الفرد والجماعة نحو المجهول في “الوادي”
أبوظبي - فدوى إبراهيم:
بين الوضوح والغموض الذي يصل إلى اللغز المحيّر يدور فيلم "الوادي"
للمخرج اللبناني غسان سلهب، والذي عرض مساء أمس الأول في سينما
فوكس في المارينا مول . والفيلم المدعوم من صندوق "سند"، يشارك ضمن
مسابقة الأفلام الروائية الطويلة
.
تبدأ مشاهد الفيلم على قارعة الطريق الذي يشهد الحادث المروري حيث
يفقد أحدهم الذاكرة، وينطلق باحثاً عن منقذ ينتشله من الألم
والضياع، ويصادف سيارة متعطلة على جانب الطريق يقلّها مجموعة من
الأفراد يتبيّن فيما بعد أنهم يعملون في مزرعة معزولة يقومون فيها
بتجارة المخدرات، ويأخذونه معهم إلى حيث يقيمون
.
ويسرد الفيلم قصة فقدان الذاكرة الذي أصاب ذلك الرجل، وانتقاله مع
الأشخاص للعيش معهم داخل المزرعة، ويظهر أن أولئك الأشخاص مسكونون
بهواجسهم اليومية من ترقب وخوف من المجهول، ويكشف الفيلم في
مضامينه عن مقاربته العميقة التي ترتبط بعلاقة الفرد والمجموعة
.
داخل المزرعة تبدأ الهواجس والمخاوف والقلق الذي يراود أولئك
الأشخاص، فتارة يشعرون بحالة من العطف الإنساني على الرجل الجريح
فاقد الذاكرة، وأخرى يتوجسون منه، خشية أن يكون مندساً لمعرفة
خباياهم وأسرارهم وكشف ما يقومون به من أعمال، وتتفاقم درجة خوفهم
في لحظة من اللحظات فينهالون عليه بالضرب والتعذيب والتهديد بالقتل
لكنهم يدركون فيما بعد أنه لا يشكّل أي خطر عليهم، وينهمكون في
إشباع رغباتهم الحسية
.
على وقع القصف المدوي يظهر أن أولئك الأشخاص غير معزولين عن واقعهم
ومحيطهم وما يدور فيه من أحداث، فعندما يبدأ القصف يتوجسون خوفاً
منه وكأنه موجه إليهم خاصة في ظل تزايد مخاوفهم من الرجل الجريح،
لكنهم سرعان ما يكتشفون أنه موجه إلى المدينة، ويقومون بالبحث عن
خبر أو خيط لفهم سبب القصف وما يجري فيها
.
وعلى وقع القنابل وصوت الطائرات التي قصفت المدينة يبدأ الرجل فاقد
الذاكرة، كذلك، بتذكر قصته وهويته، حيث يقول إنه قدم، بعد عشر
سنوات من الغربة، إلى زيارة منزل له كان يقطنه بعض الضباط
السوريين، لكنه ضل الطريق المؤدي إليه وأصيب بالحادث . وتذكره
لهويته لم يغيّر شيئاً من مسار أحداث الفيلم، وربما كان ذلك بمثابة
الربط، الذي قد يفتقده المشاهد لأول وهلة، بين مشاهد الفيلم، ثم
يمضي الرجل في صمته من جديد وتأمله لمشاهد الواقع المنهار
.
الملاحظ في الفيلم أن المشاهِد يجد صعوبة كبيرة في فهم مغزى المخرج
من بعض المشاهد، وقد يشعر البعض بحالة من الملل والتعب الذهني في
محاولة فك رموزه، ومعرفة مدى ترابطها وعلاقتها بالفكرة الرئيسية
وتوظيفها في سياق الفيلم، لكنه من خلال التركيز الدقيق في تفاصيل
الفيلم تبدأ بعض الرموز في الظهور والتي من خلالها يمكن قراءة وفهم
طبيعة شخصيات الفيلم . ومن بين هذه الرموز الرقصات، المخدرات،
الأكلات، الرسم، ثم البوح الذي يقود أحد الأبطال إلى كتابة خواطره
السوداوية والناقمة على الواقع، ثم ما يلبث أن يحرقها ويتخلص منها
.
وقد يؤخذ على المخرج بعض المشاهد المطولة في الفيلم، وربما يكون
أراد من خلالها إتاحة فسحة للتأمل والتفكير للمشاهد لفهم المجهول
الذي حكم علاقة الفرد بالمجموعة داخل المزرعة . في المقابل نجح
المخرج في تصوير جزء مهم يرتبط بالعلاقات الإنسانية، وعلاقة الفرد
بالوحدة .
