ملفات خاصة

 
 
 

إلى العالمية وصلَ ولم يَعُدْ..

«الشريف» عمر.. هدية الشرق لهوليوود

إيهاب الملاح

عن رحيل الأسطورة

عمر الشريف

   
 
 
 
 
 
 

تقترب الكاميرا في الفضاء الصحراوي الشاسع من نقطة ضئيلة لا تكاد تبين، تتابع النقطة التي تكبر ببطء وبالتدريج، وتراوح بينها وبين النجم بيتر أوتول «لورانس العرب» الذي يبدو مذعوراً من المجهول القادم، فيما يقوم مرافقه العربي بالهرولة، ثم يستل سلاحه ليصيب هذا الذي بدأت خطوطه العامة في الظهور، قبل أن يبادره عمر الشريف «الأمير علي» بإطلاق رصاصة مباشرة في الرأس ترديه قتيلا، في اللحظة التي يمتلئ فيها فراغ الصورة بظهور كامل لعمر الشريف على ظهر جمل وهو يرتدي اللباس العربي والعقال الشهير.

ربما كان هذا المشهد الذي وُصف، بأنه أعظم مشاهد «الدخلات» في تاريخ السينما، ويدرَّس في كل معاهد السينما العالمية، هو تلخيص رمزي جامع لمسيرة وحياة وتاريخ النجم المصري العالمي عمر الشريف، الذي ينتمي بأصوله إلى أسرة شامية مهاجرة استوطنت الإسكندرية، عروس المتوسط وزينة المدن الكوزموبوليتانية في النصف الأول من القرن العشرين، ولد ونشأ فيها، وبها قضى زهرة شبابه قبل أن يغادرها إلى القاهرة ومنها إلى هوليوود.

تعدد هويّاتي

بوفاة عمر الشريف «ميشيل شلهوب» (1932 - 2015) يُسدل الستار على عصر كامل من الفن الجميل، والنجومية الوافرة والصعود المستحق لأحد الفنانين العرب الذين استطاعوا بموهبتهم، وبجدّهم واشتغالهم على هذه الموهبة من جعلها تحتل مكانها ومكانتها في تاريخ السينما العالمية برصيد كبير من الأفلام منها ما لا يقل عن 10 أفلام عُدت من كلاسيكيات السينما العالمية، تعاون فيها الشريف مع أهم وأبرز المخرجين والممثلين والممثلات في العالم أجمع.

83 عاما قضاها هذا «الشريف»، وعاشها أيضا بالطول والعرض «كما يقول المصريون»، لكنه وطيلة هذا العمر المديد لم يكن مجرد وجه سينمائي معروف ولا ممثل عالمي كبير، بل كان عدة وجوه وشخصيات تجسدت في شخص واحد، مرّ بفترات تحول وتطورات مذهلة على مستوى الارتقاء بموهبته والتمكن من أدواته واكتساب خبرات ومهارات التواصل الاجتماعي (بمعايير عصره)؛ مما أدى به في النهاية ليكون إحدى شخصيات المجتمع العالمي البارزة، ومحط أنظار الصحف والوكالات العالمية ومحطات التليفزيون في كل أرجاء المعمورة.

روح التعايش

منذ كان صبيا يافعا في المدينة العالمية ملتقى الأجناس والبشر من كل مكان في العالم، تشرّب عمر الشريف روح التعايش السلمي وتعدد الثقافات واحترام الطوائف والمذهبيات المختلفة، ونشأ لأسرة شامية (اختلط فيها العنصر اللبناني بالسوري) هاجرت من مسقط رأسها إلى الإسكندرية، واستقرت فيها، وحرصت الأم على أخذ ابنها بالتربية الكاثوليكية الصارمة فألحقته بالقسم الداخلي لكلية فيكتوريا الشهيرة، كلية الملوك والأمراء والشخصيات العامة، وفيها (أي في فيكتوريا كوليج) تظهر بوادر النبوغ والموهبة لتكون تلك نقطة البدء والمعاد في الانطلاق إلى آفاق النجومية والشهرة.

وعن تلك الفترة المهمة في نشأة الشريف كتب غير واحد من الذين أرَّخوا لتاريخ الشوام المهاجرين إلى مصر، ومنهم من تناول جوانب مختلفة في هذه النشأة، مثل الكاتب والمؤرخ القدير فارس يواكيم في كتابه القيّم «ظلال الأرز في وادي النيل ـ لبنانيون في مصر» الصادر عن دار الفارابي، فعائلة «شلهوب» التي ينتمي إليها عمر الشريف، من الأسر الدمشقية العريقة، يقول يواكيم، وهي وإن لم تكن كثيرة الأفراد، فقد أنجبت بعض الذين اشتهروا في الحياة العامة، ومنهم جورج شلهوب (جد عمر) وكان طبيباً مرموقا، ومنهم ديمتري شلهوب (جد الجد) الذي اشترى خان الجمرك عام 1864 وهو صاحب القصر الذي ما زال قائماً في حارة بولاد بدمشق، كما ينتمي إلى هذه العائلة أيضا السياسي جورج شلهوب، وزير الأشغال العامة في حكومة ناظم القدسي (1950)، وابنه غسان شلهوب وزير السياحة في سبعينات القرن الماضي، ويصحح يواكيم في كتابه خطأ شاع وتم تداوله بشأن انتساب عمر الشريف إلى عائلة شلهوب «اللبنانية» في مدينة زحلة، ويؤكد أنه ينتمي إلى عائلة شلهوب «الدمشقية»، وأن أمه كلير سعادة، من مدينة اللاذقية التي منها عالم الآثار والمؤرخ الموسيقي غابي سعادة.

