اكتشاف سينمائي فلسطيني بديع في «أبوظبي السينمائي»
عامر الشوملي... يتألّق مبدعاً في «المطلوبون الـ18»
"سينماتوغراف" ـ أبوظبي: بشار إبراهيم
حمل اليوم الثاني من الدورة الثامنة لـ«مهرجان أبوظبي السينمائي»
اكتشافاً سينمائياً فلسطينياً بديعاً، من خلال فيلم «المطلوبون
الـ18»، الذي يصعب تصنيفه على مستوى النوع، ما بين الفيلم
الوثائقي، وفيلم الـ«دوكيودراما»، وفيلم التحريك، وفيلم الدمى،
ليمكن الانتهاء إلى أنه من النوع الإبداعي، الذي يمزج ما بين
الأنواع جميعها، دون أن يأبه بالحدود الفاصلة بين هذا وذاك، بما
يخدم فكرته وهدفه ومقولته.
في الندوة التي أعقبت العرض الدولي الأول للفيلم، في «مهرجان
أبوظبي السينمائي» (مساء 24 أوكتوبر 2014، في قاعة سينما فوكس4،
بمارينا مول أبوظبي)، بعد عرضه العالمي الأول في تورنتو (6 أيلول/
سبتمبر)، لم يكن سؤالنا للمخرج عامر الشوملي عابراً، إذ كان هاجسنا
التساؤل عن الضرورة الفنية والتقنية التي دفعت هذا المخرج
الفلسطيني الشاب، ابن بلدة «بيت ساحور»، وخريج جامعة «بير زيت»،
لاعتماد هذا الأسلوب الفني والتقني، الذي قال إنه استغرق منه قرابة
5 سنوات من الجهد والعمل، لينتهي الفيلم إلى الصورة التي شاهدناها
خلال 75 دقيقة.
وفي حين أكّد انتشال التميمي، مدير البرامج العربية في «أبوظبي
السينمائي»، ومدير منحة «سند»، خلال تقديمه للعرض أن هذا الفيلم
نال الدعم خلال مرحلتي التطوير والإنتاج أو ما بعده، يبقى السؤال
قائماً عن الاختيار الفني والتقني الذي شاءه المخرج، ووافقه
المنتجون والداعمون، خاصة وقد علمنا من مصادر متعددة أن ميزانية
الفيلم تجاوزت المليون ومئتي ألف دولار، تكاتف جهات إنتاجية متعددة
عربية أجنبية على توفيرها لتحقيق هذه الفيلم.
لابد من الاعتراف هنا، أنها كانت المرة الأولى التي نسمع بها باسم
هذا الفنان الشاب؛ عامر الشوملي، وكنا بحاجة لمشاهدة متأنية لفيلمه
الأول، لإدراك مدى قدرات وإمكانيات هذا المبدع الفلسطيني، بما
يضعنا أمام حقيقة أن المعرفة المستقرة إنما هي شكل من أشكال الجهل،
إذ سنجد أنفسنا أمام جيل جديد يخرج من بيننا الآن، له رأيه وصوته
واقتراحاته التي ينبغي الانتباه إليها، والانحناء احتراماً أمامها.
يشير موقع جامعة بيرزيت (http://alumni.birzeit.edu/ar/node/28156)،
إلى أن عامر الشوملي قد تخرج في جامعة بيرزيت عام 2003، بتخصص
الهندسة المعمارية، وحصل على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة،
تخصص رسوم متحركة من بريطانيا. وأن له العديد من الأعمال الفنية،
ويستخدم الرسوم المتحركة والكاريكاتير، بالإضافة إلى الملصقات،
للتفاعل مع المحيط السياسي والاجتماعي الفلسطيني اليومي. وله كتاب
«كومكس»، ومنشورات وقصص أطفال. وقد أسس لبرنامج دبلوم الرسوم
المتحركة في جامعة بيرزيت، وهو أحد مؤسسي «زان ستوديو» في رام
الله.
