطولة نور الشريف ومديحة كامل، وأعتقد أن الفيلم نسبيا كان من أسوأ أفلام خان، لأن المعالجة جاءت بعيدة تماما عن روح القصة التي كانت تقدم نقدا وتحليلا للمجتمع الأمريكي فيما بين الستينيات والسبعينيات، ولم يكن التمصير علي نفس المستوي، وكان أداء نور الشريف فيه كثير من المبالغات المرهقة، ورغم أن بداية خان كانت مع نور الشريف في فيلم »ضربة شمس» إلا أن لقاءاتهما لم تتكرر إلا في »الرغبة» ثم توقفت تماما، أما لقاؤه مع محمود يس، فلم يحدث إلا مرة واحدة في فيلم »الثأر» الذي شاركت يسرا في بطولته، ولم يحقق أي نجاح يذكر وربما يكون قد سقط تماما من ذاكرة كل من شارك فيه، كان نجوم تلك المرحلة التي ظهر فيها محمد خان هم نور الشريف، وحسين فهمي، ومحمود يس،  ويبدو أن تضخم ذات بعضهم أدي إلي عدم مقدرة خان علي التعامل مع أي منهم إلا مرة أو اثنتين مع الوضع في الاعتبار أن خان نفسه لم يكن هيناً، والغريب أنه لم يفكر  مطلقا في التعامل مع محمود عبد العزيز، ولكنه تعامل مرة واحدة مع عادل إمام في »الحريف»، وكان الفيلم عظيماً ولكن التجربة الإنسانية لم تكن كذلك، لأن عادل إمام لم يقدر ربما حتي الآن قيمة الفيلم ولا قيمة الشخصية التي أداها، ولكن يبدو أن كيمياء محمد خان، كانت مناسبة في وقت ما، لكيمياء أحمد زكي لأنه أكثر النجوم الذين تعامل معهم في أفلام متفاوتة القيمة والنجاح منها »موعد علي العشاء»، و»أحلام هند وكاميليا»، و»طائر علي الطريق»، و»زوجة رجل مهم»، و»مستر كاراتيه»، و»أيام السادات»، ومن الأفلام التي هوت بعنف ولم تحقق نجاحاً تجارياً ولا فنياً »صيف حار جداً» الذي جمع بين شريهان ومحمود حميدة ومحمد فؤاد ولم ترقص شريهان ولم يغن محمد فؤاد، وبدا محمود حميدة في دور يحتاج لرجل في الأربعينيات ، ولا أعرف كيف ولماذا فكر خان في تلك الحكاية الغريبة، ولا هذا الكاست العجيب وأتذكر أنه في المؤتمر الصحفي للفيلم تبرأ محمد فؤاد من دوره وذكر أنه لم يعجبه ولم يفهمه، وكانت شعبية محمد فؤاد وقتها تسمح له بهذا التطاول بينما لم تعلق شريهان ولاحميدة علي الفيلم وتركاه يذهب إلي دوائر النسيان! وكان لمشاركة الفخراني في فيلمين من إخراج محمد خان فرصة لكل منهما في النجاح كان فيلمهما الأول »خرج ولم يعد» وهو من أجمل أفلام خان وأكثرها عذوبة، وشهد بدايات تألق ليلي علوي، وكان الفيلم الثاني هو »عودة مواطن» الذي جمع بين الفخراني وميرفت أمين وشريف منير وماجدة زكي وأتذكر مقالة أنيس منصور التي تؤكد انبهاره بتفاصيله وقضيته، كان محمد خان يدرك أن نجمات السبعينيات إلي زوال وأن أيا منهن لن تصلح أن تكون بطلة لأفلامه لا علي المستوي الفني ولا الشخصي، وكانت أكثرهن قربا لفنه نجلاء فتحي وإن كانت علاقته بها قد توترت بعد فيلم »سوبر ماركت» الذي لعبت بطولته وشاركت في إنتاجه وكانت تريد أن تقدم إهداء لوالدتها في بدايه التترات، ولكن رفض محمد خان أدي إلي خصومة بينهما، أما ميرفت أمين فقد شاركت في »زوجة رجل مهم» و»عودة مواطن» و»أيام السادات»، ولم يعرف عنها مطلقا الاختلاف مع زميل أو زميلة، أما مديحة كامل فقد شاركت في فيلمين من إخراج خان هما »الرغبة» و»مشوار عمر» مع فاروق الفيشاوي، وكان آخر تعاون لخان مع نجمات السبعينيات في »الغرقانة» الذي جمع بين نبيلة عبيد ومحمود حميدة ورغم جودته الفنية إلا أنه علي المستوي الشخصي كان تجربة مؤلمة لم يفكر خان في تكرارها! وانتهت علاقته بجيل السبعينيات تماما، وتوقف عن العمل فترة طويلة كان يكتفي فيها بالظهور في أفلام تلاميذه وتلميذاته مثل »ملك وكتابة» مع كاملة أبو ذكري، و»بعد طول غياب» وكأنه يبدأ حياته الفنية مع جيل جديد ومختلف تماما ، وكان لقاؤه مع زوجته الشابة وسام مثل قبلة الحياة، فقد بدا أكثر انحيازا للمرأة وخاصة في مرحلة ما قبل الثلاثينيات كانت البداية مع فيلم »بنات وسط البلد» الذي جمع بين هند صبري ومنة شلبي، ثم في »شقة مصر الجديدة» بطولة غادة عادل وخالد أبو النجا، »فتاة المصنع» بطولة ياسمين رئيس، وأخيراً »قبل زحمة الصيف» بطولة هنا شيحة مع ماجد الكدواني وأحمد داوود. قد يكون وجود المخرج الكبير محمد خان قد انتهي من علي مسرح الحياة ولكنه ترك ثروة من الأفلام ستظل شاهدة علي مروره وتواجده بقوة خلال ثلاثين عاما من تاريخ السينما المصرية.