أما كريم مروة في كتابه «الرواد اللبنانيون في مصر» فيكشف عن أن والد عمر الشريف (وكان تاجر أخشاب كبيرا وثريا) لم يكن يريد لابنه الوحيد أن يكون ممثلا بل كان يخطط لأن يعمل معه في تجارة الأخشاب، وهو ما حدث بالفعل لعامين أو ثلاثة، قبل أن تتغلب «ندّاهة» الفن والتمثيل وتخطف الشاب الوسيم من أبيه وتجارته وأعماله إلى مسار آخر.

أثر المدينة

شغف عمر الشريف بالتمثيل ولد ونما بداخله على خشبة مسرح فيكتوريا كوليج (من أهم المؤسسات التعليمية الشهيرة في مصر، كتبت عنها كتابا رائعا الزميلة والباحثة الصحفية داليا عاصم) التي تلقى تعليمه فيها، وأجاد أيضا من خلالها ما لا يقل عن 4 لغات أجنبية إجادة تامة، وبالتأكيد فإن مزاملته خلال فترة الدراسة للمخرج الراحل يوسف شاهين كانت عاملاً حاسماً في اتجاهه للتمثيل بقوة بعد ذلك.

هذه الفترة التأسيسية الباكرة في حياة عمر الشريف شَكّلت وإلى حدٍ بعيد أهم ما كان يميزه ويواجه به العالم، كان مزيجا فريدا بين روح وعاطفة شرقية مصرية خالصة، وعقلية غربية منفتحة وواضحة ومحبة للحياة، لم يكن صعبًا على إنسان تربى في الإسكندرية، ومن جذور متعددة (تماما مثل صديقه ومكتشفه يوسف شاهين) أن يحقق هذه المعادلة، لقد اكتشف الآخر الغربي في وقت مبكر، وتعلم التسامح معه، ولذلك كان جاهزا تماما لكي يتعامل مع الحياة في الغرب، وإن ظل شاعرا بالوحدة بسبب ارتباطه القوي بوطنه (في رثاءات نجوم العالم لعمر الشريف أبدى غير واحد منهم إعجابه وتقديره الشديد بهذه المسألة، ووصفه بعضهم بأنه كان شديد الاعتداد والاعتزاز بمصريّته)، ورغم افتقاره إلى الاستقرار العائلي، ظل عمر الشريف مصريا وشرقيا في داخله، وقد استفاد من هذه الثنائية في القدرة على مخاطبة العالم كله تقريبا، أعجبته صراحة الغربيين، فأصبحت صراحته قاسية وصادمة أحيانا، ولكنه لم يتنازل عنها، كان سعيدا بهذه الروح الإنسانية والكوزموبوليتانيّة (يجيد ست لغات)، والتى تغلّف روحه المصرية الصميمة.

عمر ويوسف

شكلت صداقة عمر الشريف ويوسف شاهين نقطة تحول حاسمة في حياة الاثنين معا، فيوسف شاهين الذي عرف عنه روح المغامرة واكتشاف المواهب والدفع بها إلى الصدارة، أسند دور البطولة لعمر الشريف في فيلمه «صراع في الوادي» بمشاركة أيقونة السينما المصرية والعربية فاتن حمامة. ورغم أنها البطولة الأولى لعمر الشريف وشابها مشاكل البدايات فإن الفيلم حقق نجاحا كبيرا ومدويا.

كان صراع في الوادي أيضا بداية مرحلة تأسيسية في مسيرة عمر الشريف السينمائية، إذ استمرت ما يقرب من عقدين، وكون الشريف وفاتن حمامة ثنائيا فنيا مذهلا حقق نجاحات غير مسبوقة ودفعت بالاسمين إلى الصدارة دون منافس، وكانت حصيلة هذه المرحلة أفلاما مثل «أيامنا الحلوة» و«صراع في الميناء» و«لا أنام» و«سيدة القصر» و«نهر الحب». تُوِّجَت هذه المرحلة بزواج النجمين، بعد أن أشهر عمر الشريف إسلامه في عام 1955، وأثمر هذا الزواج عن ابنهما طارق.

نظرة مدققة ومقارنة بين أداء عمر الشريف في أول أدواره في «صراع في الوادي» وبين دوره في «في بيتنا رجل» تكتشف فورا حجم الموهبة، لكن الموهبة وحدها لا تصنع نجما عالميا بحجم الشريف، لو لم يبذل جهدا مخلصا في تنمية هذه الموهبة وتطوير أدائه وصقل أدواته ومهاراته واكتساب المهارات وكل ما يلزم لأداء أدوار متقنة الصنع، ما كان للمشاهد الحصيف والناقد الواعي أن يلحظ منحنى هذا التطور المذهل، في «صراع في الوادي» بدا اعتماد النجم الشاب على حضوره الجسدي وملامح وجهه دون كبير التفات إلى عناصر أخرى كان في حاجة لها مثل تقنين الانفعال وإجادة اللهجة الصعيدية، بينما في فيلم «أيامنا الحلوة» مثلا ظهر الممثل الشاب متمكنا من أداء دور الرومانسي الجاد، يتحكم في أدائه ويقلل من الانفعالية الزاعقة التي ظهرت في «صراع في الوادي».

ومن دور الرومانسي المكافح إلى دور الشاب الخجول في إطار كوميدي، يغير عمر الشريف جلده تماما ويظهر في واحد من أجمل أدواره وألطفها في فيلم «إشاعة حب» مع السندريلا سعاد حسني.

يختتم الشريف هذه المرحلة بكامل التألق والنضج والظهور الساطع في أفلام عُدت من كلاسيكيات السينما المصرية؛ «بداية ونهاية» و«في بيتنا رجل»، حيث استطاع عمر الشريف أن يفيد بذكائه وموهبته من كل مخرج عمل معه، كان خليطا رائعا من الممثل المحترف والنجم صاحب البريق على الشاشة، في دور حسنين جسّد النذالة في «بداية ونهاية»، وفي «نهر الحب» كان يصنع حكاية حب تقف على حدود الخطأ والصواب، اقتنع به أكبر مخرجي السينما المصرية؛ مثل بركات وصلاح أبو سيف وعاطف سالم وطبعا مكتشفه يوسف شاهين.

