كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة

مصر لم تصدّق بعد: هل نحن في فيلم أم جنازة؟

علا الشافعي

عن رحيل

محمد خان..

ملك الشخصيات والتفاصيل الصغيرة

   
 
 
 
 

منذ باكورته «ضربة شمس» (1978)، دخلت أفلامه ذاكرة السينما المصرية. أحد أبرز روّاد الواقعية الجديدة، التحق فجر أمس بعظماء الفن السابع، منهياً رحلة استمرت لحوالي 50 عاماً مثّلت مع تجارب أخرى نواة أهم الإنتاجات التي صنعت درراً في التراث السينمائي العربي. برغم الوجع الذي سكن قلبه طوال سنوات حرمانه الجنسية المصرية التي لم يحصل عليها إلا قبل عامين فقط، بقي المخرج الباكستاني الأصل ذلك الرجل المدفوع بشغف التجريب، تاركاً لنا سجلات لأماكن القاهرة، مانحاً شخصيّاته البسيطة والهامشية أبعاداً نفسية غير مألوفة

القاهرةهل هي من مفارقات القدر أم أنّها صدف أن يكون شهر تموز (يوليو) شهر رحيل العظماء؟ فيه رحل المخرج والسيناريست الكبير رأفت الميهي العام الماضي، وفي مثل هذا اليوم من عام 2008 رحل أيضاً الرائع يوسف شاهين.

وفجر أمس، صعدت روح محمد خان (1942 ــ 2016) في «مستشفى الأندلس» في ضاحية المعادي في القاهرة، إثر أزمة قلبية مفاجئة داهمته في بمنزله.

رحل «خان السينما» فجأة، من دون مقدّمات، تاركاً وراءه صدمة كبيرة في الوسط السينمائي. يصعب أن يصدّق أحد حتى هذه اللحظة أن قلب خان توقف عن النبض. جميع محبيه وتلاميذه وعشّاق سينماه يعتقدون أنّه واحد من «مقالبه»، وأنّه قد يظهر فجأة ليمازح الكل بطريقته وضحكته المجلجلة المألوفة.

كل من مشوا في الجنازة إلى مقابر الأسرة في منطقة المعادي أمس، لم يصدقوا أنّه كان محمولاً في هذا النعش، بينما كان من الممكن أن ينتظروا إطلالته الصباحية الافتراضية على فايسبوك، ليحكي عن فيلم شاهده، أو يعلّق على مسلسل يتابعه بشغف، أو ينشر صورة لفطوره اليومي.

«خان هل حقاً رحلت، أم أنّك تصنع أحد مشاهدك؟». هذا هو لسان حال كل من حضر الجنازة، فيما المشاعر تتباين ما بين صدمة الرحيل، والحب، والحنين الجارف لسينما محمد خان التي مثّلت وجدان جيل كامل، بل أجيال متعاقبة في مصر والعالم العربي، والتي يُعاد اكتشافها يوماً بعد يوم.

يعد خان واحداً من أهم مخرجي الواقعية الجديدة. مثّل مع جيله من السينمائيين المصريين كخيري بشارة، وعاطف الطيّب، ودواد عبد السيد، وبشير الديك، ومدير التصوير سعيد شيمي، والمونتيرة نادية شكري، نواة أسست وأطلقت عدداً من أهم الأفلام بجهود ذاتية ورغبة خالصة للفن السينمائي. إنّها الإنتاجات التي صنعت دُرراً في التراث السينمائي المصري والعربي، برغم الوجع الذي ظل يحمله في قلبه لسنوات لحرمانه الجنسية المصرية التي لم يحصل عليها سوى منذ عامين فقط، مع العلم بأنّه مصري حتى النخاع، وتربى في أعرق أحياء المحروسة وأقدمها.

روى لنا ذات مرة كيف كان يجوب «حي الحسين» الأشهر والأقدم، حيث نشأ وتربى وسط أسرة كانت عاشقة لمصر؛ والده تاجر الشاي الباكستاني الذي أتى وافدًا إلى القاهرة حيث أحب مصرية وتزوّجها. سكن الأب القاهرة وأسكنها قلب ابنه محمد خان الذي ولد فى 26 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1942. يحفظ خان القاهرة جيداً، وتحديداً وسط المدينة الذي يحفظه «شارع شارع» و«دكان دكان». يصف كيف كان يجوب الشوارع ليلًا مع رفيق عمره وصديقه الذي تربى معه سعيد شيمي، ويتحدّث بتدفق يحسد عليه عن أماكن السهر والأكل. لذلك، كان المكان حاضراً في سينماه، وهو ما برز في كل أفلامه تقريباً بدءاً من «ضربة شمس» (1978)، وصولاً إلى فيلمه الأخير «قبل زحمة الصيف» (2015). كل لقطة تحمل روح خان وتؤكد أنّ الأماكن تشبه من يسكنونها، وأنّ الشوارع تترك بصماتها على الوجوه. فهو واحد من المخرجين القليلين من أصحاب الأسلوب المميز. أسلوب لا ينبع من تكريس لنمط بعينه، بقدر ما تضفي روحه على الأفلام ذلك الملمح الذي لا تخطئه العين أو الروح.

ينطبق هذا أيضاً على محمد خان الإنسان الذي يمتلك حضوراً خاصاً ومميزاً، من الصعب أن تخطئ صوته أو طلته. هو ذلك الطفل العاشق للسينما الذي يفتش عنها في كل مكان. بعدما كان يدرس الهندسة المعمارية في لندن، ترك خان هذا الإختصاص من أجل السينما، ليلتحق بـ «مدرسة لندن لتقنيات السينما» (1963) في إنكلترا. في الوقت نفسه، عمل في أحد محلات الملابس المخصصة لبيع الـ «جينز» لأنّه بات مطالباً بتحمّل تكاليف معيشته ودراسته بعدما اختار طريقاً آخر غير الهندسة. منذ تلك اللحظة، أخلص خان للسينما ولم يقبل المواءمات الفنية أو التنازل عن مشاعره وأحاسيسه التي كانت تشحن أفلامه وتجعلها أقرب إلى المتلقي. في إخلاصه للفن السابع، ظهرت ملامح ثابتة عدّة لأعمال خان الذي يُعدّ أحد المخرجين الذين يقدّرون جيداً قيمة الممثل. كان يراهن دائماً على إخراج أفضل ما في الممثلين، لنُفاجأ بأنّ عادل إمام مع خان يحلّق في منطقة أخرى من الإبداع. الحالة نفسها بالنسبة إلى نجلاء فتحي، وميرفت أمين، أما سعاد حسني وأحمد زكي فهما حالة نادرة في سينما خان، وصولاً إلى نجمات الجيل الجديد، من بينهن غادة عادل في «في شقة مصر الجديدة» (2007)، وياسمين رئيس في «فتاة المصنع» (2013)، وآخرهن هنا شيحا في «قبل زحمة الصيف».

إحساس راقٍ بالمرأة، و«أميرة» و«منى» و«هند» و«كاميليا» شخصيات نسائية خالدة صاغها بروحه وبوعيه

كل من زار خان في منزله، كان يصحبه إلى ما يُطلق عليه «الصومعة» التي تضم مكتبته الثمينة والمنوّعة لأفلام وكتب من مختلف بلدان العالم، وسينمات متعدّدة الاتجاهات. في آخر لقاء لنا معه داخل «صومعته»، كان خان يضع على منضدة صغيرة كتاب إبراهيم عبد المجيد الجديد «هنا القاهرة»، الذي يؤرخ ويحتفي بأماكن شهيرة في المدينة، الأمر الذي يتسق مع احتفاء خان أيضاً بالمكان في إبداعاته، وهو ما يمثل أيضاً نقلة في الصورة السينمائية عربياً.

أما أجمل ما قد يميّز سينما خان، فهو شخصياته الحيّة التي تشعر بأنّها تحمل جزءاً منك. مدفوعاً بشغف التجريب، أوغل محمد خان في أعماق شخصياته البسيطة والهامشية متخطياً الطرح النمطي والتقليدي لأبطال السينما المصرية. يضاف إلى ذلك إحساسه الراقي بالمرأة التي سجّلت حضوراً بارزاً في أفلامه طوال مشواره الفني الذي امتد لأكثر من 50 عاماً.

كان يرى أنّ المرأة مظلومة، مؤكداً أن من يضع القوانين هو الرجل، ومن ينفذها هو الرجل أيضاً. لذلك، تظل المرأة مظلومة ومقهورة، حتى لو وصلت إلى أعلى المناصب كما قال مرّة: «يكفى أن هناك دولاً فى منطقتنا العربية لا تستطيع الفتاة أو المرأة فيها أن تقود دراجة، وحتى لو يبدو ذلك تفصيلاً «تافهاً»، لكنّه يعكس وضعاً اجتماعياً متردياً يعامل المرأة على أنّها مواطن درجة ثانية. أعتقد أنّ ما زاد الأمر سوءاً هو دخول الدين في السياسة، وهو ما أفسد الكثير في حياتنا. بالطبع، انعكس ذلك على كل الممارسات الاجتماعية». وأوضح خان أنّه «صحيح أنّنا لا نستطيع أن ننكر أن هناك ظرفاً عالمياً مليئاً بالتوترات العرقية والدينية، وبالتبعية تكون فيه المرأة هي الضحية الأولى». من هنا كان الحضور النسائي الطاغي في سينماه. وهكذا، يصبح خان واحداً من أهم المخرجين في السينما العربية الذين صاغوا بتفرد شخصياته النسائية وبطلاته اللواتي ينتمين إلى شرائح اجتماعية مختلفة ومتفاوتة. ترك لنا شخصيات نسائية لا تنسى، فالمرأة في سينماه فاعلة وقادرة وشخصية محورية تحرّك الأحداث مهما كان مدى القهر الذى تتعرّض له، أبرزهن: «نوال»، و«منى»، و«هند»، و«كاميليا»، و«أميرة». مرّت شخصية «نوال» بمراحل وتحوّلات متشعّبة جسّدتها سعاد حسني في فيلم «موعد على العشاء» (1981). هي المرأة المتزوجة برجل لا تحبّه، كما حال الكثيرات، تخشاه وتخاف منه طوال الوقت وتسعى إلى الطلاق وتنجح في ذلك. ينتابها شعور بالتحرّر من واقع حياتها الكابوسية مع «عزت» (حسين فهمي)، إذ تحاول أن تعيش المرحلة الجديدة من حياتها بروح متحرّرة، وتبدأ العمل في مكتب المحامي الذي ساعدها في قضية الطلاق. ينسج خان ومعه كاتب السيناريو تفاصيل تلك الحياة. برغم محاولات «نوال» الدؤوبة للشعور بالحرية حتى بعدما تعرفت على مصفف شعرها «شكري» (أحمد زكي) الذي عاشت معه معنى الحرية والتحرّر مؤقتا، إلا أن كابوسها المزعج عاد ليحاصر حياتها بعدما قتل طليقها حبيبها. «نوال» التي تلجأ إلى القتل للتخلص من خوفها، هي شخصية فريدة في تكوينها، مليئة بمشاعر مركّبة ومتناقضة وتوجد مثلها الكثيرات اللواتي تستسلم بعضهن لخوفهن ويتعايشن معه، بينما يقتل الخوف والعجز عن التحرر الداخلي بعضهن الآخر.

في «زوجة رجل مهم» (1987 ــ سيناريو وحوار: رؤوف توفيق)، جسّدت ميرفت أمين دور «منى»، الفتاة الرومانسية التى تبكي على أغاني عبد الحليم حافظ، بينما يركّز خان على نظراتها الحالمة أثناء فترة المراهقة. فجأة، تتزوج «منى» ضابطاً في أمن دولة، لا يقدّر المشاعر فيما يعيش على أهمية تلك السلطة المزعومة. تجد «منى» نفسها فريسة «هشام» الذي يعاملها كملكية خاصة يعزلها عن أهلها، وجيرانها. كل شيء في حياتها محدد وخاضع لوجهة نظره هو. يصطحبها كزوجة جميلة يقدّمها إلى رؤسائه وزوجاتهم، ولا يتردد في استغلالها للتجسس على زملائها من دون علمها، لكن ما لبثت أن تحوّلت «منى» من الفتاة الحالمة إلى الفتاة السلبية العاجزة عن تغيير الأوضاع من حولها. ومع كل محاولة للتحرّر، كانت تقع إلى أن تقرّر أن تخرج من تلك الدائرة من خلال القتل أيضاً، إذ يقتل «هشام» أباها ثم نفسه. أما «أميرة» (نجلاء فتحي) في فيلم «سوبر ماركت» (1990 ــ سيناريو وحوار: عاصم توفيق)، فكانت من الشخصيات التي عبّر فيها خان عن انهيار الطبقة الوسطى. وفي فيلم «أحلام هند وكامليا» (1988 ــ قصة وسيناريو: محمد خان، وحوار: مصطفى جمعة)، كنا أمام شخصيتين مختلفتين، حيث تمثل «كاميليا» المرأة المتمردة التي تريد التخلّص من سلطة الرجل، بينما تمثل «هند» المرأة القنوعة التى تريد الزواج في أقرب فرصة لتكون ربّة منزل. إلى أن تنتهي رحلة الشقاء التى سارتا فيها معاً بضياع أموالهما، لكنّهما وصلتا إلى جزء كبير من أحلامهما، وهو رؤية البحر! برغم تقديم خان بعد ذلك العديد من الشخصيات النسائية في أفلامه «في شقة مصر الجديدة» (2007)، و«بنات وسط البلد» (2005)، و«فتاة المصنع»، تظل «أميرة» و«منى» و«هند» و«كاميليا» شخصيات نسائية خالدة صاغها بروحه وبوعيه.

وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة

«الحرّيف» الذي غيّر مجرى السينما المصرية

علي وجيه

مع فجر أمس الثلاثاء، بدأ الخبر الكارثي بالتسرّب من داخل مستشفى الأندلس في المعادي بالقاهرة. قلب محمد خان (1942 ــ 2016) توقف عن الخفقان من دون مقدّمات. يا لها من فاجعة! الفجر الذي اعتاد صحبة خان في بداية يومه على مدى عقود، شهد غيابه الأخير.

أحد أبرز مخرجي الواقعية الجديدة في السينما المصرية، بقي شابّاً نهماً للحياة والعمل طوال حياته. «أنا شاب في سن الـ 73». قالها ضاحكاً عندما التقيناه إثر العرض العالمي الأوّل لآخر أفلامه «قبل زحمة الصيف» (2015)، ضمن «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الأخير. الأستاذ لا يفخر من فراغ. الأرقام تتكلّم عنه: 25 عنواناً خلال 36 عاماً، من دون ذكر الأفلام التي شارك فيها بصفات أخرى، كتدقيق السيناريو والتمثيل وتقديم المشورة لأصدقاء وتلاميذ وراغبين، فضلاً عن لمسته في الإعلان (فنّ اللحظة كما أطلق عليه) والفيديو كليب والفوازير، والمقالات البديعة التي لم يتوقف عن كتابتها في صحف عدّة.

تشبّع خان بعشق السينما منذ نشأته، سواء في القاهرة التي خبرها كراحة يده، أو في لندن التي انتقل إليها في مراهقته بسبب عمل والده. عاصمة الضباب في الستينيات، كانت متفجّرة بالفنون والآداب ومختلف تيارات السينما والمسرح والموسيقى والموضة. تعرّف إلى الموجة الفرنسية الجديدة ومثيلاتها في أوروبا. تفاعل مع هيتشكوك وفيلليني وغودار وتروفو وفيسكونتي والموجة التشيكية. صادف أنطونيوني في مكتبة، فلحق به وهو يركب السيّارة ليعبّر عن مدى إعجابه بأفلامه. «المغامرة» (1960) هو الشريط الذي «أكّد لي نهائياً رغبتي الجامحة في أن أصبح مخرجاً سينمائياً» يقول في أحد مقالاته. تلك الحقبة كانت «سلسلة من الاحتكاكات بالتاريخ الحديث»، عاصر في خلالها ولادة تيارات في مهدها، ليأتي إدراك معنى «المخرج» كقائد حقيقي للفيلم، وليس النجم أو المنتج. بعدها، جاء قرار دراسة السينما بدلاً من الهندسة المعمارية في «مدرسة لندن لتقنيات السينما»، التي أصبحت لاحقاً «مدرسة لندن الدولية للفيلم». كل ذلك، جعل من محمد خان دماغاً قادراً على إدارة صاحبه بنجاح. الذكاء النقدي رافقه إلى الأبد، وصنع منه سينمائي «اللحظة» المتجدّد و«الآن وهنا»، سواء في موضوعاته أو خياراته التقنية والإنتاجية. هو الذي تنبّه مبكراً إلى أهمية سينما الديجتال في «كليفتي» (2004)، وانتقل بنجاح من المنتج التقليدي (نور الشريف في باكورته الطويلة «ضربة شمس»، الذي صوّره عام 1978، وعُرضَ عام 1980) إلى التمويل المشترك بين سبع جهات وخمسة منتجين في فيلمه الأخير. أيضاً، جرّب تقنيات الغرافيك وحيل الكومبيوتر في الفوازير التي عمل عليها مع خيري بشارة. هذا دليل على ذكاء الرجل وحيويته وقدرته على مواكبة متغيّرات الصناعة. في كل الحالات، كان الهدف تمويل أفلام قد لا تغري المسيطرين على السوق المصرية. هي السينما «الأخرى» التي شغلت بال خان وجيل الثمانينيات، من أمثال داود عبد السيّد وعاطف الطيّب وخيري بشارة، إضافةً إلى كتّاب مثل بشير الديك وعاصم توفيق ورؤوف توفيق وفايز غالي، والسينماتوغرافيين سعيد شيمي وطارق التلمساني، والمونتير أحمد متولي وزميلته التي ولّفت معظم أفلام خان نادية شكري. هذه الأخيرة أقنعته بالعودة من لندن التي رجع إليها تأثّراً بهزيمة 1967، للعمل في مصر. سبق ذلك هروبه من العمل في قسم القراءة والسيناريو تحت إدارة صلاح أبو سيف، في «الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي»، إذ طار إلى بيروت ليعمل مساعداً لجمال فارس ويوسف معلوف وكوستانوف وفاروق عجرمة بين عامي 1964 و1966. آنذاك، احتكّ بالتقنيات والميدان العملي، رغم أنّ السينما التي ساعد في إنجازها كانت بعيدةً تماماً عمّا كان يطمح إليه.

تفاعل مع هيتشكوك وفيلليني وغودار وتروفو وفيسكونتي والموجة التشيكية

منذ الروائي القصير بالأبيض والأسود «البطيخة» (1972) و«ضربة شمس»، بدأ مشروع محمد خان، الذي تطوّر إلى نوع مستقلّ بذاته. «السينما الخانية» مصطلح سيجد طريقه إلى الوجود، استناداً إلى فيلموغرافيا مخيفة في فرادتها وأبعادها الفكرية والجمالية. أشرطة مغرقة في همّ الفرد وأحلام البسطاء. دراما من لحم ودم وعظام وأسفلت ودمعة وضحكة. كاميرا لا تفارق الشارع لتوثّق المدينة والريف، وتظهر التداخل العضوي والسايكولوجي بين المكان والزمان والفرد. قراءة فكرية لحقب وتبدّلات وشرائح. أكثر من ذلك، لا بدّ من تحقيق الربح من أجل الاستمرار. مَن هذا الغول السينمائي الذي صدم مشهد الثمانينيات بعناوين من طراز «موعد على العشاء» (1981)، و«خرج ولم يعد» (1984)، و«مشوار عمر» (1986)، و«أحلام هند وكاميليا» (1988)، و«زوجة رجل مهم» (1988)؟ مهلاً، لدينا أيضاً ثلاثية الفارس. بطل بنفس الاسم «فارس» والتاريخ والصفات، لعبه كل من أحمد زكي في «فارس على الطريق» (1981)، وعادل إمام في «الحرّيف» (1983)، ومحمود حميدة في «فارس المدينة» (1993). سواءٌ أكان سائقاً أم لاعب كرة قدم أم ثريّاً مفلساً، فإنّه حرّ، صاحب قيم خاصّة، وقضيّة يصارع الدنيا في سبيلها. «فارس» باحث عن الخلاص، وأحياناً سداد الدين، بأيّ ثمن، في عصر الانفتاح الساداتي، الذي تعمّق خان في تحليله ورصد انعكاساته على «أهل كايرو». في دراسته المهمّة «ملامح المشوار السينمائي عند المخرج محمد خان»، يرى الناقد المصري أحمد شوقي أنّ الفروسيّة أبرز قيمة تبنّاها خان في أفلامه. إنّها انعكاس لمشوار صاحبها. تتمثّل في «نوعية السينما التي اختارها، فهي سينما بعيدة عن الذوق الاعتيادي للمشاهد المصري، سينما لا تستخف به، ولا تداعب عقله بحبكة مباشرة، أو تدعم القيم الساذجة التي اعتادت الأفلام أن تدعمها. سينما كانت مهددة في كل لحظة من مشوار صانعها بالفشل، وبأن يكون الفيلم الذي يصنعه هو فيلمه الأخير، لكنّه تمكن من أن يستكمل المسيرة فيلماً بعد فيلم، متلاعباً بكل السبل الممكنة حتى لا يتنازل أو يقدم عملاً لا يؤمن به». في «فارس المدينة»، حلّق خان بجنونه إلى اللحاق بمصائر أبطال أفلامه السابقة، مختتماً المرحلة الأولى من مشروعه.
باستثناء «الغرقانة» (1993) و«قبل زحمة الصيف»، لم يغادر خان القاهرة، وإن بقي تأثيرها ملموساً في شخصيات الفيلم الثاني. حتى في شريطه المالديفي «يوسف وزينب» (1984)، الذي أنجزه بسبب صداقته القديمة مع رئيس جمهورية المالديف المحب للسينما، ثمّة حضور للعاصمة في بعض المشاهد. علاقة خان بالقاهرة كالعاشق بمحبوبته، حتى لو أنّ البطل «خرج ولم يعد». كاميراه تتحسّسها بِوَلَه ورقة. تبرز مفاتنها، كذلك تلطّف من زوايا القبح والبشاعة فيها. تربّت كتفها، وتشدّ من أزرها وقت الشدائد. الضرورة الدرامية لا تُضاهى. الفعل مضبوط مع قاع نفسي متبادل تأثّراً وتأثيراً. ارتباط الشخصية بحيّها وخريطة تنقّلها حتمي ومفصّل دون زيادة أو نقصان. مناطق «وسط البلد» (ضربة شمس – بنات وسط البلد 2005) و«مصر الجديدة» (أحلام هند وكاميليا – في شقة مصر الجديدة 2007) الأكثر حضوراً في الفيلموغرافيا
.

لم يعلنها صراحةً، ولكن يمكن الجزم بأنّ «أحلام هند وكاميليا» أقرب أفلام خان إلى قلبه. كتب عن إنجاز حكاية الخادمتين (نجلاء فتحي وعايدة رياض) مقالات عدّة، مفصّلاً رحلته من الكتابة إلى الكاستنغ والأماكن والفنّيين. ذلك أنّه أقرب إلى «سينما الشخصية» التي يفضّلها على «سينما الرواية»، التي تتبع الحدث بالمعنى التشويقي المعتاد. لنأخذ المرأة مثالاً على تعامله مع شخوصه وفهمه لها. وسط كل القهر والقمع والمجتمع الأبوي، وجد محمد خان القوّة وروح القتال في المرأة المصريّة. لم ينتصر لها بالمعنى الحقوقي الشائع، بل بالموقف من الحياة كلّها. لم يغفل انكساراتها ووقوف أخريات في وجهها، بل احتمى بالطبيعة البشرية المركّبة التي لا تركن لطرح أحادي. تبنّى قضاياها وحقّها في الحب، برقّة التصوير وكنوز النظرات ورهافة الأذن (الاعتناء بشريط الصوت). تحوّلات «منى» (ميرفت أمين) في «زوجة رجل مهم»، والرقصة الأخّاذة لـ «هيام» (ياسمين رئيس) في «فتاة المصنع» (2013) مثالان جيّدان للتأمّل. في إدارة الممثّل، اعتاد إخراج أفضل ما في أبطاله. فُتن بعبقرية أحمد زكي، إذ كان أوّل من يقفز إلى ذهنه عند كل فيلم. تعاونا في ستة أفلام، رغم كلّ الاختلافات والمشاحنات التي وصلت إلى الإعلام. كتب عنه يوماً: «أنا وأحمد زكي يجمعنا برج واحد «العقرب»، فأنا من مواليد 26 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو من مواليد 18 نوفمبر (تشرين الثاني). جمعتنا زمالة وصداقة فنيّة ناشئة عن إيمان كل منّا بموهبة الآخر. وإن كنتُ قد قلتُ في مرّة إنّني لو كنتُ ممثلاً لأردتُ أن أكون مثل أحمد زكي، ردّ عليها بأنّه لو كان مخرجاً لأراد أن يكون مثلي». من الممثّلات، كانت سعاد حسني هي الأقرب إليه، كذلك أشاد بنجلاء فتحي، وكثيراً ما استعان بعايدة رياض.

دافع خان بشراسة عن النقد السينمائي العربي، وطالب به مراراً (الدعم الأدبي). أحبّ سامي السلاموني، وصادق محمد رضا وغيره، واقترب من جيل الشباب، مواظباً على قراءة كلّ جديد. رأى أنّ 50 في المئة من طاقة المخرج الإبداعية تُهدر قبل التصوير بحثاً عن التمويل، يليها 25 في المئة في أثناء التصوير لإقناع العاملين معه بالانصياع لرؤيته. بعد 75 في المئة «إقناع»، يبقى 25% «إبداع» لتحقيق رؤية الفيلم. رغم كلّ ذلك، لم يحصل محمد خان المولود لأب باكستاني وأمّ مصريّة ذات أصل إيطالي، على جنسية بلد الأهرامات حتى مطلع عام 2014، بقرار جمهوري صادر عن الرئيس المؤقت عدلي منصور. السينيفيلي الكبير أوصى بأن تأتي الأفلام إليه في حال عدم قدرته على الذهاب إليها. عندما سمع بمرض أحمد زكي، كتب له: «لا تمت. هناك أفلام ربّما تجمعنا بعد».

وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة

مات مطمئناً إلى «جنسيته المصرية»

جمال جبران

تأخرت مصر كثيراً في إعطاء محمد خان ورقة تُثبت مصريّته. لقد أخذ هذا المصري «الكثير» الجنسية المِصرية بعد زمن طويل من الانتظار والأسى و... المناشدات. أتت تلك «الجنسية» بعدما تجاوز فكرتها خان نفسه، وقد صار في منطقة أخرى.

وقد نقل مصر نفسها، عبر سينماه، إلى منطقة أخرى. فعل الطيّبون من أهل الثقافة جهدهم كي ينال صاحب «زوجة رجل مُهم» جنسية تُشبه تلك التي يحملونها.

لعلّه أمر شديد القسوة حين يتلّقى مُبتكر سينما الألم المصرية اتصالاً هاتفياً قبل عامين من وفاته من القصر الرئاسي يُخبره بحصوله على الجنسية المصرية. اكتفى خان بضحكة يبدو الفرح في ظاهرها، لكنّ السخرية أصلها: كيف تأتي «الورقة» في نهاية العُمر؟! هي الضحكة نفسها التي أطلقها وكأنّه يعرف جيّداً حقيقة النظام الذي يتعامل معه وحالة الإهانة التي ينتهجها للنيل ممن يخالفون المسار الذي يريد لهم أن يسيروا عليه. صاحب «زوجة رجل مهم» إشكالية كبرى بحد ذاته. يستطيع أن يكون علامة إكس كبيرة وحمراء ساخرة ولاعنة مثل الأوطان العربية التي تحاكم بنيها على أساس فصيلة الدم والعرق وتاريخ السلالة. منحته بريطانيا جنسيتها فيما منعتها مصر عنه. في حوار أجرته قناة «الحرّة» في عام 2007 ضمن برنامج «قريب جداً» لمقدّمه اللبناني جوزف عيساوي، قال خان: «الجنسية ورقة وأنا مصري من دون ورقة». وللمفارقة، فإنّ نجله الموسيقي والفنان المعاصر حسن محمد خان حامل للجنسية المصرية على اعتبار أنّه ابن لمصرية. «تجديد الإقامة هو شعور بالإهانة»، قال محمد خان. وفوق كل هذا، كان يأتي بين كل فيلم وآخر لهذا المخرج الفريد من يقول: «يجب أن لا يُعالج مشاكل المجتمع المصري لأنّه غريب »! كلام يُقال في حق مخرج بثقل وحجم ومهارة خان. مبدع مجموعة من أجمل ما أنتجته السينما المصرية. لقد وضع بصمته على السينما المصرية من جذرها وحتى قمة رأسها. في رصيده أفلام مبتكرة في الشق التصويري، تنزل إلى الشارع وتغوص في تفاصيل أفقر عناصره البشرية المهملة. أفلام من وزن «الحرّيف»، و«زوجة رجل مهم»، و«عودة مواطن»، و«أحلام هند وكاميليا»، و«ضربة شمس»، و«بنات وسط البلد».

والده تاجر الشاي الباكستاني، أتى إلى مصر راغباً في الحياة والعيش والتجارة، وفيها قدّم لنا محمد خان الذي لم يستقر أو لم يستطع فعل ذلك بسبب وقوعه في خانة «الفرد الملاحق دائماً». هكذا، تنقّل بين بيروت وباكستان ولندن واقترح طريقة سينمائية تعرّف كيفية تحويل «الصرصور» بطلاً.

التصق خان بأطفال الشوارع، وحوّل ظاهرتهم إلى أفلام سينمائية مبهرة معيداً إليهم الاعتبار ولو على طريقته وبكاميرته. وكان قد تحدّث عن «التوربيني» وكيف أنّه ينتمي في الأصل إلى أطفال الشوارع وكيف أنّه كان واحداً من الضحايا. قال خان إنّ طفل الشارع لا مشكلة لديه في كيفية حصوله على الأكل والشرب، فهذا سهل، لكن المشكلة تكمن في كيفية تكوين ثقافته الخاصة وتربيته الاجتماعية. أخرج «أيّام السادات» (2001) لأحمد زكي ونال ما ناله من قدح وذم وتقليب في كريات دمه الحمراء والبيضاء. تبدو سهلة هنا مهمّة البحث في زمرة الدم والهويّة، خصوصاً من مناصري ودعاة الناصرية بسبب إعلاء خان راية السادات. ما يعني أنّه كان ملاحقاً من الجميع، وأنّ كل خطوة من خطواته كانت ملاحقة دائماً بعين مترصدة ومطاردة بباحث عن زلة أو علة. لا نقول هنا: «وداعاً محمّد خان»، بل «مرحباً بك في الحياة مرّة أخرى يا أيّها المواطن الكبير».

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر@jimy36@

وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة

إنّه راوي القاهرة الأوّل

سيد محمود

أفكر دائماً في محمد خان كما أفكر في شعراء قصيدة النثر وأحسبه منهم، فيما أفكر في مجايليه عاطف الطيب وداوود عبد السيد كروائيَّين، يفضلان دائماً الاشتغال خلف تقنيات سردية والاختباء وراء استعارات وحكمة الراوي العليم. أما هو، فظل محتفظاً بما يتيحه المجاز وبما تقدمه «التفاصيل الصغيرة» من ثروات شكلت عالمه الفريد.

أرى أفلامه في سياقها التاريخي وهي تمهد الطريق للشعر الذي كان قبل سنوات الثمانينيات في الهامش، وبات اليوم في المتن. تتشابه سينما خان مع القصائد التي كتبها الشعراء الخوارج، فيها الإلحاح على النبرة الخاصة والرغبة في تأكيد علامات شخصية تبدو كنُدَب صغيرة أو نقوش على دانتيلا في قميص نوم امرأة ترملت باكراً. في أفلامه يحتل الصوت مكانة مركزية، دائماً هناك أغنيات في الخلفية أو أصوات للزحام. زمن معطل يريد إعلان نفسه، ومرثيات تحسبها مؤجلة لكنها راغبة في الاستيقاظ. هنا لا يختلف خان عن الشاعر اليوناني كفافيس الذي كان شيخاً للإسكندرية في رؤية العالم، والرغبة في مراقبة الزوال بعين شاعر المدينة ومؤرخها الذي يرثي ماضيها. ووفقاً لهذه الرؤية، يمكن النظر إلى محمد خان بوصفه راوي القاهرة الأول. كانت لديه عين مجبولة بالدهشة شكلت نظرته إلى مدينة القاهرة التي يُعَدّ مؤرخها الخاص بامتياز، إذ نادراً ما تخلو أفلامه من التجوال في الشارع. ومن يعيد النظر إلى ما قدمه، يصعب عليه أن يتفادى المسافات التي قطعها في جغرافيا القاهرة من أقصى جنوبها في حلوان التي تشكل فضاء رئيسي في «ضربة شمس» (1978) و«بنات وسط البلد» (2005)، و«فتاة المصنع» (2013)، وصولاً إلى «مصر الجديدة» في فيلم «في شقة مصر الجديدة» (2007) أو ميادين القاهرة وقاعها في «الحريف» (1983) أو «أحلام هند وكاميليا» (1988). في هذه الأفلام وغيرها لا يحضر المكان إلا بغرض مقاومة الزوال والإلحاح على علامات الذاكرة الخاصة التي بدأها في حيّ عابدين حيث عاش طفولته، قبل أن يغادر إلى لندن. حين عاد، أدرك صاحب «الرغبة» أن هناك مدينة أخرى تولد في خضم معارك السبعينيات وأن هناك أجساداً تقمع لمصلحة ثقافة وافدة مع أموال البترودولار. وفي سعيه للمقاومة لم يلجأ خان إلى الصخب بقدر ما حاول المقاومة عبر استعادة الأصوات التي رسمت معالم مدينته، مع صوت عبد الحليم حافظ في رائعته «زوجة رجل مهم» (1987) ومع الكروان وأحمد عدوية في «خرج ولم يعد» (1984).

كانت كاميرا خان مثل قدم المتسكع في نصوص شارل بودلير أو هنري ميللر، أحب صاحبها ما يقدمه «العطاء اليومي» للحياة واستثمر فيه عبر بعث ما هو هش ومهمل. ساعدته على هذا وأكملت رؤيته النصوص السينمائية التي كتبها معه عاصم توفيق ورؤوف توفيق بما فيها من حسّ شعري بالعالم. ثم جاءت الأفلام التي كتبتها زوجته وسام سليمان لتحافظ على هذا الاتجاه ولتؤكد فيه الحس الإنثوي الذي كان طاغياً منذ بدايات أفلامه التي يسهل فيها أيضاً إدراك تعاطفه البالغ مع النساء ومجاهداتهن في هذا العالم. تعاطف لا يمكن اعتباره انحيازاً تقدمياً فحسب، بقدر ما هو موقف إنساني بالأساس، يقوم على احترام الضعف الإنساني. بهذا المعنى انحاز خان إلى هند وكاميليا وإلى الأحلام الصغيرة، وانحاز أيضاً إلى مهن كانت هامشية مثل «حلاق النساء» في «موعد على العشاء» (1981) الذي يتحول فيه الصوت إلى معطى شعري تواصل مع اهتمام خان بالمهنة التي تتكرر في أفلامه ربما على سبيل الشغف بالعلاقات الحميمة والمكبوتة في الأسرار الخاصة التي يمكن أن تجمع امراة مع حلاقها. علاقة تعتمد اعتماداً خاصاً على الحواس، تأملها خان بنحو مدهش وهو هنا أيضاً لا يفارق علامات العالم الشعري لكفافيس الذي كان مثله أيضاً شغوفاً بمعنى الرحلة. وإذا كان كفافيس قد خلد بأشعاره رحلة البحث عن ايثاكا، فقد وضع محمد خان أبطال أغلب أفلامه («ضربة شمس»، «طائر على الطريق»، «في شقة مصر الجديدة») في هذا المضمار، فكل أبطاله وبطلاته دخلوا تحدي اكتشاف الرحلة، ليس سعياً إلى الوصول، بل رغبة في امتلاك نشوة المحاولة تمثلاً لقول صلاح جاهين «أنا اللي بالأمر المحال اغتوى/ شفت القمر بصيت لفوق في الهوا/ طلته ما طلتوش/ ايه انا يهمني/ وليه ما دام بالنشوة قلبي ارتوى».

وداعاً محمد خان... رائد الواقعية الجديدة

«25 يناير» جعلته مصرياً

من دون جنسية محلية، كرّس محمد خان شاشته للمجتمع المصري وهمومه، صانعاً من أفلامه ألبومات للأمكنة والشخوص المصرية. ورغم اختيار أربعة من أفلامه ضمن أهمّ مئة فيلم مصري، بقي محمد خان لفترة طويلة من دون الجنسية المصرية التي منحت له بقرار جمهوري عام 2014، بعد انتظار طويل.

رافقت قضية الهوية مسيرة السينمائي الذي ولد في مصر لأم مصرية وأب باكستاني، وبقي يحمل طوال تلك المدة الهوية البريطانية، إذ تحوّلت إلى قضية رأي عام دفعت بمئات المثقفين والكتاب والسينمائيين المصريين لتوقيع بيانات للمطالبة بمنحه الجنسية أبرزها حملة «الجنسية المصرية للمخرج محمد خان» التي تلت «ثورة 25 يناير». الدعوة نفسها أعيدت إلى الواجهة بالتزامن مع افتتاح الدورة العاشرة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بعد سنوات من التجاهل لهذه القضية من قبل حكومات مختلفة. وبينما كان يشارك بالمهرجانات السينمائية وينال جوائزها باسم مصر، لم يكن خان يخفي شعوره بالإحباط بسبب حرمانه الجنسية كما عبّر ذات مرّة في بوست على فايسبوك قبل ثلاث سنوات: «إلى من يهمه الأمر، هل من الممكن لحكومة الدكتور الببلاوي أن تمنحني الجنسية وأنا في العقد السابع من عمري قبل فوات الأوان؟».

جوائز

حصل محمد خان على جائزة تقدير ذهبية عن باكورته «ضربة شمس» في «مهرجان الإسكندرية الدولي» عام 1979. فيلمه «طائر على الطريق» (1981) نال «جائزة لجنة التحكيم» في «مهرجان القارات الثلاث فى فرنسا» (1981)، ثم «جائزة لجنة التحكيم الخاصة» في «مهرجان جمعية الفيلم»، و«جائزة التقدير الذهبية» من «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما» (1981)، والجائزة الأولى في «ليالي الإسكندرية السينمائية» (1981).

