ليست مصر الدولة الوحيدة التي فاتها قطار اللحاق بترشيحات أوسكار
أفضل فيلم أجنبي، مثلها أوكرانيا ونيجيريا وكوبا مما نعلم الآن.
بعض الدول، كالصين، استبدلت فيلمها المعلن بسواه. وبعضها الآخر مثل
روسيا بعثت بفيلم من المخرج ذاته الذي يشرف على مركز السينما في
بلاده.
وهناك حالتان على الأقل، حيث تم إرسال الفيلم المرشّح من قبل
اللجنة الوطنية في كل بلد، حسب أحد شروط الترشيح، قبل الموعد
المحدد، لكنهما لم يظهرا في القائمة التي أعلنت في نهاية الأسبوع
الأول من هذا الشهر وهما البحرين وبنما.
إنه الأوسكار من جديد الذي يبدأ كالعادة بإعلان قائمة بالأفلام
الأجنبية التي سيتم اختيار الترشيحات الرسمية من بينها. هذا العام،
بلغ عدد هذه الأفلام 81، مقدّمة باسم 81 دولة من بينها - عربيًا -
لبنان وفلسطين والعراق والجزائر والأردن والمغرب.
باقي الدول العربية إما لم تنتج، وإما أنتجت أفلاما لا ترتقي أو
أنتجت ولم تعرض ما أنتجته، تجاريًا، في الوقت المناسب، ما بين
الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي إلى الثلاثين من
سبتمبر (أيلول) من هذا العام.
شرط آخر تحرص الأكاديمية عليه بشدّة هو أن لا يكون الفيلم المرشّح
تلفزيونيًا لا من حيث إنتاجه (إلا إذا تم عرضه سينمائيًا أولاً)
ولا من حيث عروضه، بما في ذلك أن يكون الإنتاج سينمائيًا لكنه عرض
تلفزيونيًا ولم يعرض في صالات السينما.
إنها المناسبة الـ88 للأوسكار ونتائج كل الترشيحات، بما فيها
ترشيحات هذا القسم الناشط، تعلن في منتصف الشهر الأول من عام 2016.
ما يجعل لترشيحات الأوسكار الأجنبي أهمية كبيرة هو أنها اشتراكات
أمم وبلدان مختلفة تسعى لدخول السباق الرسمي على أمل أن تنجح
بالفوز فتضيف إلى سينماها لمعانًا يستمر أثره طويلاً.
لكن معظم الدول التي تظهر أسماؤها في القائمة العامة، كتلك التي
أعلنت قبل أيام، لا تصل إلى المرحلة شبه النهائية وبالتالي لا تصل
إلى الفوز مطلقًا. هذا الوضع يشمل سينمات عريقة مثل البرازيلية
والبريطانية (تشارك بفاعلية أكثر في المسابقة الرئيسية) والبلجيكية
والكورية الجنوبية والأسترالية والتركية. هذه الأسماء وردت في
القائمة العامّة لكنها لم ترد في الترشيحات النهائية (وهي اللائحة
القصيرة المؤلّفة من خمسة أفلام).
وهناك دول نالت أوسكار أفضل فيلم أجنبي مرّة واحدة من بين كثير من
المرّات التي وصلت فيها إلى الترشيحات النهائية مثل بولندا التي
تشترك هذا العام بفيلم «11 دقيقة» لييرزي سكوليموفسكي، وسبق لها أن
أرسلت 46 فيلمًا لدخول المسابقة، وذلك منذ عام 1963 عندما اختارت
فيلم رومان بولانسكي «سكين في الماء» لهذه المناسبة. أما الفيلم
الذي نجح في نيل الأوسكار عنه فهو «آيدا» لبافل بوفيلوفسكي وذلك في
العام الماضي.
وهناك دول تجاوزت بولندا في عدد المرّات التي أرسلت فيها أفلاما
لدخول المسابقة مثل المجر التي بعثت حتى الآن خمسين فيلما دخل منها
ثمانية في الترشيحات الرسمية لتفوز مرّة واحدة وذلك عن «مفيستو»
لاستفان شابو (1981) ومثل إسرائيل التي شاركت 47 مرّة ودخلت
الترشيحات النهائية عشر مرّات لكنها لم تنل الأوسكار ولا مرّة.
الدولة العربية الوحيدة التي فازت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي هي
الجزائر. ففي عام 1969 شاركت للمرّة الأولى وذلك في فيلم لليوناني
- الفرنسي كوستا - غافراس هو «زد» الذي موّلته الحكومة الجزائرية
عبر ما سمي حينها «المكتب الوطني لتجارة وصناعة السينما». ذلك ورد
خلال إقبال الدولة حينها على الاستعانة بفنانين أوروبيين لتحقيق
أفلامهم في الجزائر، وكان المخرج الإيطالي الراحل جيلو بونتيكورفو
سبق كوستا - غافراس في قطف هذه الفرصة عندما قام، عام 1966 بتحقيق
«معركة الجزائر».