تتشعب الطرق وتتداخل في حيّز الفكرة المطروحة في الفيلم لكنها في
نهاية المطاف تقود كل الأشخاص إلى طريق واحد يؤدي إلى المجهول الذي
تبدأ ملامحه ترتسم مع أول طلقة موجهة صوب المدينة ما جعلهم ينشغلون
عن التفكير في همهم الشخصي ومصالحهم الذاتية، ويغوصون في مشاهد
المدينة المدمرة
.
حفل جائزة “فارايتي” الليلة تكريم “ذيب” وظهور “القط”
يعرض فيلم "القط" لمخرجه المصري إبراهيم البطوط 15 .9 مساء اليوم،
في عرض عالمي أول ضمن المهرجان، في قصر الإمارات . ويحكي الفيلم
قصة رجل عصابة يعرف ب"القط" يكتشف الأعمال القذرة لإحدى العصابات
وخطفها للأطفال لبيع أعضائهم . يلعب دور القط الممثل عمرو واكد
الذي يتواجد مع المخرج والممثلين سارة شاهين وفاروق الفيشاوي وطاقم
الإنتاج أثناء العرض . وينافس الفيلم المدعوم في مرحلة ما بعد
الإنتاج من صندوق "سند" في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة
للمهرجان .
يقام اليوم في قصر الإمارات حفل جائزة "فارايتي" لأفضل مخرج من
العالم العربي لهذا العام والتي ستقدم للمخرج الأردني ناجي أبو
نوار عن فيلمه "ذيب" الذي حاز الاعجاب النقدي والجماهيري في العديد
من المهرجانات السينمائية هذا العام
.
وتقام اليوم كجزء من برنامج "حوارات في السينما" جلسة نقاش بعنوان
"الروح تتوق إلى وطن- صناعة الأفلام العربية في المهجر" في صالة
قصر الإمارات 3 (من الساعة 11 إلى الواحدة) بمشاركة المخرجين هشام
زمان وكريم طريدية وعبد الرحمن سيساكو وإدارة انتشال التميمي .
تناقش الجلسة التحديات التي يواجهونها وأساليب رواية القصص التي
يتبعونها . ويعرض فيلم "أهلاً ابن العم" في فوكس 3 الساعة 6 ضمن
برنامج السينما العربية في المهجر، ويحكي قصة الهجرة العربية
بأسلوب صادق وعفوي وفكاهي .
وتتاح للجمهور اليوم مشاهدة العرض الأول للفيلم الممول من سند
"الأوديسا العراقية" والذي يشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية
الطويلة . ويتواجد مخرج الفيلم السويسري العراقي سمير والمنتج جويل
جينت للإجابة عن أسئلة الجمهور بعد العرض . ويوثق الفيلم قصة أسرة
المخرج التي هاجرت من العراق وسافرت حول العالم لمدة نصف قرن من
الزمن
.
كم تصمد المشاعر العاطفية الرقيقة أمام قوة رهيبة كالقنبلة
النووية؟ الإجابة تظهر من خلال الفيلم الروسي الصامت "تجربة"، وهو
من إخراج ألكسندر كوت، ويعرض في فوكس 5 الساعة 45 .،6 ويشارك في
مسابقة الأفلام الروائية الطويلة . ويحكي الفيلم قصة حب يافع بمكان
غير بعيد عن سيميبالاتينسك، الموقع الذي اختاره السوفييت لإجراء
تجاربهم النووية من 1949 وحتى 1989
.
أما في "مسابقة آفاق جديدة"، فيعرض اليوم الإنتاجان الأمريكيان
"السقطة" من إخراج مايكل آر . روكسام في فوكس 5 الساعة 15 .،9
و"معسكر أشعة إكس" من إخراج بيتر ساتلر في فوكس 6 الساعة ،9
بالإضافة الي الفيلم التايواني "مخرج" للمخرج تشين هسيانغ فوكس 6
الساعة 15 .6 . ويعرض فيلم
"معسكر
أشعة إكس" لمرة واحدة فقط، وتدور أحداثه في البيئة المشحونة لسجن
غوانتانامو
.
