في أولى جلسات حوارات السينما
بوشارب: عبرت مع المهاجرين إلى قضاياهم المهملة
ساسي جبيل (أبوظبي)
ضمن حوارات السينما، الفعالية المتخصصة التي ينظمها مهرجان أبوظبي
السينمائي، تحدث المخرج والمنتج الفرنسي الجزائري الأصل رشيد
بوشارب الذي يحمل في جعبته ثلاثة ترشيحات للأوسكار عن أفلامه «غبار
الحياة» 1995، و«أيام المجد» 2006، و«الخارجون عن القانون» 2010،
والتي تناولت موضوع الهجرة والعلاقة بين العرب والغرب. وقد كان
بوشارب دائماً مثار جدل كبير من خلال أعماله السينمائية حتى نعت
بالمشاكس.
وفاز بوشارب هذا العام بجائزة الإنجاز المهني من مهرجان أبوظبي
للسينما مع المنتج الأميركي إدوارد بريسمان نظير مساهمتهما البارزة
في السينما العالمية.
وسيعرض له خلال المهرجان فيلم «رجلان في المدينة» الذي قام ببطولته
الممثل الأميركي فوريست ويتيكر، الذي يؤدي دور محكوم سابق ومعتنق
للإسلام. وقد سبق أن شارك هذا الفيلم في دورة العام الحالي من
مهرجان برلين السينمائي.
بدأ بوشارب رحلته مع السينما منذ الطفولة المبكرة، وقاده شغفه
المبكر بالسينما إلى اعتباره لعبة وحادثاً عرضياً في حياته، حيث
كانت قاعة السينما قريبة من البيت، ما أتاح له المجال إلى دخول
القاعات في عمر مبكر، وأورث ذلك في نفسه شغفاً كبيراً بالفن
السابع، ليقرر بعد أن اشتد عوده أن يذهب بعيداً في رحلة الصورة،
لذلك قرر خوض المغامرة الأصعب، فاتصل بإحدى التلفزيونات الفرنسية،
ومنها بحث عن مدرسة لصقل موهبته في هذا المجال فكان له ذلك، وانطلق
مع التلفزيون قاطعاً الطريق من أولها ليصبح مخرجاً ثم منتجاً. وفي
حديثه عن رحلته تلك خلال الجلسة الحوارية معه، يوضح بوشارب إن
الوصول إلى مرحلة الإنتاج كان رغماً عنه، «لأن الساحة السينمائية
تفرض عليك ذلك، وهذا لا ينفي أنني في أعمالي السينمائية قد تعاملت
مع رجل رائع في إنتاج شريطي الأول، وهو ما قربني أكثر للسينما،
وجعلني أخوض تجارب مختلفة، ولا تزال الرحلة طويلة، فأنا في منتصف
الطريق، والمشاريع التي أفكر فيها كثيرة، والأعمال القادمة ستحمل
الكثير من الأفكار الرائدة».
عن قضايا الهجرة التي طالما ارتبطت بعدد من أعماله، قال بوشارب:
«إنْ تكون منتمياً فهذا في حد ذاته مشكل كبير، إذ لا بد من الخوض
في مواضيع غير متناولة، وهذا ما عملت عليه في مراحل مختلفة من
مسيرتي السينمائية في فرنسا بالخصوص، إذ تعاملت مع الجالية
المغربية والأفريقية في فرنسا، ولا أنفي أنني وجدت صعوبات جمة منذ
أن كنت أعمل بالتلفزيون، إذ انطلقت مساعداً، وبعد عام ونصف العام
أخرجت فيلمي التلفزي الأول، ثم مررت قسرياً إلى الإنتاج، لأن
المرحلة لا تحتمل غير ذلك».