عام 1982 حصل فيلم «نص أرنب» على الجائزة الأولى فى «مهرجان القاهرة الدولي» مناصفة مع فيلم «العار» لعلي عبد الخالق، ثم حصل على جائزة أفضل إخراج لفيلم «الحريف» من «جمعية الفيلم»، وفي عام 1984 حصل فيلم «خرج ولم يعد» على «جائزة التانيت الفضي» في «مهرجان قرطاج السينمائي الدولي». أما فيلم «في شقة مصر الجديدة» (2007)، فحصد «جائزة أفضل فيلم عربي» في «مهرجان دمشق السينمائي 007»، و«الخنجر الفضي» و«الجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحفيين» في «مهرجان مسقط السينمائي» (2008). مثّل «في شقة مصر الجديدة» مصر في «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي عام 2008. أما شريطه «فتاة المصنع» (2013) فقد استحق جائزتين في «مهرجان دبي السينمائي»، إذ منحه «الاتحاد الدولي لنقّاد السينما» جائزة الأفلام الروائية، واستحقت ياسمين رئيس «جائزة أفضل ممثلة» في «مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية».

الأخبار اللبنانية في

27.07.2016

 
 

محمد خان... الحياة والسينما معاً في وطن

بيروت - إبراهيم العريس

تماماً كما يصعب على المرء أن يصدق أن ذلك الشاب الأبدي المولع إلى حدّ الجنون بالسينما والحياة متضافرتين معاً، رحل عن عالمنا وهو في الرابعة والسبعين من عمره، كذلك ليس من السهل إطلاقاً تصديق أن محمد خان غاب إلى الأبد. صحيح أن في إمكاننا من أجل تصديق ذلك أن نلجأ إلى تلك العبارة الشهيرة التي تقول إن الشعراء، ومحمد خان كان منهم على أية حال، لا يموتون أبداً إذ تظلّ «قصائدهم/ أفلامهم» محوّمة هناك في كل ميدان عام، غير أن هذه المقولة تظل ناقصة في ما يتعلق بمبدع كان هو، جسدياً وروحياً وعملياً ونظرياً، جزءاً من سينماه، وكانت هي شديدة الالتصاق به، بل كانت قرينته، إلى درجة لم يحتج معها إلى أن يحقق فيلماً عن سيرته الذاتية، وإلى حد نُذِر معه ابنته وابنه للفن السابع وكانت زوجته كاتبة سيناريواته.

يصعب علينا أن نصدق نبأ رحيل ذلك الشاب المبتسم أبداً، المتكلم في شكل متواصل عن السينما وعن مشاريعه التي تملأ رأسه، والمحب للحياة والمرح إلى درجة أنه كان ما إن يراك بعد غياب وقبل أن يروي لك آخر فكاهات الموسم، ومنها ما كان يبتكره بنفسه، يسألك عن آخر ما شاهدت من أفلام، إنما من دون أن يعرف منك ما إذا كنتَ شاهدت فيلمه الأخير. فبعد كل شيء كان محمد خان مسكوناً بتواضع من الصعب ملاحظته، إلى جانب انسكانه بابتسامة دائمة تتأرجح بين الحنان والسخرية، لم نلحظ غيابها لدقائق إلا في العام الماضي، حين أُخبِر برحيل الصديق الناقد مصطفى مسناوي في القاهرة قبل ساعات. حينها غابت ابتسامته الأبدية وطفرت من عينيه الوديعتين تلك الدموع التي اعتدنا أن نشاهدها حين يغرق ضاحكاً حتى الجنون على آخر نكتة.

محمد خان المولود عام 1942 في القاهرة لأب من أصل باكستاني ولد بدوره في القاهرة، التي ضنّت عليه بجنسيتها إلى عامين خليا هو الذي حقق المتن السينمائي الأكثر حباً لمصر ودفاعاً عنها في تاريخ السينما المصرية كلها، لم يبدأ حياته سينمائياً بل دارساً للفن المعماري في لندن، حيث اكتشف روعة السينما من خلال ارتياده الصالات العارضة لكل ما هو طليعي من أفلام الستينات التي أعطت الفن السابع خير وأقوى ما عرفه في تاريخه.

لاحقاً اكتشف خان أن بإمكانه هو أيضاً أن يكون سينمائياً، وقصد بيروت حيث عمل مساعداً لفاروق عجرمة ثم سيف الدين شوكت وغيرهما من مصريين كانوا يعملون في لبنان، قبل أن يعود إلى لندن مرة أخرى دارساً للإخراج السينمائي ولكتابة السيناريو هذه المرة، وممارساً للكتابة بالإنكليزية حول بعض تاريخ الفن السابع. وهو بعد عودته إلى مصر، انصرف كلياً إلى إخراج وإنتاج وكتابة سيناريوات أفلام سينمائية سرعان ما استحوذت على مكانتها كتجديد أساسي في سينما مصرية كانت وصلت إلى دروب مسدودة.

طبعاً، لم يكن محمد خان في ذلك، وحده، بل كان ضمن إطار ذلك التيار الذي أبدعه جيل وُلد بداية سنوات الثمانين وأطلقنا عليه اسم «جيل صلاح أبو سيف والشارع والكوكا كولا»، تكوّن منه ومن عاطف الطيب وعلي بدرخان وخيري بشارة ورأفت الميهي وداود عبد السيد، إضافة إلى مصورين كمحسن الشيمي ومونتيرة كناديا شكري. صحيح أن هؤلاء وبمساندة من جيل جديد من منتجين يمثله حسين القلا، أبدعوا معاً متناً سينمائياً مدهشاً (نعود إليه في ملحق الجمعة المقبل من «الحياة»)، لكن محمد خان كان بالضرورة الأكثر دينامية بينهم والأكثر تحريكاً لهم، يكتب لهذا وينتج لذاك ويدافع عن أفلامهم، في الوقت الذي يحقق فيه متناً سينمائياً قل نظيره في السينما المصرية المعاصرة... متناً ظلّ يواصل إبداعه حتى لحظاته الأخيرة ومن علاماته «الحرّيف»، «أحلام هند وكاميليا»، «سوبر ماركت»، «خرج ولم يعد»، «زوجة رجل مهم»، «أيام السادات» وغيرها وصولاً إلى «في شقة مصر الجديدة» و «فتاة المصنع» وأخيراً قبل شهور قليلة «قبل إجازة الصيف»... وكلها أفلام تعبق بالحياة والسينما، أفلام علّمت متفرجيها، وكنّا دائماً بينهم، حب الحياة وحب السينما اللتين ستفتقدان مُحبّاً كبيراً للحياة والسينما معاً.

الحياة اللندنية في

27.07.2016

 
 

محمد خان.. «خرج ولم يعد»

رجل أسمر ممتلئ قليلا يرتدى كابا من القماش، لديه لحية صغيرة، كساها اللون الأبيض بمرور الزمن، قد تقابله فيبتسم مرحبا أو يتجاهلك تماما، لكنك لا تغضب منه بل يردد كل محبيه ومريديه «مين اللى ما يحبش خان».

المخرج الكبير محمد خان، الذى رحل عن عالمنا فجر الثلاثاء، فنان الشارع المصرى البارز، والذى يصفه الكثيرون بأنه أبرز من عبر عن هذه الشوارع بحواريها وأزقتها والأهم أناسها.

من يعرف المخرج محمد خان يدرك كيف كان فرحا بالجنسية المصرية فرحة الأطفال الصغيرة بقدوم العيد، وظل يحمد الله أن تحقق بعد طول انتظار، إلى أن «خرج ولم يعد».

وفاء التلاميذ

كتبت ــ منة عصام:

كان المشهد حزينا للغاية فى وداع المخرج محمد خان، الصورة بدت هادئة، الوجوه صامتة، لكن القلوب كانت تنبض ألما لرحيل الانسان والمخرج محمد خان، فرغم الحزن الواضح على زوجته وسام سليمان وابنته نادين خان وبكائهما المستمر، إلا أنهما كانتا متماسكتين بشدة.

واللافت للنظر هو حضور تلاميذه ممن عملوا معه وتحت قيادته وتدريبه لهم فى اللوكيشن، والذين بدوا متأثرين برحيل «الاستاذ» بشدة وغلب عليهم الحزن والمؤازرة لزوجته وابنته.

واللافت للانتباه أيضا هو الهدوء الذى غلب على مشهد الجنازة، من عدم حضور عدد كبير من الفنانين، للدرجة التى أدت بإحدى الحاضرات عقب أداء صلاة الجنازة وتشييع الجثمان أن تصرخ بصوت عالٍ قائلة: «تلاميذ محمد خان كانوا أكثر وفاء من النجوم الذين صنع منهم نجوم شباك وصف أول، حيث لم يحضر كثير منهم إلى الجنازة لوداعه، ولو على الأقل حفظا لماء الوجه».

وقد حضر الجنازة المخرجون كاملة أبو ذكرى ويسرى نصر الله وعمرو عبدالسميع والفنانون خالد النبوى وسيد رجب وأشرف زكى نقيب الممثلين وسامح الصريطى وكيل النقابة، والمنتجة ماريان خورى والإعلامى محمود سعد.

الفنانون والسينمائيون فى وداع خان: إنسان الزمن.. لم نتوقع رحيلك

كتب - حاتم جمال الدين

نعى الفنانون والسينمائيون الرحيل المفاجئ للمخرج الكبير محمد خان، والذى وفاته المنية صباح امس الثلاثاء اثر أزمة صحية، وذلك عبر بيانات اصدرتها مكاتبهم الصحفية، وكلمات اطلقوها على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعى لرثاء المخرج الراحل.

من جانبه نعى الفنان أشرف زكى، نقيب الممثلين المخرج الراحل بقوله «كان صديقا عزيزا ومخرجا مبدعا.. رحمه الله»، مؤكدا ان محمد خان واحد من أهم مخرجى السينما الواقعية التى انتشرت فى جيله من السينمائيين نهاية السبعينيات وطوال ثمانينيات القرن الماضى، مشيرا إلى دوره فى طرح قضايا المجتمع المصرى عبر افلامه.

وعبر حسابه الشخصى على فيس بوك نعى الكاتب والسيناريست د. مدحت العدل وفاة المخرج محمد خان قائلا: «وداعا الصديق العزيز والمخرج العبقرى، محمد خان واحد من أعظم من قدموا مصر فى أفلامه وللأسف لم يحصل على جنسيتها إلا السنة الماضية فقط رحمه الله».

نعت الفنانة وفاء عامر وفاة المخرج الكبير محمد خان، على حسابها الشخصى بموقع تويتر قائلة: «فقدنا علما من أعلام السينما المصرية، وواحدا من أهم وأروع المخرجين.. محمد خان فى ذمة الله.. اللهم ارحمه رحمة واسعة».

وبتلقائية شديدة عبرت المخرجة هالة خليل عن مشاعرها تجاه المخرج الراحل على صفحتها فى فيس بوك وقالت: «قلتلك كتير اوى قد ايه بحبك.. ودلوقت حسيت انى كان لازم أقولك اكتر.. محمد خان من كتر حبى ليك لم أتوقع أبدا رحيلك.. الطفل الرائع بداخلك خدعنى وأنسانى الزمن.. وداعا وإلى اللقاء».

ونعى السيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية خان بكلمات قال فيها: «استاذنا الغالى علمتنا حب الحياة والسينما بالفعل اعتقدنا كلنا انك لن تغادرنا ابدا ولكنك كنت دائما خارج التوقعات فاجئتنا يا استاذ وخلفت الروح والاعتقاد.. ربنا يرحمك».

وقال المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى على صفحته الرسمية بفيس بوك: «حزن وألم ووداع مر فى رحيل الصديق محمد خان، الباقى دوما، والحى دوما، الفنان المبدع والإنسان.. نعزى أنفسنا أولا، والأهل والأقارب والأصدقاء والسينما العربية والعالمية».

ونشر بعض المواقع عن النجمة ميرفت امين كلمات عن رحيل المخرج الكبير، عبرت فيها عن حالة الصدمة التى اصابتها اثر تلقيها خبر وفاته وهى خارج البلاد، فقالت ميرفت امين: «خان بالنسبة لى ليس مجرد مخرج ولكن حالة سينمائية وإنسانية خاصة، فهو صديق عزيز قبل أن يكون زميلا، عملت معه فى أكثر من عمل أعتبرها من أهم أعمالى، وكانت بمثابة نقلة حقيقية فى مشوارى الفنى، مشيرة لأفلامها زوجة رجل مهم، وأيام السادات، مع الراحل أحمد زكى».

وأضافت أن خان كانت له رؤية خاصة ومختلفة فى كل شىء وهذا سر تميزه، وكان صاحب مدرسة سينمائية سعد بها كل من دخلها وعمل فيها من الفنانين، وساهم كثيرا فى إنعاش السينما المصرية بتقديم القضايا المهمة والتطرق للموضوعات الجديدة فى أفلامه والدخول فى مناطق شائكة رغم أن هذا كان يكلفه كثيرا من الترتيبات والتصاريح والتحضيرات وما شابه ذلك، إلا أنه كان حريصا على تقديم فكر سينمائى مختلف أضاف كثيرا للصناعة، فمن يشاهد أفلامه سيدرك أنها شديدة العبقرية وتحمل الكثير فى طياتها.

