كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

تداعيات وذكريات عن محمد خان

المخرج الذي أثرى الحياة بإبداعاته

العرب/ أمير العمري*

عن رحيل

محمد خان..

ملك الشخصيات والتفاصيل الصغيرة

   
 
 
 
 

فارس آخر يترجل من فرسان “عصر السينما”، أيّ عصر ذلك الذي شهد علاقة حب عميق، بين السينمائي والسينما، بين الفنان وعالم الفيلم، كما عرف اهتماما كبيرا بالتعبير الاجتماعي والسياسي والنفسي والثقافي، وبالعلاقة بين الذات والواقع، في السينما، فبعد أن ودعنا العام الماضي، رأفت الميهي الذي يعتبر من خلال أفلامه، سواء ككاتب سيناريو أو كمخرج، تجربة فريدة في مسار السينما المصرية والعربية، غاب الثلاثاء عن دنيانا فارس آخر من فرسان سينما الفن الجميل، هو المخرج محمد خان.

ليس من الممكن استخدام الفعل الماضي في الحديث عن “سينما محمد خان”، فهي لا تزال موجودة، وستظل محفورة في ذاكرة المشاهدين العرب، بعد رحيله المفاجئ الصادم الذي يعد خسارة كبيرة للسينما في العالم العربي، فقد كان بين قلائل من أبناء جيله، حيث ظل حتى آخر لحظة في حياته، يعمل ويخرج الأفلام ويذهب إلى المهرجانات السينمائية يعرضها ويناقشها.

لم يركن إلى الصمت أو يتوارى عن الأنظار مكتفيا بالتطلع إلى إنجازاته السابقة، بل كان يخطط ويدرس ويستعد لمشاريع سينمائية جديدة قادمة، بحماس الشباب الذي لم يفارق محمد خان يوما، فقد كان مليئا بالحيوية والإقبال على الحياة، يتمتع بحب الجميع، من أبناء الأجيال المختلفة، ينقل خبرته إلى تلاميذه من السينمائيين الشباب، في تواضع كبير، وحب كبير للسينما والحياة والناس.

عاشق السينما

محمد خان الذي ربطتني به صداقة امتدت لأكثر من ثلاثين سنة، لم يدرس السينما دراسة أكاديمية (المعلومات المنشورة في هذا المجال خاطئة ومضللة)، بل تعلم السينما في قاعات العرض السينمائي، من مشاهدة الأفلام نفسها، ويمكنني القول بثقة، إن محمد خان من أكثر من عرفتهم في حياتي “إدمانا” على مشاهدة الأفلام، ومن كل الأنواع دون استثناء، بل وربما كان يشعر بنوع من الغيرة الجميلة عندما يسمع من يحدثه عن فيلم جيّد شاهده، وكان يتحين الفرصة للحصول عليه ومشاهدته.

كان محمد خان قريب الشبه بمخرجي حركة الموجة الجديدة التي ظهرت في فرنسا في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، الذين تعلموا السينما من خلال السينما نفسها، واكتسبوا خبرتهم عن طريق الممارسة المباشرة. وخلال فترة إقامته في العاصمة البريطانية لندن في الستينات، ثم في السبعينات، كان دائم التردد على قاعة العروض السينمائية الشهيرة “مسرح الفيلم الوطني”، القاعة الواقعة في الضفة الجنوبية على نهر التايمز وتتبع معهد الفيلم البريطاني (وهو مؤسسة ثقافية وليست تعليمية)، وتعتبر هذه القاعة مدرسة حقيقية للسينما، فقد كانت ومازالت، تنظم عروضا منظمة، للمدارس والحركات والتيارات السينمائية المختلفة وأعمال المخرجين، وهناك شاهد خان الكلاسيكيات، وأفلام المجددين في السينما العالمية إبّان تلك الفترة من عقدي الستينات والسبعينات، وهي الفترة التي يمكن أن نطلق عليها بحق، “عصر السينما”، أي عصر حركات التجديد التي نقلت السينما من مجال التسلية والصناعة إلى مجال الفنون الرفيعة والشعر.

على المستوى العملي، مثله مثل سبيلبرغ، بدأ محمد خان علاقته بالسينما من خلال أفلام الهواة، ولعب ارتباطه برفيق طفولته وشبابه، سعيد شيمي، دورا كبيرا في حبه للسينما وإقباله على اقتحام عالمها، فقد أخرج في بدايات حياته الفنية عددا من أفلام الهواة، منها فيلم “الصعود فوق الهرم” (1969)، صوره بكاميرا من مقاس 8 مم، سعيد شيمي الذي أصبح فيما بعد أحد مديري التصوير المرموقين في السينما المصرية، بعد ذلك أخرج خان من تصوير سعيد شيمي أيضا، فيلما روائيا قصيرا بديعا يدوم 10 دقائق هو فيلم “البطيخة”.

كان “البطيخة” يصور فقط عودة موظف صغير مطحون من عمله إلى بيته في قيظ الظهيرة بمدينة القاهرة، حاملا بطيخة يتشوّق لتقاسمها مع أفراد أسرته لعلها تكسر لديهم حدة حرارة الصيف. إنها فكرة مجردة وشديدة البساطة، لا مجال لتحميلها بأفكار فلسفية أو اجتماعية كبيرة، لكن خان ومصوّره العظيم سعيد شيمي، الذي سيظل يشاركه إنجاز أهم أفلامه في ما بعد، تمكنا من تحويل هذا الموضوع البسيط إلى تحفة بصرية وصوتية، لا شك أنها جاءت متأثرة كثيرا بالسينما الفنية الجديدة التي كان للكاميرا فيها، كما للمونتاج والصوت، دور كبير بارز، كان هذا أيضا زمن “الأبيض والأسود”، وهو فن التصوير الأكثر صعوبة وأصالة.

وعندما توليت إدارة مهرجان الإسماعيلية السينمائي عام 2012، فكرت في تنظيم عروض لعشرة من الأفلام الأولى لعشرة مخرجين مصريين أصبحوا في ما بعد من كبار السينمائيين في السينما الروائية والتسجيلية، أمثال داود عبدالسيد وهاشم النحاس وعلي بدرخان وصلاح أبوسيف، اخترت فيلم “البطيخة”، واتصلت بمحمد خان للحصول على نسخته السينمائية (وكانت من مقاس 35 مم)، وقلت إننا سنقوم بعمل نسخة رقمية (ديجيتال) منها على نفقة المهرجان، وافقنا على أن يحصل هو على نسخة على سبيل الإهداء، وقد تحمس كثيرا للفكرة، ثم جاء إلى مكتبي ومعه صديقه التاريخي سعيد شيمي (وكان الاثنان قد قبلا وقتها المشاركة في عضوية لجنة المشاهدة واختيار أفلام المهرجان).

وضع خان علبة الفيلم أمامي، وكان شديد الحرص عليها، وقال أنها ظلت راقدة منذ سنوات في الحقيبة الخلفية لسيارته، وطلب أن أتعهد له بالمحافظة عليها وإعادتها إليه بعد تحويلها إلى النسخة الديجيتال. كنت شديد السعادة بالحصول على الفيلم الذي لم يكن قد عرض في مصر منذ عروضه الأولى وقت ظهوره عام 1972، لكني فوجئت في ما بعد، عندما أخبرني مدير التصوير السينمائي محمود عبدالسميع، وكان هو المسؤول عن الجوانب التقنية والفنية في المهرجان، بأن الشريط الذي وجد داخل العلبة كان شريط الصوت فقط، أما شريط الصورة فكان مفقودا.. أي أننا أمام جزء من الفيلم قبل عمل ما يسمى بـ”المكساج”، أي المزج بين شريطي الصوت والصورة.

وعندما أخبرت محمد خان، أبدى استغرابه وقال إنه لا يعرف الموجود داخل العلبة وأنه لم يفتحها منذ سنوات، ولا يعرف أين ذهب شريط الصورة.. ثم بدأ البحث الطويل الشاق من أجل العثور على الشريط المفقود، وأخيرا تمكننا من العثور عليه في مخزن مغلق في بيت مونتير الفيلم أحمد متولي، الذي توفي -رحمه الله- في ديسمبر الماضي، وكان قد أهمله ونسيه تماما، وقد أمكن بالتالي إنقاذ الفيلم، ثم استخلاص نسخة رقمية حديثة منه، وعرض الفيلم بحضور مخرجه خان، في تلك الأمسية المشهودة التي شهدت تدفق عدد كبير من جمهور مدينة الإسماعيلية على نحو لم يشهده المهرجان من قبل.

ابن الثقافة المصرية

يميل البعض من الأصدقاء إلى القول إن محمد خان لم يكن مصريا، بل باكستاني، بحكم أن والده كان باكستانيا، وكانت أمه إيطالية، وقد عاش كلاهما لفترة طويلة في مصر، وكانا يحملان الجنسية البريطانية، ثم حملها خان أيضا. ومع ذلك، ولد ونشأ خان على أرض مصر، في حي عابدين وسط مدينة القاهرة، ثم تزوج من مصرية وأنجب منها، وارتبطت مشاعره وثقافته وضميره الشخصي والمهني بمصر، وبالثقافة المصرية، وبالسينما المصرية، وصنع كل أفلامه في مصر.

ولأسباب تعود إلى التعقيدات البيروقراطية المعروفة في الإدارة المصرية لم يتمكن محمد خان من الحصول على الجنسية المصرية، إلاّ قبل سنوات محدودة، ولكن هذا لم يكن يحول دونه والإقامة الدائمة في مصر، والاستمرار في عمل أفلامه هناك، والقول إن محمد خان باكستاني، يشبه القول إن وودي ألين ينتمي إلى يهود خيبر وبني قريظة!

كان محمد خان من المخرجين الذين حظوا باهتمام كبير من جانب النقاد، سواء في مصر أو خارج مصر، وقد كُتب الكثير عن أفلامه، وصدر عنه وعن تجربته أكثر من كتاب، وعرضت أفلامه في المهرجانات السينمائية بالعالم العربي حيث نالت الكثير من الجوائز. ويعتبر فيلمه “الحرّيف” أحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية جنبا إلى جنب مع “زوجة رجل مهم” و”أحلام هند وكاميليا”، وتعتبر هذه الأفلام الثلاثة تحديدا، من كلاسيكيات السينما المصرية، وفيها يبرز أسلوب خان الذي يمكن القول إنه يميل إلى الواقعية الشعرية.

صحيح أنه يصور أحداث وشخصيات تتحرك في الواقع، واقع الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، إلاّ أن تصوير خان أو تجسيده لهذه الشخصيات والأحداث والمشاهد، يصطبغ بحزن نبيل، وبميل إلى التأمل الشعري، والبحث الروحاني المعذب عن الخلاص، ما يعكس شعورا دفينا بالحزن، وبالاغتراب عن الواقع، وبالميل إلى مشاكسته والتمرد عليه وتجاوزه، ولكن دون نجاح.

وأبطال أفلامه هم بهذا المعنى، أبطال مهزومون باستمرار، إنهم أبطال فرديون، يخوضون معارك يومية من أجل البقاء، وإثبات الوجود رغم الظروف القاسية المحيطة بهم، إنهم يسقطون وينهضون، ثم يخسرون معاركهم، فالواقع أكبر وأقوى، وما تملكه اليوم، سيضيع منك غدا.

هذه الرؤية الحزينة الشفافة، هي التي جعلت خان بأفلامه، أحد السينمائيين المجددين في السينما المصرية، فواقعيته ليست واقعية الحارة والجماعة أو الكشف عن بذور التمرد الكامنة والتبشير بالثورة الاجتماعية، كما كانت أفلام كامل التلمساني وصلاح أبوسيف مثلا، بل هي أفلام تمتزج بالشعور الشخصي؛ بحجم المتاهة ومستوى الاغتراب غير المسبوق، بعد أن أصبح الواقع يستعصي على التصنيف.

تحفة "كليفتي"

من بين كل أفلام خان أشعر بحب خاص لما أعتبره أكثر أفلامه جرأة، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل على مستوى الجرأة في الشكل، وهو فيلم “كليفتي” الذي أنتجه وأخرجه محمد خان عام 2004 وصوره بكاميرا الديجيتال الرقمية، في تجربة طليعية غير مسبوقة.

إنه تحفة سينمائية خالصة، لكنه كان أيضا، أكثر أفلامه ظلما وتجاهلا، ربما بسبب ظروف إنتاجه التي لم تسمح بعرضه جماهيريا في دور العرض كما كان ينبغي، وربما أيضا نتيجة عدم وجود نجوم شباك في بطولته، فلم يكن اسم الممثل باسم سمرة قد لمع بعدُ عندما قام ببطولة هذا الفيلم أمام الممثلة الموهوبة رولا محمود، التي لا شك أنها تعرضت لأبشع عملية اغتيال فني تتعرض له ممثلة موهوبة، بسبب عدم استعدادها لتقديم التنازلات.

“كليفتي” ليس من أفلام الهجاء السياسي، بل من أفلام البحث الشاق عن العلاقة بين الإنسان والعالم المحيط به، ليس على صعيد مجرّد أو تجريدي، بل في إطار محدد نعيشه ونلمسه، فالإنسان فيه هو ذلك الإنسان البسيط المهمش، الضائع، الذي لا يكف عن التطلع إلى تحقيق أحلامه الصغيرة، لكن هذه الأحلام تُجهض؛ إنه نموذج آخر للبطل الذي يُهزم باستمرار.

هناك تيار ما “وجودي” في هذا الفيلم الشاعري الجميل المحمل بالعشرات من الإشارات حول معنى الوجود في عالم يرفضك ويضيق عليك، تفلت الفرصة فيه مرة تلو الأخرى، لكنك تحاول وتسعى وتتشبث ببصيص من الأمل: في الحب، في الصداقة، في استراق السمع، في سرقة الأشياء الصغيرة، في التعالي على المظاهر الخارجية من حولك، في الإحساس بعدم جدوى ما تفعله في قرارة نفسك، لكنك تواصل ارتكابه لأنه الشيء الوحيد الذي يضمن لك مجرد البقاء ولو على الهامش.

يصبح الأصدقاء وهما كبيرا، وتصبح الأسرة طغيانا من المشاعر التي لا يمكنك احتمالها، أما الحب فلا مجال أمامه لأن يكتمل، فهو يتوقف عند لحظات من المتعة المسروقة التي تمنح بطلنا الصعلوك المشرّد، نقطة ضوء يواصل منها الاتكاء على جذع من النوايا الطيبة، والكثير من الحماقات الصغيرة. كان محمد خان هاويا عظيما للسينما، ولم يكن يصنع أفلامه نتيجة حسابات، بل كان مخلصا لما يحبه ويشعر به حتى لو لم تعجبنا نحن، ولكنه ارتكب خطأ واحدا عندما أخرج فيلم “أيام السادات”، الذي يعتبر شاذا عن كل أفلام خان، ولا أظن أنه أضاف له شيئا.

لم أشاهد فيلم محمد خان الأخير، وكنت أودّ أن أشاهده عندما أذهب إلى القاهرة، وكان لا بدّ أن نلتقي، فقد كانت علاقتنا دائما سلسلة من اللقاءات والافتراقات، ولكن كان لديّ دائما شعور داخلي خاص بأن محمد خان هناك، في القاهرة، وأننا لا بدّ أن نلتقي مجددا، حتى في أحد المهرجانات السينمائية، لكن القدر شاء أن أحرم من هذا اللقاء. رحم الله محمد خان، الذي ذهب، وترك لنا أفلامه المليئة بالحب والحياة، والرغبة الممتدة، في الحلم والعيش والبقاء والصمود في وجه كل صعوبات الحياة.

