كيف نُحيل التنافس إلى إبداع!!
طارق الشناوي
9/14/2014 02:08:48
ما يزال أصدق ما يمكن أن يعبر عن مشاعر أغلب المشاركين فى المهرجان
هو أن لا يقال: مهرجان الإسكندرية يكرم نور الشريف، بل قُل نور
الشريف يُكرّم مهرجان الإسكندرية، وفى اللقاء الذى أداره الناقد
خالد محمود مع نور تناول العديد من النقاط، أهمها التنافس مع رفيق
المشوار محمود ياسين، وكيف أنه بقدر ما كان الصراع وقتها على أشده
بقدر ما كان كل منهما يقدر إبداع الآخر.
قال أرسطو «أحب أفلاطون وأحب الحق ولكن حبى للحق أكبر» وبدأ فى نقد
الفلسفة التى انتهى إليها أفلاطون، تعودنا دائمًا أن لا نرتاح إلى
آراء أبناء -الكار- الواحد رغم أن أصدق شهادة من الممكن أن تقرأها
هى، عندما يكتب أو يحلل مثلًا ملحن إنجاز ملحن آخر أو كاتب أعمال
زميل.. لأنك عندما تحترف المهنة فأنت تُمسك بأدق أسرارها وتستطيع
أن تحدد على وجه اليقين أوجه الإبداع، وأيضًا ثغرات القصور.. هذا
إذا خلصت النيات، وهى نادرًا ما تَخلُص لأنها تتدخل فيها عوامل
أخرى مثل الغِيرة المهنية، لو تتبعت التاريخ الحديث لاكتشفت أن
أكثر الانتقادات تجريحًا التى وجهت إلى عميد الأدب العربى طه حسين،
هى تلك التى أصابته من ابن جيله ومنافسه اللدود عباس محمود العقاد،
حيث وصفه قائلا بأنه «عمى الأدب العربى»، على الجانب الآخر كان طه
حسين يقلل دائمًا من شأن إنجاز العقاد الأدبى وخصوصًا «العبقريات»،
رغم أن العقاد كان يعتبرها عنوانه الأثير فى دنيا الأدب!!
السنباطى كثيرًا ما سخر من موسيقى عبد الوهاب، ويراها مسروقة من
الغرب، وكان عبد الوهاب كثيرًا ما يصرح بأن السنباطى لم يتطور ولا
يزال يخاصم العصر.
دائمًا ما نردد المقطع الأول لزجل شهير كتبه بيرم التونسى فى
الثلاثينيات يقول فيه «يا أهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقة سكوت لله»
على اعتبار أنها تسخر من الغناء الردىء.. ولا يدرى أغلبنا أن بيرم
أشار إلى أغنيات أحمد رامى ومحمد عبد الوهاب، باعتبارها نموذجًا
صارخًا للرداءة مثل «يا وابور قولى رايح على فين» وأشبعها ذمًّا
واستهزاءً!!
السنباطى لم يقتنع بألحان بليغ لأم كلثوم مثل «سيرة الحب» و«بعيد
عنك» و«ألف ليلة»، وكان يرى أن هذه الألحان تجرح وقار أم كلثوم..
بينما قال إن أغنية «اسأل روحك» لمحمد الموجى تذكره على الفور بـ«أعملها
على روحك»!!.. كان الصراع والتراشق بالكلمات التى لها مذاق اللكمات
لا يتوقف بين وردة وفايزة أحمد، خصوصا أن كلتيهما تزوج من ملحن..
فامتدت المعركة إلى بليغ وسلطان!!
لا أحد ينسى مثلا الخلاف الحاد بين فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ..
نعم ما تبقى فى الذاكرة هو هذا البرنامج اللبنانى الذى استضاف عبد
الحليم وفريد، وانتهى بالأحضان الدافئة، إلا أن الحقيقة هى أن
الأحضان أخفت جبالا من الجليد. كان رأى أم كلثوم أن محمد قنديل هو
أكمل وأهم صوت غنائى رجالى، وكانت تلمح بالطبع إلى أنها تضع قنديل
فى مرتبة أعلى بكثير من عبد الحليم حافظ.. وخلافهما الحاد على
الهواء فى حفل الثورة 1964 موثق، حرصت أم كلثوم على تدعيم هانى،
واتصلت بخالد الأمير كى يمنحه اللحن الذى حقق له شهرة عريضة فى
بداية المشوار «كده برضه ياقمر»!!