إلى العالمية.. وصل ولم يعد (2)

في أوائل الستينات التقى عمر الشريف بالمخرج العالمي ديفيد لين الذي اكتشفه وأعطاه دورا محوريا في فيلمه الشهير «لورانس العرب» مع بيتر أوتول، كما استعان به في العديد من أفلامه الأخرى، حقق فيلم «لورانس العرب» 1962 نجاحا ساحقا، وكان الدور الذي لعبه عمر الشريف «الأمير علي» مميزا للدرجة التي دفعته سريعا للصدارة وملاحقة كبار المخرجين العالميين له لأداء دور البطولة في أفلام أخرى، لكنه استمر مع المخرج البريطاني ديفيد لين الذي استطاع إخراج أفضل ما في عمر الشريف كممثل موهوب وناضج قادر على أداء شخصيات شديدة التنوع والتباين والاختلاف، ولم يتردد عمر الشريف أبدا في أداء أدوار مهما بدا أنها صغيرة أو محدودة ما دامت مؤثرة وتخدم الخط الدرامي في الفيلم، كان مقتنعًا بأن الظهور في مشهد واحد لا يُنسى أفضل ألف مرة من بطولة مطلقة لفيلم يتبخر من الذاكرة ولا يبقى منه أي أثر.

هكذا لعب عمر الشريف دور البطولة المطلقة (أو أدوارا مساعدة لكنها مؤثرة) في «الرولز رويس الصفراء» أمام النجمة العالمية إنجريد برجمان، و«سقوط الإمبراطورية البريطانية» أمام النجمة الإيطالية صوفيا لورين، و«أكثر من معجزة» أمامها أيضا، و«ليلة الجنرالات» أمام بيتر أوتول، و«تشي» عن حياة الثائر الأرجنتيني إرنست تشي جيفارا، «ذهب مع ماكينا» أمام غريغوري بيك، و«اللصوص» أمام جان بلموندو، و«مايرلنغ» أمام الفرنسية الفاتنة كاترين دينيف.

كما شارك الرائعة آنوك إيميه بطولة فيلم «الموعد»، وقام بالبطولة أمام جولي أندروز في فيلم «بذور التمر هندي»، وكلها أدوار لافتة، ولكن عمر الشريف ظل مؤمنا بأن دوره في «دكتور زيفاجو» من أفضل أدواره في السينما، كما لم ينس نجاحه الكبير أمام باربرا سترايسند في فيلم «فتاة مرحة» للمخرج ويليام وايلر، وقد أدى نجاح الفيلم الكبير إلى صنع جزء ثان له في السبعينيات، وغيرها من الأفلام التي احتلت مكانتها في تاريخ السينما العالمية بشهادة أهم نقادها ومؤرخيها.

سعة وضخامة تجربة عمر الشريف الفنية والإنسانية والاجتماعية تجعل من محاولة الإحاطة بأبعاد وملامح هذه التجربة «مستحيلة»، لا يستوفيها مقال أو اثنان، وربما أيضا كتاب واحد لا يكفي، فالتجربة كانت من الثراء والعمق والإنجاز والأثر بما يجعل من حتمية إفراد كل جانب منها بدراسة أو أكثر لازمة وضرورية. لكن هذا لن يمنع من تسجيل ملاحظات ختامية قد توجز بقدر ما أهم ما ميز هذه الشخصية «العالمية» وجعلت منه صاحب الوجوه المتعددة والأوصاف التي لا تنتهي، وكل منها علامة على جانب أو ملمح تكويني راسخ في حياة وشخصية عمر الشريف.

الملاحظة الأولى أن الشريف كان موهبة كبيرة وضخمة واستثنائية، لكنه استطاع وبذكاء أن يقود هذه الموهبة وينميها ويطورها وأن يفيد من كل شخص (مخرج أو فنان أو ممثل) التقاه في حياته لكي يحسن من ظهوره ويصل بأدائه إلى أعلى الدرجات، هكذا نستطيع أن نرصد بوضوح المسافة بين أداء انفعالي متوتر ومرتبك في أول أفلامه «صراع في الوادي» وبين أداء واثق متمكن ينضح بالقوة والرسوخ في «في بيتنا رجل»، كان واعيا ومدركا لضرورة اشتغال الممثل على مقومات التشخيص المحترف، أداء الحوار والتعبير بالوجه وحركات الجسد ونظرات العينين.

الموهبة وحدها لا تصنع نجما و«العالمية» ليست طريقا مفروشا بالورود أو صهوة جواد يمتطيه «الواد الحليوة» ليغزو قلوب الجميلات الفاتنات، وهذه هي الملاحظة الثانية، كان عمر الشريف يتقن ست لغات حية بطلاقة، مثَّل بالإنجليزية والفرنسية واليونانية وكان قادرا على الأداء والتنقل بين شخصيات شديدة التنوع والاختلاف ببراعة متناهية وإقناع وافر؛ انظر إلى دوره في «لورانس العرب» كأمير عربي أصيل، وفي «فتاة مرحة» كمقامر يهودي قح، وفي «دكتور زيفاجو» أدى دور عاشق روسي سيبيري النزعة.

هذا فضلا عن التنوع الشديد في أداء أدوار وشخصيات تنتمي إلى جنسيات ومراحل تاريخية مختلفة، فمن أمير عربي إلى ملك أرميني، ومن ثائر أرجنتيني إلى قاطع طريق مكسيكي، ومن رحالة ومكتشف إيطالي شهير «ماركو بولو» إلى مناضل مصري يحيا في عصر المماليك، ومن ضابط ألماني نازي إلى أمير نمساوي، ومن قائد للمغول إلى «أراجوز» وبهلوان مصري بسيط.