ولكن سنبقى بحاجة لمشاهدة «المطلوبون الـ18»، لندرك أن هذه
المعلومات المصمتة تخفي خلفها وبين أسطرها فناناً شاباً مبدعاً من
الناحية الفنية والتقنية، منتمياً في شكل جوهري من الناحية
المضمونية والموضوعية، إلى درجة أن يؤكد في تقديمه لفيلمه أنه يسعى
لكي تتعرّف الأجيال الراهنة والمقبلة على مراحل وفترات عاشتها
أجيال سابقة، وسطرت من خلالها ما ينبغي أن يستعاد، للاستذكار،
والفهم، والاتعاظ، والاقتداء.
سرعان ما سيتبدى لنا أن الغاية والهدف من فيلم «المطلوبون الـ18»،
تقديم تحية إكبار وإجلال، وإبداء وقفة احترام، واستعادة لجوانب
مضيئة من نضالات أهالي بلدة «بيت ساحور» خلال الانتفاضة الفلسطينية
الشعبية الكبرى (1987 – 1993)، تلك الانتفاضة التي كان لها، وبما
يتناقض من عظمة أدائها، ورقيّ أفعالها، أن ترسو على شواطئ اتفاقيات
أوسلو (سبتمبر 1993)، التي وجد فلسطينيون كثيرون فيها خيبة لا
تضاهى.
من عايش تلك المرحلة الباهية من نضالات الشعب الفلسطيني، يدرك ما
معنى «الانتفاضة»، وما الذي حققته على الصعيد الذاتي الفلسطيني،
والمحيط العربي، والمستوى العالمي، إلى درجة أن أدخلت كلمة
«انتفاضة» في قواميس اللغات العالمية. ومن عايش تلك المرحلة
الزاهية من أشكال النضال الشعبي، يعرف أي نموذج قدمته بلدة «بيت
ساحور»، والإبداعات التي سطّرتها، في إثراء للُّحمة الوطنية
الفلسطينية، وإغناء لمعنى الثورة والمقاومة، خاصة بمعناها السلمي.
يرصد عامر الشوملي فيلمه «المطلوبون الـ18» وقفة وفاء لأبناء بلدته
«بيت ساحور»، ويمنحهم الفرصة لقول جوانب من تجاربهم التي حققوها،
خلال الانتفاضة الكبرى، متخذاً من حكاية فريدة متكئاً وذريعة لقول
الكثير. لن يتردد الشوملي في القول إنه اختار الحديث على لسان
البقر للدفاع عن حقوق البشر، فربما ثمة من هناك، في الغرب، من
يتضامن مع البقر أكثر من البشر.
حادثة حقيقية حصلت إبّان الانتفاضة يستعيدها الشوملي، دون أن يكتفي
بها، ففي حين عمد من خلال التحريك والدمى إلى «أنسنة البقر»، لم
ينس أبداً التوقف أمام إنسانية الإنسان الفلسطيني الحقيقي؛ الشهيد
أنطون الشوملي (ابن عمه الذي لم يعرفه إلا من خلال ملصقاته كشهيد)،
ونضالات رجال ونساء من أبناء البلدة، لا يفرّق بينهم دين أو مذهب،
أو شهادة علمية، أو مستوى خبرة، إذ باندماجهم جميعاً في سياق نضال
وطني سلمي لا عنفي، يغدون على قدر من التعاون والمساواة، لا يرتقي
فوقهم إلا الشهيد الذي يثبت أن للحرية ثمن غال، لابدّ من دفعه.
«المطلوبون الـ18»، رهان سينمائي للعام المقبل، سيحظى بالكثير من
الحضور، والقبول، والاحتفاء، ففيه من الجهد الفني والتقني ما هو
جدير بالاعتبار والتقدير، وفيه من الفكرة والموضوع قدر من توازن
ذكي سوف يمرره إلى شاشات وعقول وأفئدة، لم تتخرّب بعد.
يقدم اليوم ضمن برنامج "عروض السينما العالمية"
"رجلان في المدينة".. يبحر في صحراء نيو مكسيكو
"سينماتوغراف" ـ الجزائر: وردة ربيع
قدم المخرج الجزائري صاحب "الخارجون عن القانون"، "رشيد بوشارب"
فيلمه الجديد والذي غير عنوانه من "طريق العدو" إلى "رجلان في
المدينة" من خلال السيناريو المأخوذ عن الفيلم الفرنسي المعروف
بنفس العنوان "رجلان في المدينة" والذي تم إنتاجه عام 1973. العمل
الجديد لأبوشارب شارك مؤخرا في مهرجان برلين السينمائي الدولي في
دورته الفائتة. ولاقى الكثير من النقد وخلق جدلا سينمائيا كبيرا،
ويعرض اليوم ضمن برنامج عروض السينما العالمية في "أبوظبي
السينمائي".
