مهرجان أبوظبي السينمائي يخصّص جائزتين للأفلام العربية رغبة من
القائمين عليه منحه خصوصية متميزة في محيطه العربي.
أبوظبي - تفتتح مساء الخميس 23 أكتوبر الجاري، الدورة الثامنة من
مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي التي ستستمر حتى الأول من نوفمبر
القادم. وتشهد الدورة الجديدة برئاسة الفنان الإماراتي علي
الجابري، عرض 197 فيلما طويلا، و48 فيلما قصيرا من 61 دولة.
يبدو هذا الرقم الأكبر من حيث مشاركة الدول في فعاليات وبرامج هذا
المهرجان الذي تأسس عام 2007، تحت اسم “مهرجان الشرق الأوسط
السينمائي”، وكان لعدة سنوات تحت إدارة الخبير السينمائي الأميركي
بيتر سكارليت، ثم تولى قيادته منذ 4 سنوات علي الجابري، فتمكن
بمساعدة عدد من المستشارين والمبرمجين، مد التجربة على استقامتها،
وجعلها تظاهرة سنوية تضارع مهرجانات السينما الدولية الكبرى.
تنقسم برامج المهرجان إلى خمس مسابقات دولية، بالإضافة إلى قسم
لعرض أحدث روائع السينما العالمية لجمهور الإمارات، وقسم آخر
للاحتفال بكلاسيكيات السينما العالمية من الأفلام التي تم ترميمها
واستعادتها حديثا.
وهو من أهم أقسام المهرجان ويواكب التقليد الحضاري الذي تسير عليه
منذ سنوات أعرق المهرجانات السينمائية الدولية، التي تعمل على
المشاركة في تمويل مشاريع إنقاذ التراث السينمائي العالمي، سواء من
خلال التمويل المباشر أو عبر المؤسسات الخاصة التي تنشأ لهذا
الغرض، وبالتعاون مع مؤسسة إنقاذ الأفلام العالمية التي أسسها
ويرأسها المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي.
مسابقات المهرجان
أولى المسابقات الرئيسية في المهرجان هي مسابقة الأفلام الروائية
الطويلة، وهي تضم أفلاما أجنبية وأخرى عربية أو من إخراج مخرجين من
العالم العربي. ويعرض بهذه المسابقة 17 فيلما روائيا طويلا من 15
دولة.
من بين هذه الأفلام 5 أفلام من إخراج مخرجين عرب ومعظمها من
الإنتاج المشترك، وهي السمة التي أصبحت الأكثر بروزا في الوقت
الحالي، في أفلام العالم، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج والرغبة في فتح
المجال أمام أسواق جديدة للفيلم الواحد، الذي لم يعد يعتمد على ما
يحققه من مداخيل مالية من عرضه في سوق ينحصر داخل دولة واحدة، خاصة
تلك الدول الصغيرة التي لا تتمتع بوجود دور عرض متعددة، وبالتالي
جمهور كبير يمكنه أن يغطي وحده تكاليف إنتاج الفيلم الواحد، وهذه
تحديدا السمة السائدة في معظم البلدان العربية مثل الجزائر وتونس
ولبنان والعراق والإمارات.
تتنافس أفلام المسابقة الرئيسية للأفلام الطويلة على جائزة أحسن
فيلم “اللؤلؤة السوداء”، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة أحسن
فيلم من العالم العربي، وجائزة أحسن مخرج من العالم العربي، وجائزة
أحسن ممثل، وجائزة أحسن ممثلة.
ولعل المقصود من وراء تخصيص جائزتين رئيسيتين للأفلام العربية،
يعود إلى رغبة القائمين على المهرجان من منحه خصوصية متميزة في
محيطه العربي، وكنوع من التشجيع والدعم المباشرين لصناع السينما في
تلك المنطقة التي تشهد الكثير من المعوقات أمام مخرجي السينما
الروائية.