كما لا ينفي أن فرنسا أعطت له الكثير ولغيره من المهاجرين، إذ يؤكد
أن فيها كانت المغامرة «حيث كبرنا وعرفنا وتعلمنا وخضنا العديد من
التجارب»، وهذا لا يعني أن انتقاله اليوم للعمل في الولايات
المتحدة الأميركية لأسباب مادية أساساً، «لأن المال عندي ليس كل
شيء»، فهو اليوم برجوازي كما يرى نفسه، وأضاف صاحب «الخارجون عن
القانون»: «لقد حاولت جاهداً أن أنوع في اختياراتي وأعمالي، وأن
أخوض العديد من التجارب، وأظن أنني نجحت في العديد منها لإيماني
بضرورة الاجتهاد والمثابرة والإيمان بالقدرات الكامنة فينا. لقد
كان فيلم «أنديجان» تجربة متميزة في مسيرتي، لأنه ببساطة كان صورة
صادقة عما يعانيه المحاربون القدامى من الجزائر وأفريقيا من الذين
دافعوا عن فرنسا، ولكنهم لم يجدوا منها خلال سنوات طوال غير
النكران والجحود، ولكن هذا العمل الفني أزاح النقاب عن الكثير من
معاناتهم وجعل السلطات الفرنسية تراجع وضعياتهم».
وعن تجربته الأميركية الأخيرة من خلال فيلم «صوت العدو»، قال
بوشارب إنه حكاية مختلفة بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك،
حيث الحدود الطويلة والحيطان العالية، ومن خلاله تناول العديد من
القضايا التي بإمكانها أن تكون مادة سينمائية معتبرة.
وعن نصيحته للشباب، قال بوشارب: «على المبدعين السينمائيين الشبان
السعي لإبراز خصوصيتهم وتميزهم، فلا إبداع متميز بلا ثقة في الفكرة
ودفاع عن الهوية، وألا تكون المسابقات هي الهدف الأساسي من وراء
الإنتاج، فالأفكار اليوم كثيرة وهامش الحرية أكبر، وبالإمكان تقديم
أفضل الأعمال التي تستطيع تأكيد حضورها».
وخلص بوشارب إلى القول: «إن السينما فريق عمل وكاميرا، والبقية ليس
إلا ديكوراً لا غير، ومع ذلك أريد أن أعمل في المكان الذي يهمني،
وتركيزي منصب على الشخصيات أساساً، ولكنني حين أكون في الجزائر
أكون أكثر مصالحة مع ذاتي وشخصياتي ومحيطي».
يشارك
في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة
علي
سليمان: السينما الفلسطينية تقاوم بلا مال
محمود عبدالله (أبوظبي)
يعدّ
الممثل علي سليمان (مواليد 1977) من أبرز الممثلين العرب في
السنوات الأخيرة، ولكن القدر شاء له أن يكون فلسطينياً وواحداً من
أبناء النكبة، ولهذا لم يجد سوى السينما كي يدافع من خلالها عن
قضية العرب المركزية.
ما يلفت الانتباه في مسيرته السينمائية، أنه من الممثلين القلائل
الذين يتمتعون بشهرة دولية بفضل سلسلة من الأفلام، لعل أهمها:
«الجنّة الآن» لهاني أبي أسعد 2005، الحائز جائزة «جولدن غلوب».
وتوّج سليمان في الدورة الأخيرة من قرطاج السينمائي بجائزة أفضل
ممثل عن فيلمه «الجمعة الأخيرة»، وفاز فيلمه «الصدمة» لزياد دويري
بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش المغربية.
على هامش مشاركته بفيلم علي مصطفى «من ألف إلى باء»، أجاب سليمان
عن سؤال لـ«الاتحاد» حول حال السينما الفلسطينية اليوم، فقال: «هي
سينما جادة وتعتمد على الجهود الذاتية، وفي كثير من الأحوال تصل
إلى المهرجانات العالمية من خلال إنتاج خارجي مشترك حوله الكثير من
علامات الاستفهام، السينما الفلسطينية بها خبرات ممتازة وحرفيات
وتقنيات عالية وأجيال مختلفة لكنها تفتقر للدعم المنضبط، حتى يتحقق
الحلم بسينما محلية خالصة، ومع ذلك الجميع فيها يسعى لخدمة القضية
ضمن مفهوم سينما مقاومة بكل المقاييس، السينما في تقديري ليست مرآة
عاكسة فقط، بل قضية للمواجهة ونقل الصورة الحقيقية للعالم».
