منذ باكورته «ضربة شمس» (1978)، دخلت أفلامه ذاكرة السينما
المصرية. أحد أبرز روّاد الواقعية الجديدة، التحق فجر أمس بعظماء
الفن السابع، منهياً رحلة استمرت لحوالي 50 عاماً مثّلت مع تجارب
أخرى نواة أهم الإنتاجات التي صنعت درراً في التراث السينمائي
العربي. برغم الوجع الذي سكن قلبه طوال سنوات حرمانه الجنسية
المصرية التي لم يحصل عليها إلا قبل عامين فقط، بقي المخرج
الباكستاني الأصل ذلك الرجل المدفوع بشغف التجريب، تاركاً لنا
سجلات لأماكن القاهرة، مانحاً شخصيّاته البسيطة والهامشية أبعاداً
نفسية غير مألوفة
القاهرة
| هل
هي من مفارقات القدر أم أنّها صدف أن يكون شهر تموز (يوليو) شهر
رحيل العظماء؟ فيه رحل المخرج والسيناريست الكبير رأفت الميهي
العام الماضي، وفي مثل هذا اليوم من عام 2008 رحل أيضاً الرائع
يوسف شاهين.
وفجر أمس، صعدت روح محمد خان (1942 ــ 2016) في «مستشفى الأندلس»
في ضاحية المعادي في القاهرة، إثر أزمة قلبية مفاجئة داهمته في
بمنزله.
رحل «خان السينما» فجأة، من دون مقدّمات، تاركاً وراءه صدمة كبيرة
في الوسط السينمائي. يصعب أن يصدّق أحد حتى هذه اللحظة أن قلب خان
توقف عن النبض. جميع محبيه وتلاميذه وعشّاق سينماه يعتقدون أنّه
واحد من «مقالبه»، وأنّه قد يظهر فجأة ليمازح الكل بطريقته وضحكته
المجلجلة المألوفة.
كل من مشوا في الجنازة إلى مقابر الأسرة في منطقة المعادي أمس، لم
يصدقوا أنّه كان محمولاً في هذا النعش، بينما كان من الممكن أن
ينتظروا إطلالته الصباحية الافتراضية على فايسبوك، ليحكي عن فيلم
شاهده، أو يعلّق على مسلسل يتابعه بشغف، أو ينشر صورة لفطوره
اليومي.
«خان
هل حقاً رحلت، أم أنّك تصنع أحد مشاهدك؟». هذا هو لسان حال كل من
حضر الجنازة، فيما المشاعر تتباين ما بين صدمة الرحيل، والحب،
والحنين الجارف لسينما محمد خان التي مثّلت وجدان جيل كامل، بل
أجيال متعاقبة في مصر والعالم العربي، والتي يُعاد اكتشافها يوماً
بعد يوم.
يعد خان واحداً من أهم مخرجي الواقعية الجديدة. مثّل مع جيله من
السينمائيين المصريين كخيري بشارة، وعاطف الطيّب، ودواد عبد السيد،
وبشير الديك، ومدير التصوير سعيد شيمي، والمونتيرة نادية شكري،
نواة أسست وأطلقت عدداً من أهم الأفلام بجهود ذاتية ورغبة خالصة
للفن السينمائي. إنّها الإنتاجات التي صنعت دُرراً في التراث
السينمائي المصري والعربي، برغم الوجع الذي ظل يحمله في قلبه
لسنوات لحرمانه الجنسية المصرية التي لم يحصل عليها سوى منذ عامين
فقط، مع العلم بأنّه مصري حتى النخاع، وتربى في أعرق أحياء
المحروسة وأقدمها.
روى لنا ذات مرة كيف كان يجوب «حي الحسين» الأشهر والأقدم، حيث نشأ
وتربى وسط أسرة كانت عاشقة لمصر؛ والده تاجر الشاي الباكستاني الذي
أتى وافدًا إلى القاهرة حيث أحب مصرية وتزوّجها. سكن الأب القاهرة
وأسكنها قلب ابنه محمد خان الذي ولد فى 26 تشرين الأول (أكتوبر)
عام 1942. يحفظ خان القاهرة جيداً، وتحديداً وسط المدينة الذي
يحفظه «شارع شارع» و«دكان دكان». يصف كيف كان يجوب الشوارع ليلًا
مع رفيق عمره وصديقه الذي تربى معه سعيد شيمي، ويتحدّث بتدفق يحسد
عليه عن أماكن السهر والأكل. لذلك، كان المكان حاضراً في سينماه،
وهو ما برز في كل أفلامه تقريباً بدءاً من «ضربة شمس» (1978)،
وصولاً إلى فيلمه الأخير «قبل زحمة الصيف» (2015). كل لقطة تحمل
روح خان وتؤكد أنّ الأماكن تشبه من يسكنونها، وأنّ الشوارع تترك
بصماتها على الوجوه. فهو واحد من المخرجين القليلين من أصحاب
الأسلوب المميز. أسلوب لا ينبع من تكريس لنمط بعينه، بقدر ما تضفي
روحه على الأفلام ذلك الملمح الذي لا تخطئه العين أو الروح.