*ناقد سينمائي مصري مقيم في لندن

العرب اللندنية في

28.07.2016

 
 

فن السينما يفقد مبدعاً كبيراً

بقلم: سمير فريد

فقد فن السيمنا فى مصر والعالم العربى والعالم كله أمس الأول المخرج والمنتج والكاتب محمد خان قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الرابع بعد السبعين فى ٢٦ أكتوبر القادم، فقدت شخصيا أحد أصدقاء العمر الذى تعرفت عليه فى منزل صديقه مدير التصرير سعيد شيمى بميدان التحرير عام ١٩٧٢، وكانت أول صورة لى معه وهو يداعب ابنى محمد فى ذلك اللقاء بعد عرض الفيلم الروائى القصير «أبو بطيخة» الذى أخرجه خان وصوره سعيد وكان الفيلم عن الموظف المصرى الذى يعود بعد الظهر إلى منزله وهو يحمل بطيخة!

يقال ما محبة إلا بعد عداوة، وقد كانت البداية مقالاً هاجمت فيه محمد خان فى نشرة نادى سينما القاهرة لأنه سخر من فيلم شادى عبدالسلام «المومياء» عندما شاهده فى مهرجان لندن عام ١٩٧١ ولكننا ومنذ أول لقاء بعد عرض «البطيخة» تصافينا، وقال لى بنزعته الإنسانية البسيطة، وميله العذب إلى الفكاهة وهل تفرق بيننا «مومياء»! ومنذ أول أفلامه «ضربة شمس» الذى عرض عام ١٩٨٠ وحتى «أيام السادات» ٢٠٠١ تابعت كل أفلامه بالنقد والتحليل، واعتبرت «ضربة شمس» بداية لما أطلقت عليه الواقعية الجديدة فى السينما المصرية فى كتابى بهذا العنوان عام ١٩٩٢ ويطول الحديث عن فن المبدع الكبير، ولكن أفضل الآن نشر المعلومات الكاملة الدقيقة الموثقة عن حياته وأفلامه حتى لا تنشر عنه معلومات غير صحيحة.

ولد محمد خان فى القاهرة لوالد باكستانى وأم إيطالية ودرس فى القاهرة حتى هاجرت أسرته إلى لندن وهو فى الثامنة عشرة من عمره وهناك درس السينما فى مدرسة الفيلم وتخرج عام ١٩٦٣ وقد بدأ حياته فى الفن مساعداً للإخراج فى بيروت من عام ١٩٦٤ حتى عام ١٩٦٦ ثم ألف ونشر كتابين باللغة الإنجليزية، «مدخل السينما المصرية» عام ١٩٦٨، و»السينما التشيكوسلوفاكية الجديدة» عام ١٩٦٩.

ومن ١٩٦٥ إلى ١٩٧٢ أخرج خان عدة أفلام قصيرة من أفلام الهواة من تصوير سعيد شيمى، منها الفيلم التسجيلى «الهرم» والفيلم الروائى «أبوبطيخة» ثم أخرج أول أفلامه الروائية الطويلة «ضربة شمس» وكان فيلمه الرابع والعشرون «قبل زحمة الصيف» آخر أفلامه فقد ظل يعمل فى جميع الظروف وكأنه يتنفس بصنع الأفلام، ومن بين أفلامه فيلمان لم يعرضا، وهما «يوسف وزينب» إنتاج ١٩٨٦، و«كليفتى» إنتاج ٢٠٠٤.

وفيما يلى فاتحة أفلامه التى عرضت مع ذكر سنوات الإنتاج والعرض فى حال اختلافهما

١- ضربة شمس «١٩٧٨- ١٩٨٠»

٢- الرغبة «١٩٧٩- ١٩٨٠»

٣- الثأر «١٩٨٠-١٩٨٢»

٤- طائر على الطريق «١٩٨١»

٥- موعد على العشاء «١٩٨١»

٦- نص أرنب «١٩٨٢-١٩٨٣»

٧- الحريف «١٩٨٣-١٩٨٤»

٨- خرج ولم يعد «١٩٨٤-١٩٨٥»

٩- مشوار عمر «١٩٨٦»

١٠- عودة مواطن «١٩٨٦»

١١- زوجة رجل مهم «١٩٨٧-١٩٨٨»

١٢- أحلام هند وكاميليا «١٩٨٨»

١٣- سوبر ماركت «١٩٨٩-١٩٩٠»

١٤- فارس المدينة «١٩٩٠-١٩٩٢»

١٥- الغرقانة «١٩٩١-١٩٩٣»

١٦- مستر كراتيه «١٩٩٣»

١٧- يوم حار جداً «١٩٩٤-١٩٩٥»

١٨- أيام السادات «٢٠٠١»

١٩- بنات وسط البلد «٢٠٠٥»

٢٠- فى شقة مصر الجديدة «٢٠٠٧»

٢١- فتاة المصنع «٢٠١٣-٢٠١٤»

٢٢- قبل زحمة الصيف «٢٠١٥-٢٠١٦»

وكان محمد خان ينشر مقالات قصيرة تحت عنوان «مخرج على الطريق» منذ عام ١٩٩٠، وقد قام بجمع هذه المقالات فى كتاب بنفس العنوان صدر عن الكتب خان عام ٢٠١٥. وقدم للكتاب الناقد طارق الشناوى، واختتم مقدمته بخلاصة بديعة:

«رأيت محمد خان مرتين: الأولى وأنا أشاهد أفلامه، والثانية وأنا أقرأ كتابه الممتع»..

رحم الله فنان السينما القدير الذى دخل التاريخ بعدد من روائع السينما، وعوضنا خيراً فى ابنه الفنان الطليعى حسن خان، وابنته المخرجة الفنانة نادين خان.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم المصرية في

28.07.2016

 
 

داوود عبدالسيد عن سينما محمد خان:

خاض مجال التمثيل من باب الطرافة على طريقة خيرى بشارة

حوار ــ إيناس عبدالله:

·        روى حكايته فى أكثر من فيلم

·        تمتع بقدرات تؤهله للعمل فى أى ظروف وقدم سينما متنوعة

·        أجمل مراحله كانت مع السيناريست عاصم توفيق ويكفيهما فيلم «خرج ولم يعد»

·        أنصف المرأة فى أفلامه خاصة تلك التى كتبتها وسام سليمان برقة رائعة

«كنا مجموعة تعيش فى ظروف واحدة، ورغم الاختلاف الكبير فى الأساليب والأفكار لكل واحد من المنتمى لهذه المجموعة، لكن كلنا اهتممنا بالسينما كفن، واعتبرناها وسيلتنا للتعبير، وخرجنا عن الشكل التقليدى، وهو ما دفع البعض لوصفنا برواد السينما الواقعية بمعناها الفضفاض».

هكذا تحدث المخرج الكبير داوود عبدالسيد لـ«الشروق»، وهو يصف سينما الراحل محمد خان أحد أبناء مدرسة الواقعية، الذى ودعته مصر قبل أيام، بعد رحلة طويلة من العمل استمرت نحو 38 عاما، قدم فيها افلاما حفرت بحروف من ذهب اسمها فى ذاكرة السينما المصرية، ونال العديد من الجوائز فى العديد من المهرجانات المصرية والعربية والعالمية.

يقول داوود عبدالسيد: تميز محمد خان بأنه صاحب سينما متميزة، وأحيانا هو مخرج متدخل فى الأفكار، وهى المرحلة الخاصة بكتابة السيناريو، فيشارك فيه خان ويطرح أفكاره ورؤيته، ومر محمد خان بعدد من المراحل، لعل أكثر مرحلة غنية له من وجهة نظرى تلك التى تعاون فيها مع السيناريست عاصم توفيق، وقدما معا عددا من أجمل الافلام، واعتبر أن فيلم «خرج ولم يعد» من أجمل الافلام التى قدماها سويا وأراها من اجمل الافلام فى السينما المصرية كلها.

وأضاف: لمن يشاهد أفلام محمد خان جيدا، يجد أن مجموعة الأفلام التى قامت على فكرة البطل الوحيد، كانت تحكى بشكل غير معلن، وغير مباشر عنه، فهو الابن الوحيد الذى عاش فى القاهرة وحينما سافر إلى لندن سافر وحيدا، وكافح وتعب لكى يثبت نفسه ويحقق أحلامه، وأتصور أن خان بدأ يحكى عن نفسه منذ فيلمه الأول «ضربة شمس»، وتكرر الأمر فى «الحريف» و«فارس المدينة» و«طائر على الطريق»، وهى تعد مرحلة مهمة فى مشوار محمد خان، وكذلك مرحلة اهتمامه بالمرأة، فقد كان شديد التعاطف معها منذ أن قدم فيلم «أحلام هند وكاميليا» وتأجج الاهتمام بالمرأة بعد أن تعاون مع السيناريست وسام سليمان مقدما مجموعة من أجمل الأفلام التى تعرضت للمرأة مثل «بنات وسط البلد»، «فى شقة مصر الجديدة»، واحلاهم من وجهة نظرى «فتاة المصنع» وتميزت هذه الأفلام برقة الكاتبة التى أجادت كتابة تفاصيل المرأة فى مشاعرها وطريقة تفكيرها وأسلوب فى التعامل مع الحياة، حتى فيلمه الاخير «قبل زحمة الصيف» اعتبره يعبر بشكل ما عن المرأة وان لم يكن تأثيره بنفس قوة تأثير الأفلام الأخرى.

ووصف خان بانه صاحب قدرات خاصة قائلا: يعد محمد خان أكثر أبناء جيلى غزارة فى الانتاج، فهو يتمتع بقدرات خاصة تؤهله للعمل تحت أى ظروف، مثله مثل الراحل عاطف الطيب الذى لو كان يعيش حتى هذه اللحظة لقدم افلاما اكثر، فعاطف مهموم بقضايا المجتمع وله جمهور كبير، ونجح أن يكون هو وبشير الديك ثنائيا فنيا كبيرا، وكان يقدم اعمالا غير مكلفة ما عدا «ناجى العلى»، برغم ان الاثنين وجيلى كله يعانى من ازمة الانتاج، فنحن أمام منتجين لهم مصالحهم الخاصة ويبحثون عمن يحقق لهم اكبر ربح ممكن، ولا ألومهم فى ذلك، فلو كنت منتجا لا اعلم لأى الاعمال سوف أميل. وعليه لا اميل لمقولة ان جيلنا تعرض للظلم، فنحن نقدم سينما مكلفة، وأى منتج سوف يفكر كثيرا قبل ان يوافق عليها، وأذكر اننى ظللت أبحث عن منتج لاحد افلامى لمدة 5 اعوام وكنت اسمع جملا مثل ان الفيلم بحاجة لديكور مكلف، أو انه سيكون عملا كئيبا، وهكذا إلى ان تأتى الانفراجة، فهذه هى اختياراتنا، وندفع ثمنها ببساطة، فنحن الذين اخترنا الطريق الذى نسير فيه ونعلم اننا سنواجه عقبات.

وعن نوعية هذه العقبات، التى تحدث عنها، يوضح داوود عبدالسيد: هما عقبتان تواجهنا منذ أن عملنا حتى هذه اللحظة وهى الانتاج رقم واحد، والرقابة التى تتغير بتغير النظام الحاكم اذا كان عسكريا ام نظاما جاهلا، وتبقى القيود على حرية الابداع مستمرة، بخلاف الرقابة المجتمعية التى دفعت برئيس وزراء مصر فى وقت من الاوقات ان يصدر قرارا بمنع عرض فيلم «حلاوة روح» الذى اجازته الرقابة، وشاهدنا على شاشات التليفزيون ناسا تتحدث عن الابداع بكل جهل، وكانت النتيجة ان الجمهور اقبل على مشاهدة الفيلم بعد قرار المنع وهم الذين حكموا عليه فى النهاية ووضعوه فى مكانه الصحيح، وهذه هى القاعدة السليمة، اتركوا المجتمع يرى ويصنف ويختار، فالسينما هنا ليست اجبارا على احد، بل المشاهد ينزل من بيته ويركب مواصلات ويدفع ثمن تذكره ليشاهد هذا الفيلم بالتحديد، فلماذا تفرضون وصاية عليه اتركوه يختار ويحكم.

وتحدث المخرج داوود عبدالسيد عن فكرة ان يكون مخرجا امتداد مخرج بعينه بسؤاله عمن يراه امتدادا لمحمد خان فقال: إذا صحت هذه العبارة وان هناك مخرجا امتداد لخان أو لأى من أبناء جيلى أرى ان ذلك سوف يعد ظاهرة سلبية للغاية على جيل الشباب فسوف يكون مقلدا ولن ينجح أبدا أن يقلد روح انسان غيره وفى نفس الوقت سوف يطمس معالم شخصيته هو، ولكن اذا اردنا ان نقول امتدادا لنوعية السينما نفسها فهنا يكون للحديث اهمية اكبر، فنحن مجموعة اهتممنا بالبشر بأفراحه واحزانه ومشاعره احيانا بصدق واحيانا ببساطة واحيانا اخرى بعمق، وهى سينما اتمنى استمرارها وان ارى افلاما شديدة الاهتمام بالانسان وبتيمة جماهيرية فهذا هو الامتداد بعينه، وسوف تستمر، وتحقق نجاحا، أى نعم لن تحقق نفس نجاح الافلام التجارية لكنها ستبقى، فكنا نعرض افلامنا فى وقت كانت افلام نادية الجندى وعادل امام تحصد الارباح، ولكن أفلامنا بقيت، وكانت مصر تنتج 90 فيلما بالسنة الواحدة منها التجارى ومنها الفيلم الجماهيرى الذى يتمتع بكل المقومات الفنية ويناقش قضايا مهمة.

وبسؤاله عن رأيه فى محمد خان كممثل بعد أن قدم نفسه كممثل فى فيلم «عشم وبيبو وبشير» قال داوود عبدالسيد: أتصور ان محمد خان كان يمثل من باب الطرافة مثله مثل خيرى بشارة، لكن ليس بقصد التحول كممثل مثلما حدث مع زكى فطين عبدالوهاب أو حتى كما فعل طارق التلمسانى، ولكن كان الهدف تجربة ومرت، فلا يمكن تقييمها وتقييم خان كممثل.

الشروق المصرية في

28.07.2016

 
 

محمد خان.. المخرج الجوَّال

علاء خالد

ربما أهمية "محمد خان"، بالنسبة لى، هو عدم حضوره كشخص داخل أفلامه. يقف وراء العمل ككل، ولكنه غير موجود فى بطل بعينه. لا تعرف أى شخصية تعبِّر عنه فى الفيلم ويحمِّلها رؤيته. هو مخرج بالمعنى الواسع، يجرى وراء أفكار يحبها، وهذه الأفكار والمعانى متناثرة فى أكثر من سياق وشكل للحياة، وأكثر من مذهب، وأكثر من طبقة اجتماعية. لذا يعتمد بشكل أساسى على صياغة أفكاره، أو توضيحها، من قوة علاقته بالسيناريو. وأعتقد بالنسبة لخان أن علاقته محورية بكتَّاب السيناريو، ربما هذه العلاقة هى التى شكلت تجربته فى الإخراج.

