الأوسكار في دورته الـ 88 بدأ العد العكسي
(ملف خاص)
خلال ساعات، يُكشف النقاب عن الرابحين في الحدث السينمائي الأبرز
الذي تنظمة «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة». سبق الاحتفال
هذه السنة جدل كبير حول افتقار الترشيحات إلى التعدّدية والتنوّع،
فيما تميل الترجيحات نحو فوز «العائد» (إخراج أليخاندرو غونزاليس
إيناريتو) وبطله ليوناردو دي كابريو بحصة الأسد
دليلك إلى ترشيحات 2016
علي وجيه
كأنّه الأمس إذ كنّا نهلل لفوز «بيردمان» (2014) إيناريتو بأربعة
أوسكارات، في ختام النسخة 87 من جوائز «أكاديمية فنون وعلوم الصور
المتحركة» (تأسّست عام 1927). اليوم، نحن على بعد ساعات من
الاحتفال الثامن والثمانين الذي يبدأ في الثالثة والنصف من فجر بعد
غدٍ الاثنين 29 شباط (فبراير) بتوقيت بيروت (28 شباط (فبراير)
بتوقيت لوس أنجليس، وهو الموعد الرسمي). يوم فريد (سنة كبيسة) يليق
بحدث كهذا.
ذاكرة العامل في النقد السينمائي تربط الأحداث بفيلم أو مهرجان أو
حتى مقال. تغدو السينما هي الروزنامة والأجندة والراسمة للعلامات
الفارقة عبر السنين. في منطقة جحيميّة كهذه، تصير المواعيد الكبرى
منفذ هروب لائق. الزمن فيلمي صرف بين أوسكارين أو نسختين من مهرجان
برلين. إذا كان الانفصال عن الواقع يساعد على البقاء بعد يوم
القيامة، فليكن حبل النجاة فيلماً أو حتى مشهداً كبيراً. لغايات
كهذه وجدت السينما أصلاً. بين الأوسكارين، باتت أسئلة الوجود أكثر
إلحاحاً وشراسةً. مفاهيم الهويّة والانتماء وغايات الفرد والكون
معلّقة في الهواء.
عواصف التكفير والإبادة والقمع تكاد تطيح ما راكمته حضارة الإنسان
منذ نشأتها. صورة واحدة لطفل سوريّ غريق وضعت التجربة البشريّة
برمّتها على المحك. السينمائيون يراقبون بحساسية مغايرة. يعملون
بدأب لمواكبة كلّ ذلك تجاوزاً وإحالات. هذه بعض تداعيات الختام
الفعلي لموسم سينمائي حافل.
منذ فوز «أجنحة» (1927) لوليام أ. ويلمان بالأوسكار الأوّل عام
1929، تمّ منح 2947 تمثالاً ذهبياً حتى اللحظة. المزيد على وشك
تشريف الفائزين الجدد عن 24 فئة. هذا العام، يعتلي الكوميدي
الأميركي الشهير كريس روك مسرح «دولبي»، لتقديم الاحتفال ثانيةً
بعد الدورة 77 عام 2005. تساعده في الترحيب بالرابحين أسماء مثل
مورغان فريمان، وكايت بلانشيت، وراسل كرو، وبينيثو ديل تورو، وريس
ويذرسبون...
كالعادة، يكشف صاحب أوسكار أفضل ممثل العام الفائت إيدي ريدماين عن
الفائزة الجديدة. وبالعكس، تعلن أحدث مالكة لأوسكار أفضل ممثلة
جوليان مور اسم «الفارس» الجديد. الأوسكارات التكريميّة من نصيب كل
من المخرج سبايك لي والممثلة جينا رولاندز، بينما تُمنح جائزة جان
هيرشولت الإنسانية للممثلة والناشطة في حماية الإرث السينمائي ديبي
رينولدز. الإنتاج لديفيد هيل ورينالد هادلن، فيما يتولّى الإخراج
غلين ويس.
في المنطقة العربيّة، الحدث منقول حصرياً على شبكة
OSN
المشفّرة للعام الثاني على التوالي. غير أنّ محبّي كلمات النصر
الطويلة لن يحصلوا عليها هذه المرّة. الأكاديمية يئست من التزام
الرابحين بمهلة الـ 45 ثانية خلف المايكروفون. قوائم الشكر ستمرّ
على الشاشة أثناء حصول الفائز على تمثاله. إذاً، لا خطب عصماء بعد
اليوم.