ينطبق هذا أيضاً على محمد خان الإنسان الذي يمتلك حضوراً خاصاً
ومميزاً، من الصعب أن تخطئ صوته أو طلته. هو ذلك الطفل العاشق
للسينما الذي يفتش عنها في كل مكان. بعدما كان يدرس الهندسة
المعمارية في لندن، ترك خان هذا الإختصاص من أجل السينما، ليلتحق
بـ «مدرسة لندن لتقنيات السينما» (1963) في إنكلترا. في الوقت
نفسه، عمل في أحد محلات الملابس المخصصة لبيع الـ «جينز» لأنّه بات
مطالباً بتحمّل تكاليف معيشته ودراسته بعدما اختار طريقاً آخر غير
الهندسة. منذ تلك اللحظة، أخلص خان للسينما ولم يقبل المواءمات
الفنية أو التنازل عن مشاعره وأحاسيسه التي كانت تشحن أفلامه
وتجعلها أقرب إلى المتلقي. في إخلاصه للفن السابع، ظهرت ملامح
ثابتة عدّة لأعمال خان الذي يُعدّ أحد المخرجين الذين يقدّرون
جيداً قيمة الممثل. كان يراهن دائماً على إخراج أفضل ما في
الممثلين، لنُفاجأ بأنّ عادل إمام مع خان يحلّق في منطقة أخرى من
الإبداع. الحالة نفسها بالنسبة إلى نجلاء فتحي، وميرفت أمين، أما
سعاد حسني وأحمد زكي فهما حالة نادرة في سينما خان، وصولاً إلى
نجمات الجيل الجديد، من بينهن غادة عادل في «في شقة مصر الجديدة»
(2007)، وياسمين رئيس في «فتاة المصنع» (2013)، وآخرهن هنا شيحا في
«قبل زحمة الصيف».
إحساس راقٍ بالمرأة، و«أميرة» و«منى» و«هند» و«كاميليا» شخصيات
نسائية خالدة صاغها بروحه وبوعيه
كل من زار خان في منزله، كان يصحبه إلى ما يُطلق عليه «الصومعة»
التي تضم مكتبته الثمينة والمنوّعة لأفلام وكتب من مختلف بلدان
العالم، وسينمات متعدّدة الاتجاهات. في آخر لقاء لنا معه داخل
«صومعته»، كان خان يضع على منضدة صغيرة كتاب إبراهيم عبد المجيد
الجديد «هنا القاهرة»، الذي يؤرخ ويحتفي بأماكن شهيرة في المدينة،
الأمر الذي يتسق مع احتفاء خان أيضاً بالمكان في إبداعاته، وهو ما
يمثل أيضاً نقلة في الصورة السينمائية عربياً.
أما أجمل ما قد يميّز سينما خان، فهو شخصياته الحيّة التي تشعر
بأنّها تحمل جزءاً منك. مدفوعاً بشغف التجريب، أوغل محمد خان في
أعماق شخصياته البسيطة والهامشية متخطياً الطرح النمطي والتقليدي
لأبطال السينما المصرية. يضاف إلى ذلك إحساسه الراقي بالمرأة التي
سجّلت حضوراً بارزاً في أفلامه طوال مشواره الفني الذي امتد لأكثر
من 50 عاماً.
كان يرى أنّ المرأة مظلومة، مؤكداً أن من يضع القوانين هو الرجل،
ومن ينفذها هو الرجل أيضاً. لذلك، تظل المرأة مظلومة ومقهورة، حتى
لو وصلت إلى أعلى المناصب كما قال مرّة: «يكفى أن هناك دولاً فى
منطقتنا العربية لا تستطيع الفتاة أو المرأة فيها أن تقود دراجة،
وحتى لو يبدو ذلك تفصيلاً «تافهاً»، لكنّه يعكس وضعاً اجتماعياً
متردياً يعامل المرأة على أنّها مواطن درجة ثانية. أعتقد أنّ ما
زاد الأمر سوءاً هو دخول الدين في السياسة، وهو ما أفسد الكثير في
حياتنا. بالطبع، انعكس ذلك على كل الممارسات الاجتماعية». وأوضح
خان أنّه «صحيح أنّنا لا نستطيع أن ننكر أن هناك ظرفاً عالمياً
مليئاً بالتوترات العرقية والدينية، وبالتبعية تكون فيه المرأة هي
الضحية الأولى». من هنا كان الحضور النسائي الطاغي في سينماه.
وهكذا، يصبح خان واحداً من أهم المخرجين في السينما العربية الذين
صاغوا بتفرد شخصياته النسائية وبطلاته اللواتي ينتمين إلى شرائح
اجتماعية مختلفة ومتفاوتة. ترك لنا شخصيات نسائية لا تنسى، فالمرأة
في سينماه فاعلة وقادرة وشخصية محورية تحرّك الأحداث مهما كان مدى
القهر الذى تتعرّض له، أبرزهن: «نوال»، و«منى»، و«هند»، و«كاميليا»،
و«أميرة». مرّت شخصية «نوال» بمراحل وتحوّلات متشعّبة جسّدتها سعاد
حسني في فيلم «موعد على العشاء» (1981). هي المرأة المتزوجة برجل
لا تحبّه، كما حال الكثيرات، تخشاه وتخاف منه طوال الوقت وتسعى إلى
الطلاق وتنجح في ذلك. ينتابها شعور بالتحرّر من واقع حياتها
الكابوسية مع «عزت» (حسين فهمي)، إذ تحاول أن تعيش المرحلة الجديدة
من حياتها بروح متحرّرة، وتبدأ العمل في مكتب المحامي الذي ساعدها
في قضية الطلاق. ينسج خان ومعه كاتب السيناريو تفاصيل تلك الحياة.