وآخر هذه الملاحظات، تتجسد في حقيقة مهمة وواضحة لكل مشاهد ومتابع لمسيرة عمر الشريف، وهي أنه كان واعيا تماما ومدركا لقيمة أدواره التي يؤديها، يعرف الفارق بين دور يلعبه من أجل كسب النقود، وآخر يساعده على استخراج إمكانياته كممثل، ظل واعيا تماما بالفارق بين أن تكون مجرد «نجم»، وبين أن تترك أدوارا عظيمة وخالدة كممثل.

أفضل أدوار عمر الشريف وأرسخها سواء في السينما المصرية أو العالمية جاءت بعد أن تجاوز سن الشباب، هنا كان ينتقي بشكل أفضل فقدم في السينما المصرية مثلا أدوارا مليئة باللحظات الإنسانية، وبالعمل على الشخصية كما في فيلميه «أيوب» و«الأراجوز» للمخرج هاني لاشين، أو دوره المميز في «المواطن مصري» من إخراج صلاح أبو سيف، أو دوره في فيلم «المسافر» من إخراج أحمد ماهر، أو دوره الكوميدي في فيلم «حسن ومرقص» أمام عادل إمام ومن إخراج ابنه رامى إمام.

وعالميا لا تستطيع إلا أن تتوقف أمام دوره مثلا في فيلم «السيد إبراهيم وزهور القرآن»، كل شخصية لعبها عمر الشريف في تلك الأفلام منحها بصمة ممثل خبير، لديه القدرة على أن يشكل من خلال التفاصيل، وحركة الجسد، وتلوين الصوت ملامح نموذج إنساني مختلف ضمن طيف واسع ما بين «شيخ» يتحول إلى «قس»، وصولا إلى رجل مسلم يعيش في فرنسا، ويتبنى طفلا يهوديا، ظلت هناك أدوار بعينها تنادي عمر الشريف رغم تجاوزه سن الثمانين، وهو أمر لا يتأتى سوى لعدد قليل من المواهب الاستثنائية في السينما المصرية والعالمية.

كان مزيجاً فريداً بين روح الشرق وعاطفته وعقلية الغرب وعقلانيته

10 من أفلامه عُدَّت من كلاسيكيات السينما العالمية

تشرّب الشريف من الإسكندرية روح التعايش والتعددية واحترام الآخر

أداء بارع

كان عمر الشريف يتقن ست لغات حية بطلاقة، وكان قادراً على الأداء والتنقل بين شخصيات شديدة التنوع والاختلاف ببراعة متناهية وإقناع وافر.. هذا فضلاً عن التنوع الشديد في أداء أدوار وشخصيات تنتمي إلى جنسيات ومراحل تاريخية مختلفة، فمن أمير عربي إلى ملك أرميني، ومن ثائر أرجنتيني إلى قاطع طريق مكسيكي، ومن رحالة ومكتشف إيطالي شهير «ماركو بولو» إلى مناضل مصري يحيا في عصر المماليك، ومن ضابط ألماني نازي إلى أمير نمساوي، ومن قائد للمغول إلى «أراجوز» وبهلوان مصري بسيط.

أفلام عمر

عمر الشريف في فيلم (روك القصبة) (أرشيفية)

تاريخ النشر: الخميس 30 يوليو 2015

* صراع في الوادي (1954)

* فيلم أيامنا الحلوة (1955)

* صراع في الميناء (1956)

* أرض السلام (1957)

* لا أنام (1958)

* سيدة القصر (1958)

* (غلطة حبيبي) (1958)

* لوعة الحب (1960)

* حبي الوحيد (1960)

* نهر الحب (1961)

* إشاعة حب (1961)

* في بيتنا رجل (1961)

* لورنس العرب (1962)

* الرولز رويس الصفراء (1964)

* دكتور جيفاغو (1965)

* المماليك (1965)

* جنكيز خان (1965)

* ليلة الجنرالات (1967)

* فتاة مرحة (1968)

* مايرلنغ (1968)

* تشي! بدور «تشي غيفارا» (1969)

* الموعد (1969)

* الوادي الأخير (1970)

* الخيالة (1971)

* بذور التمر الهندي (1974)

* النمر الوردي يضرب مجدداً (1976)

* الثلج الأخضر (1981)

* أيوب (1983)

* السر (1986)

* الأراجوز (1989)

* المواطن مصري (1991)

* السيدة أريس تذهب إلى باريس (1992)

* المحارب الثالث عشر (1999)

* فيلم ضحك ولعب وجد وحب (1993)

* السيد إبراهيم (2003)

* موسى والوصايا العشرة (2007)

* حسن ومرقص (2008)

* المسافر (2008)

* القديس بطرس الرسول (2005)

* روك القصبة (2013)

 

####

 

ذكريات فيلم مع عمر

حسام نور الدين*

سنحت لي الفرصة الجميلة، لأعمل في بداياتي بالسينما مع الممثل المصري الأشهر/‏‏ عمر الشريف، وذلك عبر العمل في فيلم أميركي ضخم الإنتاج (أسرار مصر–Mysteries of Egypt) من تمويل (ناشيونال جيوجرافيك –National Geographic)، الفيلم من نوعية (الوثائقي/‏‏ الدرامي) عن الحضارة المصرية الفرعونية، وأسرارها الغامضة والملهمة للخيال، وقد تم التصوير في مصر عام 1997، ثم تم عرض الفيلم بعدها بعام، في دور العرض العملاقة النادرة، والمخصصة لعرض الأفلام المصورة بتقنية (الآي ماكس- I Max)، وهي طريقة وأسلوب تصوير يستخدم على سبيل المثال: لأفلام البراكين، والظواهر الطبيعية، وأنواع الحضارات القديمة، وأفلام الخيال العلمي الكبيرة التكلفة، فتبهر الصورة عين وذهن المشاهد، باتساعها المضاعف، ومزاياها البصرية، مقارنةً بالصورة في الفيلم العادي (35 مم).. الفيلم إخراج المخرج الأميركي/‏‏ بروس نايبر، وشارك في بطولته الممثل الأميركي/‏‏ تيموثي دافيز، والممثلة الناشئة وقتها/‏‏ كيت مابرلي، مع بطل العمل الأول والمحبوب عمر الشريف. (تفاصيل الفيلم، وأسماء كل أفراد فريق العمل، تجدها على الموقع السينمائي الشهير (IMDB).