«زد»
بالمناسبة، فاز أيضًا بأوسكار أفضل مونتاج (لفرنسوا بونيه) وكانت
بداية واعدة للسينما الجزائرية، و - بقدر معين - للسينما العربية
ككل.
كان على السينما الجزائرية أن تنتظر حتى عام 1975 لكي تقدم فيلمها
الثاني في ترشيحات الأوسكار وهو «وقائع سنوات الجمر» لمحمد لخضر
حامينا، المخرج نفسه الذي يتقدّم هذا العام بفيلمه الجديد «غروب
الظلال». وكرر لخضر حامينا (وقد ترأس مركز السينما لعدة سنوات)
المحاولة مرّتين أخريين: عندما أنجز «ريح الرمال» (1982) و«الصورة
الأخيرة» (1987). لكنه في كل هذه المرّات أخفق في الوصول إلى الخط
الرسمي من الترشيحات.
على ذلك، السينما الجزائرية هي الأعلى بالنسبة للأفلام التي وصلت
إلى الترشيحات الرسمية إذ أنجزت خمسة انتصارات في هذا المجال هي،
لجانب «زد» الذي فاز بالأوسكار فعلاً، «خارج القانون» لرشيد بوشارب
(2010) و«أيام المجد» لبوشارب أيضًا (2006) وقبلهما فيلم ثالث
لرشيد بوشارب هو «غبار الحياة» (1995) والمرّة الخامسة كانت في
فيلم آخر من فترة تمويل مخرجين أجانب عندما حقق الإيطالي المحتجب
الآن إيتوري سكولا «قاعة الرقص» سنة 1983
إيطاليا تأتي في قمّة عدد الدول التي فازت بأوسكار أفضل فيلم
أجنبي، وهي تشترك هذا العام بفيلم تمّت ترجمة عنوانه بالإنجليزية
إلى «لا تكن سيئًا» للمخرج كلوديو كاليغاري مع بطولة للوكا
مارينيللي وأليسندرو بورغي في دوري شابين صديقين يرتعان من نجاحات
مادية في تسعينات القرن الماضي ويقبلان على الحياة حبًا بالمال
والجنس والمخدرات.
وكان آخر فوز للسينما الإيطالية في هذا المجال عام 2013 عبر فيلم
باولو سورنتينو «الجمال العظيم». قبله وقف بعض عظماء السينما
الإيطالية لتسلم الأوسكار وفي مقدّمتهم فديريكو فيلليني عن
«أماركورد» سنة 1974 وهو الذي رُشّح رسميًا لأوسكار آخر عن «روما»
سنة 1972. لكن فيلليني كان نال الأوسكار أول مرّة سنة 1963 عن
فيلمه الذائع «8 ونصف».
فرنسا تأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد أفلامها الفائزة (12
فيلما) ولو أن آخر هذه الأفلام يعود إلى عام 1992 عندما نال
«إندوشين» (إخراج ريغيه فارنييه) ذلك التمثال المذهب.
اشتراك فرنسا هذا العام مناط بفيلم عنوانه «موستانغ» وإخراجه مناط
بدنيس غامزي إرغوفن. هي ممثلة وكاتبة تركية تتحوّل هنا إلى مخرجة
للمرة الأولى مما يعني أنها شديدة الإعجاب بما أنجزته إذ يدخل
فيلمها المحفل الفني الأول، ولو إلى حين إذا لم ينتقل إلى القائمة
الأصغر. المثير للانتباه أن هذا الفيلم مموّل فرنسيًا (ويمثل
السينما الفرنسية كما ذكرنا) لكنه تركي لا من حيث الإخراج والكتابة
فقط، بل أيضًا من حيث الحكاية وشخصياتها وممثليها: حكاية خمس فتيات
تجاوزن الأعراف الاجتماعية فتم فرض حبسهن في بيوت عائلاتهن ليبدأ
البحث عن أزواج لهن للتستر على فضيحة لم نر الفيلم بعد لكي ندرك ما
هي.
عربيًا هذا العام، وبينما يطمح محمد لخضر حامينا، لدخول الترشيحات
الرسمية من جديد عبر «غروب الظلال» تطالعنا آمال خمس دول عربية
أخرى تتنافس للغاية ذاتها. المشكلة هي أن ما هو جيّد منها (وليس كل
ما تم إرساله جيدًا) ينافس أفلاما جيّدة أخرى قادمة من الشرق
والغرب الأوروبيين كما من أميركا اللاتينية ودول آسيا غير العربية.
