بولجر يُساعد المُسنَّات وبعد دقائق يسحق جمجمة أحدهم...
ديب في «القدَّاس الأسود» مُرشَّح للأوسكار ويُقارَن بـ «العرَّاب»
الوسط - جعفر الجمري
«القدَّاس
الأسود»، فيلم استُمدَّ عنوانه من كتاب يحمل الاسم نفسه لصحافييْن
في «بوسطن غلوب»، وهو الأحدث من بين أفلام الممثل السينمائي
الظاهرة: جوني ديب، يرصد قصة حقيقية لواحد من أشهر رجال العصابات
في الولايات المتحدة (جيمس) أو «وايتي» بولجر، ذي الأصول
الأيرلندية، وتداعيات تعاونه مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ضمن
الحروب المُوجَّهة ضد العصابات التي تشكِّل موزاييك الجريمة،
والعالم السفلي في الداخل الأميركي، وهذه المرة ضد عصابة مافيا
إيطالية، كل ذلك من أجل أن يغضَّ المكتب الطرْف عمَّا يقوم به من
أعمال إجرامية.
التعاون ذاك مع «إف بي آي» يقودنا إلى شخصية كونولي، العميل
الفاسد، وبذكاء لا يخلو من تبرير أيضاً؛ إذ لا يحمِّل الفيلم
مسئولية الأسلوب الذي لجأ ويلجأ إليه مكتب التحقيقات من أجل تطبيق
القانون، ولو تطلَّب الأمر تسخير وتجنيد خارجين على القانون!
«القداس
الأسْود» كان مثار جدل، ومقارنات أيضاً بينه وبين واحد من أشهر
الأفلام في تاريخ السينما العالمية وكلاسيكياتها: «الأب الروحي»
للمخرج فرانسيس كوبولا، وبطولة مارلون براندو، و «الأصدقاء
الطيبون»، وهو من صنف أفلام الجريمة تم إنتاجه في العام 1990، ومن
إخراج مارتن سكورسيزي، وأدَّى دور البطولة فيه، روبرت دي نيرو، راي
ليوتا وجو بيشي؛ فيما رأى آخرون أن الفيلم يقف على قاعدة أخرى
تُتيح له أن يكون ضمن قائمة مستقلة من الأفلام التي عالجت موضوعات
الجريمة.
بولجر، بين حياة الجريمة وتهريب المخدرات، وصولاً إلى القتل،
الابتزاز، تهريب السلاح، وتعاونه مع «إف بي آي» ضد منافسيه من
العصابات الأخرى، وتلك الشراسة والدموية التي بدا عليها، لم يهمل
الفيلم جانباً آخر فيه: جانب الإنسان، المتواصل مع بيئته، الخدوم
لأمه، وما يشبه التقديس لأخيه، العطوف على النساء المُسنَّات، بحمل
ما يبتعْنه من محلات البقالة إلى حيث يُقمن، وبعد برْهة من ذلك
الموقف، لا يتردَّد في سحْق جمجمة أحد منافسيه!
جون هيسكوك، من صحيفة «التلغراف»، التقى ديب في ما يشبه «الدردشة»،
ضمَّنها تقريراً كتبه يوم الأحد (11 أكتوبر/تشرين الأول 2015)،
نورد أهم ما جاء فيه.
تضاؤل القدرة على المساومة
مضى وقت طويل منذ أن قدَّم جوني ديب فيلماً ناجحاً. أو أحدث
تحوُّلاً في أدائه. في السنوات الأخيرة، كانت أعمال ديب تتخبَّط في
سلسلة من شباك التذاكر، من بينها فيلمه «الظلال الداكنة»،
«التفوُّق»، و «الحارس الوحيد»، والأخير فيلم مغامرة أميركي أطلق
في العام 2013، وأنتجته «والت ديزني» و «جيري بروكهايمر»، وشاركه
البطولة فيه، أرمي هامر، ومن إخراج غور فيربينسكي، أو فيلم
الكوميديا العميقة «موردكاي»، وهو من صنف أفلام الجريمة، الإثارة
والكوميديا، من إخراج ديفيد كيف، وإنتاج وبطولة جوني ديب، إلى
جانب: جوينيث بالترو، إيوان مكريغور، أوليفيا مون، وبول بيتاني،
وتم إطلاقه في العام 2015.