الحياة الفنية والأدبية لم تسلم من ضربات لأبناء المهنة الواحدة،
وأول هجوم تعرض له نجيب محفوظ بعد جائزة «نوبل» جاءه من يوسف
إدريس، الذى اتهم الجهة المنظمة بأنها انحازت سياسيًّا لنجيب
محفوظ، لأنه مؤيدا للتطبيع!!
لم يكن مثلا أحمد شوقى يرتاح إلى تلك الثنائية التى تجمعه دائما مع
حافظ إبراهيم، حيث دأبت الصحافة ولا تزال على أن تقول «شوقى
وحافظ»،كان شوقى يرى حتى قبل أن يحصل على إمارة الشعر العربى أنه
لا يجوز أن يقترن اسمه بحافظ أو غيره.. وكان حافظ يعلق ساخرًا
لماذا يغضب أنهم يقولون «عسل وبصل»، يعتبرنى أنا بصل!!
نور قال الكثير، وألمح أيضا إلى الكثير من الدروس أهمها هو كيف
نحيل التنافس الى إبداع!!
الباب الموارب والجحيم القادم!!
طارق الشناوي
9/13/2014 02:39:56
حتى لا يزايد أحد فإن مَن يرفض مشاركة فيلم إسرائيلى فى مهرجان
عربى -مثل كاتب هذه السطور- لا يعنى أنه المثالى الشجاع، ومَن يسمح
طبقًا للوجه الآخر للعملة يُصبح هو مَن يبيع المبادئ، أرفض تلك
الاتهامات العشوائية التى تتحوَّل فى العادة إلى أسلحة للمزايدة
العاطفية، ولكن أرى أن الارتكان إلى العقل فى تلك اللحظات هو الذى
يجنّبنا التراشقات التى مع الأسف صارت تُشكِّل طابعًا مميزًا فى
بلادنا، يعرض مساء اليوم رسميًّا فى مهرجان «الإسكندرية» الفيلم
الأزمة «فيلا توما».
حتى كتابة هذه السطور لم أشاهد الفيلم الحاصل على دعم من صندوق
السينما الإسرائيلى وهو يحمل طبقًا لذلك الجنسية الإسرائيلية،
المخرجة سهى عرفات قالت قبل أسبوعين فى مهرجان «فينسيا» إنها
فلسطينية وفيلمها فلسطينى فهى من عرب فلسطين الذين تمسَّكوا
بالبقاء منذ 48 فى الأراضى التى تحتلها إسرائيل ورفضوا الهجرة، إلا
أن هذا الفيلم رسميًّا- مهما حاولنا أن نضيف تعبيرات أدبية- فهو
موثَّق داخل أرشيف السينما الإسرائيلية، الباب الآن أصبح مواربًا
لكل المهرجانات العربية التى كانت ترفض سوف تجد أمامها بعد أن بدأت
مصر الخطوة الأولى قدرًا من الجرأة على الاتجاه إلى هذا الطريق،
وكما يقولون عندما تبتسم مصر يبتسم العالم العربى، فأنا أضيف عندما
تفتح مصر الباب ولو على استحياء للأفلام الإسرائيلية فإن عددًا من
المهرجانات العربية وليست السينمائية فقط من الممكن أن تكسر فى هذه
الحالة الباب.
قرارات المقاطعة الثقافية لم تتوجَّه أبدًا إلى مضمون العمل الفنى،
ظلَّت الرؤية قاصرة على الشكل لا المحتوى، حتى لو كان الفيلم
متعاطفًا ومؤيّدًا لنا فهو مرفوض باعتباره إسرائيليًّا، شعار
المقاطعة الثقافية الذى بدأ من النقابات الفنية فى مصر منذ نهاية
السبعينيات كان يعبِّر عن موقف جماعى بدأه المثقف المصرى احتجاجًا
على التطبيع مع إسرائيل، رغم أن العَلَم العبرى كان يرتفع فوق
السفارة الإسرائيلية التى تُطل على نيل الجيزة، كان هناك موقف
جماعى انطلق من مصر وأيّدته كل النقابات الفنية والمهنية فى عالمنا
العربى، بل إنه طبقًا لهذا القرار الملزم، لا يستطيع الصحفى ولا
الفنان المصرى السفر إلى «رام الله» ليلتقى مع الفلسطينيين، لأنه
سوف يحصل على تصريح من إسرائيل ويواجه فى هذه الحالة الفصل من
النقابة.