محمد خان .. «خرج ولم يعد».. بعد »ضربة شمس«.. و«قبل زحمة الصيف»

نعمـة الـلـه حسـين

خرج »محمد خان».. فارس المدينة من الدنيا التي عشقها وسخر منها كثيرا في نفس الوقت.. رحل صاحب الضحكة العالية والكلمة الساخرة والابتسامة الصافية التي كانت تضيء وجهه ولاتفارقه أبدا حتي في أحلك الظروف.

رحل »الحريف».. حاملا معه »أحلام هند وكاميليا» وكل المصريين باختلاف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية بمن فيهم »زوجة رجل مهم».

في ساعة زمن غدار »خان» أصدقاءه ومحبيه ورحل في غفلة تاركا الجميع في حالة ذهول حتي إن الكثيرين لم يصدقوا ويستوعبوا الأمر في البداية معتقدين أنها إشاعة سخيفة.

خرج خان من الدنيا تاركا حزنا دفينا.. وفراغا كبيرا في الساحة الفنية لدي جمهوره من عشاق السينما في مصر والعالم.. وفراقا إنسانيا أكبر لدي أصدقائه وأقربائه وكل من اقترب منه وعرفوه عن قرب.

خرج »خان» ولن يعود.. تاركا بصمة حية في »دفتر أحوال» مصر التي عشقها ولم يعرف له وطنا غيرها.. كان مصريا حتي النخاع ورغم ذلك لم يحصل علي الجنسية المصرية إلا منذ سنوات قليلة.. وكانت البطاقة الورقية هي أجمل هدية حصل عليها وشيء أسعده كثيرا أن يكون مثبتا في الأوراق الرسمية أنه مصري.. في وقت يفتخر الكثيرون بحصولهم علي جنسيات أخري.

>  >  >

رحل »خان» حاملا هموم كل البشر الذين التقي بهم في الحياة وعبر عنهم بصدق في أفلامه.. وتجسدت في شخصيات أفلامه.. التي تؤرخ لمصر.. وتعتبر تشريحا للمجتمع المصري.. حيث كان حريصا علي اختيار أفكار موضوعاته بنفسه ومناقشة كل التفاصيل عند كتابة السيناريو.

