سينما 2014
مهرجان الإسكندرية السينمائي يبحر .. رغم الأنواء والأعاصير
يحرره: خيرية البشلاوى
برغم الأنواء والأعاصير التي تحاول النيل من استقرار الوطن وإلهائه
واستنفاد عافيته يواصل مهرجان الإسكندرية إبحاره في محيط سينما
البحر المتوسط دون ان يغرق أو يفقد البوصلة أو يتعلل بالكوارث
ويهجر السفينة.
ملامح الدورة الثلاثين "10 - 15 سبتمبر" تؤكد إصرار القائمين عليها
علي ابراز عناصر الوسامة في إنتاج السينما المصرية فاختارت أربعة
من فنانينها الكبار لكل واحد منهم أدواته في إشاعة البهجة وتحريك
الخيال واكتشاف مناطق للجمال غير مجرد الاثارة العابرة.
وأيضا لكل واحد منهم أسلوبه في انعاش المشاعر العاطفية والحسية
وتحفيز ملكة التفكير فلا تقتصر مدة اللقاء مع المتفرج علي مدة عرض
الفيلم ولكنه لقاء يمتد حتي تصبح العلاقة بين الاثنين حميمة وأعمق
مما يمكن ان تتصور.
وفي حجم الحفاوة تتجسد قوة هذه العلاقة. وعندما تتجاوز أي توقع
حينئذ نحتاج تفسيرا وفهما! فحين نودي في حفل الافتتاح علي اسم
الفنان المطرب - الممثل محمد منير انفجر الجمهور في عاصفة هائلة من
الحفاوة جلجلت الصالة وهزت أعماق المغني نفسه وأثرت فيه حتي البكاء.
كاد الفنان بحجم تأثيره ان يكون رسولاً.. ولو أدرك الفنان ذلك وكان
علي مستوي المسئولية إذن يمكننا ان نقول ان لدينا كتيبة من
"المبشرين" الملهمين القادرين علي اكتساح سحابات الظلام الكثيفة
التي تمطر من حين لآخر سموماً علي رءوس أبناء هذا الوطن "إرفع صوتك
بالغني.. لسه الأغاني ممكنة" هكذا غني منير.
نفس الحفاوة والتقدير العميق عبرت عنه الجماهير عند صعود نور
الشريف إلي المنصة ذلك لأنه فنان ظل حريصاً علي بناء جسور قوية تصل
بينه وبين الناس أفلامه واختياراته تشهد علي ذلك.
نجمة الجماهير نادية الجندي أمتعت لسنوات طويلة جمهورها العريض.
تواصلت مع ثقافته الشعبية واحاسيسه الفطرية العفوية. وأيضاً تفاعلت
مع همومه الوطنية فحصلت علي نصيبها العادل من المحبة.
فالجمهور يدرك بحدسه قيمة الفنان. ويقدر اختياراته الفنية ويميز
بين ما هو استهلاكي سريع الزوال وبين ما هو فني يحمل مقومات البقاء
في وجدان الناس والاستمرار شهادة علي نجاح الفنان وحرصه علي احترام
عقلية المتفرج.. والمهرجانات السينمائية بمثابة مسرح يطل منه
الفنان علي جمهوره ويستمد من حرارة اللقاء زاداً يواصل به رسالته..
ومن المؤكد ان المخرج داود عبدالسيد كأحد المكرمين في هذه الدورة
من صناع الفيلم الذين تعاملوا مع السينما بإجلال وباعتبارها وسيطا
ثقافيا وفكريا وأداة تنوير وتأثير في الجماهير العريضة وليست مجرد
فن مسلي يساعد علي الهروب.
المتشرد
الاحتفال بمرور 125 سنة علي ميلاد الممثل الكوميدي العالمي شارلي
شابلن "1889 - 1977" أحد أبرز الملامح في الدورة الـ 30 لمهرجان
الإسكندرية التي تنتهي اليوم. وقد حرصت هيئة تنشيط السياحة علي
المشاركة في احتفالات العالم بهذه المناسبة وأيضاً بمرور مائة عام
علي إنتاج فيلم "المتشرد"
"The Tramp"
الذي أصبح أيقونة عالمية وأحد أشهر الشخصيات في تاريخ صناعة
السينما.
في حفل الافتتاح عرض المهرجان فيلماً قصيراً بعنوان "شابلن المصري"
يضم لقطات لشخصيات مصرية لعبت دور "المتشرد" بعصاه وقبعته وحذائه
وادائه التعبيري الصامت وحسه الكوميدي اللاذع. ومن بين هذه
الشخصيات ممثلين كبار مثل أنور وجدي ونور الشريف وفيروز وممدوح
عبدالعليم ولبلبة...إلخ.