كنت أتساءل باستمرار عن الشخصية التى تمثله داخل أفلامه فلم أجد. كل أبطاله يمكن أن يمثلوه باختلاف طبقاتهم وثقافاتهم وميولهم، سواء كانوا رجالا أو نساء. فالفكرة الشخصية التى يحملها، أو التى ينحاز إليها، لها مجال إنسانى واسع تتحرك فيه وتأخذ منه نماذجها. وهى فكرة تعبر عن «رأى» فى الحياة.

ربما هذه الحدقة الواسعة التى يمتلكها «محمد خان» كانت رهانه على الاستمرار والتنوع والانتقال بين أكثر من عالم. وأيضا أتاحت له اختفاءه وراء أكثر من نموذج، بشكل لا تعود وتتعرف على فكرته الأصلية، حتى تتوه الفكرة الشخصية فى أعماله ويبقى الفيلم كساحة لتداول الأفكار بحرية تامة وبدون "تحيز ما" كأنها جزء مقتطع من حياة مستمرة.

دخل "خان" السينما من باب حبه لها كوسيط وصورة وليس كوسيلة للتعبير الشخصى. كان هناك شيء جوهرى ومباشر فى علاقته بالسينما أكبر من التعبير عن أزمته أو أفكاره الشخصية. ربما اكتشف أفكاره الشخصية، تاليا، عبر تجارب الإخراج والعمل مع العديد من كتَّاب السيناريو. لذا تكرار نوع من "الأزمات الثابتة"، التى تعبر عن "الذاتية"، غير موجود بمعنى ما فى أفلامه، ولكن استبدل بها طيفا واسعا من الأحاسيس النادرة لأبطاله. ربما مجموع هذه الأحاسيس هو "الذاتية الجديدة" التى خلقها.

كانت صنعته الأساسية، أو انحيازه للمهنة، يتجسد فى التقاط هذه الأحاسيس الخاصة جدا لأبطاله، كشف العلاقات غير المكتملة بين الشخصيات بإيجاز شعرى وباحترام لخصوصيتها، وبدون ثرثرة. هو بارع للغاية فى التقاط هذا التفاعل الإنسانى المكتوم وإظهاره على السطح.

كان مفهومه للسينما يتلخص فى المتعة والفرجة والفكر، ورغبته فى أن يحبه الجمهور ويتفاعل معه، لذا يتعامل مع جمهوره داخل حيز اللعبة بدون أن يدفعه للتماهى مع أبطاله، لأنه هو لم يتلبس هذه الشخصية، فكلنا داخل حالة فرجة، لا يحدث فيها تماهٍ بشكل كامل، بل تماهٍ لساعات العرض، لذا هو مخرج غير تعليمى ولا يضع رسالة محددة فى نهايات أفلامه

كان خان  يكسر التماهى مع الحكاية بدون تغريب لها، أو خروج شكلى فنتازى على سبيل المثال، بل داخل الحكاية نفسها: مرارة الحقيقة، مرارة الواقع، مفاجآت الواقع، المصارحة غير المعلنة بين الأبطال، المعجزة الموجودة داخل النفس، كلها  قامت مقام التغريب

بالتأكيد كان "خان" يثق فى جمهوره ويعرف كيف يتحدث معه، وينتقى منه تجاربه ويطور نفسه من خلاله.

ربما لا يحمل "خان" إيديولوجية فكرية لها سمات ومبادئ واضحة أو محددة، ولكنه منحاز فى النهاية لمجموعة من القيم الإنسانية. وهنا الصعوبة، كيف تجعل هذه القيم الإنسانية لا تسحبك بانفتاحها، وبصياغتها الفردية، إلى شاطئ الرومانسية أو التعالى الأخلاقى بشكل ما؟

ربما "خان" ليس له مشروع فكرى واضح، أو أنه يسعى وراء نموذج معين للبطولة، أبطاله دائما متغيرون، ولكنه أيضا لم يأخذ الخيال إلى آخره. ظل بين التزامه بواقع ما، والمجال الواسع لمفهومه للسينما كخيال وأحلام ومشاعر ومتعة. بينهما كان عالمه، حيث تعيش فى انسجام تلك الشريحة الإنسانية التى تحب وتأمل وتتمنى الأفضل، وهى خصيصة مخرج كبير لم يفقد الأمل حتى النهاية.

حافظ "خان" على هذه العلاقة بين تمسكه بقيم إنسانية ليبرالية عامة، وفى الوقت نفسه الحرص على واقعية عالمه. ربما هذا التوازن تم من خلال قوة الحكاية وبساطتها فى آن، وطبيعة المجتمع الذى يمثلها، بجانب إضافاته الشخصية الذكية لهذا المجتمع، فهو يحوِّل أى سياق اجتماعي فى أفلامه إلى سياق "ما فوق اجتماعي"، ولكنه ليس متعاليا، عبر النماذج الفريدة التى يختارها ليروى حكاياتها

يمتلك "خان" رؤية "ما بعد طبقية"، لم يكن يدافع عن طبقة اجتماعية أو عن ذات شخصية. وهنا مكان الاختيار والتجربة فى رأيى. يخلق عوالم مفتوحة تتداخل فيها الطبقات والنماذج الاجتماعية،  تتيح لكل أبطاله الوجود والتعبير عن أنفسهم. كل مشاهدات حياته وثقافته ورغباته الشخصية وتجاربه هى المرجع الأصلى لانحيازاته.

المكان عند خان مرتبط بالحكاية وليس متعاليا عليها. حركة الكاميرا واكتشافاتها تتم فى الشارع، الشارع بمعناه الاجتماعى كساحة وجود واشتراك وتفاعل، وبمعناه الرمزى؛ هو عين المخرج الجوَّال، الذى يريد أن يصل بالرحلة إلى آخرها لاكتشاف جريمة، أو لملاقاة الصدفة، أو للتعلم، أو لرسم خريطة شعرية للمدينة. الشارع هو كتاب الحياة الإنسانية، بوصفه المحتوى لكل الأفكار، وجامعا لكل الطبقات، ورمزا لصعلكة إنسانية حميمة. الشارع ساحة التحقق للوجود

 السيحان بالكاميرا فى الشوارع، خارج الاستوديو، حيث العودة لمكان أصلى/ طبيعى لبناء الحكاية، وسواء كان هذا المكان الأصلى: الحارة أو المصنع أو القرية أو البحر. لذا المكان الخارجى الطبيعى يعتبر ضمن أساسيات رؤيته للسينما، لأن الحياة بمعناها الواسع تكمن فى هذا الخارج.  

هناك رحلة فى العديد من أفلامه، على الطريق السريع، أو داخل المدينة، يعبر بها البطل ويصادف مفارقات حتى يصل، فهذا الخارج هو المكان الحقيقى للتجربة. المكان الداخلى مرتبط أكثر بممارسات خاصة ترتبط بهذا العالم غير المرئى لأبطاله.

يبحث محمد خان عن سينما بها بطولة، ولكن ليس بها نموذج. بطله فى مكان صراع أو تحقق وليس فى مكان محكوم عليه سلفا، لذا قراره لم يصدر بعد فى أبطاله، لذا تجدهم أحرارا وقابلين للأمل

هناك بساطة فى تكوين أفكار أفلامه، يعتمد أساسا على الحكاية أو الحدوتة، ولكنها حدوتة محكمة، ليست سائبة، أو فاجعة، لها إيقاع حيوى تتحرك وتعبر عن نفسها من خلاله. لا يجرى وراء الأبعاد النفسية العميقة فى أبطاله، بل ينتشلهم منها لمواجهة أخرى، فأبطاله صراعهم فى الحياة، أو قل إن الزاوية التى ينظرون بها للحياة بها جانب متفائل، أكبر من أن يجعلهم يفكرون فى هذا الجانب الغارق فى اللا شعور. ولكن لا يعنى هذا أنه غير ملتفت لهذا الجانب الخفى فى أبطاله، ولكن يمنحه مساحة محدودة تبعًا لأهمية هذا الخفاء بالنسبة له.

أغلب أبطاله أذكياء، أيًّا كان وضعهم، يكررون أخطاءهم ليستمتعوا بالحياة أكثر

يعتبر خان من آخر جيل يحمل سمات مشتركة وعلاقة بجمهور وتحولا لطبقات اجتماعية، "جيل الثمانينيات" ربما مصطلح "جيل" سينمائى سيخرج من قاموس النقد والدراسة بعد هذا الجيل.

لقد فقدنا مخرجا كبيرا بحق.

التحرير المصرية في

28.07.2016

 
 

«خان».. سينما التحدي وتحقيق الأحلام

بقلم ـ  لمياء مختار

رحل «خان» الذي لم يخن فنه طيلة حياته الفنية المثمرة، لقد قدم مذاقاً خاصاً به هو وحده في أفلامه، يقولون إن ما يميز سينما محمد خان هو التفاصيل، ولكني أظن التفاصيل لديه أداة أو وسيلة لا غاية، أو على الأقل هي كذلك في كثير من أفلامه أو في معظمها، إنها سينما «الحلم» التي تتحول التفاصيل الصغيرة فيها إلى واقع متجسد، وكأنه تمثال صخري ينبت له جناحان فيطير فجأة ويصبح من لحم ودم متخطياً كل الحواجز ومرتفعاً إلى عنان السماء ..

إنها سينما يفرض الحلم فيها نفسه ليتحول إلى واقع حتى لو كان عن طريق أصعب الوسائل وأشدها على النفس في أحداث قصة الفيلم ..

هناك رمزية مثلاً في إحدى لقطات فيلم «ضربة شمس» يتحول فيها البسطاء الذين يتسلقون شبابيك الأتوبيس في رحلة شقاء يومية إلى صورة ثابتة على الحائط التقطها المصور شمس، وفي اللقطة التالية مباشرة يتحولون إلى صورة حية متحركة في أتوبيس الشارع .. إنه الحلم أو الخيال أو الظل الواقع بالصور واللوحات وقد تجسد فجأة إلى كائنات من لحم ودم ..

ثم نجد أعداد «تان تان» على الكومود المجاور لسرير البطل «شمس».. إن البطل في أعماقه يحلم بأن يكون صحفياً ومصوراً يحل الألغاز مثل تان تان .. شمس هو تجسد لتان تان .. إنه «الحلم» مرة أخرى ..

وفي إحدى لقطات فيلم «ضربة شمس» أيضاً يظهر حائط في أحد الشوارع تنتثر عليه بعض الكلمات والشخبطة، ومن ضمن أبرز هذه الكلمات «مصر للمصريين»، وكأنها كلمة مقصودة لترد على أحداث الفيلم التي تحكي عن عصابة تهرب الآثار المصرية ..

والتفاصيل الناعمة التي تملأ لقطات أفلام خان من أجملها مثلاً نهاية فيلم ضربة شمس والتي تنتصر أيضاً للحلم على الواقع، حين يسير كل من نور الشريف ونورا على كوبري المشاة سيراً طويلاً يستعرض ملامح المدينة .. إنها لحظة تحدي الحلم للواقع والإصرار على المضي في الطريق الذي رسمه الإنسان لنفسه مهما كلفه ذلك الطريق من مشاق وأخطار ..

وفي «زوجة رجل مهم» اختار خان عبد الحليم حافظ رمزاً لأحلام الجيل ممثلاً للحلم النقي للزوجة الرومنسية .. إنها مصر حين أرادت أن تستنشق الهواء النقي وتنطلق سابقة الأمم فإذا بمن اعتلوا قمم السلطة بها يفسدون عليها حلمها فيجعلونه هباء منثوراً ..

وفي نزعة سوداوية أخرى، يتحقق حلم الزوجة في فيلم «موعد على العشاء»، فتنتقم من زوجها السابق الذي دمر حياتها بأفعاله التي لم تحمل سوى القسوة والشر وازدادت حدتها لتصل إلى الإجرام وقتل نفس بريئة تتمثل في الحبيب الذي أراد الزواج منها بعد انفصالها عن هذا الزوج غير السوي نفسياً، فإذا بها حين تعجز عن أخذ حقها منه بالقانون تقرر الانتقام بوضع السم له، وحين يجبرها على تناول الطعام تتناوله وهي تعلم أن به سماً زعافاً ولكنها لا تأبه بالتخلص من حياتها في سبيل أن يموت هو ، وبالفعل تنجح في مخططها، إنه التحدي مرة أخرى والمرأة حين تشحذ أقوى أسلحتها وتتغلب على أي ضعف أو تردد .. والحلم حين يفرض نفسه ليتحقق رغماً عن الجميع حتى وإن تحول إلى كابوس ..

وفي فيلم «في شقة مصر الجديدة» تتحقق الأحلام المستحيلة ، فتظهر في آخر الفيلم فجأة أخبار عن أبله تهاني التي غذت في نفوس تلميذاتها الحلم، فإذا بها بعد انقطاعها عن الجميع واختفائها لسنوات حتى ظن البعض أنها انتحرت، إذا بها وقد عثرت على فتى أحلامها، تماماً كما تبدو بطلة الفيلم الفتاة الصعيدية في المشهد الأخير وكأنها قد قاربت على تحقيق حلمها والتقارب عاطفياً من البطل الذي يكتشف هو الآخر في نهاية الفيلم أنها فتاة أحلامه، ويظل رقم موبايل البطل والذي تهمس به الفتاة في مشهد النهاية هو مفتاح الباب السحري للحلم .. والذي ستدلف منه إلى العالم الوردي الذي طالما داعب خيالها .. وإذا بهذه الأحلام كلها تتجسد في هذا المفتاح الخفي «رقم الموبايل»، في وعد هامس قريب إلى القلب وكأن سحابة أطلت من عالم الغيب لتهمس في أذنها وتداعب مخيلتها قائلة : لقد تحقق حلمك يا فتاة!.

وتأتي أغنية المطربة الكبيرة ليلى مراد «أنا قلبي دليلي قال لي هتحبي» كتيمة أساسية في الفيلم لتعبر عن مضمونه.. فقلوب فتيات الفيلم التي تعلقت بالحب وظن الجميع أنهن على ضلال، هذه القلوب أفلحت في الوصول إلى مبتغاها ونيل الحب المنشود فأثبتن خطأ الجميع وصحة الإيمان بالحب حتى لو في عصر الماديات ..

وفي «فتاة المصنع»، تحاول الفتاة العاشقة المسكينة التي عشقت من كل قلبها وروحها، تحاول أن تحقق حلمها بالزواج من مهندس المصنع حتى ولو بالسكوت على شائعة سخيفة أطلقتها زميلاتها تمس من شرفها وشرف المهندس، ولكنها ترى في هذه الشائعة ما يمكن أن يحقق حلمها بالزواج منه فتصمت ولا تنكرها، وحين تتصاعد الأحداث وتشتبك وتكتشف مدى نذالة هذا المهندس وتخليه التام عنها بل واحتقاره لها، يأخذ الحلم منحى جديداً فيتحول إلى رغبة صغيرة في الانتقام عن طريق الانتصار على هذا الشاب وإنفاذ وعدها أو نذرها الذي نذرته بأن ترقص له يوم زفافه بالرغم من كل شيء، وتأتي اللقطات الأخيرة وهي ترقص وفي عينيها وحركات يديها أثناء إبطاء الكاميرا حركتها كل التحدي وسعادة الانتصار ولو كان صغيراً .. وحركة إبطاء الكاميرا المقصودة من محمد خان تشعر المشاهد أن الفتاة تطير وتهيم في نشوة الانتصار بعدما كانت تهيم في نشوة الحب وربما لهذا أيضاً كان اسمها في الفيلم «هيام»، بينما تلمع عيون الفتيات زميلاتها بالإعجاب بها لقدرتها على اتخاذ موقف ما .. حتى لو مثــّـل هذا الموقف مجرد انتصار صغير وسط جروحها وآلامها .. إلا أن قوة عزيمتها وتصميمها على ألا تترك ثأرها ممن عذب قلبها يثير الإعجاب في نفوس الجميع .. إنه انتصار الحلم مرة أخرى حتى لو كان انتصاراً صغيراً أو وهمياً أو غير بعيد الأثر ..