كان محمد خان منتميا إلي طبقة ثرية حيث كان والده الباكستاني الأصل تاجرا كبيرا ووالدته تتحدث سبع لغات أجادها هو أيضا.. لكن ظل حبه وارتباطه بلغة الضاد هو الأصل.. رفض الحياة في أنجلترا التي عاش بها فترة ليعود لمصره الحبيبة التي تشارك معه حبه للفن فهجر الهندسة التي كان قد بدأ في دراستها.

>  >  >

لقائي الأول »بخان» كان عام 1978 في مهرجان الإسكندرية السينمائي الأول وبداية عملي بالصحافة.. كانت الدورة الأولي للمهرجان.. والمشاركة الصحفية الأولي لي في المهرجان مع الناقدة الكبيرة الأستاذة إيريس نظمي مع أني وقتها كنت أعمل في قسم التحقيقات.. وكذلك كانت البداية الأولي لمحمد خان للمشاركة في المهرجان بفيلمه الأول »ضربة شمس» بطولة وإنتاج الراحل العظيم »نور الشريف».. وعندما علم أنني عائدة من »فرنسا» بعد قضاء فترة طويلة بباريس التي أعشقها وكنت أعد العدة للاستقرار هناك.. لولا إصرار أبي علي عودتي.. قال لي »ده أحسن قرار سوف تدركين أنك أخذته في حياتك».

في فندق سان استيفانو القديم كان ذلك الشاب الخجول يرحب بالحوارات مع الشباب من الصحفيين واللقاء بهم في زمن كان يجود بعمالقة الصحافة الفنية وأسمائهم الكبيرة.

>  >  >

أما معرفتي الحقيقية به فتعود إلي أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات عندما حضرنا معا مهرجان »ستراسبورج» الدولي لأفلام حقوق الإنسان وكان معنا الإعلامي التليفزيوني القدير »يوسف شريف رزق الله» والناقد الكبير »صلاح هاشم» الذي كان له الفضل في تقديمي لهذا المهرجان وكنت يومها أصغرهم سنا ومكانة.. لكن ذوق يوسف شريف رزق الله واحتواء محمد خان ونصائحهما كانت دافعا قويا للنجاح والتفوق.. وكثيرا ما كان يلقبني (بالخواجاية السمراء) ويطلق ضحكته عاليا.

>  >  >

وكان  آخر لقاءاتنا في دبي منذ ستة شهور تقريبا عندما كان يعرض فيلمه »قبل زحمة الصيف» وعندما اتصلت به قبل السفر لنجري حوارا ضحك قائلا: اكتبي اللي تحبيه عني .. واسأليني أي حاجة بس بلاش نتكلم عن الفيلم الجديد كتير علشان مرتبط بالحديث »بدبي» وفي دبي كانت لنا لقاءات يومية كان بشوشا ضاحكا رغم الألم الذي كان يعتريه بسبب سقوطه علي ظهره.. لكنه كان يتحامل علي نفسه سعيدا بوجوده وسط أصدقائه وفيلمه »قبل زحمة الصيف» والذي لم يلاق إعجاباً كبيراً من العديد من النقاد لكنه كان يقابل ذلك بابتسامة وضحكة قائلا: »ده حالة خاصة لمحمد خان».

>  >  >

والحقيقة أن محمد خان رغم الضحكة العالية.. والسخرية التي يري بها العديد من الأشياء كان شخصا خجولا وبسيطا للغاية.. وخجله الشديد هو الذي جعل البعض يقول عنه إنه مغرور.

وبساطة محمد خان وطيبته هي التي دفعته للتعاطف مع الناس البسطاء مهتما بأدق التفاصيل.. وكان يقول إن السينما هي الحياة.. التي نعيشها لذا لا أريد استنساخ أشخاص من الخيال لا وجود لهم في الحياة.

فـ»أحلام هند وكاميليا» هي حكاية الخادمة صباح التي كانت تعمل لديهم وكان يحبها كثيرا بسبب حنانها ورعايتها له.. هذه الطبقة الفقيرة كان شديد التعاطف معها.. وفي »خرج ولم يعد» قدم حكاية أخري لإحدي الخادمات التي كانت تعمل لدي أقاربه.