كالعادة هناك اختراقات تمت هنا وهناك، بالإضافة إلى أن منطق الزمن
ربما يفرض مراجعة القرار أو وضع معايير أخرى، إلا أن هذا يتم فقط
وفق رؤية جماعية لا موقف شخصى من مؤسسة أو مهرجان أو حتى دولة.
نعم مهرجان «قرطاج» عرض فى أكثر من دورة أفلامًا أسهم فيها صندوق
الفيلم الإسرائيلى، أتذكَّر «سجل اختفاء» لإيليا سليمان، و«درب
التبانات» لعلِى صالح، فهما من عرب فلسطين، كما أن مهرجان «الرباط»
عرض الفيلم التسجيلى «خمس كاميرات محطمة» وشارك فى إخراجه مع عماد
برناط مخرج إسرائيلى، وكلها بالمناسبة أفلام تناصر حق الفلسطينيين،
إلا أنها تُصنَّف كأفلام إسرائيلية.
أفلام المخرج الفلسطينى رشيد مشهرواى ابن غزة، والتى عُرض عدد كبير
منها فى مهرجان «القاهرة»، ونال فيلمه «حتى إشعار آخر» جائزة الهرم
الذهبى، إلا أنها وعلى عكس ما نشره بعض المواقع الصحفية لم تحصل
على تمويل من إسرائيل، كل ما هنالك أن رشيد لا يجرِّم ولا يحرِّم
حصول المخرج الفلسطينى الذى يعيش داخل إسرائيل ويحمل جواز السفر
الإسرائيلى على دعم. المخرج هانى أبو أسعد، الذى عُرض فيلمه «الجنة
الآن» فى مهرجان «القاهرة 2005» شاهدنا اسم منتج إسرائيلى فى
التترات، ولكنه أكد أن الفيلم هويته ألمانية - فرنسية - هولندية
مشتركة، وأن هذا المنتج كان دوره فقط تسهيل التصوير فى إسرائيل،
حيث إن عددًا من المشاهد الخارجية تطلَّبت ذلك. الأمر برمته يضعنا
فى مأزق نفسى ووطنى وقومى، كل التجارب أثبتت أن سياسة الباب
الموارب لا تعنى سوى أن الجحيم قادم!!
نور الشريف وخمس أرواح!!
طارق الشناوي
9/12/2014 10:00:15
سعدت جدا وأنا أرى نجمنا نور الشريف فى حالة ألق ووهج ونور، حيث تم
إهداء هذه الدورة إليه فكانت اللمحة الصحيحة لإدارة المهرجان،
شاهدته قبل أشهر قليلة فى مهرجان الأقصر للسينما المصرية
والأوروبية وشعرت ببعض القلق هذه المرة، كان قد فقد بضعة
كيلوجرامات من وزنه، ولكنه عاد إلى نور كما أعرفه قبل أكثر من
ثلاثة عقود من الزمان. طال الأوبريت المسرحى الذى سبق صعود نور
أكثر مما نحتمل، فكان يحكى ويعيد ويزيد بلا أى إضافة درامية أو
فنية، وجاء حضور نور وسط تصفيق ووقوف الجميع له ليمحو كل ما علق
بالذهن والمشاعر من تراكم وسأم. اختيار المكرمين المصريين فى هذه
الدورة كان موفقًا لأقصى درجة، داوود عبد السيد ونادية الجندى
ومحمد منير الذى كان هو مسك الختام وبكى على خشبة المسرح فأبكانا،
ونحن نسمع تسجيلًا صوتيًّا من «المصير» بكلمات كوثر مصطفى وموسيقى
كمال الطويل «علىِّ صوتك بالغنا» لنتأكد جميعا أنه لا تزال الأغانى
ممكنة. على الإفطار جمعتنى جلسة بمدير التصوير سعيد شيمى،
والمخرج محمد النجار، والإعلامى إمام عمر، وانضم إلينا نور فكان لا
بد من المشاغبة الصحفية، نسيت أن أذكر لكم أنه كانت حاضرة معنا خمس
من الأرواح، أولها عاطف الطيب، وقال نور الشريف إن كتاب سيد قُطب
«الصورة فى القرآن» من الممكن أن يُصبح مرجعا غير مباشر لكى يتأمل
