فاز بالجائزة عامين متتاليين
أليخاندرو غونزاليس إيناريتو: نجاحاتي أهم من «الأوسكار»
محمد رُضا
الأوسكار الذي حصل عليه المخرج المكسيكي الأصل أليخاندرو غونزاليس
إيناريتو قبل أيام، كان الثاني على التوالي. ففي العام الماضي نال
أوسكارين رئيسيين: واحد كأفضل فيلم وآخر كأفضل مخرج، وذلك عن فيلمه
الجيد «بيردمان». هذه المرّة نال أوسكاراً واحداً له، هو أوسكار
أفضل مخرج وذلك عن «العائد»
(
The Revenant)،
لكن الفيلم خرج بأوسكارين مهمين، إذ فاز ليوناردو ديكابريو بأوسكار
أفضل ممثل، وحصد مدير التصوير إيمانويل لوبيزكي أفضل تصوير. بهذه
النجاحات المتوالية يبرهن المخرج المولود قبل 52 سنة، بأنه لم يذهب
إلى «هوليوود» لمجرد إخراج أفلام تأسر الجمهور وتحقق الإيرادات
العالية، بل لأن لديه رؤية خاصّة يريد تنفيذها من خلال أهم وأكبر
مدينة للصناعة السينمائية في العالم.
بدأ إيناريتو حياته المهنية في منتصف التسعينات من القرن الماضي
مساعداً ومخرجاً لبضعة أفلام قصيرة، لكن الولادة الحقيقية بالنسبة
إليه حدثت سنة 2000 حين قدّم «وأمك أيضاً» عن رحلة لشابين مع امرأة
أكبر سناً، بعدها حضّر للنقلة التي نفّذها في الولايات المتحدة عبر
فيلم «21 غرام» سنة 2003، وما إن انتهى حتى سعى إلى إنتاج فيلم
أعلى طموحاً وأكثر كلفة هو «بابل» 2006 ومنه إلى «جميل» 2010. ومن
خلال مشاهدة الأفلام الثلاثة يمكن استخلاص منهج مخرج يريد طرح رؤية
مختلفة، وهو ما وفّره لاحقاً في فيلمي «بيردمان» و«العائد»، في
تطوّر لهذه الرؤية على نحو فريد لا يشبه أي نحو آخر.
قابلته 3 مرّات، الأولى في مهرجان كان حين قدّم «بابل»، والثانية
في أعقاب فيلم «العائد» قبل شهرين، ثم هذه الثالثة قبل إعلان جوائز
الأوسكار لهذا العام، قال حين سُئل عما يعتقده حول فوزه بالأوسكار،
إنه لا يدري، بل يأمل ذلك، فهو لا يمانع أن ينال أوسكاره الثاني في
عامين متتالين، ويكفيه أن الأكاديمية منحته شرف الانتماء إلى باقي
الفنانين الذين ينافسون على أوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج. وقبل أن
يعلم بفوزه قال إنه نجاحاته تفوق أهمية الأوسكار.
كانت الأسئلة التي تحضر في ذهني كثيرة، ولو سمح الوقت ما انتهت..
·
كيف تفسر فيلم «العائد» بكلماتك الخاصّة؟ خصوصاً أنك ذكرت في
أحاديثك الأخيرة أنه ليس فيلماً من أفلام الغرب الأمريكي.
صحيح، هو ليس من تلك النوعية، ولو أن أحداثه كان يمكن لها أن تصنع
فيلم «وسترن». قلت لمن سألني قبلك هذا السؤال إن الفيلم فيه قبعات
ومسدسات وبرية موحشة لكنه ليس فيلماً من أفلام الغرب الأمريكي.
·
لماذا؟
لأن في تلك النوعية من الأفلام، عادة تدور في بيئة مختلفة، مثل
المدينة أو بيئة رعاة البقر أو في مناطق عادة ما تكون صحراوية، مثل
تكساس أو أريزونا. والقصّة هنا تقع قبل 200 عام تقريباً أي قبل
بداية الغرب الأمريكي حيث تدور كل القصص الأخرى. ومسرحها جبال
مغطاة بالثلج، وهو أمر آخر قليل الحدوث في أفلام الغرب.
·
لكنه يحتوي على معارك بين الأمريكيين الأصليين والمستعمرين البيض.
