ملفات خاصة

 
 
 

حياة عمر الشريف وموته

بقلم   سمير فريد

عن رحيل الأسطورة

عمر الشريف

   
 
 
 
 
 
 

توفى عمر الشريف يوم الجمعة ١٠ يوليو، وشيعت جنازته يوم الأحد فى ساحة مسجد المشير طنطاوى حيث تمت الصلاة على جثمانه، ودفن فى مقابر السيدة نفيسة. وأقامت نقابة المهن السينمائية العزاء يوم الأربعاء فى مسجد عمر مكرم بوسط القاهرة. وكان من الغريب عدم حضور ابنه طارق، ولكن العزاء على أى حال لم يكن فى والد طارق، وإنما فى عمر الشريف، وهو ملك مصر والعالم العربى والعالم كله، وليس فقط أسرته.

نشر خبير الآثار المصرية القديمة زاهى حواس مقالاً فى «الأهرام» يوم ١٢ يوليو بعد يومين من وفاة صديقه عمر الشريف قال فيه إنه ذهب لزيارته فى المستشفى حيث كان يعانى من «ألزهايمر» قبل أسبوع من وفاته، وأن عمر لم ينطق بكلمة واحدة فى هذه الزيارة، ولكنه كان يفتح شفتيه ويتمتم. وقال حواس: «تخيلت أنه كان يقول يا رب».

النداء الأخير

أعتقد أن ما تخيله حواس كان صحيحاً. فقد كان عمر الشريف وقد تمكن منه ذلك المرض بعد أن احتفل بعيد ميلاده الثالث والثمانين فى ١٠ أبريل ٢٠١٥، يشعر بدنو الأجل. وقد أصبحت صورته مع ابنه طارق فى ذلك الاحتفال والتى صورها أيمن برايز، ونشرت فى الأهرام يوم ١٥ أبريل هى الصورة الأخيرة. ومن أعراض «ألزهايمر» النسيان، وربما يكون عمر الشريف قد نسى كل شىء، ولكنه من واقع ما أعرفه عنه لم ينس الله، وظل يذكره.

كان يقول «يا رب» وهو يقترب من العالم الآخر مناجياً رب العالمين النداء الأخير. كان يقول «يا رب» وهو على وشك أن يفقد الروح التى لا يعلم بأمرها إلا خالقها. كان يقول «يا رب»، آملاً ألا يطول عذاب المرض، وأن يموت بدلاً من أن يعيش مريضاً، كما تمنى دائماً، وهو الذى لم يكن يتناول العقاقير، ولا حتى حبة «أسبرين» كما يقول حواس فى مقاله المذكور. كان يقول «يا رب» آملاً فى صفحه وغفرانه، والله كما يقول المصريون «رب قلوب»، والعالم بالنوايا دون سواه، والغفور لكل خطايا الإنسان إلا الشرك به، والعالم وحده بمن يؤمنون ومن يشركون.

ولد مسيحياً ومات مسلماً

ولد عمر الشريف مسيحياً من الروم الكاثوليك باسم ميشيل شلهوب. وكان مولده فى الإسكندرية لأب من أصول لبنانية من زحلة يعمل فى تجارة الأخشاب، وأم من أصول سورية من دمشق. وعندما بدأ العمل ممثلاً فى السينما عام ١٩٥٣ اختار له المنتج رمسيس نجيب (١٩٢١-١٩٧٧) والمخرج يوسف شاهين (١٩٢٦-٢٠٠٨) اسم عمر الشريف. وكان المعتاد فى مصر ودول عديدة أن يكون لأغلب الممثلين اسم يعرف به يكون من السهل تداوله على ألسنة الجمهور. واعتنق عمر الشريف الإسلام عام ١٩٥٥ حتى يتزوج الممثلة فاتن حمامة (١٩٣١-٢٠١٥) وغير اسمه رسمياً. وهكذا حمل اسم القديس ميشيل فى المسيحية واسم الخليفة عمر فى الإسلام.

وبعد زواج عمر الشريف وفاتن حمامة أنجبا طارق عام ١٩٥٧، وتم الطلاق بينهما عام ١٩٧٤ بناء على رغبتها، وتزوجت الدكتور الطبيب محمد عبدالوهاب، وعاشت معه حتى وفاتها. واحترم عمر الشريف رغبة فاتن فى عدم الحديث عن الماضى، واحترم الدكتور عبدالوهاب التزامه بذلك، وكان من المشتركين فى جنازته. وكانت فاتن قد تزوجت المخرج عزالدين ذوالفقار (١٩١٩- ١٩٦٣) عام ١٩٤٨، وأنجبا نادية عام ١٩٥٠، والتى اعتبرها عمر مثل ابنته بعد طلاق والديها، واعتبر مارين ابنة نادية حفيدته وورث طارق التسامح الدينى عن والده حتى إنه تزوج ثلاث مرات من يهودية ومسيحية ومسلمة، وأنجب من زيجاته أحفاد عمر الشريف الثلاثة عمر الشريف الصغير وكارم ودانى.

ومن يغير دينه لتحقيق غرض دنيوى، يشك بعض الناس فى إيمانه بالدين الجديد، أو حتى بإيمانه بالدينين الأصلى والجديد معاً. ولم يكن تغيير عمر الشريف لدينه موضع ترحيب من أسرته، ولكن الأسرة لم تكن متعصبة. ومن ناحية أخرى، ولد عمر الشريف ونشأ فى مصر الليبرالية المنفتحة على كل الأديان والأعراق، والتى تتماهى بذلك مع تاريخها الطويل وجغرافيتها المتميزة، وكانت الإسكندرية أكبر رموز مصر الليبرالية التى كانت.