الفيلم أخرجه لهذه المناسبة خصيصاً المخرج التليفزيوني حمدي متولي.
كان المفروض ان تزور مصر وتشارك في المناسبة العالمية ابنة هذا
الفنان الممثلة جيرالدين شابلن بدعوة من الهيئة القومية لتنشيط
السياحة ثم بعد الترتيبات والاتصالات والاعدادات الخاصة بالزيارة
والتي تولت القيام بها سهير عبدالقادر المدير السابق لمهرجان
القاهرة السينمائي الدولي.
بعد ذلك كله تراجعت الهيئة لأسباب مادية في الأغلب رغم المساومات
التي تمت مع وكيل الممثلة وأدت إلي تخفيض تكلفة حضورها من 25 ألف
دولار إلي عشرة آلاف فقط. من بين الترتيبات التي وافقت عليها
الممثلة العالمية جيرالدين شابلن زيارة الأقصر وحضور المؤتمر
الصحفي الذي استعدت له إدارة المهرجان بعرض ثلاثة أفلام من أعمال
المخرج وهما "المتشرد" و"الديكتاتور العظيم" و"العصور الحديثة".
لا أعرف كيف اعتذرت الهيئة للممثلة بعد سلسلة من الاتصالات
والتأكيدات وماهي الخسارة الأدبية التي تطول بالضرورة سمعة مؤسسة
وطنية مهمة مثل هيئة تنشيط السياحة؟؟
الطيب الوحيشي
من الفنانين العرب الذين يتم تكريمهم المخرج التونسي الطيب الوحيشي
الذي حرص رغم عجزه عن الحركة بسبب الحادث الأليم الذي أقعده علي
كرسي متحرك ان يشارك في المهرجان وجاء إلي الإسكندرية بهمة فنان
يتحدي سوء الحظ بالارادة والاستمرار في العطاء الفني.. والوحيشي
فنان من طراز خاص. مغامر يختار موضوعاته بحرية مطلقةدون حسابات
الربح والخسارة. ومن دون رهان علي الذوق السائد ولا النمط
الاستهلاكي للأفلام.. مسيرته السينمائية بدأت بفيلم "ظل الأرض"
"1982" أول أفلامه الروائية الطويلة بعد مجموعة من الأفلام القصيرة
والوثائقية نال جوائز بعضها في مهرجان أيام قرطاج السينمائية وتم
تكريمه في نفس المهرجان وهو من المخرجين العرب القلائل الذين خلقوا
علاقة سينمائية قوية بالصحراء صور فيها ثلاثة من أفلامه هم "ظل
الأرض" و"مجنون ليلي" و"رقصة الريح" وجعل منها معادلاً موضوعياً
للبراح اللامتنهائي أمام لغة الصورة ونوعاً من "التيه" الوجودي
والتجوال الفكري علي أكثر من مستوي.. انه من أبناء القري الذين
خرجوا إلي أكثر مدن العالم تركيباً وتشعباً مسلحين بثقافتهم
الفطرية وعلمهم المكتسب دونان يفقدوا أصالتهم.
من أجل أبناء الاسكندرية
وكثيراً ما كانت توجه للمهرجان تهمة الابتعاد عن ابناء الاسكندرية
الموهوبين. وهي تهمة أشهد أنها ليست صحيحة لأن المهرجن عادة ما
يستعين بعدد من ابنائها في الاعداد والتنظيم. وغالباً ما يشارك
ابناؤها المهتمون بالسينما والأفلام البعيدة عن السائد.. ومع ذلك
حرصت هذه الدورة علي تنظيم مسابقة "للفيلم القصير" تعتبر الأولي من
نوعها وتحمل اسم الراحل المخرج محمد بيومي الضابط الذي عشق السينما
وكان من أوائل الذين اسهموا في غرسها علي الأرض المصرية.
تضم هذه الدورة أيضاً ورشة عمل للسينما والأفلام القصيرة يشرف
عليها سعد هنداوي واخري للتصوير السينمائي يشرف عليها مدير التصوير
سعيد شيمي.
بلغت النظر في حفل افتتاح المهرجان "الزحمة" الشديدة في عدد
المكرمين في هذه الدورة. والزحمة هنا غير الزخم. الأولي تخلق
احساسا يستدعي المثل الذي يطلقونه علي أهل محافظة الشرقية الذين
"عزموا القطر" والثاني يصور حالة من الحضور الفني الايجابي الذي
يمنح التكريم ثقلاً يجعله مؤثراً.
بالتأكيد يستحق جميع المكرمين الاحتفاء بهم ولكن ليس بهذه
"السيولة" التي تصنع مع الزحمة لا مبالاة وربما فوضي وإطالة تطفيء
حماس حتي الذين يتم تكريمهم.