>  >  >

إن أفلام محمد خان هي »دفتر لأحوال» مصرنا وانعكاسة حقيقية لكل الأحداث التي عاشتها مصر علي كل المستويات اجتماعية سياسية اقتصادية وبمعني أدق هي ترجمة »لواقع» بدون »فذلكة» في شكل صور إنسانية.

وخان كان يكن تقديرا خاصا للممثلين لكنه أبدا لم يفكر عندما يبدأ في الكتابة أن تكون لشخص معين. كما كان يملك من الجرأة لتغيير اسم الممثل مهما كانت أهميته أو شهرته، في »أحلام هند وكاميليا» اختار في البداية فاتن حمامة وسعاد حسني لكنه قرر إعطاء الدور »لنجلاء فتحي» وإلهام شاهين.. مع خلاف في وجهات النظر مع »إلهام» أعطي الدور لوجه جديد هي »عايدة رياض» وربما الوحيد الذي كان مستثني من ذلك هو أحمد زكي.

>  >  >

الصداقة في حياة محمد خان تمثل مكانة كبيرة في قلبه وعقله وحياته.. ومن أقرب الأصدقاء القدير سعيد شيمي .. يوسف شريف رزق الله مع حفظ الألقاب ورؤوف توفيق.. وخيري بشارة.

صداقته لحاكم »جزر المالديف» كانت السبب المباشر لعمل فيلم »يوسف وزينب» وهو الفيلم الوحيد الذي حمل جنسية هذه الجزر في ذلك الوقت وأسند البطولة لفاروق الفيشاوي أما باقي العاملين في الفيلم فكلهم من الجزر وكان ذلك بمثابة أكبر هدية منه وتقدير للصداقة.

>  >  >

في ذهني صورة لمحمد خان لن يستطيع الزمان أن يمحوها قبل »الإنترنت» و»الكمبيوتر» أثناء عودتنا من ستراسبورج وكان القطار يقطعها إلي باريس في أكثر من سبع ساعات ولتسلية الوقت كان محمد خان ويوسف شريف رزق الله يتسليان بتمضية الوقت في أسئلة سينمائية وذلك بطرح أسئلة سينمائية دقيقة لايمكن لأحد وأراهن علي ذلك أن يأخذ منها باله.

ومن يومها وأنا أعتبرهما أنا وأبناء جيلي كلهم موسوعة سينمائية وكان هذا هو اللقب الذي ننادي به أ. يوسف ويومها أضفت أنا إليه محمد خان.

آخر ساعة المصرية في

02.08.2016

 
 

«قبل زحمة الصيف»: خارج المكان الزمان... بعيداً عن النمط والمألوف

آخر أفلام المخرج الراحل محمد خان...

الوسط - منصورة عبدالأمير

كما في كل أفلامه، يُغرقنا المخرج محمد خان، الذي رحل عن عالمنا قبل أيام قليلة، في تفاصيل دقيقة لقصص وحكايات إنسانية عادية وبسيطة. نقف على ذلك في آخر أفلامه «قبل زحمة الصيف». الفيلم الذي عُرض أولاً في مهرجان دبي السينمائي الدولي في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015، يتناول قصتين بسيطتين تتداخل تفاصيلهما بتقاطع زمان ومكان حدوثهما، تتناولان مشاعر إنسانية مُرهفة لكنها مشاعر جِدُّ واقعية، قد تُلامسنا بشكل أو بآخر لفرط واقعيتها وربما لانسجامها مع ما يجيش في صدورنا.

الزمان هو «قبل زحمة الصيف»؛ أي قبل بدء موسم الإجازات الصيفية وتدافع السيَّاح لقضاء إجازاتهم، في «المكان»، المتمثِّل في إحدى قرى الساحل الشمالي، مسرح أحداث الفيلم كاملة.

أما من تتقاطع تفاصيل حياتهم فهم الدكتور يحيى (ماجد الكدواني) الذي يُقرِّر الهروب إلى «شاليه» على الساحل الشمالي مع زوجته ماجدة (لانا مشتاق)، وذلك بعد تورُّط المستشفى الخاص الذي يملكه في خطأ إهمال جسيم، يُخضعه لتحقيق قانوني، وتتناوله الصحافة بالتعريض والهجوم والإدانة.