سعيد أنك لم تصف الأمريكيين الأصليين بالهنود الحمر. هم فعلاً
الأمريكيون الحقيقيون وكلنا نعلم ما حل بهم، إذ استباحهم
الأوروبيون في ذلك الحين وشتتوهم ودمّروا ثقافاتهم. وفيلمي يأتي
ضمن هذه الفترة الأولى لكنه لا يدور، وأنت تعلم ذلك لأنك شاهدت
الفيلم، عن الإبادة التي وقعت. هذا لأنني لا أريد خطباً مباشرة
خصوصاً إذا ما كانت المضامين واضحة.
·
لكن تلك القبائل كانت في حال دفاع عن النفس.
طبعاً، هذا هو جانب من الفيلم. والجانب الآخر هو أنه ليس فيلم
انتقام. هذا شيء آخر أشيع عنه لدى البعض. وكتب البعض أنه فيلم يدور
حول انتقام الشخصية التي يؤديها ليوناردو ديكابريو من الشخصية التي
يؤديها توم هاردي. شخص من شخص آخر. لكن هذا ليس أهم ما في الفيلم
ومحوره ليس عن الانتقام.
·
لكن عنصر الانتقام موجود.
لا أنفيه، لكنه ليس ما يدور عنه الفيلم. إنه يدور حول تلك الحقبة
الداكنة من التاريخ عندما كان الصياد الأبيض يعيش وهم القدرة على
تطويع القوانين. كان يقاتل الأمريكيين الأصليين حين يشعر بالخطر،
لكنه يصاحب نساءهم عندما يشعر بالحاجة العاطفية. إذا ما أنجبت منه
تركها ومضى. وكان يتاجر بفراء الحيوانات التي كانت تجارة مزدهرة
آنذاك. الفيلم عن الرجل الأبيض وكيف تعامل مع المكان الذي حل فيه،
وكيف تعامل مع بعضه البعض، أقصد إنساناً أبيض ضد أبيض آخر.
·
هل ترى نفسك اليوم مخرجاً ناجحاً بالأوسكار أو من دونه؟
أعتقد أن النجاح الذي حققته إلى اليوم فاق الأوسكار. عندما أخرجت
«بيردمان» قبل عام لم أكن حصلت بعد على الجائزة، كنت حصلت على
تقدير النقاد في أمريكا وأعتبر ذلك مهماً جدّاً بالنسبة إلي.
فالفيلم نجح نقدياً وإلى حد كبير جماهيرياً قبل إعلان النتائج،
لذلك أستخلص بأني حققت النجاح بلا أوسكار. لكن الجائزة ليست إلا
ذروة الجهد الذي يبذله الفنان بغية تحقيق القيمة الفنية التي
ينشدها.
·
في لقاء ماضٍ، ذكرت لي كثيراً عن التقنيات التي صنعت فرادة فيلم
«العائد»، لكن ما الذي تقوله على صعيد الجهد البشري؟ أقصد جهدك أنت
ومدير التصوير وليوناردو ديكابريو.
هناك آخرون كثر. كنا نحو 200 شخص يعملون في إنتاج هذا الفيلم من
خلال اختصاصاتهم المختلفة، الكل كان يبرد ويجوع ويتعب ويبني المشهد
الذي نريد تصويره بالإمعان في التفاصيل الدقيقة له. وأعتقد أنني
ذكرت لك في تلك المقابلة كيف أن الخطأ كان ممنوعاً لأنه يعني إعادة
التصوير. ونحن لا نتكلم عن تصوير داخلي أو في حديقة منزل، بل عن
تصوير معقد يشترك فيه الرجال والجياد والواقفون وراء الكاميرا،
ولدينا فقط نحو الساعة أو ساعة ونصف الساعة من الضوء المناسب، فإذا
حدث خطأ فعلينا أن نؤجل التصوير ليوم غد، لأن المشاهد كانت طويلة،
فالجهد البشري كان كبيراً لكني سعيد به.
·
كمخرج لا بد أن ينصاع لك الجميع. لكن هل كانت هناك شكاوى جادة كما
قرأنا؟
نعم، كانت هناك شكاوى لكنها لم تكن غير محقة. عالجناها بكثير من
الاهتمام لأن الإنتاج لا يريد أن يرى الفيلم متوقفاً عن العمل بسبب
شكوى من شيء حدث ونجم عنه وضع يعرقل العمل. ربما بعض المشاركين كتب
للصحافة أو للاستوديو أو لمن اختار الكتابة له، شاكياً من البرد
مثلاً، لكن هذا هو الفيلم. لن أصوّر في الاستوديو وأغطي الأرض بثلج
ليس حقيقياً. لن أعمد إلى الجرافيك لكي أوهم الناس بالواقعية، أردت
لهذه القصة أن تكون حقيقية.