ثمانية أفلام تتنافس على أوسكار أفضل فيلم. يلتقي نصفها في رحلة
العودة إلى الحياة بعد الفناء أو ما يقاربه: «العائد» لأليخاندرو
غونزاليس إيناريتو (12 ترشيحاً)، و«ماكس المجنون: طريق الغضب»
لجورج ميلر (10 ترشيحات)، و«المرّيخي» لريدلي سكوت (7 ترشيحات)،
و«غرفة» لليني أبراهامسون (4 ترشيحات).
النصف الآخر يضع الفرد أمام خيارات أخلاقيّة صعبة، سواء على
المستوى الشخصي أو العام: «سبوتلايت» لتوم ماكارثي (6 ترشيحات)،
و«جسر الجواسيس» لستيفن سبيلبرغ (6 ترشيحات)، و«النقص الكبير» لآدم
ماكاي (5 ترشيحات)، و«بروكلين» لجون كراولي (3 ترشيحات). مؤشرات
التوقع السابقة للأوسكار غير قاطعة. «النقص الكبير» حقق جائزة
«نقابة ممثلي الشاشة». «سبوتلايت» نال جائزة «نقابة المنتجين
الأميركية». «العائد» فتك بالـ«بافتا» والـ«غولدن غلوب» وجائزة
«نقابة المخرجين الأميركية».
تاريخياً، من يظفر بهذه الأخيرة وقت الحيرة، يعود بالأوسكار إلى
بيته. إذاً، تميل الكفّة إلى «العائد» من دون تأكيد حاسم. عموماً،
يمكن الاطّلاع على قائمة الترشيحات الكاملة من هنا
(http://oscar.go.com/nominees).
في الإخراج، ينحصر الصراع بين المكسيكي إيناريتو عن «العائد»،
والأوسترالي جورج ميلر عن «ماكس المجنون: طريق الغضب». الأوّل يذهب
بعيداً في الخيال والمعايير والهوس بالكمال. «شطحة» من الجنون،
تعيد الاعتبار إلى «جنر» الويسترن وأنماط الدرجة الثانية
B-Movie
عموماً. يبجّل السينما التقليدية لتحقيق فيلم من طراز «لورانس
العرب» (1962) لديفيد لين في الصناعة، ومن روح تاركوفسكي،
وكوروساوا، وإيريش فون ستروهايم، وكوبولا، وهيرتزوغ، وكيمينو،
وجيلان في تلك «الشعرية الخشنة» والدأب العجيب. ميلر مذهل في «ماكس
المجنون: طريق الغضب». ينفض الغبار عن سلسلته الأثيرة بثورة تقنيّة
وأسلوبيّة، لصنع ويسترن هستيري ما بعد حداثوي. يدير مسرح الرعب،
مولّفاً اللون والملابس والتكوين والمؤثرات في مغامرة «ماكس»
الرابعة.
بالنسبة إلى ممثّلي الأدوار الرئيسية، يبدو أنّه أوان «العائد»
ليوناردو دي كابريو. ترشيحه الخامس كممثّل (هناك ترشيح كمنتج عن
«ذئب وول ستريت») سيصل إلى نهاية سعيدة أخيراً، بعد الظفر
بالـ«بافتا» والـ«غولدن غلوب». النجم الهوليودي مثال على التكيّف
الجسدي والنفسي مع متطلبات الدور. تحمّل البرد، ومدّ لسانه تحت
المطر. سخّر إصابته بالأنفلونزا لخدمة الشخصية. ابتلع كبد ثور
أميركي، رغم أنّه نباتي. درس لغتين أصليتين (باوني وآريكارا)،
وتعلّم بعض أساليب الاستشفاء الطبيعي. لا شكّ أنّ «ليو» قدّم أداءً
لافتاً و«سباق تحمّل» مدهشاً، ولكن هل «هيو غلاس» أهم أدواره حقاً؟
المؤكّد أنّه كان أكثر توهجاً في كل من «الطيّار» (2004) و«ذئب وول
ستريت» (2013) لمارتن سكورسيزي. مثل هذا الأخير، قد يخطف الأوسكار
عن شريط لا يعدّ أفضل أعماله. في الفئة نفسها، يبرز برايان
كرانستون بأداء خلّاب لشخصية السيناريست الشيوعي «دالتون ترومبو».