غضبة عمر

كان عمر لا يمانع أن يناديه الكل تقريباً. بسيطاً بالفعل، إلا في حالات معينة، منها أول أيام التصوير. كنا بدأنا التصوير قبله بعدة أيام على ضفاف نيل أسوان، وكان العمل شاقاً جداً لكثرة المجاميع (الممثلون الثانويون)، والإكسسوارات الضخمة، والمراكب المنتشرة بأنواعها المختلفة التي تروح وتجيء على نيل أسوان لنقل ملابس التصوير الفرعونية، بالإضافة إلى أفراد فريق العمل (الأميركي/‏‏ والمصري/‏‏الانجليزي). وحان اليوم المخصص لبدء تصوير أول المشاهد التي يظهر فيها بطل الفيلم، وانخراطه عمليا مع فريق العمل، فانتظرنا قدومه عبر المركب المخصص عند مرسى فندق (كتراكت) الكلاسيكي، وكانت المفاجأة أن عمر رفض المجيء، وأخذ يزعق في غرفته بالفندق، ويلعن عدم الالتزام بالمواعيد، وامتنع عن مرافقة المسؤول المكلف بمصاحبته، لمكان التصوير، فتكهرب الجو، وتوتر المكان - نوعا ما - دون تعطيل للعمل، لكني لا أنسى وجه المخرج الذي كان يشوبه بعض الاضطراب، وهو يتناقش مع مساعده الأول المخضرم، خاصة وأنه لم يكن هناك مبرر لثورة نجم العمل، فلم يحدث تأخير بهذا القدر الذي يستدعي غضبته، وفي أول يوم له، (كانت المواعيد كعادة الأمريكان، يتم تنفيذها في الوقت المحدد، بالدقيقة، والثانية، وفي كل مراحل العمل بالفيلم)..

نعود لعمر الذي غاب عن المشهد، وخذل كل أفراد العمل المتشوقين لرؤيته، وبدأنا بسرعة في تنفيذ مشاهد أخرى بديلة، ولكن لم يطل الوقت ألا ووجدنا/‏‏عمر الشريف يأتي بصحبة المنتج، والمساعد، مبتسماً، ومحييا طاقم التصوير..وبدا لي من أول وهلة أنه شخص يتحكم فيه - ولو الى حد ما - تقلب مزاجه ونفسيته، وينعكس ذلك في تصرفات له غير مقبولة، ومرفوضة من محبيه، لكن ما لا يعرفه الكثير أنه أحياناً عندما يشعر أن الحقّ معه، لا يكبح غضبه العاصف أبدا، إلا بعد أن يشفي غليله، وليس أدلّ على ذلك من الموقف المعروف له، الذي ظل يتندر به من عملوا معه عن قرب، مع سفير دولة إفريقية في احتفال رسمي، حيث تبادل السفير كلمات الترحيب والمجاملة، مع نجم العرب العالمي الجالس بجواره، واستمر الجو بينهما دبلوماسياً مريحاً، حتى أتت ممثلة مصرية شهيرة لتحيي عمر الشريف، وفور ذهابها عائدة لمقعدها، باغت السفير أذن عمر بكلمة جارحة، أو وصف خادش، ومعيب عن جسد تلك الممثلة، فانبرى عمر يصبّ جام غضبه على أم رأس السفير، وعلا صوته - غير مبال- يفضحه، بعدما سمع منه ما يسوءه في حق زميلته الفنانة، وكان الوضع غاية في الإحراج لهذا السفير المتهور الذي لم يكن يتوقع رد فعل النجم العالمي المتحضر، الذي يبدو أنه عاد في لحظتها إلى فطرة تكوينه، إلى طبيعته السكندرية الشهمة، يذود كأي رجل غيور على كرامة بنت بلده، وزميلة المهنة!!

لطيف ومتواضع

عايشته بعدها كأحد مساعدي الإخراج، الملازمين له بطبيعة المهمة، في أمور عديدة طوال أيام التصوير، وتعجبت أنه يروق مزاجه جدا، عندما يحاور (عم أمين) فني الملابس أو بلغة أهل السينما (اللبيس)، الذي كان يعمل معه في بداياته في السينما المصرية من سنوات مديدة، وكان يحاوره بود، ويمزح معه أحياناً في ألفة حقيقية، ويتذكرا الماضي برموزه وناسه، وكذلك كان - دون مبالغة - مع أي عامل بسيط في طاقم الفنيين، أو من أهل النوبة المرحبين بوجوده بينهم.