هنالك تقارير تشير إلى أنه اضطر إلى تخفيض أجره المُعتاد، والبالغ
20 مليون دولار، للقيام بالدور الذي رفضه بداية الأمر، وذلك علامة
على أن قدرته على المساومة بدأت تتضاءل.
لكن كل ذلك قد تتوافر له ظروف للتغيُّر مع إطلاق فيلمه الجديد،
والذي يصوِّر جيمس «ويتي» بولجر، زعيم العصابات والقاتل الذي حكم
العالم السفلي في بوسطن لسنوات، وذلك بسبب صفقة سرية مع أحد عملاء
مكتب التحقيقات الفيدرالي.
النقاد من جانبهم، أشادوا بالفيلم بوصفه من بين أفضل الأعمال التي
تقشعرُّ لها الأبدان، مقارنة بالأدوار التي أدَّاها ديب قبل سنوات.
في الفيلم استخدام للأطراف الاصطناعية، العدسات اللاصقة المعتمة
وشعْر مستعار، يبدو فيها ديب في هيئة تكاد لا تَبِين... يتوارى
بتلك الهيئة في دور بولجر، الذهاني والقاتل.
الفيلم الذي استند إلى كتاب يحمل العنوان نفسه «القدَّاس الأسود:
ويتي بولجر/إف بي آي/ وصفقة الشيطان»، وكتبه صحافيان يعملان في
«بوسطن غلوب»، هما: ديك لِر وغيرارد أونيل، تمكَّن من الوصول إلى
القصة الحقيقية التي تتحدَّد في علاقة بولجر بعميل مكتب التحقيقات
الفيدرالي. الكتاب نفسه بحسب رؤية بعض النقاد له، يُعدُّ الأبرز من
بين جميع الأعمال التي تم إنجازها عن حياة بولجر، والتي يصل عددها
إلى أكثر من عشرة إصدارات.
زيارته لبولجر في السجن
ما لا يعرفه كثيرون - ربما - أن ديب لم يُبْدِ حماساً لأداء
الفيلم؛ ليس بسبب الشخصية التي أحبَّها بالطبع، ولكن بسبب خلاف على
الأجْر، الذي اضطر إلى أن يخفِّضه.
للحصول على رؤية عميقة وعن قرب لشخصية بولجر، الذي يبلغ الآن
الرابعة والثمانين من عمره، حاول ديب زيارته في السجن؛ حيث يقضي
عقوبة السجن مدى الحياة في حُكميْن صدرا ضدَّه، بتهم الابتزاز،
وقتْل 11 شخصاً. (ألقي القبض عليه في سانتا مونيكا في العام 2011،
بعد أن نجح في الهروب والتواري عن السلطات لمدة 16 عاماً). وكما
قال ديب: «قدَّمت طلباً من خلال محاميه للجلوس معه في محاولة
لتقمُّص بعض سلوكياته وصوته، وما يمكنني تقمُّصه»، مضيفاً، عندما
تحدَّثنا بفندق تورنتو. «لم أكن مُهتماً في أن أسأله عن جرائمه، أو
أي شيء من هذا القبيل، أردتُ فقط بعض الأمور والتفاصيل الشخصية
عنه، لكنني حصلت على ردِّه من قبل (عن طريق محاميه) في رسالة
مفادها، إنه رفض زيارتي بسبب كراهيته للكتاب؛ وخاصة كرهه لصحافييْ
(بوسطن غلوب)، اللذين أزعجاه طوال 20 عاماً».
ديب في مزاج يميل إلى الفكاهة، تتدفَّق منه النكات لكونه مسنِّاً
في الدور الذي يؤدِّيه - هو الآن في الثانية والخمسين من عمره -
لكنه يتحول إلى الجِدّ عندما يتحدَّث عن بولجر، والدور الذي يمكن
أن يمنحه الترشيح لجائزة الأوسكار. وجد ديب بعض الخير في بولجر،
تماماً مثلما وجده في أحد رجال العصابات: جون ديلينجر، الذي صُوِّر
بوصفه عدو الشعب، فيما صوَّره هو «مثل روبن هود».