وفي فيلم "20 يوماً على الأرض"، يمتزج الواقع بالخيال في فيلم
وثائقي وخيالي في آن واحد . وهو من إخراج جاين بولارد وإيان فورسيث،
ويوثق 20 يوماً في حياة الموسيقار والرمز الثقافي "نيك كايف"،
ويعرض الفيلم في فوكس 4 الساعة 9 . وفي عروض السينما العالمية،
يقدم المهرجان فيلم "71'" للمخرج يان دومانج، والذي يصور عهد
التوتر السياسي في شمالي ايرلندا قبل الأحد الدموي بعام . ويتواجد
المخرج أثناء العرض في فوكس 1 الساعة 45 .8 . ويعرض أيضاً الفيلم
الأمريكي "مباع" للمخرج جيفري دي براون في قصر الإمارات الساعة 15
.،6 و"فن وحرفة" للمخرجين سام كلمن وجنيفر غراوسمان في فوكس 1
الساعة 0 .6
.
صناعة الأفلام الخليجية
يقام في الصالة 3 في قصر الإمارات من الساعة 30 .2 وحتى 4 جلسة
حوارية بعنوان "صناعة الأفلام الخليجية الناشئة" بمشاركة المنتج
بول بيكر، وجمال الشريف مدير مدينة دبي للاستديوهات ولجنة الأفلام،
وسامر المرزوقي من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وعادل الجابري من
مهرجان أبوظبي السينمائي، والمخرج نواف الجناحي . ويقام في الصالة
نفسها من الساعة 30 .4 وحتى 6 جلسة نقاشية بعنوان "وجهة نظر:
الحقيقة الموضوعية أم الآراء الشخصية في صناعة الأفلام الوثائقية"
.
وسلسلة "حوارات في السينما" مفتوحة للجمهور العام ومجانية الحضور
.
طرحها المشاركون في جلسة ضمن “حوارات في السينما”
3 مشكلات تبعد الأفلام العربية عن العالمية
أبوظبي -فدوى إبراهيم:
ناقشت جلسة عقدت مساء أمس في قصر الإمارات ضمن برنامج "حوارات في
السينما" أساليب التمثيل في الأفلام العربية والخروج بالفيلم
العربي إلى العالمية، بحضور المنتج المصري محمد حفظي، والممثل
المصري خالد أبوالنجا، والمنتج غولوم دي سيل، والمخرج والمحاضر
الأردني بشار عطيات . وسلطت الجلسة النقاشية الضوء على الإشكاليات
الرئيسية التي تتخلل صناعة الفيلم العربي، ودورها في عدم وصول
الأفلام العربية إلى العالمية بكثافة
.
بدأت مدير الندوة تيريزا كافينا مدير البرمجة في المهرجان، بالتحدث
عن السينما في العالم وما تتخللها من فروق عن السينما العربية،
مشيرة إلى أن السينما البولويودية تتميز بطابعها الخاص ولا تكترث
بالمشاركة في المهرجانات بقدر ما تهتم بتوجهها للجمهور المحلي،
بينما يركز المنتج العربي من الأفلام على المشاركة في المهرجانات
العالمية . وطرحت التساؤل الرئيسي عن دور الممثل في الفيلم العربي
في نجاح الفيلم، وهنا أكد دي سيل، أن المشكلة عادة لا تأتي من
الممثلين غير المحترفين فقط، بل حتى من ذوي الخبرة، وذلك لا يعني
أنهم هم من يتحمل المسؤولية بل المخرجون كذلك، والطريقة التي
يتعاملون بها معهم وما يطلبونه منهم . فوظيفة المخرج وضع الممثلين
على الطريق الصحيح .
المشكلة الحقيقية، بحسب دي سيل، هي أن المخرجين ليس لديهم الخبرة
الكبيرة في نمط التمثيل الذي يريده الجمهور خارج حدود الوطن
العربي، وهذا من النواقص التي يعانيها الفيلم العربي
.
وأوضح حفظي أن المشكلة في التمثيل في الأفلام العربية، ان الممثلين
يأتون من خلفيات تلفزيونية لأنها الأكثر انتشاراً، ولذلك تغلب على
أساليب التمثيل، وأن المخرج هو القادر على اختيار الممثلين
والاستفادة من مهاراتهم في التلفزيون . ويعتقد حفظي أن الاستعانة
بممثلين غير محترفين أسهل في وضعهم على الطريق الصحيح، لأنهم
سيتلقون توجيهات تؤسس لديهم أسايب التمثيل السينمائي
.