ووصف
سليمان فيلم «من ألف إلى باء» الذي شارك به بدور صغير بأنه
«الجامعة العربية الدولية» كونه يضم النخب من الممثلين العرب
والأجانب، وأضاف: «هو مشروع حقيقي نحو سينما إماراتية مستقبلية،
وأجمل ما فيه روحه الشبابية، ونضجه وجمال أماكن التصوير الحقيقية
دون تزييف». ويرى ابن الناصرة وصاحب أفلام: «جسد الأكاذيب» للمخرج
ريدلي سكوت، «المملكة» للمخرج بيرج بيتر، «الهجوم»، «النّاجي
الأخير»، وفيلم بلجيكي بعنوان «الطيران إلى البيت»، أن مهرجان
أبوظبي السينمائي منصة عالمية للسينما الحقيقية، وقال: «منذ عام
2005 انطلقت إلى المهرجانات العربية حتى أفتح نافذة على
السينمائيين العرب والتواصل مع الجمهور العربي، لأنه مهما كان
حضوري في الأفلام العالمية، إلا أنني أدرك أن مشاركتي في أفلام
عربية مهمة جداً بحكم انتمائي لهذه القومية باعتبارها جزءاً مني،
وهدفي الأساس هو الجمهور العربي، وجمهور الإمارات عزز ثقتي بنفسي
بعد احتفائه بفيلم الافتتاح».
وأكد
علي سليمان في الختام، طموحه بتقديم أفلام شمولية وليست فلسطينية
فقط، أفلام تناقش قضايا إنسانية، «وما زلت أحلم بأن أكون مثل
الممثل المصري عمر الشريف الذي قدم أنماطاً مختلفة من الشخصيات
والأدوار، وأكثر ما أسعدني في مهرجان أبوظبي، هو لقائي بعدد كبير
من السينمائيين العرب المرموقين كي أستفيد من تجربتهم».
فيلم كوري يتتبع سيرة امرأة أصبحت متخيَّلة من فرط الغياب
«تلة
الحرية».. شخصيات خرقاء تقترحها الحكمة
جهاد هديب (أبوظبي)
في إطار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، جرى عرض فيلم الكوري
الجنوبي «تلة الحرية» (66 دقيقة) للمخرج هونج سانج سو.
فيلم محوره امرأة غائبة هي «كوون»، غير أن فرط الغياب هذا يجعلها
متخيَّلة أيضا لولا بعض الرسائل التي أرسلها العاشق «موري» الذي
يكاد يكون افتراضيا بدوره.
لعل الميزة الأبرز في هذا الفيلم، أو التمكن الحقيقي من النجاح في
بنيته، تكمن في تقديم هونج سانج سو لشخصياته بهذه الطريقة التي
تجعل المرء يضحك في حين هو يشفق عليها في الوقت ذاته، وهو ما قدّمه
الممثلون بعفوية ودون افتعال. هنا نحن بإزاء «مجتمع» مصغر من
الفاشلين، إذا جاز التوصيف، كوري جنوبي وأميركي ثم الياباني «موري»
العاطل عن العمل في بلاده والذي جاء إلى سيئول بحثا عن حبّ يفتقده
بعدما خسر كل شيء؛ حب تعويضي لامرأة لن يلتقيها هي التي كانت شابة
حين كان هنا، في سيئول ذات يوم، وهي الآن مريضة، غادرت منزلها
لتلقي العلاج في الجبل.
«كوون» في «تلة الحرية»، ليست سوى تلك الممثلة التي تجلس أمام
الكاميرا في «حال» من الانكسار والحزن تقرأ الرسائل التي قام
بإرسالها «موري»، صديقها الياباني ذات علاقة عابرة، ولا تعرف ما
تقول.