من الولايات المتحدة يشارك في هذه المسابقة فيلم “99 منزلا” للمخرج
الإيراني الأصل الذي يعمل في أميركا رامين بحراني، وهو أول أفلامه
الأميركية كبيرة الإنتاج، ويصور من خلال سيناريو جيد، انعكاس
الأزمة الاقتصادية على الكثير من ملاك المنازل الأميركية من محدودي
الدخل، والأساليب الملتوية التي تلجأ إليها مؤسسات الإقراض لدفع
أصحاب المنازل لترك منازلهم والاستيلاء عليها، ثم إعادة بيعها
بأسعار مرتفعة، مع ما ينتج عن ذلك من احتكاكات ومآس.
وعن الأزمة الاقتصادية التي تدفع بعض السياسيين الفاسدين الذين
يستغلون نفوذهم وعلاقتهم بالسلطة، في طرد السكان من منازلهم ولو
بطرق غير قانونية والاحتيال للاستيلاء عليها وهدمها لإقامة مشاريع
أخرى تدرّ عليهم الملايين، تدور أحداث الفيلم الروسي “الطاغية”
للمخرج أندريه زيفيا جنتسيف. وكان هذا الفيلم قد شارك في مسابقة
مهرجان كان 2014.
ويشارك الفيلم الإيراني “حكايات” للمخرجة رخشان بني اعتماد، الذي
تنتقد من خلاله بعض الانحرافات البيروقراطية في المجتمع الإيراني،
من خلال مجموعة من القصص المتداخلة التي تكمل ما سبق أن بدأته في
أفلامها السابقة.
ومن فرنسا يشارك فيلم “سبيانزا” ليوجين جرين، الذي صوره في
إيطاليا، وهو يدور حول رحلة مهندس معماري يشعر بالإحباط، إلى
إيطاليا لدراسة أعمال المهندس الإيطالي المرموق فرنشيسكو بروميني،
وكيف تغير هذه التجربة حياته إلى الأبد.
تنقسم برامج المهرجان إلى خمس مسابقات دولية، بالإضافة إلى قسم
لعرض أحدث روائع السينما العالمية
“العودة إلى إيثاكا” هو الفيلم الفرنسي- الكوبي للمخرج لورون
كانتيه، الذي فاز بجائزة أحسن فيلم في قسم “أيام فينيسيا” في
الدورة الأخيرة من مهرجان فينيسيا السينمائي، وهو يصور بشاعرية
رقيقة، كيف يجتمع مجموعة من الأصدقاء في حفل فوق سطح بناية مرتفعة
في هافانا، للاحتفال بعودة صديق مشترك لهم ويبدأون في تذكر الماضي
الذي كان يجمعهم.
ومن إيطاليا يشارك الفيلم المتميز “قلوب جائعة” المصنوع على طريقة
الأفلام الطليعية رغم كونه من أفلام الرعب وتدور أحداثه في
نيويورك، وتذكر أجواؤه ببعض تفاصيل الفيلم الكلاسيكي الشهير “طفل
روزماري” لرومان بولانسكي. وهناك أيضا أفلام من الصين واليابان
والسويد وبريطانيا.
الأفلام العربية
وتعرض بالمسابقة خمسة أفلام عربية عروضا عالمية أولى أو للمرة
الأولى في الشرق الأوسط، أولها الفيلم المصري الجديد “القط” للمخرج
إبراهيم البطوط. ويصور الفيلم كيف يواجه زعيم عصابة إجرامية حادثة
اختطاف ابنته بعد طلاقه من زوجته مباشرة، وماذا سيفعل حينما يكتشف
أنها وقعت ضحية عصابة من عصابات الاتجار بالأعضاء البشرية.
وهناك أيضا فيلم “حمى” للمخرج المغربي هشام عيوش، وهو من الإنتاج
الفرنسي -بتمويل من الإمارات وقطر والمغرب-، وتدور أحداثه في باريس
حول طفل يلجأ إلى والده الذي انفصل منذ سنوات عن أمه، بعد ان سجنت
الأم، وكيف تتغير حياته على إثر ذلك.
ومن كردستان العراق يشارك فيلم المخرج محمد أمين كوكي “ذكريات
حجر”، الذي يعيد الكشف عن المجزرة الكيميائية التي ارتكبها نظام
صدام حسين في حلبجة ضد الأكراد عام 1988.