برغم محاولات «نوال» الدؤوبة للشعور بالحرية حتى بعدما تعرفت على
مصفف شعرها «شكري» (أحمد زكي) الذي عاشت معه معنى الحرية والتحرّر
مؤقتا، إلا أن كابوسها المزعج عاد ليحاصر حياتها بعدما قتل طليقها
حبيبها. «نوال» التي تلجأ إلى القتل للتخلص من خوفها، هي شخصية
فريدة في تكوينها، مليئة بمشاعر مركّبة ومتناقضة وتوجد مثلها
الكثيرات اللواتي تستسلم بعضهن لخوفهن ويتعايشن معه، بينما يقتل
الخوف والعجز عن التحرر الداخلي بعضهن الآخر.
في «زوجة رجل مهم» (1987 ــ سيناريو وحوار: رؤوف توفيق)، جسّدت
ميرفت أمين دور «منى»، الفتاة الرومانسية التى تبكي على أغاني عبد
الحليم حافظ، بينما يركّز خان على نظراتها الحالمة أثناء فترة
المراهقة. فجأة، تتزوج «منى» ضابطاً في أمن دولة، لا يقدّر المشاعر
فيما يعيش على أهمية تلك السلطة المزعومة. تجد «منى» نفسها فريسة
«هشام» الذي يعاملها كملكية خاصة يعزلها عن أهلها، وجيرانها. كل
شيء في حياتها محدد وخاضع لوجهة نظره هو. يصطحبها كزوجة جميلة
يقدّمها إلى رؤسائه وزوجاتهم، ولا يتردد في استغلالها للتجسس على
زملائها من دون علمها، لكن ما لبثت أن تحوّلت «منى» من الفتاة
الحالمة إلى الفتاة السلبية العاجزة عن تغيير الأوضاع من حولها.
ومع كل محاولة للتحرّر، كانت تقع إلى أن تقرّر أن تخرج من تلك
الدائرة من خلال القتل أيضاً، إذ يقتل «هشام» أباها ثم نفسه. أما
«أميرة» (نجلاء فتحي) في فيلم «سوبر ماركت» (1990 ــ سيناريو
وحوار: عاصم توفيق)، فكانت من الشخصيات التي عبّر فيها خان عن
انهيار الطبقة الوسطى. وفي فيلم «أحلام هند وكامليا» (1988 ــ قصة
وسيناريو: محمد خان، وحوار: مصطفى جمعة)، كنا أمام شخصيتين
مختلفتين، حيث تمثل «كاميليا» المرأة المتمردة التي تريد التخلّص
من سلطة الرجل، بينما تمثل «هند» المرأة القنوعة التى تريد الزواج
في أقرب فرصة لتكون ربّة منزل. إلى أن تنتهي رحلة الشقاء التى
سارتا فيها معاً بضياع أموالهما، لكنّهما وصلتا إلى جزء كبير من
أحلامهما، وهو رؤية البحر! برغم تقديم خان بعد ذلك العديد من
الشخصيات النسائية في أفلامه «في شقة مصر الجديدة» (2007)، و«بنات
وسط البلد» (2005)، و«فتاة المصنع»، تظل «أميرة» و«منى» و«هند» و«كاميليا»
شخصيات نسائية خالدة صاغها بروحه وبوعيه.
وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة
«الحرّيف»
الذي غيّر مجرى السينما المصرية
علي وجيه
مع فجر أمس الثلاثاء، بدأ الخبر الكارثي بالتسرّب من داخل مستشفى
الأندلس في المعادي بالقاهرة. قلب محمد خان (1942 ــ 2016) توقف عن
الخفقان من دون مقدّمات. يا لها من فاجعة! الفجر الذي اعتاد صحبة
خان في بداية يومه على مدى عقود، شهد غيابه الأخير.
أحد أبرز مخرجي الواقعية الجديدة في السينما المصرية، بقي شابّاً
نهماً للحياة والعمل طوال حياته. «أنا شاب في سن الـ 73». قالها
ضاحكاً عندما التقيناه إثر العرض العالمي الأوّل لآخر أفلامه «قبل
زحمة الصيف» (2015)، ضمن «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الأخير.
الأستاذ لا يفخر من فراغ. الأرقام تتكلّم عنه: 25 عنواناً خلال 36
عاماً، من دون ذكر الأفلام التي شارك فيها بصفات أخرى، كتدقيق
السيناريو والتمثيل وتقديم المشورة لأصدقاء وتلاميذ وراغبين، فضلاً
عن لمسته في الإعلان (فنّ اللحظة كما أطلق عليه) والفيديو كليب
والفوازير، والمقالات البديعة التي لم يتوقف عن كتابتها في صحف
عدّة.
