تواصلت ردّات الفعل حول موضوع خلو الترشيحات الرسمية لجوائز
الأوسكار، تلك التي أعلنت في الخامس عشر من الشهر الحالي، من أي
وجود يُذكر لسينمائيين أفرو - أميركيين على الرغم من وجود أفلام
جيّدة وعدد ملحوظ من المواهب العرقية بين الممثلين والمخرجين هذا
العام.
الممثلة لوبيتا نيونغ، التي نالت أوسكار أفضل ممثلة مساندة عن
دورها في «12 سنة عبدًا» قبل عامين، صرّحت بأنها تشعر بـ«الخيبة
بسبب الافتقار إلى التنويع» العرقي. أضافت: «أصطف مع أترابي
المنادين بإجراء تغييرات».
جادا بنكيت سميث وزوجها الممثل - المنتج ول سميث قررا مقاطعة
الأوسكار، وهي كتبت تهاجم ترشيحات الأوسكار من حيث خلوّها من
ممثلين أفرو - أميركيين بين الممثلين والممثلات العشرين المرشّحين
للجائزة الكبرى.
الممثل البريطاني إدريس ألبا، الذي شهد له النقاد بحسن الأداء في
«وحوش بلا أمّة»، ذكر في حديث له أمام لجنة برلمانية قبل يومين أن
ما أقدمت عليه الأكاديمية في هذا الشأن، أمر «لا يُغفر» وقال
أيضًا: «انتقلت للعمل في أميركا لأن هناك حلمًا أميركيًا، لكن
المشكلة هي أن هناك فجوة بين الحلم والواقع».
والمخرج الأميركي سبايك لي أعلن مقاطعته ومعارضته للأوسكار معتبرًا
أن «تغييب المواهب الأفرو - أميركية للعام الثاني على التوالي يعكس
قدرًا من العنصرية».
أما ديفيد أويلو، وهو ممثل بريطاني آخر يشق طريقه هوليووديًا وقام
بدور مارتن لوثر كينغ في فيلم «سلما» في العام الماضي فصرّح
قائلاً: «هناك مشكلة في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية وعلى
هوليوود أن تحلها».
*
أسئلة تاريخية
هذه الاحتجاجات، وغيرها من الأصوات المنددة، تستند إلى حقيقة أن
هذا التغييب حدث في عامين متواليين، ففي العام الماضي تبوأ عشرون
ممثلاً وممثلة من البيض كل أقسام التمثيل وبذلك تم استبعاد أي عنصر
أو ابن قومية أخرى. كذلك كان الحال بالنسبة لقائمة المخرجين
المرشّحين عن أعمالهم، وهم رتشارد لينكلاتر وبَنت ميلر ووس أندرسن
ومورتن تيلدم. وبين الأفلام، تم ترشيح «سلما»
(Selma)
في عداد سباق أفضل فيلم، لكنه لم يفز.
ليس أنه لم تكن هناك أفلام تستحق الترشيح من صنع الأميركيين السود.
على العكس شاهدنا «كريد» الذي حوى براعات متعددة في مجال الكتابة
والإخراج رايان كوغلر، وفي مجال التمثيل بطله مايكل ب. جوردان.
كذلك هناك فيلم سبايك لي الجديد «شري - راق» (يتألّف العنوان من
نصف كلمة شيكاغو ونصف كلمة عراق) الذي لم يدخل أي ترشيح على الرغم
من مستواه الرائع على كل الجبهات. ليس هذا فقط بل لم يُتح الفوز عن
أي فيلم له إلى اليوم، والأوسكار الوحيد الذي سيمنح له هو شرفي،
وذلك في الحفلة التي ستقام في الثامن والعشرين من هذا الشهر.