يقطن «موري» طيلة الفيلم، أو لأسبوعين بحسب السرد السينمائي
للفيلم، في نزل تقليدي رخيص قريب إلى المنزل الذي أمضى فيه بعض
الوقت مع «كوون»، وكلما سُئل عن سبب قدومه لا يتردد في القول بأنه
جاء بحثا عن امرأة، وما إن ينتهي الفيلم حتى يكون أهل الحيّ الشعبي
في سيئول قد علموا بحكاية الرجل «العاشق»، الذي جاء من اليابان
فقيرا ويبحث عن امرأة لا يصرح باسمها.
لعل هونج سانج سو برسمه لهذه الشخصية، أراد أن يجعلها شخصية تبدو
على قَدْر من التفاهة؛ أراد أن يجعلها مطرح سخرية، إذ هو لا يحب
الكوريين ولا يفضل الحديث عنهم بسبب مجموعة من الأساتذة «الحمقى»
الذين كانوا لئيمين معه أثناء ما كان يتعلم اللغة الكورية لكن فشل.
في الوقت نفسه لا تخلو شخصية «موري» من البراءة أيضا، فهو تلقائي
ومندفع في أجوبته إلى حدّ الحماقة والغباء، لكنه مخلص ودؤوب في
البحث عن امرأة تخصّه.
أما الشخصيات الأخرى المحيطة به، فهي أشبه بشخصيات محفّزة لبروز
«موري» على هذا النحو، فهي شبيهة به لجهة إخفاقها في إقامة صلة
منطقية مع المجتمع الأكبر بل تبدو بلهاء إلى حدٍّ ما، إذ إنه فضلا
عن الخذلان في الحب أو الاتكالية المفرطة على زوجة أو حبيبة
ديناميكية، فلا قضايا أو مشاغل كبرى لدى أي من الشخصيات، بل يبدو
«موري» أخرق أكثر كلما تحدث عن كتاب يقرأ فيه، إذ دائما هناك
موضوعات غامضة وغريبة «يتبحر» فيها ولا يحسن الحديث حولها إلا
بطريقة تثير الضحك والشفقة معا.
من جهة فنية أخرى، وربما تكون صلتها بكتابة السيناريو أعمق من
صلتها بالإخراج، هي تقنية استخدام الرسائل، فهي لا تصنع توترا
دراميا من نوع ما بل انتقالات بين مشهد فآخر على نحو ذكي ومنطقي
جدا.
يحلم «موري»، في آخر الأمر أو آخر الفيلم، أنه يعود إلى اليابان،
هو الذي يفقد رحلة العودة، صحبة «كوون» وقد أنجبا طفلين من ذكر
وأنثى، هناك. على هذا النحو يقدم هونج سانج سو شخصياته بقَدْر
«جميل» من الحكمة.