تشبّع خان بعشق السينما منذ نشأته، سواء في القاهرة التي خبرها
كراحة يده، أو في لندن التي انتقل إليها في مراهقته بسبب عمل
والده. عاصمة الضباب في الستينيات، كانت متفجّرة بالفنون والآداب
ومختلف تيارات السينما والمسرح والموسيقى والموضة. تعرّف إلى
الموجة الفرنسية الجديدة ومثيلاتها في أوروبا. تفاعل مع هيتشكوك
وفيلليني وغودار وتروفو وفيسكونتي والموجة التشيكية. صادف
أنطونيوني في مكتبة، فلحق به وهو يركب السيّارة ليعبّر عن مدى
إعجابه بأفلامه. «المغامرة» (1960) هو الشريط الذي «أكّد لي
نهائياً رغبتي الجامحة في أن أصبح مخرجاً سينمائياً» يقول في أحد
مقالاته. تلك الحقبة كانت «سلسلة من الاحتكاكات بالتاريخ الحديث»،
عاصر في خلالها ولادة تيارات في مهدها، ليأتي إدراك معنى «المخرج»
كقائد حقيقي للفيلم، وليس النجم أو المنتج. بعدها، جاء قرار دراسة
السينما بدلاً من الهندسة المعمارية في «مدرسة لندن لتقنيات
السينما»، التي أصبحت لاحقاً «مدرسة لندن الدولية للفيلم». كل ذلك،
جعل من محمد خان دماغاً قادراً على إدارة صاحبه بنجاح. الذكاء
النقدي رافقه إلى الأبد، وصنع منه سينمائي «اللحظة» المتجدّد
و«الآن وهنا»، سواء في موضوعاته أو خياراته التقنية والإنتاجية. هو
الذي تنبّه مبكراً إلى أهمية سينما الديجتال في «كليفتي» (2004)،
وانتقل بنجاح من المنتج التقليدي (نور الشريف في باكورته الطويلة
«ضربة شمس»، الذي صوّره عام 1978، وعُرضَ عام 1980) إلى التمويل
المشترك بين سبع جهات وخمسة منتجين في فيلمه الأخير. أيضاً، جرّب
تقنيات الغرافيك وحيل الكومبيوتر في الفوازير التي عمل عليها مع
خيري بشارة. هذا دليل على ذكاء الرجل وحيويته وقدرته على مواكبة
متغيّرات الصناعة. في كل الحالات، كان الهدف تمويل أفلام قد لا
تغري المسيطرين على السوق المصرية. هي السينما «الأخرى» التي شغلت
بال خان وجيل الثمانينيات، من أمثال داود عبد السيّد وعاطف الطيّب
وخيري بشارة، إضافةً إلى كتّاب مثل بشير الديك وعاصم توفيق ورؤوف
توفيق وفايز غالي، والسينماتوغرافيين سعيد شيمي وطارق التلمساني،
والمونتير أحمد متولي وزميلته التي ولّفت معظم أفلام خان نادية
شكري. هذه الأخيرة أقنعته بالعودة من لندن التي رجع إليها تأثّراً
بهزيمة 1967، للعمل في مصر. سبق ذلك هروبه من العمل في قسم القراءة
والسيناريو تحت إدارة صلاح أبو سيف، في «الشركة العامة للإنتاج
السينمائي العربي»، إذ طار إلى بيروت ليعمل مساعداً لجمال فارس
ويوسف معلوف وكوستانوف وفاروق عجرمة بين عامي 1964 و1966. آنذاك،
احتكّ بالتقنيات والميدان العملي، رغم أنّ السينما التي ساعد في
إنجازها كانت بعيدةً تماماً عمّا كان يطمح إليه.
تفاعل مع هيتشكوك وفيلليني وغودار وتروفو وفيسكونتي والموجة
التشيكية
منذ الروائي القصير بالأبيض والأسود «البطيخة» (1972) و«ضربة شمس»،
بدأ مشروع محمد خان، الذي تطوّر إلى نوع مستقلّ بذاته. «السينما
الخانية» مصطلح سيجد طريقه إلى الوجود، استناداً إلى فيلموغرافيا
مخيفة في فرادتها وأبعادها الفكرية والجمالية. أشرطة مغرقة في همّ
الفرد وأحلام البسطاء. دراما من لحم ودم وعظام وأسفلت ودمعة وضحكة.