ممثّل نضج تدريجاً بأدوار صغيرة، ليبهر تلفزيونياً في
Breaking Bad،
قبل أن يلمع على الشاشة الكبيرة. بطبيعة الحال، سيكون لكرانستون
شأن كبير في العناوين التالية.
عند الممثلات، يسير التيار لمصلحة بري لارسون عن «غرفة»، في دور
أمّ مغتَصَبة تفعل المستحيل لإنقاذ طفلها. الأسطورة شارلوت رامبلنغ
منافس شرس في «45 عاماً» لأندور هاي، بالأداء الأكثر نضجاً
وتمكّناً. الممثّلة الأفضل في «برليناله» 2015 تستحق الذهب من وجهة
نظرنا. في الأدوار المساعدة، تبدو الأمور شبه محسومة لكايت وينسلت
عن «ستيف جوبز» لداني بويل، ولسلفستر ستالون عن
Creed
لريان كوغلر. لا يمكن وصف «سلاي» بالممثّل اللامع، لكنّه برهن على
أنّه لا يعرف الفشل عندما يتعلّق الأمر بـ«روكي بالبوا». دور
الملاكم الشهير يعيده إلى الواجهة مجدداً، بعدما جلب له ترشيحين
أوسكاريين منذ أربعين عاماً. كذلك، لا بدّ من الإشادة بكل من مارك
رايلانس في «جسر الجواسيس» (الممثّل المسرحي الكبير ابتلع توم
هانكس حقيقةً)، وكريستيان بايل في «النقص الكبير»، وروني مارا في
«كارول» (أفضل ممثّلة في مهرجان كان الأخير، مناصفةً مع إيمانويل
بيركو)، وجنيفر جايسون لي الساحرة في «البغيضون الثمانية». منافسات
الفيلم الأجنبي تحمل اختراقاً تاريخياً للسينما العربيّة. «ذيب»
للأردني ناجي أبو نوّار يسابق على التمثال الحلم مع أربعة عناوين:
الكولومبي «احتضان الثعبان» لسيرو غيرا، والفرنسي «موستانغ»
للمخرجة دنيز غامزي إرغوفن، والمجري «ابن شاؤول» للازلو نيميس،
والدنماركي «حرب» لتوبياس لندهولم. «ذيب» أبرز فيلم عربي خلال
السنوات الأخيرة. «ويسترن سباغيتي» في صحراء «رم»، أيام الثورة
العربيّة الكبرى. أبو نوّار يتلاعب بـ«الجنر» السينمائي، متأثّراً
بسينما جون فورد وسام بكنباه، ومقتفياً بعض آثار دافيد لين ليخرج
بـ«ويسترن بدوي». ليس خيالاً علمياً: سهرة الغد، قد تشهد تتويج
أوّل فيلم عربي بأشهر جائزة على الكوكب. بدوره، لا يمزح نيميس في
«ابن شاؤول» المدجّج بجائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان «كان»،
و«غولدن غلوب» أفضل فيلم أجنبي. جحيم مقيم على هيئة تحفة عن محرقة
أوشفيتز الرهيبة. في «موستانغ»، تبدي إرغوفن حساسيةً عاليةً تجاه
واقع المرأة التركيّة، من خلال خمس شقيقات يعشن في الريف.
حضور عربي آخر في الروائي القصير، من خلال «السلام عليكِ يا مريم»
للفلسطيني باسل خليل. كوميديا تلعب على الفهم الضيّق للدين، من
خلال اجتماع يهود وراهبات مسيحيّات إثر حادث سيّارة. في الوثائقي،
تذهب الحظوظ الأكبر لـ«آيمي» لآصف كاباديا. بيوغرافيا مؤثّرة عن
ساحرة السول الراحلة آيمي واينهاوس.