انطلقت على دفعتين بحضور جماهيري غير مسبوق
«أفلام
الإمارات» تحتفي بروائية المحترفين ووثائقية الطلبة
محمود عبدالله (أبوظبي)
في إطار النّسخة الثامنة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، انطلقت
أمس الأول في صالات سينما فوكس 3، فعاليات «مسابقة أفلام الإمارات»
وتضم 53 فيلماً، بحضور جماهيري غير مسبوق، زاده ألقاً حضور الجمهور
الخليجي من عدد من دول مجلس التعاون، واستهل حفل الافتتاح وعلى غير
العادة بجملة من الأفلام الروائية القصيرة للمخرجين المحترفين،
منها الفيلم الموسيقي «رايز» (15 دقيقة) للإماراتي علي مصطفى،
ويجسد فيلم «كشك» (16 دقيقة) لعبدالله الكعبي أبرز ظواهر الفيلم
القصير، الذي دائما ما يضع المتفرج أمام تساؤلات للبحث عن أجوبة
محتملة، ويحكي الفيلم قصة عجوز تعيش وسط الصحراء تتقوّت من خلال
جمع الحطب، وأثناء عملها المضني تصاب بالإغماء، تزامنا مع مرور شاب
ينقلها إلى بيتها، ثم تكتشف فيما بعد أنه لص سرق مالها. يتمتع
الفيلم بتقنية عالية وسوية جيدة على مستوى بناء النص ولغة السرد
السينمائي، كما تابع الجمهور فيلما شائقا بعنوان «الجار» لنائلة
الخاجة. اتسمت غالبية الأفلام بسوية فنية ومعاينات نوعية على
استثمار المكان، وتقنيات فنية جيدة في التصوير والمونتاج.في الجزء
الثاني من ليلة الافتتاح ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة
للطلاب، عرض فيلم «أتركني، احمني» للمخرجتين خولة المعمري ونوره
السويدي، عن البيئة البحرية في الإمارات ودعوة للمحافظة على
السلاحف البحرية، وفيلم «يوسف» (8 دقائق) لحامد الحارثي عن الصراع
بين الإعاقة الحركية والطموح، ويحكي عن شاب معاق حركيا يسعى لتحقيق
حلمه بأن يصبح مذيعا في تلفزيون أبوظبي، وتميز فيلم المخرجة هنا
مرّي بعنوان «ما بعد الخوف» (18 دقيقة)، بجرأة موضوعه عن العلاج
النفسي للمرضى المصابين بفوبيا الخوف من كل شيء، وخاصة مشروع
الزواج، وفي فيلم «خلف جدران المدرسة» (8 دقائق) لأسماء حتاوي ثمة
حكايات وأحلام ومشاريع مستقبلية، ثم صداقات وذكريات جميلة تنسكب مع
العمر، ومشاكل وهموم الحياة. وتسعى هذه المسابقة بحسب صالح كرامة
العامري مدير مسابقة أفلام الإمارات إلى بناء جيل جديد وكوادر
مدربة من الطلاب وهواة السينما، لرفد السينما الإماراتية مستقبلا،
بعد أن جذبت منهم محترفين في صناعة أفلام الرسوم المتحركة، منها
على سبيل المثال: «سوبر لوتشل» لسارة العقروبي، و«البنت والوحش»
لمحمد فكري. ولفت كرامة إلى أن الأفلام القصيرة المشاركة تنوعت
بأكثر من لون فكان منها ما هو تجريبي ووثائقي وشاعري واجتماعي
وغيره، موضحاً أن اختيارات اللجنة لم تأخذ في الحسبان نوعية
الأفلام بقدر ما راعت أن يحمل الفيلم سمات العمل السينمائي الجيد،
إضافة إلى أن التنوع في ألوان الأفلام المنافسة أضفى نوعاً من
التغيير على موضوعات الأفلام. كان الافتتاح بحجم هذه التظاهرة
(تأسست في أبوظبي عام 2001) التي استقطبت ولأول مرة 37 مخرجة، حيث
شهد يوم أمس السبت عرض 12 فيلما ضمن مسابقة الأفلام الروائية
القصيرة للطلاب.
ندوة شارك فيها منتجو فيلم الافتتاح
كيف تصنع فيلماً إماراتياً؟
ساسي جبيل (أبوظبي)
في لقاء أدارته بيير ماسيا، وبحضور المخرج الإماراتي علي مصطفى
والمنتجين بين روس ومحمد حفظي وبول بابودجيان وبول بيكر من
twofour54،
تعرض المشاركون في ورشة حول صناعة فيلم إماراتي، إلى تفاصيل
العملية الإنتاجية، انطلاقاً من تجربة مخرج فيلم افتتاح مهرجان
أبوظبي السينمائي «من ألف إلى باء».