حتى الفيلم السياسي لدى خان لا يخلو من الحلم، ففيلم «أيام السادات» يُظهر جانب الحلم طيلة الأحداث لدى السادات منذ كان طفلاً صغيراً في الكتاب يردد «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، ولعل اختيار الآية الكريمة مقصود ليشي بما ينتظر السادات من نهاية دموية غادرة ، حتى الحلم يظهر في اختيار أغنية «يا ريتني طير» للمطرب الكبير فريد الأطرش الذي كان يحب السادات أغنياته كثيراً ، ولعل اختيار هذه الأغنية بالذات مقصود أيضاً ليعبر عن الحلم في نفس السادات،  ويأتي تحقيق الحلم في حالة السادات بالصبر والمثابرة والدهاء والحنكة ويتجلى هذا في تفاصيل كثيرة طيلة الفيلم .. فالشخصيات لدى خان تختلف في سبل تحقيق أحلامها ولكنها جميعاً تصل إلى حلمها المنشود ..

إنها تفاصيل الحياة وأحلامها التي تكون في كثير من الأوقات أهم من أحداثها الجسام .. بل ربما عن طريق هذه التفاصيل الصغيرة تتحقق أمور ذات شأن كبير عظيم التأثير بينما لا تكون للأمور التي يعدها البعض خطيرة نفس القوة والتأثير في تحقيق هذا الشأن..

إنها ببساطة عين الفنان الحساسة وكاميرته التي تستشعر أدق وأرق تفاصيل الحياة اليومية، لينسج منها كياناً وحلماً متجسداً يفرض نفسه بقوة ليصير واقعاً لا مناص منه، كطائر العنقاء حين يولد فجأة من بين الرماد.

سينماتوغراف في

28.07.2016

 
 

بعد فوزهم في مهرجان وهران..

هالة خليل وشريف البنداري ومحمود سليمان يهدون جوائزهم لمحمد خان

سارة نعمة الله

أهدت المخرجة هالة خليل، والمخرج شريف البنداري، جوائزهما التي حصلا عليها في ختام مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، إلى روح المخرج الراحل محمد خان.

وكان فيلم "نوارة" للمخرجة هالة خليل، قد حصل على جائزة الوهر الذهبي كأفضل فيلم، وفازت الفنانة منة شلبي بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في نفس الفيلم، وتسلمها عنها الفنان أمير صلاح الدين، فيما حصد فيلم "حار جاف صيفًا" للمخرج شريف البنداري، جائزة الوهر الذهبي في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.

كما أهدى المخرج محمود سليمان أيضًا الجائزة الخاصة التي تسلمها عن فيلمه الوثائقي "أبدًا لم نكن أطفالًا" للمخرج الراحل، الذي وصفه بصديقه وأستاذه.

جدير بالذكر أن كلًا من فيلمي "نوارة" و"حار جاف صيفًا" من إنتاج شركة "ريد ستار" للمنتج صفي الدين محمود.

بوابة الأهرام في

28.07.2016

 
 

محمد خان… صانع سينما المنسيين

قراءة في فيلم «أحلام هند وكاميليا»

القاهرة ــ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم:

يعتبر محمد خان (26 أكتوبر/تشرين الأول 1942 ــ 26 يوليو/تموز 2016) أحد أهم فناني موجة الواقعية الجديدة في السينما المصرية، التي رسمت ملامح مختلفة للفن السينمائي المصري منذ ثمانينيات القرن الفائت. 

خان ومعه عاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد، تناول كل منهم حسب وعيه الفكري والفني حالات وتحولات المجتمع المصري، سواء من خلال الموضوعات أو الشخصيات التي تمثل القطاع الأكبر منه. السينما بذلك لم تكن بعيدة عن حياة الناس، بل تنتقي شخصياتها من الشارع والأزقة والميادين. وبدلاً من حالات التأسي لرحيل الرجل، وتكرار كلمات استهلاكية سنحاول انتقاء أحد أعماله المهمة والحديث عنها، ذلك مع الوضع في الاعتبار أن أفلام محمد خان لم تكن كلها على المستوى الفني والتقني نفسه. وليس مُطالب المخرج أو الروائي أن تكون أعماله بالكامل في مستوى متميز، اللهم إلا الحالات الفنية الاستثنائية. هذا التباين نلحظه عند المقارنة بأعمال محمد خان التي أضافت الكثير للسينما المصرية، نذكر منها على سبيل المثال .. «موعد على العشاء»، «الحريف»، «خرج ولم يعد»، «عودة مواطن»، «زوجة رجل مهم»، «أحلام هند وكاميليا»، «سوبرماركت». وتجربته الرائدة في سينما الديجيتال، التي تمثلت في فيلم «كليفتي». هذه الأعمال تتباين تماماً ومستوى أعماله الأخيرة، بداية من «بنات وسط البلد»، ثم «في شقة مصر الجديدة»، مرواً بـ«فتاة المصنع»، وأخيراً فيلم «قبل زحمة الصيف» (راجع مقالنا عن هذا الفيلم في «القدس العربي» بتاريخ 23 نيسان/أبريل 2016). وسنحاول اختيار أحد أهم أعمال محمد خان «أحلام هند وكاميليا»، الذي حاول ونجح إلى حدٍ كبير في أن يضع على شاشة السينما مخلوقات منسية تماماً من الجميع، أو يفضل المجتمع تناسيها، ولا يرى في هؤلاء سوى كتلة ضالة مشوّهة، يجيد تجنبها، ويتعامل معها بالضرورة كظل خفي يود الفرار منه دائماً.

الفيلم إنتاج عام 1988، قصة وسيناريو وإخراج محمد خان، حوار مصطفى جمعة، تصوير محسن نصر، مونتاج نادية شكري، موسيقى عمار الشريعي، ديكور أنسي أبو سيف، صوت مجدي كامل. أداء .. أحمد زكي، نجلاء فتحي، عايدة رياض، حسن العدل، عثمان عبد المنعم، محمد كامل.

الحكاية

من خلال الصداقة بين خادمتين كاميليا المُطلقة (نجلاء فتحي)، وهند التي تصغرها بعدة أعوام (عايدة رياض)، وتحب لصا (أحمد زكي) يتم استعراض عالم السلالم الخلفية للقاهرة في الثمانينيات. عالم الخادمات، هذه الفئة التي رغم كل مشاكلها ومعاناتها، تحاول العيش، من دون أن تريد من أحد أن يتأسى لها. فعيد يحاول القيام بالعديد من الأعمال، لكنه يفشل، فيعود للأعمال غير المشروعة رغم زواجه من هند وإنجابه طفلة. يعمل كصبي ضمن صبيان أحد تجار العملة، بينما كاميليا تتنقل من بيت لآخر، تتزوج وتفشل مرة أخرى، يقوم عيد بالاستحواذ على النقود التي يتاجر بها والتي يراها حقاً، فيدخل السجن. بينما تقوم هند وكاميليا بتربية الطفلة (أحلام)، من خلال عملهما البسيط.. بيع الشاي عند محطالت الأتوبيسات وسينمات الدرجة الثالثة، أو الخضروات في الأسواق. مهن مؤقتة تكفي بالكاد تكلفة يومهم الطويل. حتى أن الفرصة التي دخل عيد السجن من أجلها، ضاعت عندما تكتشف طفلته النقود المخبأة، وتتم سرقتها في النهاية من هند وكاميليا، لتبدأ كل منهما من جديد، وبينهما أحلام.

كاميليا

امرأة مُطلقة تعمل خادمة لدى أسرة موسرة، تختلس بعض الأشياء من بيت مخدوميها وترى في ذلك حقاً طبيعياً، لأنهم في الأساس لصوص. وترى أن عملها هذا ليس وصمة، فهي في الأصل إنسان له كامل حقوقه في هذه الحياة، ولابد أن يحصل عليها بنفسه. تمتلك بعضا من الجرأة والسلوك الذكوري، إضافة لكونها لم تنجب، فهي عاقر وهذا سبب طلاقها. إلا أن هذه الأمومة تمارسها مع صديقتها (هند) التي تحتاج دائماً إلى حمايتها، هذه الحماية والرعاية التي ستمتد إلى (أحلام) ابنة هند.

هند

فتاة تنتمي للريف من الأصل، وتعمل خادمة لأسرة قاهرية، حيث يتسلم أحد أقاربها راتبها الشهري، ولا يترك لها إلا القليل. على النقيض من (كاميليا) التي تتحمل مسؤولية جميع أفعالها. فهند تتسم ببعض السذاجة والخوف الملازم لها، مما يجعلها تصدّق (عيد) وحبه لها ووعوده المستمرة بالزواج منها، هذا الزواج الذي لن يتم إلا بعد تدخل كاميليا والتهديد لعيد بالحبس والفضيحة.

عيد

شاب لا يجد مهنة يستطيع أن يجد معها أي شكل من الاستقرار المادي ــ كحال الكثيرين ــ فلا مفر أمامه إلا السرقة، فكل مَن يحيطه يعمل بها، رغم اختلاف المهن والمراكز. وهو في موقفه هذا ورغم محاولاته لن يستطيع إلا أن يصبح لصاً. من ناحية أخرى يصبح (عيد) وهو الوجه الآخر لـ (كاميليا)، حيث كل منهما ينظر للمجتمع نظرة صاحب الحق المسروق، ويتنازعان حب القروية الساذجة (هند)، كل بطريقته. إلا أنه لا يتأسى لموقفه، بل يأخذ حقه بأي طريقة، حتى لو كلفه هذا الحق دخول السجن. فهو لا يختلف عن الآخرين. وفي مشهد لافت عند زيارة (هند) له في السجن .. تجد مخدومتها بدورها تزور زوجها المسجون، وبينما لا تستطيع (هند) نسيان دورها كخادمة، تنبهها (كاميليا) أنه لا فارق بينها وبين مخدومتها، فزوجها أيضاً دخل السجن، وأن الرؤوس قد تساوت في هذا المكان، وهي عبارة قديمة لها دلالتها منذ زمن الأحلام الضائعة.

التقنيات

اعتمد التصوير في الأساس على مصادر الإضاءة الطبيعية، نظراً لطبيعة الموضوع، فأغلب المشاهد كانت في الطرق ووسائل المواصلات أو الحدائق العامة، بخلاف غرفة كاميليا/المقهى/شقة هند التي تعمل بها. ثم تنوع هذه المصادر لتصوير هذا الشحوب والبرودة البادية في عالم الخادمات، ويتضح ذلك في مشاهد السلالم الخلفية للأبنية ــ سلالم الخدَم ــ هذا الذي كان على النقيض من مصادر الإضاءة الصناعية، لخلق جو مُبهر ينعكس في عيون الخادمتين، عند زيارتهما للملاهي. ويأتي الديكور ليؤكد هذا التناقض، فرغم أن أماكن التصوير في معظمها كانت حقيقية.. وسائل مواصلات (الترام)/حدائق عامة/شوارع/عمارات مهجورة، إلا أن ديكور غرف الشخصيات كان مناقضاً لديكور منازل المخدومين.. غرفة كاميليا فوق السطح/غرفة عيد وصديقه التي تشبه الحَجز، غرفة الطلبة العرب الذين تعمل لديهم هند. شريط الصوت أيضاً تنوّع ما بين الهدوء النسبي في الشقق الفاخرة، وما يقابله من صخب الشارع (لقاء عيد وهند)، (لقاءات هند وكاميليا)، حتى أن الهدوء المتوتر في اللقاء الجنسي بين عيد وهند في إحدى العمارات التي لم تكتمل بعد، كانت الأصوات المصاحبة تعكس حالة هند الخائفة والمتوترة في هذه اللحظة. من ناحية أخرى نجد الصوت المضخم المغاير لحقيقته عن طريق «الصدى» في حديث الخدم عبر السلالم. وهو ما يماثله صخب الألعاب والزحام في الملاهي. إضافة إلى الأغاني الشعبية المعبّرة عن تلك الفترة، التي تمثل الذوق العام المنهار، كما في العلاقات الاجتماعية المنهارة في الثمانينيات. 

وبتحليل أحد المشاهد الدالة على فساد أكبر في المجتمع، يتحكم تماماً بمصائر شخصياته، نحاول رصد إيقاع التصاعد الدرامي من خلال أحجام اللقطات والمونتاج.

(يقوم عيد وصديقه بزيارة هند في إحدى الشقق التي تخدم فيها، بهدف سرقة الشقة. فلا يجدا إلا حقيبة سامسونيت لصاحب الشقة ــ هذه الحقيبة التي كانت بمثابة أيقونة لرموز الانفتاح في تلك الفترة ــ ويوضح عيد الأمر لهند بأنه حاول أن يستقيم ولكن لا فائدة، كما أن صاحب هذا المكان أيضاً لص، لذا يستحق السرقة). 

تنوعت اللقطات من لقطات متوسطة بين عيد وهند عند بداية دخوله المكان، وهو يحاول تهدئتها، ومحاولاته تقبيلها ليشغلها عما انتواه. حيث الإيقاع الهادئ نسبياً، ثم الإيقاع السريع واللقطات الكبيرة.. وجه صديق عيد، يده تمسك الحقيبة، وجه هند المفزوع، وجه عيد، لقطة قريبة متوسطة لصديق عيد يُشهر مطواته في وجه هند، لقطة متوسطة لعيد يصفع صديقه في تصنع، لقطة قريبة جداً لعيد الذي يشرح لهند بأنه لا مفر من السرقة، لقطة قريبة لعيد وصديقه يهربان، لقطة متوسطة لهند المنهارة في المطبخ، تتحول إلى لقطة طويلة وهند تهرب بدورها تاركة باب الشقة مفتوحا. 

التصاعد الدرامي في هذا المشهد اعتمد في الأساس على إيقاع المونتاج، والتدرج من اللقطات المتوسطة إلى اللقطات القريبة. بجانب صرخات هند المكتومة، وهي تضرب وجهها بيدها، وتحول لهجة عيد من التصنع في بادئ الأمر إلى الصدق والجدية،عندما يقول لها إنه لا مفر، وهذا طريقه رغماً عنه، بل حقه، ورضوخ هند له في النهاية.

عالم المنسيين

يتناول الفيلم مجتمع القاهرة في الثمانينيات، من خلال شخصيات «حيّة». ومن خلال سينما المنسيين هذه يتم عرض العالم الخفي للقاهرة، من شخصيات تعكس في صدق فني وضعاً اجتماعياً عصيباً، يؤثر عليهم ويوجّه مصائرهم، ولكن إرادة الحياة والعيش تجعلهم يتحايلون عليه بكافة الطرق، من دون استدرار دموع الآخرين، ولكن في قوة وقسوة أحياناً لا مفر منها. لا يتم سرد الأحداث وفق البناء التقليدي من بداية ووسط ونهاية، فالمنطقية في سرد الأحداث تعود للأحداث نفسها، فالشخصيات تدور في دائرة مفرغة، تبدأ ثم تعود كما كانت في صعود وهبوط مستمر. هذا البناء المتوافق والنابع من طبيعة الشخصيات والأحداث كان الشكل الأوفق في عملية السرد. فالنقود التي دخل من أجلها عيد السجن، والتي انوجدت بين يدي هند وكاميليا فجأة، تضيع منهما أيضاً فجأة، ولا بد لهما من البداية مرّة أخرى. ويكفي وجود طفلة صغيرة ــ بنت أيضاً ــ فالرجل كعائل لا وجود له من البداية، وقد أصبح ظلاً، لا يستطيع حماية نفسه، فكان لابد أن يختفي، وأن تستمر الحياة بدونه.