كيوبريك وهيتشكوك والآخرون:
هل قلت جائزة منصفة؟
المكرّم سبايك لي أحد مقاطعي الاحتفال الكبير، إضافةً إلى أسماء
مثل مايكل مور وويل سميث وزوجته جادا بينكت سميث. السبب معروف:
اقتصار مرشّحي جوائز التمثيل العشرين على أصحاب البشرة البيضاء،
للعام الثاني على التوالي. إعلان الترشيحات خلق الكثير من الجلبة
حول «افتقارها إلى التنوّع».
جورج كلوني وفيولا دافيس وحتى الرئيس الأميركي باراك أوباما أثاروا
المسألة. في المقابل، علت أصوات مدافعة عن الأكاديمية، على اعتبار
أنّ الترشيح يُستحق على أساس الأداء والجدارة، لا بسبب الأصل ولون
البشرة. مايكل كاين، وشارلوت رامبلنغ، وهيلين ميرين، وآيس كيوب من
أبرز أسماء هذا «المعسكر». في المحصلة، أعلنت رئيسة الأكاديمية
شيريل بون إيزاك عن تغييرات كبيرة في تركيبة الإدارة والأعضاء
وحقوق التصويت، بما يضمن مشاركةً أكبر للنساء والأقليّات، وتنوّع
الأعراق، والتوجّه الجنسي. بحلول 2020، ستصبح الأكاديمية «تشكيلةً»
ترضي جميع الأذواق.
لكن مهلاً، متى كان الأوسكار عادلاً مع الجميع؟ من الصاعق أنّ
التمثال لم يبتسم لعظماء مثل ستانلي كيوبريك، وألفريد هيتشكوك،
وإنغمار بيرغمان، وأكيرا كوروساوا. شارلي شابلن عبقري لم يلمسه سوى
تكريم. مارتن سكورسيزي انتظر ثلاثين عاماً ليظفر به عن «الراحلون»
(2006)، في حين أنّه ليس أفضل أفلامه.
كذلك، يغيب فيلم السعفة «ديبان» للفرنسي جاك أوديار عن ترشيحات
الفيلم الأجنبي، كما حصل مع «سبات شتوي» للمعلّم التركي نوري بيلغي
جيلان العام الفائت. ما مبرّر هذا التجاهل المتكرّر لتحف الكروازيت
في الاصطفاء الأوسكاري؟ الاعتبارات الدولية بين المحفلين معروفة
تاريخياً.
«البغيضون
الثمانية» لكوينتن تارانتينو أفضل من عناوين عدّة في مختلف الفئات
الرئيسية. رغم ذلك، لم ينل سوى 3 ترشيحات: أفضل ممثّلة دور مساعد
لجنيفر جاسون لي، وأفضل موسيقى للأسطورة الإيطالي إنيو موريكوني،
وأفضل سينماتوغرافيا لروبرت ريتشاردسون. نعم، الأوسكار ليس مجرّد
احتفال توزيع جوائز. لطالما شكّل فرصة مثالية لتسويق قضايا
وسياسات، حتى لو اقتضى الأمر ترجيح أفلام على أساسها. قائمة طويلة
تبدأ بحقوق المرأة والأقليّات والأعراق والمثليّين، ولا تنتهي
بالاشتباك مع إيران، رجوعاً إلى الحرب الباردة وحقبة المكارثية
المناهضة للشيوعيين. لا ضير من توقّع هوس روسيّ متجدد في الأوسكار
القادم.
سهرة المفاجآت: والفائز هو...
علي وجيه
«العائد»
إخراج: أليخاندرو غونزاليس إيناريتو.
سيناريو: مارك ل. سميث، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، عن رواية
لمايكل بانك.
دراما منحوتة في الثلج، ينتزعها السينمائي المكسيكي من البارود
المشتعل والوحوش الجائعة، ليجلبها على طبق من اللحم النيء. رحلة
صاعقة تجعلنا نتساءل في كل لحظة: إيناريتو، كيف فعلتَ كل هذا؟ نحن
في الثلوج الشمالية الغربيّة لأميركا عام 1823. «هيو غلاس»
(ليوناردو دي كابريو) صيّاد وتاجر فراء خبير بجغرافيا ولايات
وايومينغ ومونتانا ونبراسكا وداكوتا.
ينجز عمله مع حملة صيد عسكريّة الطابع. يتعرّض لغدر وحشي إثر
إصابته بهجوم لأنثى دب خائفة على صغارها، فيعيش بطاقة الانتقام.