هذا الموضوع يطرح السؤال على نطاق كبير: هل الأوسكار عنصرية
بالفعل؟ إذا لم تكن، فأين هي المواهب السوداء في الإخراج والتمثيل
والكتابة والموسيقى والتصوير؟ أين هي الأفلام التي تنال مديح
النقاد وتفوز بجوائز نقدية وأخرى من مناسبات سنوية لكنها تخفق في
الوصول إلى الترشيحات النهائية؟
في عام 1988 تم الطلب من الممثل إيدي مورفي (يعود هذا العام إلى
الشاشة بعد أربع سنوات غياب بفيلم عنوانه «مستر تشيرش») تقديم
جائزة أفضل فيلم في حفلة الأوسكار لذلك العام. وهو وقف على المنصّة
ملاحظًا عدم وجود أي فيلم من إخراج أفرو - أميركي أو فيلم يتحدّث
عن الموضوع العنصري خلال ذلك العام. قال: «إذا كان الفنان الأسود
سينال جائزة كل 20 عامًا فإن هذا يعني أننا موعودون بجائزة في سنة
2004». في عام خطابه كان هناك ممثلان من السود مرشحين لأوسكار أفضل
ممثل مساند هما دنزل واشنطن عن «صرخة الحريّة» ومورغان فريمن عن
«محنّك»
(Street Smart).
لكن الأوسكار ذهب إلى شون كونري عن دوره (الجيّد) في «غير المرتشين»
The Untouchables.
أما عام 2004 ذاته، فانحصر الوجود الأفرو - أميركي بشخص واحد هو
جيمون هاونسو عن دوره في فيلم جيم شريدان «في أميركا». لكن مواهب
من أعراق أخرى شهدت وجودًا في المحطات الصغيرة مثل أفضل ممثل مساند
وأفضل ممثلة مساعدة. الإيرانية المهاجرة شهرة أغادشلو تم ترشيحها
عن دورها المساند في «منزل من رمال وضباب»، الياباني كن واتانابي
رُشح عن دوره في «الساموراي الأخير» والممثل الأميركي المولود في
بوارتوريكو بينثيو دل تورو.
الوضع كان أفضل في العام التالي، وعلى نحو مفاجئ وواعد: الممثل
جايمي فوكس نال أوسكار أفضل ممثل عن دوره في «راي» (لاعبًا شخصية
المغني الراحل راي تشارلز) ودون شيدل رشح، في المسابقة ذاتها،
كأفضل ممثل عن «أوتيل رواندا».
هذا لم يكن كل شيء، فالممثل مورغان فريمان حظي أيضًا بالأوسكار
وذلك في عداد أفضل ممثل مساند عن دوره في فيلم كلينت إيستوود
«مليون دولار بايبي»، وهو الفيلم الذي نال أوسكار ذلك العام ونالت
عنه هيلاري سوانك أوسكار أفضل ممثلة.
*
المُخرج الوحيد
لكن السنوات قبل 2004 وبعد 2005 لم تكن ثرية التنوّع في معظمها.
الممثلة السوداء الوحيدة التي نالت جائزة أوسكار عن دور رئيسي لا
تزال هالي بيري عن «كرة الوحش» سنة 2001. وفي كل تاريخ الأوسكار تم
منح الجائزة عن أفضل ممثل رئيس لأربعة ممثلين سود فقط هم سيدني
بواتييه عن «براعم في الحقل» (1963) ودنزل واشنطن عن «يوم التدريب»
(2001) ثم جايمي فوكس عن «راي» (2004) وفورست ويتيكر في العام
التالي عن دوره في «آخر ملوك اسكوتلندا».
الحال في فئة التمثيل في دور مساند ليس أفضل فحصول مورغان فريمان
على أوسكار أفضل ممثل مساند عن «مليون دولار بايبي» ورد رابعًا
وأخيرًا بين الممثلين السود الذين تم ترشيحهم في هذا الإطار وهم
لويز غوزيت جونيور عن «ضابط وجنتلمان» (1982) ودنزل واشنطن عن
«غلوري» (1989) وكوبا غودينغ جونيور في «جيري ماغواير» (1996).