أفلام «خان».. «ضربة شمس» قادته إلى عالم الواقعية

كتب ــ وليد أبوالسعود

• «الحريف» رائعة السينما التى يكرهها بطلها عادل إمام

• «أحلام هند وكاميليا» يحمل هموم المرأة.. و«زوجة رجل مهم» دولة الضباط

• «3مشاريع فنية لم ترَ النور للراحل بينها فيلم مع زوجته

يوصف المخرج الراحل بأنه كان أحد أبرز مخرجى الواقعية بالسينما المصرية، فقد قرر خان، منذ بداية مسيرته السينمائية، أن يكون قابضا على شوارع مصر، وأحد عشاقها وفنانيها الكبار، ظل قابضا على جمر الفن وجمر الحلم بمصر ليقدم سينما من الشارع ولرجل الشارع انعكست فى كل أفلامه.

لم يكن يعرف محمد خان، المولود بحى السكاكينى بقلب القاهرة يوم ٢٣ فبراير عام ١٩٤٢، أن السينما التى اعتاد الذهاب اليها بصحبة والده ستصبح هى عالمه الخاص الذى يطل منه على الدنيا، لكن شاء القدر أن يفتح خان نافذته باختياره عندما ذهب ليدرس الهندسة بلندن فيفضل عليها السينما وتصبح أولى خطواته بها من انتاج مجنون سينمائى آخر هو الراحل نور الشريف، الذى تحمس له عام ١٩٧٧، ومنحه أولى خطواته السينمائية فى «ضربة شمس» الفيلم الذى أكد أن محمد خان قد جذبته غواية شوارع القاهرة ليصبح أحد مجاذيبها وواحدا من فنانى الشوارع، فالفيلم الذى لعب بطولته نور الشريف فى دور مصور صحفى وفى إطار من الإثارة والتشويق وتم عرض الفيلم عام ١٩٧٨.

وعام ١٩٨٣ يقدم خان واحدا من أجمل أفلامه وأكثرها واقعية وشجنا فيلمه «الحريف» فى تعاونه الأول والأخير مع عادل إمام، نجم الشباك، الذى يقيس الأفلام بما تحققه من إيرادات، ولأن الفيلم لم يحقق الإيرادات المرجوة منه يغضب امام بالرغم من كونه قد لعب واحدا من أجمل أدواره فى شخصية فارس ــ الاسم المفضل لمحمد خان فى معظم أفلامه ــ لاعب كرة الشارع الحريف الذى يرفض المهانة حتى لو من مدرب بنادٍ كبير مما يدمر مستقبله كرويا ليصبح عاملا فى مصنع وينهار زواجه مع وجود طفل، إنه قصيدة سينمائية ربما لا يعرف كثيرون أن أحمد زكى كان المرشح الأول لها لكنها ضاعت منه كما ضاعت عدة فرص فى هذه الفترة ليكتفى زكى بقصيدة شعر يلقيها فى مقدمة الفيلم.

عام ١٩٨٨ يمتلك خان القدرة على تشريح حلم جيله وانهيار ثورتهم وحركتهم الطلابية من خلال شخصية هشام ضابط أمن الدولة، الذى يرى أمن الوطن من منظور ضيق وزوجته الرومانسية التى يتحطم حلمها يوما بعد يوم على أبواب طموح زوجها المهنى، الذى ينهار لأن رؤسائه يضحون به ككبش فداء لينتهى مصيره بانتحاره، الفيلم لعب بطولته أحمد زكى وميرفت أمين.

وفى العام نفسه، وربما فى تجربة نادرة فى حياة خان، يقدم فيلمه «أحلام هند وكاميليا» مع بطله المفضل أحمد زكى ونجلاء فتحى وعايدة رياض وعودة لشوارع جديدة والطبقة المطحونة من خلال صديقتين تعملان خادمتين فى المنازل وكيف يسحق أو يحاول المجتمع سحق أحلام المرأة.

عام ١٩٩٠، الذى شهد وحقبة الثمانينيات، ظاهرة تحول كل شىء لسلعة تباع وتشترى، وخان يدخل التجربة بقصيدة جديدة لعازف البيانو الرافض للبيع فى سوق عصره ــ ممدوح عبدالعليم ــ الذى تركته زوجته لتتحول لراقصة فى الملاهى ــ عايدة رياض ــ وجارته نجلاء فتحى التى تحاول الحفاظ على ابنتها فى وجه طوفان الاستهلاكى الذى يفرضه طليقها العائد من الخليج نبيل حلفاوى، لكن نهاية العمل تؤكد أن الكل يباع فى السوبر ماركت رغم أنف الفنان.

بدأت السينما تبتعد عن خان وجيله مع عام 2002، بعد أن قرر تجار السينما عقابهم بعد أن روجوا لمقولة إن السينما الواقعية أبعدت الجمهور، ويقاوم خان التيار فينتج فيلما بتقنية الديجيتال من تأليف محمد ناصر بعنوان «كليفتى» ولعب بطولته باسم سمرة ورولا محمود.

وبعدها يبدأ خان لعبة التجارب الجديدة مع «بنات وسط البلد»، وأولى تجاربه مع زوجته السيناريست وسام سليمان ولعب بطولته هند صبرى ومنة شلبى وخالد أبوالنجا ومحمد نجاتى.

وفى «شقة مصر الجديدة» مع وسام أيضا وبطولة غادة عادل وخالد أبوالنجا وفيلمه الثالث معها «فتاة المصنع» بطولة ياسمين رئيس، هانى عادل، ابتهال الصريطى، سلوى محمد على، وكان آخر أفلامه «قبل زحمة الصيف» بطولة هنا شيحة وأحمد داوود وماجد كدوانى.

رحل خان قبل أن يبدأ فيلمه الجديد مع وسام سليمان «بنات روزا» والذى كان اسمه سابقا «عزيزى الأستاذ إحسان» وكانت مرشحة لبطولته غادة عادل.

ولمحمد خان ثلاثة أعمال أخرى لم ترَ النور أولها «نسمة فى مهب الريح، ستانلى والمسطول والقنبلة»، إضافة إلى فيلم روائى قصير كان سيقدمه مع المنتج هانى أسامة وكانت مرشحة له الفنانة الشابة رغدة سعيد، التى قدمها خان فى فيلميه «فتاة المصنع» و«قبل زحمة الصيف» فى أدوار صغيرة.

• 6 أفلام ممثلًا و17 مؤلفًا و28 مخرجًا

شارك محمد خان كممثل فى ستة أعمال أولها مع رفيق دربه خيرى بشارة، وأول أفلامه «العوامة ٧٠»، وفى فيلم «واحدة بواحدة» مع المخرج نادر جلال ومع كاملة أبوذكرى فى «ملك وكتابة».

لعب بطولة فيلم «عشم» مع المخرجة ماجى مرجان وبطولة إحدى حلقات مسلسل «امبراطورية مين» مع المخرجة مريم أبو عوف وهند صبرى.

وكان محمد خان وعاطف الطيب وسعيد الشيمى ورضوان الكاشف وخيرى بشارة قد كونوا ما يعرف بالصحبة أو شلة المنيل وشارك محمد خان فى كتابة فيلم «سواق الأوتوبيس» لعاطف الطيب.

ولخان تجربة إخراجية تليفزيونية وحيدة فى فوازير «فرح فرح» التى لم تكتمل.

وبهذا يرحل خان وفى رصيده ٢٨ عملا كمخرج و١٧ كمؤلف و٦ كممثل وثلاثة أعمال لم تكتمل، تاركا ابنين هما المخرجة نادين خان والفنان حسن خان.

الشروق المصرية في

27.07.2016

 
 

وداعا "المصرى" محمد خان

محمود موسى

فقدت مصر فجر أمس الثلاثاء المخرج السينمائى الكبير محمد خان الذى يعد من الاسماء الكبيرة القيمة والقامة فى صناعة السينما المصرية كما انه يعد أحد أبرز مخرجى السينما الواقعية.

محمد خان ولد فى القاهرة فى 26 اكتوبر عام 1942، ودرس فى معهد لندن لفن السينما (المعروف حالياً باسم معهد لندن الدولى للسينما)،وعمل فى قسم السيناريو بالشركة العامة للإنتاج السينمائى العربى (فيلمنتاج)،وقدم خلال مسيرته الحافلة 24 فيلماً بدأها عام 1972 بالفيلم القصير «البطيخة» أما مشواره السينمائى مع الأفلام الروائية الطويلة فكان بفيلم «ضربة شمس» بطولة نور الشريف عام 1978، وتوالت بعده ابداعاته ومن اهم افلامه طائر على الطريق، موعد على العشاء، الحريف، زوجة رجل مهم،احلام هند وكامليا،خرج ولم يعد، مستر كاراتيه، ايام السادات ، بنات وسط البلد فى شقة مصر الجديدة، فتاة المصنع وكان اخر افلامه قبل زحمة الصيف.

حصل محمد خان على العديد من الجوائز من مهرجانات محلية ودولية، كما حصل على وسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى من الرئيس الأسبق حسنى مبارك تقديرا لانجازه فيلم أيام السادات.

وكانت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولي، اعلنت قبل شهور انها قررت تكريم المخرج الكبير محمد خان فى الدورة المقبلة ومنحه جائزة فاتن حمامة التقديرية، وقد صارع المخرج الكبير من أجل حصوله على الجنسية المصرية كثيرا، حيث إنه يحمل جنسية والده الباكستانية لكن حياته كلها فى مصر منذ مولده، وظل الصراع قائما حتى 19 مارس 2014 عندما أعلن السفير إيهاب بدوى، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية السابق، أن الرئيس السابق عدلى منصور أصدر قراراً جمهورياً بمنح الجنسية المصرية للمخرج السينمائى محمد خان. ونص القرار على منح الجنسية المصرية للبريطانى الجنسية من أصل باكستانى محمد حامد حسن خان.

رائد السينما الواقعية

أسس خان مع عدد من أبناء جيله عاطف الطيب، وخيرى بشارة، وداود عبد السيد ورأفت الميهى تيارًا مختلفا فى السينما المصرية ينقل الواقع كما هو، وتخرج فيه الكاميرا إلى الشارع لتسجل نبض البسطاء والمهمشين. وكانت أولى تجارب خان مع فيلم «ضربة شمس» الذى خالف موجة السينما التجارية وظل مخلصا لرؤيته السينمائية فى كل أفلامه التى قدمها فى عرض حال المجتمع المصرى.

يرحل قبل تكريمه من «القاهرة السينمائى»

فى 20 أبريل الماضى قررت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولي،برئاسة د.ماجدة واصف والناقد يوسف شريف رزق الله المدير الفني،منح المخرج الكبير محمد خان جائزة فاتن حمامة التقديرية، ، وهى جائزة تمنح للشخصيات السينمائية التى ساهمت،فى الارتقاء بالفن السينمائي، حيث كان مقررا أن يشهد حفل افتتاح الدورة الثامنة والثلاثين (15-24 نوفمبر 2016) تكريم محمد خان تقديراً لعطائه الفنى الطويل، ولمسيرته السينمائية الحافلة بالكثير من الأفلام المتميزة، التى سيعرض المهرجان بعضها، ولكنه رحل قبل ان تكريمه لتظل اداره المهرجان على عهدها والابقاء ايضا على التكريم الذى يليق بعد رحليه.

الفنانون يشيعون الجنازة

شيعت جنازة المخرج الكبير محمد خان ظهر أمس من المسجد الكويتى بزهراء المعادى ، وخيم الحزن على الحضور الذين حرصوا على مواساة المخرجة نادين خان ابنة الراحل وزوجتة الكاتبه وسام سليمان وحرص عدد من الفنانين على المشاركة فى وداع المخرج الكبير وأداء صلاة الجنازة ومنهم الدكتور اشرف زكى نقيب الممثلين و الفنان خالد النبوى وسامح الصريطى و سيد رجب والمخرجون خيرى بشارة ومحمد النجار ويسرى نصرالله والاعلامى محمود سعد

الحزن يغطى صفحات النجوم على مواقع التواصل الاجتماعى

نعى عدد كبير من فنانى الوطن العربى المخرج الكبير محمد خان فكتبت الفنانة شريهان على تويتر، قائلة وداعا ..بصمة ابداعية مصرية فريدة .. لن تتكرر محمد خان.

ونعى خالد الصاوى المخرج محمد خان على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، قائلا “فقدت السينما المصرية والعربية أحد أبرز مخرجيها الراحل المخرج الكبير محمد خان.

وكتب هانى عادل، «محظوظ انى اتعاملت معاه فى فيلم فتاة المصنع وكانت تجربة رائعة وتعلمت منه الكثير وداعاً محمد خان».

ونعت الفنانة درة المخرج الكبير محمد خان على حسابها على موقع التواصل الاجتماعى، فيس بوك، قائلة «وداعا المخرج الكبير المبدع محمد خان أحلام هند وكاميليا، زوجة رجل مهم، موعد على العشاء ».

ونعى الكاتب مدحت العدل وكتب على موقع تويتر: «وداعاً الصديق العزيز والمخرج العبقرى محمد خان واحد من أعظم من قدموا مصر فى أفلامه وللأسف لم يحصل على جنسيتها إلا السنة الماضية فقط رحمه الله».