كاميرا لا تفارق الشارع لتوثّق المدينة والريف، وتظهر التداخل
العضوي والسايكولوجي بين المكان والزمان والفرد. قراءة فكرية لحقب
وتبدّلات وشرائح. أكثر من ذلك، لا بدّ من تحقيق الربح من أجل
الاستمرار. مَن هذا الغول السينمائي الذي صدم مشهد الثمانينيات
بعناوين من طراز «موعد على العشاء» (1981)، و«خرج ولم يعد» (1984)،
و«مشوار عمر» (1986)، و«أحلام هند وكاميليا» (1988)، و«زوجة رجل
مهم» (1988)؟ مهلاً، لدينا أيضاً ثلاثية الفارس. بطل بنفس الاسم
«فارس» والتاريخ والصفات، لعبه كل من أحمد زكي في «فارس على
الطريق» (1981)، وعادل إمام في «الحرّيف» (1983)، ومحمود حميدة في
«فارس المدينة» (1993). سواءٌ أكان سائقاً أم لاعب كرة قدم أم
ثريّاً مفلساً، فإنّه حرّ، صاحب قيم خاصّة، وقضيّة يصارع الدنيا في
سبيلها. «فارس» باحث عن الخلاص، وأحياناً سداد الدين، بأيّ ثمن، في
عصر الانفتاح الساداتي، الذي تعمّق خان في تحليله ورصد انعكاساته
على «أهل كايرو». في دراسته المهمّة «ملامح المشوار السينمائي عند
المخرج محمد خان»، يرى الناقد المصري أحمد شوقي أنّ الفروسيّة أبرز
قيمة تبنّاها خان في أفلامه. إنّها انعكاس لمشوار صاحبها. تتمثّل
في «نوعية السينما التي اختارها، فهي سينما بعيدة عن الذوق
الاعتيادي للمشاهد المصري، سينما لا تستخف به، ولا تداعب عقله
بحبكة مباشرة، أو تدعم القيم الساذجة التي اعتادت الأفلام أن
تدعمها. سينما كانت مهددة في كل لحظة من مشوار صانعها بالفشل، وبأن
يكون الفيلم الذي يصنعه هو فيلمه الأخير، لكنّه تمكن من أن يستكمل
المسيرة فيلماً بعد فيلم، متلاعباً بكل السبل الممكنة حتى لا
يتنازل أو يقدم عملاً لا يؤمن به». في «فارس المدينة»، حلّق خان
بجنونه إلى اللحاق بمصائر أبطال أفلامه السابقة، مختتماً المرحلة
الأولى من مشروعه.
باستثناء «الغرقانة» (1993) و«قبل زحمة الصيف»، لم يغادر خان
القاهرة، وإن بقي تأثيرها ملموساً في شخصيات الفيلم الثاني. حتى في
شريطه المالديفي «يوسف وزينب» (1984)، الذي أنجزه بسبب صداقته
القديمة مع رئيس جمهورية المالديف المحب للسينما، ثمّة حضور
للعاصمة في بعض المشاهد. علاقة خان بالقاهرة كالعاشق بمحبوبته، حتى
لو أنّ البطل «خرج ولم يعد». كاميراه تتحسّسها بِوَلَه ورقة. تبرز
مفاتنها، كذلك تلطّف من زوايا القبح والبشاعة فيها. تربّت كتفها،
وتشدّ من أزرها وقت الشدائد. الضرورة الدرامية لا تُضاهى. الفعل
مضبوط مع قاع نفسي متبادل تأثّراً وتأثيراً. ارتباط الشخصية بحيّها
وخريطة تنقّلها حتمي ومفصّل دون زيادة أو نقصان. مناطق «وسط البلد»
(ضربة شمس – بنات وسط البلد 2005) و«مصر الجديدة» (أحلام هند
وكاميليا – في شقة مصر الجديدة 2007) الأكثر حضوراً في
الفيلموغرافيا.
لم يعلنها صراحةً، ولكن يمكن الجزم بأنّ «أحلام هند وكاميليا» أقرب
أفلام خان إلى قلبه. كتب عن إنجاز حكاية الخادمتين (نجلاء فتحي
وعايدة رياض) مقالات عدّة، مفصّلاً رحلته من الكتابة إلى الكاستنغ
والأماكن والفنّيين. ذلك أنّه أقرب إلى «سينما الشخصية» التي
يفضّلها على «سينما الرواية»، التي تتبع الحدث بالمعنى التشويقي
المعتاد. لنأخذ المرأة مثالاً على تعامله مع شخوصه وفهمه لها. وسط
كل القهر والقمع والمجتمع الأبوي، وجد محمد خان القوّة وروح القتال
في المرأة المصريّة. لم ينتصر لها بالمعنى الحقوقي الشائع، بل
بالموقف من الحياة كلّها. لم يغفل انكساراتها ووقوف أخريات في
وجهها، بل احتمى بالطبيعة البشرية المركّبة التي لا تركن لطرح
أحادي. تبنّى قضاياها وحقّها في الحب، برقّة التصوير وكنوز النظرات
ورهافة الأذن (الاعتناء بشريط الصوت). تحوّلات «منى» (ميرفت أمين)
في «زوجة رجل مهم»، والرقصة الأخّاذة لـ «هيام» (ياسمين رئيس) في
«فتاة المصنع» (2013) مثالان جيّدان للتأمّل. في إدارة الممثّل،
اعتاد إخراج أفضل ما في أبطاله. فُتن بعبقرية أحمد زكي، إذ كان
أوّل من يقفز إلى ذهنه عند كل فيلم. تعاونا في ستة أفلام، رغم كلّ
الاختلافات والمشاحنات التي وصلت إلى الإعلام. كتب عنه يوماً: «أنا
وأحمد زكي يجمعنا برج واحد «العقرب»، فأنا من مواليد 26 أكتوبر
(تشرين الأول)، وهو من مواليد 18 نوفمبر (تشرين الثاني). جمعتنا
زمالة وصداقة فنيّة ناشئة عن إيمان كل منّا بموهبة الآخر. وإن كنتُ
قد قلتُ في مرّة إنّني لو كنتُ ممثلاً لأردتُ أن أكون مثل أحمد
زكي، ردّ عليها بأنّه لو كان مخرجاً لأراد أن يكون مثلي». من
الممثّلات، كانت سعاد حسني هي الأقرب إليه، كذلك أشاد بنجلاء فتحي،
وكثيراً ما استعان بعايدة رياض.