يحكي الفيلم حياة السجين الأسود "وليام جاريث"-يجسد دوره فورست
وايتكر- الذي إعتنق الإسلام، وبعد مرور 18 عاما في سجن بـ"نيو
مكسيكو" بتهمة قتل شرطي، يحصل على الإفراج المشروط ليعود إلى
مدينته من جديد، وهو يأمل أن يمحو تلك المرحلة من حياته الإجرامية،
فيعمل المستحيل للعودة إلى حياته الطبيعية والاندماج بعدها في
المجتمع واستكمال حياته العائلية إلى جانب زوجته وأطفاله. لكنه
سيحاصر أولا بالمراقب القضائي الذي وضعه المأمور الذي قتل "جاريث"
نائبه ويعتبر أن العقوبة التي قضاها "جاريث" في السجن ليست كافية
ما يدفعه إلى وضع المجرم السابق تحت المراقبة وإلى محاولة إعادته
إلى السجن. وثانيا مجرم لا يتركه في حاله، ويحاول دائما إستمالته
من جديد إلى الجريمة.
وسيطفو ماضيه ثانية على الأحداث وتفتح الملفات القديمة فيعيش
كابوسا حقيقيا بسبب ملاحقات وضغوطات عرقية وعنصرية مليئة بالضغينة
من طرف العمدة، -"هارفي كيتيل"- ب"نيو مكسيكو". ومع الوقت تبدأ
شرطية- تؤدي دورها"بريندا بليثن"- سابقة ومشرفة على سجناء سابقين
بالتعاطف مع "جاريث" وبالوقوف في وجه المأمور الذي لا يترك السجين
السابق في حاله ولا يتوقف عن تنغيص حياته.وتتسبب أخيرا في إقالته
من عمله، وفشل حياته الخاصة مع "تيريزا" وهي فتاة مكسيكية تجمعه
معها قصة حب.
ويعد العمل الجديد لبوشارب فيلما دراميا اجتماعيا بامتياز يحرك
مشاعر المشاهد بطريقة غير عادية.
تعرض الفيلم لهجوم كبير من النقاد، حيث وجدوا أنه لم يطرح جديدا في
القضية نفسها ولم يكن هناك أي إضافة من ظهور البطل معتنقا للإسلام،
حتى أن إختيار الأبطال لم يكن موفقا، حيث ظهرت الممثلة "برندا
بليتين" زائدة في الوزن عن الدور الذي قدمته كمحققة. فضلا على أن
ملابس "وايتكر" لم تكن مناسبة للمرحلة ولا لطبيعة شخصيته في الفيلم
،كما أن قصة حبه مع دولوريس لم تكن منطقية ولم تتطور بشكل درامي
محكم. كما أنهم وجدوه يفتقد بشكل كبير لعنصري التشويق والمفاجأة،
إذ يمكن للمتفرج أن يتنبأ بما ستؤول إليه الأحداث بعد وقت قصير من
المشاهدة.كما أن تكرار الأحداث:كإستمرار مطاردة المأمور للسجين
السابق وإصراره على عدم تركه في حاله.