ويشارك فيلم “الوادي” للمخرج اللبناني غسان صلهب، -وهو من الانتاج
المشترك بين فرنسا وألمانيا والإمارات وقطر-، ويصور كيف يقع رجل
فقد الذاكرة بعد إصابته في حادث سير في وادي البقاع، رهينة في قبضة
عصابة للاتجار في المخدرات.
وهناك أخيرا فيلم “تمبكتو” للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو،
الذي يدور في عدد كبير من مهرجانات السينما هذا العام بعد عرضه في
مهرجان كان، ويصور مظاهر التطرف الإسلامي المسلح في مالي.
آفاق جديدة
المسابقة الثانية هي مسابقة “آفاق جديدة” المخصصة لتشجيع
السينمائيين الجدد، أي أنها تخصص عادة لعرض الأعمال الأولى
والثانية للمخرجين. وتضم هذا العام 19 فيلما منها أربعة أفلام
لمخرجين من العالم العربي هي “ذيب” لناجي أبو نوار (الأردن)،
“الوهراني” لإلياس سالم (الجزائر)، “صمت الراعي” لرعد مشتت
(العراق)، “من ألف إلى باء” لعلي مصطفى (من الإمارات).
والفيلم الأخير هو الفيلم الذي سيفتتح المهرجان مساء الخميس، وهذه
هي المرة الأولى التي يعرض في الافتتاح فيلم من الدولة المنظمة
الإمارات. وهي بادرة تدل أولا على ما حققه عدد من سينمائيي
الإمارات من مستوى يؤهلهم لتصدر مهرجان دولي كبير، كما يشير إلى
رغبة القائمين على المهرجان في تشجيع الإنتاج السينمائي في
الإمارات، وهو أمر لا شك في إيجابيته.
ومن أهم أفلام هذه المسابقة الفيلم الجيورجي “جزيرة الذرة”، الذي
يعود فيه مخرجه الموهوب جيورجي أوفاشفيلي إلى “جذور السينما”،
ويمكن اعتباره من أعمال السينما الخالصة، فهو قصيدة شعرية تفيض
بالحب للطبيعة وللإنسان.
وهناك أيضا “الهائمون” الإيطالي الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم
في مهرجان فينيسيا الأخير، وفيلم “معسكر أشعة إكس″ وهو عمل قوي
يتناول من زاوية جديدة العلاقة بين سجانة أميركية وسجين مسلم داخل
معتقل غوانتانامو. وجوائز مسابقة “آفاق جديدة” مطابقة لجوائز
المسابقة الرئيسية.
أما مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة فتشمل عرض 16 فيلما منها 7
أفلام لمخرجين من العالم العربي، هي “قراصنة سلا” لمريم أدو وروزا
روجرز (المغرب)، “ملكات سوريا” لياسمين فضة (لبنان)، “العودة إلى
حمص” لطلال الديركي (سوريا)، “أصوات البحر” لنجوم الغانم
(الإمارات)، “أم الغايب” لنادين صليب (مصر)، “المطلوبون الـ18”
لعامر شومالي وبول كومان (فلسطين- كندا)، و”أوديسا عراقية” للمخرج
العراقي سمير المقيم في سويسرا.
مسابقة 'آفاق جديدة' مخصصة لتشجيع السينمائيين الجدد، أي أنها تخصص
عادة لعرض الأعمال الأولى والثانية للمخرجين
ويوثق “سمير” الذي هاجر في الستينات الماضية مع والده إلى سويسرا،
قصة خروج أفراد عائلته من العراق عبر خمسين سنة، وترحالهم بين بلاد
العالم في أدويسا، ربما لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
وسمير مخرج مرموق في سويسرا، وربما يكون أهم مخرجيها على الإطلاق.
وفيلمه الجديد هو الأول الذي يصوره بتقنية الأبعاد الثلاثة 3-D.