سافرنا معه وتنقلنا في صحراء الأقصر، وأسوان، يصحبه ويلازمه ابنه (طارق)، وكان مثل أبيه بشوشاً ولطيفاً. وعندما رجعنا للقاهرة حاولنا فرش غرفته في (ستوديو نحاس)، الذي كان في حالة سيئة جداً وقتها..فقمنا بتغيير كل ما فيها تقريبا لتلائم استراحة عمر وقتاً ليس بالقصير، وعلقنا له على الحائط أفيشات أفلامه، تحت إشراف مدير موقع التصوير/‏‏ زكي فطين عبد الوهاب، وعرفنا الأفلام التي يحبها، والأفلام التي لم يكن يحبها مثل (المواطن مصري) الذي لم يكن يطيق دوره فيه، بعدما شاهده، وتغيرت الحجرة بعد تجهيزها، واختيار ستائر، وإكسسوارات مناسبة، وبألوان هادئة، فظل في غرفته يعيش عصراً يحبه مع صور أفلامه القديمة، ويستقبل زواره من زملائة النجوم، وقدامي الفنيين، ومرت أيام التصوير الداخلي في الأستوديو بسلام ونجاح... وفي قهوة (الفيشاوي) تم تأجير القهوة لفريق التصوير طوال اليوم، وكان عمر حريصاً بحق على سلامتنا، عندما كنا نتعرض للمخاطر، لحمايته من تدافع الجماهير عند خروجه، أو أثناء تحركاته، وغير ذلك، وكان مطيعاً، يجلس كأنه وجه جديد، ملتزماً بتعليمات المخرج، ومرة ضايقه واستفزه وجود (مصور فوتوغرافي ناشئ) يلتقط له صوراً كثيرة دون داعٍ داخل القهوة، فأسرعنا نبعده عنه، لكنه طلب منا أن نتركه، ليتناقش معه، وليتفهم وجهة نظره، ومكث يستمع إليه في صبر غريب..

المهم أنه رغم حاجته للمال، وافق على أجر زهيد جدا في هذا الفيلم، كما أخبرنا المنتج الأميركي، لسبب واحد وهو أنه فيلم عن.. مصر، ليعرف العالم قيمة تاريخها، وحضارتها.

عمر الشريف إنسان لا يعرف التكلف، والتكبر، والمداراة، هو كما تراه غالبا في حواراته التلفزيونية، بعيوبه وحسناته..

لو سألتني عن رأيي الشخصي في أجمل أدواره على المستوى الفني، فسرعان ما يندفع لذاكرتي دوْران أثبت فيهما أنه ممثل قوي بجد، بعيداً عن الوسامة والكاريزما. وهو دور(الضابط حسنين) في فيلم (بداية ونهاية)، ودور المناضل (إبراهيم حمدي) في فيلم (في بيتنا رجل)، دون إغفال أدوار أخرى جيدة جدا له في السينما العالمية، والمصرية.. والآن يعود عمر إلى ربه بعد حياة حافلة، ينتظر مصيره، مثل أي عبد فقير من عباد الله.. نتمنى له الرحمة، كما نتمناها لكل أمواتنا المسلمين المجهولين، والمعروفين.

..........................................

* مخرج سينمائي مصري

 

####

 

هكذا تكلَّم عمر الشريف

كلير رودينو - ترجمة: أحمد عثمان

السينما

«كل مخرج أميركي عظيم حقق معي أسوأ فيلم في حياته المهنية».

(ايل، 22 سبتمبر 2003).

«دور (جيفاغو) سهل للغاية، لا شيء عليَّ عمله. لم يكن لديَّ سوى لقطات كبيرة، النظر إلى الزهور، التفكير فيها. وبالتالي، بعض من الأحاسيس الضرورية. وبعد ذلك، يتم تركيب الموسيقى التي تجعلكم أكثر ميلودرامية، وهذا ما يكفي في فيلم مثله».

(لو كوتاديان دو باري، 22 فبراير 1994).

«سعدت بعشر ثوانٍ في فيلم، وعشر في فيلم آخر. لم أسعد بأي فيلم كلياً».

(فرانس - سوار، 7 يوليو 1993).

اللعبة

«طوال حياتي، ذهبت من مدينة مجهولة إلى أخرى. لا أعرف أحدا بها، الشيء الوحيد الذي أستطيع عمله لكي أسلي نفسي، أن أذهب إلى ملهى بحثاً عن انفعالات قوية، ورؤية الناس. إنه مكان ملآن بالناس ولا يشعر المرء فيه بوحدته».

(باري - ماتش، 28 أغسطس، 2003).

النساء

«النوع الذي أفضله من النساء؟ أوه! هذا أمر قديم، من اللازم أن أتذكر... ذكية، تتحمل المسؤولية؛ لأنه، مع النساء اللاتي يتفقن معك في كل شيء، فإنك تصاب بالملل. ليست كبيرة في السن، لأنني أحب أن أتكئ عليها. غير متكلفة، لأنها سوف تصيبني بالضيق، وأخشى أن أغضبها. لا تحيا على نظام الحمية الغذائية، فالمرأة التي تتردد ظهراً ومساء على المطاعم الراقية وتتناول السلاطة تثير أعصابي؛ لأنني أحب أن آكل جيداً، وسوف أشعر بكوني خنزيراً إلى جانبها. غير نحيفة وغير ممتلئة: الحجم المناسب، حينما تستطيع يداي إحاطتها من الظهر. في الغالب سمراء، أو صهباء، مثل أمي».

(ايل، 22 سبتمبر 2003).

«تزوجت مرة واحدة من فاتن حمامة التي طلقتها قبل خمسة وثلاثين عاما. منذ ذاك، لم أعش مع أي امرأة، ولو لأسبوع. لم أحب سوى مرَّة واحدة طوال حياتي».

(باري - ماتش، 28 أغسطس 2003).

العائلة

«طفولتي ومراهقتي كانتا مرحلتين جميلتين. جاهدت لكي يكونا كذلك مع ابني وأحفادي. ربيت أربعة أطفال، وهم سعداء. ليس من بينهم مدمن للخمر. ليس من بينهم مدمن على المخدرات أو يتعاطى الماريغوانا».

(لو باريسان، 18 سبتمبر 2003).

الخيل

«أعتقد أنني وقعت في حب فرسي».

(ترونت مليون دامي، 11 أكتوبر 1980).