في التمثيل النسائي المساند كان للممثلة الراحلة هاتي ماكدانيال
دخول التاريخ كأول موهبة سوداء (في أي فرع) تنال الأوسكار وذلك عن
دورها كخادمة محبّة وطيّعة في «ذهب مع الريح» (1939). ثم 71 سنة
جافة من قبل أن تنال الممثلة ووبي غولدبيرغ جائزة أوسكار في
الميدان نفسه عن «شبح» (1990) ثم مرّت 16 سنة أخرى قبل أن تفوز
جنيفر هدسون بأوسكارها عن «فتيات الحلم» بعدها فازت كل من مونيك عن
«بريشوس» (2009) وأوكتافيا سبنسر عن «المساعدات» (2011) ولوبيتا
نيونغو عن «12 سنة عبدًا» (2013).
هذا الفيلم الذي يدور عن العنصرية كان الفيلم الوحيد الذي نال
الأوسكار لمخرج أسود، هو البريطاني ستيف ماكوين. ولم يفز بأوسكار
أفضل مخرج أي سينمائي أسود علمًا بأن المرشّحين من بدايات الأوسكار
إلى اليوم من الأفرو - أميركيين لم يتجاوزا ثلاثة أشخاص هم جون
سينغلتون عن «فتيان الحارة» (1991) ولي دانيالز عن «بريشوس» (2009)
و- كما تقدم - ستيف ماكوين عن «12 سنة عبدًا».
في الحصيلة، فإن مجموع الترشيحات في كل الأقسام (بما فيها الكتابة
مثلاً أو تصميم الأزياء) بلغ 91 ترشيحًا فقط، وذلك منذ عام 1927
(تاريخ أول سنة من سنوات هذه الجائزة التي تحتفل بدورتها الثامنة
والثمانين هذا العام). معظم هذه الترشيحات وردت في السنوات الخمس
عشرة الأخيرة أو نحوها.
ما هو واضح هو أن هناك نظام اقتراع ينتمي إلى العدد الغالب من
المقترعين، وهم بيض. بعضهم يصوّت للموهبة السوداء في بعض الأحيان،
لكنه لا يكترث لهذا التصويت في معظم الأحيان. رغم ذلك، طريقة
التصويب ديمقراطية تمامًا وخالية من التلاعب وتستفيد من حريّة
الرأي والعقيدة تمامًا.
*
اعترافات ووعود
لا يعني ذلك أنه لا توجد عنصرية (ربما دفينة) عند السينمائيين
الأعضاء في الأكاديمية (نحو 6000 عضو) لأن رئيس الأكاديمية الجديدة
شيريل بون أيزاكس، وهي أفرو - أميركية بدورها، أشارت في لقاء تم
معها قبل أيام لصالح مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» بأنها تعرضت لمواقف
عنصرية منذ توليها الرئاسة. لم تضف أكثر من ذلك أو توضّح، لكن ما
قالته كاف.
ويوم أول من أمس (الاثنين) أصدرت أيزاكس بيانًا بدأته بالقول «عليّ
أن أعترف بالعمل الرائع لمرشحي هذه السنة، وبينما نحتفي بتلك
الإنجازات غير العادية، فإن قلبي مكسور ومحبط بسبب الافتقار إلى
التنوع. هذا نقاش صعب لكنه مهم وآن الأوان لإحداث تغييرات كبيرة».
وذكرت أيزاكس أن تغييرات كانت بدأت قبل عامين عن طريق توجيه دعوة
الانضمام إلى نحو 340 موهبة غير بيضاء في مختلف المجالات للانضمام
إلى الأكاديمية لكن «التغيير ليس واقعًا بالسرعة التي نود. علينا
أن نفعل أكثر وأفضل وأسرع».
هذا الكلام الوارد من قمّة الأكاديمية يعترف بأن هناك مشكلات
منتشرة بين الأجناس والأعراق. هناك غالبية بيضاء وذكورية مقابل عدد
أقل من الإناث، وكلاهما، الذكور والإناث، يشكل غالبية المقترعين.