برد يفتك بالعظام. دببة شرهة للدماء. انهيارات ثلجية ونيازك هابطة
وشلالات هادرة. ضوء طبيعي طوال الوقت. الطبيعة شخصية مستقلّة بحدّ
ذاتها، تجمع بين القسوة والرحمة، وبين العنف والسكون. سرد كلاسيكي
لتيمة «رجل ضد الطبيعة» من ذاكرة شبح. عن الفقد والعائلة والثقة
والتشبّث بالحياة، يذهب أليخاندرو بعيداً في الخيال والمعايير
والهوس بالكمال. يعيد الاعتبار إلى «جنر» الويسترن وأنماط الدرجة
الثانية
B-Movie
عموماً. يبجّل السينما التقليدية في الصناعة، محققاً شعريةً خشنةً
في أكثر بقاع العالم قسوةً.
«جسر
الجواسيس»
إخراج: ستيفن سبيلبرغ.
سيناريو: مات شارمان، إيثان كوين وجويل كوين.
بيوغرافيا عن المحامي جايمس ب. دونوفان، الذي يكلّف بالدفاع عن
جاسوس سوفياتي في ذروة الحرب الباردة. كالمعتاد، وصفة الثلاثي
سبيلبرغ ــ كامينسكي ــ هانكس لا تعرف الفشل. السينمائي الأميركي
ماهر في الأفلام الشعبوية، المتقنة الصنعة، ذات الرفعة الكلاسيكية.
أميركا أمّة لا تهادن في قيم العدالة والحريّة والعائلة: «كلّ فرد
يهم. كلّ شخص يستحق دفاعاً». فلتة الضوء يانوش كامينسكي شريك
سينماتوغرافي دائم منذ «قائمة تشاندلر» (1993). توم هانكس يقف أمام
عدسة سبيلبرغ للمرّة الرابعة بحضور محبّب. المسرحي البريطاني
الكبير مارك رايلانس يتفوّق بأداء سيبقى في الذاكرة.
«سبوتلايت»
إخراج: توم ماكارثي
سيناريو: جوش سينغر وتوم ماكارثي.
شريط يعيد الاعتبار لمعنى الصحافة الحقيقي. نحن بصدد ملابسات تحقيق
استقصائي كبير، فجّره فريق «سبوتلايت» في جريدة «بوسطن غلوب»
الأميركيّة عام 2001، عن تورّط عدد من الرهبان الكاثوليكيّين في
أفعال تحرّش بأطفال. الأدهى أنّ الكنيسة كانت على دراية بذلك ولم
تتحرّك، مكتفيةً بنقل بعض «الآثمين» من مكان إلى آخر. الجميع
متواطئ في تكريس الصمت والتجاهل: النظام القضائي، والبوليس، ونخب
الإدارة، ورموز المجتمع، وحتى بعض أهالي الضحايا. إيقاع هادئ،
رزين، يتناسب مع قضيّة لا تحتمل إثارة مجانيّة. المهم هو مخاطبة
العقل لتكوين رأي عام، ينبذ السكوت والصمت. هذا الدور الأوّل
لمايكل كيتون بعد أوسكار «بيردمان»، وتألّق آخر لمارك روفالو.
«ماكس
المجنون: طريق الغضب»
إخراج: جورج ميلر.
سيناريو: جورج ميلر، بريندان ماكارثي ونيك لاثوريس.
بعد 30 عاماً، تعود السلسلة الشهيرة في جزء رابع. ميل غيبسون تفرّج
على توم هاردي يقوم بدوره، إلى جانب تشارليز ثيرون. بعد نهاية
العالم، يحتدم الصراع على «طريق الغضب» بين ثوّار وطاغية، بين بشر
ومسوخ. ويسترن ما بعد حداثوي، يولّف السينماتوغرافيا والإخراج
الفني والمؤثرات البصريّة والإيقاع اللاهث، للخروج بشريط مذهل،
يليق بأوسترالي كبير مثل ميلر.
«بروكلين»
إخراج: جون كراولي.
سيناريو: نيك هورنبي، عن رواية لكولم تويبن.