كما ركز النقاد على إشكالية إعتناق البطل الإسلام ودور الفيلم في
الوقوف على العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي
–العلاقة شرق غرب- فإن الأمر في الفيلم يبدو جانبيا وذلك بعكس ما
ذهب إليه المخرج صاحب "نهر لندن" في أنه سيضع الغرب أمام العالم
الإسلامي، خاصة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر 2001 وتبعاتها التي
مازالت تؤثر على العلاقة بين الجانبين. وبدا موضوع إعتناق البطل
للإسلام هامشيا، بل ودخيلا على الموضوع تماما عوضا عن أن يخدمه
ويضيف إليه، فبطلنا لا يلقى الإضطهاد والتعقب من جانب المأمور
الأمريكي الشرس بسبب ديانته، بل لكونه قتل نائبه قبل عشرين عاما،
ولكون فكرة العقاب لدى المأمور، تختلف تماما عما يقول به
القانون.كما أنه لم ينجح في تصوير مشهد للبطل المسلم في الوضوء أو
الصلاة أو تلاوة القرأن على نحو صحيح فأحيانا نرى بطلنا يصلي وهو
واقف في مكانه دون أن يخلع حذاءه، وأحيانا يردد كلمات في صميم
الصلاة في غير موضعها، فضلا عن أنه لا يردد أي كلمة واضحة من
القرآن.
وحسب النقاد، فإن فيلم "رجلان في المدينة" بدأ قويا مما أوحى بأن
العمل سيطرق جوانب جديدة في مشاكل "العنصرية"، "التعسف باسم
القانون"، "وقوف المجتمع في وجه مجرم سابق يريد التكفير عن
خطيئته"، "الدين واللون وإختلاف الأعراق".. لكن سرعان ما تجد نفسك
أمام عمل غير مركّز. لكنك رغم ذلك تبقى مشدودا متأثرا خاصة أمام
بعض المشاهد في الصحراء، وليلا تحت ضوء النجوم.
يعرض اليوم في "أبوظبي السينمائي"..
مأخوذ عن قصة حقيقية ويحمل بصمة المخرج الصربي فيك رسوموفيتش
ابن لا أحد.. وحشية الإنسان وقسوة الحياة في زمن الحرب
أبوظبي ـ "سينماتوغراف" ـ هاني مصطفى
كثيرٌ من الأساطير في الثقافة الإنسانية على وجه العموم تناولت
قصّة طفل تربّى في الغابة بين الحيوانات. لعلّ أكثرها شهرة على
المستوى العالمي "كتاب الأدغال"، الذي ألّفه البريطاني روديارد
كيبلينغ في نهاية القرن التاسع عشر. فيلم "ابن لا أحد" الذي يشارك
في (مسابقة آفاق جديدة) بمهرجان أبوظبي السينمائي، ويعرض اليوم،
يذكر، في مقدمته، أن الفيلم مأخوذ عن حادثة واقعية، الأمر الذي
تبعد معه فكرة استعارة الدراما من الأساطير الثقافية. غير أن
المخرج الصربي فيك رسوموفيتش لا يهتمّ إلاّ بالتفاصيل التي تجعله
يبدأ من تلك الفكرة، ويقوم بقياسها إنسانياً في فترة شديدة القسوة
من تاريخ وطنه، عندما كان دولة موحدة باسم يوغوسلافيا.
أحداث الفيلم تبدأ مع العام 1988، عندما يكتشف عددٌ من الصيادين في
منطقة نائية في البوسنة الهرسك طفلاً في العاشرة أو الحادية عشرة
من عمره، عارٍ تماماً، يقترب سلوكه من تصرّفات الحيوانات البرية.
تقترب تلك البنية في بدايتها من فيلم "الصبي المتوحّش" (1969)
للمخرج الفرنسي فرنسوا تروفو. مهارة المخرج، وهو كاتب السيناريو
أيضاً، تأتي من أن كل تفصيلة مهما كانت صغيرة لها أهميتها في
السيناريو. فجملة الحوار، أو اللقطة التي قد تبدو عابرة فى الفيلم،
لها قيمتها الكبرى في بنية الدراما، وربما تترتّب عليها حادثة
محورية فيما بعد.
مثال على ذلك: كيف تمّت تسمية الطفل بورتشيكا من قبل موظفة السجل
المدني في البوسنة، قبل انتقاله للعيش في ملجأ الأيتام في بلغراد؟
هذه التفصيلة يترتّب عليها شيء قدري بعد أعوام عديدة، وأثناء بداية
الحرب الأهلية في يوغوسلافيا. الفيلم ينتقل لرصد كل ما يتصل بعلاقة
بورتشيكا داخل الملجأ، وكيف يواجه تنمّر أقرانه وشعورهم بمدى غرابة
هذا الصبي. ربما يشعر المُشَاهد بحالة من الملل في المَشَاهد
الإفتتاحية داخل الملجأ، التي ترصد الحالة النفسية للصبي وعدم حدوث
أي تقدّم في مسألة تأقلمه مع الحياة الإنسانية. المخرج يريد أن
يجعل المُشاهد يتعايش ليس فقط مع بروتشيكا، لكن أيضاً مع معلّمه
الذي يعانى أشدّ المعاناة دونما تقدّم.