وقال حفظي: "المشكلة لدينا أن المخرجين لا يتعاملون ويحتكون كثيراً
مع الممثلين، إضافة إلى ان الممثلين قادمون من خلفية تلفزيونية،
ولعل هذين الأمرين هما التركيبة التي أدت إلى ضعف الأداء
السينمائي"، مشيراً إلى انه لابد ان تكون هناك نقاشات مطولة بين
المخرج والمنتج حول اختيار الشخصيات ومدى ملاءمتها للأدوار من دون
أن يفرض رأياً بل مناقشة ما سيظهر للجمهور
.
وأوضح حفظي أن في مصر مشكلة تتمثل في أن هناك نقابة ممثلين، وهذه
تضم آلاف الممثلين لكن معظمهم لا يعملون ولكي يتمكنوا من دخول
الساحة لابد أن يمتلكوا الرخصة من النقابة، وهي بذات الوقت تحدد
عدد الرخص الممنوحة، مما يقيد المخرج في خياراته من الممثلين
.
وأتفق أبوالنجا مع وجهة نظر دي سيل، لكن أكد أن الممثلين يبذلون
جهوداً في أدائهم، إلا أن المسؤولية تقع على عاتق كل من المخرج
والمنتج، كما أوضح أنه في كثير من الاحيان يشارك في عملية المونتاج
ويعاني منها، ويعاني في المحافظة على الطابع العفوي للفيلم، ولكن
المخرج لا يأخذ دائماً برأي الغير، إلا ان المخرجين الجدد يعون
أهمية أن يستمعوا ويأخذوا برأي الممثلين، وأشار أبوالنجا نحن نعيش
معاً بين مرحلة انتقالية، ما بين المدرستين القديمة والجديدة في
التمثيل والإخراج، ومن الجيد أن تعمل المدرستان معا للخروج بنتاج
ناجح" . وأكد أبوالنجا أن هناك جيلاً جديداً يعتمد في تعلمه
التمثيل على الإنترنت وهو جيل منفتح على مصادر المعلومات، ولكن
الاهم أن يتعلم الشخص سواء في الأكاديميات أو عبر المصادر الأخرى،
مؤكداً أن كل شخص يمكن أن يكون ممثلاً لكن الفكرة تكمن في مدى ثقته
بقدراته
.
وألقى عطيات اللوم على كل من الممثلين والمخرجين، حيث لكل طرق
منهما رسالة، فالممثلون هم رواة، وهناك بعض المشاهد تصل إلى 20
مشهداً للممثل بسبب المخرج . ولذلك لا بد من القول للمخرجين كونوا
رحماء مع الممثلين والممثلون عليهم أن يطوروا انفسهم بحسب عطيات،
مشيراً إلى مسيرته في تقديم الورش السينمائية
.
استخدم مخرجه الرسوم والوثائق
“المطلوبون ال18” توثيق لوقائع الانتفاضة الفلسطينية
أبوظبي -"الخليج":
لم يكن فيلم "المطلوبون ال 18"، لمخرجه الشاب الفلسطيني عامر شوملي
بالشراكة مع بول كاون، فيلماً وثائقياً تقليدياً يستدعي أحداثاً
ماضية ويوثقها عبر كاميرته، بل يمكن وصفه بدقة "خارج حدود
التقليد"، فالفيلم الذي استند في أحداثه إلى الانتفاضة الفلسطينية
1987 ببادية القدس، لم يكتف بالوثائقيات بل استخدام عناصر تشويق
عدة جعلته صورة متكاملة مشوقة، ذات نكهة كوميدية، ولعلها كوميديا
سوداء تنتهي بالأمل والتفاؤل
.
مزيج غريب ولكنه متناسق نسجه شوملي للخروج بفيلمه المميز، لكن يبدو
أن الأشياء الجميلة لا تأتي بسهولة، وهذا ما ينطبق على فيلم شوملي،
الذي كاد أن يفقد حلم تحقيق فيلمه بعد عامين من العمل، فقط لأنه
فلسطيني، فجهات الإنتاج (كندا، فرنسا) تنبهت بعد عامين من الدعم
أنه لا يجوز لهم إنتاج عمل لمخرج فلسطيني حتى وإن كان مميزاً، هذا
ما أوضحه شوملي في لقائنا معه، مشيراً إلى أنه استغرق 5 سنوات من
العمل بسبب المشاكل الإنتاجية، حين تنبه ورفض صندوق الحكومة
الفرنسية لتمويل الأفلام إتمام دعمه بسبب الانتماء الفلسطيني
.