على ابو شادى يكتب محمد خان فارس المدينة

فجأة رحل فناننا القدير والصديق العزيز محمد خان لا حقا باصدقائه الذين سبقوه عاطف الطيب ورأفت الميهى لنفقد فارسا جديدا ، ارسى مع زملائه الاربعة عاطف الطيب ورأفت الميهى وداود عبد السيد وخيرى بشارة تيارا جديدا فى السينما المصرية ونجحوا فى ان يصنعوا طريقا خاصا بهم، وان اختلفت اساليبهم الفنية ورؤاهم الفكرية.

ظل محمد خان منذ فيلمه الاول ضربة شمس حريصا على ان يقدم سينما مختلفه عن السائد والمألوف، راقيه لا تخضع لمواصفات الحدوتة التقليدية بافقها الضيق ، وانما تتعامل مع الواقع الرحب ، تعيد بناءه من جديد ليخلق عالما مماثلا من صنع الفنان، لا يحاكى الواقع بل يعلو عليه ويتامله يصوغه بشكل فنى ليطرح من خلاله رؤيته لما «يمور» به مجتمعة متوغلا فى احراش نفوس ابطاله مقدما لنا نماذج صادقة من خلال تناوله للواقع المعاصر او بمعنى ادق الواقع الاني، حيث يقطع عادة شريحة من هذا الواقع ابطالها اناس عاديون لهم احلامهم البسيطة وطموحاتهم المتواضعه لكنهم لا يجدون مكانهم على خريطة مجتمع ضاق بابنائه بعد ان تمت هيكلته وفق نسق من القيم اصبح فيه المال والثروة هم العناصر الاساسية للتقييم ، لكن خان رغم ذلك كان يحرص دائما على وجود طاقه من الامل، رغم كل الظروف وهناك دائما فى افلامه من يتشبث بالقيم النبيلة فى وجه مغريات الهدم والسقوط.

محمد خان ابن المدينة، الذى ظل وفيا لها معبرا فى معظم افلامه عن شوارعها وحاراتها وازقتها بمن فيها من بشر هم فى نظرة ملح الارض.. اكاد اجزم انها تبكى رحيله معنا، بعد ان فقدت واحدا من اعز ابنائها واكثرهم محبه لها ..الفنان محمد خان.

الأهرام اليومي في

27.07.2016

 
 

"الأعلى للثقافة" ناعيًا محمد خان: أحد أبرز مخرجي السينما الواقعية

منة الله الأبيض

نعى المجلس الأعلى للثقافة وأمينه العام د.أمل الصبان المخرج السينمائى الكبير الراحل محمد خان، الذي وافته المنية أمس الثلاثاء عن عمر يناهز 73 عاماً.

وتقدم المجلس الأعلى للثقافة بخالص آيات التعازي والمواساة لأسرة الراحل ومحبيه، واصفا خان بأنه يُعدّ أحد أبرز مخرجي السينما الواقعية التي انتشرت في جيله من السينمائيين نهاية السبعينيات وطوال ثمانينيات القرن الماضي، كما شارك في كتابة 12 قصة لأكثر من عشرين فيلمًا قام بإخراجها. 

كان حلمي النمنم وزير الثقافة، قد نعى رحيل المخرج محمد خان أمس الثلاثاء، وقال وزير الثقافة إن صناعة السينما في مصر فقدت واحدًا من أبرز صناع السينما الواقعية، إذ برع "خان" من خلال أعماله في رسم صورة بانورامية واقعية وتقديم وثيقة اجتماعية وسياسية وإنسانية تصف المجتمع المصري ببساطة.

محمد خان، من مواليد القاهرة عام 1942 لأم مصرية وأب باكستاني، وحصل على الجنسية المصرية عام 2014 بقرار وقدم للسينما 24 عملًا منها "أحلام هند وكاميليا"، "زوجة رجل مهم"، "الحريف"، "أيام السادات"، "فتاة المصنع"، وشارك في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وحصل على العديد من الجوائز.

بوابة الأهرام في

27.07.2016

 
 

محمد خان… حكّاء التفاصيل الصغيرة في السينما المصرية

القاهرة- «القدس العربي» من هدى عمران:

استيقظنا اليوم على خبر حزين برحيل المخرج المصري محمد خان إثر أزمة قلبية مفاجئة عن عمر يقترب من الـ73 عاما. 

خان يعتبر واحدًا من أهم صناع السينما في تاريخ السينما المصرية ككل، والقصة المعروفة أن خان ولد لأب باكستاني وأم مصرية، لذلك يريد البعض اعتباره مخرجا باكستانيا وهي نكتة مُرّة كان سيضحك عليها خان نفسه ويستنكرها. والأهم من ذلك أن خان من أهم المخرجين الذين اهتموا بتقديم خصوصية المواطن المصري في أفلامه. وكان معتزا باللغة المصرية العامية حتى أنه اختار لمدونته الشخصية اسم «كليفتي» وهي لفظة تستخدم في العامية المصرية ومشتقة من اليونانية وتم استخدامها من أيام مصر الكوزموبوليتانية بمعنى «الشخص الفهلوي أو النصاب».

خصص خان مدونته الشخصية عن حياته مع الأفلام وذكرياته مع أعماله ومع مساعديه وأطقم أعماله. فقد خصص تدوينة لمونتيرة أفلامه الأولى نادية شكري، وأخرى لمساعدي إخراجه، وأخرى عن الحكايات الصغيرة التي كانت نواة لصناعة أفلامه. 

يحكي خان رحلته مع السينما التي بدأت في سنّ السابعة أو الثامنة حينما كان يسكن أرض شريف التي تقع في وسط القاهرة إلى جانب العتبة في جوار سينما كرانك وسينما برادي، واحدة كان يرى منها صورة الفيلم والأخرى يسمع شريط الصوت، ويقول إنه في الخمسينيات، وفي كل يوم اثنين كان هناك موعد مع فيلمين جديدين، أيّ أربع دفعات من الأفلام في الشهر الواحد، إلى جانب الأفلام التي شاهدها خارج موسم السينما الصيفي، بمعدل 4 أو 5 أفلام كحد أدنى أسبوعياً. 

ويحكي خان أنه شاهدعلى الأقل عشرة آلاف فيلم، ويقول إنه قبل سفره إلى لندن للدراسة، وهو في السابعة عشرة من عمره كان لديه كشكول يلصق فيه أفيشات الأفلام، وكان يشاركه هذه الهواية صديق طفولته مدير التصوير سعيد شيمي، ويضيف أن هذه الهواية استمرت حتى أواخر السبعينيات في لندن، وأن عدد الأفلام المرقمة في كشاكيله وصلت الى 5000 فيلم قبل عودته من لندن عام 1977، ويقول إنه كان يشاهد كل الأفلام الجيدة والسيئة، لكن هذه الكشاكيل ضاعت ومعها ألبومات صور وكتب وصور عائلية قديمة له ولابنه وأسرته، بسبب مشكلة مع شركة الشحن، ما سبب له اكتئابًا لفترة طويلة، ويصف خان هذه الأزمة بالكارثة التي أثرت فيه لدرجة جعلته يتوقف عن التصوير الفوتوغرافي لمدة كبيرة، ويقول لقد كانت مأساة لكنها علمتني أن ملكية الأشياء قابلة للزوال زي كل شيء وأن الاستمرارية هي الأهم. 

سافر خان إلى لندن لدراسة الهندسة، لكنه حاول دراسة السينما وكان وجوده في لندن كما يصفه مؤثرا من حيث الانفتاح على كل المدارس السينمائية، لكنه في مرحلة ما من حياته يئس من أمل في صناعة فيلم ففتح محلا لبيع «الجينز»، إلى أن جاءت له المونتيرة نادية شكري التي حدقت في السقف المغطى بأفيشات الأفلام والرفوف المكدسة بكتب الأفلام فقالت له «أنت بتعمل أيه هنا؟»، يقول خان إن نادية أعطته أملا فتمكن بعدها بشهور من بيع المحل والرجوع إلى مصر بفكرة فيلم «ضربة شمس» ليتم إنتاجه من خلال نادية شكري والمصور سعيد شيمي، لكن الممثل نور الشريف عرض أن يتم إنتاجه عن طريق شركته، وبالفعل هذا ما حدث وكان من بطولة نور أيضا. 

قبل «ضربة شمس» عمل خان مساعد مخرج في لبنان، في أربعة أعمال هي: «الليالى الحلوة» ـ اخراج جمال فارس، «الرهينة» ـ إخراج يوسف معلوف، «إنتربول في بيروت» ـ إخراج كوستانوف، «مغامرات فلفلة» ـ إخراج فاروق عجرمة.

ويحكي خان أن منير بطش كان المساعد الأول في كل من «الليالي الحلوة» و«الرهينة»، وبطش من جيل المساعدين المحترفين فى مصر، هاجر إلى لبنان في الستينيات وقد حدث بينهما صدام بسبب اهتمام يوسف معلوف بآراء خان. هذه التجارب جعلت خان يهتم بمساعديه وبناء علاقة معهم تقوم على المشاركة والتعلم وقد تخرج من مدرسة خان الكثير من المخرجين المصريين المعروفين مثل شريف عرفة، مجدي أحمد علي، سعيد حامد وغيرهم الكثير. 

حينما يتكلم خان عن السينما التي أثرت فيه أكثر من غيرها يذكر السينما الإيطالية الذي يقول عنها إن لها عنده مكانة خاصة جدا، حيث أن أعمال أنطونيوني أشعلت داخله لهيب الإخراج، كما أن فيلليني ودى سيكا وبولونيني وجيرمي في الستينيات بالذات حركوا مشاعره وعملوا على تكوينه، ويذكر خان لفيلليني ثلاثة أفلام مفضلة لديه هي i vitelloni 1953 ، La Notte de Cabiria 1957، La Dolce Vita 1960 . وفي قائمة أفلامه المفضلة تأتي أسماء كل من المخرج الياباني أكيرا كوروساوا والسويدي أنجمار برغمان وجودارد وفيليني وبونويل وكيزلوسكي وتروفو ثم آلان رينيه وألماندوفار ودي سيكا. 

أخرج خان للسينما حوالي 32 فيلما 18 منها من كتابته، من أهم أفلامه «ضربة شمس» 1978، «طائر على الطريق»، «خرج ولم يعد»، «أحلام هند وكاميليا» و«زوجة رجل مهم»، وهذا الأخير يعتبره بعض النقاد من أهم 10 أفلام في السينما العربية.

لو حاولنا وصف أسلوب خان الإخراجي سيكون الوصف الأقرب اليّ هو «حكّاء التفاصيل الصغيرة»، خان يكاد يكون متخلصا من أدلجة أفلامه غارقًا في تفاصيل الأماكن والأزمنة، مركزا بشكل أساسي على الأفراد صانعا شخوصا من لحم ودم ، فلا ننسى أبدا فارس الذي جسده عادل إمام في فيلم «الحريف»، أو شمس «نور الشريف « في «ضربة شمس»، أو أحمد زكي في زوجة رجل مهم، أو يحيى الفخراني في «خرج ولم يعد» أو نجلاء فتحي في فيلم «أحلام هند وكاميليا»، حيث يصطبغ الممثل أيًا كانت موهبته بملمح خاني أصيل.

حصلت أفلام خان على العديد من الجوائز منها، عن فيلم «طائر على الطريق»: جائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1981، جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان جمعية الفيلم 1982، جائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما 1981، الجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية 1981، وعن فيلم «خرج ولم يعد»: جائزة التانيت الفضي وجائزة أفضل ممثل يحيى الفخراني في مهرجان قرطاج الدولي 1984، وشارك في مهرجانات ستراسبورغ في فرنسا 1985، ومهرجان السينما العربية في باريس 1985، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط في إسبانيا 1985، وعن فيلم «زوجة رجل مهم»: جائزة السيف الفضي وجائزة أفضل ممثل أحمد زكي وجائزة النادي السينمائي الطلابي في مهرجان دمشق الدولي 1987، شارك كفيلم افتتاح وداخل المسابقة في مهرجان موسكو الدولي 1987، عرض في سوق مهرجان كان الدولي 1987، شارك في مهرجان ستراسبورغ في فرنسا 1987، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط في إسبانيا 1987، ومهرجان مونتريال في كندا 1987، عرض على هامش المسابقة الرسمية في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1987، ومهرجان القاهرة الدولي 1987. كما أن فيلم «أحلام هند وكاميليا» حصل على جائزة أفضل ممثلة نجلاء فتحي في مهرجان طشقند الدولي في الاتحاد السوفييتي 1988، شارك في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط في إسبانيا 1988.

وفاة المخرج المصري محمد خان عن عمر 74 عاما

رانيا يوسف - القاهرة القدس العربي:

توفي المخرج المصري محمد خان عن عمر يناهز 74 عاما إثر تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها لمستشفى الأندلس في المعادي حيث وافته المنية فجرأمس الثلاثاء، وقد أقيمت صلاة الجنازة على المخرج بعد صلاة الظهر من مسجد الكويتي في زهراء المعادي.

ونعى عدد من الفنانين عبر حساباتهم وصفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الإجتماعي، المخرج الراحل، حيث قال الفنان صبري فواز: «لا إله إلا الله.. مع السلامة يا أستاذ محمد خان»، فيما قالت الفنانة منة جلال: «فقدنا قيمة وقامة في تاريخ السينما المصرية المخرج الكبير محمد خان»، أما الناقد طارق الشناوي فقال: «خسارتي مزدوجة فنان ومخرج ومبدع كبير وصديق قريب إلى قلبي وعقلي ووجداني.. محمد خان وداعا».