نشأ ناصرياً ومات ساداتياً

كان عمر الشريف فى العشرين من عمره عندما قامت ثورة يوليو ١٩٥٢، وعاش ما يمكن أن نطلق عليه مرحلة عبدالناصر المصرية حتى ١٩٥٨، وكان مؤيداً للثورة التى أعلنت الحرب ضد الفقر والجهل والمرض والفساد، ومؤيداً لكفاح الشعب الفلسطينى من أجل الحرية، وعبر عن ذلك باشتراكه مع فاتن حمامة فى تمثيل فيلم «أرض السلام» إخراج كمال الشيخ (١٩١٩-٢٠٠٤) عام ١٩٥٧، وكانت باقة الورد الوحيدة من العالم العربى فى جنازته من الرئيس الفلسطينى محمود عباس. ولكن عمر الشريف مثل كثيرين ممن نشأوا فى مصر الليبرالية، لم يؤيد مرحلة عبدالناصر العربية عند الوحدة مع سوريا عام ١٩٥٨، ولم يؤيد مرحلة عبدالناصر الاشتراكية مع قرارات التأميم عام ١٩٦١، وتعاظم سطوة المخابرات قبل حرب يونيو ١٩٦٧.

ولذلك غاب عمر الشريف، أو عمر شريف كما هو معروف بالإنجليزية، عن مصر نحو ١٠ سنوات من ١٩٦٥ إلى ١٩٧٥، حيث اشترك فى تمثيل عشرات الأفلام الأوروبية والأمريكية. وغاب عن السينما المصرية نحو عشرين سنة من ١٩٦٥ إلى ١٩٨٣. وكان غيابه عن مصر، ليس فقط من أجل العمل خارجها، فقد كان يستطيع بالطبع أن يعمل داخل وخارج مصر، وإنما فراراً من ضغوط المخابرات عليه وعلى فاتن حمامة، وتجنباً للإجراءات المتعددة والمتشددة لسفر المصريين إلى الخارج، خاصة سفر الممثلين، وكان يشترط موافقة شرطة الآداب على سفر كل من يعمل بالتمثيل. وفى نفس هذه الفترة ولنفس الأسباب، غابت فاتن حمامة عن مصر من ١٩٦٥ إلى ١٩٧١.

بعد موت عبدالناصر عام ١٩٧٠ وتولى السادات، عادت فاتن حمامة إلى مصر مباشرة. ولكن عمر الشريف عاد عندما التقى مع السادات فى حفل بالبيت الأبيض فى واشنطن، ودعاه للعودة إلى مصر. وكان عمر الشريف مؤيداً لسياسات السادات الداخلية والخارجية تأييداً كاملاً، ويمكن القول إنه نشأ ناصرياً ومات ساداتياً.

أما بالنسبة لعهد مبارك الذى بدأ بعد اغتيال السادات عام ١٩٨١، فقد كان عمر الشريف مؤيداً لسياسات مبارك، باعتبارها امتداداً لسياسات السادات. وبدأ العمل فى السينما المصرية من جديد فى عهده عام ١٩٨٣. وكانت البداية فيلم «أيوب» إخراج هانى لاشين من إنتاج تليفزيون الدولة، والذى عرض فى دور السينما عام ١٩٨٤. ولكن عمر الشريف أصبح أقرب إلى المعارضة بعد التكلس الذى أصاب نظام مبارك وانتشار الفساد، ولذلك كان أول شخصية مصرية دولية مرموقة طالبت مبارك بالتنحى يوم أول فبراير ٢٠١١ أثناء ثورة ٢٥ يناير، وذلك فى حوار تليفزيونى مع قناة CNN أذيع فى كل العالم فى نفس اليوم.

وفى الحوار الأخير الذى أجرى مع عمر الشريف قبل أن يشتد عليه المرض، والذى أجراه صفوت دسوقى فى القاهرة ونشر فى «الوفد» يومى ١٤ و١٥ ديسمبر ٢٠١٤، قال: «سافرت بعد قيام ثورة يناير بشهور، وكانت هناك حالة من الفوضى، وأثناء إقامتى فى الخارج تابعت الانتخابات الرئاسية وفوز الإخوان بالحكم. وقد تملكنى الخوف وقلت إن مصر سوف تنهار، لكن الحمد لله، الشعب صحح المسار وقام بثورة جديدة، واختار عبدالفتاح السيسى ليحكم مصر... لا أعرف السيسى لكنه رجل وطنى ويحب البلد، والشعب كله يعلق آمالاً عليه».

زهور القرآن

عندما عاد عمر الشريف إلى مصر كان قد تجاوز الأربعين من عمره، وبدأ التعمق فى الدين الإسلامى، خاصة من خلال الاستماع إلى أحاديث الشيخ الشعراوى فى التليفزيون.

يقول عمر الشريف فى حوار مع حسن عبدالله بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسبعين، والمنشور فى مجلة «نيوز ويك» الأمريكية الدولية الأسبوعية، عدد ٢٩ مايو ٢٠٠٧: «أحب الشيخ الشعراوى كثيراً، فهو يفسر القرآن الكريم بشكل رائع، وله عمق لغوى مبهر. استمعت إليه وهو يفسر آية وسطية الإسلام، واكتشفت أن هذه الوسطية ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان، وأنها ما يحتاج إليه العالم الآن ودائماً». وقال: «قمت بعمرة واحدة. كنت أجلس ليلاً فى صحن الكعبة وأناجى ربى حتى الفجر. كانت لحظات رائعة جداً. مكة مدينة الله. من الطبيعى أن يأتى كل الأنبياء من الشرق حيث الصحراء والنجوم والقرب الشديد من الله».