والفيلم بذلك لا يدين أبطاله لحساب فئة أو سلطة ما، ولا يسعى لتطهير الجماهير من انفعالاتها، حتى أن دخول الرجل السجن (عيد) ليس رد فعل أخلاقي حتمي، بأن الشرير لابد أن ينال العقاب، فلا يوجد أشرار، ودخول السجن كان إرادياً واختيارياً، فلا مفر ولا بديل عن ذلك، في ظل قوى اجتماعية واقتصادية أكبر من الجميع.

ثنائيات محمد خان.. رفاق على الطريق

محمد جابر

ضمن المسيرة الطويلة للمخرج الراحل محمد خان، هناك عدد من الفنانين الذين ارتبط بهم وارتبطوا به، وكانوا عنصراً دائماً في حياته وأفلامه، على المستوى الشخصي والعملي.

العين والنبض:

في بداية مسيرته، كانت المونتيرة نادية شكري من أقنعته بالعودة إلى مصر، وصناعة الأفلام عوضاً عن البقاء في لندن، والعمل في استثمارات لا علاقة لها بالسينما، وحين عاد كان مدير التصوير سعيد الشيمي، أول من طرق بابه من أجل أن يبدأا الرحلة.

نادية شكري وسعيد الشيمي، هما عين "خان" ونبضه وإيقاعه، قامت نادية شكري بمونتاج كل أفلامه بلا استثناء (منذ ضربة شمس أواخر السبعينيات، حتى أيام السادات وكليفتي أوائل الألفية)، وبحسب تعبيره في أحد حواراته: "هي أكثر من يفهمه في الوجود، ولا يحتاج لأن يقول لها شيئاً حتى تلتقط ما يريده من كل لقطة"، ولم يوقف التعاون بينهما إلا مرضها، ثم وفاتها عام 2012.
أما سعيد الشيمي، فهو جزء أساسي من المغامرة كلها، مغامرة التصوير الخارجي، والنزول إلى الشارع، وحمل الكاميرا للجري وراء الممثلين، وصنع مشاهد ولحظات خالدة شديدة الارتباط بالمدينة، ورغم أن "خان" تعاون بعد ذلك مع مصورين آخرين بجماليات ووجهات نظر مختلفة ، إلا أن "العين" الأهم في مسيرته وأكثر من صور له أفلاماً كان الشيمي.

رفيق الدرب والرحلة:

في نهاية السبعينيات حين عاد خان إلى القاهرة، كان المخرج خيري بشارة من أقرب أصدقائه في الوسط السينمائي، والعلاقة الفريدة بينهما في الحياة اتصلت كذلك بالأفلام، ليظهر خان كممثل في أول أفلام بشارة، "العوامة رقم 70"، بينما ظهر بشارة في 10 أفلام كاملة لخان، أحياناً كضيف شرف في "موعد على العشاء"، "نص أرنب"، و "أحلام هند وكاميليا". وأحياناً بدور حقيقي مؤثر في الأحداث في "زوجة رجل مهم". وظلت تلك العلاقة قائمة حتى فيلم خان الأخير، "قبل زحمة الصيف" الذي ظهر فيه بشارة أيضاً.

ورغم كثافة ذلك الحضور في الأفلام وعلى الشاشة، إلا أن ذلك لا يعد إلا جزءاً من قوة العلاقة في الحياة الحقيقة، ومساهمة كل منهما في أفلام الآخر في أحيان كثيرة بشكل غير رسمي، سواء بالمشورة والرأي، أو المساعدة في أمور تقنية وإجرائية.

مخرج ممثل مهم:

كان خان يحب تغيير ممثليه دائماً، أسماء قليلة للغاية تكررت بين فيلم وآخر، الاستثناء الوحيد الذي تكرر كثيراً وكان مرشحاً لبطولة المزيد هو أحمد زكي فقط، الذي كان بطلاً لستة من أفلام خان، بدءاً من "طائر على الطريق" و"موعد على العشاء"، مروراً بـ"زوجة رجل مهم" و"أحلام هند وكاميليا" و"مستر كارتيه"، ووصولاً إلى "أيام السادات".

تلك الشراكة الطويلة في الأفلام منبعها الثقة والتفاهم، ثقة زكي" في أن "خان" سيخرجه بأحسن صورة، ولا نبالغ إن قلنا إن عددأً من أفضل أدوار زكي كانت مع خان، سواء من ناحية الصعوبة والخصوصية في فيلم "زوجة رجل مهم"، (الذي قال عنه روبرت دي نيرو أثناء عرضه في مهرجان موسكو سنة 1987، إنه أداء عظيم)، أو من ناحية الشهرة والتجسيد كأيام السادات الذي نجح تماماً. وبالنسبة لخان "كان زكي يستطيع التحول لأي صورة كانت، ولذلك أتخيله في أي فيلم".

كتّاب لقاص ماهر:

كان محمد خان مطور قصة جيداً، ولكنه يحتاج دوماً لكاتب سيناريو إلى جانبه، لذلك فإن الكثير من أفلامه كان هو صاحب فكرتها أو قصتها، ولذلك أيضاً فالشراكة مع الكتاب ضمن أسماء محدودة ولكنهم "رفاق" على الطريق، أولهم وأهمهم بشير الديك، الذي كتب أو شارك في كتابة 6 من أفلامه على رأسها "الحريف" و"موعد على العشاء".

كذلك عاصم توفيق، الذي أعطى أفلامه بصمة خاصة مرتبطة بالواقع الاجتماعي في "خرج ولم يعد"، "عودة مواطن" و"أحلام هند وكاميليا". وروؤف توفيق في "مشوار عمر"، "زوجة رجل مهم" و"مستر كارتيه".

بينما كانت زوجته وكاتبة السيناريو وسام سليمان، رفيقة دربه الأخيرة، حيث كتبت له 3 من آخر 4 أفلام أخرجها، "بنات وسط البلد"، "شقة مصر الجديدة" و"فتاة المصنع". - See more at:

القدس العربي اللندنية في

28.07.2016

 
 

محمد خان أنجز أفلامه مثل رسّام يستمتع برسم لوحته (1942 - 2016)

هوفيك حبشيان

في دبي قبل نحو أربع سنوات، التقيتُ الراحل محمّد خان للمرة الأولى. كان ضيفاً على مهرجان الخليج السينمائي بصفته أحد الأعضاء الذين أشرفوا على سوق سيناريو الأفلام الخليجية القصيرة. لكون المهرجان في مول وفندق، الواحد قريب من الآخر مسافة أمتار، كانت هذه فرصة لحديث متعدد الجلسات مع مخرج "زوجة رجل مهم" (1988)، الذي بدأ حياته المهنية في العام 1978 مع "ضربة شمس"، فصار مع داود عبد السيد وعاطف الطيب وخيري بشارة أحد رواد ما عُرف بالواقعية المصرية الجديدة في الثمانينات.

كانت اللقاءات المتكررة تحصل مصادفة، وغالباً ما كان النقاش يدور على السينما، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، وخصوصاً ان خان ظلّ حتى آخر يوم من حياته بئر معلومات في هذا المجال، يحلو الارتواء منها. وهو، خلافاً لكثر من المخرجين الذين يتبدد شغفهم مع مرور الزمن، كان لا يزال مشاهداً نهماً ومتابعاً رصيناً للحركة السينمائية حول العالم؛ نراه يشارك في الندوات ويحضر الأفلام ويشدّ على أيدي الأجيال الصاعدة.

أنجز خان نحو 25 فيلماً، أرّخ للقاهرة وناسها في أفلام تولي الأهمية للتفاصيل والشخصيات والحبكة على السواء. كان ابن حرفة وصنعة من الدرجة الأولى، طريف وعلى قدر من الهدوء حيناً وغضوب في الكثير من الأحيان، يدخل القلب كأي طفل يحمل معه كماً هائلاً من الرغبة في نيل الاعجاب والاهتمام. كان مخلصاَ للفنّ السابع الذي مشى في دربه بعدما ترك الهندسة أيام الدراسة، يبحث عن الأفلام في كلّ مكان يضع فيه قدمه. بحضوره المحبب وصوته المميز، كان خان طفلاً في قالب رجل يلتهم الحياة والفنّ والطعام بشهية لا مثيل لها. أدار سعاد حسني وعادل امام وميرفت أمين وغيرهم في أفلام لم تذعن الى متطلبات السوق ومنطق "الجمهور عاوز كده". أما أحمد زكي، فأعطاه أحد أهم أدواره في "زوجة رجل مهم"، وأداره ايضاً في "أيام السادات". ساهم في اخراج الشخصيات المصرية من النمطية القاتلة التي كانت اسيرة لها. أعطى المرأة مكانة متقدمة في سينماه، وظلّ يحمل قضيتها عن اقتناع حتى فيلمه ما قبل الأخير، "فتاة المصنع"، الذي أطلق الممثلة ياسمين الرئيس. كان يزعجه أن يكون وضع المرأة في العالم العربي متردياً وبهذا السوء. وهب السينما المصرية بعضاً من أهم أفلامها: "الحرّيف"، "أحلام هند وكاميليا"، "زوجة رجل مهم"، و"موعد على العشاء" الذي كان أحد أفلامه المفضلة، كما أخبرني ذات مرة. للأسف، لم تلق أفلامه الكثير من التقدير والاهتمام والرواج في الغرب، ولم تتبنّه المهرجانات الكبيرة.

كثيرون يعرفون محمد خان من خلال أفلامه وتجربته السينمائية خلف الكاميرا، لكن عدداً أقل هم الذين على تماس بأجواء السينيفيلي النهم، العاشق الأبدي للشاشة ولصنّاعها الكبار، الذي كان يحفظ عن ظهر قلب عناوين كلاسيكيات السينما، ولا تغيب عن باله أفلام الدرجة الثانية التي طواها النسيان. يكاد اطلاع خان على السينما بكل اتجاهاتها وتياراتها ومدارسها يتخطى اطلاع بعض النقاد عليها. عندما يلتقي أصدقاءه القدامى، أولئك الذين قطعوا معه درب السينيفيلية الطويل، نراه يتسابق واياهم على انعاش الذاكرة ولملمة فتات السينما التي جرفتها الأيام البعيدة. لم يتوقف خان طوال حياته عن الاستزادة من الشاشة وكل جديد يأتي من خلف البحار. هو لا ينتظر ان تُعرض الأفلام في الصالة القريبة من مكان اقامته، انما يقبض عليها بشتى الطرق. خلافاً لكثر من السينمائيين الذين يكتفون بما شاهدوه في شبابهم، واصل خان متعة المشاهدة وبهجة الاكتشاف والنبش، إلى درجة انك كنت تعتقده سيبدأ بتجارب جديدة وهو في السبعينات من عمره.

في الآتي، مختارات من حوارات عدة أجريناها سابقاً مع محمد خان (1942 - 2016) ننشرها في مناسبة رحيله المفاجئ اثر وعكة صحية صباح الثلثاء الماضي، بحيث تركت الكثير من محبيه في حالة صدمة.

كيف كنتَ تشاهد الأفلام في مصر؟ أمضيتَ صباكَ هناك، وليس في بريطانيا التي تحمل جنسيتها قبل حيازتك الجنسية المصرية أخيراً...

- أنا فردٌ وحيد في العائلة. لا أشقاء لي. مكثتُ في سكاكيني حتى سنّ السابعة أو الثامنة. حينها قررنا الانتقال الى مكان آخر. وصلنا الى أرض شريف التي تقع في وسط البلاد الى جانب العتبة. كنتُ هناك أمام احتمالين لمشاهدة الأفلام: "الصيفي"، حيث كنتُ أرى رؤوساً كثيرة من غير أن أرى الشاشة، وسينما "برادي". أحدّثك الآن عن حقبة الخمسينات. كان يوم الإثنين موعداً مع فيلمين جديدين، أي أربع دفعات من الأفلام في الشهر الواحد. كما شاهدتُ أفلاماً خارج الصيفي أيضاً. 4 أو 5 حداً أدنى أسبوعياً. حينها كنتُ في الثامنة، أو تقريباً في العاشرة. السينما أمرٌ شبيه بالتدخين.

ما نوع الأفلام التي كنت تشاهدها؟

- الأميركي الهوليوودي بطبيعة الحال، الإنكليزي، والمصري في أحيان. ثم رحتُ أهتمّ بالسينما الإيطالية. وكانت السينما الفرنسية حاضرة أيضاً. مصر آنذاك، كانت مجالاً رحباً للسينما المتخصصة. السينما كانت "الانترتينمنت" الوحيد. لا التلفزيون ولا الراديو، ولا أي شيء آخر. سافرتُ الى لندن في سنّ السابعة عشرة. هناك، تغيّر كلّ شيء. اكتشفتُ السينما من غير زاوية. حدث ذلك بين العامين 1959 و1960، قبل "الموجة الجديدة" في فرنسا. تبدّل في تلك الحقبة مفهوم السينما. شاهدتُ أنطونيوني، وتروفو، وغودار، وشابرول، وملفيل، وساتياجيت راي. وجدتُ أنّ ثمة شيئاً يُسمّى الإخراج. لم أعرف قبل ذلك سوى التمثيل. افتقدتُ الوعي الكافي لأدرك ماهية الإخراج. حتى المجلات المتخصصة في مصر كانت تتطرّق إلى الفنانين والفنانات. سافرتُ بغرض دراسة الهندسة. ذات مرّة، سألتُ شاباً سري لانكياً يشاركني المنزل: "ماذا تفعل؟". أجابني: "أدرسُ السينما". "أدرس السينما" هذه، غيَّرت حياتي! اكتشفت أنّ ثمة مكاناً تُدرَّس فيه السينما. أعني هنا، "لندن سكول أوف فيلم تكنيك". كانت المدرسة الوحيدة في انكلترا، عبارة عن شقتين في سوق خضر. لم تكن "ناشونال فيلم سكول" قد وُجدت بعد.

لماذا لندن؟ هل لخياركَ صلة باللغة؟

- لندن خيار والدي. عمله فرض السفر الى هناك. لنقل إني ابنه الوحيد، وكان لا بدّ من الإذعان. من أجل تعلّم السينما، اضطُررت للعمل قبل الظهر والدراسة طوال فترة بعد الظهر. ثم أدركتُ أنّ هذه المدرسة أقرب الى تجربة عادية. أوكي، لقد تعلمتُ الاحتكاك بالكاميرا، بيد أنّ القيمة الحقيقية كانت وجودي في لندن في الستينات. هذا الوجود في ذاته مدرسة. الجوّ. الأفلام. الفنّ. الموسيقى والحركة. يستحيل تجاوز أيٍّ منها، فتصبح مثل بعض أجزائك. في ذلك الحين، شهدت القاهرة ولادة معهد للسينما، لكن تفكيري ظلّ في مكان آخر.