يجمعه الساحل مع المترجمة هالة «هنا شيحا» التي تبدو هي الأخرى هاربة من ضغط ما، تترك أبناءها مع والدتها على أمل أن يتولَّى طليقها مسئولية العناية بهم، متعذّرة بعمل «ترجمة» يتوجّب عليها إنجازها، لكنها تفعل ذلك في الواقع من أجل لقاء حبيبها، الممثل المغمور هشام (يقوم بدوره هاني المتناوي).

ومنذ بداية الفيلم، سيكون واضحاً بأن الدكتور يحيى من جانب، وهالة من جانب آخر، يمرَّان بمرحلة صعبة في حياتهما، ربما أمكن وصفها بحالة ضعف وهشاشة نفسيتين، هو لضعف موقفه القانوني ولحالة جفاء وفتور واضحة يعيشها مع زوجته ماجدة، وهي (هالة) لما يبدو وكأنها حالة انكسار عاطفي لا نعرف سببها تحديداً، لكننا نعلم أنها تحاول تعويض هذا الإنكسار بالترتيب للقاء هذا الحبيب «المغمور» الذي لا يستطيع أن يقدِّم لها الكثير، وخصوصاً مع عدم توقُّف هاتفه عن الرنين مُستقبِلاً مكالمات «نسائية»، وذلك طوال فترة تواجده معها وهي التي لم تتعدَ يوما واحداً.

وعودة إلى الدكتور يحيى، يبدو وكأنَّ زوجته ماجدة لا تشعر بالسعادة معه، بل يتضح كم الإحباط الذي تسبَّبت به علاقتهما لها. هي تؤثر الصمت على أية حال، وتفضِّل الاستغراق في تمارين اليوغا والتأمُّل بدلاً من التحاور معه، فيما يستغرق هو في أي عمل آخر يبعده عنها. يتشاجر مع البستاني يوماً لأنه يريد أن يعتني بحديقة الشاليه بنفسه، وحين تصل هالة للشاليه ينشغل بمراقبتها بشكل دائم، بل يصل به الأمر لأن يراقب سائحين أجنبيين يتبادلان القبل على ساحل البحر ويطلب من البستاني إبعادهما ومنعهما.

هالة من الجانب الآخر، تبدو متعطّشة لشيء من الاهتمام والدفء العاطفي، لذلك فإنها تتحمَّل أخطاء كثيرة من حبيبها، الذي لا يُقدِّم لها شيئاً في الواقع، بل إنه لا يعدها بأي حب أو إخلاص، حين تحدث المواجهة بينهما إثر تكرار استقبال هاتفه النقال للمكالمات النسائية.

يصل الفيلم «الهادئ البطئ في سرده» إلى ذورته حين تنفجر ماجدة في زوجها وتطرده من الشاليه إثر تراكمات عديدة منها اكتشافها أن زوجها المستغرق في عمله على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، يحتفظ في واقع الأمر بالكثير من الصور النسائية «شبه العارية»، ثم يثيرها بملاحقته لهالة وأخيراً بدعوته لها على العشاء.

ذروة الأحداث تتصاعد لدى هالة حين يغادر حبيبها الشاليه غاضباً إثر طلبها مزيداً من الاهتمام والإخلاص من جانبه. يرحل غاضباً مزمجراً، مُصرِّحاً بعدم قدرته على تقديم أي إلتزام أو اخلاص لها.

حالة الانكسار التي يعيشها الاثنان، الدكتور يحيى والمترجمة هالة، تصلنا عبر الايقاع الهادئ والبطيء الذي يغرقك في التفاصيل الصغيرة والواقعية وهو المعروف في كل أفلام الراحل محمد خان.

هذه الحالة هي ما تجمعهما معاً على مائدة عشاء، وهما في قمة انكسارهما، حين يسير منحى التحقيق ضد مصلحة مستشفى الدكتور يحيى، وحين يغادر حبيب هالة «المغمور» الشاليه غاضباً. يأتي اللقاء على يد يحيى حين يدعوهالة للعشاء، وتقبل هي دعوته. تتضايق الزوجة وتتعذّر بصداع يجبرها على النوم لكنها تراقبهما خفية.