دافع خان بشراسة عن النقد السينمائي العربي، وطالب به مراراً
(الدعم الأدبي). أحبّ سامي السلاموني، وصادق محمد رضا وغيره،
واقترب من جيل الشباب، مواظباً على قراءة كلّ جديد. رأى أنّ 50 في
المئة من طاقة المخرج الإبداعية تُهدر قبل التصوير بحثاً عن
التمويل، يليها 25 في المئة في أثناء التصوير لإقناع العاملين معه
بالانصياع لرؤيته. بعد 75 في المئة «إقناع»، يبقى 25% «إبداع»
لتحقيق رؤية الفيلم. رغم كلّ ذلك، لم يحصل محمد خان المولود لأب
باكستاني وأمّ مصريّة ذات أصل إيطالي، على جنسية بلد الأهرامات حتى
مطلع عام 2014، بقرار جمهوري صادر عن الرئيس المؤقت عدلي منصور.
السينيفيلي الكبير أوصى بأن تأتي الأفلام إليه في حال عدم قدرته
على الذهاب إليها. عندما سمع بمرض أحمد زكي، كتب له: «لا تمت. هناك
أفلام ربّما تجمعنا بعد».
وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة
مات مطمئناً إلى «جنسيته المصرية»
جمال جبران
تأخرت مصر كثيراً في إعطاء محمد خان ورقة تُثبت مصريّته. لقد أخذ
هذا المصري «الكثير» الجنسية المِصرية بعد زمن طويل من الانتظار
والأسى و... المناشدات. أتت تلك «الجنسية» بعدما تجاوز فكرتها خان
نفسه، وقد صار في منطقة أخرى.
وقد نقل مصر نفسها، عبر سينماه، إلى منطقة أخرى. فعل الطيّبون من
أهل الثقافة جهدهم كي ينال صاحب «زوجة رجل مُهم» جنسية تُشبه تلك
التي يحملونها.
لعلّه أمر شديد القسوة حين يتلّقى مُبتكر سينما الألم المصرية
اتصالاً هاتفياً قبل عامين من وفاته من القصر الرئاسي يُخبره
بحصوله على الجنسية المصرية. اكتفى خان بضحكة يبدو الفرح في
ظاهرها، لكنّ السخرية أصلها: كيف تأتي «الورقة» في نهاية العُمر؟!
هي الضحكة نفسها التي أطلقها وكأنّه يعرف جيّداً حقيقة النظام الذي
يتعامل معه وحالة الإهانة التي ينتهجها للنيل ممن يخالفون المسار
الذي يريد لهم أن يسيروا عليه. صاحب «زوجة رجل مهم» إشكالية كبرى
بحد ذاته. يستطيع أن يكون علامة إكس كبيرة وحمراء ساخرة ولاعنة مثل
الأوطان العربية التي تحاكم بنيها على أساس فصيلة الدم والعرق
وتاريخ السلالة. منحته بريطانيا جنسيتها فيما منعتها مصر عنه. في
حوار أجرته قناة «الحرّة» في عام 2007 ضمن برنامج «قريب جداً»
لمقدّمه اللبناني جوزف عيساوي، قال خان: «الجنسية ورقة وأنا مصري
من دون ورقة». وللمفارقة، فإنّ نجله الموسيقي والفنان المعاصر حسن
محمد خان حامل للجنسية المصرية على اعتبار أنّه ابن لمصرية. «تجديد
الإقامة هو شعور بالإهانة»، قال محمد خان. وفوق كل هذا، كان يأتي
بين كل فيلم وآخر لهذا المخرج الفريد من يقول: «يجب أن لا يُعالج
مشاكل المجتمع المصري لأنّه غريب »! كلام يُقال في حق مخرج بثقل
وحجم ومهارة خان. مبدع مجموعة من أجمل ما أنتجته السينما المصرية.
لقد وضع بصمته على السينما المصرية من جذرها وحتى قمة رأسها. في
رصيده أفلام مبتكرة في الشق التصويري، تنزل إلى الشارع وتغوص في
تفاصيل أفقر عناصره البشرية المهملة. أفلام من وزن «الحرّيف»،
و«زوجة رجل مهم»، و«عودة مواطن»، و«أحلام هند وكاميليا»، و«ضربة
شمس»، و«بنات وسط البلد».
والده تاجر الشاي الباكستاني، أتى إلى مصر راغباً في الحياة والعيش
والتجارة، وفيها قدّم لنا محمد خان الذي لم يستقر أو لم يستطع فعل
ذلك بسبب وقوعه في خانة «الفرد الملاحق دائماً». هكذا، تنقّل بين
بيروت وباكستان ولندن واقترح طريقة سينمائية تعرّف كيفية تحويل
«الصرصور» بطلاً.