آنا جيتس
الفيلم الأجنبي الوحيد الذي شاهدته حتي كتابة هذه السطور فيلم
تسجيلي فرنسي بعنوان
"Amna gates"
عمل جيد فعلا يدور داخل مدرسة للاطفال المعوقين من مرضي "التوحد"
"antism"
والمرضي النفسيين ويتناول عبر مشاهد يومية تفصيلية حية كيفية
التعامل معهم حتي يصبحوا قادرين علي التوائم مع احتياجات الحياة
البسيطة والتفاعل مع الآخرين.
الفيلم يعتمد علي التلقائية والتقاط ما أمكن من الظواهر الخاصة
بالمرض والسلوك المرتبط به وأعراضه ودور المعالجين الذين خضعوا
بالضرورة لتدريب ودراسة تؤهلهم للتعامل مع هذا النوع من المرضي من
دون عقاقير وتأثيرات جانبية.
الفيلم يفرق بين التوحد والمرضي النفسي وينطلق من موضوع التماثل
والاندماج اجتماعياً للأطفال المصابين ويقوم علي الاعتقاد بأننا
مسئولون وعلينا ان نقوم بدور ايجابي ونشط ونشارك في الحفاظ علي
صحتنا. ويشير إلي الاعراض التي يمكن ان تكون مؤشراً ينذر بامكانية
الاصابة بالمرضي.
والجمعية تأسست عام 1995 وقد قامت السيدة آنا جيتسي بتأسيسها بدافع
شغفها الشديد بمساعدة الآخرين في ممارسة تجربة التمريض من خلال
استخدام الطرق الطبيعية.
الفيلم رغم موضوعه ونوعه الفني يعتبر تجربة ممتعة ومفيدة فعلا
وتلفت النظر إلي الجهود الأهلية الرائعة التي تبادر بها شخصيات
عادية من أجل خدمة الآخرين.
رنـات
"البطلة"
في الدورة الثلاثين لمهرجان الإسكندرية
بقلم: خيرية البشلاوى
"البطلة"
عنوان لفيلم جزائري عرض في المهرجان ويشير إلي بطولة امرأة "حورية"
واجهت بصلابة سنوات الإرهاب أو ما اصطلح علي تسميته "بالعشرية
السوداء" في الجزائر "صورية" لم تستسلم للهزيمة بعد اغتيال زوجها
وأسرته وانما سعت بإرادة فولاذية إلي خروج آمن من العتمة إلي ضوء
النهار.
و"حورية" امرأة عادية.. ست بيت وزوجها لرجل مكافح "عاشور" تزوجته
عن حب واقتناع وأنجبت ولدين وعاشت ترعي أسرتها الصغيرة في منزل
بجوار بستان للفواكه يملكه الزوج ويتولي بنفسه رعايته محققا دخلا
يكفي الأسرة.
وفي صباح أحد الأيام نسمع الزوجة وهي تتوسل إلي الزوج أن يتركوا
القرية ويذهبوا إلي الجزائر العاصمة بعيدا عن الرعب اليومي الذي
يمارسه رجال العصابات المسلحة. فالجثث كما تقول تتناثر في المنطقة
والولدان عند ذهابهما إلي المدرسة يصطدمان بما يمكن أن يصيبهما
بالعقد النفسية.
"زمان
كان العدو معروفا ومحددا والمعركة معه تعني حربا تحريرية. أما الآن
فنحن لا نعرف من هو العدو. فقد يكون جارك أو ابن عمك أو حتي
ولدك!!" هكذا تقول أم الزوج في تعليقها علي ما يجري إبان تلك
السنوات وما أشبه اليوم بالبارحة.
أجواء الفيلم تشيع منذ البداية إحساسا ما بالقلق والريبة والخوف من
مجهول منذر وجه "حويه" يشي بكل هذه المشاعر فلا يمر وقت طويل علي
خروج الزوج إلي عمله بعد أن وعد زوجته بالانتقال إلي العاصمة ولكن
بعد جني المحصول وبيعه حتي يأتي الشقيق الأكبر للزوجة يحمل الخبر
المشئوم: قتلوا عاشور فلم يعد أمام "حورية" غير الانتقال إلي منزل
الأسرة حيث الأم والأخ الشقيق وشقيقة تصغرها.