يقول ديب: «ما شدَّني إلى جيمي بولجر، هي الجوانب المختلفة من
شخصيته وإنسانيته»، مضيفاً «شعرت بأن الطريقة الوحيدة التي يُمكنني
من خلالها لعب دور شخصية على غراره، كانت في العثور على الجانب
الإنساني فيه أولاً، ومن ثم تحديد ذلك لنرى إلى أين تأخذنا. لقد
كان رجلاً مُعقَّداً للغاية. أعتقد أن هناك جانباً حسَّاساً جداً
فيه، وكان يمكن أن يكون مَوْئلاً للاهتمام، ورجلَ عائلة جميلاً،
يُقدِّس أخاه، وكان جِدُّ مخلصاً لمجتمعه. هنالك جانب شعري حول ما
الذي يمكنه أن يقوم به، كونه مهاجراً أيرلندياً فخوراً بانتمائه،
ووفياً لمنطقته، وراعياً لأمِّه، وقريباً جداً من أخيه؛ إلاَّ أن
عمله في النهاية يقوم على العنف».
مساعدة مُسنَّات وسحْق جمجمة
وأضاف ديب «كان يُخصِّص وقتاً لحمل مواد التسوُّق من البقالة
لسيِّدات مُسنَّات إلى حيث منازلهن، وبعد 10 دقائق من ذلك يقوم
بسحْق جمجمة شخص ما. هكذا مَشيتُ على حبْل مشدود في أداء الدور،
لإظهار الجانب المُعْتم للغاية في الشخصية؛ ولكن في الوقت نفسه،
إظهار الإنسان، وجانب الاهتمام والرعاية لديه (الجانب العاطفي
والإنساني)».
إن أُسَر ضحايا بولجر كانت جزءاً بالفعل من قضية تخضع لمثل هذا
التقييم في العمل. «هذه ليست هوليوود. نحن أمام أمر حقيقي هنا»،
بحسب ما قالت باتريشيا دوناهيو، التي قُتِل زوجها على يد بولجر
«كيف يُمكنك التعاطف مع هذا الشخص، مع معرفتك بما فعله؟».
يرتدي ديب اليوم القبَّعة الرمادية نفسها التي ارتداها أثناء
الترويج لفيلمه «الحارس الوحيد»، وسترة بنية من جلد الغزال وبنطال
جينز، ويضع سنّاً من الذهب، لأن عليه العودة إلى تصوير مشاهد من
فيلم القبطان جاك سبارو، ضمن سلسلة قراصنة الكاريبي: «الرجال
الأموات لا يحكون حكايات» (سيصدر في العام 2017). ولكن بالنسبة
إليه، ليس من السهْل دائماً الانتقال فوراً من شخصية إلى أخرى. وفي
هذا الصدد يقول: «كلما انتهيت من أداء شخصية يظل هناك شعور بالضغط
والكآبة، بحيث تفتقد لفترة من الزمن تلك النوعية من الشخصيات
والبشر الآخرين. مع شخصية جيمي بولجر حدث لي شيء مماثل، لأنك تكون
وقتها تحمل داخلك كل هؤلاء الناس لأكثر من ساعة في اليوم، أكثر مما
أنت عليه بشخصيتك الحقيقية. هناك دائماً تلك الفترة التي تقول فيها
وداعاً، والتي لا أجدها مُريحة».
منْع العرْض في تورنتو
لقد ودَّع ديب بالفعل مراحل إنجاز فيلمه «صانع القبَّعات» بعد أن
انتهى من تصوير تتمَّة «أليس في بلاد العجائب»، و «أليس من خلال
المرآة»، كما أن لديه فيلمين آخرين في انتظار إطلاقهما سيصدران
قريباً: الأول «حقول لندن» (سيصدر في العام 2016)، المُقتبس من
رواية مارتن أميس، وتشارك فيه زوجته آمبر هيرد. تباينت آراء
النقَّاد بشأنه؛ فهناك من وصفه بأنه «فيلم غبي» بحسب صحيفة
«الغارديان»، فيما رأت فيه جهات بأنه فيلم «طموح»؛ بحسب وصف موقع
«سكرين دايلي». أما الفيلم الثاني فهو «حمقى اليوغا» (سيصدر في
العام 2016)، كوميديا كتبها كيفن سميث، وتشارك فيه ابنتَا سميث
وديب.
«القدَّاس
الأسود»، واجه مشكلة صاحبتْ إطلاقه بمنْع عرضه في مهرجان تورنتو
السينمائي، بعد تنامي الخلافات بين المخرج والمنتجين.