التصق خان بأطفال الشوارع، وحوّل ظاهرتهم إلى أفلام سينمائية مبهرة
معيداً إليهم الاعتبار ولو على طريقته وبكاميرته. وكان قد تحدّث عن
«التوربيني» وكيف أنّه ينتمي في الأصل إلى أطفال الشوارع وكيف أنّه
كان واحداً من الضحايا. قال خان إنّ طفل الشارع لا مشكلة لديه في
كيفية حصوله على الأكل والشرب، فهذا سهل، لكن المشكلة تكمن في
كيفية تكوين ثقافته الخاصة وتربيته الاجتماعية. أخرج «أيّام
السادات» (2001) لأحمد زكي ونال ما ناله من قدح وذم وتقليب في
كريات دمه الحمراء والبيضاء. تبدو سهلة هنا مهمّة البحث في زمرة
الدم والهويّة، خصوصاً من مناصري ودعاة الناصرية بسبب إعلاء خان
راية السادات. ما يعني أنّه كان ملاحقاً من الجميع، وأنّ كل خطوة
من خطواته كانت ملاحقة دائماً بعين مترصدة ومطاردة بباحث عن زلة أو
علة. لا نقول هنا: «وداعاً محمّد خان»، بل «مرحباً بك في الحياة
مرّة أخرى يا أيّها المواطن الكبير».
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر
| @jimy36@
وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة
إنّه راوي القاهرة الأوّل
سيد محمود
أفكر دائماً في محمد خان كما أفكر في شعراء قصيدة النثر وأحسبه
منهم، فيما أفكر في مجايليه عاطف الطيب وداوود عبد السيد
كروائيَّين، يفضلان دائماً الاشتغال خلف تقنيات سردية والاختباء
وراء استعارات وحكمة الراوي العليم. أما هو، فظل محتفظاً بما يتيحه
المجاز وبما تقدمه «التفاصيل الصغيرة» من ثروات شكلت عالمه الفريد.
أرى أفلامه في سياقها التاريخي وهي تمهد الطريق للشعر الذي كان قبل
سنوات الثمانينيات في الهامش، وبات اليوم في المتن. تتشابه سينما
خان مع القصائد التي كتبها الشعراء الخوارج، فيها الإلحاح على
النبرة الخاصة والرغبة في تأكيد علامات شخصية تبدو كنُدَب صغيرة أو
نقوش على دانتيلا في قميص نوم امرأة ترملت باكراً. في أفلامه يحتل
الصوت مكانة مركزية، دائماً هناك أغنيات في الخلفية أو أصوات
للزحام. زمن معطل يريد إعلان نفسه، ومرثيات تحسبها مؤجلة لكنها
راغبة في الاستيقاظ. هنا لا يختلف خان عن الشاعر اليوناني كفافيس
الذي كان شيخاً للإسكندرية في رؤية العالم، والرغبة في مراقبة
الزوال بعين شاعر المدينة ومؤرخها الذي يرثي ماضيها. ووفقاً لهذه
الرؤية، يمكن النظر إلى محمد خان بوصفه راوي القاهرة الأول. كانت
لديه عين مجبولة بالدهشة شكلت نظرته إلى مدينة القاهرة التي يُعَدّ
مؤرخها الخاص بامتياز، إذ نادراً ما تخلو أفلامه من التجوال في
الشارع. ومن يعيد النظر إلى ما قدمه، يصعب عليه أن يتفادى المسافات
التي قطعها في جغرافيا القاهرة من أقصى جنوبها في حلوان التي تشكل
فضاء رئيسي في «ضربة شمس» (1978) و«بنات وسط البلد» (2005)، و«فتاة
المصنع» (2013)، وصولاً إلى «مصر الجديدة» في فيلم «في شقة مصر
الجديدة» (2007) أو ميادين القاهرة وقاعها في «الحريف» (1983) أو
«أحلام هند وكاميليا» (1988). في هذه الأفلام وغيرها لا يحضر
المكان إلا بغرض مقاومة الزوال والإلحاح على علامات الذاكرة الخاصة
التي بدأها في حيّ عابدين حيث عاش طفولته، قبل أن يغادر إلى لندن.
حين عاد، أدرك صاحب «الرغبة» أن هناك مدينة أخرى تولد في خضم معارك
السبعينيات وأن هناك أجساداً تقمع لمصلحة ثقافة وافدة مع أموال
البترودولار. وفي سعيه للمقاومة لم يلجأ خان إلى الصخب بقدر ما
حاول المقاومة عبر استعادة الأصوات التي رسمت معالم مدينته، مع صوت
عبد الحليم حافظ في رائعته «زوجة رجل مهم» (1987) ومع الكروان
وأحمد عدوية في «خرج ولم يعد» (1984).