وكان عمر الشريف قد عبّر عن تعمقه فى الدين الإسلامى، وأكد أنه من رموز الليبرالية المصرية، بتمثيل آخر دورين كبيرين فى حياته، وهو دور البقال المسلم الذى يتبنى صبياً يهودياً فى باريس فى الفيلم الفرنسى «السيد إبراهيم وزهور القرآن» إخراج فرانسوا ديبيرون عام ٢٠٠٣، ودور القديس بطرس فى الفيلم التليفزيونى الإيطالى «القديس بطرس» إخراج جوليوباسى عام ٢٠٠٥. وبعد ذلك فى الفيلم المصرى «حسن ومرقص» إخراج رامى إمام عام ٢٠٠٨ حيث قام بدور المسلم حسن وقام عادل إمام بدور المسيحى مرقص.

كان عمر الشريف مسلماً بالاختيار وليس بالمولد، كما كان مصرياً بالاختيار وليس بالمولد. فقد ظل محتفظاً بجواز سفره المصرى طوال حياته، وكان يستطيع الحصول على أى جواز سفر أمريكى أو أوروبى. ويبدو فى شهوره الأخيرة وألزهايمر يحوم حوله قبل أن يتمكن منه، ويتم الإعلان عن إصابته به فى مايو ٢٠١٥، وكأنه كما اختار دينه ووطنه، اختار أن ينسى بعد موت حفيدته فاطيما فى عمر الطفولة، وموت مديرة أعماله فى مصر وصديقته المخلصة إيناس بكر فى عمر الشباب، وموت صديق عمره أحمد رمزى الذى يماثله فى السن. ويبدو عمر الشريف فى أيامه الأخيرة، وكأنه اختار أن يموت بدلاً من أن يعيش مريضاً وبلا ذاكرة، فقال «يا رب»، وجاء موعد القرار الإلهى كما تمنى يوم الجمعة الأخيرة (اليتيمة) من شهر رمضان المبارك الذى أنزل فيه القرآن، وظلت الزهور التى يضعها إبراهيم، وهو اسم أبوالأنبياء، داخل صفحات الكتاب.

samirmfarid@hotmail.com

 

المصري اليوم في

20.07.2015

 
 
 
 
 

مسرح فيكتوريا كوليدج .. ملعب لورانس العرب الأول ..!

مُصطفى طاهر

عيون حالمة لفتى سكندري شاب يبدوا أنها قررت أن تتعلق مع نهاية الربع الأول من القرن الماضي بحلم بعيد و صورة براقة لفارس و نجم سينمائي قادر على حصد الإعجاب و إنتزاع التصفيق من الجمهور عبر العصور .. العيون التي أخترقت القلوب كانت عيون “ميشيل ديمترى شلهوب” أبن التاجر الذي عرفناه فيما بعد بعمر الشريف و الحلم تحقق و أبعد و بداية الطريق كانت على مسرح جامعة فيكتوريا ( فيكتوريا كوليدج ) في الإسكندرية .. المكان الذي قدم إلهامه الأول للورانس العرب لاقتحام المجال الفني حيث قدم هناك على خشبة مسرحها أول مسرحية من إنتاجه بعنوان “الدوق الخفي”، والتي ظل مختبئا طوال عرضها بداخل صندوق ! .. ومن صندوق “فيكتوريا” الذي أختبىء داخله الشريف إلى صندوق الوداع الأخير الذي وارى الثري وسط دموع المحبين ظهر اليوم الأحد في مقابر البساتين بالقاهرة .. وضع مسرح فيكتوريا كوليدج بصمته على شخصية و نجومية أعظم ممثل عربي عبر التاريخ كما وضعها على عشرات النجوم معه ..

بداية مسرح فيكتوريا كوليدج مع التاريخ كانت  عام 1902 بمدينة الإسكندرية عندما تأسست بقرار من الحاكم البريطاني لمصر آنذاك ايفريل بارينج والذي كان أيضا رئيسا لبنك بارينجز (ظل بنك بارينجز أكبر بنوك بريطانيا التجارية منذ إنشاءه العام 1792 حتي انهياره العام 1995). حيث كان للبنك وقتها استثمارات كبيرة في مصر بحكم استقرارها مقارنة بدول أخرى من العالم.

الكلية لدي إنشاءها أخذت بعين الاعتبار مستوي التعليم المتميز المتبع في الامبراطورية البريطانية، كما أصرت علي عدم الأخذ بأي نشاطات دينية بها سواء من جانب التعليم الديني الإسلامي أو من جانب التعليم الديني الكنسي، ما أشعر وزارة الخارجية البريطانية ” بعدم الارتياح “، ومن بين المشاركين في المشروع أفراد من أثرياء الأقلية اليهودية في مصر.

اشتهرت الكلية في خلال فترة الحرب العالمية الثانية خصوصا بين طبقة الملوك والنبلاء في أوروبا ومصر، حيث انضم إليها العديد منهم، كما درس بها عدد من أبناء الأسر الحاكمة والثرية في العالم العربي.

انتهت التبعية البريطانية للكلية فجأة في العام 1956 م. وهي السنة التي شهدت نهاية التعاون بين بريطانيا ومصر مع بداية أزمة السويس، وصارت الكلية تابعة لوزارة التعليم المصرية، لكن الكلية استمرت في التدريس الي يومنا هذا وبمنهج يعتمد علي اللغة الإنجليزية في معظمه .. و الكلية مخصصة للبنين فقط الآن وكانت من قبل ولوقت قريب للجنسين

وتشتهر تلك المدرسة العريقة بمساحتها الواسعة فيوجد بها ملعبان قانونيان لكرة القدم والعديد من ملاعب الكرة الطائرة وكرة السلة وكرة اليد وحمام سباحة.