ليلي - روز ديب، تبلغ من العمر 16 عاماً، هي ابنته من زواجه
بالمغنيَّة والممثلة الفرنسية فانيسا بارادي (هناك أيضاً ابنه جاك،
البالغ من العمر 12 عاماً). وكان ديب أعلن انفصالهما في العام
2012، وبعد عام واحد التقى الممثلة آمبر هيرد خلال إعداد فيلم
«يوميات روم» من إنتاجه وبطولته ولعب فيه دور بول كيمب، إلى جانب
آرون إيكهارد، آمبر هيرد، ريتشارد جينكينز، جيوفاني ريبيسي، وأطلق
في العام 2011. من خلال الفيلم نفسه تمت خطوبته بهيرد عشيَّة عيد
الميلاد في العام 2013، وتزوَّجا في فبراير/شباط من العام 2015.
وقال: «أنا وفانيسا نتفق بشكل رائع. ليس في ذلك غرابة على الإطلاق.
الحياة تستمر، وأمضينا 14 عاماً رائعة معاً، وربَّيْنا طفلين نظلُّ
فخورين بهما، وبشكل لا يُصدَّق».
البساطة هي ما أريد
جذبت ليلي - روز (ابنة ديب) الانتباه، بعد أن كانت جُزءاً من حملة
تصوير فوتوغرافي تضم 10 آلاف أميركي، من الذين لا يحدِّدون أنفسهم
بأنهم «مُستقيمون بنسبة 100 في المئة»، كما تم تصويرها أيضاً من
قِبَل كارل لاغرفيلد لأعمال في رواق ساتشي في لندن، يضم صوراً
لنساء عصريات يرتدين مجوهرات «كوكو شانيل».
قال ديب وهو يُطلق ضحكة: «ما يحدث مع ليلي - روز هو شيء لم أكن
أتوقعه بتلك السرعة، أنا على يقين من ذلك؛ لكن الأمور بمجْرياتها.
لم يكُ أملي أو حلمي أن تصبح ممثلة أبداً؛ إلا أنها تستمتع بذلك؛
لذا أنا فخور جداً بها لأنها لمَّاحة وذكية. هي على تواصل معي،
وتخبرني بكل شيء، وإذا احتاجت إلى أي نصيحة في المجال الذي تخوضه
فأنا موجود من أجلها».
حين يكون ديب وهيرد غير مرتبطيْن بتصوير عمل، يُقسِّمان وقتيْهما
تنقلاً بين جزيرة تبلغ مساحتها 45 فداناً يملكها في منطقة البحر
الكاريبي؛ حيث يُرسي يخْته البالغ طوله 156 قدماً، ليستقر في قصره
ذي البوابة المغلقة على مشارف ناشفيل، بتينيسي. علاوة على حقل
الكرْم والمنزل الذي يملكه في جنوب فرنسا، الذي تم عرضه مؤخراً
للبيع، وتراجع عنه.
وَقَالَ في هذا الصدد: «أنا لا أعرف لماذا تم عرْضه للبيع. لم تكن
فكرتي أبداً؛ لذلك سحبت عرْض بيعه من السوق. كان العقار جيداً
للغاية بالنسبة لي، وعايشت طفليَّ وهما يكبران هناك، ولا أعتقد
أنني يمكن أن أفرِّط به في أي وقت، لأنني حين أصبح أثراً؛ سأظل أحب
أن يكون أطفالهما في المكان نفسه».
في الأوقات التي تُتاح له، يُمارس ديب واحدة من أكثر الهوايات
المحبَّبة إلى نفسه: الموسيقى، وهي التي بدأ بها في وقت مبكّر من
حياته الفنية.
يظل ديب تحت الأضواء العامة، وخصوصاً إذا ما كان يروِّج لفيلم
جديد، ومع انتهاء كل ذلك يعود أكثر هدوءاً وبساطة. وبمناسبة الكلام
عن البساطة، أشار بالقول: «ما أريده هو البساطة. كانت بالنسبة لي
حالة نادرة لعدَّة سنوات، ولكنني كنت قادراً على الاستمتاع بمصاحبة
ابنتي، أو قراءة الصحف، والبدء في قراءة كتاب لشخص أنا معجب به
مثل: لورانس كراوس، أو كريستوفر هيتشنز. هذا كل شيء: البساطة؛ حيث
لا وجود للعبة هوليوود». |