يستطيع المُشَاهد أن يستمتع بالتمثيل في مَشَاهد عديدة طوال
الفيلم، خاصة دور المعلم الذي أدّاه الممثل ميلوس تمتويڤتش. كذلك
دور زيكا، صديق بورتشيكا، الذي بدا على الرغم من حداثة عمره، أنه
ممثلٌ ذو خبرة طويلة في الاندماج في الشخصية. من المؤكّد أن لا أحد
يستطيع إدراك مدى الصعوبة التي واجهت المخرج، ومعه بطل الفيلم دنيس
موريتش، لبناء التعبيرات الشخصية، الجسدية والتصرّفات، نظراً إلى
أن الشخصية تقريباً لا تتحدّث إلاّ بعض كلمات قليلة طوال الفيلم،
وأيضاً بسبب أن تفاصيل التمثيل في تلك المَشَاهد ليست لديها أية
مرجعية للتعبير، والخيال فيها مفتوح.
أدوات المخرج الجمالية ليست فقط في تفاصيل الصورة، بل في استخدامه
بدقّة شديدة شريط الصوت، الذي يبني عليه الكثير من الجوّ التكميلي
للمشهد. فعندما نسمع صوت طلقة الرصاص في المشهد الأول، نشعر أننا
أمام شريط صوت قوي ومتميّز في الفيلم ككل. أيضاَ، في مَشَاهد الحرب
الأهلية، وبعد إطلاق الرصاص العنيف، يصبح شريط الصوت مكتوماً كأن
المخرج ومصمم شريط الصوت أرادا أن يشعر المُشَاهد بحالة الصمم
الجزئي التي قد يكون يعاني منها المقاتلون فى المشهد.
ويمكننا القول أن فيلم "ابن لا أحد" حكاية تتساءل عن قسوة الحياة
ووحشية البشر؟
يعرض بـ"أبوظبي السينمائي" ضمن مسابقة "آفاق جديدة"
"الوهراني".. هل أساء إلياس سالم إلي تاريخ الجزائر؟!
"سينماتوغراف" ـ الجزائر: وردة ربيع
عندما يتماهي العمل السينمائي في العلاقات الإنسانية المتشابكة
يضمن رصيدا لا بأس يه من التأثير في نفسية المشاهد، بل أكثر من هذا
يدفعه قدما للتفكير، خاصة إذا تعلق الأمر بمقومات كالهوية والتاريخ
والذاكرة.هو بعض الشيء مما صور بثاني أفلام المخرج "إلياس بن سالم"
الموسوم "الوهراني".
"إلياس بن سالم" الكاتب والمخرج والممثل لم يشأ أن ٌيضم فيلمه
لقالب معين بأن يكون تاريخيا مثلا أو توثيقيا أنه الفيلم الدرامي
الإجتماعي ولكن بصبغة تاريخية لم تحمل تحديدا لشخوص بذاتهم أو
تواريخ معينة. جعفر الوهراني ظهر في صورة البطل الثوري الذي يحتفل
به الجميع ويبجله الصغير قبل الكبير. أنه رمز الإستقلال الذي ننعم
به. لكن فرحة الاستقلال ضاعت حين يعلم أن حبيبته وزوجته "ياسمين"
تم إغتصابها إنتقاما من صعوده الجبل. ولا تتوقف المعاناة هنا بل
سيكون "جعفر" مظطرا لأن يرّبي ثمرة هذا الإغتصاب "الطفل بشير"الذي
يكبر ناقما من والد لا يعترف به ومجتمع لا يمت له بصلة. وفي خضم كل
هذه المعاناة النفسية ينكب الأصدقاء على "طورطة الإستقلال"
ليتقاسموها !!.فـ"السعيد" المتزوج من أمريكية والذي يعيش حياة
غربية، لا يعترف بأحد سوى من صنعوا ثورة الجزائر وإن كانوا فاسدين
!! .بينما يسايرهم بقية الأصدقاء دون أن يستفيدوا مثلهم.