·
البعض شكا من أنك بدأت التصوير بكاميرا سينمائية وليس بكاميرا
ديجتال. خشوا أن تعمد إلى تصوير الفيلم بأسره بكاميرا سينمائية.
صحيح، والآن هذا البعض يريد أن يحل مكاني ويصوّر الفيلم عوضاً عني
(يضحك).
·
أحب الفيلم وأكره الديجتال، لكن معظم السينمائيين باتوا يصورون
أفلامهم بها.
بالضبط، وعندهم أسباب مهمة أولها أنه أرخص وأسهل. لكني لم أكن أسعى
وراء الرخص ولا أكترث بالاستسهال. نحن بدأنا التصوير بالفيلم لأننا
نحب ما يمنحه من قوّة عرض خاصّة، لا تستطيع الكاميرا الديجتال
تأمينها على المستوى نفسه. لكن في نهاية الأمر كان لا بد من
الامتثال إلى مسألة أن ما كنت أطلبه من موقع التصوير ومن الكاميرا
ومن حركتها لا يمكن أن يتأتى عبر التصوير، إلا بجهود مضاعفة.
·
إلى حين أخرجت «بيردمان» قبل عام، كنت تميل إلى سرد 3 أو 4 حكايات
معاً وتنتقل من واحدة إلى أخرى في تشابك خاص. ماذا حدث؟
«بابل»
و«21 غرام» و«جميل» كانت أفلاماً مختلفة، وهي وحدة خاصّة من
تاريخي، كان الداعي إليها محاولة استكشاف كيف يمكن لعدة أحداث أن
تقع، مثل الحياة، في وقت واحد. أنت وأنا هنا نتحدث عن شيء، وخارج
هذه الغرفة شيء آخر يحدث لا نفكر فيه. ماذا لو أن هذا الشيء الآخر
كانت له علاقة ما، بنا من دون أن ندري؟
·
هناك فلسفة منتشرة اليوم تقول إن العلاقة بين الناس لا تنتهي، وأن
كل شيء يحدث يشبه عالم الفيزياء الذي لا ينتهي، بمعنى أنه لا توجد
مساحة للمصادفة.
بالطبع ليست هناك مصادفات، بل هي تراكمات من الأشياء، حتى وإن بدت
أحياناً أنها مصادفة. كنت أغادر صالة السينما قبل أيام فوجدت أمامي
صديقاً مكسيكياً لم أكن رأيته منذ 7 سنوات أو أكثر. مصادفة؟ لا.
هناك ما لا نفهمه من الأفعال والمبادرات أدت إلى أن أغادر الصالة
قبل نهاية العرض، وأن يصل هو في الوقت المحدد، فلو بقيت مكاني ما
التقيته، ولو اخترت موعداً آخر لمشاهدة ذلك الفيلم أو هو اختار ذلك
الموعد الآخر أو أحدنا تعرض لحادث سيارة ما كنا لنلتقي.
·
أنت من خارج هوليوود، هل كان شق الطريق لكي تصبح واحداً من أهم
مخرجيها اليوم، سهلاً؟
ليس هناك أي شيء سهل هنا، لكن توقعت ما هو أصعب من ذلك.
·
ما السبب الذي جعل الأمر أقل صعوبة؟
الرؤية. تريد أن تنجح اصنع شيئاً جديداً، وليكن جديدك واضحاً بحيث
يحقق نجاحاً وقبولاً. لا تقل إنك ستقلب الصورة رأساً على عقب لأن
هذا جديد، ولكنك ستتعامل معها على نحو يكشف المزيد من قدراتها،
فهذا هو الجديد فعلاً. لا أدري إذا كان ما أقصده واضحاً، لكن عليك
أن تبرهن أن رؤيتك الجديدة تثير اهتمام الناس. يريدونها منك كما
يريد البعض الآخر الفيلم العادي الذي يعمد إليه الآخرون.
·
هل هناك أساتذة إخراج تعلمت على أيديهم عبر مراقبة أفلامهم؟
نعم، عندي إعجاب كبير جداً بالمخرج أندريه تاركوفسكي. فيلمه
«أندريه روبلوف» ملهم لي، كذلك أحب فيلم «سفر الرؤيا الآن» لفرنسيس
كوبولا و«فيتزجيرالدو» لفرنر هرتزوغ، وكل ما حققه أكيرا كوراساوا
من أفلام تقريباً. أكن لهؤلاء كل الإعجاب. |