الناقد الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي قال بعد أن حقق فيلمه الأول «ضربة شمس» كان على موعد مع جائزته الأولى أفضل فيلم في الدورة الأولى أيضا لمهرجان الإسكندرية السينمائي1979، رحم الله المخرج الكبير محمد خان. وأعلن أباظة عن اقامة احتفالية خاصة للمخرج في الدورة الثانية والثلاثين لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط من 21 الى27 أيلول/ سبتمبر المقبل. 

المخرج من مواليد القاهرة لأب باكستاني وأم مصرية في 23 فبراير/شباط 1942. عشق السينما منذ صغره بسبب نشأته بجوار دار سينما مكشوفة، أتاحت له المشاهدة الدائمة من شرفة منزله.

سافر في عام 1956 إلى لندن لدراسة (الهندسة المعمارية) وهناك التقى بشاب سويسري يدرس السينما وأصبحا صديقين، فصمم خان على ترك دراسة الهندسة، والتحق بمعهد السينما في لندن.

وقد أفادته فترة معيشته في لندن، والتي امتدت إلى سبع سنوات، في التعرف على مختلف التيارات السينمائية السائدة في أوروبا وقتها. 

عقب عودته إلى مصر عام 1963 عمل في شركة فيلمنتاج (الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي)، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، في قسم (قراءة السيناريو)، لكنه لم يستطع الاستمرار لأكثر من عام، حيث سافر إلى (لبنان) ليعمل مساعد مخرج مع العديد من المخرجين اللبنانين، مثل (يوسف معلوف، وديع فارس، كوستا، وفاروق عجرمة). لكن حدوث النكسة 1967 جعله يسافر إلى لندن مجدداً، ليعود مرة أخيرة إلى مصر عام 1977. ليبدأ مشواره كمخرج في فيلم «ضربة شمس» 1978.

ويقدم العديد من الأفلام مكوناً تيارا سينمائيا جديدا مثل: «طائر على الطريق» 1981، «الحريف» 1983، «خرج ولم يعد» 1984، «زوجة رجل مهم» 1988، («أحلام هند وكاميليا» 1988، «سوبر ماركت» 1990، «أيام السادات» 2001، و«في شقة مصر الجديدة» 2007.

كما ساهم في القصة والسيناريو لفيلم «سواق الأتوبيس» 1982 من إخراج «عاطف الطيب». بينما ظهر كممثل في أفلام «ملك وكتابة» 2006، «بيبو وبشير» 2011، و«عشم» 2013.

تزوج محمد خان مرات عدة، الأولى من سيدة خارج الوسط الفني وأنجب ابنته المخرجة (نادين خان)، ثم من الفنانة (نهلة سلامة)، وأخيراً من المؤلفة (وسام سليمان).

يذكر أن آخر الأعمال السينمائية التي قدمها المخرج الراحل هو فيلم «قبل زحمة الصيف» الذي عرض العام الماضي ضمن فعاليات «مهرجان دبي السينمائي».

القدس العربي اللندنية في

27.07.2016

 
 

محمد خان.. وداعًا حرّيف الغلابة

نضال ممدوح

فى فيلمه قبل الأخير «فتاة المصنع» كعادته التقط «محمد خان» التفاصيل الصغيرة التى لا يلتفت إليها أحد، فى رصدٍ لحال الطبقات المنسية المهمشة، ولأنه كان ضد المجانية والاستسهال، لم يركن خان إلى الوصفة الجاهزة فى تناول تلك الطبقات.

ربما لن نبالغ فى إذا قلنا إن خان عشق تلك الطبقات وانحاز إليها فى رؤيته السينمائية، فلم يقدم تلك الطبقة كعادة الأفلام التى تناولتها فى الصورة المستهلكة الزائفة فى أغلب الأحيان، فرجال خان ليسوا البلطجية مدمنى المخدرات العاطلين عن العمل، ونساؤه لسن من رواد شارع جامعة الدول تحت وطأة ظروفهن القاسية

بل لا تملك إلا أن تضمر احتراما وتقديرا لهؤلاء الناس، فى معاركهم للحياة ومناطحتها، فى تعاطيها بكل أوجهها وعدم الاستسلام أمام منغاصاتها. لمحنا هذا بعمق فى فيلمه «أحلام هند وكاميليا» وكم كان رائعا مشهد نجلاء فتحى وعايدة رياض، وهما على شاطئ البحر تختلسان لحظات سعادة وبهجة صافية من بين فكى حياتهما البائسة

وكان شديد الوضوح فى المشهد الختامى لـ«فتاة المصنع» وهيام ترقص بقوة وتحد لا رقصة طير مذبوح، هذه القوة الكامنة فى روح نساء خان نراها تنطلق فى نظرات «سعاد حسني» (فيلم موعد على العشاء) وثباتها وهى تتناول وجبة قاتلة بعدما وضعت فيها السم لطليقها «حسين فهمي»، هزمت غروره وتجبره ولم تتزحزح لحظة عن قرارها وإن كان سينهى حياته. أما الطبقة المتوسطة التى تآكلت مع سياسات الانفتاح الاقتصادى، فكأن خان يصرخ متمردا عليها فى فيلمه «سوبر ماركت» من خلال عبارة ممدوح عبدالعليم إلى الطبيب الانفتاحى الذى حول مهنة الرحمة إلى استثمار لا يقدر عليه إلا السادة من طبقة الـ ٢٪ «ممكن أتنازل أخلاقيا وأشيلّك الشنطة، بس مش مستعد أجيبلك عصافير»، كانت صرخة خان التى لم يلتفت إليها أحد عن الحياة والوطن اللذين تحولا إلى مجرد سوبر ماركت استهلاكى بقوانين السوق لا مكان فيه لأخلاق أو مبادئ سوى القيمة والملكية

تلك القيم الاستهلاكية التى حولت الإنسان إلى آلة تجرى طوال الوقت لتحصيل سلع زائفة، ضغطت روحه وأصابته بالتبلد وضعته فى قوالب مصمتة بلا روح تصبو إلى الجمال وتتعاطى معه، وهى الفكرة التى كان قد بدأها فى فيلمه «خرج ولم يعد» سنجد (عطية) موظف الأرشيف العاطل عن أى موهبة ضغطته حياة المدينة اللاهثة فلم تعد لديه القدرة على، حتى، ملاحظة الجمال الذى يكتنف حياة «كمال بيه» واستغرق منه الأمر طويلا حتى يستمع لصوت الكروان ويقلع عن صوت عدوية.

انحياز خان للمستضعفين ممن سحقتهم الحياة لم يكن فقط من خلال الطبقات المهمشة، ففى الحريف سنجد «فارس» لاعب الكرة الشغوف بحب الساحرة المستديرة، لم يحالفه الحظ ليكون ضمن نادٍ مصنف لكنه لا يتخلى عن ولعه حتى وإن أدى به هذا الولع لخسارة زوجته وطفله، وحينما يذعن لقوانين الحياة ومنطقها لا يستسلم بسهولة وكان ألق النصر فى مباراة اعتزاله تحت الكوبرى بمثابة فوز على الحياة نفسها التى عاندته طويلا لكنه ابتسم لها ساخرا وهو يهزم اللاعب الشاب المتغطرس، وكأنه يعلنها عالية مدوية «أنا ملك الشارع والكرة الشراب.. أنا الحريف حتى من دون مربع أخضر».

يزعم البعض أن خير من يعبر عن مشاعر المرأة هى إمرأة مثلها، كادرات محمد خان تفضح زيف تلك الفكرة وتهافتها، فبطلات خان ما كان لهن أن يجسدن تلك المشاعر كما الحال مع مخرج بحجم خان، يكفى ذاك المشهد من فيلم «فى شقة مصر الجديدة» وفتيات الفندق يتحلقن حول مائدة الإفطار تعتلى ملامحهن بهجة صافية حقيقية، تنقلها وصلة رقص كانت روحية أكثر منها حسية، لينتقل الكادر فى ثوانٍ إلى «حياة القلوب» عايدة رياض، تحتل المشهد بمفردها، تحلق بقلبها وتسمو فوق هزائم الأيام وخيبات العمر المنقضي.

محمد خان.. رحلة المفكر السينمائي باقية في روح مصر

أ.ش.أ

مع أنه ولد لأب باكستاني وأم مصرية في 26 أكتوبر عام 1942، فإن محمد خان كان وسيبقى أحد أعظم من جسدوا الواقع المصري على الشاشة الكبيرة وبرؤية سينمائية جمعت بين النزعة الطليعية في الفن السابع وروح ابن البلد الأصيل.

والمخرج السينمائي محمد خان الذي قضى أمس الثلاثاء، في مستشفى بحي المعادي القاهري عن عمر اقترب من ال74 عاما يعد من "علامات السينما الواقعية المصرية"، فيما بقى عشق السينما "كأمنا" في قلبه وعقله منذ بدايات التكوين بعد أن شاء حظه السعيد أن تكون أيام طفولته في منطقة بها دار مكشوفة للسينما، وتسنى له مشاهدة الأفلام على الشاشة الكبيرة من شرفة بيته.

وصاحب "زوجة رجل مهم"، و"ضربة شمس"، و"أيام السادات"، و"فتاة المصنع"، توغل برؤية مثقف كبير في أعماق الواقع الاجتماعي والسياسي المصري، و"ابن بلد مصري"، ولد في حي السكاكيني القاهري وعرف تلاوين وأطياف ومفارقات ولطائف الحياة المصرية.

وكان للعشق الكامن للفن السابع أن يتجلى وينكشف ساطعا عندما ذهب الشاب محمد خان للعاصمة البريطانية لندن في عام لا ينسى وهو عام 1956 لدراسة الهندسة، فإذا به يفعل ما فعله من قبل مثقفون مصريون كبار ذهبوا للغرب بقصد الدراسة الجامعية المنتظمة في مجال ما، لكنهم غيروا المسار نحو الأدب والفن.

وكما فعل مثلا توفيق الحكيم الذي ذهب لفرنسا بقصد دراسة القانون، فإذا به يكرس جل وقته وجهده للأدب والإبداع الثقافي المتعدد الأوجه، كان للشاب محمد خان أن يغير مساره في لندن وان يترك دراسة الهندسة ليلتحق بمعهد السينما.

وعلى مدى سبع سنوات، تعرف على مختلف تيارات الفن السابع في أوروبا وبني قاعدته المعرفية وشكل رؤاه وتبنى أفكارا سينمائية متقدمة ضمن تكوين ثقافي راسخ وثري ليكون فيما بعد أحد الذين يحق وصفهم بالمفكرين السينمائيين في العالم.

وكان لقدره السعيد أن يتيح له التعرف مبكرا بعد عودته لمصر قادما من بريطانيا على أحد أبرز إعلام الواقعية في السينما المصرية والعربية وهو المخرج الكبير صلاح أبو سيف الذي كان قد مد جسور الصداقات وشبكات العلاقات مع ثلة من كبار المثقفين المصريين وجذب بعضهم للكتابة السينمائية وفي طليعتهم نجيب محفوظ.

ومن الدال على ثراء التكوين المعرفي والثقافي والسينمائي لمحمد خان أنه وهو المخرج الكبير قام بكتابة سيناريوهات لأفلام لم يخرجها مثلما حدث في فيلم "سواق الأتوبيس" للمخرج الراحل عاطف الطيب في عام 1982 والذي بات من علامات السينما المصرية.

وصاحب "طائر على الطريق"، و"الحريف"، و"أحلام هند وكاميليا"، و"سوبر ماركت"، اعتبر أن الفن سبيل ثقافي لتعبير الفنان عن وجهة نظره حيال شتى القضايا في الحياة والعالم مثلما يعبر الروائي عن وجهة نظره بالكلمة.

ولئن حصل محمد خان على جائزة مستحقة في أول دورة لمهرجان القاهرة السينمائي عام 1979 فقد نال العديد من الجوائز السينمائية العربية والدولية، غير أن جائزته الكبرى كانت هذا التقدير الكبير لأفلامه من جانب النخب الثقافية الطليعية والجماهير على مستوى الشارع المصري والعربي معا.

وإذ حصل هذا المخرج الكبير على الجنسية المصرية قبل نحو عامين لتحقق أمنية من أعز أمانيه، فإنه كان يقول دوما بكل الحب والفخر: "أنا مصري ولدت وتربيت في شوارع القاهرة وأحيائها الشعبية".

وإذا كان لكل إنسان قدره، فالفن كان قدر محمد خان وطريقه للخلود ضمن ثلة من المبدعين المصريين في مجالات ثقافية متعددة وفضاءات متنوعة ورحبة بقدر ما قد تومئ هذه العبارة المختصرة لقصة حياة عاشق الفن السابع وصاحب "مشوار عمر" الذي فقدته الثقافة المصرية، غير أن إبداعاته لن تموت.