الفيلم في مضمونه المثير للجدل، إختزل قضية التعريب في مشهد كوميدي
تهكمي يظهر فيه الممثل "مراد خان" وهو يحاول تعريب بعض الكلمات
التي تستعمل في الإدارة بالفرنسية. وإختزل الحديث عن الهوية في
مشهد آخر يجمع عددا من أـبطال الفيلم في رحلة عائلية للغابة وهو
يتناقشون حول الأصول الأمازيغية والعربية والفرنسية في الجزائر.كما
إختزل مشهد النفع والإنتفاع بإسم الثورة وتنمية الأرصدة وتقسيم "الكوطات"
في مشهد تتضارب فيه المصالح وتعلو فيه المصلحة الفردية حين يتناقش
"السعيد" مع أحد الأصدقاء ويحاول أن يذكره أنه على قاربه فيختار
الصديق أن يسبح حتى يصل للشاطىء رافضا منّ "السعيد". وأيضا إختزل
مشهد البطش الأمني في مشهد ملاحقة أحد الصحفيين وتعذيبه بتهمة
البحث عن الحقيقة والتحرش بماضي إبن "جعفر" بالتبني. وكذلك إختزل
حالة السفور التي كان يعيشها المنتشون من الإستقلال الغارقون في
ريع الشعب ومال "البايلك"، سهرات الكابريهات وكؤوس الخمر هي
لياليهم التي لا تنتهي. لتتصاعد موسيقى الفنان "أمازيغ كاتب". علما
أن الفيلم اخذنا مع تواتر الأحداث بموسيقى متنوعة تعكس الثراء
الثقافي الجزائري.
الفيلم جاء جريئا بكل ما حمله من تفاصيل عكست حقيقة ما تمر به
الجزائر من نتائج وخيمة أفرزتها حقبة "الحزب الواحد".ليذهب المخرج
بذكاء ويدفعنا لتساؤلات كثيرة في سيرورة متصاعدة ربما هو ما ختم به
في المشهد ما قبل الأخير حين يطلب "السعيد" من رفيقه "جعفر" قليلا
من الماء وحين لم يجد يرد بسخرية: هل جاهدنا حتى لا نجد ماء نشربه
بعد الإستقلال؟
جدير بالذكر أن فيلم "الوهراني" من بطولة "إلياس بن سالم"، "خالد
بن عيسى"، "جمال مبارك".. وقد توج مؤخرا بأحسن آداء رجالي في
الدورة السابعة لمهرجان الفيلم الفرانكوفوني لأنغوليم بفرنسا،
وينافس بقوة ضمن مسابقة "آفاق جديدة" في الدورة الثامنة لمهرجان
أبوظبي السينمائي.
تعتمد خلاله المخرجة سوزان بير على تحليل الشخصيات المضطربة
"فرصة ثانية".. دراما نفسية غاية في التعقيد والتركيب
"سينماتوغراف" ـ أبوظبي: مصطفى المسناوي
في خامس تعامل لها مع الكاتب أندرس توماس يانسن، تعود المخرجة
الدانماركية سوزان بير بفيلم يغوص مجدّداً في دواخل النفس البشرية،
انطلاقاً من تقليد تمّ ترسيخه في سينما البلدان الاسكندنافية، خاصة
مع كارل تيودور دراير (1889 ـ 1968) وإنغمار بيرغمان (1918 ـ
2007)، يقوم على الذهاب بعيداً في تحليل تلك النفس في حالاتها
القصوى، المرتبطة بوجود الشخصية (أو الشخصيات) المحورية في حالة
أزمة داخلية عميقة، لا يمكنها إلاّ أن تنعكس على محيطها المباشر،
وتؤدّي إلى نتائج غير منتظرة.