إلا أن طاقم الفيلم استطاع الحصول على دعم من صندوق "سند" التابع
لمهرجان أبوظبي السينمائي، ويشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية
الطويلة رغم أنه التجربة الأولى للمخرج في الأفلام الطويلة كما أنه
في عرضه العربي الاول، وكذلك دعم كندي والصندوق العربي للثقافة
والفنون، ومؤسسة عبدالمحسن القطان
.
ويحكي الفيلم أحداثاً تمت في قرية "بيت ساحور"، والتي استطاع
المخرج أن يجسدها بكل مهارة رغم أنه من مواليد الكويت ومن سكان
مخيم اليرموك في سوريا، بدأ شوملي فيلمه بالتعريف عن نفسه، مشيراً
إلى أنه لم يعرف فلسطين إلا عبر نشرات الأخبار والبرامج
التلفزيونية، رغم أنه كان يعرّف نفسه على أنه فلسطيني في سوريا،
وهذا ما ينطبق على الانتفاضة التي لم يعرفها سوى في نشرات الأخبار،
وخلال قراءته مجلة "العربي الصغير" مرت عيناه على سطور تتحدث عن
قصة "بيت ساحو" وصمودها في وجه الاحتلال "الإسرائيلي"، وكان أحد
أوجه هذا الصمود هو "البقرات" اللاتي تم شراؤهن من "إسرائيل"
للقرية ليتمكن أهلها من الاستفادة من حليبها، وهنا تبدأ القصة على
لسان البقرات، وهن اللاتي بدأن يشكلن تهديداً على أمن "إسرائيل"
بحسب متحدثيها أنذاك، كونهن يعززن بما يدرن من حليب صمود أهالي
القرية ومقاطعتهم للمنتجات "الإسرائيلية"
.
تحدثنا مع شوملي عن المزج بين التقنيات المختلفة في الفيلم وحبكة
أحداثه بطريقة مشوقة، فأوضح قائلاً: "تنتج في وطننا العربي الأفلام
الوثائقية الطويلة لما تزخر به منطقتنا من أحداث، ولا أحب مشاهدة
الأفلام الوثائقية لما تحمله أحياناً من ملل وإطالة وسوداوية، لذلك
ارتأيت تقديم فيلم يوثق لمرحلة مهمة من تاريخ شعب فلسطين وهي
الانتفاضة، وكذلك تقديمها بشكل مميز غير سائد، ومن هنا انطلقت من
الكوميديا والسخرية من الواقع، والتمثيل، والرسوم المتحركة،
والواقع المجسد عبر روايتي للقصة وتجولي في المنطقة الجبلية
الصحراوية في بيت ساحور"
.
وحول إدخال الرسوم المتحركة عن الفيلم ومدى تعبيرها عن الواقع قال
شوملي: "درست الأنميشن في بريطانيا وعملت في هذا المجال فكونت
خبرتي فيه، واخترت بالتالي أن يكون فيلمي ممزوجاً بشكل كبير
بالرسوم المتحركة لسببين، الأول هو الحديث من وجهة نظر البقر، وهي
الشخصيات الحقيقية في القصة الوثائقية، ولذلك كان لا بد من
استخدامها كرسوم متحركة تتحدث عن عدم رغبتها بدايةً باقتناء
الفلسطينيين لها منذ أن كانت في طريقها إلى بيت ساحور بعد أن تم
شراؤها، وكذلك مرورها بمصاعب الطريق حتى وصلت إلى القرية، ولعل
شخصية كل واحدة من البقرات كانت تعبر عن حالة خاصة، فواحدة
المتسلطة وأخرى مثيرة للمتاعب، وغيرها المجنونة، كما أن الوسيلة
الأفضل للرسوم كانت الشخصيات الكرتونية الطينية التي تشعر المشاهد
باللمسة اليدوية فيها، السبب الثاني دفع الملل عن الفيلم الوثائقي
والابتعاد عن النمطية
.
وأوضح شوملي أن الفيلم استطاع أن يبرز للمشاهد الحلقة الوسطى أي
الناس العاديين الذين يعيشون كل الأحداث، فليسوا هم الشهداء فقط
ولا هم المعتدون بل هم الناس
.
وأشار شوملي إلى أن اختياره لقضية في بيت ساحور قريته وعدم اختياره
إنجاز فيلم عن مخيم اليرموك الذي عاش فيه بسوريا، إنه أراد توصيل
بارقة أمل في فيلمه "المطلوبون ال 18" حيث ينتهي فيلمه بكلمات كلها
أمل وتفاؤل وإقرار بأن مرحلة الانتفاضة كانت تعبر عن أجمل فترة
زمنية عاشوها، كما أنها تعطي خياراً ثالثاً للمشاهد وهو الحالة
المدنية التي يمكن أن يعيشها الشباب بعيداً عن التطرف الديني
"داعش" أو الانضمام إلى الكتل السياسية، مشيراً إلى أن السلام غير
موجود منذ أوسلو حتى اليوم وما جاءت به لم يأت لمصلحة الشعب
الفلسطيني
.