المسرح الذي تم إنشاؤه على يد أفراد الجاليتين اليهودية والإنجليزية ليصبح قبلة لأبناء الجاليات الأجنبية في مصر و علية القوم من المصريين حيث تعلم في المدرسة التابع لها طلاب من 55 جنسية مختلفة .. فظهر على المسرح عشرات الوجوه التي خلدت نفسها في تاريخ السينما المصرية مثل أقرب أصدقاء الشريف “أحمد رمزي” و المخرج العالمي “يوسف شاهين” و”توفيق صالح” و “شادي عبد السلام وغيرهم .. دخل “الشريف” المسرح لأول مرة قبل أن يبلغ عمره 12 عاما ليشاهد تفجر موهبة المخرج العالمي “يوسف شاهين”، الذي كان المسرح شاهدا على تقديم أول أفلامه السينيمائية ..  القصر الذي تختلط على جدرانه فنون العمارة الإسلامية بالطراز الإنجليزى فى البناء و قام بتصميمه الإيطالى «هنرى جور» كان شاهدا على خروج العشرات من النجوم في السياسة و المجتمع والفن لم يكن أولهم الملك حسين عاهل الأردن السابق أو الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد و لا يعتبر النجم الإستعراضي “سمير صبري” أخرهم .. و رغم كل الوجوه اللامعة التي مرت على قلعة فيكتوريا الساحلية إلا ان وجه دكتور زيفاجو الشهير بعمر الشريف لن تستطيع الوجوه المتتابعة في فيكتوريا أن تنسينا أياه ابدأ .

mostafa@alkahera.co

 

جريدة القاهرة في

20.07.2015

 
 
 
 
 

عمر الشريف لم يكن يهودياً ولا زحلاوياً

فارس يواكيم

لم يكن عمر الشريف يهودياً، قبل أن يشهر إسلامه، على رغم تواتر هذه المعلومة الخاطئة في شبكات الإنترنت، وتداولها - كالعادة - من دون تدقيق. والصحيح أنه ولد في عائلة مسيحية تنتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك. وهي طائفة مسيحية مشرقية جذورها في بلاد الشام، وتكونت منها جالية في مصر من أبناء المهاجرين الشوام. واشتهر منها عدد ملحوظ من الأسماء المعروفة جيداً في مصر والعالم العربي، بينها في مجالي الثقافة والإعلام: خليل مطران، إبراهيم اليازجي، شبلي الشميل، آل تقلا (جريدة «الأهرام»)، يوسف شاهين، هنري بركات، فتوح نشاطي، بشارة واكيم، نجيب متري (مؤسس دار «المعارف» للنشر)، الشاعر عادل الغضبان (المحرر المسؤول في دار المعارف)، رفيق جبور (المناضل اليساري الرائد) والأديب العالم نقولا الحداد. ولهذه الطائفة مؤسساتها التعليمية: المدرسة البطركية في القاهرة والإسكندرية، المدرسة اليوسفية (القاهرة) ومستشفاها «دار الشفاء»، وجمعياتها الخيرية، ومن أبنائها لمع كثيرون في مجالات الطب والمحاماة والاقتصاد، وآخر هؤلاء رامي لكح (عضو مجلس النواب سابقاً).

في عائلة شلهوب ولد ميشال بن ديمتري بن جورج بن حبيب الذي صار مشهوراً باسم «عمر الشريف». وهو الاسم الفني الذي رافق مسيرته منذ فيلمه الأول «صراع في الوادي». وقد أشهر عمر الشريف إسلامه لدى زواجه بسيدة الشاشة فاتن حمامة. وظل مسلماً حتى وفاته، وكانت جنازته في المسجد ووفق الشريعة الإسلامية.

وعائلة شلهوب التي منها عمر الشريف، من الأسر الدمشقية العريقة. وهي وإن لم تكن كثيرة الأفراد، أنجبت بعض الذين اشتهروا في الحياة العامة، ومنهم جورج شلهوب (جد عمر) وكان طبيباً مرموقاً. ومنهم ديمتري شلهوب (جد الجد) الذي اشترى خان الجمرك عام 1864 وهو صاحب القصر الذي ما زال قائماً في حارة بولاد بدمشق. ومن هذه العائلة أيضاً: السياسي جورج شلهوب، وزير الأشغال العامة في حكومة ناظم القدسي (1950)، وابنه غسان شلهوب وزير السياحة في سبعينات القرن الماضي.

لكن الشائع المتداول هو أن عمر الشريف، من عائلة شلهوب اللبنانية، في مدينة زحلة. والصحيح أنه ينتمي إلى عائلة شلهوب الدمشقية. وأمه كلير سعادة، من مدينة اللاذقية التي منها عالم الآثار والمؤرخ الموسيقي غابي سعادة.

أمير الكمان أيضاً

عمر الشريف ليس الوحيد الذي ألصق به النسب اليهودي. وإذا كان ورود اسم ميشال أو جورج أو جوزف لدى البعض يجعل الذين يكتبون بخفة يتوهمون أن أصحاب هذه الأسماء من اليهود، من دون التفكير في احتمال أن يكون ميشال مسيحياً، فالغريب أن سامي الشوا - وليس في الاسم ما يثير الظن - اعتبر في نظر البعض يهودياً! (هكذا ورد في كتاب «اليهود في الغناء المغاربي والعربي» لمحمد الصقلي، مراكش 2008). والصحيح أيضاً أن سامي الشوا من عائلة مسيحية، هاجر أبوه من حلب إلى القاهرة. وكان أبوه أنطون الشوا عازف كمان هو الآخر، وجده الياس الشوا عازف قانون. أما سامي فكان أبرز عازفي الكمان في عصره واشتهر بلقب «أمير الكمان».