***

«حينما يتوافر لي المال، أبتاع خيل سباق. الخيول التي أبتاعها لا تركض جيدا. لا تربح شيئاً. وليس هذا بالضروري، أحتفظ بالأمل!».

(باري - ماتش، 28 أغسطس 2003).

الجسد المتناسق

«لا أتبع أي حمية غذائية. لا أهتم. لا آكل إلا مرة واحدة في المساء، ولكن بأبهة».

(لو فيغارو، 26 أكتوبر 1982).

الدين

«من الممكن أن نتحابَّ رغماً عن اختلافاتنا. ابني مثال طيب. تزوج ثلاث مرات: يهودية، كاثوليكية ومسلمة».

(لو باريزيان، 18 سبتمبر 2003).

فرنسا

«أحب فرنسا. ثم أنا زرت جميع المدن الكبرى، وباريس هي الأجمل. فضلا عن ذلك، الباريسي أناني، وهذا بالشيء الطيب. وهكذا، على الأقل، لا يهتمون بشيء، وهذا مقبول للغاية!».

(باري - ماتش، 28 أغسطس 2003).

------------

.Claire Rodineau، Ainsi parlait Omar Sharif، Le figaro، 11/‏‏07/‏‏2015

كلير رودينو

ترجمة: أحمد عثمان

 

الإتحاد الإماراتية في

30.07.2015

 
 
 
 
 

وجوه عمر الشريف

موقع الكتابة/ محمد العبادي

الطريق إلى العالمية:

تقول الأسطورة أن المخرج العالمي "ديفيد لين" جاء للقاهرة بحثا عن وجه جديد لفيلمه "لورنس العرب".. وأن اختياره الأول كان "رشدي أباظة".. تختلف الروايات عن الطريقة التي تغير بها اتجاه "لين" من رشدي إلى عمر.. هناك من يقول أن رشدي رفض أن يخضع "لاختبار تمثيل" وطلب ممن يريد أن يشاهده أن يشاهد فيلمه المعروض حينها "في بيتنا رجل".. ليرى "لين" الفيلم.. فيلفت انتباهه بطل الفيلم "عمر الشريف" في دور "إبراهيم حمدي".. ورواية أخرى تقول أن "رشدي" تأخر عن موعده.. فاتجه الدورلـ"عمر" الذي كان أكثر أكثر انضباطا في المواعيد!!

لكن لو تركنا الأساطير ورواتها جانبا..نجد أن المصادر والعقل والمنطق يرفضون تصديق أن مخرجاً بحجم السير "لين" ترك التحضير لفيلمه الضخم ليأتي للقاهرة بحثا عن ممثل لدور لا تزيد مساحته عن دقائق معدودة...

نعم.. فالحقيقة أن "عمر" لم يكن مرشحا في البداية سوى لدور "طفس" الدليل البدوي للورنس الذي يقتل بعد دقائق معدودة من الفيلم, لكن القدر كان حليفا لعمر...

مَثّل دور "الشريف علي" صداعا في رأس ديفيد لين.. رشح له في البداية الممثل الألماني "هورست بولشولز" الذي اعتذر لارتباطه بفيلم آخر.. ثم الفرنسي "آلان ديلون" الذي قام باختبار أداء فعلا للدور قبل أن يعتذر عنه بسبب مشاكل ارتداء عدسات بنية اللون لتظهره بالمظهر العربي.. ليذهب الدور بعد ذلك لفرنسي آخر هو "موريس رونيه".. الذي فشل في إقناع المخرج بأدائه.. فذهب الدور أخيرا إلى الوجه المصري الجديد: عمر الشريف.

فرصة "لورنس العرب" إذن لم تصنع عمر الشريف.. بل هو الذي صنع فرصته بنفسه ،واستغلها أحسن استغلال...

كذلك الحال مع فرصته التالية مع نفس المخرج: "دكتور جيفاجو".. كان المرشح الأول لدور البطولة هو "بيتر أوتول".. لكن رفض أوتول بسبب تجربته السابقة في "لورنس العرب" التي أضاعت سنة من عمره.. ورغم طرح أسماء هامة مثل السويدي "ماكس فون سيدو" والبريطاني "ديرك بوجارد".. إلا أن "عمر" كان الخيار الثاني للمخرج الذي وثق في قدرات اكتشافه.. وكان على قدر الثقة...

الممثل:

من عجب أن اغلبنا يصفه بـ"النجم العالمي".. وعلى الرغم من ذلك فقليل من المصريين هم من شاهدوا أيا من الأفلام العالمية لعمر الشريف.. وربما لهذا كتب البعض بعد وفاته إنه كان ممثلا محدودا لا يستحق كل هذا الاحتفاء.. لأنهم ببساطة لم يشاهدوا سوى فتى الشاشة العربية الوسيم ذو النطق المتكسر والأداء الأرستقراطي الناعم.. لكن الحقيقة أن عمر "العالمي" هو بحر واسع من الأداء المتنوع والقابل للتشكل في أدوار مختلفة.. هو العربي المقسوم بين قيم البداوة وقيم الحضارة الحديثة في "لورنس العرب".. هو الطبيب والشاعر الروسي الرقيق المطحون بين رحى الثورة البلشفية في "دكتور جيفاجو".. هو الأمير الوسيم في حكاية خيالية في "أكثر من معجزة".. وهو "السيد إبراهيم".. الدور الذي أثبت أنه لازال ممثلا قادرا على التميز رغم سنين الصيام عن الأدوار المميزة.

شهدت بقوة أدائه ثلاث جوائز ..جولدن جلوب, جائزة سيزار, والأسد الذهبي لفينيسيا.. لكن الأوسكار دوما جائزة قاسية القلب.. ومن الصعب التنبؤ بمن ستطلب وده...