كيف كانت مشاهدة الأفلام في مصر الخمسينات؟ هل ارتبطت بطبقة اجتماعية معينة، أم أنّ ارتياد السينما كان متاحاً لمن يشاء؟

- كانت السينما للجميع حينذاك. ازدهرت سينما الصيفي، وارتادها الناس من مختلف الطبقات. كان ثمن التذاكر زهيداً نسبياً. 14 قرشاً أحياناً، أو 21 قرشاً...

إذاً، لم تعش حكاية على طريقة تروفو في فيلمه "الحياة الماجنة"، كأن تهرب من المدرسة...

- بلى! لطالما هربتُ من المدرسة! صدف، في مرحلة التعليم الثانوي، أنّ مدرّس اللغة الفرنسية كان عاشقاً للسينما، حدّ أنه منحني الإذن مراراً للهرب من حصّته التي تسبق استراحة الظهيرة، من أجل مشاهدة فيلم! كنتُ أشاهد الفيلم وأهرع إليه أخبره ما جرى. أما في صفّ "الإنشاء الشفهي"، فلطالما ألّفتُ لزملائي قصصاً من وحي الخيال على أنها أفلام شاهدتها. كانوا يصدّقونني!

عائلتكَ، هل تركت فيك أثراً؟

- في عائلتي الكثير من النواحي السينمائية، لكنني لم أحتكّ بها كما ينبغي. والدتي تميل الى السينما، وإثنتان من خالاتي كانتا متزوجتين من مديرَي تصوير. تزوّجت خالتي الكبيرة مدير تصوير مهماً جداً يدعى جوليو ديلوكا. إن راجعتَ تاريخ السينما اللبنانية، تجده أخرج وثائقياً عن بعلبك. كما صوّر أفلاماً عدة لفريد الأطرش وآخرين. عند اندلاع الثورة في مصر، هاجر الى البرازيل ومات هناك. زوج خالتي الثانية يدعى أمبرتو لانزانو. تدرّب على يديه، وصوّر، هو الآخر، أفلاماً مصرية عدة منها أفلام مع فريد الأطرش. هاجر بعدها الى ميلانو... في عائلتي الكثير لم أفد منه جرّاء الاحتكاك القليل.

مَن مِن الممثلين كان يجعلك تحلم؟

- جيمس دين وإلفيس بريسلي...

(مقاطعاً) كانت أفلاماً استهلاكية...

- "أسير الماضي" مثلاً، كان مقرراً ضمن المنهج الدراسي. كنا نشاهده كل عام الى أن حفظناه غيباً. أفلامٌ مثل "سكاراموش"، وأفلام روبرت تايلور، وسبانسر ترايسي... لم أكن أحبّ "ذهب مع الريح" مثلاً. كان طويلاً. حين بدأتُ ادراك مفهوم السينما، لفتني جيمس دين في "العملاق"، و"شرق عدن". استعمال كازان للسينما لا يُصدَّق. انه لشيء مذهل!

أيهما كنت تفضّل، الأفلام التي تداعب أحلامك، أم تلك التي تحملك الى واقع اجتماعي معين؟

- مع بداياتي، كانت أفلام المغامرات هي المتعة. بعدها تعرّفتُ إلى هيتشكوك. أحد أصدقائي الذي أصبح لاحقاً رئيس جمهورية المالديف، عرّفني إليه. كان يدرس في مصر، ويهوى روايات أغاثا كريستي. عبره، تعرّفت الى هيتشكوك. هيتشكوك أصبح "ماركة مسجّلة". شاهدتُ في لندن العرض الأول لـ"سايكو". كانت الأولى بعد الظهر، وأمام صالة السينما طوابير محتشدة. كنت ضمن هذه الطوابير، أراقب لافتة عليها صورة هيتشكوك وكلمات تمنع دخول أيٍّ كان بعد بداية الفيلم. شاركتُ الحضور صراخهم حيال مشهد الدوش. هذه اللحظات لا تُنسى!

عندما تمّ تحريك قضية مطالبتك بالجنسية المصرية [ولد خان لأب باكستاني وأمّ ايطالية]، قلتُ في نفسي: ما حاجة محمد خان لهذه الورقة، ما دام الوطن الذي يقيم فيه هو السينما...

- في فيلم من افلامي الذي لم يشتهر كثيراً، طرحتُ ما هي فكرة الوطن. انا لا أعتقد ان الوطن هو الأرض. الوطن هو الناس. أنا، اذا شعرتُ ان الناس يرفضونني، فأعتبر ان المكان الذي أقيم فيه ليس وطني. لا اعرف ماذا كنتُ لأفعل في مثل هذه الحال، لا اعرف اذا كنتُ بقيتُ أو غادرتُ، لكن بالتأكيد سأكون مدركاً أن هذا ليس وطني. "انما ايه حكاية الأرض دي؟"...

تستفزني عبارة "تراب الوطن"...

- آه، طبعاً. أو يمكن عشان أنا بزرميط: أب اصله من الهند وعاش في باكستان ودرس في انكلترا وجاء الى مصر وتزوج أمي، الايطالية المولودة في مصر من أبّ كان قاضياً جاء من روما، الخ. كل هذه الكوزموبوليتية لا بدّ أن تؤثر فيّ بطريقة أو بأخرى. واخد بالك؟ ولكن يعود الفضل الى والدي، الذي ربّاني تربية غير متجهة صوب الهند ولا صوب ايطاليا ولا حتى صوب مصر. لم يعلّمني لغته الاوردو. تعلمتُ الايطالية من امي. كان والدي يتضايق عندما اختلط بعائلة أمي. في مصر، كان يتكلم معي بالانكليزية. وعندما نذهب الى انكلترا، كنا نتكلم العربية. طلبتُ الجنسية لأنني كنتُ اعاني من حالات معينة. كان هناك مهانة: مصر بلدي ومولود فيها وعلى الرغم من ذلك، كان عليّ أن أعلم أولادي كأنهم "خواجات" (أجانب) وأدفع نفقة تعليمهم بالدولار. شيء مهين فعلاً. في زمن والدي، كانت الاقامة مدتها عشر سنين. ثم صار ينبغي تجديدها مرة كل سنة، ومرة كل ثلاث سنوات اذا كنت متزوجاً. وعندما تتجاوز الخامسة والستين، يصير التجديد مرة كل خمس سنوات. هذه الأشياء كلها جعلتني أحس بعدم الامان. كنتُ اشعر بالظلم. حالياً، اولادي لديهم الجنسية المصرية والانكليزية، وأنا لا املك الا الجنسية الانكليزية. ثم هناك شيء آخر: "لم أذهب يوماً الى بلد لأقول لأصحابه أنا انكليزي. انا مصري والأفلام التي أصنعها مصرية ايضاً.

هل أنت مع الذين يؤمنون بأن على بطن المُشاهد أن يكون مليئاً، كي يستطيع أن يرى جيداً...؟

- نعم. كي يقدر الفنّ، ينبغي له أن يكون شبعان. لم تقم ثورات في العالم بسبب أفلام. ليس هناك من فيلم واحد صنع ثورة. الأفلام تنقل حالات معينة وتعبر عنها. الأفلام تطرح. أما التغيير فقد يأتي نتيجة التراكمات. الفيلم يثير قضية لكن لا يغير واقعا.

في لحظات مصيرية معينة، يعود بعض الفنانين الى مواطنيتهم البدائية. ماذا عنك؟

- في لحظات مماثلة، لا افكر. لا أفكر اذا كنتُ فناناً أو مواطناً. اعيش اللحظة. استمتع بصناعة الفيلم. مثل الرسام الذي يستمتع برسم لوحته.

ما رأيك بالاصوليات الصاعدة الآن والعداء تجاه السينما في مصر؟ هل لديك قلق؟

- بالطبع. قلقي تجاه المستقبل. لأنه، حتى لو حاولوا محو افلامي الماضية، فهي في النهاية أفلام عُرضت والناس شاهدوا هذه الافلام. لحسن الحظّ هناك التكنولوجيا التي تحتفظ بذاكرتنا الى الأبد. في مصر، الرقابة كانت دائماً موجودة، ولكن كنا نعرف كيف نتحايل عليها. هذه الرقابة نمّت فينا رقيبا داخليا. لكن الرقابة الدينية أكثر تخلفاً من الرقابة المدنية.

لماذا الرقابة الدينية أسوأ؟

- الرقابة الدينية مبنية على غسل الدماغ. وهي تتبنى قاعدة "تولدت كده وتبقى كده"، وليس لك الحقّ في أن تفكر. يعني أنا مثلاً، الذي ولدتُ مسلماً، لطالما اردتُ أن يتم حرق جثتي عندما أموت. لكن في الاسلام، هذا ممنوع. "يعني ايه ممنوع؟" هذا جسمي انا يا أخي.

لا جسمك لك ولا عقلك لك...

هذا شيء غير معقول. هذه من الأشياء التي تجعلك لا تصدق. مبدأ العلاقة بينك وبين الربّ، هذا اذا كان الربّ موجوداً، شيء خاص جداً. التطرف هذا سبق أن حصل في اسبانيا في العصور الماضية، وفي أوروبا كلها. هذا شيء مخيف. لذا، لا بدّ من القول انهم يظلمون التيار الاسلامي قليلاً لأنه ليس الحركة الدموية الوحيدة عبر العصور. كل التيارات الدينية حركات دموية. راجع التاريخ وستتأكد من ذلك.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

28.07.2016

 
 

محمد خان رحل وسط زحمة الصيف

كتب : أحمد عثمان

غيّب الموت واحداً من أهم مبدعى السينما فى مصر بعد عام على حصوله على الجنسية المصرية رغم كونه يهيم عشقًا وحبًا فى مصر ولا يعرف وطنًا غيره، كان يحفظ حواريه ودروبه وشوارعه، أبدع فى تجسيد معاناة الشارع المصرى وقضاياه الملحة فى أفلام لمع اسمه مع مشوار السينما عندما قدمه نور الشريف الذى اكتشفه فى فيلم «ضربة شمس»، وكان أكثر تأثيرًا فى أفلام مهمة له فى السينما، مثل: «زوجة رجل مهم»، و«أيام السادات» حتى اتجه فى السنوات العشر الأخيرة لما يسمى بالسينما المستقلة، وقدم من خلالها مجموعة من الأفلام الخفيفة ذات القضايا المؤثرة قبل أفلام «بنات وسط البلد، كليفتى، فتاة المصنع» وكان آخر أفلامه فيلم «قبل زحمة صيف» لهنا شيحة وماجد الكدوانى ولاما وأحمد داود، وشارك فى التمثيل خيرى بشارة، وتأليف غادة شهبندر، وأثار هذا الفيلم حالة من الصخب الإعلامى والجدل وحالة من عدم الاتفاق بداية من سخونة موضوعه وتحرر بطلته «هنا شيحة» بشكل «أوفر» وظهورها طوال الفيلم «بمايوه» على البحر ونوعية الفيلم واتهام النقاد له والجمهور أيضًا بأنه فيلم «سطحى» لا يحمل عمق سينما خان التى كان يعهدها جمهوره، وأنه أصبح مخرج يميل «للعبثية» وسينما الترفيه والمشهيات أكثر من سينما الموضوع بدليل رفض مهرجان «مسقط السينمائى» مشاركة الفيلم فى المهرجان وهو ما لاقى هجوماً شديداً من خان نفسه، مؤكدًا أن المهرجان لا يعنيه ولا يفرق معه كثيرًا المشاركة فيه بفيلمه وذهب خان بالفيلم للمشاركة فى «مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية»، وأحدث حالة من الجدل والانقسام بين مؤيد ومهاجم للفيلم وشكله ومضمونه، وكانت المفاجأة خروج الفيلم من المهرجان بدون أى جوائز وهو ما حاول خان التظاهر بعدم الضيق والتأثر رغم أن الحالة التى بدت على ملامحه هو وهنا شيحة تؤكد غضبهما وضيقهما الشديد من خروج الفيلم دون جوائز.

أبطال فيلم الوداع يتحدثون عن محمد خان

كتب: أحمد عثمان

تحدث نجوم آخر أفلامه «قبل زحمة صيف» عن محمد خان الإنسان والمخرج، حيث قالت الفنانة هنا شيحا: تجربة أول بطولة مطلقة مع المبدع محمد خان، كانت نقطة فارقة فى حياتى ومحطة كبيرة من النجاح، وشرفت بالتعاون مع هذا المبدع الذى استطاع أن يخرج صورة جديدة من موهبتى فى السينما ولم أفكر فى أى شىء بخصوص العمل منذ البداية لمجرد سماعى فقط بأن التجربة بقيادة المبدع الراحل الكبير محمد خان.

وأضافت: خان لم يكن يهتم بالجمال ولكنه كان يخلق حالة من التعاون المبهر الذى يسلط فيه الضوء على الموهبة إلى جانب جمال الجسد، وأشعر حاليا بحزن كبير على رحيله لأنى كنت أتمنى أن يجمعنى به عمل جديد، لأنه تاريخ كبير يضاف لأى فنان عمل معه، ولكن سأظل فخورة للعمل معه، لأنه أحد أهم المبدعين الذين شكلوا هوية السينما المصرية، ولذلك أى فنان عمل معه يفخر بهذا الشىء.

ومن جانبها قالت الفنانة الشابة «لاما» التى قدمها "خان" فى نفس الفيلم إن تجربتها مع الفنان محمد خان تعتبرها البداية الحقيقية لها، وقالت: عملى مع فنان كبير بحجم الراحل محمد خان هو نقطة البداية الحقيقية لى فى السينما المصرية، لأن "خان" لم يكن مجرد مبدع ولكنه مدرسة فنية مستقلة بذاتها أعطتنى الكثير وتعلمت منها الكثير، ليس لأنه أعطانى دوراً كبيراً فى الفيلم ولكن لأنه استطاع أن ينمى موهبتى ويجعلنى واثقة الخطوات فى العمل، رحم الله هذا المبدع الكبير الذى من المستحيل تعويضه من جديد.

وقال الفنان أحمد داود: محمد خان حالة لن تتكرر فى السينما المصرية، رؤية مختلفة، وعملى معه هو نقطة التحول الكبيرة فى حياتى الفنية، وأشعر بصقل فى موهبتى بعد التعاون معه، لأنه مدرسة كبيرة يستطيع كل من يقترب منها أن ينمى قدراته، ولذلك تجربتى الأخيرة معه ستظل فى ذاكرتى حتى نهاية مشوارى الفنى لأنها آخر أعمال هذا المبدع الكبير وشرفت بالمشاركة بها.

فى آخر تصريحات "خان" لـ"الوفد": السينما تحتاج لدعم الدولة

كتب : أحمد عثمان

فى آخر لقاء جمع «الوفد» مع المخرج السينمائى الراحل محمد خان حول فيلمه «قبل زحمة صيف» قال: أنا لم أقصد الإساءة للمرأة المصرية فى «قبل زحمة صيف» ولا يستطيع أحد أن يجرنى لهذا المعترك، فأنا قدمت بطلة الفيلم كنموذج لامرأة مطلقة رأت أن تهرب من واقعها ومشاكلها والحالة النفسية التى تعيشها بعد الطلاق لحماية التحرر والبحر والمايوه، وأضاف خان: إن هذا النموذج لا يمكن تعميمه على المرأة المصرية لأن الفيلم فى الأساس رصد حالة إنسانية رأيتها فى الواقع وقررت تحويلها لفيلم لأننى أردت رصد الحالة ولم أشغل نفسي بالتفاصيل.