وعندما اندلعت أحداث القاهرة في كانون الثاني (يناير) 1952، وأقدمت عناصر من جماعة «الإخوان المسلمين» على حرق المتاجر الخاصة باليهود مثل شيكوريل، شملا، أوروزدي باك، بنزيون (بن صهيون). شملت الحرائق أيضا محال «صيدناوي» لصاحبيها سليم وسمعان صيدناوي، وهما من المسيحيين الروم الكاثوليك من أصول سورية، وكما يدل الاسم فهما يتحدّران من بلدة صيدنايا.

هؤلاء هم اليهود

لمع كثيرون من اليهود المصريين في مجالات عدة، منهم من كان وزيراً مثل يوسف قطاوي باشا، ومنهم رجال الأعمال والأطباء والعاملون في مختلف الاختصاصات. وفي مجال الثقافة والإعلام برز منهم في الموسيقى: الملحن داود حسني (مكتشف أسمهان) والمطرب زكي مراد، وابنته الشهيرة ليلى، وابنه الملحن منير (موريس) مراد. (زكي مراد مات يهودياً، بينما اعتنقت ليلى ومنير الإسلام)، ويعقوب صنوع (أبو نظارة) أحد رواد المسرح والصحافة. وتوغو مزراحي من أوائل المخرجين السينمائيين. والممثل السينمائي الياس مؤدب، والممثلات: راقية إبراهيم، نجمة إبراهيم، نجوى سالم. راقية (راشيل أبراهام ليفي) هاجرت من مصر إلى الولايات المتحدة ولاحقاً أصبحت سفيرة للنوايا الحسنة لمصلحة إسرائيل. أما نجمة ونجوى فظلتا في القاهرة وتحولتا إلى الإسلام.

ومن المحامين، والشيوعيين البارزين: شحاته هارون ويوسف درويش، وقد رفضا الانتقال إلى إسرائيل، كما الشيوعي الآخر ألبير آرييه (ما زال حياً في السابعة والثمانين من العمر، مقيماً في القاهرة). والمحامي والشاعر والأديب مراد فرج. وكان المحامي ليون كاسترو (مولود في إزمير - تركيا، وانتقل إلى مصر وهو شاب وظل فيها حتى وفاته) صديقاً للزعيم سعد زغلول ومترجماً لديه وعضواً في حزب الوفد ورئيساً لتحرير «لا ليبرتيه» الصادرة باللغة الفرنسية. والوفدي الآخر هارون زكي حداد (وكان مدير تحرير «النداء»). ومن الصحافيين اليهود البارزين: أحمد صادق سعد (أيزدور سلفاتور).

ومن اليهود المصريين الذين لمعوا في المهجر: الصحافي والسفير إريك رولو، والشاعر الأديب أدمون جابيس، والشاعرة جويس منصور، والروائي أندريه آسيمان.

 

الحياة اللندنية في

20.07.2015

 
 
 
 
 

عمر الشريف: الحياة حتى الرمق الأخير

محمد جابر

في حوار أجراه عبد الحليم حافظ مع عمر الشريف في فيينا عام 1968 لصالح الإذاعة المصرية، سألَ حليم "في العالم الذي تعيش فيه الآن.. لسه حاسس إنّك غريب؟". كان قد مر حينها ستّ سنوات على مغادرة عمر الشريف لمصر، مرتحلاً بين عدد من الدول، ومقدماً عدداً من الأفلام والأدوار والتجارب العالمية. رغم ذلك فقد أجاب سريعاً "والله لغاية دلوقتي حاسس إني برضه غريب". 

يشكو عمر من الوحدة، والبعد، وقلة الأصدقاء، "مليش بيت ومليش أصحاب الحقيقة هنا، في مصر كان أسهل حاجة إن الواحد يلاقي أصدقاء، "، فيسأله حليم ــ في محاولة لحديث ميلودرامي على الأغلب ــ "تفتكر يا عمر أسهل حاجة إن الواحد يلاقي أصدقاء فعلاً؟"، "في مصر أيوة".. يجيب عمر الشريف دون ثانية تفكير. 

مفتاح حياة عمر الشريف كلها، فترات الصعود والهبوط في مسيرته الفنية، رحيله من مصر وعيشه مرتحلاً، الشعور الذي لازمه في الجزء الأكبر من حياته بكونه "غريباً"، كل شيء يمكن تفسيره من خلال هذا الحوار القصير الذي استغلت الإذاعة المصرية فيه وجود "حليم" في النمسا، وصداقته الطويلة بالشريف كي يتحاورا. ولكي نفهم لماذا هو "الغريب" يمكن تقسيم حياته لـ4 مراحل: 

الصدفة 

دائماً ما اعتبر عمر الشريف نفسه محظوظاً، تتحرك حياته بصدف جميلة متتابعة. بشكل أو بآخر هذا حقيقي. تلك الصدفة البعيدة مثلاً التي حصلت عام 1954 وجعلت يوسف شاهين يمنحه دور البطولة في فيلم "صراع في الوادي"، بعدما قرر استبعاد شكري سرحان المرشح الأول للدور. الفيلم، الذي حقق نجاحاً عريضاً وقتها، لم يفتح له فقط باب النجومية والسينما والحلم الذي أراده منذ الصغر في أن يكون ممثلاً، ولكن منحه أيضاً حب حياته ومن أصبحت زوجته بعد أشهر عدة من رؤيتها للمرة الأولى.. فاتن حمامة. 