يحيى لا يتقرَّب لهالة، ولا يريد الفيلم أن ينحو بهذا المنحى السينمائي «المبتذل»، بل إن تفاصيل وجبة العشاء التي تجمع هالة ويحيى لن تهمنا كثيراً، ما سيهمُّ المشاهد هو أن يحيى، يحب ماجدة زوجته كثيراً ويعبِّر لها عن ذلك أخيراً في مشهد حين تطرده من الشاليه وتقفل الأبواب، لكنه يريد امرأة جميلة متأنّقة تشاركه العشاء، تتبادل معه الحديث وتضحك لنكاته. من جانبها، لا تريد هالة سوى رجل يحيطها بشيء من الدفء والأمان العاطفيين، يثني على أناقتها وربما طهيها، ويهتم بتفاصيلها الصغيرة، و... يخلص لها.

أجمل ما في الفيلم أنه لا يُحاكم شخصياته، لا نعرف كثيراً عن ذلك الخطأ الطبي او الإهمال الجسيم الذي تورط فيه مستشفى الدكتور يحيى، ولا نعرف أصلاً عن المستشفى سوى كونه مستشفى خاصاً وأن زوجة يحيى ورثته عن والدها.

لا نعرف أيضاً عن هالة سوى أنها مطلقة، مترجمة، لديها أبناء تتركهم مع والدتها، محبطة، وتعيش حالة انكسار.

كذلك فإن الفيلم لا يُحاكم يحيى ولا هالة ولا يتوقف عند مسألة خطأ قراراتهما الحياتية من صوابها. الفيلم يركز على جزء أساسي من علاقة الرجل والمرأة ويسلط الضوء على احتياجات الرجل والمرأة من علاقتهما ببعضهما الآخر، وهي علاقة بحسب الفيلم نفسية قبل أن تكون أي شيء آخر، علاقة إنسانية بالدرجة الأولى، يتعامل معها كثيرون بسطحية وربما ابتذال بالغين، يشيِّئونها و»يجسدونها» في حين أنها، علاقة إنسانية أولاً. إنها علاقة إنسانية بالدرجة الأولى قد تصبح خارج المألوف كما هو مكان وزمان الفيلم خارج الصيف خارج المدينة خارج الضغوط.

على أية حال، لا أستغرب هذا الطرح المختلف، الواقعي، مُرهف الحس، البالغ في إنسانيته من الراحل محمد خان. هذا هو ديدن أفلامه، ولا أدلَّ على ذلك من فيلم «فتاة المصنع» الذي سبق هذا الفيلم، والذي قدَّم «حدُّوتة» بسيطة لكنها عميقة في تفاصيلها الإنسانية حول الفتاة التي تحب شاباً فيحاكمها المجتمع بأكمله لهذه المشاعر.

كذلك لا أستغرب أن تكون كاتبة سيناريو الفيلم امرأة وهي غادة شهبندر. فلا أقدر من إمرأة على تقديم سيناريو مفعم بهذا الكمِّ من الحساسية والرهافة، يهتم بأدق تفاصيل المشاعر الانسانية، لا العاطفية ولا الجسدية.

من المهم الإشارة إلى الأداء المميز للفنان ماجد الكدواني وهو ممثل أثبت وجوده في عدد من الأفلام في السنوات الأخيرة، كما أثبت قدرته على التألُّق في أداء جميع الأدوار والشخصيات.

وأخيراً، بقي أن نشير إلى بعض المشاهد التي تضمَّنها الفيلم وهي التي جعلته غير مناسب للمشاهدين الصغار، كما تسبَّبت بكثير من الانتقاد للممثلة هنا شيحا التي قدَّمتها، لكن بعيداً عن كل هذه التفاصيل وكل ما يمكن أن يعتبره صناع الأفلام «ضرورات» سينمائية، يمكن القول إن فيلم «قبل زحمة الصيف» الذي تدور أحداثه خارج المكان والزمان، هو فيلم يناقش العلاقة الإنسانية بعيداً عن الأنماط السينمائية المُبتذلة وعن الكليشيهات التي ألفناها وعرفناها؛ وخصوصاً في السينما العربية.

الوسط البحرينية في

02.08.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)