وأكد المخرج علي مصطفى أن فيلمه كان إلى 4 سنوات خلت مجرد فكرة،
جاءت مباشرة بعد عمله السينمائي الروائي الأول الذي أنتجه في دبي،
ففكر في أفلام الطريق والرحلات البرية الطويلة، منطلقاً من العاصمة
الإماراتية أبوظبي، وصولاً إلى بيروت مروراً بـ6 بلدان عربية،
وحاول خلال هذه الرحلة أن يصبغ العمل بطابع كوميدي خفيف من شأنه أن
يوصل الفكرة الأساسية التي أراد الوصول إليها، ومنذ أن راودته
الفكرة اتصل بـtwofour54
التي رحبت بالمساهمة في نصف تمويل الفيلم، وهذا الدعم شجعه على
المضي قدماً نحو تطوير السيناريو والاشتغال عليه مع عدد من
المنتجين والكتّاب من أصحاب الخبرة، وبعد أكثر من 7 مسودات كان
النص النهائي جاهزاً للإنتاج الذي تميز بالصعوبة باعتبار أن تكلفة
العمل ستكون كبيرة، ولذلك تواصل مصطفى والمنتجون المشاركون معه مع
العديد من المؤسسات الاقتصادية التي وجدوا منها الدعم، ما شجع أكثر
على البدء في العمل بعد الحصول على تكلفة النصف الثاني منه.
وتحدث المنتج محمد حفظي عن الصعوبات والمطبات التي اعترضت فريق
الإنتاج، لذلك كان الاعتماد على المعارف، ولم يكن هذا الوقت الطويل
في الإعداد إلا بسبب الدعم، فصناعة فيلم سينمائي ليست بالأمر
الهين، خصوصاً في مجال التمويل، لأن الصناعة السينمائية في البلدان
العربية لا تزال نامية، وجمع مليوني دولار ليس بالأمر البسيط، وهي
التكلفة الفعلية للفيلم الإماراتي «من ألف إلى باء».
وقال علي مصطفى في سياق رده على أسئلة الجمهور عن الدرس الذي
استقاه من هذا العمل: «استفدت من الثقة الكبيرة في حدسي، والسينما
تحتاج إلى عارف بمجالها، وهذا ما تحقق لي منذ طفولتي المبكرة من
خلال تصوير ألعابي وأهلي، وما أريد فعله لاحقاً، وتعلمت لاحقاً
تقنيات العمل السينمائي الاحترافي في معهد لندن للأفلام، وساعدني
العمل في إخراج الأعمال الدعائية المصورة على اكتساب المزيد من
التجربة والخبرة، والتفكير في الذهاب بعيداً في مجال الإخراج،
وأنصح الشباب الإماراتي المهتم بالسينما بأن يعول أساساً على ثلاثة
أمور أساسية لا غنى عنها برأيي وهي (الشغف، الصبر، المثابرة ).
فيلم فلسطيني وثّق محطات من الانتفاضة بلغة روائية
«المطلوبون
الـ 18» مناضلون خفيفو الظل
رضاب نهار (أبوظبي)
يعود فيلم «المطلوبون الـ 18» (عرض ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية)
في روايته، وهو من إخراج عامر الشوملي وبول كاون ومن إنتاج عام
2014 بدعم من صندوق سند، إلى عام 1988، عندما اشترى سكان بلدة «بيت
ساحور» في فلسطين عدداً من الأبقار من أحد الإسرائيليين المناصرين
للعرب، محاولين مقاطعة المنتجات الإسرائيلية من حليب وغيرها، الشيء
الذي استدعى غضب السلطات الإسرائيلية التي فرضت حظر التجول مرات
عديدة، ونشرت جنودها للبحث عن الأبقار، فصار الأمر مدعاة سخرية حتى
على الصعيد العالمي. مستحضراً أزمة عدم دفع الضرائب والرد
الإسرائيلي آنذاك، مروراً باللحظات الأخيرة من الانتفاضة
الفلسطينية، معتمداً على شهادات عدد من الشخصيات الحقيقية ممن لا
يزالون على قيد الحياة، سواء من الفلسطينيين أو حتى من
الإسرائيليين.