"دائماً ما اعتبر عمر الشريف نفسه محظوظاً، تتحرك حياته بصدف جميلة متتابعة"

تلك الفترة هي الأكثر هدوءاً واستقراراً في حياة الشريف، الوقت الذي لم يكن فيه "غريباً"، علاقته وحياته كانت مستقرة جداً مع فاتن حمامة، قصة الحب المثالية بين سيدة الشاشة وفتاها الأول، بينما في السينما كان يتنقل بخفة للعمل مع عدد من أهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية.. مع شاهين في صراعي "الوادي والمينا".. كمال الشيخ في "سيدة القصر".. صلاح أبو سيف في "بداية ونهاية".. عز الدين ذو الفقار في "نهر الحب".. فطين عبد الوهاب في "إشاعة حب".. بركات في "في بيتنا رجل"، وغيرها من الأعمال الذي ترك من خلالها إرثاً عظيماً، مهّد لخطوته التالية التي غيّرت حياته للأبد. 

"الدليل" الذي صار من الأشراف 

لا أحد يعرف تحديداً لماذا قرر المخرج الأسطوري دايفيد لين تغيير رأيه في اللحظات الأخيرة، واستبعاد الفرنسي موريسي رونيت من التمثيل في الفيلم ومنح دوره لعمر الشريف، صدفة أخرى؟ ما حدث أن لين كان يريد في البداية ممثلين عربا لعدد من الأدوار الثانوية العابرة في الفيلم، المنتج سام بيغل قام بجولة في الدول العربية، ومن ضمنها مصر، قابل عمر الشريف ورشحه لدور "دليل الصحراء" الذي يُقتل في بداية الفيلم على يد شخصية "الشريف علي"، التي سيلعبها الفرنسي موريسي رونيت. وافق الشريف، وسارت الأمور بشكل جيد، باستثناء أن المخرج قرر فجأة استبعاد رونيت، ومنح الممثل المصري شخصية رئيسية في الفيلم. 

لحظة ظهور عمر الشريف الأولى في السينما العالمية ظلت خالدة بعد ذلك للأبد، يراه "لورانس" و"الدليل" في الأفق، ظل بين الصحراء والسماء، يشعر المشاهدون بالرهبة، ويزداد فضولهم بشأن القادم المجهول، خصوصاً مع استخدام المصور "فريدي يونغ" لعدسات خاصة (482 مم) لجعل اللقطة مختلفة عن أي شيء آخر، وحين يأتي الرجل أخيراً، مسبوقاً برصاصة تقتل الدليل، يكون "الشريف علي"، أو من عرف الناس في الخارج بعد ذلك أنه ممثل مصري يدعى عمر الشريف. 

جائزة "غولدن غلوب"، ترشيح للأوسكار، انطلاقة كبرى في العديد من الأفلام المهمة، الشريف كان يملك في جعبته شيئين ثمينين للغاية: الأول هو ملامحه الشرقية، والثاني لغاته المتعددة، ما جعله الخيار المفضل في السينما العالمية طيلة هذا العقد لدور (الشرقي) أو بشكلٍ أدق (الشخص الذي لا تشبهنا ملامحه). وعلى ذلك كان الطبيب الروسي في "دكتور زيفاغو" لدايفيد لين من جديد، المقامر اليهودي ذو الأصل الألماني في "فتاة مرحة"، الثائر الروماني في ملحمة "سقوط الإمبراطورية الرومانية"، أمير إيطالي في معالجة لقصة سندريلا أمام صوفيا لورين في "أكثر من معجزة"، محقق بولندي في "ليالي الجنرالات"، جنكيز خان في فيلم هوليوودي عن "جنكيز خان"، أو حتى "تشي غيفارا"، وغيرها من الأفلام التي "ارتحل" فيها بين العديد من الدول. 

"كان يملك في جعبته شيئين ثمينين للغاية: الأول هو ملامحه الشرقية، والثاني لغاته المتعددة"

في تلك الفترة كان "غريباً"، كما يقول، لا يستقر في دولة واحدة، يعيش في الفنادق، يرى ابنه وزوجته بين كل حين وآخر، كانت فترة صاخبة، وممتلئة، وغير مستقرة، وفي النهاية انفصل عن فاتن حمامة عام 1974.. وانفصل بذلك عن حياته القديمة كلها. 

كأن الحاضر أبدٌ 

في السبعينيات، انتهت فترة النجومية، لكبر السن ربما، ولانطفاء حماسه أيضاً، لم يعد يريد العودة لمصر، ولا يرتاح في الاستقرار خارجها، فعاش حياة الصخب حتى آخرها. "أدركت أن لدي حياة واحدة فقط، الندم على الماضي سيكون خاطئاً، وانتظار شيء معين ليحدث في المستقبل هو خطأ أكبر، قررت فقط أن أعيش سعيداً". هذا ما قاله عمر الشريف في تصريح صحافي عن تلك الفترة. 

لم يعد ممثلاً في أفلام هامة، يقدم أدواراً صغيرة في أفلام لا يتذكرها أغلب الأحيان، إيطاليا فنلندا فرنسا الهند المملكة المتحدة، الكثير من العمل في التلفزيون الأميركي. المزيد من الترحال والصخب، يحب المقامرة، والنساء، وحياة الفنادق الفاخرة، عاش ذلك كله حتى آخره، دون اعتذار، عاش من دون النظر لماضٍ أو مستقبل، كأن اللحظة الحالية مستمرة للأبد. 
"مثلت في الكثير من الأفلام السيئة التي أكرهها، ولكني لست نادماً على شيء، العمر قصير كي نعيشه في ندم، الأكيد أنني لحظة فعلت كل شيء.. كان علي أن أفعله". 