وصاحب "موعد على العشاء" الذي ولد لأب باكستاني عمل كتاجر شاي يحق وصفه بأنه أسهم بفنه في تشكيل الوعي الإيجابي لأجيال من المصريين والعرب، فيما عبر بحق عن "طعم البيوت" في الأرض المصرية الطيبة.

ولن يكون من قبيل المبالغة وصف محمد خان بأنه "مفكر مصري كبير ومثقف رفيع المستوى تجلى فكره وثقافته بالصورة"، فيما تميز باهتمام أصيل بالقيم الجمالية في أعماله وآخرها فيلم "قبل زحمة الصيف".

وهو بالتأكيد أحد أهم من منحوا السينما المصرية مكانتها التاريخية المرموقة كأحد رواد الواقعية الجديدة، وستبقى مكانته العالية في السينما المصرية التي حققت منذ ثلاثينيات القرن العشرين مكانة فنية وثقافية بارزة لمصر في محيطها العربي والإقليمي والقاري.

بل إن الفيلم المصري كان موضع ترحيب في دور العرض السينمائي بدول مثل فرنسا واليونان وإيطاليا وبريطانيا والنمسا وألمانيا وسويسرا وحتى البرازيل، فيما حظيت بمزيد من الحضور بفضل نجوم كبار وأصحاب رؤى ثقافية عميقة.

ولا ريب أن محمد خان من "فلاسفة الصورة" في السينما المصرية التي قدمت في عصرها الذهبي نجوما مازال العالم يتذكر إبداعهم الفني وحضورهم الطاغي بقدر ما كانت صناعة من أهم مصادر الدخل القومي للبلاد، فيما يقدر عدد العاملين حاليا في هذه الصناعة بنحو 300 ألف شخص.

وجماليات سينما محمد خان غير منبتة الصلة بأسلوب تبناه شيخ المخرجين المصريين محمد كريم وهو أول من اشتغل بالإخراج السينمائي من المصريين وعرف بالعناية الفائقة بالمنظر ولوازمه ومحتوياته، وكان يقدم الطبيعة في أجمل صورها، وهو ما يتجلى في أفلام مثل "زينب"، و"الوردة البيضاء".

ولئن كان محمد خان من رواد "الواقعية الجديدة"، فالسينما المصرية كان لها فضل السبق في إدخال "الواقعية" في الفن السابع بالمنطقة كلها بإبداعات المخرج كمال سليم منذ عام 1939 وظهور فيلم "العزيمة" ليدشن مدرسة الواقعية في مواجهة الرومانسية المغرقة لشيخ المخرجين المصريين محمد كريم.

أما كمال سليم بواقعيته، فهو يعالج مشاكل اجتماعية من صميم الواقع المصري عن طريق تقديم شخصيات نعرفها تماما لأنها تعيش معنا ونلتقي بها كل يوم. وفي عام 1965 اختار الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول في كتابه "قاموس الأفلام" فيلم "العزيمة" لكمال سليم كواحد من الأفلام العالمية في تاريخ السينما، بل إن سادول اعتبر أن هذا الفيلم المصري الذي ظهر عام 1939؛ "يفوق الأفلام الفرنسية والإيطالية التي ظهرت في الفترة ذاتها"، فيما جاء صلاح أبو سيف ليمسك كمخرج مصري كبير بخيط الواقعية من جديد ولتعبر أفلامه مثل "الأسطى حسن"، و"ريا وسكينة"، و"الفتوة" عن اللحظة التاريخية المصرية.

وتبلور هذا الاتجاه بمزيد من الوضوح في "القاهرة 30"، و"بين السماء والأرض"، و"بداية ونهاية"، و"القضية 68" ودشن هذا الفيلم ما عرف "بالواقعية النقدية" وكان يتحدث عن ضرورة الثورة بعد أن تهدم كل ما عداها، "فالثورة ضرورة من أجل النمو والتقدم".

ومحمد خان؛ شأنه شأن المخرج توفيق صالح الذي عرف بأسلوب الواقعية الجديدة المتأثر بالمدرسة الإيطالية مع إبداع مصري خالص وأصيل، كما تبدى في "صراع الأبطال"، و"درب المهابيل"، واستحق إعجاب وتقدير كل عشاق السينما لإبداعاته رفيعة المستوى والتي دخلت على الرغم من قلة عددها في قائمة أفضل 100 فيلم مصري.

محمد خان صاحب "خرج ولم يعد": لن تخرج أبدا من قلب وعقل وروح مصر الخالدة.. وكيف تخرج وأنت أحد عشاقها الكبار وفلاسفة صورتها السينمائية وصانعي جماليات البهجة المصرية؟ ما أروع وأنبل مسيرتك الثقافية الإبداعية الباقية في ضمير مصر الخالدة.

البوابة نيوز المصرية في

27.07.2016

 
 

رحيل مفاحئ للمخرج محمد خان عن 74 سنة

توفي المخرج المصري محمد خان في ساعة مبكرة يوم الثلاثاء عن 73 عاما إثر تعرضه لأزمة صحية مفاجئة نقل على أثرها إلى المستشفى.

وشيع جثمان المخرج الراحل بعد صلاة الظهر من أحد مساجد القاهرة بحضور أسرته وعدد قليل من الفنانين بينهم المنتج محمد حفظي والممثل سيد رجب والممثل سامح الصريطي ومدير التصوير سعيد شيمي.

ولد خان بمصر في 26 أكتوبر عام 1942 لأب باكستاني وأم مصرية ودرس السينما في إنجلترا.

قدم خان نحو 24 فيلما روائيا طويلا وكان آخر أفلامه (قبل زحمة الصيف) بطولة هنا شيحة وماجد الكدواني وأحمد داود.

ورغم تقديمه أفلاما جسدت الواقع السياسي والاجتماعي المصري على مدى عقود وتكريم الدولة له عام 2001 عن فيلم (أيام السادات) الذي تناول حياة الرئيس الراحل أنور السادات إلا أنه لم يحصل على الجنسية المصرية سوى في عام 2014.

ومن أبرز أفلامه (ضربة شمس) بطولة نور الشريف و(الحريف) بطولة عادل إمام و(زوجة رجل مهم) بطولة أحمد زكي و(فتاة المصنع) الذي نال عنه جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبرسي) من مهرجان دبي السينمائي الدولي في 2013.

وظهر خان كممثل أيضا في مشاهد قليلة ببعض الأفلام المصرية مثل (ملك وكتابة) إخراج كاملة أبو ذكري و(بيبو وبشير) إخراج مريم أبو عوف كما أصدر مؤخرا كتابا بعنوان (مخرج على الطريق).

ورثاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفنانين بينهم المخرج يسري نصر الله والممثلة الأردنية صبا مبارك والمخرج محمد دياب وكذلك نقابة المهن التمثيلية وجبهة الإبداع المصري.

وكان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بصدد إعداد كتيب عنه بعنوان (سينما محمد خان) لإصداره في دورته القادمة في نوفمبر بمناسبة تكريمه في المهرجان.

وكان المخرج الراحل متزوجا من الكاتبة وسام سليمان.

عين على السينما في

27.07.2016

 
 

المخرج المصري محمد خان.. «خرج ولم يعد»

رحل عن عمر ناهز الـ73.. وحصد محبة الناس و«رقمًا قوميًا»

القاهرة: «الشرق الأوسط»

لملم المخرج المصري الكبير، محمد خان، أوراقه السينمائية «قبل زحمة الصيف»، عنوان آخر أفلامه الذي عرض العام الحالي، ورحل عن عالمنا عن عمر ناهز الـ73 عاما، إثر أزمة صحية مفاجئة، لينهي مسيرة فنية كفلت له مكانا بارزا في تاريخ السينما، حصد خلالها محبة الناس ورقما قوميا يثبت جنسيته المصرية التي حصل عليها رسميا قبل عامين فقط.

وشيع محمد خان في جنازة مهيبة شارك فيها المئات من محبيه، من مسجد الكويتي في ضاحية المعادي (جنوب القاهرة)، ووارى جثمانه الثرى في مقابر الأسرة في الضاحية نفسها.

ونعى حلمي النمنم وزير الثقافة المصري، المخرج محمد خان الذي وافته المنية، فجر أمس، إثر تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها لمستشفى بالمعادي. وقال وزير الثقافة إن صناعة السينما في مصر فقدت اليوم واحدا من أبرز صناع السينما الواقعية، التي أثراها بـ24 فيلما، وأضاف الوزير، أن «خان برع من خلال أعماله في رسم صورة بانورامية واقعية وتقديم وثيقة اجتماعية وسياسية وإنسانية تصف المجتمع المصري ببساطة».

كما أصدرت دار الكتب والوثائق القومية بيانا تنعى فيه رحيل المخرج الكبير خان، واصفة إياه بأمهر السحرة في السينما المصرية، وأعلنت دار الكتب والوثائق القومية، أمس، حدادا على «رجل من أعظم صناع البهجة في تاريخنا».

ولد المخرج الكبير محمد خان بمصر في 26 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، وظل يناضل لكي يحصل على الجنسية المصرية لسنوات، حتى دشن محبو الراحل الكبير حملة للمطالبة بمنحه الجنسية، وهو ما تحقق بقرار جمهوري أصدره الرئيس المؤقت للبلاد عدلي منصور عام 2014.

ولد محمد خان في 26 أكتوبر عام 1942 في القاهرة، لأب باكستاني وأم مصرية. وبدأت رحلته مع الفن بدراسته في مدرسة لندن لفنون السينما عام 1963 في إنجلترا وكان فيلم «ضربة شمس» أول تجاربه الفنية عام 1973 وكان آخر أفلامه «قبل زحمة الصيف» بداية العام الحالي.

كما ظهر ممثلا أيضا في مشاهد قليلة ببعض الأفلام المصرية مثل «ملك وكتابة» إخراج كاملة أبو ذكري و«بيبو وبشير» إخراج مريم أبو عوف.

وقدم خان أفلاما جسدت الواقع السياسي والاجتماعي المصري على مدى عقود، في أفلام أبرزها «خرج ولم يعد»، وكرمته الدولة عام 2001 عن فيلم «أيام السادات» الذي أرخ لحياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

ومن أبرز أفلامه «ضربة شمس» بطولة نور الشريف و«الحريف» بطولة عادل إمام و«زوجة رجل مهم» بطولة أحمد زكي و«فتاة المصنع» الذي نال عنه جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين «فيبرسي» من مهرجان دبي السينمائي الدولي في 2013.

ورثاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي كثير من الفنانين بينهم الممثلة بتول الحداد التي عملت معه في «فتاة المصنع» وكتبت على حسابها بموقع «انستغرام»: «وداعا الأستاذ والفنان وأجمل ضحكة.. الخبر كان صدمة بشعة».

وكان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بصدد إعداد كتيب عنه بعنوان «سينما محمد خان» لإصداره في دورته المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) بمناسبة تكريمه في المهرجان.

حصل خان على جائزة تقدير ذهبية عن أول أفلامه «ضربة شمس» في مهرجان الإسكندرية الدولي عام 1979. وحصد فيلم «طائر على الطريق» جائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث في فرنسا 1981. وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان جمعية الفيلم 1982، وجائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما 1981، والجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية 1981.

وفى عام 1982 حصل فيلم «نص أرنب» على الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة الدولي مناصفة مع فيلم «العار»، ثم حصل على جائزة أفضل إخراج لفيلم «الحريف» من جمعية الفيلم، وفي عام 1984 حصل فيلم «خرج ولم يعد» على جائزة التانيت الفضي. أما فيلم «في شقة مصر الجديدة» فحصد جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي عام 2007، وجائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحافيين في مهرجان مسقط السينمائي 2008. وشارك في مهرجان دبي السينمائي 2007، ومهرجاني «بالم سبرينجز» و«سان رفايل» في الولايات المتحدة 2008، ومثل مصر في مسابقة الأوسكار للفيلم الأجنبي 2008.

ومن بين مخرجي السينما المصرية كان خان من القلائل الذين اهتموا برصد واقع المرأة المصرية ودفعوا بها لموقع البطولة، ليحكي عن معاناتها، وكانت البداية مع فيلم «زوجة رجل مهم» الذي لعبت بطولته الفنانة ميرفت أمين، يشاركها أحمد زكي، في واحد من أهم أعماله السينمائية التي أرخت لسبعينات القرن الماضي. وكذلك في فيلم «موعد مع العشاء» للراحلين سعاد حسني، وأحمد زكي، والفنان حسين فهمي، حيث تعاني الزوجة من إهمال زوجها وحينما يطرق الحب بابها على يد رجل آخر تقرر بدء الحياة معه إلا أن فرحتها لم تكتمل بعد أن يقوم الزوج بقتله.

ويعيش خان أوجاع وهموم المرأة المطحونة في «أحلام هند وكاميليا» الخادمتين اللتين كلما اعتقدا أن الدنيا ابتسمت في وجهيهما يغلق السواد أعينهما من جديد، وحتى مع رصد الراحل أبناء هذه الطبقات لم ينس قيمة الحب لديهن. وواصل خان مسيرته مع المرأة في «بنات وسط البلد»، و«فتاة المصنع»، وأخيرا في «قبل زحمة الصيف».

الشرق الأوسط في

27.07.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)