ورد خان سبب اختياره لـ«هنا شيحة» قائلاً: هنا ممثلة جيدة ورأيت فيها شبهاً قريباً من بطلة الفيلم، ولم أستغل فقط جمال هنا ولكن استغللت موهبتها وثقافتها، ولم أوظف جمالها فقط لصالح الفيلم لأننى لم أقدم سينما بمواصفات تجارية إنما أرصد تفاصيل حالة عشتها فى الواقع ونقلتها للسينما بكل تفاصيلها دون فلسفة أو إسقاطات.

< وسألته الفيلم يحمل الكثير من الإسقاطات لماذا تريد إخفاءها؟

- قال خان: لم أعتمد على الإسقاطات والإيحاءات فى أفلامى لأننى لا أحب سينما الرمزية وإنما أحب العمل بشكل صريح وتميل للواقعية لأن ظروف المشاهدة لا تتحمل طرح قضايا بأبعاد مرهفة، وأضاف خان: اخترت أبطال فيلمى بواقعية لأننى رأيتهم فى السيناريو ولم أر غيرهم فى الشخصيات، وقال: تم توظيفهم بشكل جيد وفوجئت بمستوى أداء بعضهم، وأشاد بالممثلة الصاعدة «لما» وأحمد داود وهنا وماجد.

وقال: عن الممثل الذى قام بدور «هشام» عشيق هنا شيحة إنه تعمد أن يختار ممثلاً غير معروف حتى يكون مفاجأة للجمهور، وأضاف خان: أعتقد أنه كان ممثلاً جيداً.

وعن رؤيته للسينما بشكل عام أكد خان وقتها السينما تمر بحالة تحسن تدريجى وبها تطور جيد فى المضمون والصورة لكن تحتاج إلى دعم كبير من الدولة بشكل مستمر حتى تخرج من أزمتها.

وكان آخر سؤال معه عن خروج الفيلم من مهرجان الأقصر دون جائزة بعد صدمة رفض عرضه فى مهرجان مسقط؟

- قال خان: «مش مهم» عرض الفيلم فى مهرجان مسقط لا يعنينى وليس شرفاً وهو بالمناسبة لم يتم رفضه لكن طلبوا منا حذف بعض المشاهد ونحن رفضنا، وعن صدمة خروجه دون جائزة قال: جائزة الجمهور والنقاد عندي أهم ألف مرة والمهم أكون راضياً عن عملى وسعيداً بالتجربة وأبطالها ونجاحها وطبيعى -والكلام لخان- أن يحدث اختلاف واتفاق على أى عمل والنقد لا يزعجنى طالما نقداً هادفاً وبناءً.

وأشاد بأداء خيرى بشارة التمثيلى قائلاً: نوع من المداعبة معه».

وعن سر رفضه العمل فى الدراما، قال خان: اتعرض علىَّ أعمال كثيرة لكنها مسألة صعبة بالنسبة لى أن أظل أصور مسلسلاً لمدة ثمانية شهور فهو إرهاق شديد، لكن الفيلم مركز وتفاصيله دقيقة وهى معادلة صعبة أحب العمل فيها وأعشق جنونها وبساطتها لأن السينما تاريخ يحفظ فى الأرشيف وصعب سقوطه.

وعن سر تعاونه مع زوجته وسام سليمان؟ أكد: نلتقى فى أفكار كثيرة ونحسها ونعيشها فلماذا لا نحولها لسينما، خاصة وأنها تحمل أفكاراً مهمة.

الوفد المصرية في

28.07.2016

 
 

ريهام مهدي تكتب:

سلام على من عبروا بـ”خفة” بعد أن حكوا عنا كما لم نخبر أحدا قط

​حين قدم “محمد خان” في فيلمه “في شقة مصر الجديدة” كادر “تهاني” وهى تقف وحيدة على رصيف المحطة وبجانبها لافتة كبيرة “القاهرة” تبدو وكأنها توشك أن تبتلعها، كان يطرق طرقًا خفيفًا على حكايا تشبهنا.. نحن الفتيات القادمات من أشلاء مصر المنسية، الباحثات عن صوت ليلى مراد، فالتهمتنا القاهرة بموسيقاها الصاخبة للمهرجانات، وابتلعتنا بتهشيم أحلامنا الهشة في معركة غير متكافئة لتكسير عظام لا زالت تبحث عن متكيء في عالم يتحدث عنهن دون أن يتكلف العناء أن يراهٌّن بالفعل.

نحن القادمات من عوالمنا المغلقة نمارس فعل الانتظار المتأفف على أرصفة الحياة، نعود إلى القاهرة التي تصفعنا بـ”أول” قلم في وسطها الشهير، فندرك مدى صعلوكيتنا ويتفتح وعينا الغض على الشر والأذي الذي يمارس بأريحية وبالمجان في العالم، ونئن في صمت لأننا نعرف أننا لا نستطيع أن نعود إلى مدينتنا، فنروي خيباتنا، ولا نعرف السبيل إلى النجاة في شبكتها العنكبوتية سوى ممارسة مهارة الطفو أكبر قدر ممكن.

نعود إليها لا لنفصح عن سادية أرواحنا، بل لأننا صرنا جزءًا من لعنتها، كما صورها لنا “خان”.

جزء من صخبها.. ألمها.. خذلانها.. دوائرها التي لا تنتهي من الفراغ، والصخب في آن واحد، بل وعفاريتها أيضًا.. شققها المسكونة بأرواح قادرة على الغناء في عتمة الليل. فتوقظ شياطين الروح التّواقة إلى معرفة ما وراء الحكايا.

نعود إليها مكرهين تارة، ومحبين تارة أخرى، نحن فقط نعود فهى جزء من لعنتنا، هي جزء منا. حتى وإن تحولت للافتة كبيرة تلتهمنا في كل مرة، نتخلف فيها عن قطار نتمزق بين محطاته بين ما يتوجب علينا العودة إليه وبين ما نود أن نهرب منه، لنكتشف ذواتنا.. نعود ونحمل ذات بوصلة الروح التي تستعد في كل عودة لأن ترتج عقاربها تيهًا وكشفًا.

**********

إبرة وخيط.. ورحم:

​يحدث أننا حين نستعد للرحيل في أولى طلعاتنا الشكفية لاكتشاف عالم أكبر من عالمنا الضيق، يهيء لنا أننا استعددنا تماما لما ينتظرنا.. حين يسأل البطل البطلة ساخرًا: “إنتي شايلة إبرة وخيط في شنطتك من المنيا؟ “يفتح”خان” عينًا سحرية تنظر داخل ذواتنا نحن الفتيات اللاتي لكي نوحي لمن حولنا ألا يقفوا في طريق تخطينا لعتبة الخوف بادعاء أننا مستعدات وحاملات “عدتنا” كاملة.. ينظر إلينا من وراء عدسته السحرية ويضحك من فرط سذاجتنا، فنحن نستطيع أن نحمل بكرة خيط وإبرة للمدينة الكبيرة، في نفس ذات الوقت نتيه تماما عن تذكر الشاحن! الحبل السري الذي يربطنا بالحياة التي نهرب منها.

في جمل بسيطة متتابعة تنساب كتدفق نهر لا يجد صخرة واحدة تحول دون الكشف عن “حكايا” لم نروها لأحد، يقف “خان” وكأنه رأى واستمع للعديد من حكايانا، وعاش دهرًا في حقائب الرحيل التي نحملها على أكتافنا، وربت برفق وبضحكة صافية على سذاجتنا المروعة ونحن نظن أن لدينا ما نريده من “عدة” لمواجهة العالم.

**********

أنا اتزغفت!”:

أن نقع في الحب باختلاف التوقيت المحلي لقاموس اللغة ​بلا أي اصطناع، صنع “خان” مساحة آمنة بين البطل والبطلة، مهدت لأن يجد الحب طريقه إليهما، فقفز بكل خفة فوق أسطورة الحب منذ النظرة الأولى.

اعتقنا “خان” بتفاصيله الدقيقة من قاموس اللغة.. أن ندور في قدسية أن الحب حين يأتي تجد قلبك وقد انخلع من مطرحه، ففي حدوتة الفيلم الحب يأتي بـ”خفة” وبساطة.. بساطة الحوار الكاشف بين اختلاف اللهجات للبطل والبطلة، والتي يتخذها البطل مثارًا للسخرية من تلك الفتاة الساذجة المزعجة القادمة من أقصى الجنوب لتلقي على مسامعه: “أنا اتزغفت”، أو تؤكد له أن هناك “بحرًا” في المنيا، أو تنظر إليه نظرة السيدات العجائز العالمات ببواطن الأمور: “أكيد غارت مني”، لتتركه يضحك على سذاجة الفكرة أنها قد تمثل خطرًا على علاقته.

لكن التعويذة انقلبت عليه، فأحبها بالفعل بالرغم من سخريته المبطنة منها.

​عبر “خان” بخفة فوق أسطورة اللقاء الأول، واعتقنا من قوالب الحب الرتيبة.. كنا ننساب مع أبطال حدوتته بعذوبة، دون أن نسأل لماذا وكيف؟ كنا نرى الحب ونبتسم له وندبدب بأرجلنا كأطفال صغار في النهاية حين لم تنته الحدوتة بنهاية حلوة مش ملتوتة، حيث من المفترض أن يصارح البطل فيه البطلة أنه “بيحبها من زمان”.. تركنا نستشعر الحب كما يحدث في الواقع. بلا مقدمات.. بلا نهاية واضحة.. بلا توقعات، وذلك الحب الذي يجد طريقه للطرق على نوافذ القلب إذا ما تيقن أنها مفتوحة بالفعل لاستقبال صك المحبة.

**********

استلام صك المحبة:

​نحن ننمو وننضج في مجتمعاتنا النسائية، فأما المغلقة منها نهرب بعيدًا عنها، حين تتحول لسياط تجلدنا وتوصمنا بنواقصهن. ونهرب إليها حين تصبح رحمًا آمنًا يعيننا على تلقي الوحي؟ فنستعد لما ينتظرنا خارجها.

حين نخطو أولى خطواتنا في التمرد على دائرة النساء الواصمات، لا نستطيع أن نفعل ذلك دون أن نستبدلها بدائرة نساء تائهات عابرات متمردات أخريات.. نتشاطر معهن مخاوفنا التافهة بدءا من أن تنحشر ثنايا الملابس في مؤخراتنا فنبدو حمقاوات أو مدعاة لسخرية الآخرين، مرورًا بميلنا الغريزي للتجول بملابسنا الداخلية التي لا نتعمد بها الإثارة بقدر ما نمارس حرية مسلوبة في مساحاتنا الآمنة، ونهاية بهوسنا المرضي من أن يتركنا من نحب، فنبكيه ونبكي أنفسنا، ونستدعيه بمحاولات انتحار مصطنعة نعلن فيها بلوغ منتهى اليأس وتهشم الذات الكامل وترجوه للعودة، فتتحقق النبوءة وتعود، فنتشارك جميعنا “زغروطة” فرح كانت بالأمس صرخة نحيب وألم.

لا نستطيع أن نفعل ذلك دونهن.. دون السند الفردي في أبلة تهاني، التي تعدنا أن كتاب الحواديت لم تكن حدوتته ملتوتة، إلى صاحبة السكن والملاذ والخبرة التي توصينا بمواصلة غناء لحن الحب؟ وسيبي قلبك يبقى دليلك، وحبي دون أن تتقيدي بمحطات قطار الأزمنة.

كيف غزلت كل حكايانا ورويتنا هكذا يا “خان”؟

**********

أن تقعي في الحب مع “مش عارف”:

يحيى” البطل عاش قصتي حب، أولاهما مع “داليا” التي تقدم نموذج الفتاة التي تؤمن بحريتها وحقها في علاقة مفتوحة مع شريك لا تطالبه بمسئولة مباشرة، سوى أنها تقرر في لحظة ما أن ترتقي بالعلاقة لما تريده حقًا “طفل”.

يفاجئها “يحيى” بارتباكه وحيرته ورسمه لدوائر من فراغ.. يبحث فيها عن ذاته دون أن يمنحها معنىٍ واضح.. ماذا يريد بالفعل؟

والقصة الثانية عاشها مع “نجوى”، والتي يبدو أنه أحبها بالفعل بالرغم من احتقاره لوجودها في حيز حياته في البدء، ولكنه يعود فيرتبك ويكتفي أن يصل بها لمرفأها الآمن، ويتركها تمضي دون أن يستبقيها، أو يحاول ذلك.

اتخيل كثيرًا جزءًا ثانيا للفيلم، سيبدو مملًا ورتيبًا بشكل متعمد، ليصف “يحيى” الذي يمارس فعل الحياة من خلال الارتباك والتوحد مع جملته الشهيرة في الفيلم: “أنا مش عارف أنا عايز إيه! “

لم يكتف “خان” بنموذج “يحيي” اللي “مش عارف”، لكنه من ناحية أخرى، قدم لنا الحب بزاوية رجالي أخرى، لكنه ليس من جيل أصغر.

المحبون الوحيدون، كانوا أناسا فوق الخمسين عايشين ع الماضي.. واحد عايش على ذكرى مراته اللي ماتت، وواحد عايش على ذكرى حبيبة محبتهوش، بس هو حبها لمدة 10 سنين، ولما اتفارقوا بعتلها “فات المعاد” على شريط كاسيت، فإيقاع العنصر الرجالي في قصص الحب في الفيلم إيقاع “ممل”، وكأنه عايز يقول لربما أن الرجل في حبه مرتبك لدرجة الملل؟ أو بالأخص حين يكون الرجل “مش عارف” أو حتى لما بيعرف يمارس سرعة خاصة به وحده، قادرة أن تفقده فرصة الحب حين تسنح له تارة أخرى، كما حدث مع “عيد ميلاد”.. لربما.. لا شيء مؤكد سوي أنه حدث.

**********

ولادة:

​يأخذك الفيلم لرحلة “نجوى” للقاهرة للبحث عن أبلة تهاني/ رمز الحب، أو لربما هي رحلتها الخاصة، إنها تكتشف وتختبر تعريفها للحب اللي صدقته من صوت ليلي مراد وهي بتقول: أنا قلبي دليلي.

قلب نجوى كان دليلها في هذا المشهد، لأنها بكت في لحظة تستوجب الفرح.. البكاء الذي يليق بعظمة لحظة ولادة للحياة.. هي مارتبتش تعيشها.. هي اتحطت جواها وبقت جزء منها، فالحياة منحتها سرها المقدس.. سر التحول الإنساني الهش اللي بيكشفك قصاد روحك بلا أي مقاومة.. إن الحياة ذاتها هي المعجزة.. السر.. الأيقونة. الطفل لما بيتولد بيبكي، لأنه بياخد صك الحياة ومعجزتها، وهنا بيسلم الصك ده لتهاني؟ فبتبكي وهي بتتلقف منه السر.. الحياة في لحظتها الهشة الموجعة اللي بتستجلب البكا ليكون أكثر صدقًا من الفرح ذاته، فتقترب عدسة الكاميرا مع عدسة روحك، وتتعرى بفعل هشاشة اللحظة وتتوحد وتبكي.

تهاني في مشهد البكا المصاحب للدهشة المرافق لمعجزة أنك بتشوف حياة بين إيديك وبتحس بقيمة كل الأشياء الصغيرة.. البكا.. إنها لربما كانت حتة منها بتتمنى إنها تكون أم، واللي الفيلم ماقلناش برضه هي كانت عايزة تبقى أم، وأكيد ده يليق بفتاة في الـ 30، لازم بعرف مجتمعها تتجوز أم لا؟ والحقيقة إن كويس إن الفيلم ماقلناش على جزئية الأمومة دي، علشان يخلينا نكمل خيال إن رحم الست مش بيتهيأ لمنح الحياة إلا لما هي نفسها تتهيأ لفعل الحب، وتلاقي تعويذتها الخاصة به.