المشكلة كامنة في أن العناصر العرقية الأخرى ليست كافية لإحداث
التغيير. وعندما يكون قسم مهتم بمسابقة معيّنة، مثل التصوير،
وأعضاء هذا القسم جلهم من البيض، فإن النتيجة لا يمكن إلا أن تأتي،
حتى من دون قصد، بيضاء.
جانب من هذه المشكلة كامن بدوره في أنه في الوقت الذي يمثل فيه
البيض غالبية مطلقة (لا تفصح الأكاديمية عن أرقامها لكن من المتوقع
أن تشكل نحو 80 إلى 88 في المائة من الأعضاء الممارسين) فإن نسبة
الأعضاء البيض المنتمين إلى أجيال الثمانينات وما بعد، لا تزيد عن
35 في المائة حسب الترجيحات، وذلك يعني أن كبار السن من المقترعين
ليسوا على صلة مع سينما ومفاهيم تطوّرت في السنوات الثلاثين
الأخيرة على الأقل، بل ما زالوا على علاقة متينة مع القوالب
المعتادة قبل ذلك، عندما كان ظهور المواهب السوداء أو اللاتينية
على مسرح الإجادة الفنية أقل مما هو عليه الآن.
بعض هؤلاء المقترعين لا بد بالضرورة أنهم على قدر من العنصرية
الدفينة التي لا تسمح لهم بالانفتاح صوب الآخر، مما يفسر كيف أن
الأفلام السوداء ومواهبها لا تصل إلى الترشيحات النهائية وعندما
تصل فإنها غالبًا ما تصل متباعدة.
التقدم الذي أحرزته الأكاديمية لأجل ردم الهوّة بين العناصر حقيقي،
كما تشير السنوات الأخيرة كلها التي ارتفعت فيها نسبة ترشيح
المواهب السوداء و- في أحيان - فوزها، لكن الإطار الأوسع من الأزمة
يتعامل وحقيقة أن الصناعة السينمائية ذاتها تشكو من قدر كبير من
عدم التوازن، حيث ما زال معظم العاملين فيها من عنصر وعرق معيّنين.
وما سيحدث تبعًا لهذه الضجة المثارة سوف يكون بمثابة رش الزيت على
نار موقدة. فبينما تستمر الانتقادات سيعمد عدد من الفائزين يوم
الامتحان الكبير إلى الحديث عن هذه الأزمة منددين غالبًا بهذا
التمييز. لكن الاهتمام الأكبر سيكون منصبّا على مقدّم الحفل الممثل
كريس روك وهو كوميدي أفرو - أميركي معروف بحدّة لسانه. السائد هنا
هو أنه سوف لن يتوانى عن هز عرش الأكاديمية ساخرًا من الطريقة التي
تتم بواسطتها هذه الترشيحات.
أعضاء من الأكاديمية يدافعون ويشرحون
* «انتخبت
عددًا من الممثلين السود وأنا آسفة أنهم لم يفوزوا بالترشيح. لكن
أن يتم الإيحاء بأننا جميعًا عنصريون فإن هذا مهين للغاية. لا أريد
أن أوصم بأني عنصرية، لأن الحقيقة هي أنني مساندة للسود في هذا
الوسط. لكن المواهب هذا العام كانت كثيرة وشديدة المنافسة»
*
الممثلة بينيلوبي آن ميلر.
«لقد
صوت لكثير من المواهب السوداء ولا أستطيع أن أبرهن عن أني أو سواي
من أعضاء الأكاديمية عنصري. لقد كانت هناك أفلام مهولة في عام 2015
من بطولة شخصيات بيضاء. ليتحدثوا مع الاستوديوهات لتصحيح هذا الوضع»
*
الكاتب جيريمي لارنر (نال أوسكار أفضل سيناريو عن «المرشح» سنة
1972(
«شعرت
بالإهانة من الذين يلقبوننا بالعنصريين. العنصرية كانت أبعد شيء عن
بالي عندما كنت أقوم بمزاولة الترشيح. مثل هذا التعميم فعل غير
مسؤول مطلقًا».
*
ممثل فضّل ألا يذكر اسمه. |