تبدأ حكاية "فرصة ثانية" (مسابقة الأفلام الروائية الطويلة)
بالصديقين الشرطيين أندرياس (أدّى دوره نيكولاي كوستر ـ والدو،
الذي اشتهر بدور جيمي لانيستر في سلسلة "لعبة العروش") وسايمون
(أدّى دوره أولريش توماس، الذي سبق أن مثّل دور كلاوس في فيلم "في
عالم أفضل")، وهما يدخلان شقّة يصدر منها ضجيج يمنع الجيران من
النوم، يقطن فيها رجل وامرأة من مدمني المخدرات. فيها، يعثر
الشرطيان على رضيع مهمَل تماماً، إلى درجة أنه مُحاط بقاذوراته، لا
يكفّ عن الصراخ من ألم الجوع.
هذا الرضيع المهمَل سوف يكون منطلقاً لمسار الحكاية، التي نتعرّف
فيها بنوع من التفصيل على حياة آنّا زوجة أندرياس، المضطربة
نفسياً، وعلى ابنهما ألكزاندر، وخصوصاً على حياة سايمون، المطلّق
حديثاً. بالإضافة إلى حياة كل من الزوجين المدمنين، تريستان وصاني.
سنجد أنفسنا، بشكل مباشر، في قلب عالم يعيش كل فرد فيه، بمن في ذلك
الأزواج، وحدته الخاصة التي تقوده نحو أفق مسدود لا خلاص منه إلاّ
بالشرب، أو تعاطي المخدرات، أو الانتحار.
سايمون، الذي تخلّت زوجته عنه من أجل مدرِّب سباحة، يحاول دفن
وحدته في الشرب الذي لا يحول بينه وبين التحوّل إلى شخص عدواني
أحياناً، من دون أي مبرر. في حين يلجأ تريستان وصاني إلى الهيرويين
لكي يخفي كل منهما، عن نفسه قبل الآخرين، تلك الوحدة المرعبة التي
يجد نفسه فيها حين يخلو إلى نفسه. وهي وحدة تزداد حدّة حين ندرك أن
العلاقة بين هذين الزوجين لا تقوم على الندية أو التكافؤ، بل على
هيمنة الرجل فيها على المرأة هيمنة مطلقة، بما يجعلها أقرب إلى
العلاقة السادو ـ مازوشية. بل إن صاني (أدّت دورها ماي أندرسون، في
أول دور سينمائي مهمّ بالنسبة إليها) تعترف أن تريستان هو من
يرغمها على تعاطي الهيرويين. كأن هروبه من وحدته بهذا المخدّر لا
يكتمل إلا بهروبها هي معه، وترك رضيعها لوحدته الخاصة يواجه مصيره
بنفسه.
أما أندرياس وزوجته آنّا، فيعيشان في بيت كبير رحب، يُطلّ على
شاطىء البحر. ابتداءً من المَشَاهد الأولى لهما معاً، نكتشف تعقّد
العلاقة التي تربط بينهما (وفي القلب منها رضيعهما ألكزاندر)، إلى
درجة لا ندري معها الحدود الفاصلة بين المحبة والنفور فيها، وإن
كان يتولّد لدينا الشعور بأن حرص ألكزاندر، المبالغ فيه، على عدم
إغضاب آنّا نذيرٌ أكيد بعاصفة مدمِّرة، قد لا تبقي ولا تذر. وهو ما
سيحصل فعلاً: فحين يقع حادث طارىء، يتّخذ هذا الأخير قراراً
بتجاوزه بطريقته الخاصة، من دون أن يدري أنه سيفتح بذلك أبواب
الجحيم.
المخرجة، الفائزة بجائزة "أوسكار" في فئة أفضل فيلم أجنبي عن
فيلمها "في عالم أفضل" (2010)، تبني، إنطلاقاً من هذه الشخصيات
الستة، دراما نفسية في غاية التعقيد والتركيب، تقوم على اللقطات
القريبة، أو القريبة جداً، للشخصيات، المأخوذة بكاميرا مضطربة غير
ثابتة، وعلى المَشَاهد الداخلية أو الليلية التي تضخِّم حالة
الوحدة لدى الشخصيات، بقدر ما تجعلها تعيش حالة حصار وقلق وتوتر
تتواصل حتى نهاية الفيلم، وربما انتقلت عدواها إلى المُشَاهد
لتستمر معه حتى بعد انتهائه. |