"في الحياة الحقيقية لم يكن عمر العجوز هادئاً، كان عصبياً، "خلقه ضيق" كما يصف نفسه"

ومن يعش ثمانين حولاً 

في 2003 قدم الشريف دور المتصوف التركي المسلم في الفيلم الفرنسي "السيد إبراهيم وزهور القرآن" لفرانسوا دوبيرون، نال عنه جائزة أفضل ممثل في الـ "سيزار"، وجائزة أفضل ممثل من قبل الجمهور في مهرجان "فينيسيا"، كانت لحظة جيدة في حياته أن يعود للواجهة في فيلم مهم، عن شيخوخة هادئة لرجل عجوز. 

في الحياة الحقيقية لم يكن عمر العجوز هادئاً، كان عصبياً، "خلقه ضيق" كما يصف نفسه، ولكنه أصبح أكثر طيبة حتى من السابق، صريحاً وحاداً ومتسامحاً، خصوصاً حين ينطلق في الكلام عن الماضي، ويضع في حكاياته كل شيء يمكن للمجتمع أن يدينه ويتحفَّظ عليه، ولكن الناس ظلوا يحبّونه، وينجذبون -بوعي أو بغير- للرجل العجوز الذي عاش حياته طولاً وعرضاً، وظل متصالحاً مع أخطائه قبل حسناته، دون أن يخاف أي شيء.. حتى الموت.

 

####

 

عمر الشريف .. الأسطورة الفنية والموهبة الاستثنائية

سيّار الجميل

"لم أقبض من أحد، ولم أكن في أي يوم تابعاً لأحد.. وتعودت على الحروب مع الجميع، بما في ذلك اليهود الذين ربطوا بين نجاحي العالمي وبينهم، على الرغم من أن هذا غير صحيح".

عمر الشريف 

كتبت عن عمر الشريف في كتابي "نسوة ورجال .. ذكريات شاهد الرؤية" الصادر عام 2002. ولمناسبة رحيله، أول من أمس الجمعة، أكتب مقالتي عنه، هنا، كونه أحد أبرز الأسماء العربية التي وصلت إلى مرتبة العالمية خلال القرن العشرين. نعم، هو من أشهر الفنانين الممثلين الذين أنجبتهم مصر، ونجحوا في اختراق الفضاء العربي بنجوميتهم، ووصلوا إلى العالمية.. كنت على غرار أترابي من المعجبين بأعماله المصرية الأولى، ليس منذ زمن الطفولة، بل في سنوات الشباب. رجعت أبحث عن دوره الأول الذي جعله نجماً دولياً، لا يبارى، فكان ذلك في فيلم "لورنس العرب" الذي أنتج في العام 1962، ولما شاهدته لاحقاً، صدمني. إذ كان فيه تشويه واضح لأحداث تاريخ عربي قريب. واستمر اهتمامي بالنجم عمر الشريف، متابعاً بقية أعماله، خصوصاً في أثناء وجودي في الغرب. ولعل أهم مناسبة جعلتني، وجهاً لوجه، مع هذا الفنان الرائع كانت في إمارة موناكو في صيف العام 1982. 

في حب الإسكندرية 

ولد ميشال شلهوب (تسمى بعمر الشريف) في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1932 في الإسكندرية، لأب كان يعمل تاجر أخشاب، ومن عائلة آل شلهوب الكاثوليكية التي يقال إن أصلها من لبنان. وقد أحب الإسكندرية جداً، ودرس فيها، وبالذات في فيكتوريا كوليج التي تخرج فيها وبالدفعة نفسها الملك حسين وعدنان الخاشقجي ومحمد الفايد ويوسف شاهين ومشاهير غيرهم. ثم انتقلت عائلته إلى القاهرة. 

وفي مطلع شبابه، اختاره يوسف شاهين للسينما المصرية، وقدمه في فيلم "صراع في النيل"، وأسند له دور البطولة أمام فاتن حمامة، فغدا نجماً مصرياً وعربياً في آن واحد. ووقع الحب بينه وبين فاتن، فأشهر إسلامه ليتزوج منها، ثم تنجب منه ولدهما الوحيد طارق (لم يمثّل إلا دور الابن في دكتور زيفاغو)، وبقي سنوات عدة نجماً لأفلام مصرية، حتى اختاره ديفيد لين ليمثل دوره في فيلم "لورنس أوف أربيا" في 1962، وهو في الثلاثين من العمر، واستحق عليه جائزة الرومنيشن، ثم شارك في فيلم "جنكيز خان" عام 1965، لكن بطولته لفيلم "دكتور زيفاغو" عام 1965 حققّت له جوائز دولية عدة. ولعب أدوار النجم في عدة أفلام، مثل: "جي" (1969)، و"السيدة المضحكة" (1975)، و"سارق قوس قزح" (1990)، و"مايرك" (1991) .. وعدة أفلام تلفزيونية، منها "بطرس الأكبر" (1986). 

البريدج وإجراءات عبد الناصر 

ويعد عمر الشريف من أمهر لاعبي لعبة البريدج العالميين، فضلاً عن عشقه الخيول. وقد رجع قبل سنوات إلى مصر، بعد غيابه عنها طويلاً في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وقال إنه كان يتعذب جداً في الحصول على تأشيرة خروج في كل مرة يزور فيها مصر، بسبب تعليمات صلاح نصر القسرية. وهذا ما جرى لفنانين وفنانات مصريات وعربيات من ملاحقات، جعل بعضهن يهربن من مصر، وفي مقدمتهن فاتن حمامة. 