شريط كلاسيكي يرافق الإيرلندية «إيليس» التي تهاجر إلى نيويورك
بحثاً عن حياة مختلفة. ثمّة اجتهاد أسلوبي محترم، بالاشتغال صورةً
ولوناً على ثلاثة أقسام لبنية السرد: إيرلندا قبل السفر ــ بروكلين
ــ إيرلندا بعد السفر. سيرشا رونان تثبت نضجاً لافتاً في الأداء.
السيناريو المخيّب للآمال في النصف الثاني من الفيلم، لا يضفي
الكثير من التفاؤل على حظوظه.
«النقص
الكبير»
إخراج: آدم ماكاي.
سيناريو: تشارلز راندولف وآدم ماكاي، عن كتاب لمايكل لويس بعنوان
«النقص الكبير: داخل آلة يوم القيامة».
كارثة بفداحة أزمة 2008 المالية التي عصفت بأميركا، لا يمكن أن
تمرّ من دون التفات هوليودي. مايكل مور عرض حالات من آثارها في
Capitalism: A Love Story (عام2009).
جي. سي. شاندور تناولها بالأرقام والتحليل في
Margin Call (عام2011)،
فيما شبّه مارتن سكورسيزي المسؤولين عنها بالعصابات فيThe
Wolf of Wall Street (عام2013).
مجموعة من الاقتصاديين الأذكياء، تفطّنوا مبكّراً إلى الهاوية
القادمة. هم أمام خيارين أحلاهما مر: تصحّ توقعاتهم فتقع الكارثة
القوميّة، أو يفشلون فيخسرون كل شيء. لنكشف عن الوجه القبيح
لبروباغندا الحلم الأميركي. هل نحن قلقون على النّاس؟ نعم. هل نطلق
جرس الإنذار؟ بالتأكيد، ولكن ليس قبل الاستثمار في ذلك. ضرورة
الحوار وعوالم الأبطال تقتضي نطق مصطلحات اقتصاديّة ثقيلة على
الشاشة. ماكاي يحاول التغلّب على المعضلة بكاريزما نجومه، فضلاً عن
الاستعانة بمشاهير يتولّون شرح المفردات بشخصياتهم الحقيقية، مع
ظهور
Cameo
لحسناوات مثل مارغوت روبي وسيلينا غوميز. خفّة الدم سلاح آخر.
تشبيهات حاذقة، وحوار ذكي. كل ذلك لا ينجح دائماً في تقريب
المفاهيم المعقّدة إلى المتفرّج العادي. في التصوير، يلجأ ماكاي
إلى نفس وثائقي. يتكئ على مهارة هانك كوروين في التوليف المنهك. في
النهاية، لا يمكن وصف الشريط بالتحفة والإعجاز، إلا أنّه مفاجأة
سارّة من صانع يتوقّع منه المزيد في المستقبل.
«غرفة»
إخراج: ليني أبراهامسون.
سيناريو: إيما دونوهو، عن رواية لها بالاسم نفسه.
دراما دافئة، نعيشها من خلال رؤية الطفل جاك للعالم. الغرفة
الصغيرة تعني الكون بالنسبة إليه. تنقلب الأمور رأساً على عقب بعد
أن تصارحه أمّه بالحقيقة. تفاصيل صغيرة. عالم نفسي متماسك. مباراة
التمثيل السارّة بين بري لارسون، والطفل الفلتة جايكوب تريمبلي.
كلّها مكاسب لمصلحة فيلم، يؤخذ عليه بعض الضياع في الثلث الأخير.
«المرّيخي»
إخراج: ريدلي سكوت.
سيناريو: درو غودار، عن كتاب لآندي واير.
مهمّة إنقاذ أخرى لمات ديمون، تتصدّى لها هوليوود بميزانية ضخمة
بعد «إنقاذ الجندي ريان» (1998) لسبيلبرغ. يبقى رائد الفضاء «مارك
واتني» وحيداً على الكوكب الأحمر، فتستنفر «ناسا» والولايات
المتحدة برمّتها لإعادته إلى «حضن الوطن». باستثناء الجوانب
التقنيّة، هذا أضعف الترشيحات من دون منازع. بحق السينما، كيف يتم
تجاهل «البغيضون الثمانية» لتارانتينو لمصلحة عمل سطحي ساذج كهذا؟
أوسكار 2016:
هوليوود عنصرية بكل المقاييس!