ولربما علشان “خان” يفضل يدهشنا بمعرفته عن عالم الست في لحظتها الهشة وتأرجحها بين احتياجها إنها تكون أم وفي نفس الوقت عجزها إنها تحقق ده.

إزاي دخل في رحم “الست” وعرى هشاشتها كده؟ لا يوجد سوى تفسير واحد: أن حبه للحياة اللي أكبر من تصنيف راجل وست، كان كبيرا ومتصالحا لدرجة أن الحياة نفسها إدتن سرها، فبقت مية روحه لاقطة كل خفايا الست.. الجسد اللي مايشبهوش من بره، لكنه متبحر في عمقه لدرجة مخيفة ومريحة.. وكاشفة.

**********

نهاية التعويذة:

يسطر “خان” في نهاية حدوتته إلقاء التعويذة على المشاهدين، ليستكمل مشهدًا قدمه العظيم شارلي شابلن في فيلم “أوقات حديثة”، حين نمضي في نهاية العالم بلا طعام، بلا عمل، بلا سند.. حين يعبر الفرح بجانبنا دون أن نكون جزءًا منه.. سنعبر فقط حين يتكأ أحدنا على الآخر.. حين لا نكف عن ترديد تعويذة الحب (0125136240).

فسلام على روح أحبت الحياة، فصاغت تعويذتها، وروت عنّا حكايانا، فبادلتها الحياة، وبادلناهم حبًا مضاعفًا.. سلام على من عبروا بـ”خفة”.

موقع (زائد 18) المصري في

29.07.2016

 
 

فضيلة السينمائي ورذيلة المفتي

وائل قنديل*

ماذا سيحفظ تاريخ المصريين للمخرج السينمائي محمد خان؟ وماذا سوف يذكر لمفتي العسكر، علي جمعة؟

ترك محمد خان عشرات الأعمال السينمائية التي تحترم الإنسان، وتبحث عن الحق والخير والجمال، وتصون دماء البشر، وتحاول ملامسة ذلك الجزء الشفاف في البشر، ليرتقوا ويتحضّروا، ويصيروا أكثر إنسانية.

بينما علي جمعة، صاحب رصيد هائل من فتاوى القتل والتحريض على الكراهية والعنصرية، وسحق الفرد تحت أحذية السلطة العسكرية المستبدّة، ومخاطبة الجزء المعتم في الشخصية، كي يلقي حممه من القبح والبذاءة والإسفاف، حبّاً في الوطن.

مثال الوطن عند محمد خان إنساني ومتحضّر، وساعٍ إلى الحرية والعدالة والبساطة والعذوبة الإنسانية، لكن وطن علي جمعة مبتذل ومزيف وباطش في سعيه إلى تكريس العبودية للسلطة واستعذاب الجهل والرداءة.

أعمال مثل "زوجة رجل مهم" و"ضربة شمس" و"فتاة المصنع" هي بالضرورة أجمل وأحٓبّ إلى الله ورسوله والمؤمنين، من فتاوى علي جمعة التي تدغدغ غرائز السلطان، وتلاطف صلفه وغروره، وتحتقر حق الناس في الحرية والاختيار والتعبير.

في "زوجة رجل مهم"، اقترب محمد خان من جوهر الضابط المصاب بكل أمراض التسلط والطغيان، فعرّى شخصيته وسبر أغوارها، منتصراً للإنسان، من دون افتعال أو اتجار أو تصنّع، بينما اقتراب علي جمعة من الضباط يتأسّس على التزلف والخضوع الأجير لسلطتهم ومغازلة جبروتهم، بخلاعةٍ لا تليق بمن يحملون لقب "فضيلة الشيخ العلامة".

في كف محمد خان، ترتسم خيوط الفضيلة، بينما في كفي "إمام الطغيان" دماء ضحايا، وعلى حنجرته تتكدّس تلال من رذائل القول والرأي، يكفيه منها أنه سوّل للسلطة قتل معارضيها بالآلاف، ثم راح ينهش في جثث الضحايا والشهداء.

في آخر إبداعات علي جمعة شريط مصوّر عن الدعارة في تركيا، إذ لم تمنعه ملابس المفتي وعمامته ووقاره من وصم دولة كاملة بأنها داعرة، ونعت رئيسها بأنه "داعر"، بعد أن يسبّه بألفاظٍ، لن تجد لها مثيلا إلا في السينما التجارية الغارقة في الابتذال وانعدام القيمة، تلك السينما/ الخطيئة التي لم يقع فيها محمد خان، ولم يتلوّث بها أبداً.

في "أحلام هند وكاميليا" و"فتاة المصنع" كان محمد خان راقياً ونبيلاً وأخلاقياً وفارساً، وهو يقدّم شخصية المرأة المفقيرة المطحونة المغلوب على أمرها، المقهورة، حتى السقوط، منتصراً للفضيلة، مدافعاً عن الجزء النقي في الكائن البشري، بينما علي جمعة يتحدّث تلفزيونيا، عن دقائق عالم الدعارة وتفاصيله، موظِفاً أكاذيبه وسفاسفه لخدمة سلطانه، العسكري، طاعناً في شرف شعبٍ بالكامل، أذهل الدنيا بصموده في وجه انقلاب عسكري، مدعوم من كل أشرار العالم.

يمكنك أن تحصي أمام كل فيلم لمحمد خان يناضل فيه بلغة فنية شديدة النظافة، انتصارا لحياة أرقى، فتوى للشيخ العسكري المعمّم تدفع بالناس إلى استحسان القبيح، والتعايش مع الرديء، وتقديس التحالف الكريه بين الفساد والاستبداد، بلغة شديدة الاهتراء والتهتك.

أسهمت أفلام محمد خان في تحرير المواطن، رجلاً وامرأة، من الاستسلام لعبادة السلطة والمادة والرضوخ لقيم بيع النفس والجسد والكلمة بانحيازها، بينما ساقت فتاوى علي جمعة رجالاً ونساء إلى ظلام القبور والسجون، بانحيازه المبدئي لسلطةٍ ساحقةٍ إنسانية الإنسان وحقوقه في الكرامة والعدل والحرية.

باختصار، تحضّ أفلام محمد خان على الفضيلة، وتحرّض على الحرية، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بينما تحض فتاوى علي جمعة على الرذيلة، وتحرض على العبودية للسلطة، وتأمر بالفاشية وتنهى عن العدل.

لذلك كله وغيره نقول: وداعاً فضيلة عبقري السينما محمد خان، وليرحمنا الله من إسفاف مفتي الديار السلطوية ورذائله.

*كاتب وصحفي مصري، من أسرة "العربي الجديد"

"أحلام هند وكاميليا"

معن البياري*

لو لم يصنع محمد خان غير "أحلام هند وكاميليا" (1988)، لكفاه هذا الفيلم في وضع اسمه واحداً من أعلام السينما العالمية (نعم العالمية). وأظنه صحيحاً أنّ هذا العمل اللافت في مسار السينما المصرية أحبّ أفلامه إليه، ولا سيما أن خان نفسه هو من كتب السيناريو وقصة الفيلم، وقد ذكر، في إحدى مقالات كتابه "مخرج على الطريق" (القاهرة، 2015)، إن خادمةً كانت مربيةً له في صغره، اسمها هند، هي التي أوحت له فكرة الفيلم الذي تخصّ وقائعُه خادمتين في المنازل، ولصاً طريفاً في حارة مصريّة شعبيّة. وكتب خان إنه أراد جمع فاتن حمامة وسعاد حسني في شريطه هذا، إلا أن قلة حماس الأخيرة لدورها إحدى الخادمتين الصديقتين جعله يُعرض عن محاورة فاتن حمامة بأمره. كان ذلك قبل أن تصير نجلاء فتحي، شفاها الله ومتّعها بالصحة، نجمة الفيلم، فأدّت دورها الاستثنائي الشهير فيه، والذي نالت عنه جائزة أحسن ممثلةٍ في مهرجان طشقند. كما أبدعت زميلتها، عايدة رياض، في دورها الذي تكامل مع الطاقة التمثيلية الفريدة لنجلاء فتحي، فكانتا خادمتيْن في المنازل، في ظروفٍ معيشيةٍ مطحونةٍ اجتماعياً، وفي بيئةٍ من القهر والحرمان العاطفي. أما أحمد زكي، والذي عمل في ستةٍ من أفلام محمد خان، ففي الوسع الزّعم، هنا، أنه تفوّق، في دوره في هذا الفيلم البديع، باقتدارٍ بالغ، فزادت نجوميته لمعاناً. 

ولمّا كان صحيحاً أن أغلب أفلام محمد خان، الواحدة والعشرين، حقّقت المعادلة المشتهاة، رضى الجمهور ورضى نقاد السينما، أي الجماهيرية الشعبية وتحقيق الحرفيّة الفنية، التجريبية المغامرة أحياناً، فإن "أحلام هند وكاميليا" هو المثال الأوضح في هذا الأمر. ومع وفاء المخرج الذي خطفه الموت، الثلاثاء الماضي، لنزوعه إلى الخط الكلاسيكي لمسار القصة في أفلامه، ومع ميله المعلوم، في سيرته الإبداعية، إلى سينما الشخصيات، لا الحكايات، فإنه، في هذا العمل، وازى هذيْن الأمرين، وغيرهما من خياراته الفنية الحاضرة في أفلامه، مع صنع اللقطات التي تمكّن فيها من تظهير جوانيّات شخصياته ودواخلها على الشاشة، فأحدثَ تعاطفاً وفيراً من المشاهد تجاه ما يراه، من دون السقوط في الميلودراميات الشعبية والشعبوية (كان محمد خان يسخر كثيراً من السينما الهندية إيّاها). وذلك في إيقاعٍ سار عليه الفيلم، اعتنى بتفاصيل الأمكنة، في الأزقة والبيوت المتواضعة والحارات والشوارع. وفي الأثناء، ساهمت موسيقى عمّار الشريعي بإشاعة الإيحاءات التي أراد محمد خان أن يرسلها، أو يعبّر عنها، أو ربما يصدم مشاهد الفيلم بها، فصار ممكناً أن يُحسب "أحلام هند وكاميليا" سيمفونيةً شفّافة، تلتقي فيها الأحلام المشتهاة وأحزان الحال المعيش، وتتقاطع فيها الإحباطات الثقيلة مع الأفراح الصغيرة، وكذلك البؤس الاجتماعي مع شهوات الذات وأشواقها. تكامُل هذا كله هو ما صنع لهذا الفيلم الذي لا يُنسى مطرحه الخاص في سينما "الواقعية الجديدة" التي كتب كثيرون عن محمد خان واحداً من أعلامها في السينما المصرية. 

يقع الفيلم الذي تنشغل به هذه الكلمات في منتصف مسار محمد خان الاحترافي، والذي بدأ في "ضربة شمس" (1978). ومع سابقيه "زوجة رجل مهم" (1988) و"عودة مواطن" (1986)، يمكن حسبانه المنعطف الذي أخذ المخرج الكبير إلى اختباراتٍ أخرى لملكاته وقدراته. وبكثيرٍ من الحذر، أكتب، هنا، إن التجلي البديع في أفلامه الثلاثة هذه لم يتحقّق تماماً في أعماله اللاحقة، والتي راح فيها يستكشف صيغاً تعبيرية (مشهديةً طبعاً) لحساسياتٍ جديدة طرأت في المزاج العام، الشعبي والنقدي، غير أنه ظلّ محافظاً على ولعه بأن تكون التفاصيل الإنسانية البسيطة مشاغله الأولى دائماً. .. كان حلم الخادمتين الصديقتين، هند وكاميليا، أن يريا البحر. ولمّا عثرا على الجنيهات التي كان قد سرقها خطيب إحداهما، السجين في نهايات الفيلم (أحمد زكي)، تذهبان إلى الإسكندرية ليشاهدا البحر... هناك تصبحان ضحية سائق التاكسي السارق، ثم ينتهي الفيلم بمشهد البحر أمامهما .. وأمامنا. 

*كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".

العربي الجديد اللندنية في

29.07.2016

 
 

وداعـًا.. محمد خان

يكتب: د.حسام عطا

رحيل المخرج الكبير محمد خان (26 أكتوبر 1942 - 26 يوليو 2016) هو رحيل لعلامة شعورية وفنية لجيل السبعينيات وامتداده الثمانينى، هو مدرسة خاصة انحازت للسينما الجميلة وللناس وللقيم الوطنية، خان الذى طاردته أزمة الحصول على الجنسية المصرية ظل مفتونا عمره كله بمصر، هو صاحب إدراك خاص للمدينة، ووعى شديد الخصوصية بالقاهرة، كان انحيازه للناس بمثابة انحياز لمعنى الشعر السينمائى عنده فالبشر العاديون وتفاصيلهم الصغيرة هم جوهر عمله السينمائى، ورغم انخراطه فى اليومى والمعاش، إلا أنه يستطيع التقاط السمات السياسية العامة للمرحلة ليصبح واحدا من كتيبة المقاومة الوطنية فى السبعينيات، التى عبر عنها فى أفلامه العديدة، ضربة شمس (1978) - الثأر (1980) - طائر على الطريق (1981) - موعد على العشاء (1982) نصف أرنب (1982) - الحريف (1983) - مشوار عمر (1985) - خرج ولم يعد (1984) - عودة مواطن (1986) - زوجة رجل مهم (1988) - أحلام هند وكاميليا (1988) - سوبر ماركت (1990) - فارس المدينة (1991) - مستر كاراتيه (1992) - الغرقانة (1993) - يوم حار جدا (1995) - أيام السادات (2001) - كليفتى (2004) (فيلمه الوحيد المصور بتقنية الديجيتال) - بنات وسط البلد (2005) - فى شقة مصر الجديدة (2007) - فتاة المصنع (2014)، هى رصد لشخصيات إنسانية مختلفة واستثنائية، وإن كان الحريف بطولة الفنان عادل إمام هو النموذج الدال على قدرته الاستثنائية على صناعة أبطال من الهامش ليصبحوا فى متن وصدارة المشاهدة السينمائية، فهو يختار بطلا من أبطال كرة الشارع بعالمها السرى ومراهانتها، وهو شاب فاشل يخلص لقيم الحرية الشخصية، إنسانيته المفرطة ضد عالم الانفتاح السبعينى، لكنه يدرك بعد ارتباطه بعالم المال أن زمن اللعب قد انتهى، حياة لا تصنع بطلا لكن سينما محمد خان جعلت من الحريف علامة مرهفة لتحولات المدينة السرية التى هى التعبير عن التفاصيل الإنسانية الصغيرة الشعرية لتحولات السبعينيات الشرسة.

وقد كان الحريف من إنتاج جماعة أفلام الصحبة التى ضمت عاطف الطيب وبشير الديك وسعيد شيمى وداود عبد السيد ونادية شكرى وخيرى بشارة، وهو تعبير عن مقدرة هذا الجيل السينمائى الفذ على التضامن وخلق مصادر إنتاج خارج نطاق السوق التجارية، وهى حالة من المحبة والمنافسة رفيعة المستوى، كان قلبها الجوهرى محمد خان الدافئ الصادق البسيط، رحمه الله المصرى الجميل صانع الأحلام السينمائية وأسكنه فسيح جناته.

روز اليوسف اليومية في

29.07.2016

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)