استخدم الفيلم اللغة الإنجليزية مع بعض الأحاديث باللهجة
الفلسطينية، لكن الشخصيات الرئيسية من القائمين على مشروع "حليب
الانتفاضة" كان لأصحاب المشروع الحقيقيين وباللغة الإنجليزية وكذلك
هو حال الشخصيات الكرتونية "البقرات"، وحول مبرر ذلك قال شوملي:
"في الحقيقة أردنا تكسير الكثير من الصور النمطية في الفيلم، ومن
ذلك إبراز مستوى التعليم والثقافة اللذين يتحلى بهما الشعب
الفلسطيني، وليس كما هو سائد لدى الغرب أنهم شعب همجي غير متعلم
وثائر طول الوقت، ولذلك كان استخدام اللغة الإنجليزية على لسان
الشخصيات الحقيقية الكبيرة في السن، كما أظهرنا العناصر المسيحية
التي ساهمت في كل الأحداث جنباً إلى جنب مع المسلمين، لأنهم لا
يعلمون أن المسيحيين كذلك جزء كبير من الشعب الفلسطيني، وهذا ما
فاجأ المشاهدين في مهرجان تورنتو حين عرض الفيلم هناك، إضافة إلى
إبراز شخصيات أخرى حقيقية لعبت دورها ومنها الطبيب والصيدلي
وغيرهما، فكلهم مساهمون ويد واحدة في كل ما يتعرض له أهل القرية
.
أوضح شوملي أن الفيلم استخدم شخصيات لتجسيد الفترة الزمنية ما بين
1987-1993 عبر الاستعانة بأقاربهم أو أبنائهم ذوي الشبه الكبير
بالشخصيات المتحدثة عن تلك المرحلة في الفيلم، بحيت تظهر للمشاهد
وكأنها التقطت في تلك الفترة، وهم فعلاً كشخصيات حقيقية معنا على
الشاشة، ما جعلهم يعيشون الأجواء الماضية والحاضرة معاً وعقد
المقارنة
.
وفي سؤاله حول طرح قضية الفيلم لجانب واحد ألا وهو عدم القبول
باتفاقية أوسلو والانتفاض عليها، أوضح المنتج سائد أنضوني أن
الفيلم الوثائقي غير ملزم بإبراز وجهات النظر المتعددة، فهو
بالتالي وسيلة تواصل بين المخرج والمشاهدين، لتوصيل المشاعر
والأفكار الخاصة به، إما أن ينجرف أو يميل المخرج لوجهة نظر وإما
أن يكون موضوعياً فهذه فكرة خادعة ولا يمكن تحقيقها
.
مسألة الدعم المالي أو الإنتاج في الوطن العربي مازالت ضئيلة
ومخرجوها ما زالوا يعانون مشكلات إنتاجية، إلا أن الفيلم حصل على
دعم "سند" في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج، وهذا ما يحدثنا عنه
أنضوني قائلاً: "كان هناك خوف عام من جميع الداعمين ومن الذين
امتنعوا عن الدعم، كونه لا يقدم لهم صورة واضحة وهو على الورق حين
نتحدث عن دراما، ومقابلات، ورسوم كرتونية، وأرشيف، وتصوير حالي،
حيث كانت التركيبة البصرية غير واضحة لهم، خاصة أنه يطرح من قبل
مخرج ليست لديه خبرة سابقة، لكن صندوق الدعم "سند" كان له رؤية
مختلفة وشاهدوا فيه ما لم يشاهده غيرهم، وخاصة أنه يوثق لمرحلة
مهمة من تاريخ فلسطين لم يتم التطرق إليها إلا على شكل تقارير
إخبارية، وأشار أنضوني إلى أن مسألة الإنتاج بالعموم صعبة لكنها في
فلسطين أصعب، ولذلك تبقى حلول الإنتاج المشترك أمام المخرج
الفلسطيني هي الحل، لكنها ليست حلاً فاعلاً لأنها دائماً ما تصطدم
بمشكلات تدّخل المنتج في الفيلم وخوض المخرج معارك لكي ينقل الصورة
التي يريدها
. |