كانت كاميرا خان مثل قدم المتسكع في نصوص شارل بودلير أو هنري
ميللر، أحب صاحبها ما يقدمه «العطاء اليومي» للحياة واستثمر فيه
عبر بعث ما هو هش ومهمل. ساعدته على هذا وأكملت رؤيته النصوص
السينمائية التي كتبها معه عاصم توفيق ورؤوف توفيق بما فيها من حسّ
شعري بالعالم. ثم جاءت الأفلام التي كتبتها زوجته وسام سليمان
لتحافظ على هذا الاتجاه ولتؤكد فيه الحس الإنثوي الذي كان طاغياً
منذ بدايات أفلامه التي يسهل فيها أيضاً إدراك تعاطفه البالغ مع
النساء ومجاهداتهن في هذا العالم. تعاطف لا يمكن اعتباره انحيازاً
تقدمياً فحسب، بقدر ما هو موقف إنساني بالأساس، يقوم على احترام
الضعف الإنساني. بهذا المعنى انحاز خان إلى هند وكاميليا وإلى
الأحلام الصغيرة، وانحاز أيضاً إلى مهن كانت هامشية مثل «حلاق
النساء» في «موعد على العشاء» (1981) الذي يتحول فيه الصوت إلى
معطى شعري تواصل مع اهتمام خان بالمهنة التي تتكرر في أفلامه ربما
على سبيل الشغف بالعلاقات الحميمة والمكبوتة في الأسرار الخاصة
التي يمكن أن تجمع امراة مع حلاقها. علاقة تعتمد اعتماداً خاصاً
على الحواس، تأملها خان بنحو مدهش وهو هنا أيضاً لا يفارق علامات
العالم الشعري لكفافيس الذي كان مثله أيضاً شغوفاً بمعنى الرحلة.
وإذا كان كفافيس قد خلد بأشعاره رحلة البحث عن ايثاكا، فقد وضع
محمد خان أبطال أغلب أفلامه («ضربة شمس»، «طائر على الطريق»، «في
شقة مصر الجديدة») في هذا المضمار، فكل أبطاله وبطلاته دخلوا تحدي
اكتشاف الرحلة، ليس سعياً إلى الوصول، بل رغبة في امتلاك نشوة
المحاولة تمثلاً لقول صلاح جاهين «أنا اللي بالأمر المحال اغتوى/
شفت القمر بصيت لفوق في الهوا/ طلته ما طلتوش/ ايه انا يهمني/ وليه
ما دام بالنشوة قلبي ارتوى».
وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة
«25
يناير» جعلته مصرياً
من دون جنسية محلية، كرّس محمد خان شاشته للمجتمع المصري وهمومه،
صانعاً من أفلامه ألبومات للأمكنة والشخوص المصرية. ورغم اختيار
أربعة من أفلامه ضمن أهمّ مئة فيلم مصري، بقي محمد خان لفترة طويلة
من دون الجنسية المصرية التي منحت له بقرار جمهوري عام 2014، بعد
انتظار طويل.
رافقت قضية الهوية مسيرة السينمائي الذي ولد في مصر لأم مصرية وأب
باكستاني، وبقي يحمل طوال تلك المدة الهوية البريطانية، إذ تحوّلت
إلى قضية رأي عام دفعت بمئات المثقفين والكتاب والسينمائيين
المصريين لتوقيع بيانات للمطالبة بمنحه الجنسية أبرزها حملة
«الجنسية المصرية للمخرج محمد خان» التي تلت «ثورة 25 يناير».
الدعوة نفسها أعيدت إلى الواجهة بالتزامن مع افتتاح الدورة العاشرة
من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بعد سنوات من التجاهل لهذه
القضية من قبل حكومات مختلفة. وبينما كان يشارك بالمهرجانات
السينمائية وينال جوائزها باسم مصر، لم يكن خان يخفي شعوره
بالإحباط بسبب حرمانه الجنسية كما عبّر ذات مرّة في بوست على
فايسبوك قبل ثلاث سنوات: «إلى من يهمه الأمر، هل من الممكن لحكومة
الدكتور الببلاوي أن تمنحني الجنسية وأنا في العقد السابع من عمري
قبل فوات الأوان؟».
جوائز
حصل محمد خان على جائزة تقدير ذهبية عن باكورته «ضربة شمس» في
«مهرجان الإسكندرية الدولي» عام 1979. فيلمه «طائر على الطريق»
(1981) نال «جائزة لجنة التحكيم» في «مهرجان القارات الثلاث فى
فرنسا» (1981)، ثم «جائزة لجنة التحكيم الخاصة» في «مهرجان جمعية
الفيلم»، و«جائزة التقدير الذهبية» من «الجمعية المصرية لكتاب
ونقاد السينما» (1981)، والجائزة الأولى في «ليالي الإسكندرية
السينمائية» (1981).
عام 1982 حصل فيلم «نص أرنب» على الجائزة الأولى فى «مهرجان
القاهرة الدولي» مناصفة مع فيلم «العار» لعلي عبد الخالق، ثم حصل
على جائزة أفضل إخراج لفيلم «الحريف» من «جمعية الفيلم»، وفي عام
1984 حصل فيلم «خرج ولم يعد» على «جائزة التانيت الفضي» في «مهرجان
قرطاج السينمائي الدولي». أما فيلم «في شقة مصر الجديدة» (2007)،
فحصد «جائزة أفضل فيلم عربي» في «مهرجان دمشق السينمائي 007»،
و«الخنجر الفضي» و«الجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحفيين» في
«مهرجان مسقط السينمائي» (2008). مثّل «في شقة مصر الجديدة» مصر في
«أوسكار» أفضل فيلم أجنبي عام 2008. أما شريطه «فتاة المصنع»
(2013) فقد استحق جائزتين في «مهرجان دبي السينمائي»، إذ منحه
«الاتحاد الدولي لنقّاد السينما» جائزة الأفلام الروائية، واستحقت
ياسمين رئيس «جائزة أفضل ممثلة» في «مسابقة المهر العربي للأفلام
الروائية». |