صُناع السينما والدراما كيف نصنع شاشة مصرية خالصة لأنه يتناول
الصورة ومدلولاتها وتفاصيلها التى لا يمكن أن يُدركها إلا الإنسان
الذى يتقن بطلاقة العربية سواء أكان مسلما أو مسيحيا، ليست فقط
الكلمات ولكن الحروف التى تَشع بين الجنبات، وأضاف أنه يستشعر أن
عاطف الطيب ربما استفاد من هذا الكتاب وقدم لنا الواقعية المصرية
لأنها تستند إلى خصوصية، وصلاح أبوسيف قدم الواقعية المطلقة، سألته
عن فيلمه أو حلمه لتقديم حياة الطيب قال لى نعم حلمت ولا أزال ولكن
الواقع الفنى حاليا غير ملائم، قلت له سبق وإن قلت إذا كنت أنا فى
التمثيل أساوى 7 على 10، فإن أحمد زكى 10 على 10، أجابنى نعم
أعنيها ولكن أيضا أقول لك إن ما تركه لنا أحمد زكى لا يعبر حقيقة
عن موهبته، أحمد كان أقرب إلى روح الهواة فى التعامل مع الكاميرا،
ولكن الفن يحتاج إلى احتراف، بمعنى أن الممثل المحترف يستطيع أن
يلتقط شيئا بتعمد وسبق إصرار، وعندما يعيد اللقطة عليه أن يقنعك
أيضا ببكارة وعفوية الأداء وكأنها المرة الأولى، بينما أحمد فإنه
على المخرج أن يلتقط مباشرة ما ترسله أحاسيسه، كان ممثلًا ملهمًا
لديه ما يدهشنا دائما ولكن الاحتراف شىء آخر. قلت له النجوم الآن
يقدمون فيلما واحدا كل عام وأحيانا كل عامين بينما فى تاريخك أكتشف
أنك كنت تُقدم فى العام خمسة أو ستة أفلام، أتذكر مثلًا أن محمود
يسن فى النصف الثانى من السبعينيات كان يتجاوز رقم عشرة، وفى
النهاية أكتشف مع مرور الزمن أن العشرة يعيش منها على الأقل أربعة
أفلام، بينما نجومنا الشباب قد يسقط من الذاكرة مع مرور السنوات
فيلمهم الوحيد، قال لى بالطبع خطأ ولكن شركات الإنتاج هى التى غيرت
الإيقاع. قرأت أن محمود مرسى قال إنه كان حائرًا فى العثور على
مفتاح أدائه لدوره فى مسلسل «زينب والعرش» وذهب إلى الاستوديو
وعندما شاهد حسن يوسف الذى يمثل الشخصية المقابلة له لمعت على
الفور بداخله تفاصيلها، أجابنى نعم فى أحيان عديدة ألتقط رد فعل
وأمسك من خلاله المفتاح. وحضرت فى النهاية روح يوسف شاهين ويوسف
إدريس وفيلمهما «حدوتة مصرية»، وقال لى إنه لا ينسى هذا المشهد
عندما كان يلتقى إدريس كاتب الفيلم وشاهين المخرج كلًا منهما على
انفراد، وكان كل منهما يحذره قائلا إن الآخر مجنون، ويضحك نور: ما
أجمل هؤلاء المجانين!!
«فيلا
توما» فلسطين بين الهوى والهويّة!
طارق الشناوي
9/7/2014 05:55:22
لا أستطيع سوى أن أؤكد تعاطفى مع المخرجة سها عرفات التى تُصرّ على
أن تعلن فى كل مكان «أنا فلسطينية وفيلمى فلسطينى»، وكان «فيلا
توما» قد عرض فى قسم «أسبوع النقاد» بمهرجان فينسيا قبل عشرة أيام،
أكدت المخرجة فى حوار لها ونشره موقع الوكالة الفرنسية أجرته
الزميلة هدى إبراهيم، أنها تلقت دعوة رسمية من مهرجان الإسكندرية
السينمائى، والفيلم سيعرض فى افتتاح المهرجان الأربعاء القادم -حتى
الآن لم يُصدَر بيان رسمى من المهرجان لتوضيح الأمر- لكن فى كل
الأحوال الحد الأدنى أن هناك اتصالات جرت لعرض الفيلم.