الشقيق الأكبر رجل ضعيف يستولي علي دخل البستان متعللاً بسوء
أحواله الاقتصادية والأم تفرض وصايتها علي الأرملة الشابة متسلحة
بالتقاليد ومبادئ مجتمع ذكوري قح يدين الأرملة إذا عاشت وحدها من
دون رجل ويدين الأسرة نفسها لو سمحت بهذه الحرية.. وكذلك يدين
الأخت لو حاولت الدفاع عن حقها وحق أولادها اليتامي إذا ما تصدت
للشقيق الذي استولي علي هذه الحقوق وكذلك تقف الأم بتعنت أمام رغبة
"حورية" لو قررت الاستقلال والعمل بعيدا عن وصاية الأم والأخ.
ومع كل هذه القيود المكبلة للحرية تتمسك "حورية" برغبتها في
الاستقلال والعيش مع ولديها ورعاية الطفلة الرضيعة اليتيمة التي
فقدت أمها أثناء الهجوم الوحشي علي الأسرة.
"البطلة"
موضوع الفيلم والذي قام المخرج بالتعريف بها سينمائياً وبمعني
البطولة الذي جسدته ممثلة جزائرية أدت دورها بإتقان اضطرت لأول مرة
أن تتسلح بأداة حادة للدفاع عن ولديها وخاضت رحلة البحث عن عمل حتي
لا تظل عالة علي الأسرة وتولت بنفسها تربية طفلة ليست ابنتها ولم
تتخل عن مسئوليتها كأم ولا عن حقها لدي الدولة التي عليها أن توفر
الرعاية لضحايا الإرهاب وبالطبع دافعت عن كيانها كإنسانة من حقها
أن تختار حياتها وتحقق استقلالها.
رسالة الفيلم واضحة ومباشرة والمخرج ـ شريف عقون ـ حرص في فيلمه
الروائي الطويل الأول أن يراعي جماليات اللغة التي عالج بها موضوعه
وحرص في السيناريو الذي كتبه بنفسه أن يمنح المرأة الجزائرية
مجدداً وسام الاستحقاق الذي سبق أن حصلت عليه مرارا في أفلام وطنية
قوية أذكر منها فيلم "رياح الأوراس" ولا ننسي فيلم يوسف شاهين
"جميلة بوحريد" ومنذ الوصلة الأولي والكاميرا تمسح ببطء المشهد
الطبيعي بين الجبال والسماء وبستان الفاكهة ثم البيت الصغير مكان
الأحداث في بداية الفيلم وبعدها مظاهر المدينة ببناياتها المتلاصقة
وجدرانها المحاصرة وتقاليدها الضاغطة علي المرأة.
في البداية تشعر بأن هذا الجمال الظاهر يخفي آفة سامة شعور تدعمه
المؤثرات الصوتية والموسيقي وبالفعل سرعان ما تتكشف حالة القلق
والمخاوف التي تؤرق الزوجة الشابة "حورية" بطلة الفيلم وبطلة
صُناعه.
فعلي المستوي الخاص نتابع تفاصيل من حياة الأسرة الجزائرية في
الريف ثم في المدينة وأجوائها وتقاليدها في مناسبات الحزن والفرح
وذلك من خلال قصة بسيطة تتوالي أحداثها في تسلسل زمني مستقيم بلا
سفسطة وبلغة بصرية سهلة ومقنعة ومن دون مبالغات ميلودرامية ثقيلة.
وعلي المستوي العام يستحضر الفيلم الكابوس الذي عاشته الجزائر
ومازالت دول عديدة تتكبد ويلاته ومنها مصر وبحيث يبدو للمشاهد
العربي ان "العشرية" سوف تطول مع انتقالها من أرض لأرض أخري في
المنطقة العربية.
فصناعة الإرهاب وتصديره للعالم بماركات تختلف أسماؤها "القاعدة". "داعش".
"أنصار بيت المقدس" والجهاد "النصرة" والإخوان إلخ إلخ" تختلف
الأسماء وتتفق المكونات وصور البشر وتزول بفعل شلالات الدماء
الفوارق بين المذاهب والملل والأجناس والجنسيات. ذلك لأن الإرهاب
حول البربرية الدموية إلي "أيديولوجية" تدعمها وتمولها وتسلحها "الكولونيالية"
و"الامبريالية" و"القوي الاستعمارية".. وكلها تسميات لكيان واحد
وبنفس أهدافه القديمة سرطان ينتشر كالنار في الهشيم تم اختصاره في
"الغرب الصهيو ـ أمريكي".
وأصبح رغم كل الزيف الإعلامي الهادر معروفا لدي الجميع بعملائه
وأعوانه وأرضه التي يحرك فوقها "قواته".
"البطلة"
وإن كان يستعرض بطولة امرأة عربية ويلقي الضوء علي سنوات عتمة
رهيبة. إلا انه يذكرنا بأنه لا خلاص من "العشريات السوداء" إلا
بإرادة جامعة موحدة لا تلتف إلا لصالح الشعوب. |