وقد وثق هذا الإنجاز مرحلة مهمة من تاريخ النضال الفلسطيني، لا
تزال مستمرة حتى اليوم على الرغم من أن كثيرين اعتقدوا أن اتفاقية
أوسلو قد خطّت نهايتها.
اتخذ الشوملي دور الراوي في الفيلم. فكان راوياً من داخل وخارج
الحدث. ترك مسافة بينه وما يحصل من وقائع، لكنه في الوقت نفسه
ينتمي إلى القصة باعتباره أحد أحفادها. وما كان منه إلا أن بدأ
القصّ من أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، عندما كان
طفلاً صغيراً يسمع من والده قصصاً عن فلسطين تبلورت في ذهنه بطريقة
فانتازية، فرضتها المسافة البعيدة. متخيلاً الناس في ذلك الوقت
شخصيات مثل أفلام الكرتون شبيهة بـ«سبايدر مان»، ليرى بعد دخوله
بالحكاية عن قرب أنهم شخصيات عادية كل ما في الأمر: كانوا يقدسون
كرامتهم وحقهم في ترسيخ واستقلال دولتهم.
كان «أنطون الشوملي»، محوراً أساسياً في «المطلوبون الـ18». إنه
ابن الانتفاضة وأحد صناعها، مات بموتها ولا تزال روحه حاضرة مثلها
تماماً. ففي الجنازة التي تمّ عرض صورها الحقيقية في نهاية الفيلم،
علّق الشوملي كراوٍ، أنه لم يكن يدرك أن كل هؤلاء الذين جاؤوا
لتشييع أنطون ابن عمه الذي لم يتعرف عليه إلا من خلال الملصقات،
كانوا يعرفون هذا الشهيد شخصياً، أم أنهم جاؤوا لتشييع الانتفاضة
بحد ذاتها.
لم يكن الفيلم وثائقياً خالصاً، فسمات الروائي كانت تتخلله بسبب
إعادة تمثيل مجريات القصة درامياً بأسلوب أضفى على العمل صفة
متميزة جعلته مرناً، لطيفاً ومشوقاً، استطاع أن يجسد معاناة ومأساة
الشعب الفلسطيني بروح خفيفة الظل أضحكت جمهور أبوظبي السينمائي
كثيراً لكنها أبكتهم في النهاية. وأما الدراما الكرتونية التي
شاركت الأبطال الحقيقيين مهمة استعادة الحدث كاملاً، فكانت خياراً
فنياً موفقاً زاد من شدة الجاذبية والإمتاع من خلال المواقف
الكوميدية البسيطة.
فقد بنى المخرج سيناريو العمل ـ وكان من الواضح بالنسبة لنا أن كل
الشخصيات شاركت في نسخته النهائية ـ على عملية «أنسنة» البقرات
وجعل لكل منها شخصيتها الخاصة وعالمها الخاص. ففي حين كنّ في
البداية إسرائيليات معلنات كرههن وعداءهن للفلسطينيين، تعلّقن في
المشاهد اللاحقة بالوطن الجديد في مزرعتهن بـ «بيت ساحور». لكن
وبعد قرار القضاء عليهن قالت إحداهن: «لقد خذلنا الفلسطينيون مثلما
خذلنا الإسرائيليون».
والنهاية كانت من المكان الذي بدأت منه الحكاية.. من الصحراء، من
الكهوف هناك.. مفتشاً الشوملي عن «يارا» البقرة الصغيرة التي
دفعتها أمها للنجاة إلى خارج الشاحنة، أثناء الرحلة الأخيرة نحو
الموت الذي قرره الإسرائيليون كحكم نهائي على الأبقار. لتأتي بعد
ذلك شهادات حية من الشخصيات الحقيقية ذاتها، ملخصة بعبارة أو أكثر
ما حدث وما يحدث وما هم بانتظاره أن يحدث. |