عاد واستقر في القاهرة وشارك في تمثيل أدوار مصرية في أفلام سينمائية وتلفزيونية. ويروي أنه كان صديقاً حميماً لملوك وزعماء ونجوم عالميين، وأنه مداوم السفر إلى باريس التي يعتبرها نافذته إلى العالم. وعلى الرغم مما كتب عن مغامرات الرجل وأساليب حياته المتنوعة وعلاقاته النسوية، باعتباره "شهريار الشرق" أو "كازانوفا الغرب"، فذلك كله يدخل في باب حياته الشخصية، وهو حر فيها. لكن، المهم هو السؤال: هل نجح عمر الشريف في تقديم أروع إمكاناته؟ أجيب: نعم، نجح في تقديم إبداعاته إلى كل العالم. وبذلك، ترجم قدرات بلده وأهله وأمته في التفوق والقدرة في صناعة الإبداع، أو حتى المشاركة في الثقافة العالمية المعاصرة. 

هناك فارق كبير بين الدور الذي لعبه عمر الشريف في "لورنس العرب" والدور الذي برع فيه في "دكتور زيفاغو". 

وقد وقع الفنان الكبير بين سطوة كل من كاتب النص الروائي ومخرجه. وكلاهما لم يدركا طبيعة الحياة العربية، بل ولم يعرفا أبداً من يكون لورنس العرب، ولا مطالب العرب التي كان قد تقدم بها الحسين بن علي شريف مكة. ولن يدركا كيف كان يتصرف كل من الأخوين، عبد الله وفيصل. أما دور عمر الشريف في "دكتور زيفاغو" فنقلة في مشاركة العرب العالم إنتاجه الثقافي بأعلى صوره. التراب العربي غير قاصر على إنجاب العمالقة الذين يمكنهم صناعة الإبداع على مستوى عالمي. كان عمر الشريف رائعاً في أدائه الدور، وقد شاركه ابنه طارق، إذ مثل دور الابن. 

واستطاع النجم أن يجسد كل المشاهد في غاية النضوج، بل ويتناغم وهو البطل مع تاريخ الأحداث العاصفة التي مرت بروسيا، ناهيكم عن تفاعله مع البيئة الباردة القاسية، وكأنه ابنها الحقيقي. وفي كل المشاهد الدرامية التي أداها بإحكام يفوق التصور، في حين عجز آخرون من الممثلين العالميين على تأدية أي مشاهد تاريخية أو درامية أو ميلو درامية تكون غير مألوفة لهم من الناحيتين، الثقافية والطبيعية، وحتى الشخصية. 

قدرات تمثيلية عالية 

لم يقصر عمر الشريف إبداعه في الذي قدّمه من مشاهد بطولية، في "دكتور زيفاغو" فحسب، بل استطاع أن يظهر قدراته المتفوقة، أيضاً، في بطولات أخرى، كالتي قدمها في "جي" و"السيدة المضحكة" وفي "سارق قوس قزح".. ذلك أنه نجح في أن ينتقل ببراعة من ثقافته الشرقية إلى الثقافة الغربية، فيمثل الأخيرة أبرع تمثيل. بل ونجح في الاندماج الحضاري، وغدا إنساناً يجيد لعبة التغريب إجادة تامة، من دون أن ينسى ثقافته وأصالته المصرية أبداً! إنه على الرغم من تعرضه لمزيد من الانتقادات الضارية، والتعليقات شديدة اللهجة، فلقد أثبتت الأيام أنه صاحب أصل برجوعه إلى حاضنته، بل ومن يراقب حضوره وبطولته فيلم الأراجوز يكتشف أشياء جديدة ومدهشة في هذا الإنسان الذي على الرغم من بقائه سنوات طويلة في الغرب، فإنه تفوق على أقرانه في تمثيل أدوار مصرية حقيقية، ليس في التمثيل فحسب، بل في الحياة التي أثبتت أنه لا يعرف الجشع أبدا بدليل أعماله الخيرية! وهذا هو سر عمر الشريف الذي لم يدركه إلا قليلون. 

فضلاً عن حسن معاشرته الآخرين وخسرانه أموالاً طائلة في مقامراته الكبيرة، إلا أنه كان إنساناً حراً ومستقلاً بذاته، ويحب أن يعيش وحيداً من دون امرأة، وقد سئل مرة عن ذلك، فقال: لا أستطيع أن أتخيّل أن يشاركني أحد حتى في منامي. 

تفوق الفنان المصري العالمي كثيراً في أدواره ومزاياه. وتجربته العالمية تعد من أبرز التجارب التاريخية المبدعة في حقل الشراكة الحضارية بين الشرق والغرب، خصوصا بين العرب والعالم. 

الساحر الجميل

لم يكد يتأكد خبر وفاة النجم العالمي عمر الشريف، حتى نعاه كل الفنانين العرب، وأيضاً نجوم "هوليوود". فكتب أنطونيو بانديراس على حسابه على "تويتر": "كان راوياً عظيماً. كان صديقاً مخلصاً، وكان روحاً حكيمة. ارقد بسلام عمر الشريف"، ونشر صورتهما معاً. كذلك فإن باربرا ستاريسند كتبت تعليقاً على "فيسبوك: "كان جميلاً، وساحراً، معقداً، كان مصرياً فخوراً، وبنظر بعض الناس كانت مشاركته في فيلم FUNNY GIRL مثيرة للجدل، لكن بطريقة ما نجح بتخطي النمطية المرتبطة بالدور".

 

العربي الجديد اللندنية في

20.07.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004