ولماذا لم يحصل عمر الشريف على الأوسكار؟!.. على الأقل عن "دكتور جيفاجو" 1965. الدور الذي حصل عنه على "الجولدن جلوب" كأحسن ممثل.. وبخلت عليه الأوسكار حتى بالترشيح!!.. تعمدت أن تكسر قلبه كما كسرت قلب صديق عمره "بيتر أوتول" مرارا وتكرارا...

العاشق:

في العام 1968 ملأت الصحافة العالمية أنباء عن علاقة بين عمر والممثلة الأمريكية "باربارا سترايسند" شريكته في بطولة فيلم "فتاة مرحة" 1968.. في ذلك الوقت كان لازال متزوجا من "حب حياته" الوحيد فاتن حمامه.. حيث لم يتم الطلاق بينهما إلا بعد ست سنوات.. وكما ألقت أنباء علاقته بـ"سترايسند" بظلالها على أسطورة حب حياته.. ألقت بظلالها أيضا على وطنيته.. أو – لنقل – على علاقته بنظام عبد الناصر.. فسترايسند كانت من أشد المؤيدين للكيان الصهيوني في هوليود...

باربرا سترايسند فقط؟.. لا.. الكلام عن غيرها كثير.. ويطول...

المقامر:

هنا تزداد غرابة الحقيقة لتصبح أقرب من الأسطورة, خسارة بيت في إسبانيا تبلغ قيمته الحالية 4.4 مليون استرليني في لعبة بريدج.. خسارة 750 ألف دولار في ليلة واحدة من لعب الروليت!!...

ورغم كونه من أهم لاعبي "البريدج" في العالم, وله عدد من الكتب والمقالات عن البريدج ولعبة كمبيوتر بإسمه.. إلا أن عمر الشريف اعتبر القمار مجرد وسيلة لقتل الملل!!

لكنها بالتأكيد وسيلة مكلفة جدا.. وربما لم تكلفه فقط الكثير من النقود بل كلفته الأهم.. مسيرته الفنية...

تحول التمثيل بالنسبة له لمجرد وسيلة للحصول على الأموال للقمار والحياة المرفهة.. وعام وراء عام أخذت أعماله الجيدة في التلاشي.. لتظهر مكانها أفلام رخيصة.. للنسيان.

ربما كان مثالا جيدا لتوضيح كيف فرط عمر في مسيرته أن نعقد مقارنة بين عمر وبين صديق عمره: الممثل البريطاني "بيتر أوتول".. الإثنان في نفس السن تقريبا, بل وبدآ مسيرتهما من نفس النقطة تقريبا "لورنس العرب".. لكن لغة الأرقام توضح الفرق:

بيتر أوتول: 95 عمل فني. 35 جائزة منها أوسكار فخرية, 4 جولدن جلوب, جائزة إيمي, جائزة بافتا, 38 ترشيح لجوائز منها 8 ترشيحات للأوسكار.

عمر الشريف: 117 عمل فني. 11 جائزة منها 3 جولدن جلوب, 4 ترشيحات أخرى منها ترشيح وحيد للأوسكار!!

وجه لا يعرف الندم

ألزهايمر..ذلك الوحش الذي يتغذي على الذكريات يهاجم ذاكرته.. لا مجال لاختلاق أساطير رومانسية جديدة عن حزنه على وفاة فاتن.. فهو ببساطة نسى فاتن وأيامها.. اختلط عليه الأمر بين "لورنس" و"جيفاجو".. تاهت ذكريات الأفلام وأماكن تصويرها.. ولم يبق له سوى رفيقته الأخيرة: الوحدة...

ربما كان "ألزهايمر" رحمة.. يمحو معه الأخطاء.. ويبعد شبح الندم.. عن رجل قال دوما أنه لم يعرف الندم...

*قاص وكاتب مصري

 

موقع "الكتابة المصرية" في

31.07.2015

 
 
 
 
 

عمر الشريف «حاضر» بالأكاديمية المصرية للفنون بروما

فن/ فايزة هنداوي

افتتح الدكتور عبد الواحد النبوي، وزير الثقافة، اليوم الجمعة، يرافقه السفير عمرو حلمي، سفير مصر لدى إيطاليا وحرمه، معرض فني ضخم يضم صور لمختارات من أشهر أفلام الفنان الراحل عمر الشريف بالعاصمة الإيطالية روما.

وكان وزير الثقافة، قد وجه بأن يكرس جزء من هذا العام للاحتفاء بـ"الشريف" باعتباره أحد الرموز الثقافية والفنية التي تركت بصماتها على السينما المصرية والعالمية، ونجح في أن يجعل من فنه معبرًا للثقافات المختلفة، وذلك ضمن عدد كبير من الفعاليات الثقافية المصرية التي تنظمها الوزارة في الخارج، والتي على رأسها الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة.

وخلال كلمته، قال وزير الثقافة، إن التعاون الثقافي المصري الإيطالي سوف يشهد في الفترة القادمة تنوعًا كبيرًا، موضحًا أنه اتفق مع عدد من الشخصيات الإيطالية البارزة، وعلى رأسها السفير أنطونيو باديني على تنظيم مجموعة من الفعاليات الفنية التي تعكس التواصل الثقافي والفني بين البلدين.

ومن جانبها، أعدت الدكتورة جيهان زكي، مدير الأكاديمية المصرية للفنون بروما، برنامجًا حافل للاحتفال بهذه المناسبة، وسط تفاعل من الجمهور الإيطالي مع أعمال الفنان الراحل وخاصة التأثر الموسيقي المصرية التي واكبت العرض.

يُذكر أن الفنان العالمي عمر الشريف، سبق وأن زار الأكاديمية المصرية للفنون بروما في سبتمبر 2014، والتقى مع طلبة جائزة الدولة للإبداع الفني، والتقط معهم عدد من الصور النادرة عرض جزء كبير منها في المعرض.

 

التحرير المصرية في

31.07.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004