المخرجة تقول إن الفيلم يحصل على جنسيته من مخرجته، وهو قول سديد
بالطبع، لكنها تحمل الجنسية الإسرائيلية، فهى ممن دأبنا على أن
نصفهم بـ«عرب فلسطين»، بينما إسرائيل تُطلق عليهم «عرب إسرائيل»،
وأغلبهم يفضلون الانتساب إلى فلسطين مثل ميشيل خليفى وإسكندر قبطى
وإيليا سليمان وغيرهم، ولن نصبح جلادين ونوجه إليهم قهرًا عربيًّا،
وهم فى الأساس مقهورون فى إسرائيل، ويحملون جواز سفر إسرائيليا،
لأنهم لا يملكون شيئا آخر حيال ذلك، فلقد ظلوا صامدين متمسكين
بأرضهم بعد نكبة 48.
الفيلم قالت مخرجته إنها حرصت فى «التترات» أن تمحو تمامًا جنسيته
الإسرائيلية رغم حصولها على تمويل من مركز دعم الفيلم الإسرائيلى،
المعروف أن قسطًا من الأفلام التى تحصل على الدعم الإسرائيلى تناصر
العرب، وأن عددًا منها يشارك فى إخراجه إسرائيليون أيضا مع مخرجين
فلسطينيين مثل إسكندر قبطى، الذى أعلن عندما وصل فيلمه «عجمى»
وقبله «عطش»، إلى القائمة القصيرة فى الأوسكار، أن فيلمه فلسطينى،
إلا أن المهرجانات العربية كلها لم تجرؤ على عرضه التزامًا بقرار
الجمعية العمومية للنقابات الفنية واتحاد الفنانين العرب.
لا أحد يزايد على أحد فى المشاعر الوطنية، وليس بيننا من يدعى
لنفسه أنه ترمومتر الوطن، لكن مثل هذه القرارات لا تتخذ انفراديا،
أشرتُ أمس بالصدفة إلى أن كل المهرجانات العربية رفضت عرض فيلم
«خمس كاميرات محطمة» أخرجه الفلسطينى عماد برناط والإسرائيلى جاى
دافيدى، ووصل قبل ثلاثة أعوام إلى القائمة القصيرة فى الأوسكار،
ولم يعرضه سوى مهرجان «الرباط»، وهو بالطبع خروج عن الإجماع العربى.
ما الخطورة فى فتح الباب للاجتهاد فى هذا الشأن؟ أراه يؤدى إلى
بداية للانقسام بين المثقفين والسينمائيين العرب، الأمر ملتبس
وحساس عندما نتناول المحتوى لا الشكل.
هل تتذكرون فيلم «زيارة الفرقة» الإسرائيلى الذى عرضته إسرائيل على
مهرجانى «القاهرة» و«أبو ظبى» فى أول دورة له عام 2007، أحداث
الفيلم تتعاطف مع الشخصية العربية والمصرية تحديدا، ولا هدف له سوى
تفعيل السلام بين مصر وإسرائيل، وينتهى بعناق بين العلمين وموسيقى
لسيد درويش ويتخلل الفيلم توضيح كيف أن الإسرائيليين يعشقون كل ما
هو مصرى. كان مهرجان «أبو ظبى» مثل «القاهرة» أيضا قد رفض الفيلم،
لكن فى البروتوكول العالمى ليس من حق المهرجان أدبيًّا أن يعلن عن
الأفلام المستبعدة، ولكن أمام تسريب شائعات بمشاركة الفيلم اضطر
مهرجان «أبو ظبى» إلى إعلان الرفض.
أخشى من الانقسام لأن المحتوى الذى تُقدمه هذه الأفلام فى العلاقة
بين العرب والإسرائيليين يخضع للتقييم الشخصى، وهو ما يفتح الباب
للاجتهادات، وتبدأ بعدها التراشقات. مهرجان الإسكندرية سيعرض فى
الافتتاح فيلما فرنسيًّا هذا هو الخبر الجيد والأكيد، لكن الباب لا
يزال مواربًا بخصوص «فيلا توما»، وينتظر بيان من مهرجان
الإسكندرية، فلا أتصور أن المخرجة سها عرفات تدعى أشياء لم تحدث
إلا فى خيالها! |