هناك فيلم فلسطيني يستحق دخول التصفيات عنوانه «المطلوبون الـ18»
من إخراج مشترك لعامر شومالي وبول كووان. رسوم متحركة (في أغلب
مشاهده) حول 18 بقرة رغبت قرية فلسطينية في استحواذها للاستغناء عن
شراء الحليب ومشتقاته من المستوطنين الإسرائيليين، فما كان - ويقال
إن الحكاية حقيقية - أن تم إرسال فوج من الجنود الإسرائيليين
لإلقاء القبض على هذه البقرات. الفيلم منفّذ بسخرية كاملة ويأتي
بينما تعيش فلسطين لحظات حاسمة بعدما نجح المستوطنون الإسرائيليون
وحكومتهم الحالية، على حد سواء، في استعداء الرأي العام العالمي
بسبب اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين وممتلكاتهم.
لبنان أرسل 11 فيلمًا للأوسكار لم يتم ترشيح أي منها رسميًا، من
بينها فيلم الراحلة رندة الشهال «طيارة من ورق» (2003) وفيلم نادين
لبكي «كرامل» (2007) وفيلم فيليب عرقتنجي «تحت القصف» (2008) وفيلم
«غدي» لأمين درة في العام الماضي. أما المرّة الأولى فوردت في عام
1978 عبر فيلم مجهول اليوم عنوانه «وعد الحب» لساركي مراديان. بعد
عشرين سنة على ذلك الفيلم، بدأت الوتيرة الدؤوبة التي ما زالت
مستمرة بفيلم زياد الدويري «بيروت الغربية».
فيلم «وينن» المشترك هذا العام عمل متوسط الجودة. أخرجه ستة مخرجين
ومخرجات كل تسلم سرد حكاية، والتفاوت واضح بين مهارة ودونها. وأثار
بعض النقاد في لبنان أن الفيلم الذي كان من الأفضل له أن يُمثل
لبنان في الأوسكار هو «الوادي» لغسان سلهب. وهذا الفيلم في الواقع
جيّد في الإجمال ولو أنه لا يخلو من الوهن، لكن الحقيقة أن كليهما
لا يمكن لهما تجاوز المرحلة الأولى صوب الثانية.
ونجد أن العراق متمثل بفيلم «ذكريات على حجر» لشوكت أمين كوركي:
دراما حول تلك الذاكرة المؤلمة لأكراد عانوا الجور الذي لحق بهم
خلال سنوات النظام البعثي، وما زالوا واقعين تحت أسر تلك الذاكرة.
هناك مخرج يصور فيلمًا عن الأحداث ويستمد من تجربته الشخصية بينما
تقوم ممثلة بالعودة إلى تاريخها الشخصي أيضًا مؤمنة بضرورة
المشاركة في هذا الفيلم.
أربعة من هذه الأفلام كردية المنشأ إنتاجيًا وثقافيًا (بينها
«ذكريات على الحجر») بينما مثل فيلما الدراجي الاشتراك العراقي في
جانبه العربي.
اللافت جدًا أن المخرج العراقي سمير (كما يكتفي هو بالذكر) يقف
وراء الفيلم المقدّم هذا العام باسم السينما السويسرية وعنوانه «أوديسا
عراقية» (تناولناه هنا، كما سواه، في مرّات سابقة). وهو فيلم
تسجيلي طويل (من نحو ثلاث ساعات) يتناول فيها المخرج الحديث عن
الشأن العراقي من خلال الهم الفردي إذ يتحدّث عن هجرته وهجرة
أقاربه وعائلته وذكرياتهم.
الاشتراك المغربي موجود بفيلم عنوانه «عايدة» لإدريس المريني وهي
المرّة الحادية عشرة التي تقدّم فيها السينما المغربية فيلمًا لهذه
الجائزة. الأولى تعود إلى عام 1977 عندما قام سهيل بن بركة بتحقيق
فيلمه الجيد (وإن لم يكن أجود أفلامه) «عرس الدم». من عام 1998
تلاحقت المحاولات بفضل أعمال لنبيل عيوش وكمال كمال ورشدي زم وفوزي
بنسعيدي وحسن بنجلون وإن لم يخترق أي منها القائمة الأخيرة.
«عايدة»
هو عن امرأة يهودية مصابة بالسرطان تعود إلى وطنها الأول (المغرب)
لتعيش أيامها الأخيرة. الموضوع أثار بعض التعليقات السلبية المسبقة
للعرض وتحت عناوين عريضة مثل «اليهود أبطال السينما المغربية في
(عايدة)». أمر يتصدّى له المخرج المريني عندما يقول: «هذه مسألة
إنسانية بحتة وليست دينية. هي حكاية امرأة قررت العودة إلى الديار
بسبب مرضها والمغرب بلد غير طائفي مفتوح على الديانات جميعًا كما
هو معروف». |