عام 1939، نالت الممثلة هاتي ماكدانيال «جائزة أوسكار» أفضل ممثلة
مساعدة، كأول أفريقية أميركية، عن دورها كخادمة منزل في «ذهب مع
الريح» (1939). طغت خطوة «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة»
المثالية حينها، على ما حدث في كواليس الحفلة.
بعد إجراءات متشددة، استطاعت هاتي الدخول إلى القاعة، لكن لم يسمح
لها بالجلوس مع فريق العمل وممثليه على الطاولة نفسها. أما الأدوار
التمثيلية التي نالتها ماكدانيال بعد منحها الجائزة، فقد كرستها
بدور الخادمة عبر حوالي 70 دوراً لتعلق على ذلك قائلةً: «انقلبت
الجائزة عليّ».
تختصر هذه الحادثة علاقة الأفارقة الأميركيين مع «الأوسكار». لا بد
من العودة إليها مع غياب الترشيحات الأفريقية، العام الماضي والسنة
الحالية عن 20 جائزة تمثيلية، فيما لم يتسلم أي أفريقي أو أفريقية
جائزة أفضل مخرج منذ تأسيس الأوسكار عام 1927. لذا، ليست الخطوة
التي قام بها بعض المخرجين والفنانين السود لمقاطعة حفلة تسلم
«جوائز الأوسكار» مساء الأحد 28 الحالي، سوى خطوة منتظرة من قبل
كثيرين.
Oscarsowhite#
انتشر هذا الهاشتاغ سريعاً بعدما أعلن المخرج سبايك لي على صفحته
على تويتر أنه سيقاطع «الأوسكار» مع زوجته، فالتحق به ويل سميث
وزوجته جادا بينكيت سميث ومايكل مور وغيرهم. لقد استبعد ويل سميث
عن دوره في
Concussion
وصامويل إل جاكسون عن
The Hateful Eight،
وإدريس إلبا عن
Beasts Of no nation.
الجلبة التي أحدثها خبر المقاطعة في كواليس الأوسكار، أدت إلى خروج
أرقام ووقائع صادمة تظهر غياب التنوع عن الجائزة. فيما يشكل
الأفارقة 13% من سكان أميركا، إلا أنهم لم ينالوا إلا 10% من جوائز
الأوسكار خلال قرن كامل. رغم الإجحاف الواضح بحقهم، تبدو مشاركة
الأفارقة أرحم من اللاتينيين الذين يشكلون 16% من سكان أميركا،
ونال ممثلوهم فقط 3% من الجوائز فقط، أو من الآسيويين الذين يشكلون
6% من السكان فيما حصدوا 1% من الجوائز. الإجحاف بحق الأقليات
الإثنية والجندرية شكل سمة أساسية تاريخية في الأوسكار. لكن ربما
علينا العودة إلى هوليوود أيضاً، كما علق بعض الفنانين المعترضين
والمقاطعين بأن غياب التنوع «لا يقتصر على الأوسكار أو القائمين
عليه فحسب بل يرتبط بـنظام إنتاج الأفلام في هوليوود». هذا ما
أكّدته دراسة أ أنجزتها جامعة «جنوب كاليفورنيا» أجرتها على أكثر
من 400 فيلم ومسلسل تلفزيوني من 2014 حتى 2015. نتيجة الدراسة تؤكد
أن
# HollywoodSoWhite.
ركزت الدراسة بشكل أساسي على تهميش هوليوود للأقليات الإثنية
والجندرية لتتوصل إلى أنّ «صناعة الأفلام أشبه بنادٍ للذكور البيض
والمستقيمين». وقد توصلت إلى أن الإناث قمن بتأدية الأدوار
المتحدثة بنسبة 34%، و29% كممثلات، و15% كمخرجات، و29% ككاتبات
سيناريو. ولناحية وظائف الإخراج في الأفلام، فقد وصلت نسبة النساء
إلى 4% من بينهن امرأتان من أصول أفريقية. أما في ما يخص المثليين
والمزدوجين والمتحولين جنسياً، فقد أتت النتائج كارثية، فـ 2% منهم
فقط شاركا كشخصيات متحدثة. |