ويصحب طلال الديركي في فيلمه “العودة إلى حمص” حارس مرمى سابقا في
مدينة حمص المدمرة، حيث نرى كيف تواجه قوات المعارضة قوات النظام
وكيف أصبح هذا اللاعب رمزا للمقاومة ومغنيا للثورة.
وتتابع المخرجة الإماراتية نجوم الغانم في فيلمها الوثائقي الجديد
“صوت البحر”، رحلة مغن مسن يريد أن يصحب الصيادين في الخليج قبالة
أم القيوين، لكي ينشد لهم أغنيته الأخيرة ربما.
ومن أهم الأفلام التي تعرض في هذا القسم، الفيلم الأميركي “نظرة
الصمت” لجوشوا أوبنهايمر الذي يستكمل فيه ما بدأه في فيلمه السابق
“فعل القتل”، عن المجازر التي ارتكبت في الستينات ضد الشيوعيين
وأنصارهم في عموم أندونيسيا، ويقال أنه راح ضحيتها أكثر من مليون
شخص. وهو يعود لاستجواب عدد من أهالي الضحايا الذين يقدمون
شهاداتهم عن تلك الفترة.
وتشمل مسابقة الأفلام القصيرة 20 فيلما من فرنسا وألمانيا والسويد
وأميركا وأسبانيا وتونس والمغرب والإمارات والأرجنتين وسوريا. أما
مسابقة أفلام من الإمارات، فهي تشمل عرض مجموعة من الأفلام الجديدة
من الإمارات ومن بلدان الخليج بشكل عام، وهو ما أصبح يقتضي تغيير
اسمها ليصبح “مسابقات أفلام من الخليج”، خاصة بعد توقف مهرجان
أفلام الخليج السينمائي.
وهي تشمل عرض 52 فيلما قصيرا، منها ما أنتج إنتاجا مشتركا بين أكثر
من دولة سواء من دول الخليج أو مع بلدان أوروبية ومع الولايات
المتحدة. والحقيقة أن هذه المسابقة تنقسم في داخلها إلى أربع
مسابقات فرعية هي: مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، ومسابقة
الأفلام الوثائقية القصيرة، ومسابقة الطلبة الروائية القصيرة،
ومسابقة الطلبة الوثائقية القصيرة.
وتخصص لهذه المسابقة جوائز مالية عددها 12 جائزة، بواقع ثلاث جوائز
في كل مسابقة هي الجائزة الأولى ثم الثانية ثم جائزة لجنة التحكيم
أو الجائزة الثالثة.
جدير بالذكر أن القيمة الإجمالية المالية لجوائز المهرجان التي تصل
إلى أكثر من ثلاثين جائزة تبلغ مليون دولار، وهي أكبر قيمة مالية
للجوائز في أيّ مهرجان سينمائي في العالم.
أفلام العالم
أما قسم “أفلام العالم” أو “سلة العروض” فيشمل عرض 32 فيلما من أهم
ما عرض في مهرجانات السينما الدولية خلال العام. والمقصود من هذه
العروض اطلاع الجمهور المتعدد الجنسيات في الإمارات، على أحدث ما
أنتجته السينما العالمية، وخلق نقاش جدي حول مواضيع هذه الأفلام
وأساليبها الفنية.
وهذا هو الجانب الثقافي الذي يهتم به المهرجان والذي يخصص له أيضا
عدد من المحاور التي يجتمع على مناقشتها عدد من السينمائيين العرب
والأجانب، منها على سبيل المثال الوضع الحالي المتغير للفيلم
الوثائقي في عصر الوسائط الجديدة، وموضوع أفلام المهاجرين العرب في
أوروبا خصوصا وأن المهرجان سيعرض نحو 14 فيلما لسينمائيين عرب
أخرجوا أفلامهم هذه خلال السنوات العشر الأخيرة في بلدان أوروبية،
حيث يقيمون.
والمهرجان في النهاية يحفل بالعديد من الفعاليات الأخرى المميزة،
ويعدّ نافذة للسينمائيين العرب على سينما العالم، كما يساهم في
تدعيم عملية الاحتكاك الضرورية بين النقاد العرب وسينمائيي الغرب
والعالم العربي. |